عدد المشاهدات:
حنى الان لم يستطيع نظام فى العالم ولا امة من الامم ان تحقق لشعوبها ما تتطلع االية من الحرية والعدل والكرامة ولا حتى الدول الغربية المتقدمة التي هيمنت على قسم واسع من الأرض في التاريخ القريب أن تحقق الأمان والحبور الدائم للعالم، ولا الشعوب الاشتراكية والشيوعية في الشرق،وذلك قد أوقع الجميع في أزمة انعدام الثقة... بل في الريبة والشك في كل الوعود فوقفت الإنسانية اليوم كل نظام يعرض عليها موقفَ الشك والقلق والاستهزاء.. لأنها باتت تعتقد أن الأنظمة التي فُرضت عليها حتى اليوم لم تعمل كما ينبغي، بل عجزت عن العمل، وبالتالي هناك خلل في الأنظمة كلها!. وهذا يقتلع المحاسن التي غرستها تلك الأنظمة، فلا يبقيها في ذاكرة البشر إلا خيالاً بائساً.عجزِت عن احتضان الفئات كلها، والقصورِ في إنجاز وعودها، والضعفِ في الاستجابة للحاجات الإنسانية؛ و إغفالها مجموعة من القيم الإنسانية، بل تأجيج بعضها مشاعر الحقد والبغض والغيظ بين البشر.بناء على ذلك، فإن أمتنا ابتداء، ثم الإنسانية جمعاء، بحاجة ماسة إلى فكر سام يقوي إراداتنا، ، ويبعث الأمل في قلوبنا، ولا يعرضنا للخيبة مرة أخرى. نحن بحاجة شديدة إلى أفكار وغايات وأهداف سامية، ليس فيها فجوات عقلية أو منطقية . ,وهنا لابد ان يكون لكل امة هدفسامي. لقد تعرضت أمم عديدة في الماضي، كما تتعرض في الحاضر، إلى هزات شديدة لتقاعسها في ربط سياساتها السارية بهدف سام وسليم، وقصر باعها في النفوذ إلى قلوب البشر.فالواجب علينا الآن -مع وضع هذه السلبيات نصب أعيننا- أن نضع أمامنا أهدافا سامية نتخذ في سبيل تحقيقها قيمنا الذاتية أسسا لصياغة سياسات ومشاريع مستقبلية، حتى يتحقق الاستقرار في سياساتنا.فيحوزالهدف السامى الخالى من الاهواءعلى الاحترام من كل الفئات، فيستحوذ على العقل والمنطق والعواطف، ويكثف الحركات كلها في نقطة واحدة. فكانت هذه القوة في إطار الشروط العادية والأخذ بالأسباب كافية لتحقيق الهدف المقصود. وحتى نجنِّب أمتنا من الفظائع والفواجع التي لا مفر منها في حال سقوطنا،... فنتشبث بالسعي مستعينين بالله تعالى، ونستهدي التوفيق الإلهي في وحدة الأمة وتوافقها، ثم نركز على كينونتنا الذاتية ونتعقب أهدافنا وغاياتنا السامية.ومن الظاهر عيانا وبيانا، أننا لن نتغلب بمشاريع سبق أن تعودناها، على كل هذه السلبيات في مرحلة عاصفة تواجهنا فيها مهاوٍ سحيقة متشابكة، وجسور منهدة وطرق منقطعة، وبأمة متعبة بمحن متنوعة لم نشهدها في تاريخنا إلا قليلا.ولذلك، نؤمن -في هذا الوقت الذي نرجو فيه أن نكون أمة عظيمة- بضرورة منهج ومشروع بعقلية محترفة ومتخصصة، بل قبل ذلك، بضرورة إعداد أجيال مثالية تحلم وتستهدف لإنشاء أمة عظيمة.بتوجه القلوب المخلصة إلى الله تعالى، ومَنُّ الله تعالى بزيادة الإحسان على هذه الأمة التي توارثت العز من أعماق تاريخها....ولتحقيق هذا كله، لا حاجة إلى تلقين المسلم فهما جديداً للإسلام، ولا إلى إعادة تعليم الإسلام للمسلمين من جديد. وإنما المطلوب العمل على تفهيم المسلم الأهمية الحيوية لما يعرفه عن الإسلام فعلاً، وقوة تأثيره، وديمومته الأبدية. لكن المؤلم حقا أن الأقوال في هذه المسألة مختلفة اختلافاً بيناً إلى درجة تحير العقول... فهوى الرغبات يتقدمُ العقلَ ويقيم في ظل الخيمة الإلهية، والأحاسيس تصدر أحكاما من فوق عرش المنطق. ونحن نعرف هذا الانحراف في نفر من محترفي الإنكار والإلحاد والكفار المدمنين على التحرش بالدين، لكن قد يقع فيه أيضا بعض المتعصبين المحرومين من الحياة القلبية والروحية من الذين يحسبون أنفسهم متدينين. هذان الصنفان مختلفان فيما بينهما، لكنهما كفرسي رهان في الإضرار بالأمة والوطن والدين.الصنفان كلاهما لا يوقر روح الدين، وكلاهما لا يتسامح في التفكير الحر، وكلاهما مختوم على قلبه، فلا يَعي فكرة المشاركة والتقاسم. رأس مالهم الأعز هو الفرية والزور والتشويه، وأجود فنونهم هو النميمة واللمز على من لا يحسبونه منهم... لا يهمهم إلامَ يلجؤون، ولا على من يستندون؛ فالمهمّ أن يهضموا ويأكلوا من لا يستسيغون وجوده. والحقيقة أن حرصهم وسعيهم في هذه المسألة عظيم وحثيث إلى درجة أظن أنهم لو صرفوه فيما يليق لعمّروا العالم كله.وبدهي في هذه الأجواء المظلمة الخانقة، وفي ميدان الذين لا يفكرون ولا يبصرون ولا يعلمون، لن توجد الحياة الفكرية والعشق إلى الحقيقة والتحري في سبيل العلم والبحث... وإن وجدت، فلن تنمو وتتطور، وإن نمت وتطورت فلن تغادر عالم الأحلام والفانتازيا. وإنّ حالنا المنكسر البائس شاهد على ما نقول بألف لسان، وليس بلسان واحد.لكن الحال يقتضي في الواقع أن تكون عقلية أمتنا عقلية إعمار وإنشاء... وأن ننجو من هذه الحالة التي نتخبط فيها والتي نعاني فيها من فقر التفكير وغياب الأهداف. ونحن اليوم بحاجة ماسة -قبل كل شيء- إلى غاية مأمولة سامية بعيدة المرام، هي انبعاثنا برؤيتنا الحضارية وبثقافتنا الذاتية. ولابد لأمتنا أن تصبر على أوجاع وعذاب وزمانٍ يسلب العاقل عقله ويدع الحليم حيران، من أجل الارتقاء إلى العلياء كصرح سامق يرتكز على أركان القيم التاريخية لأمتنا. إنَّ مراعاة سير تطور الحوادث ضمن طبائعها، تتعلق بسعة المعرفة بهذه الطبيعة. القرآن الكريم يخاطب سيدنا صلى الله عليه وسلمفيقول: ﴿لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قَاصِداً لاتَّبَعُوكَ وَلكِنْ بَعُدتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ﴾(التوبة: 42)، فيُسَرّي عنه صلى الله عليه وسلمويُوبّخ المتخلفين المتهاوين في الطريق.وحسب المنظور الإسلامي، يُعَدُّ المقصود حاصلاً بنوال الهدف البدهي لكل حركة أو حملة، وهو رضى الله تعالى. فسواء بعد ذلك إن تحققت نتيجة الخدمات المقدمة باسم أمتنا بارتقائها إلى المكان اللائق بها في التوازن الدولي، أو لم تتحقق؛ فإن المؤمن يسعى لنوال رضاه تعالى في كل خدمة إيمانية وكل فعالية دعوية. فبهذه النظرة يتحول غيرها من الأهداف إلى أهداف إضافية واعتبارية، ومحض وسائل تؤدي إلى الهدف الحقيقي.