آخر الأخبار
موضوعات

الأحد، 4 سبتمبر 2016

- إشارات فى علامات وقوع الساعة

عدد المشاهدات:
علاماتوقوع الساعة 
للعارف بالله فضيلة الإمام 
محمد على سلامه 
مدير أوقاف بورسعيد 
1407 هجرية -  1987 ميلادية
مقدمة الطبعة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
إن كتاب علامات وقوع الساعة، قد طَوَّف بحمد الله في ربوع البلاد حتى نفذت طبعته الأولى لِمَ لهذا الكتاب من منزلة خاصة في نفوس المسلمين، ولما كان الطلب عليه كثيرًا من جهات متعددة، التمس مني إخواني أعضاء جمعية الدعوة إلى الله بالقاهرة، أن يعيدوا طباعته للمرة الثانية، استجابة لرغبة الطالبين، فأذنت لهم بإعادة طبعه وقد جاءت هذه الطبعة مزودة ببعض النقاط الهامة التي لم تتضمنها الطبعة الأولى استكمالاً للفائدة المنشودة من وراء ذلك.
أرجو الله عزَّ شأنه أن ينفع بها إخواني المسلمين، وأن يهدي بها غيرهم إلى دين الله القويم، إنه مجيب الدعاء.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.















الحمد لله الذي أنشأ العوالم من العدم بقدرته وحكمته، وجعل لكل منها أجلاً محدودًا، وعمرًا معلومًا عنده جلت قدرته، وتعالت حكمته، ومن كمال فضله ورحمته على بني الإنسان أن عَرَّفَهُم كيفية تكوين المخلوقات، وتطورها، وعَرَّفهم كذلك علامات انتهائها، ودلالات فنائها، فقال عزَّ شأنه: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا[1]  وقال الله في آية أخرى: ﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ[2] .
وهذه التطورات تعتري كل كائن من عالم المادة، إذ أن الإنسان وهو أعظم هذه الكائنات وأكرمها شأنًا قد قدر الله عليه هذه الأطوار.
وعالم المادة هو كل شيء يقع تحت الحس، من سمع وبصر ولمس وذوق وشم.
والحياة الدنيا كلها ممثلة في حياة الإنسان وتطوراته، وقد ضر الله مثلاً لكل تلك الحياة بقوله سبحانه وتعالى: ﴿وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا[3] والمتأمل في هذا المثل يرى كيفية خلق الله للكائنات، ثم يشهد تطورها في الخلق، ويرى كيفية نهايتها وعلامات هلاكها وفنائها، كالإنسان الذي خلقه الله من ضعف، ثم جعله من بعد ضعف شبابًا وقوة، ثم جعله من بعد قوة ضعف وشيخوخة وشيبة، ثم من بعد ذلك فناء وموتًا، والأمر كله بيد الله إذا أراد شيئًا قال له كن فيكون.
والصلاة والسلام على هادي الأمة، وكاشف الغمة، والشفيع الأكبر يوم الكرب والشدة، وعلى آله وصحابته ومن اهتدى بهديهم إلى يوم الدين.
وبعد
فإنني أنا العبد الذليل المسكين، رأيت من الواجب عليَّ لله ولرسوله ولإخواني المسلمين، أن أكتب رسالة صغيرة على قدري، أبين فيها لنفسي ولإخواني بعض الأحداث التي تكون بين يدي الساعة، والدلالات والعلامات التي تشير إلى اقتراب يوم القيامة، حتى نكون جميعًا على ذكر وفكر من هذه الأحداث والعلامات ونعلم يقين العلم أن الوقت قد حان، وأنه يجب علينا جميعًا أن نستعد، وأن نتجهز لهذا اليوم الموعود الذي لا شك فيه ولا ارتياب.
فلذلك كان لزامًا عليَّ أن أذكر نفسي وإخواني المسلمين بهذه الرسالة التي بين يديك أيها القارئ الكريم، وأرجو منك إن وجدت فيها خيرًا فاحمد الله عزَّ وجلَّ على أن وفقني لتقديم هذا الخير إليك، وإن وجدت فيها غير ذلك فاعذرني واستغفر الله لي، فإنني عبد خطاء ظلوم جهول، وقد تحريت الصواب على قدر طاقتي ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد الذي علمنا ما لم نكن نعلم وعلى آله وصحبه وسلم.
                                                       كتبه
                                             العبد المنكسر القلب إلى الله ورسوله
                                                         محمد على سلامه







التسابق إلى الإسلام في آخر الزمن
قد قدر الله تعالى أن يكون جيلنا هذا في آخر الزمن ليكرمنا الله بما أكرم به الأولين السابقين إلى الإسلام، فقد كانوا يتسابقون إلى نور الإيمان في وقت كان المجتمع فيه من حولهم في جاهلية عمياء، وضلالة حمقاء، لا علم فيها ينفع، ولا صناعة لها تذكر، ولا أخلاق عنده تحمد، ولا دين يهديهم إلى سواء السبيل وكذلك جاء المؤمنون في هذا الزمن يتسابقون إلى نور الإيمان، والمجتمع الكافر والمترف من حولهم في جاهلية مادية كثيفة، مظلمة وقاتمة، عبر الله عنها بقوله: ﴿وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى[4] والطاغوت هو طغيان المادة البشع، من الشهوات الفاجرة والأعمال الفاسدة، والزينة والزخرف والعلوم المادية التي اخترعوا بها ما يشبه المعجزات من آلات الدمار والهلاك، ولتلك الأمور طغيان أكبر من طغيان الجاهلية الأولى، فقد زادتهم تلك الصناعات والعلوم كفرًا وجحودًا وعنادًا لله ولرسوله ولدينه ومحاربة للمسلمين وسفكًا لدمائهم واستيلاءً على بلادهم وأموالهم.
والمؤمنون في هذا الجو المكفهر يجاهدون ويتسابقون، ليلحقوا بمن سبقهم من المؤمنين رضي الله عنهم، سر قول الله عزَّ وجلَّ: ﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِّنَ الْآخِرِينَ[5] اللهم اجعلنا من هذا القليل يارب العالمين، بل إن التسابق إلى الخيرات والأعمال الصالحة في وسط الجاهلية الثانية هذه، أعظم أجرًا من التسابق أيام الجاهلية الأولى، لأن تلك الجاهلية أشد عتوًا وعنفوانًا وإغراء وإضلالاً من الجاهلية الأولى.
وهذه الظاهرة من أكبر الأدلة على قرب قيام الساعة قال تعالى: ﴿حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ[6] فإنه يجوز أن تكون كلمة الأرض في هذه الآية الشريفة قد أراد الله بها أرض الأمم والدول التي بلغت شأوًا بعيدًا في الصناعات والاختراعات والعلوم الكونية مثل دول الغرب والشرق الكافرين، الذين تبجحوا في هذه الأيام بزخارفهم وصناعتهم وعمارتهم، وتمكنهم من قهر الطبيعة في بلادهم، واستيلائهم على مقدرات الحياة فيها، وظنهم أنهم وصلوا إلى منتهى القوة التي لم تقدر أي قوة على قهرها، ونسوا الله سبحانه وتعالى وتجاهلوا قوته وقدرته عليهم، وكفروا بلقاء الله وجحدوا بيوم الحساب.
ومن هذا المنطلق قاموا يفسدون في الأرض، ويستعبدون الشعوب، ويتحكمون في مصائرهم، وأنه قد حصل فعلاً زخرفة أرضهم بما وصلوا إليه من علم وتكنولوجيا، حتى صارت أرضهم كالجنات الفيحاء والرياض الغناء في وسط هذه الدنيا، وحيث أنهم يجاهرون بقدرتهم، ويتطاولون  بقوتهم ويتحكمون بها في رقاب الناس، وغفلوا عن ذي القدرة والجلال سبحانه وتعالى، فإن قوتهم هذه على وشك الانهيار والخراب، وبلادهم في طريق الهلاك والدمار بما صنعوا في عباد الله من ظلم وطغيان، وتطاول على قدرة ذي الجلال والإكرام.
وعلى ذلك تكون هذه الآية خاصة بأصحاب هذه البلاد الكافرة ومن على شاكلتهم، دون بقية العالم، وخاصة المسلمين فإنهم لا يتطاولون على قدرة الله، ولا يظنون أنهم قادرون على كل شيء في أرضهم وديارهم لأن المسلمين حتى وإن بلغوا شأنًا كبيرًا في الحضارة والرقي والتقدم والازدهار وعمروا الأرض، وزخرفوها، وزينوا البلاد، وجملوها إلا أنهم لا يعتقدون أنهم قادرون عليها، ولا يتطاولون بذلك على عباد الله، ولا يفسدون في الأرض بعد إصلاحها، بل إنهم يؤمنون بأن الله على كل شيء قدير، وإن الذي أجراه الله على أيديهم من هذه الصناعات والعمارات والتقدم والازدهار إنما هو بفضل الله وتوفيقه، ومعونة الله وتأييده، فالآية إذن خاصة بدول الكفر والجحود ودول الاستعمار والفساد، وإننا نرى أن ما أعدوه من الآلات الجهنمية والقنابل الذرية والغازات السامة إنما هو نذير إهلاكهم، وآلات إبادتهم وخرابهم بسبب ظلمهم وعدوانهم: ﴿وَمَا ظَلَمَهُمُ اللّهُ وَلـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ[7]  
وإن الله سينجي المؤمنين بقدرته وحكمته من هذا العذاب الأليم، الذي تسعره وتوقده هذه الدول الكافرة لإهلاكهم قبل إهلاك غيرهم ولكنهم لا يعلمون.
هذا وإن في قوله تعالى: ﴿ أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا إشارة إلى هذا التوجيه الذي ذهبنا إليه لأن كلمة ﴿ أَوْ في هذه الآية الشريفة تقتضي العطف بدون ترتيب المعطوف على المعطوف عليه، وإنما تفيد كلمة ﴿ أَوْ هنا معنى الجمع لأن الليل والنهار حاصلان فعلاً في وقت واحد، وكل منهما جهة من الأرض، وإنَّ أَمْرَ الله بإهلاك هذه الأرض ومن عليها سيأتيهم في لحظة ما وستكون هذه اللحظة نهارًا في جهة من الأرض، وليلاً في الجهة الأخرى منها.
وقد قال الإمام أبو العزائم رضي الله عنه مشيرًا إلى هذا المعنى في تنبؤاته بأحداث المستقبل:
وفي قلب أوربا يثور شعوبها       ويصطدم الجمعان من تغير تعيين
والجمعان هما معسكر الغرب وحلفاؤه، ومعسكر الشرق وأحلافه، وسيضرب بعضهم بعضًا في ساعة لا تستطيع مخابرات كل منهما تحديدها. أي أن دول الكفر والظلم يصدمون مع بعضهم في وقت واحد، لا يعرفه أحد منهم، حتى يهلكون جميعًا في آن واحد وهذا معنى قوله تعالى: ﴿فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ وذلك تقدير العزيز العليم.
ومن ذلك يتضح أن هذه الأحداث ستقع قبل يوم القيامة، لأن يوم القيامة ليس فيه ليل، وليس فيه نهار، لأن حركة الفلك قد انعدمت فيه، وإن هذه الأحداث الكبرى ستكون علامة من علامات اقتراب الساعة، لأنها حقيقة الهرج والمرج الذي يجتاح العالم حينئذ وهو الذي أخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: {وتظهر الفتن ويكثر الهرج قِيل أَيُما الهرج قال القتل القتل}[8].
وقد كتب الله النجاة للمؤمنين، ليعيدوا عمارة الأرض من جديد على مبادئ الإيمان والإسلام: ﴿وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ[9] وقد وعد الله بذلك في قوله تعالى: ﴿ ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُواْ كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنجِ الْمُؤْمِنِينَ[10] وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
هذا وإن الناس ينظرون إلى الإسلام اليوم على أنه الملجأ الوحيد الذي يجدون فيه المخرج مما ألم بهم من الأهوال والشدائد. وذلك لأنهم يئسوا من الأوضاع الراهنة التي لم تزد الأمور إلا تعقيدًا وحرجًا.
وقد قال بعض المفكرين الكبار من دول الغرب المسيحي لو أن محمدًا موجود الآن لحل مشاكل هذا العالم في مدة لا تتجاوز شُرْبُهُ لفنجالِ من القهوة، فأخذوا فعلاً يتجهون للإسلام، ويفكرون فيه جيدًا، فإنهم يعلمون أن محمدًا قائمًا في المسلمين بتعاليمه وآدابه وهديه الكريم، فلم يتغير منه شيء عما كان عليه يوم أن كان يعيش بين أظهرهم، وإننا نرى اليوم كثيرًا من الناس يعتنقون الإسلام ويدخلون فيه اقتناعًا منهم بأن فيه الخلاص والصلاح والإصلاح وسيتحقق قول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:{إذا كان آخر الزمان أهلك الله جميع الملل والنِّحل فلم يبق إلا الإسلام}. وقول الله عزَّ وجلَّ: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا.
___
علامات وقوع الساعة
سؤال: نرجو إلقاء الضوء على يوم القيامة، وعلى الأمارات الدالة على قربه؟.
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله الذي جعلنا من عباده الموقنين بالغيب، حتى أصبح اليقين به أقوى من يقيننا بالكائنات المشهودة للحواس، لأن الله الذي خلق السموات والأرض وما بينهما، وخلق لنا حواسًا ندرك بها هذه العوالم، هو الذي خلق الغيب وأخفاه عن الحس والعقل، وأمرنا بالإيمان به، وجعل فينا قوة تشهد هذا الغيب، وتستيقن به بعد الإيمان والتسليم به، وهي الروح والقلب، لأنهما من عالم الغيب، وكل حقيقة فينا تشهد ما يشابهها ويشاكلها من الحقائق، فسبحان من أودع في الإنسان جميع القوى والآلات التي يدرك بها عالم الغيب وعالم الشهادة وكل شيء عنده بمقدار.
وقد أخبرنا الله ورسوله عن يوم القيامة، وكشف الله لنا حقيقة هذا اليوم حتى رأيناه قريبًا، فاتضحت أمامنا معالمه، وظهرت لنا أسراره، وذلك بعد استحضار هذا اليوم، وتصوره بقوة الخيال، وارتسامه على جوهر النفس، سر قول الله تعالى عن رؤية هذا اليوم لكل من المؤمنين والكافرين: ﴿إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا وَنَرَاهُ قَرِيبًا[11] فقد عبر الله عن رؤية الكافرين ليوم القيامة بأنها رؤية تستبعد وقوع هذا اليوم، حيث أنها رؤية مبنية على الجهل والعناد والاستكبار على الحق، وهذه الأمور تجعلهم في سجن لا يتبينون شيئًا لأنها تبعدهم وتحجبهم عن الرؤية الصحيحة، فإن رؤية الإنسان للأشياء من مسافات بعيدة تجعله لا يتبينها ولا يعرفها بخلاف من يرى الشيء عن قرب، فإنه يقدر على معرفته واستيضاحه، وقد وصف الله المؤمنين بأنهم يرون يوم القيامة قريبًا يعني يعتقدون قرب وقوعه لأن الله سبحانه وتعالى أخبرهم عنه، وإذا أراد الله أتي به في طرفة عين وأقل، ولأن رؤية المؤمنين عن علم ومعرفة وتسليم بقدرة الله وبإخباره عن شأن هذا اليوم.
والرؤية هنا بالنسبة للمؤمنين رؤية علم وإيمان ويقين، ثم رؤية كشف وشهود وتمكين.
قال الإمام علي رضي الله عنه:(لو كشف الغطاء ما ازددت يقينًا).
وقد فرض الله علينا الإيمان بهذا الغيب، حتى يتذكره المؤمن، ويتورع عن فعل ما يغضب الله ورسوله والإيمان، والإيمان بيوم القيامة هو التصديق بقدرة الله عزَّ وجلَّ، والاعتقاد بأن الله الذي خلق الكون من محض العدم قادر على إهلاكه وإفنائه، وقادر على إعادته بصورته وحقيقته التي كان عليها في الحياة الدنيا أو بصورة أخرى والله على كل شيء قدير.
والإيمان بيوم القيامة ضرورة عقلية، فضلاً عن كونه ركنًا من أركان الإيمان بالله ورسوله وذلك لأن العقل يقرر أن نهاية الحياة بالموت أمر غير صحيح، لأن الحياة في هذه الدنيا قائمة على التصارع والتضارب، وعلى تبادل المصالح الذي يؤدي حتمًا إلى التنازع والتشاحن، وهذا بدوره يفضي إلى الظلم والتعدي، وهضم الناس بعضهم بعضًا، وحتى مع إقامة العدالة في الأرض إلا أنه لا يسلم الأمر من وقوع الظلم، لأن الظالم قد يكون معه حجة ظاهرة، والمظلوم ليس له حيلة في دفعها،  فتحكم العدالة في الدنيا للظالم وتدين المظلوم. ولذلك قرر العقل أنه لا بد من يوم تنكشف فيه الأمور على حقيقتها، ويأخذ كل واحد حقه من جهة عليا تعلم كل شيء، وتحكم بين الناس بالحق، وإلا كان الأمر فوضى، وكانت الحياة لهوًا وعبثًا، وهذا ما لا يقره العقل ولا يرضى به.
فتبين من ذلك أن اليوم الآخر لهذا العالم وهو يوم القيامة ضرورة عقلية وحتمية فضلاً عن كونه عقيدة دينية. ومن ناحية أخرى فإن الحياة لو انتهت بالموت لكان خالق هذه الحياة ظالمًا، وذلك لأن الناس جميعًا قد تساووا بعودتهم إلى باطن الأرض، الكادح المجد، والنائم المتكاسل، والكافر والمؤمن، والصالح والطالح والعالم والجاهل، بل يستوي الأنبياء والرسل مع من كفروا بهم وحاربوهم وقتلوهم، وهذا هو منتهى الظلم، والظلم بالنسبة للخالق عزَّ وجلَّ عجز وضعف، لأنه عدم القدرة على العدالة والإنصاف، وهو مستحيل على الله سبحانه وتعالى، والعجز عليه أيضًا أمر لا يقبله العقل، ولا يعترف به بالنسبة للخالق القادر الذي لا يختلف عليه مؤمن ولا كافر ولا يعجزه شيء في السموات ولا في الأرض لأن العقل من حيث كونه عقلاً يدرك هذه القضية تمامًا بصرف النظر عن الإيمان والكفر، ولا يمكن للعقل أن يتنكر لنفسه، ويجحد البديهات التي هي من أخص فطرته وطبيعته.
وقد أيد الله قضية العقل في هذا المجال فقال عزَّ وجلَّ: ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ[12] وفي هذه الآية ما فيها من تقرير العقل لفطرته السليمة التي لا تنحرف أبدًا عن الحق، حتى في عنفوان عداوته وبغضائه، لأن السؤال الوارد في هذه الآية موجه للكافرين، والجواب الوارد فيها رد منهم على هذا السؤال. ومن ناحية أخرى فإنها إشادة بدور العقل وبيان لقدره الذي سما عن كل العلل والأغراض في اعترافه بالله الخالق، الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.
والإيمان بيوم الجزاء والحساب يجعل المؤمن يراقب هذا اليوم، وينتظره ويعد له العدة، ويحسب له ألف حساب وحساب. لأنه يعتقد أن يوم يجازي الله فيه المحسن بالإحسان وزيادة، ويجازي فيه المسيء بسيئاته أو يعفو عنه وهو العفو الكريم.
ويوم القيامة هو اليوم الذي يكرم الله فيه المؤمنين والمؤمنات، ويخزي فيه المجرمين والمجرمات، وهو يوم الفصل بين أصحاب الخصومات، ويوم الهول والفزع لمن لم يكترث ولم يهتم بهذا اليوم، وهو يوم يفر فيه الكافر من الأهل والزوجة والولد، ومن كل من اطمأن بهم في الدنيا، وركن إليهم ووثق بهم، وهو يوم يفرح فيه المتقون والأولياء والصديقون، وتتلقاهم الملائكة مرحبة بهم في قوله تعالى: ﴿هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ[13]. نسأل الله عزَّ وجلَّ أن يجعلنا فيه من الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، بجاه سيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وسلم، إنه مجيب الدعاء.
هذا يا أخي السائل نبذة يسيرة عن يوم القيامة، وعن الإيمان به أقدمه لك بين يدي الحديث عن أشراط الساعة ودلائل اقترابها، حتى نتحصن جميعًا بالإيمان القوي الذي يصل بنا إلى درجات اليقين الحق. فتطمئن به القلوب، وتسكن به النفوس، وننال به الرضا والرضوان من الله عزَّ وجلَّ، والقرب من رسوله صلى الله عليه وسلم.








حديث الروح الأمين
وقبل أن أتكلم معك أيها السائل عن أمارات اقتراب الساعة، أذكر لك حديث سيدنا جبريل عليه السلام وهو يسأل سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن الوقت الذي تقوم فيه القيامة، فقال سيدنا جبريل لرسول الله:
{متى الساعة؟. قال رسول الله: ما المسئول عنها بأعلم من السائل، وسأخبرك عن أشراطها}[14].
ولي معك يا أخي السائل وقفة: عند سؤال سيدنا جبريل لرسول الله صلى الله عليه وسلم، عن تحديد وقت الساعة وإجابة سيدنا رسول الله عليه وقوله له ما معناه: أنا وأنت متساويان في العلم بأمر الساعة، وإني أعتقد أن هذا لوم من ألوان أدب الحديث الرفيع من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن علم سيدنا جبريل عن الأسئلة الأولى وهي سؤاله عن الإسلام والإيمان والإحسان، لا يقل عن علمه بأمر الساعة، ولكن لما كان رسول الله يبين لأصحابه وللمسلمين ما هم في حاجة إليه في شخص جبريل عليه السلام لأنه السائل، وكان العلم بوقت القيامة ليس المسلمون في حاجة إليه، بل إن العلم به فيه ضرر وشقاء على الإنسان وعلى مسيرة الحياة.
فلذلك لم يبينه رسول الله لنا، قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ[15]وكذلك فقد ورد في الحديث الشريف: {لو تعلم البهائم من الموت ما يعلم ابن آدم ما أكلتم منها سمينًا}[16] أي لو علمت الحيوانات المباح ذبحها من أمر الموت، والجنة والنار، والهرم والمشيب مثل ما يعرفه الإنسان، لأضناها الفكر وأصيبت بالسقم والضعف والهزال، بسبب علمها بالعواقب التي تنتظرها. فكيف لو علم الإنسان موعد القيامة، أو لو علم ساعة موته؟. أو لو علم ما قدر له غدًا؟. إذن لاختل نظام الحياة على وجه الأرض.
ولكن الله أخفى عنا هذه الأمور رحمة بنا، ورفقًا بنفوسنا حتى نؤدي دورنا في هذه الدنيا على أحسن ما يكون الأداء.
ورسول الله صلى الله عليه وسلم، يخاطب الناس على قدر عقولهم، فليس كل ما يعلم يقال، وإن العلم أمانة يعطي العالم هذه الأمانة لأهلها ولا يتعداهم، فكل قوم لهم علمهم الذي يهديهم وينفعهم فَيَحْرمُ منعه عنهم، ولا يجوز أن يعطيهم ما يزيد عن حاجتهم منه، فإن ذلك يفسدهم، وفي الحديث الشريف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن قال:{إن من العلم كهيئة لمكنون لا يعلمه إلا العلماء بالله تعالى فإذا نطقوا به لا ينكره إلا أهل الغرة بالله عزَّ وجلَّ}[17] وليس في جواب رسول الله لسيدنا جبريل ما يفيد عدم علمه بيوم القيامة وإلا لقال له لا أعلم موعدها وإنما إجابته له بقوله:{ما المسئول عنها بأعلم من السائل}. يفيد تغطية الأمر على الحاضرين لأن جبريل جاء يعلمهم أمر دينهم، وليس العلم بميعاد الساعة من أمور الدين التي تفيدهم شيئًا، ولكنه أمر خاص بالله عزَّ وجلَّ، وبمن ارتضاه لنفسه من صفوة رسله وأنبياءه، سر قوله سبحانه وتعالى: ﴿فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًاإِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ[18]. وهذا الغيب الذي أطلع الله عليه رسوله هو غيب خاص بذات الله عزَّ وجلَّ أظهر الله عليه حبيبه صلى الله عليه وسلم، تكريمًا له وإجلالاً لقدره، ومكاشفته بأسرار الألوهية، لأنه فرد ذات الله الأوحد، ومحبوب ذاته الأمْجَدْ، وقد تَعَبَّدَهُ الله عزَّ وجلَّ بكتمان هذه الأسرار، وإننا نلمح ذلك المعنى في قول الله عزَّ وجلَّ: ﴿فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى[19] فقد أبهم الله ما أوحاه إليه صلى الله عليه وسلم، عن جميع مخلوقاته، وأخفى الله ما أوحاه إليه عن جميع ملائكته ورسله وعوالم قدسه الأعلى من اْلآلِهِين والكُروبُيِيِن  والروُحَانِيين والْمُهَيَّمِين في جلال الله عزَّ شأنه، وقد قال الإمام أبو العزائم في هذا المعنى مخاطبًا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:
تجاوزت مقدار العقول مكانة       وجبريل في الأفق  المبين بسدرة
وأنوار خلْوتك العلية أُبْهِمَتْ       عن العقل عن مَلَكٍ وأرفع رتبة
بل إن قول الله سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ[20] نتناول منه شرابًا طهورًا، ونأخذ منه معنى رفيعًا وهو أن ما عند الله عزَّ وجلَّ لا يضن به على حبيبه ومصطفاه، لأن الله لا ينتفع بشيء من وراء هذا العلم، وإنما ادَّخَره عنده سبحانه لحبيبه ورسوله وعبده المخصوص بهذا العلم صلى الله عليه وسلم، وهذا البيان يا أخي السائل كان لا بد منه حتى يتهيأ الذهن لاستقبال هذه الحقائق السامية من علامات الساعة التي ستأتي بعد، منحنى الله وإياك والمسلمين أجمعين اتساع الأفق لفهمها والإحاطة بها، إنه مجيب الدعاء، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
___
العلامات الصغرى
أخي السائل معذرة: فقد دخلت بك إلى هذا الوادي المقدس، حرصًا مني على نشم عبيره الشذي معًا، ونستروح بريحان أزهاره سويًا، لأن البخل على السائل المسترشد بهذه المعاني التي ذكرناها آنفًا ما هو بالأمر المستقيم، ورأيت أن ذلك هو أمانتك عندي حقك لدي، فدفعت به إليك من غير من ولا ضن، والله سبحانه وتعالى أسأل أن يهدينا إلى سواء السبيل إنه مجيب الدعاء، وبعد ذلك تعال معي إلى بيان أشراط الساعة وعلاماتها، فقد قال عنها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لسيدنا جبريل: {وسأخبرك عن أشراطها}.
أخي أيها السائل إذا كان جيرانك لا يعلمون سفرك إلى الحجاز مثلاً ولكنهم يرون أنك قد جهزت أمتعتك، وقد تركت وصيتك لأهلك وأولادك، وقد أحضرت جواز سفرك، وقد اشتريت ملابس الإحرام وما إلى ذلك، فقد تحققوا حينئذ قرب الموعد الذي تسافر فيه وأنهم يرقبونه بين الآونة والأخرى ليودعوك إلى أرض الله المقدسة، ونحن إذا رأينا أمارات قيام القيامة، وعلامات مجيء الساعة، قد لاحت لنا في الأفق المحيط بنا، تحققنا اقتراب وقوعها، وجعلنا ننتظرها كل حين، ونترقبها كل وقت.
وهذا هو سؤال أطرحه أمامك، هل من أخبرنا بعلامات الساعة، ومن قال لنا: {بُعِثتُ أنا والساعةُ كهاتين وأشار بالوسطى والسبابة}[21] وكذلك من قال لأصحابه يومًا: {انظروا وأشار إلى جهة الغرب فنظروا فوجدوا الشمس قد آذنت بالمغيب، فقال لهم: ما بقي من الدنيا إلا كما بقي من يومنا هذا في مثل ما مضى منه}[22].
هل من كان كذلك لا يعرف وقتها؟. إنه صلى الله عليه وسلم يعرفه، لكن لم يؤذن له في بيانه لنا رحمة بنا وإشفاقً علينا، الله اجزه عنا أحسن ما جازيت به نبيًا ورسولاً عن أمته يا رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
وإليك يا أخي السائل بيان الإمارات كما قالها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذكرى للمسلمين، وعبرة لهم، وتلك الإمارات هي:
{إذا ولدت الأمة رَبَّتَها، وإذا تطاول رُعاةُ الإبل الْبُهْم في البنيان}[23]
وهاتان العلامتان هما اللتان وردتا في الحديث الشريف.
وهناك علامات أخرى وردت في أحاديث أخرى، منها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
{إذا وُسِّدَ الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة}[24] وقوله صلى الله عليه وسلم: {إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة}[25].
وغير ذلك من الأحاديث التي ذكرت أشراط الساعة، مثل وقوع الهرج والمرج، وهو كثرة القتل غير المشروع، وكثرة الحروب، ومثل رفع الحياء من النساء، وازدحام الأسواق بهن، وتبرجهن، وانتشار الربا بين الناس، وإشاعة الفاحشة فيهم، وكل هذه الأحداث سماها العلماء العلامات الصغرى.
وإليك بيان معاني الحديث الشريف الذي أفاد به رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدنا جبريل عليه السلام وهي كالآتي:
أولا: ميلاد الأمَةِ ربَّتَهَا
وقد اقتصر الحديث الذي معنا على ذكر هاتين العلامتين
الأولى: إذا ولدت الأمة ربتها، ومعناها أن الأمة في الإسلام إذا ولدت من سيدها ولدًا أو بنتًا، صار هذا المولود سيدها أو سيدتها، وفي الوقت نفسه هو ابنها أو بنتها.
ومثل هذه الأمة كان ولدها هذا، أو بنتها هذه، سببًا في عتقها وتحريرها من الرق والعبودية وتصير حرة، وأمرها بيدها مثل بقية النساء الحرائر، وليس مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث الشريف هذه الأمة فإن ذلك أمرًا كان يقره الإسلام أيام وجود الرقيق في المجتمع الإسلامي، وقد قضى الإسلام على هذه الظاهرة الاجتماعية بما رغب فيه، وشوق إليه من الرحمة والمغفرة التي جعلها الله جزاء لتحرير الرقيق وعتق الرقاب، وقد فرض الإسلام العتق جزاءًا في كل كفارة من الكفارات، مثل كفارة اليمين بالله ، وكفارة الظهار وكفارة القتل الخطأ كأساس لبراءة ذمة المسلم من هذه المخالفات التي وقع فيها، وقد قضى الإسلام على الرق بتلكم التشريعات الكريمة، وبهذا تحققت وصية أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهي قوله:
(متى اسْتَعْبَدتُم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا).
ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم، يريد بذكر هذه العلامة وهي: {أن تلد الأمةُ ربتها} كثرة عقوق الأولاد والبنات لأمهاتهم حتى يتخذوا من أمهاتهم إماءً وخدمًا، يتسلطون عليهن، ويتحكمون فيهن، ويؤذونهن وينهرونهن، ويتنكرون لهن حتى كأنهن لسن بأمهاتهم ولا تنال الأم من ولدها أو بنتها ما يسد رمقها أو تقضي به ضرورياتها إلا بشق الأنفس، أو بواسطة القضاء والمحاكم.
وقد كثرت هذه الأحداث في زماننا هذا، أو أن الولد يجفو أمه ويهجرها ويؤذيها إرضاءًا لزوجته أو أولاده مثلاً، وما يقال في الأم يقال كذلك في الأب، ولكن الحديث ذَكَرَ الأم لأنها أحق بحسن الصحبة والعشرة والإحسان لضعفها ولأنها أكثر تعبًا ومعاناة في تربية أولادها من الأب، وأشد عاطفة عليهم ورحمة بهم من الأب، ومع ذلك فإنها تلقى منه هذا الجزاء السيئ الذي حرمه الله ورسوله ونهى عنه الإسلام، وكذلك قد يولد للأب سيده وربه تحكمًا وتسلطًا، وغلظة وجفاءً وامتهانًا وإذلالاً، وهذا من أبرز علامات الساعة التي شاعت في المجتمعات الإسلامية اليوم، فضلاً عن كونها عمت المجتمعات غير الإسلامية لتفكك الروابط الأسرية، وعدم الاكتراث بها بالمرة، وأصبحت هذه المجتمعات أشبه بالحيوانات الضالة في صحراء الدنيا القاحلة من معاني الفضيلة والكرامة، وكلمة {ربتها}  في الحديث الشريف فيها معنى التعالي والتكبر، وفيها معنى المن والتهكم والسخرية، لأن الإنسان إذا انسلخ من صفاته الإنسانية وهي التواضع والشفقة واللين والحب والرحمة والرفق والصبر والتسامح والحلم والبذل والعطاء والكرم والسخاء، انقلب شيطانًا مَرِيدًا وإن كان في شكل إنسان طويل القامة، عريض الأظفار يمشي على رجلين، بل صار أضر من الشيطان بما له من الدهاء والمكر والحيلة.
وقد كان هذا من علامات الساعة لأن الإنسان قد فقد إنسانيته ولم يكن فيه خير لأرحم الناس به بعد الله ورسوله وهما الوالدان أو أحدهما، وإذا وصلت الإنسانية إلى هذا الشر المستطير فكيف يكون فيها خير لغير الوالدين؟. وبذلك تصبح الحياة على ظهر هذه الأرض نوعًا من العذاب الأليم، ويسخط الله على الأبناء بسبب سخط الوالدين أو أحدهما عليهم، ولو كانا كافرين، وعند ذلك يرفع الله البركة من الأرض، وتكثر المجاعات والغلاء والعناء بين الناس، وتحصل المظالم والمفاسد بين الخلق، وتدق الأبواب علامات قيام الساعة مصداقًا لقوله تعالى: ﴿أَزِفَتْ الْآزِفَةُ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ[26] وذكر لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه العلامة في حديث جامع لأصول الدين من الإسلام والإيمان والإحسان ليوضح للناس أن وجود هذه العلامة في المجتمع الإسلامي هدماً لمبادئ الإحسان والإيمان والإسلام . لأن الله قرن الإحسان إلى الوالدين بعبادته وتوحيده فقال جل شأنه: ﴿وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا[27]. هذا وقد رأيت بعيني رجلاً يطلب من ولده جلباباً جديداً يلبسه في يوم عيد الفطر لأن ملابسه قديمة فانهال الابن على وجه أبيه ضرباً ويقول له: (إزاي تطلب مني جلبية في الشارع قدام الناس يا راجل يا مجنون) فأسرعت ومنعته عن ضرب أبيه.
وإن المجتمع إذا سمح لهذه الظاهرة بالانتشار فيما بينهم, كان مجتمعاً متهالكاً مضمحلاً, آخذاً في الفناء وهنا يحين حينه, وينتهي أجله, وتقوم قيامته. والله حكم عدل إما أن يُبَدِّلَهُمْ بقوم آخرين, وبذلك تكون ساعتهم قد جاءتهم, وهي إهلاكُهُم وإما أن تكون القيامة الكبرى لجميع الخلق قد قامت, لأن موعدها قد حضر وتنتهي بهم الحياة على هذه الدنيا, والله بكل شيء عليم, وعلى كل شيء قدير.
ثانياً: التطاول في البنيان  أ
 أما العلامة الثانية من علامات الساعة فهي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إذا تطاول رعاة الإبل البهم في البنيان}. وكلمة إذا في الموضعين أي في العلامة الأولى والعلامة الثانية ظرف زمان مستقبل، تقع فيه الأحداث التي تذكر بعدها، والمعنى أنه عند وقوع الأشياء التي ذكرها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، في حياة الناس، يتحقق قرب قيام الساعة، لأن التطاول في البنيان هو الارتفاع به إلى طبقات عالية وهو يتضمن معنى التعالي، وهذا التطاول يقع من أهل البادية رعاة الإبل بحيث يرتفع كل منهم في مبانيه على غيره، ويبذل الأموال الطائلة في إعلائها أكثر من الآخر، تطاولاً وتفاخرًا من غير ما حاجة، ولا مصلحة تدعوهم إلى ذلك، لأنهم رعاة إبل وشاة وبقر، يحتاجون إلى المسكن القريب من بهائمهم التي يَرْعَوْنَهَا، ولكن دعاهم حب الظهور والتعاظم إلى التطاول في البنيان بلا ضرورة، لأنه إن كانت هناك حاجة ومنفعة تدعو إلى تعلية المباني، ورفع قواعدها إلى ما فوق السحاب، فإن ذلك لا يكون تطاولاً، ولا تكبرًا وإنما يكون هذا البناء المرتفع الهائل، هو من ضمن عمارة الحياة الدنيا، وإقامة المؤسسات والمنشآت والمصالح فيها، وقد دعا القرآن إلى ذلك في قوله عزَّ وجلَّ: ﴿ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا[28]. يعني طلب منكم تعميرها بكل أنواع العمارة من مساكن ومصانع ومعاهد وغيرها من ألوان عمارة هذه الدنيا، حتى تندفع عجلة الحياة إلى التقدم والرفاهية والرقي والازدهار، وقد يكون في تطاول الناس على بعضهم في البنيان سيئات وأوزار غير ما تقدم ذكره، وهي أن يكون جارك لا يستطيع مطاولتك، وقد يكون بيته قريبًا من بنيانك الشامخ فتحجب عنه الضوء والحرارة والهواء، وما إلى ذلك من المنافع التي جعلها الله للناس سواء، ويسرها لهم جميعًا، وهم في أمس الحاجة إليها فإن ذلك محرم شرعًا، وحتى إن كان هناك ضرورة لرفع هذا البناء الذي يتأذى به الجار فلا بد أن أستأذنه وأستسمحه، وأضع ضرورتي بين يديه حتى يعرف ظروفي التي تلجئني لسد هذه المنافذ عنه.
فإن أذن رفعت بنائي وإلا فلا، ويمكن شراء هذه المنفعة منه بما يرضيه فإن ذلك واجب من واجبات الإسلام حتى يعيش الناس في سلامة صدور وفي أمن وفي سرور ورضاء مع بعضهم.
فإن المستهدف من شرائع الإسلام وأحكامه بعد إرضاء الله ورسوله، إقرار العدالة والرحمة والتكافل الاجتماعي والتعايش السلمي في هذه الأرض، فإن ذلك من روح الدين وحقيقته، ولقد كان هذا التطاول بالمعنى الذي ذكرناه شرطًا من أشراط الساعة لأنه يحمل الظلم والجَوْر، وامتهان الإنسان لأخيه الإنسان، وعدم رعايته لحقوقه وحرماته، وعدم المبالاة بقَدْرِه وأخوته، وهذا دليل على انتشار الفساد في القلوب والضمائر، وفي السلوك والتطبيق.
وينبه القرآن إلى هذه الأمور بصورة قوية ومؤثرة جدًا، فيقول الله عزَّ وجلَّ: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ[29]. ومعنى: ﴿كَذَّبُواْلم يَصْدُقوا في إيمانهم وتقواهم، ولم يُوَفُوا بعهود الإيمان التي التزموا بها عند إيمانهم، بل تهاونوا بها وأهملوها فكانوا مثل المكذبين بها في إضاعتها والإعراض عنها.
ومن ظاهرة التطاول في البنيان البدع التي وجدت في زماننا هذا، وهي اتخاذ هذه المباني مصيدة وشبكة لاقتناص الأموال، واستغلال أصحاب الحاجات والضرورات سواء بالبيع أو بالتأجير بالوسائل غير المشروعة أو احتكار هذه المباني ليرتفع ثمنها أو تأجيرها مفروشة وهي غير مفروشة، أو أخذ الخلوات الوهمية، وغيرها من المنكرات والبدع التي ابتدعها الناس في هذا الشأن، والإسلام لا يقرها ولا يرضى عنها، وهو منها برئ.
وقد فرض الله علينا أن نتواصى بالحق والصبر في حياتنا، وأن نتراحم فيما بيننا، وأن نتعامل بالبر والمعروف والحسنى، ولقد أمرني الدين أن أضع نفسي مكان المشترى إن كنت بائعًا، وأضع نفسي مكان البائع إن كنت مشتريا، فليس البائع والمشتري، والمُؤَجِّر والمستأجر إلا أعضاء في جسم هذا المجتمع ينفع كل منهم أخاه بقدر الاستطاعة مع الرضا والعدل والمرحمة.
ولو نظرنا إلى أعمال الابتزاز والاستغلال والاحتكار، لوجدنا أن كل هذه الأمور من علامات الساعة، التي أظلنا زمانها، واقترب منا حسابها، ونحن في غفلة معرضون، وفي لَعِبٍ ولهوٍ ساهون، ولا نلبث إلا ريثما تفاجئنا الساعة بغتة ونحن عنها نائمون، وقال الله تعالى: ﴿اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مَّعْرِضُونَ[30]. وقد كانت مثل هذه الأحداث تقع في الأزمنة المتقدمة، ولكن بصورة فردية، وكان المجتمع يرفضها ويجاهد في إنكارها وإزالتها فورًا لأنها أمر نشاز وخارج على طبيعة المجتمع وفطرته، أما الآن فقد أصبحت هذه البدع والمنكرات سننًا تحتذى، وأسوة تتبع، ونجد المجتمع قد تعارف عليها وصرت دينًا وخلقًا له.
وإن كان هناك بعض الأصوات الخافتة التي تستنكر هذه الجرائم إلا أنها تذهب مع الريح العاصفة فلا يكاد أحد يسمعها وإن سمعها لا يستجيب لها، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، لأن نذير الساعة قد قرع الأبواب بهذه الأحداث المحرمة، ولكن الناس في رقاد لا يستيقظون وإنا لله وإنا إليه راجعون.
ولست أدري إلى كم تأتينا النذر ونكذب بها فهل من إفاقة وصحوة، ولو إلى أجل قريب؟.
لنتبين أمرنا ونعرف وضعنا فنعود إلى رشدنا، ولعل ذلك قد آن أوانه بفضل الله ومشيئته، وعند ذلك يفرح المؤمنون بنصر الله وبتوفيقه ورحمته، وتتنزل علينا بركات السماء وتتفتح علينا بركات الأرض وتغمرنا الخيرات والنعماء من كل ناحية وندخل في كنف الله وفي ظلال أمنه وسلامته.
هذا وإن تخصيصه عليه الصلاة والسلام رعاة الإبل دون غيرهم من الناس، لأن الإبل وهي الجمال حيوانات تعيش في بلاد الشرق عامة وبلاد العرب خاصة، ويعتمد عليا سكان هذه الأقطار، في حمل الأثقال وقطع المسافات البعيدة، ويأكلون لحومها ويتغذون بألبانها، وينتفعون بجلودها وعظامها وأوبارها، وفي الحديث الشريف إشارة إلى أن هذا الصنف من الناس وهم رعاة الإبل، لا يحسنون استعمال المباني ولا يحرصون على الانتفاع بها كبقية الناس، وإنما يتخذون هذه القصور للخيلاء والزينة، وأنهم يبنون ما لا يسكنون، وينفقون الأموال الطائلة في زخرفة هذه المباني وزركشتها بألوان من النقوش والحلي، حتى كأنها العرائس تحلت بعقود وأساور وقلائد من الذهب والفضة والأحجار الكريمة، وكأنها الجنة التي يعيشون فيها إلى أبد الآباد من غير علة ولا هرم ولا فناء، وبذلك نسوا الدار الآخرة ولقاء الله عزَّ وجلَّ، كما قال صلى الله عليه وسلم ما معناه:{يأتي زمان على أمتي يحبون خمسًا وينسَوْن خمسًا}، ومنها {يحبون القصور وينسون القبور}.
ومعنى كلمة {البهم} في الحديث الشريف، الشيء المظلم والمستبهم الذي لا يظهر أمره، فرعاة الإبل هؤلاء قد التبس عليهم أمرهم ولا يتضح لهم شأنهم، وذلك بالنسبة لما هم مقبلون عليه من المسائلة والمحاسبة بعد انتهاء رحلة الدنيا.
فكلمة {البهم} وصف لرعاة الإبل أي الرعاةُ البهم الذين لم يستنيروا بما جاءهم من العلم والهدى، ومن التطاول في البنيان أيضًا الاتساع فيه لغير حاجة، ويجب على الإنسان أن يُبقي على الأرض القضاء ليمكن استغلالها فيما يعود عليه أو على غيره بالنفع، من زراعة أو إقامة أي مشروع عليها يفيد البيئة.
ومن الضروري أن يقتصد الناس في شغل الأرض بالمباني، فقد قال صلى الله عليه وسلم: {ما عال من اقتصد}[31]. أي أن من يقتصد في كل أموره لا يدركه فقر ولا يصيبه نصب ولا عناء صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هذا وإن الذي ذكرناه آنفًا إنما هو من علامات الساعة الصغرى كما سماها العلماء رضي الله عنهم وهي أشبه بصفارات الإنذار المبكر على حد تعبير العلم الحديث، أو تشبه عمليات الاستطلاع والاستكشاف التي تتعرف على مدى استعدادات العدو، وحجم قواته ومواقعها، حتى تتأهب الجيوش للقائهم، وتستعد لمنازلتهم، وتغير على أماكن الضعف فيها، والله ورسوله أعلم.
العلامات الكبرى
أما العلامات الكبرى فقد ذكرها الأئمة رضي الله عنهم، حسب الترتيب الآتي:
أولاً: خروج الدابة من الأرض.
ثانياً: ظهور المسيخ الدجال.
ثالثاً: نزول عيسى عليه السلام.
رابعًا: خروج يأجوج ومأجوج.
خامسًا: طلوع الشمس من مغربها.
والعلامات الكبرى على قيام الساعة هي العلامات الأخيرة لوقوعها، ويرى كثير من العلماء أن شيئًا منها لم يقع بعد، ولكنني أرى أن أكثرها قد وقع، وهي على الترتيب الآتي:
أولاً: خروج الدابة.                      ثانيا: انفتاح يأجوج ومأجوج.
ثالثًا: ظهور المسيخ الدجال.             رابعًا: نزول عيسى عليه السلام.
خامسًا: طلوع الشمس من مغربها.
وأرى أن الذي وقع منها حتى الآن هو العلامات الثلاثة الأول.
العلامة الأولى: خروج الدابة من الأرض
أما خروج الدابة فقد قال الله تعالى في شأنها: ﴿وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ[32] ووقوع القول عليهم معناه قرب إهلاكهم، والضمير في ﴿عَلَيْهِمْعائد على ﴿الْعُمْيِفي الآية السابقة على تلك الآية مباشرة والتي يقول الله فيها: ﴿وَمَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلَالَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلَّا مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ[33].
والمراد ب ﴿الْعُمْيِ في هذه الآية الكافرون الذين سيقع القول عليهم وينزل العذاب بهم، أما المؤمنون فلن يصيبهم شيء من هذا العذاب لأنهم أهل الإدراك والبصيرة فقد انتفى عنهم الْعَمَى، وكلمة ﴿أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ فيها معنى وجود هذه الدابة في الأرض.
أي العناصر التي تتكون منها تلك الدابة.
وهذه الدابة ليس فيها حياة مثل دواب الحيوانات أو الطيور والأسماك، ومع كونها جمادًا لا حس ولا حركة له، فهي تكلم الناس وتخبرهم بأمور الدين والدنيا، وهذا هو الإعجاز القرآني الذي غََطَّى الله به الحقائق عن عامة الخلق، وأفهمه الله تعالى للراسخين في العلم.
وهي دابة واحدة في الحقيقة والمعنى وإن تعددت وحداتها عند الناس وهي تكلم الناس أجمعين في مشارق الأرض ومغاربها، وشمالها وجنوبها في وقت واحد، وتلك الدابة هي المذياع (الراديو) وما تولد منه من الأجهزة كالتليفزيون ونحوه.
وإن الذي توارى عن الناس من أمر هذه الدابة، هو أنهم كانوا ينتظرون دابة ذات روح، مثل ناقة صالح عليه السلام أو حمار العزير عليه السلام، أو نملة سليمان عليه السلام، أو ما أشبه ذلك من دواب الكائنات الحية وكذلك لأن الله أخرجها على يد إنسان مخترع فظنوا أن ذلك من صنع الإنسان وليس من إخراج الله، ولذلك ظل الناس ينتظرون خروج الدابة حتى يومنا هذا، وإلى ما بعد هذا اليوم لأن العلماء السابقين رضي الله عنهم أخذوا يفسرون الدابة بصور من أنواع الدواب التي كانوا يرونها في وقتهم، أو بصور يتخيلونها على قدر قوة خيالهم، لأن الراديو لم يظهر حينئذ.
لكن لما انكشفت الحقيقة، أصبح الأمر لا مجال فيه للخيال، وأصبحنا من الموقنين بآيات الله وبهذه الدابة التي تُكَلِمُنَا في كل ناحية بجميع أنواع المعارف والعلوم الكونية والملكوتية، دينية ودنيوية، وأصبحت موجات الهواء توصل الأخبار لهذه الدابة لتذيعها علينا، سر قول الله عزَّ وجلَّ: ﴿فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا عُذْرًا أَوْ نُذْرًا[34]. وذلك بعد قول الله عزَّ وجلَّ: ﴿وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا[35].
وحديث الله هنا هو عن الرياح ودورها وخاصيتها في هذا الكون، ومنها إلقاء الذكر وهو القرآن، وإبلاغه إلى جميع الخلق بالإعذار يعني بالعفو والمسامحة لأهل الإيمان، وبالإنذار وهو التهديد والوعيد لأهل العناد والكفران.
وإن الذي غيب العقل عن اليقين بهذه الآية أي (الراديو)  انشغاله بالتطور العلمي والاختراع والابتكار وانبهاره بكل جديد من هذه الآلات، وانعدام يقينه بأن علامات الساعة قد ظهرت وأن الله فعال لما يريد بل إن العقل لم يفكر ولو مرة في هذا الأمر ولم يلتفت إليه وكذلك لقد وقف هذا العقل الغافل عند الأسباب فرأى أنها كل شيء ولم ير القوة التي قامت بها تلك الأسباب ولكن المؤمنين يزدادون إيمانًا بانبلاج هذه الآيات، ويشهدون فيها صنع الله الذي أتقن كل شيء، وقدرة الله التي أوجدت كل شيء، وإبداع الله الذي أحسن صورة كل شيء، ومن قبل ذلك كله شهدوا مشيئة الله التي أرادت كل شيء.
ولما سمع الإمام أبو العزائم رضي الله عنه الراديو يقرأ القرآن في المسجد لأول مرة، قال صدق الله العظيم : ﴿وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ[36].
وهذه العلامات وإن كانت دليلاً على قرب وقوع الساعة إلا أنها رحمة الله بعباده، حتى يتذكروا ويتفكروا في الرجوع إلى الله ويتوبوا إليه وخصوصا بعد أن يعتقدوا ويصدقوا بأن هذه العلامات قد أظلتهم وأنهم يعيشون في زمانها وإن هذه العلامة وهي خروج الدابة من الأرض من أعظم العلامات التي تقوم بها الحجة البالغة على جميع عباد الله، لأن دعوة الحق قد بَلَغَتْهُم عن طريق الراديو والتليفزيون، وقد انتشر نورها في جميع الأفاق حتى وصلت الدعوة إلى كل بيت وكل واد وكل ناد وكل حقل ومصنع وكل سهل ووعر وكل بر وبحر، وأسمعت كل أحمر وأبيض، وأصفر وأسود، فلا عذر لمعتذر ولا حجة لمحتج وهذه العلامة معجزة لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن دابة الأرض مع الرياح قد أبلغت رسالات الله إلى عباد الله إكرامًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إذا أخذ الله الناس المكذبين بالعذاب كان ذلك عدلاً من الله سبحانه وتعالى، وجزاءً بما كانوا يكذبون: ﴿لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ[37].
مزيد من البيان في أمر الدابة
قد أخبر الله تعالى عن إخراج الدابة من الأرض، وعن كون ذلك علامة من علامات قيام الساعة، فقال عزَّ شأنه: ﴿وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ.
والإخراج معناه استخلاص شيء من شيء، كما تقول أخرجت الزبد من اللبن، والعسل من القصب، والمعدن من الأرض، والإخراج غير الخلق لأن الخلق عبارة عن تكوين شيء من المادة أو من العدم بقدرة الله عزَّ وجلَّ والدابة هي كل ما يدب على الأرض من حيوان أو إنسان أو حشرات أو جماد أو نبات، فإن كل هذه الكائنات دواب لها وقع على الأرض، ودبيب عليها، وهذا المعنى هو المراد من كلمة دابة في الآية الشريفة، إذ لو كان المراد بالدابة ذات الروح والنفس الحيوانية لقال الله تعالى: خلقنا لهم دابة من الأرض تكلمهم. ولم يقل أخرجنا لأن الخلق لا يكون إلا لله سبحانه وتعالى، أما الإخراج فإنه يكون بفعل الله، أو بفعل الإنسان بمشيئة الله وقدرته، وقول الله تعالى: ﴿مِّنَ الْأَرْضِ يفيد أن هذه الدابة ليس فيها شيء من عالَمِ السماء وهو الروح، بل هي من عناصر المادة الأرضية فقط، وإن الذي يقول لا بد أن تكون هذه الدابة ذات روح ونفس محتجًا لذلك بقول الله تعالى في شأن سليمان عليه السلام: ﴿فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ[38]. فنقول له إنك قد نسيت أن هذه الدابة التي وصفها الله بأنها: ﴿تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُأي تأكل عصا سليمان التي اتكأ عليها حتى ضعفت عن حمله فانكسرت وخر سيدنا سليمان على الأرض، إنها غير الدابة التي يخرجها الله من الأرض لتكلم الناس بين يدي الساعة، والدابة التي أكلت عصا سليمان عليه السلام فيها نفس تتنفس، وفيها حركة ذاتية، وهذا من ضروريات الدابة التي تأكل، وهي بخلاف الراديو والتليفزيون فإنهما دابة تكلم الناس فقط ولا تأكل ولا تتنفس ولا تتحرك.
مع أن العلم الحديث أثبت أن هناك حياة في كل ذرة من ذرات الكائنات، وهذه الحياة يعلمها الله الذي خلق الذرة وما هو أصغر منها، والذي أعطى كل ذرة خلقها ونظام حياتها، وإن الذرة أصغر شيء عرفه الإنسان وأدرك بعض خواصها.
هذا وقد قال الله تعالى: ﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ[39]. ولذلك فإن الذرة تسبح الله تعالى لأنها شيء من الأشياء الموجودة في كون الله، والتسبيح دليل الحياة التي أثبتها العلم الحديث للذرة، وإن كان بنو الإنسان لا يفقهون شيئًا من هذا التسبيح فإن ذلك من أجل انتظام شأن الحياة في هذا الوجود، لأن الإنسان إذا سمع وفهم تسبيح الذرات من حوله ربما لا يقوى على هذا الحال، فيختل توازنه ويقع مغشيًا عليه لضعفه عن تحمل هذه الأصوات واللغات المختلفة من كل نواحيه.
مع العلم أن هناك رجالاً أسمعهم الله تسبيح الكائنات من أصغر ذرة إلى أكبر جِرْم من الأجرام، وقد قال قائلهم رضي الله تعالى عنهم:
سميعٌ أسمعنا نِدَا الأكوان       للمنتهى للمشهد الرحمن
وقال الإمام أبو العزائم رضي الله عنه مشيرًا إلى هذا المعنى أيضًا:
وأشجار تسبح ناطقات       لمن عرف الحقيقة بالبيان
من هذا العرض يتبين لنا أن الدابة التي تكلم الناس بين يدي الساعة لا يشترط فيها الحياة الحيوانية، فقد ورد تسبيح الحصى في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي يد أصحابه رضي الله تعالى عنهم بكلام عربي واضح كما ورد تسليم الأحجار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بلسان عربي فصيح أيضًا وكان يسمع هذا التسبيح وذلك التسليم جميع الناس المسلم منهم والكافر على السواء، فلا عجَب أن تُلْقِي الحديث إلى الناس اليوم تلكم الأجهزة والآلات التي استخرجها الإنسان بإذن الله من الأرض وصنعها كالراديو ونحوه، فسبحان من جعل لكل وقت علومًا وصناعات تناسبه، وتساير ركب الحياة فيه، وسبحان من علم الإنسان ما لم يعلم، فمرة تكون علامات الساعة إنسانًا طمست عينه اليمنى وهي عين بصيرته كالمسيخ الدجال لعنه الله، ومرة تكون دابة كالمذياع.
ومرة تكون نبيا ورسولاً من رسل الله الأكرمين كسيدنا عيسى عليه السلام، ومرة غير ذلك، والمؤمنون يصدقون بكل هذه العلامات ويسلمون علمها لله سبحانه وتعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم وللراسخين في العلم رضي الله تعالى عنهم الذين يقولون: ﴿آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا[40] وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
هذا والدليل على أنه لا يشترط في تلك الدابة أن تكون من ذوات الروح، قول الله تعالى: ﴿وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِن دَآبَّةٍ وَالْمَلآئِكَةُ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ[41] فإننا نعلم جميعًا أن السموات مسكن الأرواح والملائكة، وهؤلاء ليس لهم حيز ولا مكان يدبون عليه لعدم حاجتهم إلى الحيز والمكان، اللهم إلا إذا تشكل الملك بصورة آدمية فإنه يكون له حيز وموقع في نظر الرائي فقط، فإذا ما جاء ليمسكه أو يلمسه لم يجد شيئًا فإنه يكون صورة بدون ظل ومن غير جسم، كما إذا رأيت في منامك أحدًا من عالم البرزخ فإنك تراه صورة لا جسم لها.
ونحن نعلم كذلك أن السموات ليس فيها دواب من نوع دواب الأرض التي نراها فليس فيها حيوان ولا طير ولا حشرات ولا إنسان عادي، فلم يبق فيها إلا دواب من نوع آخر، وهذه الدواب هي الشموس والأقمار والكواكب والمجرات والشهب والنيازك والأفلاك والنجوم السيارة والثابتة، وغير ذلك مما لا يعلمه إلا الله، وكل هذه دواب لأن لها وقع في مكانها وتمركز في محيطها ودبيب في حركتها وسكونها، ولم تكن فيها حياة روحانية فسبحان الخلاق العظيم والمبدع الحكيم الذي جعل هذه الدواب ساجدة له سبحانه وتعالى بإذنه مسخرة لبني الإنسان بأمره فليس هناك شبهة بعد ذلك في قولنا أن الدابة التي أخرجها الله من الأرض لتحدث الناس بالذكر والأخبار هي الراديو وما تولد منه، وإن لسان حالها يقول: (أنا آية من آيات الله وعلامة من علامات الساعة ولكن الناس لا يوقنون بي ولم يزالوا في ارتياب من أمري) وذلك لأن اليقين إما أن يكون بالمعاينة والمكاشفة لحقيقة الشيء، وإما أن يكون بقوة التصديق والاعتقاد في الخير الذي يتلقاه الإنسان من الله ورسوله أو من الراسخين في العلم.
العلامة الثانية
انفتاح يأجوج ومأجوج
ولقد بين القرآن الكريم هذه العلامة بقوله: ﴿حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ[42]. ويأجوج ومأجوج في هذه الآية الشريفة غير يأجوج ومأجوج أصحاب السد الذي أقامه عليهم ذو القرنين عليه السلام لأن أصحاب السد لا يندك سدهم إلا بقيام الساعة فعلاً مصداقا لقول الله عزَّ وجلَّ في بيان عدم قدرتهم على اختراق السد أو اقتحامه: ﴿فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَاء وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاء وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا[43]. فإن اندكاك هذا السد لا يكون إلا بمجيء الوعد الحق وهو يوم القيامة ووقوعه بالفعل، أما يأجوج ومأجوج الذين جعلهم الله علامة على قيام الساعة فقد قال الله تعالى في شأنهم بعد انفتاحهم ووجودهم: ﴿ وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ. وهناك فرق كبير بين المعنيين، بين مجيء الوعد، وبين اقتراب الوعد، ولا يخفى ذلك عليك أيها الأخ المسترشد.
هذا وإنني أرى أن معنى قوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ﴾.
أن يأجوج ومأجوج الذَيْنَ ينفتحان على هذه الحياة هم فروج الرجال وفروج النساء، وخاصة في الأمم التي لا دين لها، فقد انفتحت فيها شهوة الجنس على المجتمع البشري، وأصبحت القيود الاجتماعية والاعتبارات العرفية التي اتفق عليها الناس غير المتدينين في شأن الزواج لا وجود لها ولا احترام لها في هذه الأمم الآن، وأصبحت شهوة الجنس فيها حقًا مقررًا للرجل والمرأة، يمارسه كل منهما أين شاء وكيف شاء ومع من يشاء، بدون حواجز ولا ضوابط ولا مبالاة.
وقد كانت المجتمعات غير الدينية لها تقاليد وعادات وآداب، تنظم هذه الشهوة، وكانت هناك قيم ومبادئ تحد وتمنع من الانحراف عن هذه التقاليد ولكن ذهب ذلك كله تحت تيار الشهوة الجارف، فلم يُبْقِ على أي شيء منها وسرت هذه العدوى الشرسة في المجتمعات المسيحية واليهودية فجرفتها بحجة حرية الفرد في سلوكياته الخاصة به ما دامت لم تؤثر هذه السلوكيات على كيان الدولة العام، وغاب عنهم أن الدولة هي كل فرد من الأفراد الذين يعيشون فيها فإذا ما فسد الفرد فسد المجتمع وإذا ما صلح الفرد صلح المجتمع.
هذا والمجتمع الإسلامي نفسه لم يسلم من تلك الموجات التي هزت كثيرًا من أخلاقياته، وأصبح البعض منه يقترف هذه الكبائر سعيًا وراء شهواته ونزواته، متجاهلاً أحكام دينه ووصايا الله ورسوله فتأثر المسلمون بذلك كثيرًا.
وهذه العلامة وذلك الانفتاح قد وقع بالفعل، حتى أصبحت الحكومات غير الإسلامية تحمي ممارسة هذه الرذيلة وتجعل لها قانونًا يحافظ عليها.
وقد ابتلي المسلمون بهذه الفضيحة في وقت ما فقد كانت تباح رسميًا وذلك بحكم وجود المستعمر الكافر في بلاد المسلمين، والحمد لله قد أزال الله عنا هذا العار، وطهر منه الديار.
وقد عبر الله عن المجتمعات الإباحية بكلمة : ﴿يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ﴾. لأنهم همج كالوحوش التي تتأجج العداوة والضراوة بين أنواعها فيفترس القوي الضعيف، وينزو عليه رغم أنفه وكذلك كان شأن المجتمعات الإباحية لأنهم أبناء سفاح ونكاح فاسد، فتقطعت بينهم الأرحام والصلات والمودات، وتفككت أواصر الأسرة، فلا يعرف أحد أباه، ولا يعترف بأشقائه، ولا يدين بالوفاء لأحد، ويكفي أنها إحدى علامات الساعة الكبرى.
وأيضا سماهم الله يأجوج ومأجوج من باب تسمية الشيء باسم محله وهو الفروج، فإن فرج الرجل قد يقال له يأجوج يعني يؤجج نار الشهوة في المرأة، وإن فرج المرأة يقال له مأجوج يعني يتأجج بحرارة الغريزة الجنسية وقول الله تعالى: ﴿وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ﴾. بين الله لنا بذلك أنهم يتناسلون من كل طريق محدودب معوج ومتعرج، وليس طريقًا سويًا مستقيمًا بل يأتون وينسلون من طريق الرذيلة والسفاح المحرم في جميع الأديان، والمحرم بالقوانين الوضعية في الأمم غير المتدينة قبل هذا الانفتاح، وإن الطريق السوي هو طريق الفضيلة وهو الزواج الشرعي والنكاح الصحيح.
وإن يأجوج ومأجوج كثيرون جدًا فإنهم يزحمون الدنيا، ويأكلون الأخضر واليابس، ومعنى ذلك أنهم لا يحرمون مأكولاً ولا مشروبًا، فيتناولون كل شيء من المحرمات والمباحات، والنافع والضار ولا يبالون بشيء.
وقد قامت الدول والحكومات لتوقف من هذا السيل البشري، وتقلل من تدفقه وكثرته دون جدوى، فقد أخصب الرجال والنساء، واهتم كل منهم بشهوته أكثر من اهتمامه بحياته، وصار الجنس إله يعبد من دون الله وهو الطاغوت الذي طغى على البشرية، فأصبحت تعبده وتدين له، بدلاً من عبادتها للخالق الرازق الواحد الأحد، قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى[44].
فقد أجدبت الفضيلة والعفة، والكرامة والشرف، في حين إخصاب الرذيلة في الجنس العاهر من الناس.
والقضية صعبة والمعادلة فيها أشد صعوبة و﴿لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ[45]
لأن الوعد الحق فد اقترب أوانه وهو يوم القيامة، وكذلك قد انتشر في البشرية عمل قوم لوط، وأصبحت الدعوة إلى الرذيلة تقدم للناس من خلال التلفزيون والفيديو، وذلك بعرض الصور العارية وشبه العارية لكل من الرجل والمرأة، وأحاديث العشق والغرام البهيمي، الذي أثر بدوره على البقية الباقية من أهل النخوة والحياء، وأصبح جهاز الفيديو يجهز على ما بقي من المروءة والشهامة والشمم.
ومجتمع هذا حاله إنه يدنو من أجله، ويقترب من نهايته، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
العلامة الثالثة
ظهور المسيخ الدجال
والمسيخ الدجال صفة للإنسان الذي مسخ الله عين قلبه، فأصبح لا يرى حقًا يتبعه، ولا يرى باطلاً يجتنبه ومسخت حقيقته الإنسانية إلى حقيقة شيطانية إبليسيه، فهو يحارب الحق وأهله، ويناصر الباطل وحزبه بل هو عين الكفر والضلال، والظلم والفساد.
وهو الإنسان الذي انسلخ من معانيه الإنسانية، وإن كانت صورته على شكل الإنسان، حياته الكذب والدجل والزور والبهتان والغرور والظلم والإفساد في الأرض، وقد ابتلى الله به الناس وجعله فتنة لهم، فأعطاه الله الدنيا وزخارفها ونعمها وخيراتها، ومن يتبعه ويغره شأنه، ويدور في فلكه، يعطيه من دنياه، ومن يتوقاه ويحترس منه، يصب عليه غضبه ونقمته.
وهذا هو شأن دول الكفر والفجور المتحكمة في أمر العالم اليوم، وقد مسخ الله عين قلوبهم فلا يؤمنون بالله ولا ينتصرون للحق، ولا يقفون حتى موقف الحياد من أهله، بل ينقضون عليهم ويعذبونهم بنارهم، ويفسدون عليهم أمرهم: ﴿وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ[46].
وكلمة ظهور المسيخ الدجال تفيد أنه موجود من قديم الزمن، ولكنه يختفي أمام قوة الحق وأهله، ويظهر عند ضعف المسلمين وانحلالهم وتركهم لدينهم، وقد ظهر عليهم وغلبهم على أمرهم بسبب ضعفهم وتفككهم وكونهم كغثاء السيل لا سلطان لهم، وإن كان عددهم كثير.
فظهور المسيخ الدجال يعني تحكمه وتسلطه على الناس، حتى تكون القوة والسلطة للباطل وأهله، فيعيثون في الأرض فسادًا قتلاً وتعذيبًا وتشريدًا، واستيلاء على أموال الناس وبلادهم بدون وجه حق.
وهذا هو شأن المسيخ الدجال، كثير الدجل واللجاج والعناد والإنكار والجحود، قال الله تعالى: ﴿وَلَوْ نَشَاء لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلَا يَرْجِعُونَ[47]. ومسخناهم على مكانتهم يعني بدلنا صورتهم الإنسانية الظاهرة إلى صورهم الحقيقية الباطنة التي هم عليها من الكفر والظلم والفساد، فجعلناها صورة شيطانية أو صورة خنازير وقردة مطموس على أعينهم فلا يبصرون، وعلى آذانهم فلا يسمعون بحيث لا يستطيعون السير إلى الأمام ولا الرجوع إلى الوراء، والمسخ هو تحويل الشيء من حالته الكريمة التي كان عليها، إلى أسوأ حالة، وأقبح صورة يتحول إليها الممسوخ بحيث يتأذى من منظره كل من يراه.
وقد ظهرت هذه العلامة في هذا الوقت ظهورا كاملا وواضحا وقد جاء رجل وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم إني رأيت المسيخ الدجال وهممت أن أقتله، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن يكن هو فلن تسلط عليه، وإن لم يكن هو فلا خير لك في قتله}[48].
فليس المسيخ الدجال شخصًا معينًا، وإنما هو وصف ينطبق على دول الكفر والشرك، وعُبَّاد غير الله، والذين لا يدينون دين الحق من سكان هذه الأرض، والذين يشعلون نيران الحروب والعداوة والبغضاء بين الناس والذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون، إذن فالمسيخ الدجال شعوب وأمم وليس فردًا معينًا.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يحفظنا جميعًا من فتنته إنه هو الحفيظ العليم.
هذا وقد حذر كل نبي من الأنبياء أمته من المسيخ الدجال، وذلك يدل على أنه موجود من أول خلق البشرية وأن كل أمة من الأمم الماضية كانت تتقي شره وتكسر شوكته وتصد هجماته عليها، وهذا يشير إلى أن المسيخ الدجال ليس إنسانًا واحدًا بعينه، وإنما هو قوة الشر والفساد والطغيان في الأرض، حتى إذا ما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم زاد من أمر المسيخ الدجال بيانًا وتوضيحًا حتى يتنبه المسلمون له في كل زمان ومكان ويحاربونه بكل ما استطاعوا من قوة وعتاد، إلى أن يقضوا عليه تمامًا، ويقتله سيدنا عيسى عليه السلام.
وإن ما ذهبنا إليه في بينن أمر المسيخ الدجال لعنه الله، إنما هو رأي خاص رأيته، وأنه لا يتعارض مع أحاديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم التي ذكرت شأن المسيخ الدجال، لأنني رأيت أن هذه الأحاديث الشريفة قد ذكرت أوصاف المسيخ الجسمية لكنها في الحقيقة تشير إلى صفاته الخُلِقِية والدينية والسلوكية، وإن كانت هذه الأحاديث قد ذكرته على أنه شخص واحد، لكن هذا الشخص لو انطبقت أوصافه على كثيرين لكان كلهم كشخص واحد لاتفاقهم في المضمون والحقيقة وذلك مثل الكفر، فإن الكفر كله ملة واحدة مع اختلاف أممه وشعوبه، واختلاف مذاهبه وأفكاره الضالة، وإنما كان ظهور المسيخ لعنه الله علامة من علامات الساعة لأن ظهوره معناه تغلبه على المسلمين وقهره لهم وتحيرهم في أمره، ومحاربته لهم في كل مكان من الأرض كما هو الشأن الآن حيث قد ظهرت دول الفساد والظلم والطغيان في هذا العصر على المسلمين في كل مجال واستبدوا بهم وساموهم سوء العذاب، والمسلمون يجاهدونهم ويحاربونهم في كل بلد من بلادهم، حتى أصبحت بلاد الإسلام كلها مشتعلة بنارهم، متأججة بمدافعهم وقنابلهم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وإذا سكتت قنابلهم ومدافعهم عن المسلمين وقتًا ما فإنهم يستبدلون بها الحرب الباردة حتى ينقضوا على المسلمين بالحرب الساخنة مرة أخرى، ليفتنوهم عن دينهم ويصدوهم عن سبيل الله، قال الله تعالى: ﴿وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ[49]. وما هم بقادرين على شيء مما يبغونه للمسلمين وإن الله سيبطل كيدهم.
وكذلك كل ما ذكرته من خروج الدابة، وخروج يأجوج ومأجوج، إنما هو اتجاه خاص ذهبت إليه، وأرجو أن يكون قد وافق الحق والصواب، وأسأل الله عزَّ وجلَّ أن يلهمنا الحكمة وفصل الخطاب إنه مجيب الدعاء، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

العلامة الرابعة
نزول سيدنا عيسى عليه السلام من السماء
ونحن الآن منتظرون الفرج والإغاثة من الله عزَّ وجلَّ، وأن يكرمنا الله بإنزال المسيح عيسى بن مريم عليه السلام وتلك هي العلامة الرابعة من علامات مجيء القيامة.
وقد أراد الله عزَّ وجلَّ أن يكون نزول المسيح في آخر الزمان، وبين يدي الساعة، ليمسح الله به البأساء والضراء والمحن والفتن والشدائد، التي أصابت المسلمين من جراء ظهور العلامات السابقة، وتفشي الأمراض المهلكة فيهم، ونزول المصائب الفظيعة والحروب العصبية التي أحاطت بهم من كل جانب.
ولقد كان نزوله تكريماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وتصديقًا لخبره الذي أخبر فيه بنزول المسيح عليه السلام حيث قال عليه الصلاة والسلام: {والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل ابن مريم فيكم حكما مقسطا وإماما عدلا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية}[50].
وقد قدر الله عزَّ وجلَّ إهلاك المسيخ الدجال على يديه عند نزوله عليه السلام لأنه إذا جاء الحق زهق الباطل وينتهي المسيخ الدجال من على وجه الأرض، وكذلك يهلك الله يأجوج ومأجوج ويطهر الأرض منهم بسبب نزوله عليه السلام، وقد أبقى الله سيدنا عيسى حيًا في عالم الملكوت من أجل أن يغيث الله به المسلمين في آخر الزمن، فيحكم بين الناس بكتاب الله، وبسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ليبين الله للناس جميعًا أن الأنبياء والرسل عليهم السلام لو أحياهم الله الآن ما وسعهم إلا إتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم، والعمل بشريعته، لأن الدين قد كمل به عليه الصلاة والسلام، والنعمة به قد تمت، والرحمة به قد عمت جميع العالمين.
وحياة المسيح عليه السلام في الملكوت حياة روحانية جسمانية مثل حياة آدم عليه السلام في الجنة قال تعالى: ﴿ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ[51]. وأهل الملكوت لا يهرمون ولا يشيبون ولا يموتون ما داموا يعيشون في الملكوت. وقد أراد الله إنزال سيدنا عيسى إلى الأرض ليعيش المدة التي قدرها الله له في الحياة الكونية، ثم يموت بعد ذلك، فقد رفع للملكوت قبل نهاية أجله الذي قدره الله له.
فإنه قد ورد في الحديث الشريف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: {إن روح القدس نفث في روعي أن نفْسًا لن تموت حتى تستكمل أجلها وتستوفي رزقها، فأجملوا في الطلب ولا يحملن أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية الله فإن الله لا ينال ما عنده إلا بطاعته}[52].
وحياة الملكوت لا زمن فيها ولا مدة، لأن الزمن هو حركة الفلك، وأهل الملكوت لا حاجة لهم في حركة الفلك وإنما أهل الأرض هم الذين في حاجة للزمن والفلك، ورفع الله سيدنا عيسى إلى الملكوت تكريمًا له وخزيًا لأعدائه الذين تآمروا على قتله عليه السلام، وسيكون نزوله من السماء إلى الأرض معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث أنه أخبر بنزوله عليه السلام، فإن رسول اله إذا أخبر بشيء أتى الله بهذا الشيء حسب ما أخبر به صلى الله عليه وسلم، تصديقًا وتأييدًا له من الله عزَّ وجلَّ، وكذلك يكون نزول سيدنا عيسى من السماء تكريمًا له وخزيًا لمن كفر به وعبد الصليب من دون الله وادعى أنه قتل وصلب، وأيضًا سيكون تكميلاً له في الناحية البشرية، فإنه سيتزوج وتولد له ذرية، فقد قال الله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً[53]. فإن سيدنا عيسى من أولي العزم من الرسل، ولم يستثنه الله في هذه الآية الشريفة من هذا الفضل العظيم، وهو الأزواج والذرية ثم بعد ذلك كله يموت ويقبر في الأرض التي خُلِقَ منها كبقية إخوانه من الرسل والأنبياء، فلا يكون بدعًا من الرسل، ولا نشازًا عنهم، تصديقًا لقول الله عزَّ وجلَّ: ﴿مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى[54]. ولم يقل الله سبحانه وتعالى إلا عيسى بن مريم، ولكنه حكم عام على كل مخلوق وإن سيدنا عيسى خلقه الله من التراب كما خلق آدم وبنيه، قال تعالى: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ[55].
وسيعيش الناس في زمن سيدنا عيسى في رغد من العيش، وفي سعادة وارفة بالحب والصفاء والخير والبر والهناء والوفاء. لأن المسيخ الدجال قد أهلكه الله ، وكذلك كل من كان على شاكلته من يأجوج ومأجوج، وأهل الفساد والخراب، والظلم والعناد، وقد تطهرت الأرض من الأنجاس والأرجاس والأخباث وذلك بقتل الخنزير وما إليه من الحيوانات الضارة والحشرات السامة، والوحوش المفترسة، حتى تطيب الحياة للمؤمنين، ويرون في سيدنا عيسى على السلام الأسوة والقدوة والرحمة، لأنه قائم فيهم بدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
﴿ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ عَلِيمًا[56].
وإنما يعرفه المسلمون عند نزوله عليه السلام بالأوصاف التالية:
أولاً: إخباره عن نفسه وقوله أنا عيسى بن مريم عبد الله ورسوله نزلت إليكم بأمر الله من عنده سبحانه وتعالى لأحكم بينكم بشريعة نبيُ الله الخاتم محمد عليه الصلاة والسلام.
ثانيًا: إهلاك المسيخ الدجال على يديه فإنه عندما يراه يولي هاربًا فيتبعه المسلمون ويقتله سيدنا عيسى عليه السلام.
ثالثًا: إهلاك يأجوج ومأجوج وفناءهم على يديه عليه السلام.
رابعًا: كمال اتباعه لرسول الله صلى الله عليه وسلم والاستمساك بسنته.
خامسًا: صلاته خلف إمام المسلمين عند نزوله إيذانًا بأنه تابع لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس له رسالة جديدة ولا دين غير الإسلام.
سادسًا: عدم قبوله الجزية من أي كافر على ظهر الأرض، فإمَّا الإسلام وأمَّا القتل لأن الساعة قد أتت ولا حاجة للمسلمين حينئذ في المال، الذي يأخذونه من الكافرين نظير بقائهم على الكفر حيث أنهم لا ينتفعون به لوفرة الأموال لديهم ولا يجدون لها باباً ينفقونها فيه، ولأن الذي لا يؤمن بعد ظهور علامات الساعة أمام عينيه لا يستحق الحياة لحظة على ظهر الأرض.
سابعًا: كسره الصليب يعني تحطيمه وقهر أهله على الإيمان بالله ورسوله واتباع دين الإسلام.
ثامناً: قتله الخنزير والأمر بقتله في كل مكان لأن الخنزير من الحيوانات الضارة للأجسام والمفسدة للأخلاق فقد ثبت بالأبحاث الطبية أن الخنزير مرتع خصيب للدودة الشريطية حيث أنه يعيش على القاذورات أو الأطعمة المتخمرة الفاسدة، وأن الذين يأكلون لحمه غالبًا ما يصابون بالدودة الشريطية والعياذ باله، وأما إفساده للأخلاق فإن الذين يأكلون لحمه يصابون بالبرود الجنسي، وتموت فيهم الغيرة على الشرف والعرض كما هو الحال في الشعوب التي تتناول لحم الخنزير الآن.
ولأن الخنزير دون بقية الحيوانات ليست لديه أي غيرة على أنثاه، فلو نزا عليها خنزير آخر تجده لا يتحرك ولا يعبأ به بل يساعده على ذلك.
وكذلك شأن من يأكل لحمه وشحمه فإنه يصاب بهذه الصفات الذميمة، كما يحدث الآن في المجتمعات التي تتغذى بلحم الخنزير وشحمه، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
تاسعًا: حكمه بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والتفاف المسلمين جميعا من حوله، وتفانيهم في نصرته وفدائه، ومبايعة إمام المسلمين له في ذلك الوقت بتوليه أمر المسلمين.
هذا وقد كان إخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا بنزول سيدنا عيسى من السماء بشارة من الله ورسوله للمؤمنين، ووعد كريم من الله لهم بالإغاثة والفرج، والله لا يخلف الميعاد، نسأل الله عزَّ وجلَّ أن يغيثنا بأحبابه وأولياءه وأنصاره،  الذين قال الله فيهم: ﴿فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ[57].
وبعد مرور فترة من الزمن، قال العلماء إنها أربعون عامًا يقبض الله سيدنا عيسى عليه السلام، ثم يكرم الله المؤمنين بلقائه على حسب آجالهم التي قدرها الله لهم، وبعد فنائهم تقع أحداث الساعة من الزلازل والخسف وتفجر البحار وتساقط الكواكب، وتنعدم الحياة على وجه الأرض، وتخرج الشمس من مغربها، وأثناء هذه الأحداث سيكون موجود على ظهر الأرض بعض الكافرين الذين كانوا في خدمة المسلمين، وكانوا يستخفون عنهم بكفرهم فتفاجئهم تلك الأهوال، وتفزعهم فزعًا شديدًا، وتهدم عليهم بنيانهم، وتهلك حياتهم بصورة فظيعة ووجيعة، ولا يستطيعون الهرب ولا أي شيء ، لأن أسباب الحياة من حولهم صارت آلات حتفهم وعذابهم: ﴿وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ﴾.
والله نسأل أن يحفظنا وأهلنا وإخواننا وجميع المسلمين من أهوال الساعة، إنه حسبنا وولينا ونعم الوكيل، وصلى الله على سيدنا محمد الحبيب الشفيع وعلى آله وصحبه وسلم.
سؤال: إذا كان سيدنا عيسى سيغيث الله به المؤمنين في آخر الزمان، فما هو ذنب المؤمنين الموجودين الآن، والذين لم يسعدوا بنزول سيدنا عيسى عليهم وإغاثته لهم مما هم فيه من الشدائد والحروب؟.
الجواب من ناحيتين:
أولا: أن سيدنا عيسى عليه السلام سينزل في وقت معين وزمن محدد قدره الله عنده في علمه المكنون، فلا يتقدمه ولا يتأخر عنه فإن لكل أجل كتاب.
ثانيا: إن المؤمنين الذين يعيشون الآن ما زالوا يؤرقون المسيخ الدجال ويحاربونه ويجاهدونه في كل الميادين، ولم يستطع أن ينتصر عليهم انتصارًا كاملاً، ولم يستطع إهلاكهم، وإبادتهم كما يريد، ولكن عندما يشتد أمر المسيخ الدجال ويصل إلى منتهاه، ويكاد المسلمون الموجودين على ظهر الأرض أن يفتنوا به وبالخوارق التي يصنعها أمامهم يتفضل الله عليهم بإغاثتهم، ويأذن لسيدنا عيسى عليه السلام، فينزل إليهم ويغيثهم، ويهلك الله المسيخ على يديه وينجيهم من فتنته، ويعيش المسلمون بعد ذلك في رغد من العيش وطيب الحياة وسعادة وارفة، في ظل سيدنا عيسى على السلام.
العلامة الخامسة
طلوع الشمس من مغربها
 وهذه العلامة إذا ظهرت تَفْسُدُ كل أسباب الحياة بظهورها، لأن حركة الفَلَكْ قد اختلت وفسدت، وحركة الفلك يتوقف على انتظامها سير الحياة الكونية كلها، من أرض وسماء وهواء وحيوانات، ونبات وإنس وجن، وغير ذلك من كائنات الله الحية والرطبة والجامدة، ولذلك كانت هذه العلامة هي العلامة الأخيرة، ومن شهدها من العوالم العاقلة، وكان كافرًا لا ينفعه إيمانه إن آمن، ولا تنفعه توبته إن كان مجرمًا، لأن خروج الشمس من مغربها معناه أن روح الحياة الكونية قد زهقت وماتت، كما أن روح الإنسان وهي شمسه التي أشرقت في هيكله بالحياة والحس والحركة والإدراك والإرادة، إذا خرجت من مغربها وهو الحلقوم لا ينفع الإنسان إيمانه ولا توبته حينئذ قال الله تعالى: ﴿فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لَّا تُبْصِرُونَ [58]
وبمجرد خروج الروح من الجسد، يصبح هذا الأخير لا منفعة له فيُقبر في الأرض حتى لا تتعفن به وجه الحياة. هذا والإنسان هو المثل الكامل لهذه الحقائق من أولها لآخرها، فالإنسان هو الكون الصغير، والكون كله هو الإنسان الكبير، قال الإمام على كرم الله وجهه:
دواؤك فيك وما تبصر       وداؤك منك وما تشـعر
وتزعم أنك جرم صغير       وفيك انطوى العالم الأكبر
وقال الله تعالى في شأن هذه العلامة: ﴿ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا[59].
وبعد بيان هذه العلامة الكبرى تقوم الساعة، ويبعث الله الخلق ويفصل بينهم بالحق، فيجازي المحسن بالإحسان وزيادة، ويجازي المسيء بسيئاته أو يعفو عنه، وهو العفو الغفور، وقد فَصَّلَ الله أخبار يوم القيامة في القرآن الكريم تفصيلاً يستطيع الإنسان المؤمن أن يشهد ذلك اليوم من خلال هذا البيان الإلهي، حتى إذا جاء يوم القيامة لم يرى فيه شيئاً غير ما شهده من قبل، في أخبار الله وبيان رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الإمام علي رضي الله عنه: (لو كشف الحجاب ما ازددت يقينًا).
وقال الإمام أبو العزائم رضي الله عنه شارحًا أحوال الموقنين بيوم القيامة:
كل فانٍ فَنَى وما هـ و باقٍ       شهدوه بالعين لا الأخبـار
يا خيالي حق اليقين شهودي       لا تمثل فذاك شأن الساري
كن كما كنت طينة أو منيا       أو طُفَيْلاً فـي أول الأدوار
وفي هذا اليوم العظيم يكرم الله المؤمنين بدخول الجنة دار رضوانه الأكبر، ويذل الله الكافرين بدخول النار دار سخطه ونقمته، وما ظلم الله الناس شيئًا ولكن الناس أنفسهم يظلمون، فهو سبحانه الحكم العدل اللطيف الخبير، الحليم الكريم، الغفور الرحيم.
___
ملاحظة
إذا طلعت الشمس من مغربها طلعت متغيرة عن طبيعتها، وهيئتها، ومتغيرة في شكلها وصورتها فتكون سوداء مظلمة لا ضياء فيها ولا نور، ولا دفء فيها ولا حرارة، ولا توهج فيها ولا أشعة، وكأنها طلعت ميتة ومتهالكة وتقول لمن رآها هذه نهاية الحياة الدنيا، وقد تغير وجه الكون، وتبدلت أرضه وسماه، وتساقطت كواكبه ونجومه، وتفجرت بحاره وأنهاره، وتسجرت مياهه وعيونه، واكفهر وجه الزمن، وصار لا يعرف أحد ليله من نهاره وتصايحت أصوات النذير والهلاك من كل جانب قال الله تعالى: ﴿لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ[60]. وقال جلَّ شأنه: ﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ[61]
وحينئذ تبدأ أحداث القيامة من النفخ في الصور، فينفخ إسرافيل عليه السلام في الصور النفخة الأولى وهذا الصور محيط بعالم السموات والأرض، وهذه النفخة هي نفخة الفزع والجزع ومعناها الإنذار بشدة هائلة لجميع العوالم بأهوال القيامة فيفزع الخلق أجمعون، ويصيبهم الذعر والهلع والجزع والخوف الشديد والرعب، وتصم هذه النفخة آذانهم من شدة قوتها، لكن هناك أهل الإيمان الذين لا يفزعون، وأهل الاطمئنان الذين لا يخافون، ولا ينزعجون وهم المؤمنون الصادقون من الإنس والجن، وكذلك الملائكة، قال الله تعالى: ﴿ وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ [62]. وبعد هذه النفخة يكرم الله المؤمنين فيقبضهم إليه على خير حالة ويهلك الله الكافرين بالزلازل والخسف والإغراق وبالصواعق وبالشهب وبالرجم، وغير ذلك من المصائب التي تحيق بهم من كل ناحية وتفنى جميع الكائنات ثم ينفخ إسرافيل في الصور النفخة الثانية فتصعق الأرواح ولم يبق إلا وجه الحي القيوم، ومن شاء الله سبحانه وتعالى أن يبقيه من الأرواح الكاملة تكريمًا لهم وإجلالاً لقدرهم، وعلى رأسهم روح سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم سر قول الله تعالى: ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ[63] وبعد ذلك تبدأ أحداث الإعادة فيبعث الله الخلق من جديد ويعيدهم إلى الحياة، وينفخ إسرافيل في الصور النفخة الثالثة، فتطير الأرواح من عالم البرزخ، وتدخل كل روح إلى جسدها، ويقوم الناس لرب العالمين، قال الله تعالى: ﴿ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ [64] فالنفخ في الصور على ثلاثة مراحل نفخة الفزع ثم نفخة الصعق، ثم نفخة البعث، ولله في خلقه شئون، فسبحان من بيده ملكوت السموات والأرض وإليه ترجعون.
وقوع علامات الساعة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
وإن الذي يتعجب له المؤمن أن الناس ما زالوا ينتظرون ظهور علامات القيامة مع أن الله عزَّ وجلَّ يخبرنا في كتابه الكريم أنه قد ظهرت ووقعت بالفعل في أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث قال الله تعالى: ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ[65]. وإن أصغر مسلم يعتقد أن القمر قد انشق نصفين أحدهما على جبل الصفا والآخر على جبل المروة وكان ذلك معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وتأييد له من الله عزَّ وجلَّ، ولتقوم الحجة على الكافرين المكذبين برسالة النبي عليه السلام هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن انشقاق القمر علامة من علامات وقوع الساعة، وكأن الله يقول لنا إن الساعة قد قرب وقوعها وأوشك مجيئها، والدليل على ذلك انشقاق القمر، فاستعدوا وتجهزوا له، فأي علامة مما ذكرناها يستبعدها الناس بعد ذلك؟. لقد آن  لك أيها العقل أن تسلم، ولا أراك إلا كذلك لأن الصبح قد أسفر لك، وشمس النهار قد طلعت أمام ناظريك ولم لك عذر تتعلل به، ولا حجة تحتج بها، فقد قال الله تعالى: ﴿فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً فَقَدْ جَاء أَشْرَاطُهَا[66]
صدق الله العظيم، وبلغ رسوله الكريم، وهذا تنزيل من رب العالمين: ﴿رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلَتْ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ [67]
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
___
خاتمة
وبعد فهذا جوابك يا أخي السائل، أرجو الله من فضله أن يجعله ذكري لي ولك ولكل مؤمن كريم، وصلى الله على العين التي يشرب بها منها عباد الله المقربون، والمحيط اللُُّجِّي الأعظم الذي يغترف منه العارفون بالله والراسخون في العلم، وعلى آله وصحبه وسلم صلاة وسلاما نسعد بهما في الدنيا والآخرة يا رب العالمين ورضي الله عن الفرد الذي واجهنا بهذه الأنوار، وكاشفنا بهذه الأسرار، سيدنا ومرشدنا الإمام أبي العزائم آمين وسلام على جميع الأنبياء والمرسلين وآلهم، والحمد لله رب العالمين.
﴿رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلَتْ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ﴾.
﴿رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ ﴾.
﴿رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ﴾.
___



فهرست
               الموضـــوع                                        الصفحة
مقدمة
التسابق إلى الإسلام في آخر الزمن
علامات وقوع الساعة
حديث الروح الأمين
العلامات الصغرى
أولا: ميلاد الأمة ربتها
ثانيا: التطاول في البنيان
العلامات الكبرى
العلامة الأولى: خروج الدابة من الأرض
العلامة الثانية: انفتاح يأجوج ومأجوج
العلامة الثالثة: ظهور المسيخ الدجال.
العلامة الرابعة: نزول سيدنا عيسى عليه السلام من السماء
العلامة الخامسة: طلوع الشمس من مغربها
وقوع علامات الساعة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
خاتمة















[1] [الآية 5، سورة الحج].
[2] [الآيتان 15-15، سورة المؤمنون].
[3] [الآية 45، سورة الكهف]..
[4] [الآية 17، سورة الزمر].
[5] [الآية 10-14، سورة الواقعة].
[6] [الآية 24، سورة يونس].
[7] [الآية 33، سورة النحل].
[8] [رواه الشيخان عن أبي هريرة].
[9] [الآية 21،يوسف].
[10] [الآية 103، يونس].
[11] [الآيتان6-7، المعارج].
[12] [الآية 25، لقمان].
[13] [الآية 103، الأنبياء].
[14] [رواه البخاري من حديث أبو هريرة].
[15] [الآية 101، سورة المائدة].
[16] [رواه البيهقي من حديث أم حبيبة الجهنية].
[17] [رواه الديلمي عن أبي هريرة].
[18] [الآيتان 26-27، الجن].
[19] [الآية 10، النجم].
[20] [الآية 34، لقمان].
[21] [رواه البخاري ومسلم والترمذي عن جابر بن سمرة].
[22] [بواه ابن أبي الدنيا عن عمر، والترمذي من حديث أبي سعيد].
[23] [رواه البخاري من حديث أبي هريرة].
[24] [رواه البخاري عن أبي هريرة].
[25] [رواه البخاري عن أبي هريرة].
[26] [الآيتان 57—58 النجم].
[27] [الآية 36، النساء].
[28] [الآية 61، هود].
[29] [الآية 96، الأعراف].
[30] [الآية الأولى، الأنبياء].
[31] [رواه أ؛مد والطبراني عن أبي مسعود].
[32] [الآية 82، النمل].
[33] [الآية 81، النمل].
[34] [الآيتان 5-6 ، المرسلات].
[35] [ الآيات 1-4، المرسلات].
[36] [الآية 82، النمل].
[37] [الآية 165، النساء].
[38] {الآية 14، سبأ].
[39] [الآية 44، الإسراء].
[40] [الآية 7، آل عمران].
[41] [الآية 49 ، النحل].
[42] [الآيتان 96-97، الأنبياء].
[43] [الآيتان 97-98 ، الكهف].
[44] [الآية 17، الزمر].
[45] [الآية 43، هود].
[46] [الآية 21، يوسف].
[47] [الآية 67، يس].
[48] [رواه أحمد والبخاري والترمذي عن ابن عمر].
[49] [الآية 217، البقرة].
[50] [رواه أحمد والبخاري ومسلم من حديث أبي هريرة].
[51] [الآية 59، آل عمران].
[52] [رواه أبو نعيم في الحلية عن أبي أمامة}.
[53] [الآية 38، الرعد].
[54] [الآية 55، طه].
[55] [الآية 59، آل عمران].
[56] [الآية 70 ، النساء].
[57] [الآية 57، سورة المائدة].
[58] [الآيات 82-85، الواقعة].
[59] [الآية 158، الأنعام].
[60] [الآية 67،الأنعام].
[61] [الآية 38، يس].
[62] [الآية 87، النمل].
[63] [الآية 68، الزمر].
[64] [الآية 68، الزمر].
[65] [الآية الأولى، القمر].
[66] [الآية 18، محمد].
[67] [الآية 53، آل عمران]].
التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:




شارك فى نشر الخير