آخر الأخبار
موضوعات

الثلاثاء، 6 سبتمبر 2016

- الامة الوسط

عدد المشاهدات:
التوحيد في القرآن والسنة
لفضيلة الشيخ محمد على سلامة 
مدير عام مديرية أوقاف بورسعيد السابق 
              بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله الواحد الأحد، المنزَّه عن الشريك وعن الزوجة والولد، المُقدَّس عن كل ما يخطر بالعقل والوهم والخيال، والصلاة والسلام على أوَّل من وحَّد الله ومجَّده، وعَبَدَ الله وقدَّسه، سيدنا مُحَمَّدٍ وعلى آله وأصحابه ومن والاهم إلى يوم الدين.
لقد فرض الله على الإنس والجن و الملائكة توحيده وتقديسه، فأنزل جلَّ شأنه في كتابه العزيز صفاته وأسماءه التي لم يستطع العقل أن يهتدي إليها بنفسه.
وأوجب علينا في كثير من آيات الكتاب العزيز أن نعتقد في الله كلَّ خير وكلَّ كمال، وكلَّ عظمة وجلال، وكلَّ معروف وبرِّ وإحسان، وكلَّ عطف ورحمة وحنان، لأنه جلَّ شأنه الإله الذي خلق جميع العالمين، وربَّاهم على نعمه وفضله وآلائه.
وبإذن الله وتوفيقه سنوضح حقيقة التوحيد في كتاب الله تعالى وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإليك هذا التوضيح:
التوحيد في القرآن
أولاً:
أولا: قال الله تعالى: ﴿وَإِلَـهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾. [163، البقرة].
هذه الآية الشريفة تقرِّر أن الإله الذي خلق الخلق من العدم، وأمدَّهم بكل أسباب الحياة من داخل ذواتهم ومن خارجها، هو إله واحد لا شريك له، ولا مساعد له، ولا مثيل له، ولا ضد له، ولا صاحبة له، ولا ولد له، بل هو:
·       إله واحد لا شريك له، ولا مساعد له، ولا مثيل له، ولا ضدَّ له، ولا صاحبة له، ولا ولد له.
·       بل هو إلهٌ واحدٌ في ذاته، لا يتركب ولا يتجزأ.
·       واحد في أسمائه التي لم يتسمَّ بها أحدٌ في الحقيقة غيره، وإن تسمَّى بها أحد من الخلق فهو على سبيل المجاز.
·       واحد في صفاته فلم يتصف بها أحد سواه، وإن اتصف بها أحد من خلقه فذلك مجاز لا حقيقة.
·   واحدٌ في أفعاله ليس لأحد فعلٌ معه جلَّ شأنه، فهو الفعَّال لما يريد، وأما أفعال الخلق فهي بإرادة الله وقدرته، وهم سببٌ فقط لمباشرتها وإبرازها.
وهذه الآية الشريفة ردَّتْ على الكافرين والمشركين، والملحدين والزنادقة، وعلى الدهرية والشيوعية، وعلى النصارى واليهود، وعلى الصابئة والمجوس، وغيرهم من أهل الملل الباطلة، ردَّتْ عليهم زعمهم وافتراءهم في شأن وحدانية الإلوهية، وحيث قد ضلُّوا فيها ضلالاً بعيدًا.
ولنا أن نقول لهم جميعا هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين!، فإن الله أخبر العالم كلَّه بهذه القضية (قضية الألوهية) ولم يبرز حتى الآن منازعٌ له فيها، فَلَمْ يدَّعِ أحدٌ أنه إله منذ بدء الخليقة إلى اليوم، وإن ادَّعى أحدٌ ذلك فهي دعوى باطلة لأنها لا دليل عليها.
ولقد أقام الله الدليل بعد الدليل للعالم أجمع على ألوهيته وعلى أحديته، بهذا الواقع الذي يعيش فيه كل موجود من أرض وسماء وما فيهما وما بينهما، وأنه صنعته وإيجاده، وأن هذا العالم مربوبٌ لعظمته، مقهورٌ لجبروته، قائم بقدرته، حيٌّ بإمدادته، مسيَّرٌ بحكمته فقد قال عزَّ وجلَّ:﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾. [28، البقرة].
فإن الذي فعل كل ذلك هو الإله حقَّاً، الذي تخضع له الرقاب، وتُذَلُّ له الأنفس، وتوحِّده العقول، وتؤمن به القلوب، وتطيعه الجوارح. ومعنى ﴿وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ﴾. أي أمواتا في عناصر المادة، قبل نفخ الرُّوح فيكم وإن كان للمادة نموٌ وتطورٌ في رحم الأم، لكنها ليست كالحياة بعد نفخ الروح فيها، وإنما تبدأ الحياة الحقيقية من ساعة أن ينفخ الله الرُّوح في هذه العناصر، فتحيا وتتحرك بإذن الله وهذا معنى﴿فَأَحْيَاكُمْ﴾.  أي أحياكم بنفخ الرُّوح فيكم وكنتم أمواتًا قبل ذلك ﴿ثُمَّ يُمِيتُكُمْ﴾. بعد انقضاء أجلكم في الدنيا ﴿ثُمَّ يُحْيِيكُمْ﴾. يوم البعث والنشور.
وبذلك يتبين أن الله أحيا الإنسان مرتين وأماته مرتين، وإن الذين يقولون: (إن هي إلا أرحام تدفع وأرض تبلع وما يهلكنا إلا الدهر)، لم يفكروا أبدا!!!، ذلك لأنه لو كانت الأرحام تلد وتدفع بطبيعتها ومن نفسها من غير إرادة الله وقدرته، لدفعت كل الأرحام التي يطرقها الفحل، لكننا نجد كثيرًا من الأرحام لا تلد مع توفر الدواعي والأسباب.
إذًا فالأرحام لا تدفع من نفسها، بل بقوة غيبية فوق الأسباب، لها السلطان القوى والمشيئة الكبرى في هذا الأمر قال الله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاء لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾. [6، آل عمران].
وقال تعالى: ﴿لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاء يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ﴾. [49ـ50، الشورى]..
ثم إنه لو كانت الأرحام تلد بطبيعتها لكان الأولاد المولودون من أب وأم واحدة متساوين في الصورة واللون والقامة والعوارض الأخرى!! لماذا؟. لأن المصنع الذي ينتج واحد!، والمادة التي تصب فيه واحدة!، ولكننا نرى كلَّ واحد من أبنائهما له سمتُ وصورة وكيانٌ مخصوصٌ لا يشاركه فيه أحدٌ من أخوته، فكل واحد منهم نسيج وحده لم تلده الأم إلا مرةً واحدةً، وكذلك لم يلد أحدٌ من الأمهات مثله، قال الله تعالى: ﴿وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ﴾. [22، الروم].
ولقد كان هذا الإله القوىٌّ القادر، العليم الخبير، له الصفات العظمى والأسماء الحسنى التي أخبر بها عن نفسه، وعلى لسان رسله وأنبيائه لنعرفه سبحانه وتعالى بها، ونعبده جل شأنه بها.
وينهي الله تعالى الآية التي تناولناها من سورة البقرة والتي بدأنا بها حديثنا بقوله: ﴿ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾. يعنى الذي بلغت رحمته بعباده وعطفه عليهم، وإحسانه إليهم، مبلغًا عجزت العقول الكاملة عن تصوره، وقد أفاض الله عليهم هذه الرحمة في الدنيا والآخرة.
ثانيا: قال الله تعالى: ﴿ اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ﴾. [255، البقرة].
فقد وصف الله نفسه في هذه الآية الشريفة بالإلوهية وبالحياة وبالقيومية، ومعنى قوله تعالى: ﴿الْحَيُّ﴾  أن الحياة صفة ذاتية له سبحانه وتعالى، وأنه سبحانه واهب الحياة لجميع الخلائق التي قدر الله أن تكون حيَّة فحيت بذلك. فهو جلَّ شأنه حيُّ في نفسه، ومفيض الحياة على غيره فكلُّ حيِّ استمد حياته منه سبحانه وتعالى، لأنه جلَّ شأنه المُحيي لكل الأحياء وقد كانوا موتى وعدمًا قبل إحياء الله لهم.
ومعنى قوله جل شأنه: ﴿ الْقَيُّومُ﴾. أي القائم بذاته، المستغنى عن جميع مخلوقاته، والقائم على كل كائن في السموات والأرض وما بينهما بالقهر والهيمنة، والرعاية والعلم والإحاطة.
وقوله تعالى: ﴿لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ﴾. والسِّنة هي الغفوة التي تأخذ الإنسان في أول النعاس، فتطرف بها العين لحظة ثم يفيق الإنسان بعدها، والله عزَّ وجلَّ لا تعتريه مثل هذه الغفوة ولا أقل منها، فإنه لو وقع منه جلَّ شأنه ذلك لاخْتَلَّ نظام هذا الوجود الذي يقوم الله بتدبيره بعد إيجاده، فسبحان من لا يغفل ولا ينام.
وإذا انتفت السِّنة عنه سبحانه وتعالى فقد انتفي عنه النوم بالطريق الأوْلَى، لأن النوم هو استغراق جميع المشاعر والحواس في الغفلة وعدم الإدراك.
ثالثا: قال الله تعالى: ﴿شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾. [18، آل عمران].                                                                                                             
وفي هذه الآية الشريفة شهادة الله لنفسه بالإلوهية ونفيها عن كل من سواه وما سواه ومَنْ أعظم شهادةً من الله؟ لا أحد!.
وفي الآية أيضًا شهادة الملائكة بإلوهية الحقِّ تبارك وتعالى ونفيها عن كل شئ غيره.
والملائكة هم القائمون بتدبير هذا الكون بإذن الله، وهم أقوياء وأشداء، لو أن مَلَكًا منهم نشر جناحه على الدنيا لغطاها كلَّها، ومع ذلك فهم مربوبون لعظمة الله، مقهورون لجلال الله وفي عظيم الرهبة والهيبة من سلطان الله، قال الله تعالى فيهم: ﴿لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾. [6، التحريم].
فلو كان هناك آلهة غير الله لكانوا أحقَّ بها لما ذكرنا من شدتهم وقوتهم وعظم خلقتهم، وتدبيرهم لهذا الكون، لكنهم عباد أذلاء لله، ولو لم يشهدوا بإلوهية الله لمحقهم الله، لأنهم في معاينة اليقين الحق لصفاء عناصرهم وكمال عقولهم.
وثالثا: وفي الآية الكريمة شهادة العلماء الراسخين بإلوهية الله عزَّ وجلَّ، ونفيها عن كل ما سواه وذلك لأنهم نظروا بعقولهم في أنفسهم وفي الكائنات من حولهم، وفكَّروا فيها مليَّا، فوجدوا أن تعدد الآلهة لا يمكن أن يقوم معه. هذا الوجود العظيم، ولا هذا الصنع البديع الحكيم ولا ذلك التدبير العجيب فشهدوا وأقروُّا بإلوهية الواحد الأحد القوى القادر، إذ: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾.  [22، الأنبياء].                                                                                         
أي لو كان في السموات والأرض آلهة غير الله لفسدت السموات والأرض، ولم تكن على هذا النظام البديع، وذلك لأن لو كل إله منهم يريد أن يخلق ويبرز قدرته وقوته، فيقع بينهم النزاع والقتال فلا يوجد شئ من هذا العالم. ولا يجوز الاتفاق فيما بينهم على إيجاد هذا العالم، لأنهم لو اتفقوا لثبت عجزهم جميعا، لعدم قدرة كلِّ واحد منهم على إيجاد شئ بنفسه والعجز على الإله محال.
ولذلك لم يكن هناك إله إلا الله الذي شهد به الله والعلماء والملائكة، وشهادة العلماء تفرض على غيرهم من الناس الإقرار والإيمان بما شهدوا به، لأن العوام والجهَّال والأميين لا يقدرون على النظر والتفكر والاستدلال مثل العلماء، فوجب عليهم أن يؤمنوا بما شهد به العلماء، وهذا الإيمان ليس تقليدًا للعلماء، وإنما هو تسليمٌ لهم في كَشْفِهِم وشُهُودِهم، لأن إيمان العلماء وتوحيدهم عن شهود ويقين. وإيمان غيرهم من العامة عن تسليم وإذعان ولذلك قال الله تعالى: ﴿شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ﴾. [18، آل عمران].                                                                                                             
يعنى شهد الله لنفسه بالإلوهية، وشهد بها الملائكة، وشهد بها أولوا العلم كذلك، لأن العلم كشف الحقائق لهم، والشهادة في مثل هذا المقام تكون بعين البصيرة والعقل بعد الفكر والتدبر وهذا لا يتأتى إلا من العلماء الراسخين، حيث لديهم القدرة على ذلك دون غيرهم.
وشهادة الله والملائكة والعلماء بإلوهية الله ونفيها عن غيره، قررت أن هذا الإله: ﴿قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ﴾  أي قائمًا بالحقِّ والعدل، وقائمًا بالقوة والقهر، وقائمًا بالرحمة والفضل، وقائمًا بالخير والبرِّ.
وقررت هذه الشهادة أيضًا هذه الشهادة أن هذا الإله ﴿هُوَ الْعَزِيزُ يعنى أنه سبحانه وتعالى جلَّ شأنه لا يغلبه أحد. ولا يفوته شئ، وأنه سبحانه هو ﴿الْحَكِيمُ﴾. جعل كل أفعاله وأقواله لحكمة سامية جلت عن الإدراك.
وأنه سبحانه وتعالى قد وضع كلَّ شئ في موضعه المعَّد والمناسب له، من غير زيادة ولا نقصان، فقد اتسمت كل شئونه بالتمام والكمال والحسن والإتقان.
فقد شهد الله والملائكة والعلماء أنه جل شأنه: ﴿ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾. [18، آل عمران]
وكفي بالله والملائكة والعلماء شهودًا على هذه القضية، وإن أي كلام يتعارض مع هذه الشهادة الكبرى لا يعبأ به، لأن غير هؤلاء الشهود لا تقبل شهادتهم في هذا المقام، حيث أنهم من أهل العجز والجهل الذين لم يقدروا على فهم شئ من حيثيات هذه القضية حتى يقرروه ويشهدوا به قال الله تعالى: ﴿مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ﴾. [51، الكهف].
أما العلماء فقد أشهدهم الله سبحانه وتعالى خلق الكائنات تكريما لهم وتقديرا لعلمهم.
وعليه؛ فالتوحيد هو اعتقاد القلب:
·       أن الله واحد أحد، لا شريك له في ملكه وملكوته.
·        وأن الله له التصريف المطلق فيهما، لا رادَّ لأمره ولا معقِّب لحكمه.
·        وأن الله فرد صمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد.[3]
ومعنى ﴿الصَّمَدُ ﴾. لا يأكل ولا يشرب ولا يتزوج ولا يزول ولا يتغير ولا يتحول، ومعنى ﴿لَمْ يَلِدْ﴾. لم يكن له ولد ولا بنت ولا زوجة ولا صاحبة، ومعنى ﴿وَلَمْ يُولَدْ﴾. لم يكن له أب ولا أم ومعنى ﴿وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾. لم يكن له مثيل يضاهيه، ولا شبيهٌ يقاربه، ولا ندٌّ يكافئه، ولا ضدٌّ يعاديه، ولا مشيرٌ يأخذ رأيه ولا وزيرٌ يعينه في شئ، ولا صاحبٌ يرافقه.
وعلى ذلك فإن التوحيد هو:  
·   تفريد الله بالخلق والإيجاد، والرزق والإمداد، والإحياء والإماتة، والتقدير والتدبير، والتصريف التام في جميع الكائنات، في السموات والأرض وما بينهما وفي الدنيا والآخرة.
·   ثم بعد ذلك تنزيه الله عن كل علَّة وغرض، وعن كل نقص وهزل، وعن كل لهو ولعب، وعن كل مالا يليق بجنابه المُقدَّس عز شأنه.
والتوحيد كذلك هو اعتقاد القلب بأن الله متصفٌ بكل صفات الكمال والجلال والجمال، من العلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام والحياة، والقدم والبقاء، والمخالفة لجميع الكائنات، والقيام بالنفس، وغيرها من الصفات التي وصف الله تعالى بها نفسه في كتابه العزيز، أو في سنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
والتوحيد أيضا هو أن يعتقد المؤمن أن الله له أسماء كريمة ذكر لنا منها تسعة وتسعين اسما، وله فوق ذلك من الأسماء ما لا يعلمه إلا الله عز وجل وما أخبر به رسله وأنبياؤه وخاصة عباده من هذه الأسماء الإلهية المقدسة.
ولا يكفي العلم بهذه الأسماء والصفات التي سبق ذكرها آنفا في حقائق التوحيد، وإنما يجب على كل مسلم أن يعتقدها بقلبه ولو إجمالاً، حتى يصحَّ توحيد لله، وإيمانه به سبحانه وتعالى.
أما قول الله سبحانه وتعالى: ﴿فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أُنزِلِ بِعِلْمِ اللّهِ وَأَن لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ﴾. [14، هود].
فهذه الآية الشريفة توضح أن الواجب على المؤمنين هو تحصيل العلم بالله أولاً من القرآن والسنة، ومن العلماء العاملين حتى يصحِّحوا عقيدتهم في الله فيؤمنوا بما علموه عن الله، ويصدقوا بأخبار الله وشئونه وصفات الله وأسمائه، وبكل ما جاء عن الله عزَّ وجلَّ.
وكذلك تفرض هذه الآية على المؤمنين أن يعلموا بأن القرآن نزل بعلم الله وبأمره. ونزل بإرادة الله وقدرته، ونزل بتدبير الله وحكمته، ونزل لإسعاد الناس في الدنيا والآخرة.
هذا وإن العلم بالله يزيد الإيمان ويقويه فضلا عن تأسيسه وإرساء دعائمه، وأن اعلم بالله لا نهاية له لأن الحقَّ جلَّ شأنه لا نهاية له كما أنه لا يكفي قول الإنسان ( لا إله إلا الله) لأن القول حركة اللسان وتلفُّظه، والتوحيد هو اعتقاد القلب وتيقنه.
أما قول اللسان فإنه فرض على كل مسلم ومسلمة أن يقول ذلك، وهذا لقول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: {أيُّهَا النَّاسُ قُولُوا لا إِلَهَ إلاَّ اللهُ تُفْلِحُوا}.[4]
لأن القول هو الدليل على ما في القلب من الاعتقاد قال الحكيم العربي:
إِنَّ الكَلامَ لَفِي الفُؤادِ وَإِنَّمَا        جُعِلَ اللسَانُ عَلَى الفُؤادِ دَلِيلا
التوحيد في السنّـــة
إن التوحيد سهل وبسيط، ويكفي فيه أن يعتقد الإنسان أن الله واحد لا شريك له، كما يكفي للدخول في الإسلام أن يقول الإنسان: لا إله إلاَّ الله مُحَمَّدٌ رسول الله، فقد كانت كلمة( لا إله إلا الله مُحَمَّدٌ رسول الله) هي الفارق بين الإسلام والكفر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
{أُمِرْتُ أَنْ أُقَاِتَل النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أنَّ لا إلهَ إلاَّ الله. وَيُؤْمِنُوا بِي وَبمَا جِئْتُ بِه. فإذا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّى دِمَاءَهُمْ وَأمْوَالَهُمْ إلا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى الله}.[5]
والناس الذين ورد فيهم هذا الحديث الشريف هم الذين قاتلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم: وقاتلوا المسلمين من أجل هذه الكلمة، وهم سكان الجزيرة العربية، ويوضح ذلك قول الله تعالى: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ﴾. [39-40، الحج].
فلأنهم كانوا يقولون لا إله إلا الله، عذبوهم واضطهدوهم من أجلها وطردوهم من ديارهم وأموالهم من أجلها، وتحزَّبوا وتمالأوا على المسلمين من أجلها، وحاربوهم واعتدوا عليهم من أجلها، أما عامة الناس من بقية سكان الأرض فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يبعث إليهم رسلاًّ وكتبًا يدعوهم بها إلى الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة فمن أجاب فله الجنة، ومن أعرض فعليه وزره ووزر مَنْ وراءه من الشعوب والأمم الذين صدَّهم عن الإسلام.
ولما قامت الحروب الإسلامية بين المسلمين وغيرهم، كان بمجرد أن يقول العدو لا إله إلا الله:
·       يرفع عنه السيف.
·       وتُحفظ له حرمته وكرامته.
·        ويُصبح له كل ما هو للمسلمين من أمان وحقوق.
·       وعليه ما عليهم من تبعات وتكاليف.
لا فرق في ذلك بين من أسلم الآن، وبين مَنْ أسلم في عصر الإسلام الأول.
ولم يكن هذا القتال تشفيَّاً أو انتقامًا، وإنما كان دفاعا عن حرية العقيدة ودفعًا للظلم الذي وقع على المستضعفين والمغلوبين على أمرهم، وحفاظًا على كرامة المسلمين وردًا للاعتداء عنهم.
وقد كان هذا القتال لا يتعدى المحاربين والمقاتلين بل كان مقصورًا عليهم لا يتجاوزهم إلى غيرهم بحال من الأحوال. وذلك لأن المقصود بالحرب في الإسلام هو إقرار السلام والحرية والعدالة بين الناس، وليس من شأنه الإبادة أو الإفساد في الأرض كما هو شأن الحروب الآن.
فقد كانت الحرب في الإسلام كالعمليات الجراحية التي تستأصل الأدواء والأمراض المستعصية من أجسام الشعوب، وتعيد إليها الصحة والعافية والأمن قال تعالى: ﴿وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَـكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾.  [251، البقرة].



التوحيد الخالص
هو تطهير القلبُ من الآراء الفاسدة، ومن الشك والأوهام الباطلة، وعقدُ القلب على العقيدة الحقَّة، قال تعالى: ﴿وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا ﴾. [ 14، الكهف].
ومعنى: ﴿وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾. شددنا عليها برباط متين قوى، بحيث لا يتسرب منه شئ من حقائق التوحيد والإيمان التي ملئت بها قلوبهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {مَنْ قَالَ لا إلهَ إلا الله مُخْلِصًا دَخَلَ الجنَّة. قِيلَ: وَمَا إخْلاصُها؟. قال: أَنْ تَحْجِزَهُ عَنْ مَحَارم الله}.[6]
ومعنى الإخلاص بها أن يراقب القلب معانيها وأسرارها، من استحضاره معية الله، ورعايته جلال الله، والخوف من مقام الله والمسارعة في مرضاة الله، والبعد عن محارم الله، بحيث يشعُّ من قلبه نور لا إله إلا الله فيملأ عليه سمعه وبصره وعقله وجميع جوارحه، فيسير بين الناس بهذا النور، ويكون هاديا مهديا وهذا هو إخلاص التوحيد لله.
اللهم أخلصنا إليك بسرِّ لا إله إلا الله، وبحق نبيك محمد صلى الله عليه وسلم.








ركائز التوحـيد
هذا وإن توحيد المؤمن لله يستلزم أمورا كثيرة هي كالآتي:
أولا: التصديق بوجود الله وبجميع صفاته وأسمائه وأفعاله التي ورد بها الشرع الشريف.
ثانيا: الإيمان بأن الله أرسل رسلا كثيرين إلى عباده ليخرجوهم من ظلام الكفر إلى نور الإيمان، كان آخرهم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
ثالثا: الإيمان بأن لله ملائكة هم جند الله يقومون بتنفيذ أوامره سبحانه وتعالى وينصرون رسل الله وأنبياءه والمؤمنين على أعداء الله.
رابعا: الإيمان بأن الله أنزل على رسله كتبًا وصحفًا فيها شرائع الله ووصاياه للبشرية، كان آخر هذه الكتب القرآن المجيد الذي جعله الله جامعًا لكل ما في هذه الكتب والصحف من خير، وزاد عليها ما تحتاج إليه الإنسانية إلى يوم القيامة، لأن الله ختم به الكتب السماوية كما ختم بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم جميع الأنبياء.
خامسا: الإيمان بأن القضاء والقدر خيره وشره من عند الله عز شأنه، لأن كل شئ في هذا الوجود بإرادة الله ومشيئته قال صلى الله عليه وسلم: {ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن}.[7]
وقال تعالى: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾. [49، القمر].
وقال جل شأنه: ﴿وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ ﴾. [30، الإنسان].
سادسا: الإيمان باليوم الآخر وهو اليوم الذي يجازى الله فيه المحسن بالإحسان وزيادة، ويجازى المسئ أو يعفو عنه وهو العفو الغفور وهذا اليوم هو يوم القيامة، وأنه آتٍ لا ريب فيه ولقد سأل سيدنا جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم،عن الإيمان فقال:{أنْ تُؤْمِنَ بالله، وَمَلائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَومِ الآخرِ وَتُؤْمِنَ بالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ}.[8] وقال الله تعالى: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ﴾. [285، البقرة].


ومعنى: ﴿لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ﴾.  لا نفرق بينهم في الإيمان بهم، فإن المؤمن يؤمن بجميع الرسل الذين ذكرهم الله في القرآن الكريم، وذكرهم رسول الله في حديثه الشريف، على أنهم جميعا مرسلون من الله عزَّ وجلَّ إلى عباده، لهدايتهم للحقِّ وللخير والرشاد، وأنهم بلَّغوا الناس ما أرسلهم الله به إليهم، ولا يفرق المؤمن بين أحد منهم في الإيمان، وإن كان يجوز أن يفرِّق بينهم في الحبِّ والتعظيم والاحترام، فكلُّ رسول له في قلب المؤمن منزلة ودرجة غير الآخر على قدْرِ علمه به ومنفعته منه والله ورسوله أعلم.
سابعا: يعتقد بأن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، هو خاتم النبيين والمرسلين، فليس هناك نبىٌّ ولا رسولٌ بعده إلى يوم القيامة. أما نزول سيدنا عيسى عليه السلام من السماء آخر الزمن فإنه لا يأتي معه برسالة جديدة يبلغها للناس، فإن رسالته قد انتهت برفعه إلى السماء ولكن نزوله سيكون معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.  وتصديقًا لإخباره بذلك، ولقد بينَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، مهمته التي ينزل من أجلها وهى أنه:
·       سيقتل الخنزير، ويكسر الصليب، ويضع الجزية.
·       ولا يقبل من أحد إلا الإسلام.
·       ويدعو الناس إلى ما دعاهم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
·       وأنه سيقضى على المسيخ الدجال مع المسلمين.
·   وأن سيدنا عيسى عليه السلام سيكون تابعا لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وناهجا على نهجه الشريف كبقية المؤمنين رضي الله عنهم.
·       وأنه سيصلى خلف إمام المسلمين عند نزوله من السماء إيذاناً بأنه تابع لرسول الله صلى الله عليه وسلم.






بسـاطة الإيمـان
إن الإيمان بالله في بساطته ووضوحه حسب ما ورد في القرآن الكريم والسنة المطهرة، برئ من كل تعقيد ورموز وطلاسم ولقد أدركه الرجل الأمي الذي يعيش في الصحراء بعيدًا عن العلم والحضارة والعمران فقال في بساطة:( البعرة تدل على البعير، وأثر الأقدام يدل على المسير، وهذه أرض ذات فجاج وسماء ذات أبراج، وبحار ذات أمواج، أفلا يدل ذلك على اللطيف الخبير).
وجاء الإسلام ليخرج الناس من سجن التقليد الأعمى، ومن الخرافات والأوهام الفاسدة، ومن ظلام الطلاسم والتعقيدات التي وضعها رجال الدين المسيحي واليهودي والبوذي وغيرهم من ضُلاَّل الملاحدة والفلاسفة والزنادقة، ومن جهالة عبَّاد الكواكب والشمس والقمر والنار والإنسان والحيوان وغيرهم إلى دين الفطرة السليمة والعقل المتحرر من التعصب للآباء والأجداد المتطهر من الآفات والشهوات وهو دين الله الذي ارتضاه لنفسه ولرسله وملائكته والإنس والجن.
وكذلك جاء الإسلام ليضع الناس على الطريق المستقيم الموصل إلى خيري الدنيا والآخرة، وليكشف للناس غيوب المستقبل، وأسرار النواميس الإلهية، وأحكام الشرائع الربَّانية، في يسر وسهولة، وفي رفق ورحمة، وفي سكينة واطمئنان.
وقد دلل القرآن على بساطة الإيمان بقول الله تعالى: ﴿أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ﴾. [17-20، الغاشية].
فهذه الآيات الكريمة توجب على العقل أن ينظر ويتفكر في الكائنات التي ذكرتها تلك الآيات، وكيفية سخيرها للإنسان، ليخرج من ذلك بضرورات عقلية ثلاث.
أولا: الإيمان بوجود الإله القادر الخلاق العليم المبدع الحكيم الرزاق الكريم.
ثانيا: الإيمان بأن هذه الكائنات مصنوعات الله جل شأنه وأنها قائمة بقدرته ومسيرة بحكمته ومقهورة لعظمته لا يشاركه أحد في أصغر ذرة منها.
ثالثا: الإيمان بأن الإنسان في أمسِّ الحاجة إلى هذه الكائنات التي خلقها الله له وسخرها إليه. إذ لولاها لم يكن هناك حياة للإنسان.

دور الأسـباب في حياة النـاس
المسلم يعتقد: أن الماء سبب للري والحياة، ويعتقد بأن الذي يروى ويحيى هو الله جل شأنه، وأن الهواء سبب للتنفس واستمرار الحياة بواسطة تنفس الكائن الحي، لكنه يعتقد أن منفسِّ الأنفاس هو الله عز وجل، وأن النار سبب للإحراق وإذابة المعادن وطهي الطعام وغيره لكن ذلك بأمر الله جلتَّ قدرته.
وأن التراب علَّة لتكوين الكائنات المادية، وأن المكوِّن هو الله جل شأنه ولذلك يرى المؤمن بعينين عين ترى الأسباب والمادة، وعين ترى مسبب الأسباب جل جلاله.
وقد جعل الله هذه المنافع في تلكم الأسباب لينتفع بها الإنسان ويقضى بها مآربه ويشهد في هذه الأسباب حكمة الله في إيجاده وتسخيرها للإنسان. وذلك قبل أن يخلقه الله بآلاف السنين فإذا جاء إلى الدنيا وجد فيها كل ما يحتاجه مودَعًا هذه الأسباب.
وأن المسلم يؤمن بأن هذه الأسباب تؤدى تلكم المنافع بإذن الله، لأنها في كثير من الأحيان تتوقف تمامًا عن أداء هذه المنافع ولا تستطيع أداءها لأن الله لم يأذن لها في ذلك:
 كما توقفت النار عن إحراق سيدنا إبراهيم عليه السلام. وتوقف الماء عن الجري والسيلان عند عبور سيدنا موسى مع قومه البحر الأحمر وجريان الماء العذب من بين أصابع النبي صلى الله عليه وسلم، حتى ارتوى الجيش العرمرم من هذا الماء وملأ قربه وأوانيه وتوقف السكين الحاد عن ذبح سيدنا إسماعيل عليه السلام. وتوقف الحوت عن هضم سيدنا يونس عليه السلام ولفظه من جوفه على الشاطئ وتوقف الكفار عن إيذاء رسول الله وقتله ليلة الهجرة مع توفر الدواعي والأسباب وتحفزهم لذلك.
وهذا لأن الأسباب لا تفعل من ذاتها ولا من نفسها، وإنما تفعل بقدرة الله عزَّ وجلَّ وإرادته، وبأمره لها أن تفعل.
فالأسباب وسائل فقط يستعين بها الإنسان على الوصول لغايته وقضاء حاجته.
هذا وإن الله عزَّ وجلَّ قد يفعل الأشياء بدون أسباب كما كان يُطعم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويسقيه بدون غذاء وشراب مادي وذلك حيث قال عليه الصلاة والسلام: {أني أبيتُ عنْدَ رَبي يُطعِمُني وَيسْقِيني}.[9]
                                                           .
 قال ذلك لأصحابه عندما قلَّدوه في مواصلة الصيام.
وكما بدأ الله خلق هذا الكون من العدم المحض من غير علة ولا سبب. قال الإمام أبو العزائم رضي الله عنه:
فَمَنْ شَهِدَ الأَسْبَابَ تَفْعَلُ فَهُوَ فِي          ضَلالٍ مُبِيـنٍ قَالَهُ القُــرْآنُ
وَمَنْ شَهِدَ الأَسْبابَ تُنْبِى بِأَنـَّها          أ وَاسِطٌ فِيهَا الْفَضْلُ والرِّضْوانُ
وَهَذا شُـهُودُ العَارِفِينَ بِرَبِّـهِمْ           لَقَدْ خَصَّهُمْ فَضْلاً بِهِ الرَّحْمَنُ
فكلَّ مؤمن يعتقد أن الأسباب لا تفعل شيئاً بنفسها، وأن الفاعل لجميع الأشياء هو الله عزَّ وجلَّ قال الله تعالى: ﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ اللّهَ رَمَى﴾. [17، الأنفال]. وقال تعالى: ﴿فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ قَتَلَهُمْ﴾. [17، الأنفال].
فلقد نفت الآية الأولى الرمي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعد أن أثبته له، حتى تقوم الأسباب بدورها الذي أعدَّها الله له، ثم قررت الآية أن الذي رمى في الحقيقة هو الله عزَّ وجلَّ وكذلك نفت الآية الثانية عن المؤمنين قتل الكافرين أثناء الحرب وأثبتت أن الله هو الذي قتلهم. هذا مع ملاحظة أن المؤمنين هم الذين باشروا القتل بأنفسهم كأسباب له، ولكن الذي قتلهم حقيقة هو الله عزَّ وجلَّ.
وهذه الآيات الكريمة دليلٌ أعظم على معاني التوحيد وحقيقته وما على المؤمن إلا أن يتدبرها ويستيقن بها، فإنها من الرحيق المختوم الذي سقاه الله لأهل محبته وأهل معرفته جلَّ شأنه حتى فنوا عن شهود أعمالهم وعن شهود وجودهم بشهود الحق تبارك وتعالى عند قيامهم بأي عمل من الأعمال.
ومن هنا نعتقد أن كل سبب وراءه المسبب عز شأنه، وأن كل ما جاء في القرآن المجيد وفي السنة المطهرة من إثبات الأعمال والأحوال والأقوال للبشر، فإن ذلك على سبيل المجاز لا الحقيقة، وأنه من باب إسنادها لأسبابها الذين كانوا سببا مباشرا في إيجاد الله لها قال الله تعالى: ﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ﴾.[96، الصافات].                                        
ولقد أقام الله الأسباب ليظهر للعقل مسبب الأسباب سبحانه وتعالى ولتوجد المسببات عند مباشرة السبب لها، لأن الأشياء إن وجدت بدون أسباب اختل نظام العقل لعدم شهود الحسِّ قدرة الله التي أوجدت الشئ من غير سبب، فتصير الحياة كلها معجزات وخوارق تدهش الألباب، وتحير العقول والأفهام، ولكن الله رفيق بعباده فوضع الأسباب رحمة بهم، حتى لا تفجأهم الأحداث بدون مقدمات وبدون وسائل فسبحان اللطيف الخبير.
رسـوخ العقيدة في قلب المؤمن
التوحيد مستقر في قلوب المسلمين فلا خوف عليهم من الشرك والكفر، فأصغر مسلم موقن بإلوهية الله وربوبيته وأحديته، وأقل مسلم قد ملأ قلبه بتوحيد الله، ونطق لسانه بسورة التوحيد الخالص: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾. [سورة الإخلاص].
ويقرأها في اليوم أكثر من مرة إقراراً وإيمانًا وتوحيدًا لله عزَّ وجلَّ.
فلا خوف على المسلمين من الشرك في أمر التوحيد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما معناه:{لا أخاف عليكم أن تشركوا بعدى بالله شيئا فإن الشيطان قد يئس من أن يعبد في أرضكم هذه أبدا}.[10]
والأرض التي يئس الشيطان أن يعبد بها أرض الإسلام، فإن أنوار الإسلام القوية محقت ظلمات الشرك والكفر من قلوب المسلمين.
ويجب على الذين يكفرون المسلمين في عقائدهم أو يكفرونهم بمعصية الله أن يتقوا الله في دين الله وفي المسلمين، فإن المسلم لا يكفَّر إلا برفضه الإسلام الذي آمن به، أو إنكار فريضة من فرائضه التي أوجبها عليه، كأن يجحد الصلاة أو ينكر الحج أو يعتقد أن رسول الله ليس خاتم الأنبياء، أو يعتقد أنه ليس معصومًا من الذنوب. أو غير ذلك من القضايا التي فرض الله علينا الإيمان بها.
إن الكفر بعيدٌ جدًا عن كل مسلم، كما أن الإسلام بعيدٌ جدًا عن كل كافر، وإن الذي يُفضِّل كافرًا عن مسلم، فقد باء بغضب من الله، قال الإمام أبو العزائم رضي الله عنه: {إن قلامة ظفر المسلم خيرٌ عند الله من ملء الدنيا كفارا}.
وإن الذي يكفِّر مسلمًا بغير مُوجب للكفر فقد كفر بالله ورسوله. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {أيُّمَا امْرئٍ قَالَ لأَخِيه: يَا كافِرُ فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا إِنْ كَانَ كَمَا قَالَ؛ وَإلا رَجَعَتْ عَليهِ}. [11]
وإن الله فرض على المسلم إذا رأي أخاه قد ذلَّتْ قدمه أن يسرع إليه ويتلطف في إنقاذه حتى يعود إلى رشده، ويفئ إلى أمر الله فقد ورد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال لسيدنا أبى بكر رضي الله عنه: {لا تَحْقِرّنَّ أحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَ صغيرَ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَ اللهِ كَبيرٌ}.[12]
وقال صلى الله عليه وسلم: { المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره. التقوى ها هنا، ويشير إلى صدره ثلاث مرات: بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه }.[13]
وكم من إنسان مسيئ لا يرى معايبه ومساوئه، وقد تعفَّن بها الجو من حوله، ولكنه يرى هفوات إخوانه فيشهِّر بهم ويكشف عوراتهم.
وكم من إنسان مريض يرى القذى الذي في عين إخوانه، ولا يرى الخشبة التي في عينه، وهذا الإنسان في أمسِّ الحاجة إلى ملازمة العلماء العاملين، وتطهير نفسه بتحصيل العلم النافع منهم قبل فوات الأوان، فإنه مقيم على الكبائر وهو لا يدرى، ومتلبس بالآثام وهو يحسب أنه يُحسن صنعًا، ولا يكفي لمثل هذا الإنسان أن يطالع الكتب ويدرسها، بل لابد له من ملازمة أهل الخشية من الله تعالى، وأهل الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأهل الحلم والرحمة بالمسلمين ولا يجوز لمثل هذا الإنسان أن يقف عند علمه، لأن العلم الذي لا تتزكى به النفس فهو وبال على صاحبه، فكم من عليم اللسان جهول القلب والجنان.
وإن العلم لتهذيب النفوس لا لجمع الفلوس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:{تَعَلَّمُوا العِلْمَ وَتَعَلَّمُوا لِلْعِلْم السَّكِينَةَ والوَقارَ وتَواضَعُوا لِمَنْ تَعَلَّمُونَ مِنْهُ}.[14]
والعلم النافع لا يكون إلا عند العلماء بالله تعالى فهم أهل الخشية من جنابه العلىِِّ، وأهل الرحمة بعباد الله قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء﴾.[28، فاطر].                                       
شبهات يثيرها بعض النـاس
 الشبهة الأولى: إن بعض الناس من المتشددين في الدين يوهمون عامة المسلمين بأن الصلاة في المساجد التي فيها قبور باطلة.
وهذا العمل منهم بدعة في دين الله:
أَلَمْ يروا مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، بالمدينة المنورة وفيه قبره الشريف، وقبر أبى بكر وعمر رضى الله عنهما؟.
ألم يروا بيت المقدس وفيه مقابر الأنبياء والصالحين؟. وقد قال الله تعالى عنه: ﴿الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ ﴾.[1، الإسراء].                                       
والبركة التي حوله هي مقابر الأنبياء والصالحين ألم يقرءوا قول الله تعالى عن أهل الكهف: ﴿قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا ﴾.[21، الكهف].
ومعنى ذلك يبنون عليهم مسجدًا تكريماً لهم وتقديرًا لجهادهم الذي بذلوه في سبيل الله!
ألم يعلموا أن سيدنا جبريل قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم، في ليلة الإسراء:{هنا قبر موسى فانزل وصلِّ يا رسول الله}.[15]
فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم، من على البراق وصلى ما شاء الله له أن يصلى؟.
ألم يروا ما عليه المسلمون من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى الآن وهم يؤدون صلواتهم في جميع المساجد على السواء، لم يفرقوا بين ما كان فيها قبر ولا ما ليس فيها!!!
وما أجمع المسلمون عليه فهو دين الله الحق فقد قال صلى الله عليه وسلم:{لا تجتمع أمتي بعدى على ضلالة}.[16]
إن دين الله سَمْحٌ وسهل، ولن يشادَّ الدين أحدٌ إلا غلبه الدين.
ألا فليترفق هؤلاء الأخوة على إخوانهم المسلمين، ولا يبطلون دينهم، ولا يحبطون أعمالهم.
إن كل مسلم يقول في بدء صلاته: ﴿إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾. [79، الأنعام]. ﴿قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾. [162-163، الأنعام].
فكيف بعد ذلك نخاف عليه الشرك، أو نحكم ببطلان صلاته إن هذا ليس من الدين في شئ.
 الشبهة الثانية: إن بعض المتشددين يقولون على أصحاب الأضرحة إنهم أصنام.
ألا يستحيون من الله ورسوله أن يقولوا على رجل مسلم إنه صنم؟!!
وذلك فضلا عن أنه من عباد الله المقربين الذين شهد الله لهم بالإيمان والتقوى والولاية قال الله تعالى:                                                                    
﴿أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾. [62-64 يونس].
أفبعد هذا التكريم من الله عزَّ وجلَّ لهم يرميهم أحدٌ بأنهم أصنام!!
ألم يعلموا أن الأصنام قد حطمها رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوم فتح مكة، وقرأ قول الله تعالى: ﴿وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾. [81، الإسراء].
 وكانت هذه الأصنام كما يعلمون أحجارًا منحوتة على أشكال مختلفة اتخذها المشركون آلهة يعبدونها من دون الله.
هل هناك أحد من المسلمين اليوم يعبد ضريحًا أو قبرًا أو صاحب قبر؟!!
حاشا لأصغر مسلم أن يفعل شيئا من ذلك، أو يعتقد أن صاحب الضريح ينفعه أو يضره إلا بإذن الله.
 إن من يرمى مسلمًا ببهتان سواء كان حيًّا أو ميتًا فقد باء بغضب من الله.
وإنني أربأ بأي مسلم أن يقترف مثل هذه الكبائر، ويظن بعد ذلك أنه يدعو إلى توحيد الله.
إن عقيدة التوحيد قد تمكنت والحمد لله من نفوس المسلمين فلا تهزها الفتن ولا العواصف القوية، لأنها أمرٌ في القلب وفي الفؤاد لا يصل إليه شئ حتى وإن عذِّب المسلم وأجبر على قول كلمة الكفر، فلا شئ عليه لأن قلبه مطمئن بالإيمان فلا تقدر أية قوة أن تخرجه منه وذلك فضل الله على المسلمين.
الشبهة الثالثة: إن بعض الناس يكفِّرون من يقول مدد يا رسول الله، أو أغثني يا سيدنا الحسين، أو يقول نظرة يا بدوىُّ، أو ما شاكل ذلك من العبارات التي يستغيث بها المسلم بالصالحين والأولياء.
وفي الحقيقة أن الحكم على أمثال هؤلاء بالكفر أو بالشرك فيه شططُ كبير وخطُر عظيم، لأنه حكمٌ مبنىٌّ على جهل بدين الله.
فإن هذه العبارات ليست من الأمور التي يخرج بها المسلم من الإسلام.
لأن طالب المدد أو النظرة من الولي يعتقد أن هذا الوليُ حيٌّ يرزق عند الله، وأن له ما يشاء عند ربِّه من الإمداد والعطاء، وأن السائل يطلب منه ما يقدر عليه بإذن الله تعالى، كما لو طلب منه شيئا في حياته الدنيوية فإنه كريم وسيعطيه ما يطلبه.
ولا حرج على فضل الله في أن يهب هؤلاء الأحياء في قبورهم ما ينفعون به الناس في حياتهم الدنيوية والأخروية. قال الله سبحانه وتعالى في شأنهم: ﴿وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ لَهُم مَّا يَشَاءونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ ﴾. [33 - 34، الزمر].
وقال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاء عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ﴾. [19، الحديد].
والله على كل شئ قدير.
وأود أن أزيدك بيانا أيها الأخ المسلم في هذا الموضوع الذي كثر حوله الجدال والنقاش بين طوائف المسلمين فأقول وبالله التوفيق:
إن الله عزَّ وجلَّ أمر المؤمنين أن يطلبوا من الرسول صلى الله عليه وسلم، أن ينظر إليهم وذلك في قول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا وَاسْمَعُواْ﴾. [104، البقرة].
وطلب النظرة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعنى طلب العطف والرعاية والود والإحسان منه صلى الله عليه وسلم، بكل ما في معانى ﴿انظُرْنَا﴾. من طرائف ورقائق ومكرمات ولطائف.
ولا يجوز أن يقول أحد إن ذلك كان في حياته الدنيوية صلى الله عليه وسلم، لأن الأمر للمؤمنين أين كانوا وكيف كانوا.
مع العلم أن المؤمنين في زمنه عليه الصلاة والسلام، منهم من كان معه بالمدينة، ومنهم من كان بعيدا عن المدينة، بل إن أهل المدينة أنفسهم منهم من كان عند رسول الله ومنهم من كان بعيدا ومشغولا بأعماله ومعاشه، ومع ذلك فإنهم يستوون مع آخر مؤمن في هذا الأمر إلى يوم القيامة، إذن فليس هناك فرق بين من يطلب النظرة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، في زمن حياته وبين من يطلبها اليوم، ولذلك فقد وجب على كل مسلم بنص هذه الآية أن ينادى رسول الله وأن يستغيث به، وأن يسأله ما يشاء من حاجاته فإن الله أراد بذلك أن يعرفنا مدى احتياجنا إليه صلى الله عليه وسلم، في كل وقت وحين وأن يشهدنا بعض مقاماته عنده سبحانه وتعالى.
ومن عجب أن يقول الله لنا بعد أن أمرنا أن نطلب النظرة من رسول الله ﴿وَاسْمَعُواْ﴾.  يعنى اسمعوا هذه الأحكام والوصايا وافقهوها وتفهموها واحفظوها وتمسكوا بها فإنه سيأتي زمان عليكم يقول أناس منكم ببطلان هذه الأحكام والآداب، فاسمعوا وتنبهوا ولا يغرنكم قولهم بعد هذا البيان.
هذا وإنني أهمس في أذن كل مسلم وأقول له: إن ورثة رسول الله صلى الله عليه وسلم من العلماء العاملين ومن الشهداء والصديقين، ومن الأبرار والمقربين، ومن الأولياء والصالحين، لهم نصيب على قدرهم مما أكرم الله به رسوله ومصطفاه صلى الله عليه وسلم، فإن الله ورَّثهم أعماله وعلومه وأحواله ومقاماته صلى الله عليه وسلم إبقاءا له في أمته، وحفظا له صلى الله عليه وسلم في ورثته.
إخواني: أنا عبيدٌ ذليلٌ مسكين، وأحب لكل مسلم من الخير ما أحبُّه لنفسي وأكره لكل مسلم من الشرِّ ما أكرهه لنفسي، وقد أوضحت بهذا البيان ما أعتقده، وما أشهد الله ورسوله وملائكته عليه، وما أرتجيه لكل أخ من إخواني المسلمين. فإن العقيدة عمل من أعمال القلوب ومعاملة خاصة بين كل مسلم وبين علام الغيوب، وإن ذرة منها تعدل الجبال من أعمال الجوارح في الميزان يوم القيامة، فإذا صحت العقيدة صحت وقبلت جميع الأعمال، وإذا اهتزت العقيدة خابت جميع الأعمال، وأصبح الإنسان من الخاسرين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.
وإنني والحمد لله أعتقد أن كل مسلم خيرٌ منى عند الله ورسوله، فإنني لا أعلم ما سبق لي في الأزل، ولا أدرى ماذا يختم الله لي به، ولكنني أثق في رحمة الله، وأعتقد في جنابه سبحانه وتعالى كل الخير وكل العفو والإحسان والمغفرة إنه عزَّ شأنه نعم المولى ونعم الإله الكريم، ونعم الرب الغفور الرحيم.
الشبهة الرابعة: بيان حديث ابن عباس الذي يقول فيه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:{إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله}.[17]
ما أعظم هذه التوجيهات الكريمة التي صدرت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، للمسلمين.
وفهمي في هذا الحديث الشريف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يقل لابن عباس (ولا تسأل غير الله)، فقد أمره أن يسأل الله ولم ينهه أو يحرِّم عليه سؤال غير الله ، وذلك لقول الله تعالى: ﴿فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾. [43،النحل].                                          
وقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ﴾. [101، المائدة].                                                                                     
وقوله صلى الله عليه وسلم:{سلوني ما بدا لكم ودعوني ما تركتم}.[18]
وكذلك قول الرسول لابن عباس رضي الله عنهما:{وإذا استعنت فاستعن بالله}.[19]
فلم يقل له ولا تستعن بغيره فإن الاستعانة بغير الله من صميم الدين، لقول الله تعالى على لسان سيدنا موسى: ﴿وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي﴾. [29-32،طه].
وقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ﴾. [153 البقرة].                                                                            
وقول الله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى﴾. [2، المائدة].
يعنى ليُعِنْ بعضكم بعضًا على أعمال البر، وعلى أعمال التقوى، وقد ورد في حديث شريف: {مَنْ أَعَانَ على خَيْر فَلَهُ مِثْلُ أَجْر فَاعِلِهِ}.[20]
وقال صلى الله عليه وسلم: {أحَبُّ الخَلْق إلى اللهِ أَنْفَعُهُمْ لِعِيالِهِ}.[21]
وقال صلى الله عليه وسلم:{عَلَى كُلِّ مُسْلِمِ صَدَقَةُ. قِيلَ: أرَأيْتَ إنْ لَمْ يَجِدْ؟. قَالَ: يَعْتَمِلُ بِيَدَيْهِ، فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ، قَالَ: أرَأيْتَ إنْ لَمْ يَسْتَطِعْ؟. قَالَ: يُعِينُ ذَا الْحَاجَةِ الْمَلْهُوفَ}.[22]
من هنا يتبين أن الاستعانة بغير الله إنما هي بأمر الله ورسوله، ولا حرمة ولا كراهية فيها، ولا كفر ولا شرك فيها، فقد جعل الله كل شئ ليستعين به الإنسان في قضاء حاجاته ومآربه، ويصل به إلى منتهى غاياته وآماله، وعليه أن يشكر الله عزَّ وجلَّ على تسخيره الأشياء إليه وَجَعْلِها معينة له على معاشه ومعاده.
ولقد استعان رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمور الدين والدنيا بأصحابه وبغيرهم وبكل ما حوله من أشياء تنفيذًا لأمر الله وحكمته في إقامة الأسباب.
وقد آخى رسول الله بين المهاجرين والأنصار، ليعين كُلُّ واحد منهم أخاه على طاعة الله، وعلى شئون الحياة الدنيوية.
وهذا أكبر دليل على التعاون البنَّاء الصادق في الإسلام فقد بلغ التعاون منهم أقصاه، حيث كان يقتسم الواحد منهم ماله مع أخيه، ويطلق له إحدى زوجاته ليزوجها له. نسأل الله من فضله أن يعيد للمسلمين هذه الأمجاد التي أسعد الله بها العباد والبلاد.
الشبهة الخامسة: بيان حديث: {كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بدْعَةٍ ضَلالَةٌ}.[23]
إن المحدثات هي الأمور التي حدثت في الدين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهى نوعان:
النوع الأول من المحدثات: هو ما يدخل تحت ما أمر الله به ورسوله، وقد استحسنه المسلمون من أعمال القربات والبرِّ والخير، فهو من السنَّة، وهو بدعةٌ حسنة قال صلى الله عليه وسلم :{مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً فَعُمِلَ بها كَانَ لَهُ أَجْرُهَا وَمِثْلُ أجْر مَنْ عَمِلَ بها لا يَنْقَصَ مِنْ أجُورهِمْ شَيئًا}.[24]
وذلك مثل الأمور الآتية:
أولا: صلاة التراويح في جماعة، فقد جمع سيدنا عمر رضي الله عنه، المسلمين عليها في المسجد، وقد كانوا يصلونها في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرادى في المسجد، وفي بيوتهم، وقال عنها سيدنا عمر رضي الله عنه:(نعمة البدعة هذه).
ثانيا: ذكر الله في جماعة قيامًا وقعودًا كما فعل سيدنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما في مصلى العيد، فقد جلس مع أصحابه بعد انصراف الناس يذكرون الله تعالى، ولم يكن ذلك الذكر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الكيفية.
ثالثا: الآذان الثالث يوم الجمعة، في عهد سيدنا عثمان رضي الله عنه حيث أمر المنادى ينادى بالصلاة قبل الجمعة بساعة، في مكان يقال له الزوراء، وهو سوق المدينة حينئذ، لتنبيه الناس إلى فض البيع والشراء، والتجهز لصلاة الجمعة، ولم يكن هذا الآذان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
رابعا: كتب سيدنا عثمان مصحفًا واحدًا وجمع عليه المسلمين في جميع الأمصار، وأمر بحرق ما عداه من المصاحف التي فيها التفاسير، حتى لا يختلط القرآن بالتفسيرات التي وضعها الصحابة في مصاحفهم.
خامسا: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، عقب الآذان بصوت مرتفع من المؤذن فوق المسجد فقد استحسنه المسلمون ورأوا أن ذلك مزيدا في تذكير الناس بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عقب الآذان فإنها سنة من سنن الإسلام.
فقد ورد عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {إذا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَىَّ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَىَّ صَلاةً صَلَّى الله عَلَيهِ بِهَا عَشْرًا ثُمَّ سَلُوا الله لِيَ الْوَسِيلَةَ، فَإنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لا تَنْبَغِي إلا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ الله وَأرْجُوا أَنْ أكُونَ أنا هُوَ فَمَنْ سَأَلَ  لِيَ الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ له الشَّفَاعَةُ}.[25]
والمؤذن أولى المؤمنين بالصلاة على النبي لأنه فرغ من الآذان ومكلف بما كلف به باقي المسلمين في هذا الحديث الشريف غير أنه يرفع صوته بالأذان ومن يسمعه يخفض صوته به.
سادسا: الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم بالصورة التي يقوم بها المسلمون الآن، فإنما هو لتذكير المسلمين بميلاد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبالآيات والكرامات التي أكرم الله بها العالم الإنساني في زمان مولده عليه الصلاة والسلام وبالإرهاصات والبشائر التي كانت بين يدي مولده صلى الله عليه وسلم حتى يزداد المسلمون معرفة بعناية الله تبارك وتعالى بحبيبه ومصطفاه من لحظة ميلاده الشريف إلى ما شاء الله، ولم تكن مثل هذه الأحفال تقام في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا في عهد أصحابه لاستحضارهم ما تفضل الله به على البشرية بميلاده صلى الله عليه وسلم فلم يكونوا في حاجة إلى تذكير أو تنبيه.
سابعا: كتابة حديث رسول الله وتدوينه، فإن الأئمة قد اهتموا بتدوين حديث رسول الله بعد تحصيله من صدور الصحابة بالأسانيد الموثوقة حرصا على الحديث من الضياع، ولم يكن ذلك في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا الذي ذكرناه من البدعة الحسنة إنما هو على سبيل المثال لا الحصر لأن البدعة الحسنة التي استحدثها المسلمون بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرة ولا يكفي لحصرها هذا الكتاب الصغير.
ثامنا: قيام سيدنا أبو بكر رضي الله عنه بجمع القرآن في مجلد واحد وقد كان القرآن مكتوبا في صحف كثيرة متفرقة وعلى ألواح متعددة من الخشب والجلد والعظم والحجارة وجريد النخل وغيرها وهذه البدع كانت خيرًا وبركة على المسلمين في الدين والدنيا.
النوع الثاني من المحدثات هو كل عمل خالف ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو خالف نصا صريحا من كتاب الله عزَّ وجلَّ، أو حديث رسوله صلى الله عليه وسلم وهو بدعة الضلالة التي ضلَّ بها مخترعها، وضلَّ عن سبيل الله كل من عمل بها.
وإن من يعمل بهذه البدعة يعذب في نار جهنم حتى يتطهر منها، وهذا إذا لم يتب إلى الله منها في الدنيا، ومات مصرا عليها أما من تاب فقد تاب الله عليه، وعفا عنه والله عفو كريم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :{وَمَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيّئَةً، كَانَ عَلَيْهِ وزْرُهُ وَمِثْلُ وزْر مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ غَيْر أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارهِمْ شئ}.[26]
                                                                      
 وسنسوق إليك يا أخي المؤمن أمثلة كثيرة من بدعة الضلالة، حتى تكون على بينة منها:
أولا: تبرج النساء، وهو إظهار مفاتنهن للرجال الأجانب بقصد إغرائهم.
ثانيا: اختلاط النساء بالرجال الأجانب لغير الحاجة.
ثالثا: تجمل المرأة لغير زوجها، وتجمل الرجل لغير زوجته.
رابعا: استعمال الملابس التي تحدِّد العورة أو تصفها سواء في ذلك الرجل أو المرأة.
خامسا: الخروج على الحكام والأمراء بالكفر والفسوق.
سادسا: رمى الحكام والأمراء بالكفر أو الفسوق.
سابعا: تكفير المسلم المخالف لبعض أحكام الشريعة.
ثامنا: فتح الحانات والخمارات والتصريح بها.
تاسعا: إقامة المسارح للرقص الخليع.
عاشرا: فتح حوانيت للقمار والميسر والتصريح بها.
حادي عشر: فرض الضرائب المتصاعدة على من يريد الحج والعمرة.
ثاني عشر: التفرقة بين المسلمين ولو باسم الدين وهى شرُّ البدع.
ثالث عشر: الإعجاب بالرأي والانتصار له.
رابع عشر: غناء المرأة في المجتمعات بصوت يثير الغرائز.
خامس عشر: ترويج الإشاعات ضد الدولة.
سادس عشر: إذاعة الأفلام الهابطة والتمثيليات اللا أخلاقية.
سابع عشر: الدعوة إلى الله من غير معرفة بآدابها.
ثامن عشر: تشريع القوانين التي تخالف أحكام الإسلام وتنفيذها.
تاسع عشر: تعذيب المسلم أو إهانته بدون سبب موجب لذلك.
عشرون: الجدال حول الفروع التي اختلف فيها الأئمة.
الحادي والعشرون: رفع الأصوات في المساجد بالمهاترات والمنازعات.
الثاني والعشرون: جشع التجار واحتكارهم السلع.
الثالث والعشرون: جور الحكام وظلمهم للناس.
الرابع والعشرون: التملق للحكام وعدم تقديم النصيحة لهم.
الخامس والعشرون: التطاول على الحكام بالطعن عيهم والنيل منهم بالسبِّ والشتائم.
السادس والعشرون: عدم دعوة غير المسلمين إلى الله.
السابع والعشرون: حرمان أحد الورثة من الميراث.
الثامن والعشرون: الإسراف في المناسبات وغيرها.
التاسع والعشرون: رمى أولياء الله بالطواغيت أو الأصنام.
الثلاثــون: لعن المسلم وسبُّه.
الحادي والثلاثون: منع النسل أو تحديده.
وهذه الأمثلة ليست هي كل البدع، وإنما هناك أمور كثيرة ابتدعها الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهى ليست من الدين في شئ وهى محرمة ولكن المسلم الذي يأتيها ليس بكافر ولا مشرك، وإنما يكون شأنه في الدين بحسب تأثير بدعته على آداب الإسلام وأحكامه، وبقدر المضار التي تصيب المسلمين من ورائها.
وعلى الأئمة والعلماء توجيه من يأتي شيئا من هذه البدع وردُّه عنها بالأسلوب اللين وتكرار النصيحة له مع الرحمة والشفقة عليه حتى يستقيم حاله.
وعلى الدولة محاسبة كل صاحب بدعة، وإعادته إلى الطريق المستقيم حتى لا تستشري بدعته وتضر غيره من أفراد الأمة، قال رسول صلى الله عليه وسلم:{وَمَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيّئَةً فَعَلَيْهِ وزْرُهَا وَوزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إلَى يَومِ الْقِيَامَةِ}.[27]
وقال صلى الله عليه وسلم:  {شرُّ الأمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ مُحْدَثةٌ بِدْعَةٌ وَكُلُّ بدْعَةٌ ضَلالَةٌ، وَكُلُّ ضَلالَةٌ فِي النَّار}.[28]
يعنى ان كل ضلالة تورد صاحبها النار، وتوبقه فيها، ما لم يتب إلى الله منها، ويرجع عنها، ثم يخرج من النار بعد التطهر من بدعته أو بشفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو بعفو الله عزَّ وجلَّ عنه.
سادسا: تغييـر المنكـــر
بيان حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه: {مَنْ رأي منكم منكرًا فليغيره بيده، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإيمان}.[29]
هذا الحديث الشريف موجَّهٌ بادئ ذي بدء إلى من يستطع تغير المنكر من الأمراء والحكام والعلماء الذين يقدرون على تغير المنكر:
·       مرَّةً بالحكمة.
·        ومرَّةً بالموعظة الحسنة.
·       وثالثًا بالتخويف والزجر.
·       ورابعةً بالأخذ على يد صاحب المنكر.
·       وخامسة بالمداراة والستر حتى يستقيم هذا الإنسان المعوج على الصراط المستقيم.
وإن الذي لا يمكنه تغير المنكر بلسانه أو بيده يجب عليه أن ينكره بقلبه:
·       يعنى لا يرضى به؛ ولا يرضى عن فاعله.
·       ويحزن ويتألم لوقوعه.
·       ويدعو الله أن يغيَّره.
·       ويبلِّغ الذين يمكنهم تغييره.
وعلى ذلك يكون المسلمين قد اشتركوا في تغيير المنكر كلٌّ بحسبه وعلى قدر طاقته.
وهذا هو المعنى المراد من الحديث الشريف. حسب ما تحتمله ألفاظه من المعاني.
ثمَّ ما هو المنكر الذي يجب تغييره؟.
هو كل أمر توعَّد عليه الشارع الحكيم مرتكبه بالعذاب والخسران في الدنيا والآخرة.
وهى الأمور المحرَّمة شرعا، والمنصوص على حرمتها في كتاب الله، وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأجمع على حرمتها أئمة المسلمين. وليس من المنكر الأمور المختلف في حرمتها بين علماء المسلمين وأئمتهم وليس من المنكر ترك المسلم لبعض السنن والمندوبات والنوافل والمستحبات وإنما المنكر هو تركه لفريضة من الفرائض الواجبة عليه لله عز!َ وجلَّ أو إرتكاب إثم من الآثام المحرمة شرعا.
أما من يترك السنن والنوافل فالواجب على العلماء والمرشدين أن يرغبوه في الإتيان بها، وأن يشوقوه إلى عملها بتذكيره بالثواب المنوط بها، وبالجزاء الذي أعده الله لفاعليها، وبالحرمان الذي يصيب من قعد عنها وتهاون فيها، مع عدم مؤاخذة المسلم عليها. وعدم التشديد عليه في شئ منها حتى لا ينفر من العلماء والداعين إلى الله ولا ينفر من أعمال البر والصالحات والقربات قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:{يَسِّروا ولا تُعَسِّروا وبَشِّروا ولا تُنَفِّروا}.[30]
وقال الله تعالى: ﴿وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً﴾.[83، البقرة].                                                                                                                      
وكذلك من يفعل المكروهات أو الأمور المشتبه فيها فإن على الأئمة والعلماء:
·       أن يتلطفوا له في القول.
·   وأن ينبهوه إليها برفق. من غير أن يجرموه أو يثيروا ضجة حوله لأن هذه الأمور يتعفف عنها الكاملون من المؤمنين أهل الورع والتقوى. قال صلى الله عليه وسلم: {لا يَبْلُغُ الْعَبْدُ أنْ يَكُونَ مِنَ الْمُتَّقِينَ حَتَّى يَدَعَ مَا لا بَأس به، حَذَرًا لِما بهِ البَأسُ}.[31]
. أما عامة المسلمين فإنهم يأتون هذه المكروهات لجهلهم بحكمها أو لحاجتهم إليها وفي كلتا الحالتين يبصرون بالحسنى، ويذكِّرون باللين والشفقة. قال صلى الله عليه وسلم ما معناه:{يؤخذ باللين ما لا يؤخذ بالشدة}.[32]
وقال أيضا ما معناه:{جربت السيف وجربت اللين فوجدت اللين أقطع}.
فإنه لا يجوز أمر بمعروف يؤدى إلى جدال وشقاق كما لا يجوز النهى عن المنكر بغلظة وفظاظة فيكون الشر الذي يجلبه على الناس أكثر من الشر الذي ينهاهم عنه، إن الشر لا يأتي بالخير أبدًا قال الله تعالى لسيدنا موسى وهارون عليهما السلام عند دعوتهما فرعون إلى الإيمان: ﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾.  [44، طه].
وإن أفجر مسلم خير من فرعون لأنه لم يكفر بالله ولم يشرك به شيئا.
تنبيــــه
إن الذي يقوم بتغير المنكر.... إنسان أخذته الغيرة لله ورسوله ولدين الله عزَّ وجلَّ، وفي الوقت نفسه هو ِإنسانٌ أخذته الشفقة والرحمة على أخيه المسلم الذي وقع في معصية الله، وفي عذاب الله. فهو يعمل بذلك على:
·       إنقاذه مما وقع فيه، وعلى إرضاء الله ورسوله.
·   ولا يقصد بذلك التغيير الانتقام منه، أو التشفي من أخيه المسلم، ولا يقصد ضرره ولا التشهير به، فإن ذلك يُحبط عمله ويُفسد قلب من وقع في المنكر؛ فلا ينتفع بالموعظة ولا يستجيب لها، ويقع في مخالفة أكبر فيعاند الحقَّ ويتكبَّر عليه وذلك بسبب عدم الحكمة في تغير المنكر.
ألا فليتق الله الدعاة في عباد الله، إذ أن تغيير المنكر عمل من أعمال الدين الذي يقوم به المؤمن لله عزَّ وجلَّ، فوجب أن يكون خالصا لله من كل الشوائب، وإلا كان الضرر به  أكبر من نفعه قال الله تعالى: ﴿وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ﴾. [45، ق]. وقال جل شأنه: ﴿لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ إِلَّا مَن تَوَلَّى وَكَفَرَ فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ﴾.  [22_24، الغاشية].
وقال رسول الله :
 {الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ في اْلأَرْض يَرْحَمْكُمْ مَنْ في السَّماءِ}.[33]


الشبهة السابعة:
ما أثاره بعض المتعالمين حول قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
 {لَعَنَ اللهُ اليَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورُ أَنُبِيائِهمْ مَسَاجِدَ}.[34]
وقولهم إن المسلمين الذين يتخذون المساجد على الموتى ويصلون في هذه المساجد قد تشبَّهوا باليهود والنصارى، وقد دخلوا في هذه اللعنة التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الشريف.
وفاتهم أن هذا الحديث موجَّهُ أصلا على اليهود والنصارى وليس مُنصبَّا على أحد من المسلمين، وذلك لأن اليهود والنصارى قد فسدت عقائدهم، وضلَّوا في إيمانهم، وأخذوا يقصدون بعبادتهم أصحاب القبور من أنبيائهم وأحبارهم ورهبانهم والصالحين منهم، وذلك بنص قول الله تعالى: ﴿اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾. [31، التوبة].                                                                                                 
وإن اليهود والنصارى يعتقدون فيهم النفع والضر والإعطاء والمنع غير ذلك من الأمور التي لا تتأتى إلا من الله سبحانه وتعالى، ولا تنبغى لأحد سواه.
ومن هنا اتخذوهم أرباباً وعبدوهم من دون الله، وكانوا يسجدون في هذه القبور لأصحابها، ولذلك لعنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الشريف، ونحن نعلم أن اللعن هو الطرد من رحمة الله، والحرمان من مغفرته سبحانه وتعالى، لأن من تنصبُّ عليه اللعنة إما كافرا بالله، وإما أشرك مع الله آلهة غيره. أما المسلمون الذين يدفنون أمواتهم في المساجد ويصلُّون فيها فإنهم بعيدون كل البعد عن لعنة الله ورسوله، لأنهم لم يتشبهوا باليهود ولا بالنصارى في شئ مما سبق ذكره من الأمور التي وجب اللعن. فإن المسلمين إنما يدفنون الصالحين منهم في المساجد تكريما لهم، وتقديرا لفضلهم، وعملهم وجهادهم حتى يتذكر من يصلى في هذه المساجد مآثرهم وأعمالهم وأخلاقهم وفضلهم فيُتأسى بهم ويُقتدى بأعمالهم وأخلاقهم، ولم نسمع أن مسلما سجد لقبر! ولا لصاحب قبر مهما كان شأنه.
والمسلم أين كان وكيف كان إذا وقف يصلى فإنما يعبد الله بصلاته ويقصده بعبادته سواء وقف يصلى أمام حائط، أو أمام عمود من أعمدة المسجد، أو أمام قبر أو أمام شجر أو أمام إنسان أو أمام حيوان فإنه لا يشغله شئ من ذلك عن الله عزَّ وجلَّ الذي أَحْرَمَ إليه بصلاته وقصده بعبادته دون من سواه وما سواه، فإن الأرض كلها جُعلت مسجدا للمسلمين بدون استثناء اللهم إلا أماكن القاذورات والنجاسات التي لا يجوز للمسلم شرعا أن يصلى فيها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:{جُعِلَتْ لِيَ الأرضُ مَسجدًا وطَهورا}.[35]
حتى إنه يجوز أداء الصلاة في الكنائس والبيع والمعابد والهياكل، التي توجد فيها التماثيل والصور المجسدة ـ مع الكراهة فقط ـ وتُكره أيضا الصلاة في المقبرة العامة لاختلاط ترابها برفات الموتى، أما إذا فرش المصلى فوقها شيئًا طاهرًا فلا كراهة في الصلاة وحينئذ.
وبناء على ذلك فقد اتضح معنى هذا الحديث الشريف وتبيَّن كيف أن اللعن منصبٌ على اليهود والنصارى لكونهم عبدوا أنبيائهم ورهبانهم وأحبارهم، واتخذوهم آلهة من دون الله.
وظهر أيضا كيف أن أصغر مسلم لم يتخذ مع الله إلهًا آخر، ولم يقصد بعبادته أحدا غير الله عزَّ وجلَّ لصحة عقيدته وصدق إيمانه بالله ورسوله.
الشـبهة الثامنــة:
بيان حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه:
 {لا تُشَدُّ الرِّحَالَ إلا إِلَى ثَلاثَةِ مَسَاجِدَ، مَسْجِدِي هَذَا وَالْمَسْجِدِ الْحَرَام، وَالْمَسْجِدِ الأقْصَى}.[36]
فقد قال بعض المثقفين إن الذين يشدون الرحال، ويسافرون إلى مسجد الحسين رضي الله عنه، أو المسجد البدوي رضي الله عنه بطنطا، أو أي مسجد من مساجد أولياء الله رضي الله عنهم قد ارتكبوا إثما كبيرا في ذلك لمخالفتهم هذا الحديث الشريف.
وفاتهم:
·       أن هذا النهى إنما هو للكراهة فقط، وليس للتحريم لعدم وجود قرينة تدل على تحريم ذلك، هذا من ناحية.
·   ومن ناحية ثانية: فإنه فاتهم أن الصلاة في المسجد الأبعد فيها مثوبة أعظم، وفيها تكفير للخطايا، ورفع للدرجات، بسبب كثرة الخطوات لهذا المسجد.
فإن كثرة الخطا إلى المساجد من سنة الإسلام الحميدة، فقد قال صلى الله عليه وسلم:{ألا أَدُلُكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو الله بِهِ الْخَطَايا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟. قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: إسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارهِ. وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَساجِدِ. وانْتِظَارُ الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلاةِ فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ}. [37]                                                                                                                   
 فكلما كان المسجد بعيدًا؛ كان الجزاء أكبر، وكانت الدرجات أرفع وكان غفران الذنوب أعمَّ وأشمل، وكانت كثرة الخطا إلى المساجد رباط في سبيل الله، وجهاد لإعلاء كلمته.
فكيف بعد ذلك يدَّعى بعض الناس أن من يسافر إلى الصلاة في هذه المساجد قد ارتكب أثمًا أو فعل خطأ.
·   ومن ناحية ثالثة: فإن معنى الحديث الشريف لا تشد الرحال ـ بصفة واجبة أو مفروضة ـ إلا لهذه المساجد الثلاث.
·       وإن كان يجوز شدُّ الرحال لغيرها من المساجد على سبيل لندب والسنة لما سبق تقريره.
هذا وإنني أزيدك أيها المؤمن بيانا في هذا الموضوع فأقول وبالله التوفيق: إن الذين يشدُّون الرحال، ويسافرون إلى هذه المساجد لم يقصدوها في الحقيقة ونفس الأمر، وإنما يقصدون زيارة أصحابها من آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن الأولياء والصالحين رضي الله تعالى عنهم، لأن قلوب المسلمين تحنُّ إليهم وتشتاق عليهم، هذا علاوة على أنهم يتقربون إلى الله عزَّ وجلَّ ويتوددون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بزيارتهم عملا بقول الله تعالى: ﴿قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ﴾. [23، الشورى]. وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ما معناه: {من أراد أن يكرمني فليكرمني في أهل بيتي}.                                                                                                   
وإن من السنة المؤكدة أن يزور المسلم قبور الصالحين والشهداء والمقربين، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزور شهداء أحد، ويزور أهل البقيع، ويزور غيرهم من الموتى ويدعو الله عندهم بما شاء، وكل هذا ثابت في الأحاديث الصحيحة حتى إن رسول الله كان يزورهم ليلا ونهارا منفردا مرة ومع أصحابه مرة أخرى.
وهذا لنعرف كيفية السنة في زيارة القبور وأصحابها من المؤمنين والشهداء والأولياء. هذا وإنه ليحضرني الآن قول الله تعالى على لسان سيدنا إبراهيم عليه السلام: ﴿رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ﴾. [37، إبراهيم].                                
فهذه الذرية التي تناسلت من سيدنا إبراهيم عليه السلام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن رسول الله إلى يومنا هذا وحتى تقوم الساعة:
قد هَوَتْ القلوبُ إليهم،
وحنَّت الأرواح إليهم؛
استجابة لدعوة أبينا إبراهيم الخليل عليه السلام فلا لوم ولا مؤاخذة على الذين تهيموا بحبِّهم وتشوقوا إليهم رضي الله عنهم ورضوا عنه: ﴿أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ﴾. [7، البينة].                                                                                                            
فإن الله هو الذي جعل الأفئدة تميل نحوهم وتحبهم وتعشقهم سواء كانوا عند الكعبة المقدسة أو في أي بقعة من أرض الله لأنهم ذرية الخليل عليه السلام المتناسلة من ولده إسماعيل جدِّ النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
وبعد هذا العرض والبيان يتضح لنا الحقُّ الصريح في معنى هذا الحديث الشريف. ويزول اللبس والغموض الذي كان يكتنفه ويحوم حول بعض الأفكار التي لم تسبر غوره ولم تصل إلى حقيقة معناه. والله ورسوله أعلم.
معرفة اللـه
قال الله تعالى: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ﴾. [19، محمد]
العلم هو استحضار النفس صورة المعلوم بوجه ما، ولما كان المعلوم هنا هو الله عزَّ شأنه، وكانت صورته الحقيقية هي معاني أسمائه ومعاني صفاته، ومعاني كمالاته وأنواره القدسية، وكان لا بد للعلم بها من الأخذ من كتاب الله، ومن سنة رسوله، ومن بيان العلماء الراسخين حتى يعرف المؤمن حقيقة لا إله إلا الله.
فإنه لزم لكل مؤمن من أن يحصِّل العلم بالله من وجوهه التي ذكرناها حتى يكون قد وقع به العلم على اليقين الحق. لأن العلم بمقامات الله، وبأسماء الله، وبصفات الله، وبما يجب لله وبما يستحل في حق الله، وبما يجوز أيضًا على الله، لا يكفي فيه ولا ينفع فيه غير اليقين قال الله تعالى: ﴿لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾. [31، المدثر]
وقال تعالى: ﴿وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ﴾. [20، الذاريات]

أي الموقنين بالله عزَّ وجلَّ وبتصريف قدرته العجيب.
هذا وإن علم لا إله إلا الله في هذه الآية الشريفة هو:
·       اليقين بها ذاتا وأسماءً وصفاتًا وأفعالاً.
·    والاعتقاد بأنه يجب لله عزَّ وجلَّ كلُّ كمال يليق بجنابه المقدس، ويستحيل عليه كلُّ نقص، وكلُّ ما يوهم مشابهته عزَّ وجلَّ لشيء من المخلوقات.
·       والإيمان بأنه يجوز في حقه سبحانه وتعالى فعل كل ممكن أو تركه.
·       واليقين بأن لله المشيئة المطلقة والحكمة البالغة والقدرة على كل شئ.
·       وأن العلم بالله لا نهاية له.
قال الإمام أبو العزائم رضي الله عنه وأرضاه:
عَنِّى اسْمَعُوا مَا تَعْقِلُونَ مِن الْكَـلام     فَالعِلْمُ بِالرَّحْمَنِ مِنْ صَافِي الْمُــدام
وَالعِلْـمُ بِاللهِ العَلِـىِّ غَــوَامِضٌ      لَمْ يُفْقَهَـنْ إلاَّ لِصَبٍّ في اصْطِــلام
خُذْ مَا صَفَا لَكَ مِنْ إِشَـارَةِ  عَارِفٍ     فَالعَـارِفُونَ كَلامُهُمْ يَشْفِي السِّـقَام
وعلى ذلك فإنه يجب على المؤمن:
·   أن يطلب العلم بالله دائما وباستمرار حتى يزداد في كل نفس إيمانه ويقوى يقينه بما يحصله من العلم قال جل شأنه: ﴿وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾. [114، طه].
لأن المزيد من العلم يستوجب الرفعة والسمو في المقامات والدرجات، فإن قدر كل امرئ ما كان يحسنه من العلم ويتقنه من العمل، وإن العلم حياة حافلة بالخيرات، وأن الجهل موت متعفن بالآفات: ﴿وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاء وَلَا الْأَمْوَاتُ﴾. [22، فاطر].                                                                                                            
اللهم ارزقنا العلم الذي يرفعنا لمقامات الخشية من جنابك، والرهبة من جلالك، والرغبة في قربك ووصالك والمحبة في جمالك وكمالك، إنك سميع قريب مجيب.وصلى على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

البحث عن الله في الكائنات
إن البحث عن الله في الكائنات لا يفيد الباحث شيئًا أكثر من معرفة الصانع الذي أوجد هذا الكون،
أما صفاته، أما أسماءه، أما أنواره، أما محارمه وزواجره، أما أحكامه وأوامره، أما أخباره وغيوبه، أما شدته وقهرمانة، أما جبروته وسطوته وانتقامه، أما أفعاله وأقداره، أما علومه وأسراره، أما مواجهاته وتنزلاته، أما قدرته وعظمته وكبرياءه، أما رحمته وعفوه وإحسانه:
فذلك كلُّه يتلقاه طالب النجاة ة والسعادة في الدنيا والآخرة من كتاب الله، ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن هدى الأئمة الراشدين والعلماء العاملين، قال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى﴾. [124_126، طه].
أما التفكر في الكائنات للتعرف على قدرة الله في إيجادها، وحكمة الله في تسخيرها، وفضل الله في نفعها، والتعرف على الفوائد والخواص التي جعلها الله فيها، والتعرف على مدى احتياج الإنسان إليها:
فإن هذا التفكر يُقَوِّى الإيمان بالله والثقة به جل شأنه وهو عبادة كبرى يقوم بها المؤمن لله عزَّ وجلَّ.
روح التوحــيد
هو أن تفتح عين قلبك لتشهد الحقَّ تبارك وتعالى إلهًا واحدًا أحدًا فردًا صمدًا قادرًا عليمًا سميعًا بصيرًا حاضرًا قائمًا على كل شئ، له الملك وله الحمد يحيى ويميت بيده الخير وهى حيٌّ أبدىٌّ لا يموت، وهو على كل شيء قدير، هو الأول والآخر، وهو الظاهر والباطن، وهو الحكم العدل، وهو شديد العقاب، وهو الغفور الرحيم.
وتفتح عين رأسك لترى الكائنات كلها مربوبة لعظمته، مقهورة لسلطانه، لا تملك هذه الكائنات لنفسها ولا لغيرها شيئا إلا بإذن الله، وهى أسباب فقط أقامها الله عزَّ وجلَّ ليظهر بها لعباده فاعلاً مريدًا، وعالما مختارا، له الشأن وله الأمر في الأولى والآخرة، وهو على كل شئ قدير، وبكل شئ عليم، لا يسأله أحد عما يفعل، وهو يسأل كل أحد عن كل شيء إن شاء ومتى شاء وكيف شاء قال الله تعالى: ﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾. [23، الأنبياء].

وأن تفتح أذن روحك وأذن رأسك لتسمع أخبار الله عزَّ وجلَّ التي جاء بها القرآن الكريم. وتسمع بيان رسوله صلى الله عليه وسلم، فيزداد إيمانك، ويقوى يقينك، ولا تزال كذلك حتى تفارق الدنيا، وترحل إلى دار الآخرة.
 فرُوحُ التوحيد أن تشاهد ربَّك الذي وحَّدته ومَجَّدته، وأن تكاشف بكل الحقائق التي آمنت بها من الغيوب، ومن الرسل ومن الكتب واليوم الآخر، وما فيه ومن الحياة بعد الموت، ومن القضاء والقدر، وبكل ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى تتذوق روحك حقَّ اليقين وتصبح من المقربين.
اللهم ارزقنا أسرار التوحيد وأنواره، وارزقنا الإيمان الكامل، وارزقنا العمل الصالح، وارزقنا العلم النافع يارب العالمين.
اللهم ما وحَّدناك إلا بعد أن هديتنا، وما عبدناك إلا بعد أن أعنتنا، وما آمنا بك إلا بعد أن وفقتنا، فلك الحمد ولك الشكر، ولك الفضل، ولك الثناء الحسن الجميل.
اللهم إنى أعوذ بوجهك الكريم وبسلطانك القديم من الشيطان الرجيم، ومن شرِّ النفاثات في العقد، ومن شرِّ حاسد إذا حسد، ومن شر الخلق أجمعين. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ملاحظــة
قد قررنا فيما سبق أن الشرك بالله:
هو اعتقاد الإنسان أن لله شريكا أو معينا أو زوجة أو ولد أو مثيلا أو شبيها أو ضدا أو ندا أو كما أو كيفًا أو زمانًا أو مكانًا أو صورةً أو عرضًا أو جوهرًا.
فهذا الشرك بعيد عن كل مسلم بل يكاد يكون محالاً على أصغر مسلم، لأن المسلم أعتقد أن الله ليس كمثله شيء في كل شيء، وليس يشبه شيء في أي شيء، وهو السميع البصير.
وقد أكرم الله المسلمين فجعل هذا الشرك لا يخطر على قلوبهم، ولا يحوم حول أفكارهم، فكلُّ ما خطر ببالك فالله بخلاف ذلك.
وهذا الشرك هو الكفر بعينه، وهو يتنافي مع الإسلام بالكلية قال تعالىَ: ﴿وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا﴾.  [116، النساء]. وقال تعالى: ﴿وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمً﴾. [48، النساء].
قال تعالى: ﴿وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ﴾. [31، الحج].
وقال تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء﴾. [48، النساء].
وقال تعالى: ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾. [13، لقمان].
وبقي هناك كلام حول الشرك الأصغر وهو الرياء، ومعناه أن يعمل الإنسان العمل لغير الله عزَّ وجلَّ، وذلك إنما يكون في العبادات فقط كمن يصلى ليرضى الناس عنه، أو يوهم الناس أنه ناسك صالح أو ليسلب أموال الناس. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إِنَّ أَخْوَفَ ما أخَافُ عَلَيْكُمْ الشِّرْكَ الأصْغَرَ، قالَ: وَمَا الشِّرْكُ الأصْغَرُ يا رسولَ الله؟. قال: الرِّياءُ، يقولُ الله عزَّ وجلَّ إذا جَزَى الناسَ أعْمَالِهمْ: اذْهَبُوا إلى الذين كُنْتُمْ تُرَاؤُون في الدُّنيا فانْظُروا هَلْ تَجِدُونَ عنْدَهُمْ جَزَاءً؟}.[38]
فالرياء هو أن يعبد الإنسان ربَّه لوجه الناس وللطمع في مالهم، فهذا هو الشرك الأصغر، وهو ذنب من الذنوب الكبيرة، وليس كفرا ولا شركا بالله عزَّ شأنه.
وهذا الرياء هو مرضٌ في القلب يحبط ثواب العمل عند الله، ويقول الله لصاحبه يوم القيامة إذهب لمن كنت تعمل له فخذ أجرك منه. وهذا اللون من ألوان الشرك أعتقد والحمد لله أنه بعيد جدا عن كل مسلم ومسلمة، فليس المسلمون اليوم في حاجة إلى إرضاء أحد من الخلق بعبادتهم، لأن أحدا من الناس لا ينتفع بشئ من وراء هذه العبادة .
أما من يعبد الله من أجل مصلحة دنيوية، فهذا إن كان مستعينًا بالعبادة على قضاء حاجته فلا إثم عليه لأن الله يقول: ﴿وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ﴾. [45، البقرة].
وأما إن كان يعبد الله لنوال حاجته فقط فلما نالها قطع العبادة فهذا آثم بعبادته، ومرتكب لأكبر الأوزار بها فقد قال صلى الله عليه وسلم:{مَلعُونٌ مَلعُونٌ مَنْ طَلَبَ الدُّنْيَا بِعَمَلِ الآخِرَةِ}.[39]
وقال الشاعر:
صَامَ وَصَلَّى لأَمْرٍ كَانَ يَطْلُبُهُ       فَلَمَّا انْقَضَى الأَمْرَ لا صَلَّى ولا صَّامَ
والعارفون بالله رضي الله تعالى عنهم يرون أن هناك:
·       شركًا خفيا.
·       وأن هناك شركا أخفي.
أما الشرك الخفي فهو أن ينسب الإنسان الأعمال والأفعال إلى الأسباب وإلى نفسه.
وينسى الفعال لما يريد جلَّ شأنه لأنه رأي الأشياء قامت بالأسباب، وعمى عن رؤية مسبب الأسباب جلت قدرته قال الإمام أبو العزائم:
مَنْ يَرَى الغَيْرَ فَعَّالاً فَمُنْقَطِعٌ       لأَنَّهُ مُشْرْكٌ قَدْ مَالَ لِلْسُفْلِ
أما الشرك الأخفى فهو طلب الجنة ونعيمها بعبادة الله عزَّ وجلَّ وهذا هو عدم الإخلاص في عبادة الله سبحانه وتعالى، لأن إخلاص العبادة لله هو أن يعبد المؤمن ربه لذاته، لأنه يستحق العبادة لحضرته، بدون نظر إلى نوال ثواب، أو خوف من العذاب، قال الرب جل شأنه: ﴿عَجبًا لِمَنْ رَآنِي دُونَ مُكَوِّنَاتِي﴾. فقال العارف يارب ومن هذا الذي رآك دون مكوناتك، قال الله: ﴿من عبدني من أجل جناتي فقد رآني دون مكوناتي﴾.
وهذه حال من أحوال الشرك الأخفي، إذ أن هذه الأمور وأمثالها تخفي على كثير من المؤمنين والعابدين، وهى مقامات عالية في معرفة الله عزَّ وجلَّ، ومنازل سامية من منازل العارفين بالله الذين ينزهون سرهم عن كل ما سوى الله سبحانه وتعالى، في يرجون غيره ولا يبغون سواه ولا يطمعون في غير رضوانه الأكبر ولا يأملون شيئا سوى النظر إلى وجهه الكريم، ولا يتمنون لذة غير الأنس بجنابه العلى في حظائر القدس الأعلى.
فهم الذين يعبدون الله مخلصين له الدين حنفاء قد تطهرت قلوبهم من جميع العلل والشوائب، وتنزَّه سرُّهم من كل الأعراض والمقاصد سرَّ قول الله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾. [162_163، الأنعام].
وقوله تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ﴾. [5، البينة].
وقوله صلى الله عليه وسلم:{أخلص العمل فإن الناقد بصير}.[40]
وقوله عليه السلام:{أخلص دينك يكفك القليل من العمل}.[41]                                                                                
هذا وقد ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، في هذا المقام حديثاً يبين فيه معنى الشرك الأخفي، ويبين فيه كيفية الخلاص منه والبعد عنه فقال صلى الله عليه وسلم:{يَا أبَا بَكْر، الشرْكُ أخْفَي فِيكُمْ مِنْ دَبيبِ النَّمْل، وَسَأدَلُكَ عَلى شَيْءٍ إذَا فَعَلْتَهُ ذَهَبَ عَنْكَ صِغَارُ الشرُكِ وَكِبَارُهُ، أَوْ صَغِيرُ الشرْكِ وكَبِيرُهُ قُلْ: اللَّهُمَّ إني أعُوذُ بِكَ أَنْ أُشْرِكَ بِكَ وَأَنَا أَعْلَمُ وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لا أعْلَمْ تقولها ثلاث مرات في اليوم}.[42]                                                                                   
 فهذا الحديث الشريف فضل من الله ورسوله على المسلمين، وشفاء من هذا المرض الخطير، أعاذنا الله جميعا منه إنه مجيب الدعاء.
خاتمـــة
ربنا لك الحمد ولك الشكر، على نعمك التي أسبغتها على العبد الذليل المسكين، وهو لا يستأهل شيئا منها ولكن فضل الله العظيم قد مننت به عليه من محض جودك وإحسانك، سبحانك لا أحصى ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك أنت أهل العطاء والنعمة، وأنت أهل البر والرحمة فقد أطعمنى كرمك في غفرانك، وقد أغرانى حلمك في رضوانك يا حليما ذا أناه، ويا كريما ذا سخاء لا إله إلا أنت سبحانك إنى كنت من الظالمين.
إلهي وسيدي ومولاي لي ذنوب أقعدتني عن اللحاق بالصالحين ولى أوزار أوقفتنى عن السير في ركاب العارفين، فأتوسل إليك بجاه حبيبك صلى الله عليه وسلم أن تغفرها لى، وأنت الغفور الرحيم وأن تمنحنى حسن الخاتمة يا جواد يا كريم.
ولقد كان من أعظم نعمك على، أن أعنتنى على تسطير هذا الكتاب المتواضع في بيان التوحيد من القرآن المجيد، ومن السنة المطهرة ولقد أمليته على ولدى البار الأستاذ ناصر عبد الله درويش الموظف بهيئة الاستثمار ببورسعيد.
وإننى أرجو أن يكون في هذا الكتاب غنية للمسلم عن مطالعة المطولات من الكتب التي تبحث في هذا العلم.
أدعو الله العلى القدير أن يتقبل هذا العمل لوجهه الكريم إنه مجيب الدعاء، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحابته أجمعين، ﴿وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾.



                                                                             



  المسند الجامع متن الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنه.
[2]  الناشر: دار الإيمان والحياة 114 ش 105 المعادي القاهرة ت25252140
[3]  إشارة إلى سورة الإخلاص. قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ ولذا أورد الشيخ معاني كلماتها أيضا.
[4]  رواه البخاري في تاريخه، والطبراني في الكبير عن مُدرك بن منيب.
[5]  صحيح مسلم عن أبي هريرة.
[6] رواه الحاكم والطبري عن زيد بن أرقم.
[7]  الديلمي عن أبي الدرداء رضي الله عنه.
[8] رواه الترمذي عن ابن عمر رضي الله عنه.
[9] رواه البخاري بلفظ إنى أبيت يطعمني ربى ويسقيني
[10] رواه الحاكم عن ابن عباس.
[11] عن ابن عمر رضي الله عنهما متفق عليه.
[12] من حديث الترمذي عن أبي هريرة.
[13] صحيح مسلم عن أبي هريرة.
[14] رواه الطبراني عن أبي هريرة.
[15]  متفق عليه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
[16]  رواه البيهقي عن أنس.
[17]  رواه الطبراني والبيهقي عن ابن عباس.
[18]  رواه الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة.
[19]  رواه الطبراني والبيهقي عن ابن عباس.
[20]  رواه مسلم عن عقبة الأنصاري.
[21]  ورد هذا الحديث برواية الطبراني عن ابن عمر.
[22]  متفق عليه من حديث أبي هريرة.
[23] رواه أحمد عن ابن مسعود.
[24]  رواه الترمذي عن جرير.
[25]  رواه مسلم عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
[26]  من حديث جرير برواية الترمذي.
[27]  رواه الترمذي عن جرير بلفظ ( ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم من شئ).
[28]  رواه أحمد عن ابن مسعود.
[29]  رواه الترمذي عن أبي سعيد.
[30]  رواه الطبراني الكبير عن ابن عباس.
[31]  رواه الترمذي وابن ماجة والحاكم عن عطية السعدي.
[32]  روى مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها بلفظ: (إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على سواه.
 رواه أبو داوود والبيهقي..[33]
[34]  رواه الطبراني عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما.
[35]  رواه أحمد في مسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما.
[36]  وقد ورد هذا الحديث في الجامع الكبير عن عمرو وأبي سعيد  بهذا النص:(لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد إلى المسجد الأقصى وإلى المسجد الحرام وإلى مسجدي هذا.
[37]  رواه ابن حبان عن أبي هريرة.
[38]  رواه أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما.
[39]  رواه الديلمي والطبراني عن أنس.
[40]  رواه الأصبهاني في الترغيب.
[41]  رواه الحاكم.
[42]  رواه الترمذي.
التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:




شارك فى نشر الخير