آخر الأخبار
موضوعات

الخميس، 29 سبتمبر 2016

- ماهى الطريق الى السعادة

عدد المشاهدات:
السعادة:
أتدري ماهي السعادة هي  شعور وإحساس داخلي بالغبطة والسرور غير مرتبط بمؤثرات خارجية طارئة عليه مبني على الرضي بالعمل المبني على الاعتقاد فكل إنسان لابد أن يكون له هدف يسعى لتحقيقة وبقدر ما يبذل ويسعى لتحقيق هذا الهدف بقدر ما يحس بالسعادة ويشعر بها، ويعرف علماء النفس والتربية السعادة فيقولون :هي ذلك الشعور المستمر بالغبطة والطمأنينة والأريحية والبهجة وهذا الشعور السعيد يأتي نتيجة للإحساس الدائم بخيرية الذات والحياة والمصير.

وأنت من خلال هذا التعريف ستتعرف على نفسك ومدى انطباق هذا التعريف عليك، والسعادة على ثلاثة أقسام :_
السعادة الأولى : السعادة الوهمية الزائفة الوقتية وهي الشعور بالسعادة نتيجة مؤثرات خارجية فكثـير من الناس يتوهم أن السعادة تكون بتعاطي المخدرات والمسكرات، وهذه الفئة من الناس تقبل على المخدرات والمسكرات للهروب من هموم الدنيا ومشاكلها باحثين عن السعادة لاعتقادهم أن السعادة في نسيان واقعهم المرير ولكنهم في النهاية يجدون أنفسهم كالمستجير من الرمضاء بالنار فلا يتحصلون من ورائها إلا الشقاء والدمار، وذلك لكون المخدرات والمسكرات والمهدئات تجلب سعادة مصطنعة متكلفة تنتهي وتزول بانتهاء المؤثر بل قد يتفاقم الأمر ويعظم الشعور بعدم السعادة بعد زوال المؤثر مما يدفعه لتعاطي أكثر لهذه المخدارت والمهدئات حتى يحصل على نشوة وسعادة أكثر كما يظن ويجد نفسه في النهاية أسير هذه المخدرات غير قادر على تركها مسببة له أمراض نفسية أعظم مما كان يتعاطاها لأجل نسيانها إضافة إلى ألأمراض الجسمية بل قد تجره إلى عالم الجريمة.
السعادة الثانية : سعادة تحقيق الأهداف وهي سعادة مرتبطة بتحقيق هدف مرغوب أو مطلوب وهذه السعادة كسابقتها من حيث زاول السعادة بعد تحقيق الهدف ولكنها أقل ضراراً لكونها لا ترتبط بمؤثرات خارجية – مخدرات مسكرات - تقود إلى أمراض نفسية أو جسمية، ثم يبدأ السؤال المحير لكثير من الناس بعد تحقيق أهدافهم  ثم ماذا ؟! والسؤال هذه هو بداية التعب النفسي !!.
السعادة الثالثة : السعادة الحقيقية وهي السعادة الدائمة والملازمة للإنسان في جميع أحواله في حال الرضا والغضب في حال الصحة والمرض في حال الغنى والفقر في حال حصول الإنسان على مطلوبة في هذه الدنيا أو فواته،  هذه هي السعادة الحقيقية الناتجة عن الرضا المطلق المبني على ثوابت إيمانية تؤدي إلى اطمئنان القلب وسكينة الروح .
  هل تريد السعادة الحقيقية ؟؟
سؤال قد يكون غريباً والجواب عنه معروف قبل النطق به نعم أبحث وأسعى لها، لكن كل له أسلوبه في تحصيل هذه السعادة والطريقة الجالبة لها فمنهم من يرى السعادة في جمع المال والثراء ومنهم من يرى السعادة في الرئاسة والمنصب ومنهم من يرى السعادة في الجاه والشهرة ومنهم من يراها في كثرة الأصدقاء والقدرة على التأثير على الغير ومنهم ومنهم ولكن لو سألت كل من تحقق له مقصوده ومطلبه من المكاسب المادية أو المعنوية هل وجدت السعادة الحقيقية لقال لا لماذا ؟ أقول لك لماذا لأن السعادة الحقيقية هي في اطمئنان النفس المستمر وراحة القلب الدائمة وهذا كله لن يتحقق ولن تستطيع الحصول عليه ولو كان لك مثل الأرض ذهباً إلا من خلال مسبباته والتي سنتكلم عنها لاحقاً، يقول المثل: تستطيع أن تشتري السرير ولكنك لاتستطيع أن تشتري النوم.
هل انتهى كل شيئ تحقق لكل فرد مناه ومبتغاه من جمع للمال وحصول على المنصب والجاه والشهرة والسلطان ثم ماذا هذا السؤال هو ما يجعل كل شخص غير متدين أو غير مقتنع بدينه الذي يعتنقه بسبب ما فيه مما يصادم العلم الصحيح وينافي الفطرة السليمة يعيش عيشة غير سعيده متوترة لأن من يعتقد أنه انتهي كل شيئ سيلجاء لجالبات السعادة الوهمية كما قلنا سابقاً كالمخدرات والمسكرات والمهدئات لنسيان الواقع وللحصول على السعادة الموهومة والسكينة المزيفة ولكن هيهات إنها سعادة وسكينة مؤقتة تنتهي بانتهاء مفعول المخدر والمسكر والمهدي مما يجعلة يجد في تعاطيه مرة أخرى لينسى واقعه فيصبح إنساناً غير منتج بل عباً على مجتمعه ونسي المسكين أن هذا الإحساس بعدم السعادة لايملئه إلا الشعور الديني المتمثل في إعتناق دين صحيح من خلاله يحقق ذاته ويحدد مسيره ويعرف من خلاله مصيره.
إن الحصول على السعادة الحقيقية ميسور على من يسره الله له ومتاح لكل إنسان بغض النظر عن جنسه أو لونه أو عرقه أتدري أين تجدها ولا تتفاجأ من الجواب وأعط نفسك فرصة للتجربة والدخول في غمارها ولكن بشرط الاقتناع بما أقدمت عليه والاعتقاد الصادق بما
آمنت به فما دام الإنسان يبحث عن السعادة الحقيقية فليضحي من أجل تحقيقها بكل شيء وليعطي نفسه فرصة التغيير لما يعتقد أنه الأفضل ولما يحقق له هدفه الذي يسعى له، إنه الدخول في الإسلام أعرف أنك تفاجئت أو ربما ضحكت وأنا لا ألومك!!! ولكن الرهان قائم بيني وبينك بشرط أن تأخذ الإسلام من منابعه الأصلية الصحيحة بتجرد من عواطفك وتعصباتك الدينية وبقناعات أنك من خلاله تريد تحقيق السعادة الحقيقية، أتدري لماذا يحقق لك الإسلام السعادة الحقيقية ؟
أقول لك لماذا يحقق لك الإسلام السعادة الحقيقة مر في تعريف علماء النفس للسعادة أنها ذلك الشعور المستمر بالغبطة والطمأنينة والأريحية والبهجة نتيجة للإحساس الدائم بخيرية الذات والحياة والمصير.
والإسلام حقق للمسلم هذه الأمور جميعها أما خيرية الذات فقد قال الله تعالى:" إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً " الأحزاب35
وأما خيرية الحياة ، فيقول الله تعالى :"  كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ " آل عمران110
وأما خيرية المصير ، فيقول الله تعالى :" إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً خالدين فيها لايبغون عنها حولا" الكهف107
وما دامت السعادة الحقيقية تتمثل بالرضاء الذي يقود إلى الاستقرار النفسي والاطمئنان الروحي نتيجة الخيريات الثالثة السابقة فلن تستطيع الحصول عليها إلا في اعتناق دين يوازن لك بين المادة والروح فلا يغلب أحدهما على الآخر.
إن جميع الأنظمة والملل والنحل التي سوق لها وأخذ بتطبيقها وجربت كرد فعل مناهض للإسلام والصد عنه منذ ظهوره أخذت تتهاوى الواحدة تلو الأخرى ولعل آخرها ما حصل للإتحاد السوفييتي السابق والنظام الرأس مالي الحالي الذي يرى في نفسه المسيطر على العالم في طريقه لأن يتهاوى كما تهاوى سابقه وقد بدأت تظهر بوادر هذا التهاوي وما ذلك إلا لأن هذه الأنظمة مبنية على أسس ناقصة وأراء شخصية إنسانية قاصرة لاتتعدى نظرتها أرنبة أنفها هذا عند إحسان الظن بها، فينطبق عليهم المثل القائل : ذكرت شيئاً وغابت عنك أشياء .
 ولكن الغالب الأعم أنها وضعت لتحقيق مطامع وجني مكاسب وتفضيل جنس على جنس فهي إما إفراط في تقديس الفرد على حساب الجماعة أو إفراط في تقديس الجماعة على حساب الفرد أو إفراط في تقديم المادة على الروح أو العكس ، والإسلام وسط بين هذا كله استمع إلى هذا الكلام الجميل يقول الله تعالى :"وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً "البقرة143
وأرعي سمعك لتوجيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه حيث قال لعبد الله بن عمر رضي الله عنه :" يا عبد الله ألم أخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل؟" قلت : بلى يا رسول الله قال:" فلا تفعل صم وأفطر وقم ونم فإن لجسدك عليك حقا وإن لعينك عليك حقا وإن لزوجك عليك حقا" رواه البخاري
فالروح شيء يغيب عن تفكير الماديين الذين لا يرون الحياة إلا مادة فهمهم الجسد وبناؤه واشباع غرائزه من مأكل ومشرب وملبس ومنكح ومركب والسعي لعلاجه إذا اعتل فقط، ونسيان الروح وحاجاتها فهل هذا يجلب السعادة؟  الجواب بالطبع لا لأنه لو كان يجلبها لما أنتحر كثير من الناس الذين تحصلوا على كل متاع الدنيا الزائلة من مال وجاه ومنصب وشهرة، كرستينا أوناسيس الأبنة الوحيدة للمليونير المشهور أوناسيس الذي يملك المليارات ومن خلالها يستطيع الحصول على كل متع الدنيا، سألها الصحفيون في حفل أقيم لها في فرنسا: هل أنت أغنى امرأة؟ قالت: نعم. أنا أغنى امرأة ولكني أتعس وأشقى امرأة!، اسأل نفسك لماذا تقول هذا الكلام ؟ أنا أجيب لأنها نسيت الروح واحتياجاتها فمرضت هذه الروح فأتعبتها علماً أن علاجها بسيط جداً وبدون مقابل مادي والحصول عليه مقابل تغيير معتقد أو اعتناق معتقد ولكن ليس أي معتقد بل معتقد صحيح، وأيضاً لما كثرة نسبة الانتحار في الدول المتقدمة ذات المعيشة المترفة والدخل المرتفع في أوربا وبخاصة الدول الإسكندنافية التي تعتبر أغنى الدول في العالم سواء على مستوى الدولة أو على مستوى دخل الفرد ومع ذلك فهي تمثل أعلى نسب الانتحار فالسويد مثلا هي أغنى دولة من حيث دخل الفرد، ولكنها أعلى دولة في نسب الانتحار!! بينما يلاحظ أن الدول الإسلامية  مع فقر أكثرها تقل نسب الإنتحار إن لم نقل تكاد تنعدم !!!
يقول ( F. Filweas )  : هناك فراغ روحي كبير في الغرب ، لم يستطع أي مبدأ من المباديئ ولا أية عقيدة من العقائد أن تملأه وتحقق السعادة للإنسان هناك ، فرغم الثراء المادي ومايسمى بالرخاء الإقتصادي ... وتحقيق كافة الرغبات المادية للشعوب ، فإن الإنسان الغربي لايزال يحس بتفاهة حياته ويتساءل : لماذا أعيش ؟ وإلى أين أسير ؟ ولماذا ؟ ولاأحد يقدم له حتى الأن الإجابة عن هذه الأسئلة ، ومادرى المسكين أن دواءه في الدين القويم الذي لايعرف عنه إلا الشبهات ، ولكن بداية النور قد بدأت تشقشق والصبح قد بدأ يسفر ، بدخول جماعات ولو قليلة من الغربيين في الإسلام ، وبدأ الإنسان الغربي يرى بأم عينه رجالاً ونساءً يطبقون الإسلام ويعيشون به ، وفي كل يوم يدخل بعضهم في الدين الحق إنها البداية ...أهـ
 فالروح يجب إشباعها كما يشبع الجسد فإذا لم تشبع مرضت ومرضها القلق والهم وعدم الرضاء والشعور بالتعاسة وإشباعها هو زاد الإيمان بالله ووجوده والبعث وإمكانية حصوله واليوم الآخر والجزاء والحساب وتحقق وقوعه وأداء العبادات التي أمر الله بها والتخلق بالفضائل التي تسمو بالروح فهي من الغذاء الروحي المرتبط بالإيمان، وبالإيمان تسلم الروح من القلق الذي يؤثر بالمقابل على الجسد فيمرض ، قال الله تعالى :" الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب"
وهذا الشعور والإحساس فعلاً ما يحس به المسلمين
إن الإسلام  يحقق السعادة الروحية والإطمأنان النفسي لكل من اعتنقه وآمن صادقاً به فترى المسلم نتيجة العقيدة الإسلامية سعيد كل السعادة في جميع أحواله  في حالة الصحة أو المرض في حالة الغنى أو الفقر في حالة الأمن أو الخوف، يقول الله تعالى :" الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة " البقرة 156-157
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد، إلا للمؤمن، إن أصابته سراء، شكر، فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء، صبر، فكان خيرا له " رواه مسلم
فتعاليم الإسلام وتوجيهات رضاء وصبر ينسيك همومك وينقلك من دائرة اليأس والقنوط إلى دائرة التفأل وحسن الظن ، يقول الله تعالى في الحديث القدسي :" أنا عند حسن ظن عبدي بي فليظن بي ما يشاء ..."
وهنا نقطة ينبغي التنبيه عليها فالإسلام لايأمر أتباعه بالرهبانية والانقطاع عن الدنيا ولكنه يطوع هذه الدنيا بمافيها لتحقيق السعادة الحقيقية ، فمن كان ذا سلطان فليطوع سلطانه لله ولنشر دينه وتحقيق سعادة رعيته ، يقول صلى الله عليه وسلم :" كلكم راع ومسؤول عن رعيته فالإمام راع ومسؤول عن رعيته والرجل في أهله راع وهو مسؤول عن رعيته والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسؤولة عن رعيتها والخادم في مال سيده راع وهو مسؤول عن رعيته " رواه البخاري
ومن كان ذا منصب وجاه فليطوع منصبه وجاهه لله ولنشر دينه وقضاء حوائج إخوانه من المسلمين يقول الله تعالى :" مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا وَكَانَ اللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتاً "النساء85

ومن كان ذا مال  فليبذله في سبيل الله ولخدمة إخوانه وقضاء حوائجهم فهذه السعادة في جمع المال الإنفاق وليس القبض ، يقول الله تعالى :" وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم "
ويقول صلى الله عليه وسلم مبينناً مصير المال :" يقول بن آدم مالي مالي قال وهل لك يا بن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو تصدقت فأمضيت  " رواه مسلم

وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة المسلمين الذي ينبغي على كل مسلم أن يجعل سيرته  منهاجاً يسير عليه في حياته يحدث عنه أبو ذر فيقول : كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم في حرة المدينة فاستقبلنا أحد فقال:" يا أبا ذر " قلت: لبيك يا رسول الله قال:" ما يسرني أن عندي مثل أحد هذا ذهبا تمضي علي ثالثة وعندي منه دينار إلا شيئا أرصده لدين إلا أن أقول به في عباد الله هكذا وهكذا وهكذا "عن يمينه وعن شماله ومن خلفه ثم مشى ثم قال:" إن الأكثرين هم الأقلون يوم القيامة إلا من قال هكذا وهكذا وهكذا " عن يمينه وعن شماله ومن خلفه "وقليل ما هم..." رواه البخاري

إن المنهج الذي رسمه الإسلام لمن يعتنقه منهج رباني يحقق له السعادة الحقيقية على المدى القريب والبعيد وذلك من خلال توجيهاته المتمثلة في أوامره ونواهيه وهذه الأوامر والنواهي لا يقصد بها التضييق أو تقييد الحريات وإنما تحقيق السعادة له وذلك من خلال تعريفه بمكانته في هذا الكون وعلاقاته بما فيه فهذه الأوامر والنواهي منها مصالح متحققة إما حالية أو مستقبلية  ولتوضع هذه الأوامر والنواهي تحت المجهر لمن أراد التثبت وليرى بنفسه هل هي لمصلحة أم لا ؟
فالسعادة يحققها الإسلام لمعتنقيه من خلال أركان إيمانية أساسية هي :-
الركن الأول : الإيمان بالله ووحدانيته فمن آمن بالله ووحدانيته هدي إلى طريق السعادة فأطمأن قلبه وسكنت نفسه، يقول الله تعالى:" الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ "الرعد28
فإذا عرف الإنسان عظمة هذا الإله الذي له ملك كل شيء والقادر على كل شي والذي ليس كمثله شيء قرت نفسه وسكنت روحه ، يقول الله تعالى :" اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ " البقرة255
وذلك لكون الإيمان بالله ووجوده يحقق للإنسان سعادة داخلية مبعثها معرفته بوجود الركن القوي الذي ينزل إليه حاجاته ويلجأ إليه وقت الشدائد والملمات، فيكثر من دعائه، قال الله تعالى :" وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ " البقرة186
وإنه من الشقاء عدم الإيمان بوجود الله الخالق القادر على كل شيء، لأن من لايؤمن بوجود إلله سيعيش  ولاشك في صراع داخلي عنيف مع نفسه التي بفطرتها تؤمن بوجود الله وعقله المتنكب عن الفطرة الصحيحة، يقول الله تعالى :" أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ "الطور35
علماً أن الإيمان بالله لابد أن يكون مرتبطاً بوحدانيتة وعدم الإشراك به فمن أشرك مع الله غيره لم يفده إيمانه بالله ولم ينتفع به، يقول الله تعالى :" إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً" النساء48
وذلك لكون الإشراك مع الله غيره تنقيص له والناقص لايستحق العبادة فكيف يعبد من هو في حاجة لتكميل ، يقول الله تعالى :" لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ " الأنبياء22
فالله هو الغني القائم بذاته المستغني عن من سواه  والخلق كلهم فقراء محتاجون إليه، يقول الله تعالى :" مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ " المؤمنون91
فمن ثمار الإيمان بالله:-
تحرير نفس المؤمن من سيطرة الغير فمتى عرف وأيقن أن الأمر كله لله وبيده وأنه ليس لبشر مهما علت منزلته أو كبر شأنه أن يمنع ما أراد الله أو يعطي ما منع تحررت نفسه من العبودية لغير الله فينطلق غير مقيد في تحقيق العبودية لله ساعياً لرضى ربه غير مكترث بما سواه، يقول الله تعالى :" {قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاء لاَ يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ }الرعد16
تحرير نفس المؤمن من الخوف إلا من الله وحده، فالخوف من غير الله جالب للشقاء منغص على الإنسان عيشه لأن الشيطان يبدأ بالتلاعب به ويخوفه من كل شيء فيجعله في ضيق وحرج، يقول الله تعالى:" إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ" آل عمران:175.
بعث روح الشجاعة والإقدام في النفوس فمن آمن بالله وأنه المحيي المميت وأن الأمر كله له اطمأنت نفسه وسكنت وهذا ما جعل المسلمين يبذلون أرواحهم رخيصة في الجهاد أليس هذا نابع عن سعادة داخلية يحسون بها تدفعهم لبذلها في سبيل من يحبون ؟ إنها سعادة مرتبطة بالآخرة، يقول الله تعالى :" وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتاباً مؤجلاً " .
التوجه الدائم لله  منبع الخير ومصدره فينزل به حوائجه ويتضرع ويتذلل بين يديه ويتوكل عليه ، يقول الله تعالى:" لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ " الزمر63
أما غير المؤمن بالله فإنه يعيش في شقاء وتعاسة لأنه يتخبط في ظلام الجهل والكفر وعدم الإيمان فلا مصدر يلجأ إليه ويتوكل عليه،وصدق الله العظيم:" :" وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ "الأنعام: من الآية125
الركن الثاني : الإيمان بالملائكة وهم من عالم الغيب لايمكن معرفتهم إلا عن طريق الرسل المبلغين عن الله سبحانه وتعالى لهم أعمال كلفهم الله بها، وعن طريقهم تصل رسالة السماء الجالبة للسعادة الحقيقية للأرض عن طريق الرسل، والمكلف بمهمة تبليغ الرسالات للرسل جبريل عليه السلام والرسل بدورهم يبلغونها للبشر، يقول الله تعالى :" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً " النساء136  
الركن الثالث : الإيمان بالكتب التي أنزلت من الله وهي المنهاج الذي يسير عليها المؤمن في حياته ويستسقي منها زاده الروحي المتمثل في الأعمال الصالحة والعبادات سواءً الروحية أو الفعلية، فعن طريق العمل بهذه الكتب يحصل الاستقرار الاجتماعي والأمن النفسي والاقتصادي والسياسي، يقول الله تعالى:" مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً " النحل من الآية 97
حياة طيبة في جميع المجالات فالأعمال الصالحة هي الزاد والغذاء الروحي الجالب للسعادة والطارد للهم والحزن يقول الله تعالى:" مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ "المائدة: من الآية69
ولقد كان لتوجيهات الإسلام التي تربي المسلم على مكارم الأخلاق الأثر الكبير في جلب السعادة له وإبعاده عن المنغصات التي يعيشها اللادينيين والكثير ممن لم تقدم له ديانته الاستقرار النفسي والأمن الروحي بسبب ما فيها من اضطراب وتناقض ، فمن هذه التوجيهات التي أمر بها المسلم :-
حب الله ورسوله فإن حب الله ورسوله دافع للمسلم للبذل في سبيل هذا الحب جميع ما يملك حتى لو كانت روحه التي بين جانبيه فهو في سعادة لايضاهيها سعادة ما دام يسعى لرضى محبوبه، ففي هذه الدنيا تجد المحب يبذل كل ما في وسعه لكسب رضاء محبوبه ويجد لذة وحلاوة في تحقيق رغباته وطلباته فما بالك إذا كانت هذه المحبة لله ذو الجلال والإكرام وصفات الكمال ورسوله صلى الله عليه وسلم أفضل الخلق خلقاً وخُلقاً ، يقول الله سبحانه وتعالى واصفاً حب المؤمنين الحقيقي له :" وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ " البقرة165
ولقد كانت هذه المحبة واقعاً فعلياً يطبقها الصحابة رضي الله عنهم، فهذا الصحابي الجـليل خبيب بن عدي - رضي الله عنـه - عنـدمـا أسره المشركون، وقبل أن يقتلوه، سألوه: هل لك حاجة قبل أن تموت؟ فطلب منهم أن يمهلوه حتى يصلي ركعتين، فأمهلوه فصلى ركعتين - وكان أول من سن الركعتين قبل القتل، وبعد الصلاة قال: والله لولا أني خشيت أن تظنوا أني جزع من القتل، لأطلت الصلاة..فلما رفعوه ليصلبوه ويقطعوه، سألوه: أتحب أن محمدا مكانك وأنك بين أهلك؟ فقال: والله إني لا أحب أن يصاب محمد بشوكة بين أهله وأنا في مكاني هذا !!
وإن الشقي من قدم هواه ورغباته على محبة الله ومرضاته ، يقول الله تعالى:" قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ " التوبة24
الحب في الله ورسوله، فإن من أحب في الله ولله بذل وأعطى وضحى فأصبحت المصالح مشتركة فيما بينهم لايجمعهم مطامع دنيوية تزول هذه المحبة بزوالها بل هي محبة باقية دائمة لطلب رضى الله فيشعر المسلم بالسعادة لمعرفته أن غيره يحبه لله وليس استغلال لتحقيق مصالح دنيويه، قال الله تعالى :" وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ "الحشر9
ويقول صلى الله عليه وسلم :" ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لايحبه إلا لله وأن يكره أن يعود للكفر كما يكره أن يلقى في النار "
بل إن تحقيق هذه المحبة من وسائل دفع العناء والمشقة يوم الفصل بين الناس ، يقول صلى الله عليه وسلم :" سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله الإمام العادل وشاب نشأ في عبادة ربه ورجل قلبه معلق في المساجد ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله ورجل تصدق أخفى حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه" رواه البخاري
العبودية لله فالسعادة والعزة تكمن في كون المسلم عبداً لله وليس عبداً لشهواته ورغباته فيأطر نفسه على الحق أطراً فيتبع ما أمرالله به وينتهي عما نهى الله عنه،  فبعمله هذا يحس بالسعادة الحقيقية لأنه تغلب على النفس وشهواتها والشيطان وخطراته ووسوسته، فتعاليم الإسلام تجعل وقت المسلم وماله وجهده وحياته كلها لله فليس هناط وقت لصف الوقت في تفاكير وهموم لاطائل من ورائها، يقول الله تعالى :"قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ " الأنعام162
والعبودية لله ليست خاصة للبشر فقط بل للخلق جميعاً بما فيهم الأنبياء والرسل والملائكة، يقول الله تعالى :" لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً لِّلّهِ وَلاَ الْمَلآئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيهِ جَمِيعاً " النساء172
 بل العالم كله ينطبق عليه الخضوع والعبوديه لله مما يدلل على عظمة هذا الخالق المستحق للعبادة، يقول الله تعالى :" تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً " الإسراء44
فمن أعرض عن عبادة الله وتنكر لها فلن يجد إلا الشقاء والمعيشة النكدة لأنه بلا هدف يسعى لتحقيقه ولن يشعر بالسعادة التي يحس بها من حقق العبودية لله، يقول الله تعالى :" وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى" طـه:124.
فمن لم يكن عبداً لله فسيكون عبداً للشيطان ، يقول الله تعالى :" وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ " الزخرف:36.
وهذا الشيطان لن يقوده إلا إلى الشقاء والتعاسة كما توعد بذلك، يقول الله تعالى :" قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إلا عبادك منهم المخلصين" الحجر39
إن عبادة لله سعادة داخلية لا يحس بها إلا من حقق العبودية لله اسمع إلى قول أحد المسلمين الذين شعروا بهذه السعادة نتيجة تحقيق العبودية لله : لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من السعادة لجالدونا عليها بالسيوف.
ترسيخ مفهوم السعادة الحقيقية الأبدية في نفس المسلم فالسعادة الحقيقية الأبدية في الآخرة وليست في الدنيا لمن وفقه الله ودخل الجنة وهذا ما يجعل تطلعات المسلم علوية وليست دونية ،قال الله تعالى:" وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ" هود:108.
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم :" الدنيا سجن المؤمن، وجنة الكافر " رواه مسلم
وهنا قد يرد سؤال في الذهن فيقال كيف يكون هذا ونحن نشاهد كثير من الكفار يعيشون في ضنك من العيش وكثير من المسلمين يعيشون في رغد من العيش ؟ ولعلي أذكر هنا قصة ابن حجر العسقلاني  رحمه الله رئيس القضاة في مصر  وفيها رد عجيب على هذا التساؤل، فقد خرج يوما في أبهته وزينته فمر برجل يهودي في حالة رثة تدل على الفقر والحاجة، فقال اليهودي للقاضي : قف. فوقف ابن حجر. فقال له اليهودي: كيف تفسر قول رسولكم: " الدنيا سجن المؤمن، وجنة الكافر " وها أنت تراني في حالة رثة وأنا كافر، وأنت في نعيم وأبهة مع أنك مؤمن؟! فقال ابن حجر: أنت مع تعاستك وبؤسك تعد في جنة، لما ينتظرك في الآخرة من عذاب أليم - إن مت كافرا - وأنا مع هذه الأبهة - إن أدخلني الله الجنة - فهذا النعيم الدنيوي يعد سجنا بالمقارنة مع النعيم الذي ينتظرني في الجنات، فقال: أكذلك؟ قال: نعم. فكانت هذه الكلمات سبباً في دخوله للإسلام .
وليهون الإسلام على المسلم أمر هذه الدنيا ويبين حقارتها ليبعد المسلم عن كل ما يكدره من مصائبها وأكدارها، أخبر صلى الله عليه وسلم عنها بقوله في الحديث الذي رواه سهل بن سعد فقال:   كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي الحليفة فإذا هو بشاة ميتة شائلة برجلها فقال:" أترون هذه هينة على صاحبها فوالذي نفسي بيده للدنيا أهون على الله من هذه على صاحبها ولو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها قطرة أبدا" رواه ابن ماجة
بيان أن الرسل والأنبياء وهم صفوة الخلق وأحبهم لله لم تصف لهم الدنيا ولم تخلوا حياتهم من المنغصات والمكدرات، فمنهم من قتل ومنهم من عذب وأوذي ومنهم من أخرج من بلده ومنهم من كذب ورمي بالسحر والجنون فإذا كان ذلك فغيرهم من البشر العاديين من باب أولى، يقول الله حكاية عن نوح عليه السلام :"وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَاماً فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ "العنكبوت14
ويقول حكاية عن إبراهيم عليه السلام :" فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ " العنكبوت24
ويقول الله تعالى حكاية عن موسى ، :"وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ " غافر26
ويقول الله تعالى حكاية عن شعيب :" قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ " الأعراف88
ويقول الله تعالى حكاية عن صالح ، :"قَالُواْ يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّاً قَبْلَ هَـذَا أَتَنْهَانَا أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ " هود62
ويقول الله تعالى حكاية عن لوط:" فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ " النمل56
ويقول الله تعالى حكاية عن عيسى:" وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً " النساء157
ويقول حكاية عن خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم :" قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ " الأنعام33
تحديد الهدف الأسمى في حياة المسلم، حيث جعل الإسلام هدف المسلم في هذه الدنيا الوصول لرضي الله والجنة وهذا الهدف لايمكن تحقيقة إلا بعد الموت، فتجده في سعي دائم لا يعرف الكلل ولا الملل إلى أن يموت لأنه يعرف أن هدفه سيتحقق هناك فهو في شغل عن التفكير في هذه الدنيا ومشاكلها وأكدارها غير مكترث لما يفوت تحقيقه فيها ، منشغل فيما يقربه من الله والدار الآخرة أما غير المؤمنين فهم يطمعون إلى تحقيق أهداف دنيوية ويجدون نوعاً من السعادة في السعي لتحقيقها ، ولكن سعادتهم تنتهي بتحقيق أهدافهم والحصول عليها ثم ماذا بعد تحقيق الهدف؟  فمتى حصل الإنسان على هدفه بقي عنده فراغ يوقعه في قلق نفسي وعدم استقرار روحي لمن لا إيمان له ، وهذا النوع من الناس الذين لاهدف لهم إلا تحقيق شهواتهم والحصول على ملذاتهم الدنيوية من خلال إشباع بطونهم وفروجهم ذمهم الله تارك وتعالى فقال " إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ " محمد12
 وهؤلاء وإن تحصلوا على الشهادات وتفوقوا في مجال العلوم والتقنية فإن لم يقدهم هذا إلى معرفة الله وطاعته فلا خير ولا نفع في هذا كله ، يقول الله تعالى واصفاً حالهم:" أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً "الفرقان44
فلا تنظر إلى من هلك كيف هلك ولكن أنظر إلى من نجى كيف نجى ، يقول الله تعالى:" وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ " الأعراف179
وليس معنى هذا الكلام الزهد في الدنيا وترك السعي لطلب الرزق فيها بحيث يصبح المسلم عالة على الغير، فالله سبحانه وتعالى أمر عباده بالضرب في الأرض لكسب الرزق وجعله مطلباً شرعياً، يقول الله تعالى :" هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ "الملك15
بل عد الإسلام السعي لطلب الدنيا إذا كان الهدف منه كف المرء نفسه ومن يعول عن الحاجة للناس وليبذله في سبيل الخير ليرفع درجته ومنزلته عند الله من الأمور المحمودة، يقول الله تعالى :" الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنّاً وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ "البقرة262
إن المطلوب أن تكون الدنيا في يدك لا في قلبك ، يقول صلى الله عليه وسلم :"  اليد العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول وخير الصدقة عن ظهر غنى ومن يستعفف يعفه الله ومن يستغن يغنه الله " رواه البخاري
بل إن الأماني للحصول على الدنيا يؤجر عليها العبد إذا كان هدفه البذل في طرق الخير وسبله، يقول صلى الله عليه وسلم :" إنما الدنيا لأربعة نفر عبد رزقه الله مالاً وعلماً فهو يتقي فيه ربه ويصل فيه رحمه ويعلم لله فيه حقاً فهذا بأفضل المنازل ، وعبد رزقه الله علماً ولم يرزقه مالاً فهو صادق النية يقول : لو أن لي مالاً لعملت بعمل فلان فهو بنيته فأجرهما سواءً " رواه الترمذي
معرفة حقيقة الدنيا، فلقد بين الإسلام للمسلم أن هذه الدنيا متاع ، يقول  الله  تعالى :" زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ }آل عمران14
وبين له قصرها وقصر المكث فيها، يقول الله تعالى :" اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ "الحديد20
وبين له أنها محطة من محطات الوصول للهدف النهائي وهو الآخرة، كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر ابن الخطاب لما دخل عليه وهو على حصير قد أثر في جنبه فقال: يا نبي الله لو اتخذت فراشا أوثر من هذا ! فقال:" مالي وللدنيا ما مثلي ومثل الدنيا الا كراكب سار في يوم صائف فاستظل تحت شجرة ساعة من نهار ثم راح وتركها" رواه أحمد
وبين له أنها دار أكدار وشقاء فإن صفت يوماً كدرت أياماً وإن أضحكت قليلاً أبكت كثيراً  فصفائها الدائم أمر مستحيل  بل إن كدرها وتنغيصها أكثر ، فهي دار شقاء لمن لم يعرف حقيقتها وانخدع بها وركن إليها ، يقول الله تعالى :"لقد خلقنا الإنسان في كبد " البلد 4
فلا ينبغي للعبد أن يركن إليها كما أخبر بذلك صلى الله عليه وسلم في وصيته لإبن عمر فقال :" كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل " رواه البخاري
الملوك والخلفاء وهم من يعتقد أنهم في نعيم وسعادة اسمع ما يقوله عبد الرحمن الناصر من خلفاء بني أمية المشهورين  حكم أكثر من خمسين سنة وستة أشهر دانت له الرقاب والبلاد، كان مشهوراً بالعمران وتشييد المباني والقصور والمعالم والآثار،  وجد مكتوب بخط يده بعد موته : أن الأيام التي صفت لهذا الخليفة من دون تكدير هي يوم كذا من شهر كذا من سنة كذا، ويوم كذا من شهر كذا من سنة كذا، فحددت فوجدت أربعة عشر يوماً، فانظر لتعلم أن كلٌ في شقاء وكل في كبد ونكد !
 ولقد وصفها أحد الشعراء مبيناً أنها لاتدوم على حال وأن طبيعتها التقلب وعدم الإستقرار:
وهذه الدنيا لاتبقي على أحد **** ولا يدوم على حال لها شأن
هي الأمور كما شاهدتها دول **** من سره زمن سائته أزمان
ويقول التهامي في رثاء إبنه الذي توفي مبيناً حقيقة الدنيا :
جبلت على كدر وأنت تريدها      صفوا من الأقذاء والأكدار
ومكلف الأيام ضد طباعها      متطلب في الماء جذوة نار

ويقول أحد الشعراء موضحاً أن ما تشكو أنت منه يشكو منه غيرك :
كل من تلقاه يشكو دهره ....ليت شعري هذه الدنيا لمن
فمتى عرف المسلم هذا زاده حرصاً على التزود للآخرة وعدم التعلق بالدنيا والركون لنعيمها الزائل فلا حزن على فوات شيء من ملذاتها أو جزع لحصول مصيبة من مصائبها، فكيف يأسى ويحزن  على نعيم أن لم يزل اليوم زال بالغد، يقول الله تعالى:"كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ " آل عمران 185
الأمر بمصاحبة الأخيار والبعد عن رفقاء السوء والأشرار فلا أحد ينكر ما للقرين على قرينه من الأثر وقد قيل في المثل ( الصاحب ساحب ) فصاحبك وقرينك إما أن يسحبك ويجرك للخير أو العكس يسحبك ويجرك للسعادة أو الشقاء، ولقد مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل الجليس الصالح وجليس السوء بأروع مثل فقال صلى الله عليه وسلم " مثل الجليس الصالح والسوء كحامل المسك ونافخ الكير فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحا طيبة ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد ريحا خبيثة"
فالجليس الصالح عون لك بعد الله في الوقوف معك وقت الشدائد والملمات وتسليتك عند همومك وغمومك وتفريج كربك عند حاجتك له مما يحسسك بالإطماءنان والراحة لوجود ركن تعتمد عليه لمواجهة مصاعب هذه الحياة بعد الله، بخلاف جليس السوء حيث يكون أول المتخلين عنك الخاذلين لك وقت الحاجة والملمات والشدائد مما يزيد بؤسك وتعاستك وشقاءك.
الأمر بترك المعاصي والبعد عن الآثام، فارتكاب الذنوب والآثام مما يجلب الشقاء للإنسان ويحول بينه وبين السعادة لكونه سينصرف عن عبادة الله إلى إتباع نفسه الأمارة بالسوء هواها والغالب أن النفس إن لم تردع بالحق انصرفت إلى الباطل، يقول الله تعالى :" كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ" المطففين14
ويقول صلى الله عليه وسلم:" إن المؤمن إذا أذنب كانت نكتة سوداء في قلبه فإن تاب ونزع واستغفر صقل قلبه فإن زاد زادت فذلك الران الذي ذكره الله في كتابه" كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون " سنن ابن ماجة
وليبعد المسلم عن ارتكاب الذنوب والمعاصي بين صلى الله عليه وسلم شؤم المعصية عليه فقال:" إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه ولا يرد القدر إلا بالدعاء ولا يزيد في العمر إلا البر " رواه ابن حبان
يقول سقراط: إن المجرم دائما أشقى من ضحيته، وإن من يكون مجرما ولم يعاقب على جرمه، يكون من أشقى الناس.أهـ  وذلك بإحساسه الداخلي الذي يؤنبه في جميع أوقاته بسبب ما ارتكب من جرم.
 ولقد كان هذا الإحساس متقداً في نفوس المسلمين الصادقين ، فهذا الصحابي عمرو بن سمرة بن حبيب بن عبد شمس جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني سرقت جملا لبني فلان فطهرني فأرسل إليهم النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنا افتقدنا جملا لنا فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم فقطعت يده قال ثعلبة: أنا أنظر إليه حين وقعت يده وهو يقول: الحمد لله الذي طهرني منك أردت أن تدخلي جسدي النار.
التفكر في من مضي من الأمم وأخذ العبرة والعظة من ذلك لمعرفة أن الدنيا مهما طالت بأهلها ومهما بلغ بأهلها التقدم والرقي والإزدهار فإن مصير ذلك إلى زوال أو دمار أو هلاك يصيبهم بسبب ذنوبهم وظلمهم فلا تحزن، قال الله تعالى :" أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاء عَلَيْهِم مِّدْرَاراً وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ "الأنعام6
ويقول الله تعالى :" أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ " الروم9
ويقول الله تعالى :" وَعَاداً وَثَمُودَ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ "العنكبوت38
ويقول الله تعالى :" وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ " القصص58
  فإذا عرف المسلم أن كل هذه الدنيا إلى زوال رضي وسلم فأراح واستراح، يقول الله تعالى :" وَأَنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُواْ رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال" إبراهيم44-45
النظر لمن هو في الدون في أمور الدنيا، فإن الإنسان يعيش في نعم وخير يتقلب فيها ولا يحس بها ولكن يعرفها ويراها من فقدها، فإن كان عندك مالاً وأنت في حاجة لأكثر فهناك من لايملك وإن كنت مريضاً وتستطيع التحرك فهناك المريض الذي لايستطيع التحرك وإن كان لك ولد واحد وتريد المزيد فهناك من يتمنى أن يدفع ماله كله ويسمع كلمة (بابا)، يقول صلى الله عليه وسلم " انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم" متفق عليه
فإذا نظرت إلى من هو دونك في أمور الدنيا اطمأننت وعرفت فضل الله عليك وأن هناك من يتمنى ما أنت فيه، يونس ابن عبيد جاءه رجل يشكو ضيق حاله ، فقال له يونس : أيسرك ببصرك هذا مائة ألف درهم ؟ قال الرجل : لا !، قال : فبيدك مائة ألف؟، قال : لا !، قال : فبرجلك مائة ألف ؟، قال : لا !، ثم ذكر نعم الله عليه وقال : أرى عنك مئين الألوف وأنت تشكو الحاجة !!!.
أما في أمور الآخرة فانظر إلى من هو أعلى منك، لتدرك تقصيرك وتفريطك، وذلك لكون الجنة طبقات ودرجات فلا تقنع إلا بالفردوس الأعلى من الجنة .
القناعة وهي غنى القلب ورضاه بقضاء الله وكف نفسه عما في أيدي الناس والتسليم لإرادة الله، والتوجيهات القرآنية و النبوية لها الأثر الكبير في غرس القناعة في صدور المسلمين وما ذلك إلا ليعيشوا حياة هانئة مطمئنة مستقرة بعيدة عن الغل والحسد والتباغظ الناتج عن عدم القناعة والرضا بما قسم الله للعبد ، وهذا مشاهد فالقنوع أهنأ الناس بالاً وأطيبهم عيشاً يقول الله تعالى :" ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزوجاً منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه " طه 131
ويقول صلى الله عليه وسلم :" قد أفلح من اسلم وكان رزقه كفافاً وقنعه الله بما آتاه " رواه مسلم
ولكون حب الدنيا والتزود منها من طباع البشر كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله :" لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى ثالثا ولا يملأ جوف بن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب " صحيح البخاري
كان للتوجية النبوي أثر كبير على المسلم بالتقليل من حب الدنيا والقناعة منها باليسير  فقال صلى الله عليه وسلم:" من أصبح منكم آمناً في سربه معافاً في بدنه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها " رواه الترمذي
ولو تفكر الإنسان لوجد أن هذا كل ما يحتاجة المرء في يومه أما غده فعلمه لله فأنت لاتعلم هل تعيش للغد أم لا مالك الذي في حسابك لاتدري هل يبقى للغد أم لا إحتمالات كثيرة، يقول الله تعالى :" إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ " لقمان34
التسليم لأمر لله والتوكل عليه فهو المتصرف في خلقه المعطي لمن يشاء المانع لما يشاء المعز لمن يشاء المذل لمن يشاء مقسم الأرزاق وباعثها، يقول الله تعالى:" قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ "آل عمران26
فإذا علم الإنسان أن الأرزاق مقدرة ومقسومة والمرء في بطن أمه كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله :" إن أحدكم ليجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقةً مثل ذلك ، ثم يكون مضغة مثل ذلك ، ثم يُرْسِل إليه الملك فينخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات : رزقه، وأجله ، وعمله ، وهل هو شقيٌ أو سعيد ، فو الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع  فيسبق عليه الكتاب فيختم له بعمل أهل النار فيدخلها ،  وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار  حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع  فيسبق عليه الكتاب فيختم له بعمل أهل الحنة فيدخلها "رواه البخاري
وأن كل إنسان سيأخذ ما كتبه الله له من هذه الدنيا سواءً من الرزق أو الحياة اطمأن ورضي ، يقول صلى الله عليه وسلم :"  نفث روح القدس في روعي أن نفسا لن تخرج من الدنيا حتى تستكمل أجلها وتستوعب رزقها فأجملوا في الطلب ولا يحملنكم إستبطاء الرزق أن تطلبوه بمعصية الله فإن الله لا ينال ما عنده إلا بطاعته"
الرضاء بما قسم الله وعدم التسخط حتى لوكان في أمور يعتقد أنها غير مرغوبة يقول الله تعالى :"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهاً وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً" النساء19
فلربما كان الخير فيما كرهت والشر فيما أحببت وأنت لاتعلم ، يقول الله تعالى :" كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ "البقرة216
معرفة حقيقة التفاضل والتفاوت بين البشر في جميع أمورهم ، فالتفاوت من سنن الله في هذا الكون التي ليس للإنسان القدرة على تغييرها فمتى عرف المسلم بهذا التفاوت بين الناس لحكمة يعلمها الله رضي واطمئن وخلت نفسه من الحسد والحقد على من فضل عليه، يقول الله تعالى :"وَاللّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُواْ بِرَآدِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاء أَفَبِنِعْمَةِ اللّهِ يَجْحَدُونَ " النحل71
       يقول الله تعالى"انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً " الإسراء21
عدم تمني ما مع الغير والنظر لما في أيديهم إذا كان الهدف من هذا التمنى الدنيا، يقول الله تعالى :" قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ" سبأ39
ولما كان التمني من معوقات القناعة جاء التوجيه للمسلمين بالكف عن تمني ما مع الغير ليعيش المسلم هانيء البال فقال الله تعالى :" وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً " النساء32
فبدل أن يكون هم المسلم التمني والنظر إلى ما مع الغير والانسياق وراء رغبات النفس جاء التوجيه للمسلم بالنظر لنفسه ومحاسبتها وترك ما سواها، يقول صلى الله عليه وسلم :" الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله " رواه الترمذي
التحذير من الحسد والغيرة والحقد والغل: وهذه أدواء خطيرة على الإنسان طاردة للسعادة جالبة للشقاوة، فمن لم يقنع بما قسم الله له امتدت عينه إلى ما أنعم الله به على غيره فجره للحسد الذي يجر للحقد والغل الدافع للانتقام  والحاسد والحاقد يهلك نفسه ويشقيها قبل محسوده، قال الله تعالى :" أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكاً عَظِيماً " النساء54
ولقد كان الكبر الناتج عن الحسد أول ذنب عصي الله به، يقول الله تعالى حكاية عن إبليس عندما خلق الله آدم وأمر ملائكته بالسجود له فاستكبر ابليس ورفض السجود حسداً :" قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَـذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً" الإسراء62
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم موجها أمته لإجتناب هذه الأدواء الخطيرة المانعة للسعادة :" لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونوا عباد الله إخوانا المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره التقوى ها هنا ويشير إلى صدره ثلاث مرات بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه  " رواه مسلم
وليعالج الإسلام هذه الأدواء الخطيرة ويروض المسلم على  حب الخير للغير جاء التوجيه القرآني الكريم للمسلم بطلب تمني الخير لأخوانه، ويقول الله تعالى :" وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ "الحشر10
وليجعل هذا التمنى بالخير لإخوانه نابع من قلب صادق جعل للداعي نصيباً من دعائه لهم ، يقول صلى الله عليه وسلم :" من دعا لأخيه بظهر الغيب قال الملك الموكل به آمين ولك بمثل " رواه مسلم
ترك الكبر والتعالي على الناس، فالمتكبر غير سعيد لكون الناس يحتقرونه لما يرون منه من تغطرس وتعالي عليهم وغمط لحقوقهم فهو يكره الناس والناس يكرهونه فما ضنك بعيشة من هذه حاله، يقول الله تعالى:" الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ وَعِندَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ"غافر35
ويقول صلى الله عليه وسلم :" لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر " فقال رجل : يا رسول الله إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ، ونعله حسناً ، قال :" إن الله جميل يحب الجمال ، الكبر بطر الحق ، وغمط الناس "رواه مسلم
النهي عن البخل وذمه لأنه مذهب للسعادة جالب للشقاء وذلك لكون البخيل في قلق وهم للحفاظ على ماله والخوف عليه وحرصه الزائد عليه الذي يمنعه من التمتع به وصرفه في أو جه الخير، يقول الله تعالى :"وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ" آل عمران180
والبخيل في عزلة من الناس نظراً لكرههم له وعدم قبولهم لتصرفاته وكرهه للناس ايضاً لظنه أن الناس سيأخذون مالديه، يقول صلى الله عليه وسلم:"السخي قريب من الله قريب من الجنة قريب من الناس بعيد من النار والبخيل بعيد من الله بعيد من الجنة بعيد من الناس قريب من النار ولجاهل سخي أحب إلى الله عز وجل من عابد بخيل " رواه الترمذي
وليحث الإسلام المسلم على الإنفاق وعدم البخل بين أن البخل وتكديس المال وعدم إنفاقه الإنفاق المشروع مذهب للثروات ، يقول صلى الله عليه وسلم :" ما من يوم يصبح العباد فيه إلا وملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعطي ممسكاً تلفاً" رواه البخاري
ولقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم ما يلحق بالمجتمع من عواقب وخيمة تجر للشقاء والبؤس عندما يستشري في أهله داء البخل والشح، فقال صلى الله عليه وسلم :" أتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة ، واتقوا الشح ، فإنه أهلك من كان قبلكم ، حملهم على أن سفكوا دماءهم ، واستحلوا محارمهم " رواه مسلم
وليكره الإسلام هذه الصفة الذميمة في نفس المسلم جعلها من الصفات المنقصة في إيمان المتصف بها ، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في جوف عبد أبدا ولا يجتمع الشح والإيمان في قلب عبد أبدا"  سنن النسائي
الأمر باالصبر مع الرضا وعدم الجزع والتسخط على جميع ما يحصل للمسلم والصبر ضرورة حياتية قبل أن يكون فريضة دينية فالآمال لاتتحقق إلا بالصبر :" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" آل عمران200
ولكون هذه االدنيا دار ابتلا وإمتحان كان الصبر من ضروريات هذه الحياة كما بين ذلك ربنا تبارك وتعالى بقوله :" وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ " البقرة155
وحث مع الصبر على الغفران والعفو عمن أخطأ في حقك وأساء إليك وذلك لتصفى النفوس من الشحناء والبعضاء، يقول الله تعالى :" وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ "الشورى43
ليكون الصبر مطلباً لكل مسلم يسعى جاهداً للتحلي به أوجب الله سبحانه وتعالى محبته للصابرين، يقول الله تعالى :"وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ "
ووعد الله من اتصف بهذه الصفة بالثواب الكثير الغير منقطع يقول الله تعالى :" إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ "
ويقول صلى الله عليه وسلم :" وما أعطي أحد عطاء خيراً وأوسع من الصبر" رواه البخاري ومسلم
ولقد بين الإسلام أن بعد الصبر على الضيق الفرج وبعد الصبر على الحزن الفرح فدوام الحال من المحال يقول الله تعالى :" إن مع العسر يسرا "
يقول أحد الشعراء واصفاً حاله مع الشدة:
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها ***** فرجت وكنت أظنها لاتفرج
والصبر ثلاثة أنواع :
الأول : صبر على طاعات الله وأوامره ، يقول الله تعالى :" سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ "الرعد24
الثاني : صبر عن الشهوات والملذات المحرمة، يقول الله تعالى :" وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً " الكهف28
الثالث : صبر على أقدار الله، يقول تعالى :" مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ " التغابن11
وأرشد الإسلام المسلم للصبرعلى قضاء الله وقدره بأن يقول ما بينه له رسوله صلى الله عليه وسلم ليبتعد به عن التسخط والجزع وفتح الباب أمام التحسر والندم:" ما من أحد تصيبه مصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها إلا أجره الله في مصيبته وأخلف له خيراً منها " رواه أحمد
ترك الغضب وعدم الانفعال، وذلك لكون الغضب قد يقود إلى نتائج لا تحمد عقباها يصبح المرء نادماً عليها  طوال حياته فتحجب عنه السعادة وتوقعه في التعاسة، يقول الله تعالى ممتدحاً من يتصف بهذه الصفة:" وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ " الشورى37 .
 فمن استطاع أن يملك غضبه فهو أقدر على تحمل مصاعب الحياة، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم " ليس الشديد بالصرعة إنمـا الشديد من يملك نفسه عند الغضب " متفق عليه.
فالإنسان الذي يملك نفسه ويتحكم بها يحس بسعادته لكونه حقق إنتصار على ذاته التي قد تقوده إلى عمل متهور لاتحمد عقباه.
الحث على العفو عن الإساءة وهذا العمل مما يحبب النفوس بعضها لبعض ويذهب الأحقاد والأضغان ، يقول الله تعالى :"الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ "آل عمران134
بل أمر بما هو أعلى من هذا كله وهي مقابلة الإساءة بالإحسان ليحقق أعلى درجات الانتصار على النفس فتتطهر النفوس من درن البغضاء فتعم السعادة والإخاء، يقول اله تعالى :"وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ " فصلت34
الأمر بالفأل وعدم التشاؤم والتطير، يقول صلى الله عليه وسلم :"لا طيرة وخيرها الفأل" قال: وما الفأل يا رسول الله؟ قال:" الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم" رواه البخاري
ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة المسلمين يعجبه الفأل، ويكره التشاؤم. كما روى ذلك البخاري
النهي عن سوء الظن وعن التجسس ، فإن من أساء الظن بالناس عاش في قلق وهم وعدم استقرار لخوفه وترقبه الإساءة من كل أحد، ومن تجسس عليهم أصبح مكروهاً ومنبوذاً منهم ، يقول الله سبحانه وتعالى:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ "الحجرات 12-13.
ويقول صلى الله عليه وسلم :"إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا ولا يخطبن الرجل على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك ولا يجمع بين المرأة وعمتها ولا بينها وخالتها ولا تصوم المرأة وزوجها شاهد إلا بإذنه ولا تأذن في بيته وهو شاهد إلا بإذنه فما تصدقت به مما يكسب عليها فإن له نصف أجرة ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ إناء صاحبتها ولتنكح فإن لها ما قدر لها" رواه البيهقي
وأمر المسلم بحمل تصرفات أخيه على محمل الخير ليطهر القلوب من الضغائن، :" ....وهو يجد لها مخرجاً
النظر في الحاضر وترك التفكير في المستقبل ونسيان الماضي ، يقول الله تعالى :" أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ "الزمر58- 56
يقول أحد الأدباء القداما :ما فات مات والمؤمل غيب ولك الساعة التي أنت فيها.، وما ذلك إلا أن التفكير في الماضي لن يرد ما فات والتفكير المستقبل يعيقك عن العمل في الحاضر فركز على ما أنت فيه.
الحث على العطاء والبذل فإن السعادة في العطاء وليس الأخذ واسأل نفسك بعد عمل طيب تقوم به من إطعام جائع أو كسوة عاري أو تفريج كربة...ألخ من أعمال الخير  يانفس بماذا تحسين ؟، يقول الله تعالى :"وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ "النور22
ولكن حذر الإسلام المسلم أن لايتبع هذا العطاء والبذل بالمن لأنه يحبط الأجر ويذهب السعادة وذلك ليكون المُعطى قرير العين ، يقول الله تعالى :" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ " البقرة264
فإن لم يكن لديك ماتنفق وتبذل فعليك بلين الكلام وطلاقة الوجه فهو خير من بذل ونفقة يتبعها منٌ وأذى، يقول الله تعالى :" قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ " البقرة263
        فالمسلم ينبغي أن يكون في جميع أموره معطاء بناءً على توجيهات دينه التي تأمره :-
ببذل الحب للغير الذي يدفعه لفعل كل ما يحبونه من قول أو فعل والبعد عن كل ما يؤذيهم من الأقوال والأفعال المنضبطة بضوابط الشرع، يقول الله تعالى :"وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ"الحشر9
ويقول صلى الله عليه وسلم :" يا يزيد بن أسد أتحب الجنة؟" قلت: نعم قال:" فأحب لأخيك المسلم ما تحب لنفسك " المستدرك على الصحيحين

بذل النصيحة للناس وذلك بدلا لتهم على الخير وتحذيرهم من الشر ليعيشوا في سعادة، يقول الله تعالى:" وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ " آل عمران104
ويقول صلى الله عليه وسلم :" ألا إن الدين النصيحة ألا إن الدين النصيحة ألا إن الدين النصيحة قالوا لمن يا رسول الله قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم" رواه ابن حبان
بذل المال للمحتاجين والعطاء في أوجه الخير، يقول الله تعالى :" وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ "الرعد22
بذل الجاه بالشفاعة الحسنة للناس لقضاء حوائجهم، يقول الله تعالى :" مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا وَكَانَ اللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتاً "النساء85
ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جاءه السائل أو طلبت إليه حاجة قال:" اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم ما شاء " صحيح البخاري
بذل الإحسان والمعروف إلى الناس بشتى صوره،  يقول صلى الله عليه وسلم :" أحب الناس إلى الله أنفعهم ، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم أو تكشف عنه كربة أو تقضي عنه ديناً أو تطرد عنه جوعاً ، ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إلي من أن اعتكف في المسجد شهراً ، ومن كف غضبه ستر الله عورته ، ومن كظم غيضاً ولوشاء أن يمضيه أمضاه ملاء الله قلبه رضاً يوم القيامة ، ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجته  حتى يثبتها له  أثبت الله تعالى قدمه يوم تزل الأقدام ، وإن سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل " رواه الطبراني وأبو الدنيا وصححه الألباني صحيح الجامع
وهو في سبيل حب الخير للغير في سعي حثيث لتبليغ رسالة الإسلام للغير ليجدوا السعادة التي يجدها ويحسوا بالراحة التي يشعر بها ولينقذهم من الكفر الذي يقودهم إلى النار ، فهذا أحد الصحابة رضي الله عنه يقول لرستم ملك الروم عندما سأله عن سبب مقدمهم إلى بلاده قال: جئنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، يقول الله تعالى :" وقاتلوهم حتى لاتكون فتنة ويكون الدين كله لله" الأنفال 39
والعطاء ليس مقتصراً على المسلم فقط فالدنيا للمسلم وسيلة لتحقيق هدف وليست هدفاً في حد ذاتها، يقول أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسأل شيئا على الإسلام إلا أعطاه قال فأتاه رجل فسأله فأمر له بشياء كثيرة بين جبلين من شياء الصدقة قال فرجع إلى قومه فقال يا قوم أسلموا فإن محمدا يعطي عطاء لا يخشى الفاقة. صحيح ابن خزيمة
ويقول صلى الله عليه وسلم :" المؤمن القوي خير وأحب إلي الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان"  صحيح مسلم

الركن الرابع : الإيمان برسل الله، فهم القدوة التي يحتذى بها والمثل الذي يقتدى به فلا يمكن معرفة الله والوصول للسعادة الحقيقية إلا عن طريقهم يقول ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد الجزء 5صفحه7 : فأما طب القلوب فمسلم إلى الرسل صلوات الله وسلامه عليهم ولا سبيل إلى حصوله إلا من جهتهم وعلى أيديهم ، فإن صلاح القلوب أن تكون عارفة بربها وفاطرها وبأسمائه وصفاته وأفعاله وأحكامه ، وأن تكون مؤثرة لمرضاته ومحابه متجنبة لمناهيه ومساخطه ولا صحة لها ولا حياة البتة إلا بذلك، ولا سبيل إلى تلقيه إلا من جهة الرسل وما يُظن من حصول صحة القلب بدون إتباعهم فغلط ممن يظن ذلك، وإنما ذلك حياة نفس البهيمة الشهوانية، وصحتها وقوتها ، وحياة قلبه وصحته وقوته عن ذلك بمعزل، ومن لم يميز بين هذا وهذا فليبك على حياة قلبه فإنه من الأموات وعلى نوره فإنه منغمس في بحار الظلمات أهـ

الركن الخامس: الإيمان باليوم الآخر فمتى آمن الإنسان باليوم الآخر والبعث والجزاء والحساب إطمأنت نفسه وسكنت روحه ليقينه بأن ما أخذ منه في هذه الدنيا سيرد عليه في الآخرة وأن من ظلمه أوإعتدى عليه سيقتص له منه ولكن ليس بأمور مادية ولكن بالحسنات والسيئات حيث الحياة الحقيقية يقول صلى الله عليه وسلم لأصحابه “ أتدرون من المفلس ؟! قالوا : المفلس فينا من لادرهم له ولامتاع، فقال صلى الله عليه وسلم: " المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة، وزكاة، وصيام، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ماعليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار "
ولتعلم عدل الله سبحانه وتعالى فليس القضاء للبشر فقط بل على جميع المخلوقات،يقول صلى الله عليه وسلم :"لتؤدن الحقوق إلى أهلها حتى يقتص للشاة الجماء من الشاة القرناء نطحتها" رواه ابن حبان
ومتى آمن باليوم الآخر عرف أن ما فاته في هذه الدنيا من صحة أو مال وسعة رزق سيحصل على مالا يخطر على باله من النعيم إن دخل الجنة، يقول الله تعالى عن نعيمهم فيها:" فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ " السجدة17
ويقول صلى الله عليه وسلم : قال الله تعالى:" أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر فاقرؤوا إن شئتم " فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين " رواه البخاري
وليهون على المسلم مصائبه وما قد يلاقيه في هذه الدنيا من أكدار ومنغصات بين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن هذا كله سينسى بدخول الجنة ، يقول صلى الله عليه وسلم :" يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة فيصبغ في النار صبغة ثم يقال يا بن آدم هل رأيت خيرا قط هل مر بك نعيم قط فيقول لا والله يا رب ويؤتى بأشد الناس بؤسا في الدنيا من أهل الجنة فيصبغ صبغة في الجنة فيقال له يا بن آدم هل رأيت بؤسا قط هل مر بك شدة قط فيقول لا والله يا رب ما مر بي بؤس قط ولا رأيت شدة قط" رواه مسلم
فمتى عرف المسلم هذا هانت عليه الدنيا وكان أبعد ما يكون من التعرض لغيره بالأذى أو أكل حقوقهم بل قد يترك ما اشتبه عليه مخافة الوقع في المحذور، ويكون هذا الإيمان دافعاً لأن يكون في سعي مستمر للنجاة في ذلك اليوم والحرص على عدم ظلم غيره.
الركن السادس : الإيمان بالقضاء والقدر خيره وشره وهو العلم أن ما أصاب لم يكن ليخطئي وما أخطأ لم يكن ليصيب، فمن آمن بالله لزمه أن يؤمن بقضائه وقدره ويرضى بما قسمه له، يقول الله تعالى :" ما أصاب من مصيبة في الأرض ولافي أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها  إن ذلك على الله يسير لكي لاتأسوا على مافاتكم ولاتفرحوا بما آتاكم والله لايحب كل مختال فخور "  الحديد 22-23
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :" احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده أمامك تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة وإذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله قد مضى القلم بما هو كائن فلو جهد الناس أن ينفعوك بما لم يقضه الله لك لم يقدروا عليه ولو جهد الناس أن يضروك بما لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه فإن استطعت أن تعمل بالصبر مع اليقين فافعل فإن لم تستطع فاصبر فإن في الصبر على ما تكرهه خيرا كثيرا واعلم أن مع الصبر النصر واعلم أن مع الكرب الفرج واعلم أن مع العسر اليسر " المستدرك على الصحيحين
فالإيمان بالقضاء والقدر يورث بعد تعاطي الأسباب الرضاء الموصل للراحة النفسية والإطمأنان القلبي الموصل إلى السرور وعدم الحزن، يقول صلى الله عليه وسلم :" المؤمن القوي خير وأحب إلي الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان" رواه مسلم
 أي لا تتحسر على ما فات وانظر إلى الأمام واترك النظر للخلف  فلو تأملت كثيراً من الأمراض المنتشرة بين الناس في عصرنا الحاضر لوجدت أن الغالب منها نتيجة الهم والحزن الناتج عن فقد موجود أوعدم حصول مطلوب فبالإيمان الصادق بالقضاء والقدر تتغلب على جميع أحزانك وهمومك وغمومك بإذن الله وذلك بجعلك كما قلنا تتطلع إلى المستقبل والعمل من أجله وترك الماضي ونسيانه والتحسر عليه  .
فإذا تطلعنا إلى واقع الإنسان وجدنا أن قلقه وخوفه من أمور عالجها الإسلام فهو إما :-
1. الخوف على الرزق وهو ما يقوم عليه حياة الإنسان وبدونه يموت من المأكل أو المشرب ،يقول الله تعالى :" وفي السماء رزقكم وما توعدون "
وصدق الله العظيم ففي السماء رزق الناس وذلك بما يسقط من الأمطار التي بنزولها يعيش الناس فتنبت الزرع ويشرب الناس ، وفي السماء مايوعدون من الحياة الأبدية في جنة أو نار ، فالله سبحانه وتعالى تكفل بالرزق لجميع المخلوقات بما فيها الإنسان ، يقول الله تعالى :" وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين "
ومهما يبلغ بالمخلوق الضعف فرزقه المقسوم له مساق له ويقول الله تعالى :" وَكَأَيِّن مِن دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ "العنكبوت60
ولكنه تكفل لمن سعى في طلبه وعمل على تحصيله يقول الله تعالى مخاطباً مريم عليها السلام وهي في أشد الحاجة وأضعف حالة وهي حالة المخاض والولادة ، :" فهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطباً جنياً "
فلم يبعث ربنا تبارك وتعالى لها رزقها ويطلب منها أن تأخذه بل طلب منها فعل السبب الذي يحقق لها رزقها بأن تهز النخلة التي بجانبها لتسقط عليه رطباً جنياً .
بل حتى الطيور والحيوانات العجماوات وغيرها من المخلوقات لم تمكث في أو كارها بل هيأ الله لها أسباب طلب الرزق فهي في سعي دائم للكسب والعيش ، يقول صلى الله عليه وسلم :"لو أنكم توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا " رواه ابن ماجه
فرسول الله صلى الله عليه وسلم بين أنها تغدوا أي تذهب في طلب الرزق وهي جائعة وتروح بطاناً تعود لأوكارها وأعشاشها وقد ملئت بطونها وحصلت على رزقها .
فالقضية ليست قضية تواكل كما قد يتبادر لمن يعرف حقيقة هذا الإيمان بل سعي وطلب حثيث وعمل بالأسباب والإسلام لم يدعو للقعود عن العمل اتكالاً على الله بل طلب العمل ثم الاتكال على الله، يقول صلى الله عليه وسلم :" لأن يأخذ أحدكم حبله فيأتي بحزمة الحطب على ظهره فيبيعها فيكف الله بها وجهه خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه  " رواه البخاري
 فلا بد في جميع الأمورك من عمل السبب ثم الاتكال على الله إذ لوكان الأمر توكل بغير فعل الأسباب لما قال الرسول صلى الله عليه وسلم للرجل الذي سأله: أرسل ناقتي وأتوكل ؟. قال:" اعقلها وتوكل" صحيح ابن حبان
فأنت اسعى وأطلب وتحصل على ماقدر الله لك ومما يدلل على ذلك أن الرزق ليس بالقوة أو العلم والشطارة أنك تجد كثيراً ممن معهم الشهادات العالية والإمكانيات يعملون لدى أناس دونهم في التحصيل العلمي والمهارات .
فأرزاق المخلوقات بيد الله تعالى وليست بيد غيره فلا تخف وكن مطمأناً على رزقك ، يقول الله تعالى :"قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنفَاقِ وَكَانَ الإنسَانُ قَتُوراً "الإسراء100
2. الخوف من المكدرات كالأمراض والمصائب...ألخ  كل إنسان يخاف الأمراض ويخشى المصائب  فمهما بلغ بالإنسان الهم والحزن والأسى فلن يغير من الأمر شيئاً بل قد يزيد الأمر سواءً والمرض إستفحالاً ، يقول الله تعالى :"وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ " يونس107
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :" عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له" رواه مسلم
ولقد كانت توجيهاته صلى الله عليه وسلم للمسلمين على تقبل المصائب ومعالجتها واضحاً ، فيقول صلى الله عليه وسلم لابنته التي أرسلت إليه تدعوه وتخبره أن صبيا لها أو ابنا لها في الموت فقال للرسول:" ارجع إليها فأخبرها أن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى فمرها فلتصبر ولتحتسب " فعاد الرسول فقال: إنها قد أقسمت لتأتينها قال: فقام النبي صلى الله عليه وسلم وقام معه سعد بن عبادة ومعاذ بن جبل وانطلقت معهم فرفع إليه الصبي ونفسه تقعقع كأنها في شنة ففاضت عيناه فقال: له سعد ما هذا يا رسول الله قال:" هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده وإنما يرحم الله من عباده الرحماء" صحيح مسلم
والصبر مطلوب بعد تعاطي الأسباب فمن مرض فليبحث عن مصادر العلاج ، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :" تداووا فإن الله لم ينزل داء إلا وقد انزل له شفاء إلا السام والهرم" رواه ابن حبان
فكل داء في هذا العالم له دواء كما بين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله:" إن الله لم ينزل داء إلا نزل معه دواء جهله من جهله وعلمه من علمه " رواه ابن حبان
3. الخوف من الموت، هو حقيقة وأمر واقع كما أننا متيقنون أن بعد الليل نهار وبعد النهار ليل ، يقول الله تعالى :" كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والأكرام "
فلا مهرب منه ولاملاذ لأنك تهرب منه إليه، يقول الله تعالى:" قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم "
وما ينبغي عليك التفكير فيه ما بعد الموت وليس الموت نفسه لأن التفكير في ذات الموت بحث فيما لاطائل ولانتيجة مرجوة من ورائه وعائق من عوائق العمل والتحصيل وجالب للهم والغم طارد للسعادة، فهو أجل محتوم ووقت معلوم ، يقول الله تعالى :" فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولايستقدمون "
إن من يخاف من الموت ضعيف الإيمان أو معدومه بالكلية فإن من مقتضيات الإيمان بالموت لدى المسلم الإيمان بالبعث والنشور والحساب والسعادة أو الشقاء فمن آمن بهذا اطمأن واستعد بعمل الصالحات فصلح وأصلح مجتمعه وعمل الخير لنفسه ولغيره، فلم يتحسر على مافاته أو حصل له من ظلم أو هظم لحقوقه فالمصيرإلى زوال يعقبه حساب.
بعد هذا العرض لو سألتني هل أنت مقتنع بالإسلام ؟ لقلت لك بكل صراحة  ومباشره ودون تردد نعم  هل تعرف لماذا ؟ لأني أجد فيه الإجابة لجميع التساؤلات التي تخطر على بالي ولا أجد فيه ما يصادم العقل والمنطق السليم كما أجد فيه الاستقرار النفسي والاطمئنان الروحي المتمثل في الإيمان بالله وفعل أوامره واجتناب نواهيه ، والترابط الاجتماعي وحفظ حقوقي وحقوق غيري والدعوة لمكارم الأخلاق ومحاسنها ونبذ سيء الأخلاق وسفاسفها التي حفظها لي الإسلام فهو بهذا حفظني وحفظ غيري وهذا كله يحقق لي السعادة التي ينشدها كل إنسان في هذا العالم  ويسعى لتحصيلها ويبذل كل ما في وسعه لتحقيقها إسأل نفسك هل حقق لك معتقدك الذي تعتقده ما سبق ؟ إن لم يحقق لك كل هذا فهو معتقد باطل وإن حقق لك جزء من هذا فهو معتقد ناقص وما دام ناقص فالبحث عن البديل الكامل مطلوب فكل منا يبحث عن الأفضل.
هل تدري ماهو الدين الكامل ؟ إنه دين الإسلام وهاهو ماد ذراعيه لك يقول هلم إلي تجد جميع ما تصبوا إليه، قد تقول إنسان متعصب يدعو لدينه ومن حقك أن تقول هذا ! ولكن لو قلت لك لست أنا وحدي من يقول هذا بل قاله غيري من المفكرين المنصفين من غير المسلمين الذين ينظرون للأمور نظرة واقعية ويحكمون على الأشياء بتجرد مثل جاك . س . ريسلر ( J. S. Restler )  حيث يقول في مقدمة كتابه الحضارة العربية : ...إن اسم الإسلام يمكن أن يؤخذ على ثلاث معان مختلفة : المعنى الأول دين ، المعنى الثاني دولة ، والمعنى الثالث ثقافة ، وبالاختصار حضارة فريدة .
بل  شهد له من يناصبه العداء بأنه الدين الحق الكامل وقد قيل في المثل :والحق ما شهدت به الأعداء، يقول Margoliouth  والذي عرف بتحامله على الإسلام وعدائه له ولكن عظمة القرآن لم تمنعه من قول الحقيقة فقال :  إن مما اتفقت عليه كلمة الباحثين أن القرآن يحتل مكانة ممتازة في الصحف الدينية العظيمة ، بالرغم من أنه أحدث سناً في هذه الصحف - يعني آخرها نزولاً - التي صنعت التاريخ ، ولكنه يسبق الجميع في التأثير المثير للحيرة على الإنسان ، إنه أوجد فكراً إنسانياً جديداً ، وأرسى قواعد مدرسة أخلاقية متميزةأهـ
إذا لماذا تعاديه أو لنكن صرحاء لماذا لا تعتنقه ؟ ألانه يدعو لتوحيد الله ؟ أم لأنة يدعو لتعبيد الناس لله وليس للبشر؟ أم لأنه يدعو إلى مكارم الأخلاق ؟ أم لأنه يدعو إلى العدل ونبذ الظلم ؟  أم لأنه يضع الناس جميعاً سواسية أمام الله ؟ أم لأنه يضمن حقوق جميع البشر بغض النظر عن معتقداتهم وأجناسهم وألوانهم ...ألخ ؟
كلام قد يكون له الأثر في تحويل معتقدك فخلال ألأربعة عشر قرناً من الزمان الماضية منذ ظهور الإسلام إلى يومنا هذا وهو في ازدياد وكل من قرأه بتمعن وبعيداً عن الأهواء الشخصية والتعصبات الدينية أقتنع به وإن لم يدخله على أقل تقدير لم يناصبه العداء مع كثرة الضغوط على أتباعه سواءً من الناحية الاقتصادية أو السياسية أو العسكرية – أنظر في واقعنا الآن - ومع ذلك فهم متمسكون به وبتعاليمه تريد ضرب مثل بسيط خذ على سبيل المثال الإتحاد السوفييتي السابق عمل ما عمل من الاضطهاد للمسلمين على مدار سبعين سنة دمر مساجدهم وغير أسمائهم ومنعهم من ممارسة شعائرهم الدينية وبعد سقوطه ظهرت دول من دول الإتحاد السوفييتي مسلمة وليس أفراد مما  يدلل على أن جذوة الإسلام وإن خبت في الظاهر فإنها متقدة في الداخل ،  فماذا يدل هذا عليه؟  ألا يدل على قناعات بأنه الدين الصحيح الذي وجدوا فيه سعادتهم وتعلقت به قلوبهم .
إن الإنسان المنصف الباحث عن الحق والحقيقة عندما يقرأ عن الإسلام لن يجد في تعاليمه إلا كل ما يدعو إلى الفضيلة ومكارم الإخلاق والنهي عن ضدهما إن كثراً من غير المسلمين الذين لم يجدوا فيما يعتنقون من ديانات ما يشفي غليلهم ويجلب السعادة لهم جربوا كل شيء إلا الإسلام ولست أدري لماذا لا يجرب فلعلهم يجدوا فيه بغيتهم ومطلبهم وما يحقق لهم السعادة، وبما أن القضية مصيرية فينبغي لها اتخاذ قرار جرئ مبني على التجرد التام من جميع المؤثرات على اتخاذ القرار فالموضوع لايحتمل الخطأ فهو إما أن يقودك إلى النعيم والسعادة الأبدية أو نعوذ بالله إلى الشقاء والعذاب الأبدي ، اسأل نفسك لماذا الإسلام وحده يعادى لماذا يحارب هو بالذات عن سائر الأديان وقديماً قيل الإنسان عدو ما يجهل فلا تكن جاهلاً بل تعلم وعلم لكي لايبقى بيننا جهال ، إنها البداية طوع نفسك على قبول الحق والاستماع للطرف الآخر وليكن استماعك له لتعرف الحق ، أكثر من دعاء الله أن يهديك الطريق الصحيح الموصل للدين الحق الذي يحقق لك السعادة الحقيقية فمتى علم الله منك الصدق لمعرفة الحق فلن يخذلك لأنه القائل :" وقال ربكم ادعوني أستجب إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين " غافر60
لماذا كثير من العلماء والأدباء والمفكرين الغربيين من غير المسلمين لما قرأ عن الإسلام بتجرد دخلوا الإسلام واعتنقوه؟ أقول لك لماذا لأنهم عرفوا عظمة الإسلام بعد ما درسوه بأنفسهم ولم يبنوا حكمهم عليه من خلال أحكام مسبقة قررها غيرهم، ووجدوا فيه ضالتهم وما حقق لهم السعادة الروحية أمثال : ليوبولد فايس ، إيتان دينية، اللورد هبدلي ، رينيه جينو، الدكتور جرينييه وغيرهم كثير.
 ومن هؤلاء المفكرين من قرأ عن الإسلام ولكنه بقي على دينه ولم تمنعه موضوعيته من قول الحق والإقرار بجمال الإسلام وكماله أمثال الدكتورة لورافيشيا فاغليري والدكتور زغرد هونكه والأديب جوته الألماني وتوماس كارليل وبودلي وتولوستوي ولامرتين شاعر فرنسا وبرنارد شو الذي قال : إن محمد يجب أن يدعى منقذ الإنسانية إنني أعتقد أنه لو تولى رجل مثله زعامة العالم الحديث لنجح في حل مشاكله بطريقة تجلب إلى العالم السلام والسعادة . وغيرهم كثير.
ولكنها مشيئة الله وقدرته قال الله تعالى :" إنك لاتهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء "
وليست هذه الآية عذراً لأن يقال بسبق القدر على الإنسان بل لابد أن يسعى ويعمل ، يقول على بن أبي طالب رضي الله عنه: كنا في جنازة في بقيع الغرقد فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقعد وقعدنا حوله ومعه مخصرة فنكس فجعل ينكت بمخصرته ثم قال:" ما منكم من أحد ما من نفس منفوسة إلا وقد كتب الله مكانها من الجنة والنار وإلا وقد كتبت شقية أو سعيدة "قال: فقال رجل يا رسول الله: أفلا نمكث على كتابنا وندع العمل؟ فقال:" من كان من أهل السعادة فسيصير إلى عمل أهل السعادة ومن كان من أهل الشقاوة فسيصير إلى عمل أهل الشقاوة فقال: اعملوا فكل ميسر أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة ثم قرأ :" فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى" رواه مسلم
بل إن كثيراً من المستشرقين الذين درسوا الإٍسلام بهدف محاربته والقضاء عليه لم يتمالكوا أنفسهم أمام جماله ونقاءه وعقليته ومنطقيته وفطرته إلا أن يعتنقوه ، وتقول ديبورا بوتر ( D . Potter  )   : … الإسلام الذي هو قانون الله ، نجده واضحاً في الطبيعة من حولنا ، فبأمر الله وحده تسير الجبال والبحار والكواكب والنجوم وتهتدي في مساراتها ، فهي خاضعة لأمر الله خالقها كما تخضع الشخصيات في رواة من الروايات ولله المثل الأعلى ، فهي لاتنطق ولاتفعل إلامايقرره الكاتب ، وهكذا فكل ذرة في هذا الكون – حتى الجماد منه – هو أيضاً مسلم ، ولكن الإنسان مستثنى من هذه القاعدة فقد منحه الله حرية الاختيار فله أن يستسلم لأمر الله ، أو أن يضع قانونه لنفسه ويسير على دينه الذي يرتضيه ، وقد اختار مع الأسف الطريق الثاني في معظم الأحوال …. إن الناس في أوربا وأمريكا يقبلون على اعتناق الإسلام بأعداد كبيرة لأنهم متعطشون للراحة النفسية والإطمئنان الروحي بل إن عدداً من المستشرقين والمبشرين من النصارى الذين بدأوا حملتهم مصممين على القضاء على الإسلام وإظهار عيوبه المزعومة ، أصبحوا هم أنفسهم مسلمين ، وما ذلك إلا لأن الحق حجته دامغة لا سبيل إلى إنكارها .أهـ
فلنتفق أن جميع الأديان غير الإسلام والنصرانية قبل تحريفها واليهودية قبل تحريفها وهي الديانات السماوية الثلاثة فيها كثير مما يمجه العقل وتأباه الفطر السليمة ويرده الإنسان العادي فما بالك بالمثقف والعالم ، إن التوراة ورسولها موسى عليه السلام هي أقدم الأديان ثم جاءت بعدها النصرانية ورسولها عيسى عليه السلام فعيسى صلى الله عليه وسلم مكمل لدين موسى صلى الله عليه وسلم ومحمد صلى الله عليه وسلم مكمل لدين عيسى صلى الله عليه وسلم  وبمحمد صلى الله عليه وسلم  ختم الأنبياء والرسل عليهم صلواة الله وسلامه ، فبهذا يكون الإسلام ثمرة الأديان كلها وتمامها التي يجب على كل إنسان أن يجنيها ويأخذها.
شبهة عن الإسلام :
لاتقل لي لوكان الإسلام جيداً لتمسك به المسلمين أنفسهم قد تقول هذا الكلام نتيجة تجربة شخصيه سيئة مع إثنين أو ثلاثة أو ألف ولكن هل خضت التجربة نفسها التي أعطتك هذا الانطباع مع بقية المليار ؟ حكمت على الإسلام من خلال حكمك على فئة قليلة، الإسلام نظام وكل نظام فيه من يطبقه لمعرفته بالنتائج الحسنة له وفيه من يخالفه ولكنه سيلقى نتيجة مخالفته، أشارة المرور في المدينة مثلاً نظام وضعت لتنظيم السير والمحافظة على الأرواح فلو تجاوزها شخص أو إثنين أو ثلاثه فهل نحكم على أهل المدينة كلهم أنهم مخالفون للنظام وأن هذا النظام غير صالح ؟ كما أنه قد يسلم في المرة الأولى والثانية والثالثه ولكن سيأتي يوم يقع نتيجة مخالفتة للنظام بحصول حادث يفقد بسببه حياته أو على أقل تقدير يصاب ببعض الإصابات التي هو في غنى عنها لو إتبع النظام، فالإسلام كذلك هناك المسلم الملتزم بتعاليم الإسلام وهناك المسلم المقصر الذي إن سلم من العقاب الدنيوي لم يسلم من العقاب الأخروي ، وهذا ينطبق على كل ديانة وليس الإسلام وحده فالديانة اليهودية مثلاً هل جميع اليهود ملتزمين بتعاليم دينهم أم هناك المقصر؟ الديانة النصرانية هل جميع النصارى ملتزمين بتعاليم دينهم أم أن هناك المقصر؟ فلكل قاعدة شواذ كما قيل.
أعرف أن القرار صعب ولكنه يحتاج إلى شجاعة فاسأل الله العظيم أن يأخذ بيدك وأن يهدي قلبك وأن يدلك على طريق الحق ويفتح قلبك له مع صادق تمنياتي لك بالسعادة الحقيقية.



التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:




شارك فى نشر الخير