آخر الأخبار
موضوعات

السبت، 17 سبتمبر 2016

- كيف يصل العبد إلى مقام الخلة

عدد المشاهدات:
إذاسخّر العبد  كل مافيه وما له وما حوله لله ، وكان هو كله ظاهرا ً وباطنا ً لله ، لاظهار دين الله وأخلاق حبيب الله ومصطفاه وإظهار أسماء الله الحسنى ، التى يتجلى بها الله على الصالحين من عباد الله ، فيكون معرضا ًيظهر الجمالات الالهية ، والجمالات القرآنية والجمالات المحمدية .. تشهد فيه الجمالات الالهية : العفو ِمن العفوّ ، والبسط من الباسط ، والكرم من الكريم ، والرحمة من الرحيم ، واللطف من اللطيف
.. تأتنس بأسماء الله وصفاته ، وتشهد فيه الجمالات المحمدية والجمالات العبدية من تجمُله بالتواضع ، ولين الجانب ، والرأفة والرحمة والشفقة والعطف والحرص على عباد الله والمسكنة بين يدى مولاه والدّعَة فى حضرة الله ، والشعور الدائم بالافتقار إلى مولاه فتكسوه حلّة العبيد أمام الحميد المجيد عزّ وجلّ .. ويظهر القرآن ببيان معانيه الخافية ، وإظهار حقائقه الباقية ، وعلومه الراقية لاهلها حسب مواعين قلوبهم ، وحسب نيّاتهم وقصودهم .. فضلا ً من الله ومنّة ًوالله عليمٌ حكيم .
إذا تلبّس بهذا الحال ، وكسّر اصنامه الحسيّة والمعنويّة .. فقد كان سيدى أبو العبّاس المرسى رضى الله عنه يقول : { الفتى من كسّرالاصنام .. لانهم قالوا كما قال الله :{ قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ}  ( الانبياء 60) ، فسُمّى إبراهيم فتىً لانه كسّر الاصنام الحسيّة } ، وأنت أيضا ً تبلغ مقام الفتوّة إذا كسّرت الاصنام المعنويّة
{ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى } (الكهف 13) .. فما هى الاصنام المعنويّة ؟
الاصنام المعنويّة هى :
صنم الحظّ ، وصنم الشهوة ، وصنم الهوى ، وصنم الكبرياء ، وصنم الاعجاب بالنفس ، وصنم الزهوّ والغرور .. كل هذه الاصنام المعنويّة تحتاج إلى أن تكسّرها بفأس الشريعة الالهيّة والمداومة على ذكر ربّ البريّة عزّ وجلّ .
فإذا كسّرت أصنامه الحسيّة والمعنويّة .. وهل نحن لنا أصناما ً حسيّة ؟ .. نعم .. إذا إنشغل إنسان بظاهرٍ عن حضرة الظاهر ، إذاً فهو صنمٌ حسىّ ، أمره الله عزّ وجلّ أن يتخلصّ منه ، وفى ذلك يقول الحبيب صلوات الله وسلامه عليه : ( تعِسَ عبد الزوجة ـ جعله عبدا ً لها ـ تعِسَ عبد الخميصة ـ عبد البطن ـ تعِسَ عبد الدرهم ـ جعله عبدا ً له ـ تعِسَ وانتكس ، وإذا شيك فلا إنتقش ).
فكل من أقبل بالكلية على هذه الاصنام الحسيّة ، يقول له المولى عزّ وجلّ .. على سبيل المثال فى الايات القرآنيّة:
 { أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ } (الانفال 28)  ، إكسر هذا الصنم ، لا تقف عند هذه الفتنة .. فمتى تكون فتنة ؟ .. إذا إشتغلت عن حضرة الله ، لكن إذا أعانوك على طاعة الله ، فيكون خلاص أنتم مع بعض هنا وهناك ..
فالرجل من لا يشغله عن الله شاغل ، ولا يصرفه عنه عزّ وجلّ صارف ، ولا يتوَجَه أينما كان وحيثما نزل أو حلّ أو أقام ، إلا ّ إلى وجه الملك العلام عزّ وجلّ ، فيكون حاله ونومه وأكله وشربه ومشيْه وحلّه وترحاله  { فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ } (البقرة115) ؟
فإذا كسّر هذه الاصنام الحسيّة والقلبيّة والنفسيّة ، وتحلىّ  بما قلناه تملىّ وشاهد فى مقام خليل الله ، ماذكره كتاب الله { نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالارْضِ هو وحده ؟ . لا .. إنه طابور طويل وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ }   (الانعام75) ، وبذلكيكون قد دخل فى عباده المؤمنين .
فما دام دخل فى مقام الايقان خَلعَ عليه خِلعَ ِالرضوان ، وخرج من عالم النكّد والقهر والحرمان .. وأصبحت عناية الله ونظراته وعيونه تلحظه فى كل زمان ومكان .. وبرز له فى خزانة القدرة الالهية وسام عظيم مكتوب عليه بأحرفٍ من نور ماذكره الله فى القرآن { الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الامْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ } (الانعام 82) .. فسيرى الملكوت ، وما معنى الملكوت يا إخوانى ؟ .. هو باطن الاشياء ، فالدنيا هى الملك ، وباطنها الاخرة وهى الملكوت ، وكل ظاهر له باطن ، وكل حيّز فى عالم الملك له باطن فيه نور من الملكوت ، أنت مَلِكُ الجسم الظاهر وفيك ملكوت ، وهى الحقائق الباطنة :
من الروح والقلب ، والِسّر ، والنفخة والخفىّ والاخفىَ والعقل .. كل هذه حقائق باطنة ، وهى الملكوت الذى فيك ، وهى التى تسيّر هذا الملك الذى تراه بعين رأسك ، ولا تلتفت إليه بعين سرّك أو قلبك ، فإخواننا أهل البدايات عندما يسمعوا هذه الاية يقولون : ياسلام سيدنا إبراهيم شاهد الملكوت ، ورأى الملائكة صاعدة وملائكة نازلة ، ويرى الجنّة ويرى النار .. نعم هذا الكلام صحيح .. لكن الذى تحتاج إليه أنت ومطالب به شرعا ً ، الذى يقول فيه الامام أبو العزائم رضى الله عنه : { تبصرك ما فيك يكفيك } .
الملكوت الذى أنت تحتاج إليه هو ملكوتك أنت .. هل ينفع يا إخوانى أن يكون ملكٌ على دولة ولا يعرف حدود مملكته ، ولا البلاد التى بها ولا ما فيها ، أو مايشغل أهلها ، أو من يحكمها .. أليس الواجب عليه أن يعرف كل صغيرة وكبيرة عن مملكته ؟
فأنت ما الذى تعرفه عن مملكتك ؟ .. حتى الظاهر لا تعرف عنه شيئاً .. تعجز وتذهب إلى الطبيب فيعجز ، وقد يخطئ وقد يصيب ، لانه لا يعرف ما بداخلك فى الظاهر ، يعنى حتى الظاهر أنت لا تعرفه ، حتى ولو إستخدمت كل أنواع الاشعة وأصنافها ولا غيره ، ولو مسح ذرّى ولا غيره ولا غيره .
أيضا ًلا تستطيع أن تظهر كلَ شئ ٍ فيك كل شيئ ٍ فى الانسان .. أبدا ً.. من الذى يقدر أن يصوّر هذه الكلمات التى تخرج من الانسان ، أين جهاز الاشعّة الذى يستطيع أن يصّورالحروف والكلمات التى تخرج من الانسان .. أين يا إخوانى ؟ .. يستطيع تسجيلها ، ولكن لا يستطيع أن يصوّرها .. من أين خرجت هى ؟ .. منى انا .. من صدرى .. لكن أين الحهاز الذى يقدر أن يصوّرها : الذى بداخلى ، والذى يخطر على بالى .. لايقدر أن يراها ويقرأها إلا ّ الجهاز الذى ركّبه رب العالمين فى صدر العارفين ، لانه ينظر بنور الله .. لكن بنور الكهرباء ، أو نور ذرّة ولا غيره ولا غيره .. لا يوجد .
لا يستطيع أن يصوّر هذه الاشياء التى فى النفوس ... من الذى يصوّر ما فى النفوس ويعرفها ويطلّع عليها؟ هل يوجد جهازفى عالم الاكوان يكشف عما يدور بالبال ؟ .. أين هذا الجهاز؟ .. إلا ّ فى صدور العارفين لكى تعرفوا أن التكنولوجيا التى عند الصالحين لم ولن توجد فى عالم الاكوان ، ولكن لا أحدٌ يقدر أن يحسّها ولا يلمسها ، إلا ّ إذا إتصلت روحه بباطن القرآن ، فأنت مطالب من قِبَل الله ، أن ترى مافيك من ملكوت الله ،{  سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الافَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ } (53 فصلت) ، فلما يرى الانسان الملكوت الذى هو فيه يكون قد تمكن أن يسيطر على هذه المملكة ويصرّفها كما يريد .
انت هنا .. هى التى تعرفك لانك لا تعرف فيها شيئاً ، ولذلك عندما تسمع عن أحوال الصالحين وخرق العادات .. فمن أين أتى بهذا ؟ .. حاء بها لانه تمكن من معرفة نفسه وأحاط بمملكته ، وأصبحت طوع إرادته ورهن إشارته ، وطواها فى قبضته ـ وليست قبضة يده ـ فى قبضته يعنى فى حقيقته ، فصار يصيّرها بأمر الله لما يوفقه له مولاه .. فيقول لها تعالى نذهب هذا اليوم إلى الكعبة .. فتمتد رجله إلى الكعبة .. تعالى نزور الجنّة لنرى هؤلاء الجماعة فى الجنّة  فننظر اليهم ونرجع فى ربع ساعة ، فيذهب إلى الجنّة ويرجع ، وكل من حوله لا يرون شيئا ً ، لا ذهب بالطائرة ولم يستخرج تأشيرة ، ولا ركب ركوبة ، ولا غيره لانه سيطرعلى هذا الهيكل (هيكله) فيسيّره كما يريد ، إن شاء تراه العيون ، وإن شاء فيخفى فيمرّون ولا يطلعون ولا يستطيعون أن ينظروا .. لا يرونه ، يعنى ممكن أن يمرّوا عليه ولا يرونه ، إن شاء يراه الانسان فى هيئة بشريّة ، وإن شاء يظهر لبعض أصحابه فى روحانية أو فى هيئة ٍ ملكوتية ، بشرط أن تتحمّل ذلك مواعين قلوبهم ، وإلا ّ فيموتوا ..
سيدى أحمد البدوى رضى الله عنه ، لمّا طلب منه سيدى عبد الرحمن أن يكشف له وجهه ، فقال له : لا تستطيع .. النظرة برجُل .. قال له : ولوَ.. فكشف اللثام عن وحهه فنظر إليه فمات فى الحال ، لانه لا يستطيع أن يرى هذه الحقيقة التى رآها .. وأحوالهم هذه لا نستطيع بيانها لانها فوق العقول ، ولا تستطيع أن تثبتها النقول ، حتى لا يطلع عليها المغرورون والمُبعَدُون فيُعِرضُوا على أحوال الصالحين :
                        وأحوالهم فوق الجبال إذا بدت             تُدّك لها من رهبةٍ بل ورغبةٍ    
أحوالهم عالية فى هذه اللحظات .. فالذى يدخل فى مقام الخليل عليه السلام ، يعنى يُجمّل بمقام الخُلّة ويرى حقيقة نفسه ويعلم أرجاء مملكته ، ويطّلع على خفايا ما أودع فيه الله من الاسرار الخفيّة الالهيّة ، وبديع الصنعة الربانيّة .. بعد أن يطّلع على هذه العطايا والهبات يكون آمنا ً.. آمنا ً من الرجوع إلى الدنيا وزينتها وزخرفها وبهجتها ، فلا يغُرّه فيها شيءٌ أبدا ً .
آمنا ً من الصدّ والحرمان .. آمنا ً من الاعراض والهجران .. آمنا ً من الكسل عن طاعة الله وعبادته وتبليغ شريعته  .. آمنا ً من قضاء الوقت فى الخسران .. آمنا ً من البعد والحرمان ، لانه دخل فى حَيْطةِ الواحد الاحد الفرد الصمد وأصبح فى عنايته ، تحيط به أفياء رحمته ، وتلاحظه توجهات حضرته ، ويلحظه بأعين رأفته وشفقته ويدخل فى قول الله :
{ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي } (طه :39)
وطبعا ً ناهيك أن القول ليس لقاصد البيت ، وإنما لمن يقصد فى أى زمان أو أرض أو مكان ربّ البيت عزّ وجلّ ، فهذا لمن حجّ البيت { وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ } (البقرة 196) ، ولا ّ لبيت الله ؟ .. لله .. إذن ليس فى هناك فقط .. بل فى اى مكان وزمان يقصد الانسان مولاه ، فلا بد أن يحرم .. عن ماذا ؟ .. عن المظاهر والزخارف والمطارف والاهواء والشهوات ، وإن كان يلبس أفخر الملابس الدنيويّة ، إن كان يلبس صوف هيلد أو غيره .. ولكن هذه الاشياء ليس فيها عينه ولا يمد نظره إليها :
{ وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ .. فماذا يعمل ؟  وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى } (طه 131) .. فإذا أحرم عن حظه وهواه ، وصارحظه ما يحبه الله ، وهواه هوى مولاه ، فعليه فى هذه الحالة أن يوجّه الوجه إلى حضرة الله ويوجه إليه القلب واللسان ... إذن فى هذه الحالة يبدأ العُدّة للسفر .. بعد العُدّة للسفر من أي شيء يسافر ؟ يسافر من عالم الحسّ ، يسافر من عالم الحسّ وعالم اللبس ، وعالم الفناء ، وعالم الادناس ، وعالم الارجاس ، وعالم النفاق وعالم الرياء .. إلى عالم النقاء وعالم الطهْر وعالم البقاء ، وعالم الرضا وعالم الفتح ، وعالم التوجهّات وعالم المنازلات .. عالم يدخل الانسان فيه بقلبه وهو بين الناس بجسمه :
                     منّى أسافر لا من كونى الدانـى       أفردت ربّى لا حــور ٍ وولدان
                    وجّهت وجهى لله العلى ولــى      شوق ٌ عظيمٌ إلى فضلٍ ورضـوان
وهنا مالذى يحصل ؟
                     قلبى يرى فى مقام خليل حضرته        أنوار مقتدرٍ بر ٍ وديّـــــان
        وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:




شارك فى نشر الخير