آخر الأخبار
موضوعات

الخميس، 29 سبتمبر 2016

- فِتنةُ منهج الغلُوِّ في تكفير المسلمين

عدد المشاهدات:
أخى المسلم  : اصبح الامة الاسلامية فرق متطاحنة كلا يدعى انه على الحق  وانهم اصحاب الفرقة الناجية . وإذا طالعت مواقع المؤسسات الدنية على النت تقرأ والتكفير والتضليل لابناء الامة الاسلامية وهذا شيىء محزن
وإذا كان الخلاف أمراً واقعاً فما هي أبرز أسبابه
من أسباب الخلاف والافتراق تفاوت الناس في الطبائع والميول وتفاضلهم في العقول والفهوم، فسبحان من فاوت بين الناس في الحفظ وفي الاستنباط، والموفقُ من لم يُزَكِّ نفسه بل اتهمها حتى يُقلل مساحة الخلاف ويضيع الفرصة على الشيطان.
ومن أسباب الفُرقَةِ : الإعجابُ بالرأي الذي يحمل صاحبه على الغرور وتسفيه آراء الآخرين، وإيثارُ الهوى على الهدى الذي يمنع من قبول الحقِّ وإن كان واضحاً، وقد جاء النهيُ صريحاً عن العجب والهوى: ((ائْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ، وَتَنَاهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ، حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ شُحّاً مُطَاعاً، وَهَوىً مُتَّبَعاً وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً، وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ فَعَلَيْكَ بِنَفْسِكَ وَدَعْ عَنْكَ الْعَوَامَّ)) [1].التعصب لآراء المشايخ والعلماء
ومن أسباب الفُرقَةِ : البغيُ والحسد، فقد يرى بعضُ الناس ما عنده أولى وأصوبُ من غيره، ويبلغ به الغرورُ بما عنده حدَّاً يزدري به ما عند غيرهِ، إما بنوع بغي أو حسد، ثم تقوده هذه المشاعرُ إلى احتقار الآخرين ولمزهم والتشكيك فيما عند غيره، ولو كان حقاً فات عليه التأملُ فيه بعين العدل والإنصاف، وإذا انتشر داءُ البغي والحسد ثارت رياحُ الفرقة، وسادت البغضاء، وحصل النفورُ والافتراق.
ومن أسباب الفُرقَةِ: شهوةُ الزعامة وحبُّ الصدارة بحيث يسعى صاحب هذا المرض إلى أن يكون متبوعاً لا تابعاً؛ وآمراً لا مأموراً؛ ويدعوه ذلك إلى رفض ما عند الآخرين وعدم تقبل وجهاتِ نظرهم وإن كانت صائبة، بل قد يُخيل لهذا المريض أنه وحده حامي حمى الإسلام، وإنه الأجدرُ بالقيادة والريادة دون سواه.
ومن أسباب الفُرقَةِ: سوءُ الظن بالآخرين وتغليب التشاؤم على التفاؤل فهو في الغالب يسيء الظن بالآخرين إلى حد لا يثق بأحد، ولا يُصوب عملاً، ويطغى عليه جانب التشاؤم بحيث يرى أن كلَّ عمل لم يعمله أو يشرف عليه مصيرهُ الفشل ونهايته الخسران، وهذا الداء يخفى وراءه أمراضاً وأدواء أخرى كالأثرة وحبِّ الذات، واتهام الآخرين، والرغبةِ في الوقيعة بأعراض المسلمين.
بينما عكس ذلك من حُسن الظن وحُسن الفألِ يعبر عن قلب سليم، ونفس كريمة تُحب للآخرين كما تُحب لنفسها، وتحاول تعليل الأخطاء وإيجاد المعاذير قبل إصدار الأحكام، ورحم الله عمرُ وهو القائل: ((لا تظن بكلمةٍ خرجت من أخيك المسلم سوءً وأنت تجد لها في الخير محملاً)) [2]
ومن أسباب الفُرقَةِ: الخلط بين الثوابت والمتغيرات وبين الأصول والفروع، فهناك ثوابت لا يجوز لأحدٍ أن يتهاون فيها أو يُفرِّط في الحفاظ عليها، وهناك أمورٌ وقضايا فرعيةٌ يسع الخلافُ فيها، ولا ينبغي أن تكون أساساً للمفاصلة أو سبباً للفرقة، وحين تختلط الأمور ولا يُميز بين هذه وتلك يقع الخلافُ لأدنى سبب ويظن هذا المختلف أنه يُحكِّم الشرع ويحمي حمى العقيدة وينسى أن ما أحدثه من شرخ الفرقة والخلاف أعظمُ بل نسي أن من مقاصد الشرع الاجتماع لا الافتراق والاتفاق لا الاختلاف، وبالتالي فلا ينبغي أن نوالي أو نعادي على أمرٍ من الدين فيه متسعٌ للحوار والنقاش، وفي المقابل لا ينبغي أن نضيعُ حرمات الدين وأصوله في سبيل جمع الكلمة ونبذ الفرقة والاختلاف على حساب الأصول والثوابت.
لقد حذر النبي -صلى الله عليه وسلم- أمته من كل شر يعترض طريقها، فحذرها -صلى الله عليه وسلم- من جميع الفتن الكبار والصغار.
وما ترك -صلى الله عليه وسلم- خبر طائر يقلب جناحيه في السماء إلا ذكر لهم -صلى الله عليه وسلم- منه خبراً؛ كل ذلك شفقة على هذه الأمة من أن تضل أو تهلك وفيها كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وفي ذلك الشفاء الكامل، والدواء الناجع لكل المضلات والمشكلات العارضة التي تنتاب هذه الأمة.
يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- ناصحاً لأمته مشفقاً عليها: ((إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم، وإن أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها، وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها، وتجيء فتنة فيرقق بعضها بعضها)): أي يهون بعضها بعضاً، حيث تتابع حتى تكون الأولى أخف من الثانية.
يقول: ((وتجيء الفتنة فيقول المؤمن هذه مهلكتي ثم تنكشف، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن هذه هذه، فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى له))(1): أي يضع نفسه في مكان إخوانه، فلا يقدم على أمر من الأمور إلا وقد وضع نفسه مكان هذا الأخ من المؤمنين، فلا يصل إليه بشيء من السوء والمكروه الذي يكرهه لنفسه.

إن من أعظمِ الفتنِ : فِتنةُ منهج الغلُوِّ في تكفير المسلمين، دون إحكامٍ للقواعدِ الشرعيَّةِ الدقيقةِ. فتنةٌ زلَّت فيها أقدام، وضلَّت بها أفهام، قادَت إلى عواقِبَ وخيمةٍ، ومفاسِدَ جَمَّة، قال تعالى: ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [النساء: 94].
وفي “صحيح البخاري”: أنَّ النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «ومن رمَى مؤمنًا بكفرٍ، فهو كقتلِه».
إن مثلَ هذه المسائل المهمة الشائكةِ لا يجوزُ بأيِّ حالٍ أن يخُوضَ فيها إلا العلماءُ الراسخون، والأئمةُ المجتهدون، ووفقَ تشاوُرٍ جماعيٍّ بينهم، لا اجتهادٍ فرديٍّ، وفي مُحيط تحقيقٍ مُدَقَّقٍ، وتأصيلٍ مُتقَن، بعيدٍ عن كل هوًى وتعصُّب، وبمنأًى عن حماسةٍ مُتدفِّقةٍ، ورَدَّةِ فعلٍ بعاطفةٍ جيَّاشةٍ لا تحكُمُها أصولُ المنهجِ العلمي المُؤصَّل.
فبهذا المسلك – بإذن الله – تسلَمُ الأمةُ من منهج الإفراط والغلُوِّ والتفريط، وتسيرُ إلى ما أرادَ الله لها من وحدةٍ إسلامية، ورابطةٍ إيمانية تتحقَّقُ بها مصالحُ الدين والدنيا معًا.
يا شبابَ الإسلام:
أنتم زهرةُ الأمة اليانِعةُ، وثمرتُها الباسِقةُ، فكونوا على دِرايةٍ وكَيَاسة، وتيقَّنُوا بأنه إن عدَلتُم عن هذا المسلَك المُرتَضَى، فستبقَى الأمةُ لُقمةً سائِغةً في أيادِي الأعداء، يُحرِّكُون بينها الفتنَ، عن طريق اجتِهاداتٍ فرديةٍ خاطِئةٍ، تُحدِثُ ورَطَاتٍ عُظمى، وشُرُورٍ كبرى.
وهذا ما حذَّر منه – صلى الله عليه وسلم – في خُطبة الوداع، حين قال: «لا ترجِعُوا بعدي كفَّارًا يضرِبُ بعضُكم رِقابَ بعضٍ».
ومن زاغَ عن المحجَّةِ النبوية التي بيَّنَها – صلى الله عليه وسلم – بقولِه: «من صلَّى صلاتَنا، واستقبَلَ قِبلتَنا، وأكَلَ ذبيحَتَنا، فهو المسلمُ الذي له ذِمَّةُ الله ورسوله»؛ رواه البخاري.
من زاغَ عن ذلك جاء بأحكامٍ جائرةٍ في الأمة، تؤُولُ إلى مفاسِدَ قد لا تُستدرَكُ آثارُها، ولذا تواتَرَت نُصوصُ العُلماء المُحقِّقين قديمًا وحديثًا في التحذير من تكفير المُعيَّن إلا ببُرهانٍ شرعيٍّ أوضحَ من شَمس النهار، ووَفقَ منظومةِ توفُّرِ شروطٍ وانتِفاء موانِع، حِمايةً لسِياجِ عِرض المسلم، في دينِه ونفسهِ ومالِه، قال – صلى الله عليه وسلم -: «أيُما امرئٍ قال لأخيِه: يا كافر، فقد باءَ بها أحدُهما، إن كان كما قال، وإلا رجَعَت عليه».
يقولُ الشوكانِيُّ – بعد تحذيره من الجرأة على تكفير أهل لا إله إلا الله -: “فإن هذه جِنايةٌ لا يعدِلُها جِناية، وجَراءةٌ لا تُماثِلُها جَراءةٌ”.
احذَرُوا من كل اجتهادٍ يُفرِّقُ الأمةَ وهي في وقتٍ تدعُو الضرورةُ على الاصطِفافِ على الوحيَين، والاتِّحادِ على البرِّ والتقوَى، لمُواجَهة تحدياتٍ ضخمةٍ، إن لم نكُن حذِرِين، فستأتِي على أخضَرِها ويابِسِها.
فعلى الجميعِ سُلوكُ طريق الصحابةِ الأتقِياء، وأن يستلهِمُوا الصلاحَ والفلاحَ من وصيَّة نبيِّهِم محمدٍ – صلى الله عليه وسلم – في خُطبة الوداع؛ حيث قال: «وقد ترَكتُ فيكم ما إن تمسكتُم به لن تضِلُّوا بعدَه أبدًا: كتاب الله».
والواجِبُ أن تسرِي بيننا النصيحةُ الصادقةُ المُخلِصةُ، والمُحاوَرةُ الهادِئةُ الجميلةُ، المُعطَّرةُ بالأدب الرفيعِ والخُلُق الجَميل، وَفقَ المنهج النبويِّ الذي يقومُ على معانِي الإنصاف والعدل، والرحمة والإحسان، وفي إطار الحُجَّة والبُرهان، بالأصولِ العلميةِ المُؤصَّلة، كما قال – صلى الله عليه وسلم -: «الدِّينُ النَّصيحة»، قالها ثلاثًا.

التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:




شارك فى نشر الخير