آخر الأخبار
موضوعات

السبت، 17 سبتمبر 2016

- ماهى مراقي المريدين

عدد المشاهدات:
الخلق محجوبون بثلاث : حب الدرهم و طلب الرياسة و طاعة النساء .  و قال بعض العارفين : الذي قطع العباد عن الله عز و جل ثلاثة أشياء ، قلة الصدق في الإرادة ، و الجهل بالطريق ، و نطق علماء السوء بالهوى .  و قال بعضهم : إذا كان المطلوب محجوباً و الدليل مفقوداً و الاختلاف موجوداً لم ينكشف الحق ، و إذا لم ينكشف الحق تحير المريد ، و المريد لا بد له من خصال سبع ، الصدق في الإرادة     و علامته إعداد العدة ، و لا بد له من التسبب إلى الطاعة و علامة ذلك هجر قرناء السوء ، و لا بد له من المعرفة بحال نفسه و علامة ذلك استكشاف آفات النفس ، و لا بد له من مجالسة عالم بالله و علامة ذلك إيثاره على ما سواه ، و لا بد له من توبة نصوح فبذلك يجد حلاوة الطاعة و يثبت على المداومة ، و علامة التوبة قطع أسباب الهوى و الزهد فيما كانت النفس راغبة فيه ، و لا بد له من طعمة حلال لا يذمها العلم و علامة ذلك الحلال المطالبة عنه و حلول العلم فيه يكون بسبب مباح وافق فيه حكم الشرع ، و لا بد له من قرين صالح يوازره على ذلك و علامة القرين الصالح معاونته على البر و التقوى و نهيه إياه عن الإثم و العدوان .

 فهذه الخصال السبع  قوت الإرادة لا قوام لها إلا بها ، و يستعين على هذه السبع بأربع هن أساس بنيانه و بها قوة أركانه ، أولها الجوع ، ثم السهر ، ثم الصمت ، ثم الخلوة ، فهذه الأربع سجن النفس و ضيقها و ضرب النفس و تقييدها ، بهن يضعف صفاتها وعليهن نحسن معاملاتها ، ولكل واحدة من هذه الأربع صفة حسنة في القلب، فأما الجوع فإنه ينقص من دم القلب فيبيض و في بياضه نوره ، و يذيب شحمة الفؤاد  و في ذوبه رقته و رقته مفتاح كل خير لأن القسوة مفتاح كل شر ، و في خبر عن عيسى عليه السلام : يا معشر الحواريين جوِّعوابطونكم و عطشوا أكبادكم و أعروا أجسادكم لعل قلوبكم ترى الله عز و جل ، يعني بحقيقة الزهد و صفاء القلب ، فالجوع مفتاح الزهد و باب الآخرة و فيه ذل النفس و استكانـتها و ضعفها و انكسارها و في


ذلك حياة القلب و صلاحه ، و أقل ما في الجوع إيثار الصمت و في الصمت السلامة و هي غاية للعقلاء .  و قال سهل  ـ رحمه الله : اجتمع الخير كله في هذه الأربع خصال و بها صار الأبدال أبدالا ، إخماص البطون و الصمت و السهر و الاعتزال عن الناس ، و قال : من لم يصبر على الجوع و الضر لم يتحقق بهذا الأمر .


 و قال بعض العلماء : من سهر أربعين ليلة خالصاً كوشف بملكوت السماء .      و اعلم أن نوم العلماء عن غلبة المنام بعد طول السهر بالقيام مكاشفة لهم و شهود      و تقريب لهم منه و ورود ، و من صفة الأبدال أن يكون أكلهم فاقة و نومهم غلبة      و كلامهم ضرورة ، و من سهر بالليل لأجل الحبيب لم يخالفه بالنهار فإنه أسهره بالليل في خدمته ، و في الخبر : قيلوا فإن الشياطين لا تقيل و استعينوا على قيام الليل بقائلة النهار .


أما الصمت فإنه يلقح العقل و يعلم الورع و يجلب التقوى و يجعل الله عز و جل به للعبد بالتأويل الصحيح و العلم الرجيح مخرجاً و يوفقه بإيثار الصمت للقول السديد     و العمل الرشيد ، و قال عقبة بن عامر : يا رسول الله فيم النجاة ؟  قال ( أمسك عليك لسانك ، و ليسعك بيتك ، و ابك على خطيئتك ) ، و قال r  في الخبر الجامع المختصر  ( من سره أن يسلم فليلزم الصمت )  ، و في الخبر ( لا يتقي العبد ربه حق تقاته حتى يخزن من لسانه ) . و في الحديث ( لا يصلح العبد حتى يستقيم قلبه ، و لا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه ) .  و قال بعض السلف : تعلم الصمت كما تتعلم الكلام ، فإن يكن الكلام يهديك فإن الصمت يقيك ، و لك في الصمت خصلتان ، تدفع به جهل من هو أجهل منك ، و تعلم به علم من هو أعلم منك .  و عن جماعة من السلف : إن تسعة أعشار السلامة في الصمت ، و يقال : كل كلمة من هزل أو مزح أو لغو يوقف العبد عليها خمس مواقف بتوبيخ و تقرير ، أولها أن يقال له : لِم قلت كلمة كذا ؟  أكانت فيما يعنيك ؟  والثانية : هل نفعتك إذ قلتها ؟  والثالثة : هل ضرتك لو لم تقلها ؟  و الرابعة : ألا سكت فربحت السلامة من عاقبتها ؟  و الخامسة : هلا جعلت مكانها قول ( سبحان الله و الحمد لله ) فغنمت ثوابها ؟ .  و يقال : ما من كلمة إلا و ينشر لها

ثلاثة دواوين ، الديوان الأول : لِم ؟  و الثاني : كيف ؟  و الثالث : لمن ؟  فإن نجا من الثلاث و إلا طال وقوفه للحساب .

و أما الخلوة فإنها تفرغ القلب من الخلق و تجمع الهم بأمر الخالق و تقوي العزم على الثبات ، إذ في مخالطة الناس وهن العزم و شتات الهم و ضعف النية ، و في الخلوة تقل الأفكار في عاجل حظوظ النفس لفقد مشاهدتها بالأبصار لأن العين باب القلب و منها يدخل آفاته و عندها توجد شهواته و لذاته ، و من كثرت لحظاته دامت حسراته .  و الخلوة تجلب أفكار الآخرة و تجدد الاهتمام بها لما شهد به الإيقان ،      و الخلوة من اكبر العوافي و ذلك أنه قد جاء في الحديث ( سلوا الله العافية ، فما أعطي عبد أفضل من العافية ) ، و في الخبر ( العزلة عن الناس عافية ) ، و لا يكون المريد صادقاً حتى يجد في الخلوة من اللذة و الحلاوة و المزيد ما لا يجده في الجماعة و يجد في السر من النشاط و القوة ما لا يجده في العلانية و يكون أنسه في الوحدة و روحه في الخلوة و أحسن أعماله في السر .



    و روينا عن مكحول : ثلاث خصال يحبها الله عز و جل و ثلاث يبغضها الله عز  و جل، فأما اللاتي يحبها فقلة الأكل و قلة النوم و قلة الكلام ، و أما اللاتي يبغض فكثرة الأكل و كثرة الكلام و كثرة النوم ، فأما النوم فإن في مداومته طول الغفلة و قلة العقل و نقصان الفطنة و سهوة القلب و في هذه الأشياء الفوت و في الفوت الحسرة بعد الموت .  و روينا عن النبي r  قال ( قالت أم سليمان بن داود لابنها : يا بني لا تكثر النوم بالليل فإن كثرة النوم تترك العبد فقيراً يوم القيامة ) .  و قيل : كان شابان يتعبدان في بني إسرائيل فكانوا إذا حضر عشاؤهم قام فيهم عالمهم فقال يا معشر المريدين لا تأكلوا كثيراً فتشربوا كثيراً فترقدوا كثيراً فتخسروا كثيراً .



و أما كثرة الكلام ففيه قلة الورع و عدم التقوى و طول الحساب و كثرة المطالبين و تعلق المظلومين و كثرة الاشهاد من الأملاك الكاتبين و دوام الإعراض من الملك الكريم ، لأن الكلام مفتاح كبائر اللسان فيه الكذب و الغيبة و النميمة و البهتان و فيه شهادة الزور و فيه قذف المحصن و الافتراء على الله تعالى و فيه القول فيما لا يعني



و الخوض فيما لا ينفع ، و قد جاء في الخبر ( أكثر خطايا ابن آدم في لسانه ) ، و في اللسان التزين و التصنع للخلق و التحريف و فيه المداهنة و المواراة و التملق لأهل الأهواء ، و في اجتماع هذا على العبد شتات قلبه و في شتاته تفريق همه و في تفريق همه سقوطه من مقام المقربين .



و أما مخالطة الناس فإنها تضعف العزم الذي كان قوياً في أعمال البر و تحل العقد المبرم الذي استوطنه العبد في الخلوة لقلة المتعاونين على البر و التقوى و كثرة المتعاونين على الإثم و العدوان و قوة الطلب و الحرص على عاجل الدنيا لما يعاين من إقبال أهلها عليه ، و أعظم ما في مخالطة الناس و مجالسة أهل البطالة و ذوي غفلتهم ضعف اليقين برؤيتهم ، و أضر ما ابتلي به العبد و أعمله في هلاكه و أشده لحجبه    و إبعاده ضعف يقينه بما وعد به بالغيب و توعد عليه في الشهادة ، و هذا أخوف ما خافه رسول الله r  على أمته فإنه قال ( أخوف ما أخاف على أمتي ضعف اليقين )  لأن في قوة اليقين أصل كل عمل صالح لأن في قوة يقين العبد سرعة منقلبه و طول مثواه في دار إقامته إيثار التقلل في الفاني و تقديمه للباقي و ضعف حرصه و قلة طلبه و فقد طمعه و فراغه من الاشتغال بعاجله و إقباله و شغله بما ندب إليه من مستقره    و في جميع ذلك إخلاصه في أعماله و حقيقة زهده في تصرف أحواله و في قصر أمله و تحسين عمله ، ألم تسمع لقوله تعالى ﴿ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ  حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ﴾  (1)  أي شغلكم الجمع للمكاثرة حتى حللتم القبور، ثم قال﴿ كَلَّا لَوْتَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ﴾(2)  أي لشغلكم العمل الصالح للآخرة عن اللعب و اللهو الذي هو مقتضى الشك و ذلك في وصف الذي أخبر عنه سبحانه بالتكاثر الذي ألهاه حتى زار برزخه ومثواه كيف تهدده.



و قد جاء في فضل العزلة و الانفراد و في فضل الصمت و في جميع ما ذكرنا من الجوع و السهر و من مكابدة الليل ما يكثر جمعه ، و فيما نبهنا عليه و اشرنا إليه بلاغ و عنية لمن أراد الآخرة و سعى لها سعيه و هو مؤمن ، و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم .



التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:




شارك فى نشر الخير