عدد المشاهدات:
إن عناية الله وكفالة الله وتأييد الله لكل عبد تمسك بهدى الله عز وجل، يكفينا جميعاً قول الله عز وجل: ( إلا تنصروه فقد نصره الله ) [الآية، ولم يقل الله فى الآية: فقد ينصره الله، وإلا كان النصر معلقاً وحادثاً، لكن جاء بما يفيد أن النصر من الله مقدر له صلى الله عليه وسلم قبل خلق الخلق، لأن القرآن كلام الله القديم فقد نصره الله قبل خلق الخلق، ونصر الله واضح فى آيات القرآن، فإن الله عز وجل كما أخبر القرآن عندما خلق الحبيب صلى الله عليه وسلم روحاً نورانياً قبل خلق جسمه وخلق أرواح الأنبياء والمرسلين جمعهم وأخذ عليهم العهد والميثاق أجمعين أن يؤمنوا به وينصروه ويؤازروه ويبلغوا أممهم بصفاته ونعوته، ويطلبوا ممن طال به الزمن إلى عصر رسالته أن يؤمنوا به ويتبعوه: ( وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ ) -والنبوة قبل الرسالة - ( لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ ) - والرسالة لا تكون إلا بعد ظهور الجسم فى الحياة الدنيا، لأنها تكليف من الله لإبلاغ دعوة الله إلى خلق الله، ماذا أخذ على النبيين من الميثاق: ( لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ ) (81) سورة آل عمران، فأخذ الله العهد على الأنبياء أجمعين أن ينصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم، كيف ينصروه ولم يحضروا زمانه، وتنتهى آجالهم قبل مجيء أوانه، كيف؟ بإظهار صفاته ونعوته وعلاماته لأممهم وأتباعهم ويأمروهم أن يتبعوه إذا حضروه، وقد كان ذلك، والأمر يطول فى ذلك لو تتبعنا السيرة العطرة، لكن يكفى ما جاء على لسان نبي الله موسى وما جاء على لسان نبي الله عيسى: ( ومبشراً برسول يأتى من بعدي اسمه أحمد ) [الآية، ولم يبشروا به وبنعوته فقط، حتى أوصاف أصحابه كانت مذكورة فى التوراة والإنجيل، ( محمد رسول الله والذين معه مثلهم فى التوراة ومثلهم فى الإنجيل .. ) [الآية، مذكورين بصفاتهم، حتى أن التاريخ يروي أن عمر بن الخطاب t لما توجه إلى الشام مع البطارقة لإستلام مفاتيح بيت المقدس، ذهب وخادمه ولم يكن لهم إلا ركوبه واحدة، وكانوا يتناوبون، عمر يركب والخادم يمشي فترة، ثمر يركب الخادم ويمشي عمر خلفه، فلما اقتربوا من القوم كانت نوبة الخادم فى الركوب، فقال: يا أمير المؤمنين إنى تنازلت لك عن نوبتي هذه، لأن القوم على استعداد للقائك، وكيف يلقوا أمير المؤمنين ماشيا والخادم راكب، فأصر على ذلك، فلما دخلوا عليهم، سأل البطارقة أين عمر؟ فقالوا: الذي يمشي، فقالوا: هكذا نجد عندنا صفته فى الإنجيل، أنه يدخل بيت المقدس ماشياً وخادمه راكب بجواره، فأوصاف أصحابه كذلك، ذكرها الله فى التوراه وذكرها الله فى الإنجيل وذكرها الله فى الزابور وذكرها الله فى كل الكتب السابقة، وأنتم تذكرون جميعاً أنه صلى الله عليه وسلم قال: {أنا دعوة أبى إبراهيم} ( ربنا وابعث فيهم رسولاً من أنفسهم ) [الآية، دعوة سيدنا إبراهيم وكان صلى الله عليه وسلم، فأخذ الله عز وجل لحبيبه ومصطفاه من قبل القبل أيده بالوحي وأمر رسله الكرام بإبلاغ صفاته ونعوته لأممهم وهيأ الكون وأمره أن يكون رهن إشارته، لكن العبرة التى نحتاجها فى هذه الظروف الحالكة فى حياتنا ان نعلم علم اليقين ولا نشك فى ذلك طرفة عين ولا أقل : ان أي رجل منا أقبل بصدق على الله وتمسك فى سلوكه وهديه وحياته بشرع الله، ولم ينافق ولم يمارئ ولم يبتغى بعمله إلا وجه الله، فإن الله عز وجل يجعل له قسطاً من نصر الله لحبيب الله ومصطفاه صلى الله عليه وسلم، يؤيده وينصره، فى أى موقع وفي أي زمان وفى أى مكان، لأن هذه سنة الله التى لا تتخلف، نأخذ مثال واحد حتى لا أطيل عليكم، ( إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما فى الغار، إذ يقول لصاحبه لا تحزن، إن الله معنا ) [الآية، وهذه رحمة الحبيب، سيدنا موسى عليه السلام عندما خاف قومه بعد خروجهم من مصر من لحاق فرعون، قالوا: سيلحق بنا، قال لهم: لا تخافوا، ( كلا إن معى ربي سيهدين ) [الآية، أنا معي ربي فلا تخافوا، لكن سيدنا رسول الله قال: إن ربنا معنا كلنا ( إن الله معنا ) ، ولم يقل معي، معنا هذه لكل مؤمن إلى يوم القيامة، ولذلك أيده الله فى كتاب الله فقال: (´ولينصرن الله من ينصره ) [الآية، من ينصر الله ينصره، أي ينصر شريعته ويقيمها فى نفسه وفى بيته وفى عمله وفى أهله، وفى من حوله، نصر الله يعنى إحياء شريعة الله، والعمل بها بين خلق الله، لا بد أن ينصره الله، فأيده الله صلى الله عليه وسلم ( فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا ) (40) سورة التوبة، أول عطاء أنزل عليه السكينة، والسكينة هي المهمة، وأين السكينة ومن أين نحصل عليها؟ لا تأتى إلا بتوفيق الله لمن أحبه الله واجتباه : ( هو الذي أنزل السكينة فى قلوب المؤمنين ) [الآية، كما نزَّل عليه السكينة كذلك ينزل علينا السكينة، السكينة يعنى الطمأنينة بوعد الله والثقة فى قدرة الله، ورعاية الله وكلاءة الله، وصيانة الله وحفظ الله لمن تمسك بشرع الله ابتغاء وجه الله عز وجل، يكون واثق فكما أنزل عليه السكينة كذلك فتح المجال لجميع المؤمنين، وأعلمنا علم اليقين أن السكينة لا تأتى إلا من عنده، وهو الذي ينزلها بنفسه، حتى لا عن طريق ملك ولا عن طريق أى كائن أو مخلوق، هو بنفسه، هو الذي ينزل ولم يقل ينزل، بل قال: ( أنزل السكينة فى قلوب المؤمنين ) [الآية، ببركة الإيمان وبشرح صدورهم للعمل بأركان الدين، والإهتداء لتعاليم القرآن والتأسي بسنة النبي العدنان صلى الله عليه وسلم، ولذلك المثل الذي نأخذه : ( وأيده بجنود لم تروها ) [الآية، هذه كثيرة، أيده بالملائكة وأيده بالأرض وقال له: الأرض طوع أمرك، مرها بما شئت وقل لها: خذيه تمسك الفرس، أتركيه: تتخلى عن الفرس، فكانت طوع أمره كما يريد، وليس مرة واحدة بل ثلاث مرات، وأيده بالحمام وأيده بحشرة بسيطة وهى العنكبوت، وأيده بالأنصار وأيده بالمهاجرين، وأيده بأناس قبله جهزوا له المكان الذي سيسكنه صلوات الله وسلامه عليه، الهجرة إلى المدينة كان يعلمها من قبل، من ساعة ما أرسل وأخذته زوجته السيدة خديجة لابن عمها ورقة بن نوفل وقال له: ليتني أكون فيها جزعاً يعنى شاباً فتياً عندما يخرجك قومك، فقال: أومخرجي هم؟ قال: نعم، ما أرسل رسول بما أرسلت إلا أخرجه قومه، لكن المكان الذي سيهاجر إليه صلى الله عليه وسلم كان يعلمه من سبقه من الأنبياء والمرسلين، ولذلك يروى القرآن أن اليهود تركوا بلاد الشام وجاءوا إلى المدينة، مترقبين قدوم النبي الذي قرب زمانه وعندهم صفاته وكانوا يرجون أن يكون منهم، وقد ذكر الله ذلك: ( وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا، فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به ) [الآية، كان عندما تحدث حرب بينهم وبين أى قبيلة يقولون كما قالت السيرة العطرة : "اللهم بحق النبي الذي ستبعثه فى آخر الزمان انصرنا عليهم" فينصرهم الله عز وجل، وكانوا يعرفونه: ( يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ) [الآية، أيتوه أحد عن أولاده، عارفينه كما يعرف الرجل أولاده تماماً، ولذلك يروى الإمام السمهدوى فى كتابه (وفاء الوفا) والإمام القسطلاني فى كتابه (المواهب اللدنية) حادثة غريبة أن تبع ملك اليمن وكان اسمه أسعد الحميري، أعطاه الله قوة وبسطة فجهز جيشاً كبيراً وخرج يغزوا ويريد أن يتسع ملكه ويقيم دولة كبيرة فوصل إلى المدينة وكان اسمها "يثرب" فخرج إليه أحبار اليهود، وقالوا: أيها الملك إنك لن تتمكن من دخول هذه القرية، قال: ولم؟ قالوا: لأنها مهجر نبي آخر الزمان وإن الله حفظها ولن يمكنك من دخولها، فاستشار من معه من العلماء، فأقروا بذلك، فاختار ربعمائة عالم ممن معه وزوجهم وأعطاهم المال وأمرهم أن يقيموا بهذا الموطن حتى يبعث النبي فينصروه صلوات الله وسلامه عليه، وبنى لكل واحد منهم بيتاً من طابق واحد وبنى لكبيرهم بيتاً من طابقين، وترك معه رسالة وأمره أن يسلمها لولده ولولد ولده حتى يسلموها لهذا النبي، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم فى الحديث الصحيح: {أول من آمن بي تبع} وبعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وأنتم تعرفون أن الكل كان يمسك بالناقة ، والرسول يقول لهم دعوها فإنها مأمورة، وكانت لأمر يعلمه الله إذا مرت على بيت يهودي تمر مسرعة، وإذا مرت على بيت مؤمن تقف، لأن المؤمنين قد جهزوا لاستقبال الرسول ما يليق بهم وبحالهم لا ما يليق بذاته صلوات الله وسلامه عليه، الذي جهز التمر والآخر جهز اللبن والثالث جهز الحلوى، فتقف حتى يقدم تحيته للرسول ومن معه، حتى جاءت للمربض –المكان الذي ينشر فيه البلح ليكون تمر- وأناخت، وجاء سيدنا أبو أيوب الأنصارى وأخذ رحل الرسول وأدخله بيته وباقى الأنصار وبنى النجار يطلبون رسول الله فحسم الموقف صلى الله عليه وسلم وقال: {المرء مع رحله } بعدما دخل عند أبى أيوب قال له: أين كتاب تبع؟ فكان بيت زعيم العلماء واكن من نسله وكانت الرسالة:
شهدت على أحمد أنه
رسول من الله بارى النسم
فإن مد عمرى إلى عمره
لجالت عنه كل هم
وحاربت بالسيف أعداءه
وفرجت عنه كل غم
يعلن بأنه آمن بالله وبرسول الله صلى الله عليه وسلم، فرسول الله سكن فى بيته ولم يسكن عند أحد من الناس، فانظر كيف نصر الله لحبيب الله ومصطفاه حيث تذكر بعض الروايات تقول أنه بينه وبين تبع خمسمائة سنة وغيره يقول ألف سنة، فمن هذه المدة هيأ الله له البيت الذي سيسكن فيه، وهيأ له الأنصار، لأن الذين سكنوا كانوا من ذرية العلماء هم الأوس والخزرج الذين نصروا رسول الله وأقاموا معه على نصر دين الله عز وجل، فهيأ الله عز وجل لحبيبه كل شيء حتى أنه عز وجل لم يتركه يدخل المدينة دخول الهارب كما يقول البعض، لكن دخول الفاتحين، قبل المدينة بثلاث مراحل، رجل من العرب سمع بالجائزة التى جهزتها قريش لمن يقبض على النبي مائة جمل، فخرج ومعه سبعون نفراً من قومه ومعهم السيوف والرماح، وذهب إلى المدينة وسألهم وهنا يظهر إعجاز الله عز وجل، فقال: من الرجل؟ فقال: أنا محمد رسول الله، لم يستتر ولم يبالى، فشرح الله صدره للإسلام وآمن بالله عز وجل وقال: يا رسول الله لا ينبغى أن تدخل المدينة هكذا، وأتى برجاله بعد أن أسلموا السبعين رجلاً وصفهم صفين، 35 على اليمين، و35 على الشمال، ووضع غطاء عمامته الشال الأبيض، وربطه فى رمحه وجعله كعلم ومشى أمامهم ورسول الله صلى الله عليه وسلم يمشى فى الوسط.
سيدنا الزبير بن العوام آتى من بلاد الشام، قال: يا رسول الله أنا معى ثياب بيض لا تليق إلا بالملوك فخذ هذا الثوب وأدخل فيه المدينة، وانتهى من الكلام وقد حضر عبدالرحمن بن عوف وكانوا تجار، فدخل صلى الله عليه وسلم فى ملابسه الزاهية الجديدة البضاء وحوله العسكر دخول الفاتحين المنتصرين تصديقاً لقول الله عز وجل : ( إلا تنصروه فقد نصره الله ) [الآية، من الذي بعث له هذا الجيش؟ ومن الذي بعث له هذه الملابس؟ الله عز وجل، ومن الذي جهز له هذا البيت؟ الله سبحانه وتعالى، لكن الذي أريد أن أصل به لنفسي وإخواني أن كلنا لنا نصيب فى هذا الأمر، إن استمسكنا بهدي الله ولن تغرينا مغريات الحياة، ما الذي جعل الله ينصر رسوله هذا النصر العجيب، عرضوا عليه إن كنت تريد مالاً ها هو جمعنا لك مالاً حتى تصير أغنانا، وإن كنت تريد الملك ملكناك علينا، وإن كنت مريضاً طلبنا لك الشفاء والأطباء والدواء، قال: لا، لا هذا ولا ذاك، لا أريد مالاً ولا أي شيء من الدنيا، ( إن أجرى إلا على الله ) [الآية، أريد أن تهتدوا إلى الله، ولا أريد منكم شيء، لأن أجرى من الله عز وجل، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: {العنكبوت جند من جنود الله} مع أنها حشرة بسيطة كلنا نتبرم منها فى بيوتنا، لكن هذه الحشرة الإمام على t وكرم الله وجهه يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله نصر بها أعز خلقه وليس رسول الله فقط، فقد نصر بها سيدنا داود من قبل، ونصر بها فى عصر رسول الله سيدنا عبدالله بن أنيس، ونصر بها بعده سيدنا زيد الأبلج ابن سيدنا جعفر الصادق، سيدنا داود عليه السلام لما اهتزت بنى اسرائيل لتركهم شرع الله، وملك الله أرضهم للعماليق، وهؤلاء قوم كانوا يسكنون غزة عندهم بسطة فى الجسم وقوة فى العضلات، واستولوا على أرضهم وأذلوهم وأذاقوهم الخسف، وذهبوا إلى نبي الله فى هذا الزمان وكان اسمه "شمويل" وكان فى مغارة فى الجبل وقد اعتزلهم يتعبد لله عز وجل، وقالوا نريد ملك يأتينا حتى نحارب هؤلاء وننتصر عليهم، فجاء الملك من بنى اسرائيل ( إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ) (246) سورة البقرة، وقد اختار لهم طالوت وجهز جيشه ليحارب ولم يكن يعترفون به لأنه رجل فقير، وجالوت وهو زعيم العماليق كان يهزم جيشاً بأكمله بمفرده بقوته لشدة بأسه، فخرج أمام الجيش وقال: من يبارز؟ أخرجوا له واحد أبارزه؟ من يخرج؟ لا أحد يرد، من يخرج ويضربه سأزوجه ابنتى وأجعله الخليفة من بعدى ومع ذلك لم يخرج أحد، سيدنا داود أبوه كان موجود معه ثلاثة أخوته وهو كان صغيراً وطالع يعاونهم فى الحرب فقط، فقال أنا أحاربه، قال: إنت تروح فين فى هذا؟ وكان سيدنا داود قصير القامة، كل ما ينادى لم يخرج إلا داود، فى النهاية وافق وألبسه الدرع وعدة الحرب وأعطاه السيف والرمح وقال: أخرج وأركبه الفرس، بعدما ركب سيدنا داود وتحرك تجاه جالوت رجع مرة ثانية، قالوا: ما شأنك أخفت منه؟ قال: لا، الحاجات دي غرتني وخلع ملابس الحرب وخرج عارياً ليس معه إلا المقلاع كان يطرد به الذئاب، عند رعى الغنم، المهم من أول رميه من المقلاع جاء الحجر فى رأس جالوت فهزموهم بإذن الله وقتل داود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة وانتصر على الأعداء، ووفىَّ معه طالوت وزوجه ابنته وقال له: أنت الخليفة من بعدى، تكررت الحروب وصار وذاع صيت سيدنا داود فحدث شيء من الغيرة فى نفس طالوت فهم أن يقبض عليه، فخرج سيدنا داود وإختبأ فى غار وذهب طالوت ومن معه يبحثون عنه وجاءت عناية الله وخبأه العنكبوت من أعينهم وكانوا قريباً من الغار فخرج فى الليل وقد أناهم جميعاً حتى الحرس حتى وصل إلى خيمة طالوت وأخذ سيفه ورمحه وأسلحته وذهب ولم يقتله ليعرفه المبادئ والمثل، حتى إذا أصبح الصباح أرسلها إليه وقال له: هذه ثيابك وهذه أسلحتك، وكنت أستطيع قتلك، فعفى عنه بعد قصة طويلة وتاب إلى الله مما فعله، المهم ما الذي أنجاه؟ العنكبوت كما نجى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أيضاً سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد فتح مكة، واحد من الجماعة العرب عند عرفات فى مكان يسمى عرنه، وفيها مسجد نمرة الآن واسمه خالد بن نبيح الهذلى قعد هناك وجعل يجمع العرب ليحارب الرسول صلى الله عليه وسلم فسيدنا رسول الله نادى على عبدالله بن أنيس وقال: اذهب إلى خالد بن نبيح الهذلى واقتله، قال: يا رسول الله والله لا أعرفه، كيف أعرفه؟ قال: إذا رأيته ذكرك الشيطان، وعندما تقف أمامه تصيبك رعدة هزة، فتعرف أنه هو، وذهب الرجل بمفرده ... مادام النبي أمره لا يتخلف، لم يقل كيف أقتله؟ وليس معى جيش ولا فرقة، لابد أن أنفذ أمر رسول الله، فذهب إليه وحدث العلامة فعرف أنه هو، فقال: عرفت أنك تجمع الناس لتحارب هذا الرجل –النبي- وأنا معك وأخذه يتمشى معه حتى خرج بعيداً عن جيشه وقتله، فأحسوا بما فعل فأتبعوه فأسرع إلى غارة فى جبل ونسج العنكبوت عليه ونجاه الله عز وجل من مكرهم ببركة العنكبوت، أقول لكى نعرف أن الفضل الذي أحاط به الله حبيبه ومصطفاه، يحيط الله ولو بنذر يسير منه كل عبد صدق في عقيدته ولم يتزعزع فى العمل بشرع الله عز وجل، المهم سلامة العقيدة، والثبات على المبدأ، وعدم التهور مهما كانت فتن الزمان، معنى لم يتحول عن المبدأ لأن الحبيب صلى الله عليه وسلم، وهو خارج من مكة إلى المدينة وآذوه وأخذوا أموال أصحابه وطردوهم وعنده أموالهم التى يخافون عليها لم يأخذها ويهاجر بل أقام الإمام عليّ، وعرضه للقتل فى سبيل أن يكون المثل الأعلى فى آداء الأمانة حتى يرد الحقوق إلى أهلها، لم يقل مادام الحرب بينهم وبينه فهذه غنيمة، قال: لا، لأن هذه أمانة أعطوها له بنفسهم، فبقى سيدنا علىَّ حتى هاجر النبي صلى الله عليه وسلم، وسلم لكل صاحب أمانة أمانته، ما هذا الوفاء والأمانة، هذه علامة الإيمان، اسمعوا إليه صلى الله عليه وسلم وهو يقول: {لا إيمان لمن لا أمانة له}، الدليل على صدق الإيمان: الأمانة فى القول، الأمانة فى الفعل، الأمانة فى العمل، الامانة فى السلوك، الامانة فى القول، فإذا استمع حديثاً لم ينقله إلى غيره، ليسبب به فتنة أو يشعل به ناراً بين أخوين أو صديقين، وقد قال صلى الله عليه وسلم من مبلغ أمانته، أنه كان إذا التفت، لا يلتفت بعنقه أو بعينه كان فى سمته كان إذا التفت، التفت جميعاً، هكذا ليكون واضح كوضوح النهار لأن الله عز وجل حذر قوماً فقال: ( يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور ) [الآية، خائنة الأعين التى تنظر من تحت إلى تحت، حتى هذه لم تكن عند رسول الله، لما يحارب قال له: ( فانبذ إليهم على سواء ) [الآية، أعلن الحرب على الملأ .. هذا مع الأعداء، لكن عندما يكون زميله فى العمل ويدبر له مؤامرة ليزيحه ويحل مكانه وعمّال يعملها فى الكتمان والسر، كيف يكون هذا مؤمن؟ فيعمل على أخيه ليزيحه من منصبه ليحل محله، إذا كان الكافر لا بد أن يكون على سواء، المؤمن الذي يتمسك بهذه المثل وهذه الفضائل، معه نصر الله وتأييد الله وإكرام الله.
الدرس الذي نأخذه جميعاً من هجرة رسول الله وما أكثر دروسها، أن المرء منا لا يتوقف عند أى أمر أمره الله مهما لاقى فى سبيل ذلك من صعاب فالذي أعز أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، شدة عقيدتهم فيما ذكرناه فكان الرجل منهم لا يبيح لنفسه، أن يخرج عن المثل والمبادئ الإيمانية قيد أنملة، خوفاً من الله عز وجل، مهما تعرض لصعاب لكن فى عصرنا الآفة التى انتشرت فى مجتمعنا أن الناس قد اجتهدوا من عند أنفسهم اجتهاداً خاطئاً فى تبرير الزيغ والبعد عن المثل والمبادئ الإسلامية، فيبيح لنفسه الكذب بحجة أنه مضطر، ويبيح لنفسه أخذ ما يريد من المال العام بحجة أن مال الحكومة ملك للجميع وكل واحد له فيه نصيب، ويبرر لنفسه التزويغ من العمل بحجة أن أجره لا يكفى هذا الوقت – على قد فلوسهم كما نسمع منهم – ويبيح لنفسه أن يخدع فى تجارته، أن يغش فى بيعه وكيله، وميزانه وإلا لا أعرف العيش والكسب، هذه أمور سولتها النفس وعززها وأيدها الشيطان وهذا الذي جعلت عناية الرحمن، فلم تبعد عنا الحمد لله هي معنا لكن أخذ الله يبتلينا ليذكرنا، ليس للانتقام، لأنه لا ينتقم من المؤمنين أبداً، لكن يذكرنا المرة تلو المرة، مرض، فقر، غلاء كل هذا ابتلاءات حتى نرجع إليه لكن والله الذي لا إله إلا هو لو تمسكنا بهدى الله، لفتح الله عز وجل لنا الخيرات من الأرض وأنزلها من السماء، تأتينا أرزاقنا فى أيدينا بغير عناء ولا تعب: ( ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ) [الآية، لم يقل لفتحنا عليهم خيرات ، لأنها ممكن تكون كثيرة ولا تكفى لعدم وجود البركة فيها، لكن لو رزق القليل وبارك فيه لأغنى عن الكثير والكثير كل هذا يحتاج إلى صلابة من الإنسان فى تطبيق شرع الرحمن، على نفسه وعلى أهل بيته أولاً، هذا الذي كلفت أن تقيم الشرع فيه باليد، أما غيرهم فعليك النصيحة، والنصيحة بالطريقة الصحيحة، النصيحة على الملأ فضيحة، لكن تنصحه كما قال الله: بالحكمة والموعظة الحسنة حتى يستجيب لك، يمكن الناس بتشتكى فى زماننا من كثرة الأمراض ومع كثرة المستشفيات لم تعد تستطيع أن تقوم بمهمة العلاج والأمراض الموجودة كلها فى الأجسام لا تساوى مرضاً واحداً من امراض الأخلاق التى حذر منها الكريم الخلائق والتى هى تنخر فى مجتمعنا نخر السوس، الشقاق، والنفاق، والحسد، البغضاء، والكراهية، والأحقاد، وغيرها من هذه الأمراض هى التى نعانى منها من الضغوط النفسية والتوترات العصبية، وهى التى تسبب صعوبة الأمراض الجسدية، الامراض الجسدية إن لم تكن التوترات العصبية تخف فى طرفة عين، لكن الذي يزيد المرض التوتر، والضغط والمشاكل وهذا يأتى من أنه حامل هم هذا ويحسد هذا، وكاره هذا، ويوجد مشاكل بينه وبين هذا حتى أن كل مؤمن بينه وبين إخوانه المؤمنين حروباً لا عد لها، حروب مع جيرانه، وحروب مع زملاؤه فى العمل، وحروب مع أقاربه، لماذا؟ إلا الذين قال الله عز وجل فيهم: ( ونزعنا ما فى صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين ، والشكاوى فى المحاكم من أجل سهم فى البيت أو سهمين فى الغيط، والأخ وأولاده وامرأته حرب على أخوهم والثانى كذلك، وهذا يتعدى وهذا يتعدى هذا، ألم يسمعوا عن القوم الذين آخذوا الغرباء عنهم فى النسب لكنهم معهم وقريبين منهم فى الدين، يقول لها، أقبل، هذا البيت نصفين واختار الذي يعجبك والمال نصفين واختار ما يعجبك، وانا أراك غير متزوج وأنا متزوج اثنين، انظر إلى أيهما تحب أطلقها لك وبعد انتهاء العدة تزوجها أنت على سنة الله ورسوله، الوصية التى أعطاهم إياها الله: ( يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون فى صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ) [الآية، وليس هذا فقط، عندما جاءت الفتوحات وجاءت الخيرات جمعهم النبي وقال: تعالوا يا معشر الأنصار ويا معشر المهاجرين يقول للأنصار: ما رأيكم أتى لى خير كثير، أقسمه عليكم أنتم الاثنين، ويظلون معكم فى السكن والأموال، أو أعطيها للمهاجرين ويتركوا لكم السكن والأموال التى أخذوها منكم؟ قالوا: لا، أعطيها كلها لهم ولا نأخذ شيئاً مما أعطيناه لهم – (الراجع فى هبته كالراجع فى قيئته)، أعطها لهم ويكفينا رضى الله عز وجل عنا، أين هؤلاء الآن؟ فهم أجدادنا وآباءنا وهؤلاء قدوتنا وأسوتنا وهم الذين قال لنا ربنا فيهم: ( أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ) [الآية، امشوا مع هؤلاء، ما لكم وغيرهم، نحن محتاجين نصر الله وتأييد الله، ولطف الله وتوفيق الله، من فينا لا يحتاج ذلك، من أين تأتى هذه الأمور؟ الجندى المؤمن الذي لا يكذب ولو كان فى هذه مليار مليار مليار جنيه، لأنه يعلم أن الله لا يبارك فى مال جاء عن طريق الكذب وقد قال صلى الله عليه وسلم : (الحلف منفقة للسلعة ممحقة للبركة) يأتى المال لكن بدون بركة، ماذا يفعل بالمال؟ لا يليق بالمؤمن أن يسمح بلسانه أن يخوض فى الأخ المؤمن خوفاً من أن يكون يوم لقاء الله فى الصنف الذين يفضحهم الله ويأمر بهم إلى سقر فتخاطبهم الملائكة: ( ما سلككم فى سقر، قالوا لم نكن من المصلين ... وكنا نخوض مع الخائضين ) [الآية، نتكلم فى حق فلان وفلان، هل عندنا وقت لذلك؟ {كن مع الله يكن الله معك}، وأعلم علم اليقين أن نصر الله، لا يتخلف عن المؤمنين، وليس نصر الله المقصود فى الحرب فقط بل فى أى شدة، فى أى كرب، فى أى مرض، فى أى مشكلة، عندما يأتى نصر الله يفرج الكرب، ويزيل الهم، ويشفى المرض، ويعلى شأن المرء بين إخوانه وليس النصر فى المعارك الحربية بل محتاجين للنصر فى كل أمر حتى ابنى الطالب يحتاج لنصر الله فى الامتحان، حتى يلهمه الله بالإجابة السديدة، جائز أنه حافظ وعندما يقعد فى اللجنة ينسيه، وبعد أن يخرج من اللجنة يتذكر كل شيء ، لكن قد انتهى الوقت، ونصر الله أكثر نحتاجه ليعيننا على عمل الصالحات، الذي ينصره الله ساعة الفجر يؤمنه ويسدده حتى يتوضأ ويذهب ليصلى فى بيت الله جماعة، ومن الذي يؤيده يجد لسانه دائماً وأبداً يذكر الله، يقول لا إله إلا الله أو يستغفر الله، أو يمسك كتاب الله، او يصلى على رسول الله أو يسبح الله ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: {إذا أحب الله عبداً ألهمه ذكره}، والذي غضب عليه الله يكون قاعدا بدون عمل وغير موفق لأن ينطق لسانه بكلمة لا إله إلا الله : ( وماذا عليهم لو آمنوا بالله واليوم الآخر ) [الآية، ما الذي يجهده؟ وإذا قال: أستغفر الله، هل الجسم يتعب أو اللسان يكل؟ أبداً، إنه يتكلم بالخمس ساعات مع الواحد ولا يمل، لكن علامة نصر الله أن ينصره على نفسه وهذا أكبر نصر، حيث لا تسول له المعاصى، ولا يتبعها فى هواها ولا يحقق لها مناها إلا إذا كان فيه رضاء لخالقها ومولاها عز وجل، فنحن فى حاجة لهذه الوقفة، عليك يا أخى بهدى وصمم على العمل بأمر الله وإياك أن تسمع لحديث نفسك أو لوسوسة جنك، أو لهمسات زوجك أو لطلبات ولدك لأن الله قال لنا: ( لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ) [الآية، ومن يتلهى بهم - ( ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون ) [الآية، لأن الله لم يكلفنا بشيء صعب، أنت تمشي فى الطريق ما يتعبك عندما يقول لسانك أستغفر الله، لا يعطلك عن شيء، وأنت راقد فى البيت ما الذي يمنعك أن تكون ممن قال الله فيهم ( يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ) [الآية، عن اى شيء تعطلك، ليس فيها عطلة عن الرزق بل تخفف عنك العناء، سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلملما ذهبت ابنته السيدة فاطمة وقالت: أنا تعبت، ليس هى أحد فى البيت أدق نوى البلح للفرس، وأحضر الشعير وأصفيه وأطحنه على الرحاية وأعجنه واخبزه كل يوم، وأغسل الثياب لقد تعبت، أعطى خادم –حيث قد جاءه خدم كثير فى ذلك الوقت – قال لها: أعطيك واترك أهل الصفة يتكففون العيش، لا يكون ذلك أبداً، ابنته وقرة عينه ، وجبراً لخاطرها قال تعالى سأقول لك احسن من ذلك، إذا أخذت مضجعك فقولى: سبحان الله ثلاث وثلاثين مرة والحمد لله ثلاث وثلاثين مرة، والله أكبر ثلاث وثلاثين مرة، وأختمى المائة بلا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، فهى خير لك من الخادم...
ساعة ما كانت تقولها كأنها دخلت غرفة الإنعاش، كل التعب الذي حلّ بالجسم يذهب، كانوا يحافظون عليها ولم أتركها حتى فى يوم صفين، قال: حتى فى حرب صفين لأن الحرب والتعب فلم أتركها لأزيل التعب والعناء طوال النهار من النفس والجسم ولا يكون إلا بذكر الله ( ألا بذكر الله تطمئن القلوب ) [الآية، اللسان يظل شغال بذكر الله، لا يحصل عنده كوارث ولا مصائب ولا مرض ويستفحل ويشتد لأن الذكر يخفف الوضع ومعه اللطف، تمر عليه الفتن كما قال صلى الله عليه وسلم: {طوبى للمخلصين لربهم، تمر بهم الفتن كقطع الليل المظلم وهم منها فى عافية} لأنهم فى حضن الله عز وجل، لأن الولد الصغير إذا حزبه واحد واشتد عليه، ساعة ما يرمى نفسه فى حضن أمه، كل حاجة تروح وانت ترمى نفسك فى حضن من؟ أرحم الراحمين عز وجل، فالواحد لما يضع نفسه فى حضن الله ويستعين بالصبر وبذكر الله، خلاص كل شيء سيعدى عليه (لا يمسهم فيها نصب) لا يأتى له تعب أو عناء إلا حاجات خفيفة، لماذا؟ لأنه مع الله، نسأل الله عز وجل أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، وان يوفقنا لحسن طاعته، وأن يلهمنا بالعمل الصالح والعلم الرافع والنوايا الطيبة الخالصة، والقصود الصالحة وأن يسترنا بستره الجميل فى الدنيا، ولا يكلنا إلى أنفسنا ولا إلى غيره طرفة عين ولا أقل وينعم علينا بمدد من عنده، يجعلنا فى غنى عن جميع خلقه، حتى لا نحتاج إلا إليه ولا نقف إلا على بابه وأن يجعلنا فى الدنيا من أهل شريعة النبي المختار وأن يرزقنا مرافقته يوم القيامة مع الأبرار، وأن يجعلنا معه فى الجنة فى درجته مع أهل القرب والأنوار،
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الموقع الرسمى لفضيلة الشيخ فوزى محمد ابوزيد
شهدت على أحمد أنه
رسول من الله بارى النسم
فإن مد عمرى إلى عمره
لجالت عنه كل هم
وحاربت بالسيف أعداءه
وفرجت عنه كل غم
يعلن بأنه آمن بالله وبرسول الله صلى الله عليه وسلم، فرسول الله سكن فى بيته ولم يسكن عند أحد من الناس، فانظر كيف نصر الله لحبيب الله ومصطفاه حيث تذكر بعض الروايات تقول أنه بينه وبين تبع خمسمائة سنة وغيره يقول ألف سنة، فمن هذه المدة هيأ الله له البيت الذي سيسكن فيه، وهيأ له الأنصار، لأن الذين سكنوا كانوا من ذرية العلماء هم الأوس والخزرج الذين نصروا رسول الله وأقاموا معه على نصر دين الله عز وجل، فهيأ الله عز وجل لحبيبه كل شيء حتى أنه عز وجل لم يتركه يدخل المدينة دخول الهارب كما يقول البعض، لكن دخول الفاتحين، قبل المدينة بثلاث مراحل، رجل من العرب سمع بالجائزة التى جهزتها قريش لمن يقبض على النبي مائة جمل، فخرج ومعه سبعون نفراً من قومه ومعهم السيوف والرماح، وذهب إلى المدينة وسألهم وهنا يظهر إعجاز الله عز وجل، فقال: من الرجل؟ فقال: أنا محمد رسول الله، لم يستتر ولم يبالى، فشرح الله صدره للإسلام وآمن بالله عز وجل وقال: يا رسول الله لا ينبغى أن تدخل المدينة هكذا، وأتى برجاله بعد أن أسلموا السبعين رجلاً وصفهم صفين، 35 على اليمين، و35 على الشمال، ووضع غطاء عمامته الشال الأبيض، وربطه فى رمحه وجعله كعلم ومشى أمامهم ورسول الله صلى الله عليه وسلم يمشى فى الوسط.
سيدنا الزبير بن العوام آتى من بلاد الشام، قال: يا رسول الله أنا معى ثياب بيض لا تليق إلا بالملوك فخذ هذا الثوب وأدخل فيه المدينة، وانتهى من الكلام وقد حضر عبدالرحمن بن عوف وكانوا تجار، فدخل صلى الله عليه وسلم فى ملابسه الزاهية الجديدة البضاء وحوله العسكر دخول الفاتحين المنتصرين تصديقاً لقول الله عز وجل : ( إلا تنصروه فقد نصره الله ) [الآية، من الذي بعث له هذا الجيش؟ ومن الذي بعث له هذه الملابس؟ الله عز وجل، ومن الذي جهز له هذا البيت؟ الله سبحانه وتعالى، لكن الذي أريد أن أصل به لنفسي وإخواني أن كلنا لنا نصيب فى هذا الأمر، إن استمسكنا بهدي الله ولن تغرينا مغريات الحياة، ما الذي جعل الله ينصر رسوله هذا النصر العجيب، عرضوا عليه إن كنت تريد مالاً ها هو جمعنا لك مالاً حتى تصير أغنانا، وإن كنت تريد الملك ملكناك علينا، وإن كنت مريضاً طلبنا لك الشفاء والأطباء والدواء، قال: لا، لا هذا ولا ذاك، لا أريد مالاً ولا أي شيء من الدنيا، ( إن أجرى إلا على الله ) [الآية، أريد أن تهتدوا إلى الله، ولا أريد منكم شيء، لأن أجرى من الله عز وجل، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: {العنكبوت جند من جنود الله} مع أنها حشرة بسيطة كلنا نتبرم منها فى بيوتنا، لكن هذه الحشرة الإمام على t وكرم الله وجهه يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله نصر بها أعز خلقه وليس رسول الله فقط، فقد نصر بها سيدنا داود من قبل، ونصر بها فى عصر رسول الله سيدنا عبدالله بن أنيس، ونصر بها بعده سيدنا زيد الأبلج ابن سيدنا جعفر الصادق، سيدنا داود عليه السلام لما اهتزت بنى اسرائيل لتركهم شرع الله، وملك الله أرضهم للعماليق، وهؤلاء قوم كانوا يسكنون غزة عندهم بسطة فى الجسم وقوة فى العضلات، واستولوا على أرضهم وأذلوهم وأذاقوهم الخسف، وذهبوا إلى نبي الله فى هذا الزمان وكان اسمه "شمويل" وكان فى مغارة فى الجبل وقد اعتزلهم يتعبد لله عز وجل، وقالوا نريد ملك يأتينا حتى نحارب هؤلاء وننتصر عليهم، فجاء الملك من بنى اسرائيل ( إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ) (246) سورة البقرة، وقد اختار لهم طالوت وجهز جيشه ليحارب ولم يكن يعترفون به لأنه رجل فقير، وجالوت وهو زعيم العماليق كان يهزم جيشاً بأكمله بمفرده بقوته لشدة بأسه، فخرج أمام الجيش وقال: من يبارز؟ أخرجوا له واحد أبارزه؟ من يخرج؟ لا أحد يرد، من يخرج ويضربه سأزوجه ابنتى وأجعله الخليفة من بعدى ومع ذلك لم يخرج أحد، سيدنا داود أبوه كان موجود معه ثلاثة أخوته وهو كان صغيراً وطالع يعاونهم فى الحرب فقط، فقال أنا أحاربه، قال: إنت تروح فين فى هذا؟ وكان سيدنا داود قصير القامة، كل ما ينادى لم يخرج إلا داود، فى النهاية وافق وألبسه الدرع وعدة الحرب وأعطاه السيف والرمح وقال: أخرج وأركبه الفرس، بعدما ركب سيدنا داود وتحرك تجاه جالوت رجع مرة ثانية، قالوا: ما شأنك أخفت منه؟ قال: لا، الحاجات دي غرتني وخلع ملابس الحرب وخرج عارياً ليس معه إلا المقلاع كان يطرد به الذئاب، عند رعى الغنم، المهم من أول رميه من المقلاع جاء الحجر فى رأس جالوت فهزموهم بإذن الله وقتل داود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة وانتصر على الأعداء، ووفىَّ معه طالوت وزوجه ابنته وقال له: أنت الخليفة من بعدى، تكررت الحروب وصار وذاع صيت سيدنا داود فحدث شيء من الغيرة فى نفس طالوت فهم أن يقبض عليه، فخرج سيدنا داود وإختبأ فى غار وذهب طالوت ومن معه يبحثون عنه وجاءت عناية الله وخبأه العنكبوت من أعينهم وكانوا قريباً من الغار فخرج فى الليل وقد أناهم جميعاً حتى الحرس حتى وصل إلى خيمة طالوت وأخذ سيفه ورمحه وأسلحته وذهب ولم يقتله ليعرفه المبادئ والمثل، حتى إذا أصبح الصباح أرسلها إليه وقال له: هذه ثيابك وهذه أسلحتك، وكنت أستطيع قتلك، فعفى عنه بعد قصة طويلة وتاب إلى الله مما فعله، المهم ما الذي أنجاه؟ العنكبوت كما نجى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أيضاً سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد فتح مكة، واحد من الجماعة العرب عند عرفات فى مكان يسمى عرنه، وفيها مسجد نمرة الآن واسمه خالد بن نبيح الهذلى قعد هناك وجعل يجمع العرب ليحارب الرسول صلى الله عليه وسلم فسيدنا رسول الله نادى على عبدالله بن أنيس وقال: اذهب إلى خالد بن نبيح الهذلى واقتله، قال: يا رسول الله والله لا أعرفه، كيف أعرفه؟ قال: إذا رأيته ذكرك الشيطان، وعندما تقف أمامه تصيبك رعدة هزة، فتعرف أنه هو، وذهب الرجل بمفرده ... مادام النبي أمره لا يتخلف، لم يقل كيف أقتله؟ وليس معى جيش ولا فرقة، لابد أن أنفذ أمر رسول الله، فذهب إليه وحدث العلامة فعرف أنه هو، فقال: عرفت أنك تجمع الناس لتحارب هذا الرجل –النبي- وأنا معك وأخذه يتمشى معه حتى خرج بعيداً عن جيشه وقتله، فأحسوا بما فعل فأتبعوه فأسرع إلى غارة فى جبل ونسج العنكبوت عليه ونجاه الله عز وجل من مكرهم ببركة العنكبوت، أقول لكى نعرف أن الفضل الذي أحاط به الله حبيبه ومصطفاه، يحيط الله ولو بنذر يسير منه كل عبد صدق في عقيدته ولم يتزعزع فى العمل بشرع الله عز وجل، المهم سلامة العقيدة، والثبات على المبدأ، وعدم التهور مهما كانت فتن الزمان، معنى لم يتحول عن المبدأ لأن الحبيب صلى الله عليه وسلم، وهو خارج من مكة إلى المدينة وآذوه وأخذوا أموال أصحابه وطردوهم وعنده أموالهم التى يخافون عليها لم يأخذها ويهاجر بل أقام الإمام عليّ، وعرضه للقتل فى سبيل أن يكون المثل الأعلى فى آداء الأمانة حتى يرد الحقوق إلى أهلها، لم يقل مادام الحرب بينهم وبينه فهذه غنيمة، قال: لا، لأن هذه أمانة أعطوها له بنفسهم، فبقى سيدنا علىَّ حتى هاجر النبي صلى الله عليه وسلم، وسلم لكل صاحب أمانة أمانته، ما هذا الوفاء والأمانة، هذه علامة الإيمان، اسمعوا إليه صلى الله عليه وسلم وهو يقول: {لا إيمان لمن لا أمانة له}، الدليل على صدق الإيمان: الأمانة فى القول، الأمانة فى الفعل، الأمانة فى العمل، الامانة فى السلوك، الامانة فى القول، فإذا استمع حديثاً لم ينقله إلى غيره، ليسبب به فتنة أو يشعل به ناراً بين أخوين أو صديقين، وقد قال صلى الله عليه وسلم من مبلغ أمانته، أنه كان إذا التفت، لا يلتفت بعنقه أو بعينه كان فى سمته كان إذا التفت، التفت جميعاً، هكذا ليكون واضح كوضوح النهار لأن الله عز وجل حذر قوماً فقال: ( يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور ) [الآية، خائنة الأعين التى تنظر من تحت إلى تحت، حتى هذه لم تكن عند رسول الله، لما يحارب قال له: ( فانبذ إليهم على سواء ) [الآية، أعلن الحرب على الملأ .. هذا مع الأعداء، لكن عندما يكون زميله فى العمل ويدبر له مؤامرة ليزيحه ويحل مكانه وعمّال يعملها فى الكتمان والسر، كيف يكون هذا مؤمن؟ فيعمل على أخيه ليزيحه من منصبه ليحل محله، إذا كان الكافر لا بد أن يكون على سواء، المؤمن الذي يتمسك بهذه المثل وهذه الفضائل، معه نصر الله وتأييد الله وإكرام الله.
الدرس الذي نأخذه جميعاً من هجرة رسول الله وما أكثر دروسها، أن المرء منا لا يتوقف عند أى أمر أمره الله مهما لاقى فى سبيل ذلك من صعاب فالذي أعز أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، شدة عقيدتهم فيما ذكرناه فكان الرجل منهم لا يبيح لنفسه، أن يخرج عن المثل والمبادئ الإيمانية قيد أنملة، خوفاً من الله عز وجل، مهما تعرض لصعاب لكن فى عصرنا الآفة التى انتشرت فى مجتمعنا أن الناس قد اجتهدوا من عند أنفسهم اجتهاداً خاطئاً فى تبرير الزيغ والبعد عن المثل والمبادئ الإسلامية، فيبيح لنفسه الكذب بحجة أنه مضطر، ويبيح لنفسه أخذ ما يريد من المال العام بحجة أن مال الحكومة ملك للجميع وكل واحد له فيه نصيب، ويبرر لنفسه التزويغ من العمل بحجة أن أجره لا يكفى هذا الوقت – على قد فلوسهم كما نسمع منهم – ويبيح لنفسه أن يخدع فى تجارته، أن يغش فى بيعه وكيله، وميزانه وإلا لا أعرف العيش والكسب، هذه أمور سولتها النفس وعززها وأيدها الشيطان وهذا الذي جعلت عناية الرحمن، فلم تبعد عنا الحمد لله هي معنا لكن أخذ الله يبتلينا ليذكرنا، ليس للانتقام، لأنه لا ينتقم من المؤمنين أبداً، لكن يذكرنا المرة تلو المرة، مرض، فقر، غلاء كل هذا ابتلاءات حتى نرجع إليه لكن والله الذي لا إله إلا هو لو تمسكنا بهدى الله، لفتح الله عز وجل لنا الخيرات من الأرض وأنزلها من السماء، تأتينا أرزاقنا فى أيدينا بغير عناء ولا تعب: ( ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ) [الآية، لم يقل لفتحنا عليهم خيرات ، لأنها ممكن تكون كثيرة ولا تكفى لعدم وجود البركة فيها، لكن لو رزق القليل وبارك فيه لأغنى عن الكثير والكثير كل هذا يحتاج إلى صلابة من الإنسان فى تطبيق شرع الرحمن، على نفسه وعلى أهل بيته أولاً، هذا الذي كلفت أن تقيم الشرع فيه باليد، أما غيرهم فعليك النصيحة، والنصيحة بالطريقة الصحيحة، النصيحة على الملأ فضيحة، لكن تنصحه كما قال الله: بالحكمة والموعظة الحسنة حتى يستجيب لك، يمكن الناس بتشتكى فى زماننا من كثرة الأمراض ومع كثرة المستشفيات لم تعد تستطيع أن تقوم بمهمة العلاج والأمراض الموجودة كلها فى الأجسام لا تساوى مرضاً واحداً من امراض الأخلاق التى حذر منها الكريم الخلائق والتى هى تنخر فى مجتمعنا نخر السوس، الشقاق، والنفاق، والحسد، البغضاء، والكراهية، والأحقاد، وغيرها من هذه الأمراض هى التى نعانى منها من الضغوط النفسية والتوترات العصبية، وهى التى تسبب صعوبة الأمراض الجسدية، الامراض الجسدية إن لم تكن التوترات العصبية تخف فى طرفة عين، لكن الذي يزيد المرض التوتر، والضغط والمشاكل وهذا يأتى من أنه حامل هم هذا ويحسد هذا، وكاره هذا، ويوجد مشاكل بينه وبين هذا حتى أن كل مؤمن بينه وبين إخوانه المؤمنين حروباً لا عد لها، حروب مع جيرانه، وحروب مع زملاؤه فى العمل، وحروب مع أقاربه، لماذا؟ إلا الذين قال الله عز وجل فيهم: ( ونزعنا ما فى صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين ، والشكاوى فى المحاكم من أجل سهم فى البيت أو سهمين فى الغيط، والأخ وأولاده وامرأته حرب على أخوهم والثانى كذلك، وهذا يتعدى وهذا يتعدى هذا، ألم يسمعوا عن القوم الذين آخذوا الغرباء عنهم فى النسب لكنهم معهم وقريبين منهم فى الدين، يقول لها، أقبل، هذا البيت نصفين واختار الذي يعجبك والمال نصفين واختار ما يعجبك، وانا أراك غير متزوج وأنا متزوج اثنين، انظر إلى أيهما تحب أطلقها لك وبعد انتهاء العدة تزوجها أنت على سنة الله ورسوله، الوصية التى أعطاهم إياها الله: ( يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون فى صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ) [الآية، وليس هذا فقط، عندما جاءت الفتوحات وجاءت الخيرات جمعهم النبي وقال: تعالوا يا معشر الأنصار ويا معشر المهاجرين يقول للأنصار: ما رأيكم أتى لى خير كثير، أقسمه عليكم أنتم الاثنين، ويظلون معكم فى السكن والأموال، أو أعطيها للمهاجرين ويتركوا لكم السكن والأموال التى أخذوها منكم؟ قالوا: لا، أعطيها كلها لهم ولا نأخذ شيئاً مما أعطيناه لهم – (الراجع فى هبته كالراجع فى قيئته)، أعطها لهم ويكفينا رضى الله عز وجل عنا، أين هؤلاء الآن؟ فهم أجدادنا وآباءنا وهؤلاء قدوتنا وأسوتنا وهم الذين قال لنا ربنا فيهم: ( أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ) [الآية، امشوا مع هؤلاء، ما لكم وغيرهم، نحن محتاجين نصر الله وتأييد الله، ولطف الله وتوفيق الله، من فينا لا يحتاج ذلك، من أين تأتى هذه الأمور؟ الجندى المؤمن الذي لا يكذب ولو كان فى هذه مليار مليار مليار جنيه، لأنه يعلم أن الله لا يبارك فى مال جاء عن طريق الكذب وقد قال صلى الله عليه وسلم : (الحلف منفقة للسلعة ممحقة للبركة) يأتى المال لكن بدون بركة، ماذا يفعل بالمال؟ لا يليق بالمؤمن أن يسمح بلسانه أن يخوض فى الأخ المؤمن خوفاً من أن يكون يوم لقاء الله فى الصنف الذين يفضحهم الله ويأمر بهم إلى سقر فتخاطبهم الملائكة: ( ما سلككم فى سقر، قالوا لم نكن من المصلين ... وكنا نخوض مع الخائضين ) [الآية، نتكلم فى حق فلان وفلان، هل عندنا وقت لذلك؟ {كن مع الله يكن الله معك}، وأعلم علم اليقين أن نصر الله، لا يتخلف عن المؤمنين، وليس نصر الله المقصود فى الحرب فقط بل فى أى شدة، فى أى كرب، فى أى مرض، فى أى مشكلة، عندما يأتى نصر الله يفرج الكرب، ويزيل الهم، ويشفى المرض، ويعلى شأن المرء بين إخوانه وليس النصر فى المعارك الحربية بل محتاجين للنصر فى كل أمر حتى ابنى الطالب يحتاج لنصر الله فى الامتحان، حتى يلهمه الله بالإجابة السديدة، جائز أنه حافظ وعندما يقعد فى اللجنة ينسيه، وبعد أن يخرج من اللجنة يتذكر كل شيء ، لكن قد انتهى الوقت، ونصر الله أكثر نحتاجه ليعيننا على عمل الصالحات، الذي ينصره الله ساعة الفجر يؤمنه ويسدده حتى يتوضأ ويذهب ليصلى فى بيت الله جماعة، ومن الذي يؤيده يجد لسانه دائماً وأبداً يذكر الله، يقول لا إله إلا الله أو يستغفر الله، أو يمسك كتاب الله، او يصلى على رسول الله أو يسبح الله ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: {إذا أحب الله عبداً ألهمه ذكره}، والذي غضب عليه الله يكون قاعدا بدون عمل وغير موفق لأن ينطق لسانه بكلمة لا إله إلا الله : ( وماذا عليهم لو آمنوا بالله واليوم الآخر ) [الآية، ما الذي يجهده؟ وإذا قال: أستغفر الله، هل الجسم يتعب أو اللسان يكل؟ أبداً، إنه يتكلم بالخمس ساعات مع الواحد ولا يمل، لكن علامة نصر الله أن ينصره على نفسه وهذا أكبر نصر، حيث لا تسول له المعاصى، ولا يتبعها فى هواها ولا يحقق لها مناها إلا إذا كان فيه رضاء لخالقها ومولاها عز وجل، فنحن فى حاجة لهذه الوقفة، عليك يا أخى بهدى وصمم على العمل بأمر الله وإياك أن تسمع لحديث نفسك أو لوسوسة جنك، أو لهمسات زوجك أو لطلبات ولدك لأن الله قال لنا: ( لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ) [الآية، ومن يتلهى بهم - ( ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون ) [الآية، لأن الله لم يكلفنا بشيء صعب، أنت تمشي فى الطريق ما يتعبك عندما يقول لسانك أستغفر الله، لا يعطلك عن شيء، وأنت راقد فى البيت ما الذي يمنعك أن تكون ممن قال الله فيهم ( يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ) [الآية، عن اى شيء تعطلك، ليس فيها عطلة عن الرزق بل تخفف عنك العناء، سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلملما ذهبت ابنته السيدة فاطمة وقالت: أنا تعبت، ليس هى أحد فى البيت أدق نوى البلح للفرس، وأحضر الشعير وأصفيه وأطحنه على الرحاية وأعجنه واخبزه كل يوم، وأغسل الثياب لقد تعبت، أعطى خادم –حيث قد جاءه خدم كثير فى ذلك الوقت – قال لها: أعطيك واترك أهل الصفة يتكففون العيش، لا يكون ذلك أبداً، ابنته وقرة عينه ، وجبراً لخاطرها قال تعالى سأقول لك احسن من ذلك، إذا أخذت مضجعك فقولى: سبحان الله ثلاث وثلاثين مرة والحمد لله ثلاث وثلاثين مرة، والله أكبر ثلاث وثلاثين مرة، وأختمى المائة بلا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، فهى خير لك من الخادم...
ساعة ما كانت تقولها كأنها دخلت غرفة الإنعاش، كل التعب الذي حلّ بالجسم يذهب، كانوا يحافظون عليها ولم أتركها حتى فى يوم صفين، قال: حتى فى حرب صفين لأن الحرب والتعب فلم أتركها لأزيل التعب والعناء طوال النهار من النفس والجسم ولا يكون إلا بذكر الله ( ألا بذكر الله تطمئن القلوب ) [الآية، اللسان يظل شغال بذكر الله، لا يحصل عنده كوارث ولا مصائب ولا مرض ويستفحل ويشتد لأن الذكر يخفف الوضع ومعه اللطف، تمر عليه الفتن كما قال صلى الله عليه وسلم: {طوبى للمخلصين لربهم، تمر بهم الفتن كقطع الليل المظلم وهم منها فى عافية} لأنهم فى حضن الله عز وجل، لأن الولد الصغير إذا حزبه واحد واشتد عليه، ساعة ما يرمى نفسه فى حضن أمه، كل حاجة تروح وانت ترمى نفسك فى حضن من؟ أرحم الراحمين عز وجل، فالواحد لما يضع نفسه فى حضن الله ويستعين بالصبر وبذكر الله، خلاص كل شيء سيعدى عليه (لا يمسهم فيها نصب) لا يأتى له تعب أو عناء إلا حاجات خفيفة، لماذا؟ لأنه مع الله، نسأل الله عز وجل أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، وان يوفقنا لحسن طاعته، وأن يلهمنا بالعمل الصالح والعلم الرافع والنوايا الطيبة الخالصة، والقصود الصالحة وأن يسترنا بستره الجميل فى الدنيا، ولا يكلنا إلى أنفسنا ولا إلى غيره طرفة عين ولا أقل وينعم علينا بمدد من عنده، يجعلنا فى غنى عن جميع خلقه، حتى لا نحتاج إلا إليه ولا نقف إلا على بابه وأن يجعلنا فى الدنيا من أهل شريعة النبي المختار وأن يرزقنا مرافقته يوم القيامة مع الأبرار، وأن يجعلنا معه فى الجنة فى درجته مع أهل القرب والأنوار،
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الموقع الرسمى لفضيلة الشيخ فوزى محمد ابوزيد