آخر الأخبار
موضوعات

الاثنين، 19 سبتمبر 2016

- دلائل تكريم الله للإنسان

عدد المشاهدات:
بسم الله الرحمن الرحيم، وبه نستعين وعليه نتوكل ولا حول ولا قوة الا بالله العلى العظيم إن الله عزَّ وجلَّ خلق الإنسان على أكرم مثال وأحسن تصوير فقال عز من قائل: ﴿وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ﴾. [64،غافر]. فاختار الله جلَّ شأنه هذه الصورة الفريدة للإنسان لأنه أراد أن يكرمه ويعزه ويعلي قدره على جميع الكائنات، وكان هذا التكريم أولاً في شخص أبينا آدم عليه السلام يوم أن خلقه الله ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته العظام قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ﴾. [11،الأعراف]. وكان ذلك في ملكوت الله الأعلى، في عالم الجنات، وكان احتفالاً مهيباً ورائعاً بالإنسان الأول عليه السلام الذى جعله الله أبا لجميع البشرية من أول نشأها الى آخرها.
ثم توالى تكريم الله جلَّ جلاله لبني آدم على مر العصور والأزمان من غير فتور أو انقطاع، فخلق الله كل العوالم من أجل الإنسان وجعلها في خدمته وطوع أمره لا يتأبى عليه شئ منها فى ملك الله العظيم، وكأن كل كائن يقدم خدماته بين يدي الإنسان ويقول له لبيك لبيك  أنا خادم ومسخر إليك. قال الله فى الحديث القدسي: ﴿خلقت محمد لذاتي وخلقت آدم لمحمد وخلقت كل شئ لبني آدم فمن شغله ما خلقت له أبعدته من رحمتي[1].
وأن الإنسان العاقل المستبصر يدرك مدى عناية الله به من الأزل القديم وكيف أن الله جدد له النعم فى كل طور من أطواره وفي كل نفس من أنفاسه، وكيف أن هذه النعم لا تحصى ولا تعد مهما اجتهد الحاسبون والعادون فى حصرها فلن يقدروا على عدها ولا عد بعضها وذلك فضلاً عن حصر منافعها وخواصها التي استودعها الله فيها، قال الله تعالى: ﴿وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا . [34، إبراهيم]. فإن عرف الإنسان هذه الحقائق خَرَّ لله ساجدًا آناء الليل وأطراف النهار شكرا له سبحانه وتعالى على ما أنعم به عليه من النعم الظاهرة والباطنة، ولكن الإنسان دائم النسيان كثير النكران، لأنه ظن أن هذه النعم أمور عادية وشئون جارية حسب الطبيعة قال تعالى: ﴿قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ. [17، عبس].
ولقد تعهد الله عزَّ وجلَّ الإنسان بإرسال الرسل الكرام ليخرجوه من بؤرة الغفلة والجهالة والنسيان إلى حظائر الذكرى والتذكر وإلى العلم والمعرفة وإلى النور والهدى. ولقد توالت الرسل على مدى الزمن في كل قرية من القرى وفي كل أمة من الأمم، قال الله تعالى: ﴿وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ. [24، فاطر]. وقال تعالى: ﴿وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنذِرُونَ.  [208، الشعراء].
ولقد ختم الله النبوات والرسالات بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فأتم الله به النعمة وأكمل به الملة، وفتح به القلوب المغلقة والأعين المغمضة، ونور للناس سبيل النجاة والفلاح، وجاء بشريعة سمحاء وآداب علياء، أبهرت الأبصار وحيرت الألباب، وأخذت بمجامع القلوب حتى دخل الناس فى دين الله أفواجا، ولم يترك النبى صلى الله عليه وسلم هذه الحياة حتى أسس المبادئ العظيمة، وقعد القواعد الحكيمة، وترك الناس على أفضل حالة من الرشد، فقال صلى الله عليه وسلم: {تركتم على المحجة البيضاء والملة السمحاء لا يزيغ عنها الا هالك}[2]
وقد وجد أصحابه رضى الله عنهم فى هذه التركة غاية سعادتهم ومنتهى آمالهم فاستمسكوا بها واعتصموا بها، وتبعهم على ذلك أبناءهم وأحفادهم فسعدوا مثلهم وفازوا فوزا عظيما. ولا تزال البقية الباقية من المؤمنين الصادقين فى كل بلاد المسلمين على عهدهم لم يغيروا ولم يبدلوا فعاشوا الحياة الهنية راضين عن الله ورسوله وعن إخوانهم المؤمنين، فرضي الله عنهم ورضي عنهم رسوله قال الله تعالى: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا.   [23، الأحزاب]
وأن الناس الذين بدلوا عهد الله بحظوظ أنفسهم وأهواءهم الرديئة أضاعوا المجد التليد والعز العتيد الذى ورثه لهم آباءهم وأجدادهم، فذلوا وهانوا وضعفوا واستكانوا، و﴿إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ.                                                                                              [156، البقرة]. ذلك جزاء مخالفتهم للحق الذى جاءهم من عند الله والنور الذى بأيديهم قال الله تعالى: ﴿وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ. [36_ 37، الزخرف]، وهكذا تغير شأن كثير من المسلمين إلى أحوال سيئة وأمور مخزية.
وأن الإسلام الحنيف لم يترك المسلمين في هذه المنعطفات يتخبطون بين جدرانها وإنما يمتد إليهم بيده الرحيمة الحانية لينقذهم من ظلماتها وبأسائها، قال الله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا. [64، النساء] وقال الله جل شأنه: ﴿وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا. [110، النساء]. فأكرم الله المسلمين وفتح لهم أبواب العودة إليه سبحانه وتعالى على مصراعيها، فمرة يفتحها عن طريق حبيبه ومصطفاه صلى الله عليه وسلم ومرة يفتحها عن طريقه مباشرة، ليذلل لهم كل صعب، ويسهل لهم كل أمر. وما على المسلمين إلا أن يلجوا من هذه الأبواب المفتحة قبل أن توصد فى وجوههم فلا يقبل الله استغفارهم ولا يستجيب دعاءهم.
ومن رحمة الإسلام وحرصه على قيمة الإنسان وعلى حياته قرر له حقوقا كثيرة فى هذه الدنيا يؤديها اليه أبناء جنسه أين كان وكيف كان، حتى يعيش فى هذه الحياة مرفوع الرأس موفور الكرامة كما أحب الله له.
وقد وضع الإسلام هذه الحقوق ونفذها فعلا بين أبناء الإسلام وبين غيرهم من أصحاب الأديان الأخرى ما داموا يقطنون دار الاسلام، فصار الناس بعد ذلك أخوة متحابين ورفاقا متعاونين فى جميع نواحي البر والمعروف. ولقد قرر الإسلام هذه الحقوق من لحظة أن استقرت أقدامه على هذه الأرض وكان ذلك من العام الأول للهجرة المباركة الى يومنا هذا.
ولقد أحسن الإسلام إلى الناس أيما إحسان حينما منحهم هذه الحقوق، ولقد سعد الناس بها وعاشوا في ظلها تلك الأحقاب المترامية من الزمان، وما زالوا يهتدون بها الى هذا اليوم وما بعده حتى تقوم الساعة.



[1]
هذا الحديث مروى بالمعنى. [2]

منقول من كتاب حقوق الانسان فى الاسلام
للعارف بالله تعالى
الشيخ محمد على سلامة
مدير اوقاف بور سعيد سابقا



التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:




شارك فى نشر الخير