آخر الأخبار
موضوعات

الجمعة، 9 سبتمبر 2016

- كيف نعيد مجد الامة الضائع

عدد المشاهدات:
بالجد نيل المجد
يتعين على من قاموا بهمة ليعيدوا مجدهم الذي شيده سلفهم الصالح، أن يعلموا -
  أولاً – ما كانوا عليه، لينهجوا على منهجهم القويم، حتى يفوزوا بمقصدهم العظيم، وإن تغير الحال والشأن في هذا الزمان، فإن أعمال القلوب التي تربطها بعلام الغيوب لم  تتغير، فيلزمنا أن نوقظ القلوب بذكراهم، حتى تتحقق بالحق، فتقوم متوجهة إليه -  سبحانه – ولديها تنشيط الأبدان لعمل ما يقتضيه كل زمان. أوصى سيدنا أبو بكر           عمر – رضي الله عنهما – عند موته فقال: ( إن الحق ثقيل، وهو مع ثقله مريء،  وإن الباطل خفيف، وهو مع خفته وبئ، وإن الله – عز وجل – حقاً بالنهار لا يقبله  بالليل، وحقاً بالليل لا يقبله بالنهار، وإنك لو عدلت على الناس كلهم، وجرت على  واحد منهم، لَمَال جورك بعدلك. فإن حفظت وصيتي لم يكن شيء أحب إليك من             الموت – وهو مدرك – وإن ضيعت وصيتي لم يكن شيء أبغض إليك من الموت، ولن تعجزه )
 وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ( حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها  قبل أن توزنوا، وتزينوا للعرض الأكبر على الله تعالى، يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية، وإنما خف الحساب في الآخرة على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا، وثقلت  موازين قوم في الآخرة وزنوا أنفسهم في الدنيا، وحق لميزان لا يوضع فيه إلا الحق أن  يكون ثقيلاً ) وأوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: »اتَّقِ الله أينَمَا كُنتَ وأتبع السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمحُهَا وَ خَالِقِ النَّاسَ بِخُلقٍ حَسَنٍ «(1)
. وقال سيدنا علي عليه السلام:              
( أما بعد: فإن المرء يسره درك ما لم يكن ليفوته. ويسوؤه فوت ما لم يكن ليدركه، فما نالك من دنياك فلا تكثرن به فرحاً، وما فاتك منها فلا تتبعه لنفسك أسفاً، وليكن  سرورك بما قدمت، وأسفك على ما خلفت، وشغلك لأخرتك، وهمك فيما بعدالموت ) (1). وقال كرم الله وجهه: »الهوى شريك العمى، ومن التوفيق الوقوف عند  الحيرة، ونعم طارد الهم اليقين، وعاقبة الكذب الذم، وفي الصدق السلامة، رُبَّ                    بعيد أقرب من قريب، وغريب من لم يكن له حبيب، والصديق من صدق غيبه ولا يعلمك من حبيب سوء الظن، نعم الخلق التكرم، والحياء سبب إلى كل جميل،  وأوثق العرى التقوى، وأوثق سبب أخذت به نفسك سبب بينك وبين الله عز وجل،  إن مالك من دنياك ما أصلحته به مثواك، والرزق رزقان: رزق تطلبه، ورزق             يطلبك، فإن لم تأته أتاك، وإن كنت جازعاً على ما أتلفت من يديك، فلا تجزعن على  ما لم يصل إليك، واستدلل على ما لم يكن بما كان، فإن الأمور أشباه «.

وقال ابن عباس رضي الله عنهما: »لكل شيء آفة، وآفة العلم النسيان، وآفة العبادة الكسل، وآفة التجارة الكذب، وآفة السخاء التبذير، وآفة الجمال الخيلاء، وآفة الدين الرياء، وآفة الإسلام الهوى «وقال صلى الله عليه وسلم: »آفة أُمَّتِي الدِّينَارُ وَالدِّرهَمُ «. وعن ابن عباس رضي الله عنه: »لا تمار حليماً ولا سفيهاً. أما الحليم فيقليك، وأما السفيه فيؤذيك، وأخلف أخاك إذا غاب عنك بمثل ما تحب أن  يخلفك به إذا غبت عنه، وأعفه مما تحب أن يعفيك منه، وأعمل بعمل رجل يعلم أنه        مكافأ بالإحسان، مأخوذ بالإساءة «وقال صلى الله عليه وسلم: »ثَلَاثٌ مَن كُنَّ فِيهِ اْستُكمِلَ إِيمَانُهُ : لَا يَخافُ في الله لَومَةَ لَائِم وَلَا يُرَائِي بِشَيء مِن عَمَلِهِ وَإِذَا عُرِضَ عَلَيهِ أمَرانِ أحَدُهُمَا لِلدُّنيا وَالآخَرُ لِلآخِرَةِ آثَرَ الآخِرةََ عَلَى الدُّنيَا «(2)وقال صلى الله عليه  وسلم: »ثَلاث مُنجِياتٌ وثَلَاثٌ مُهلِكَاتٌ فَأَمَّا المُنجِيَاتُ فَخَشيَةُ الله في السِّرِّ                    وَالعَلَانِيَة وَكَلِمَةُ العَدلِ في الرِّضَا وَالغَضَبِ وَالقَصدُ فِي الغِنَى والفَقرِ  «(3).

الرجوع إلى القوة التي فوق الأسباب يرجع المجد :

قال الله تعالى:)أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِي وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ((1). قال       العربي:
 وما من يد إلا يد الله فوقها  ولا ظالم إلا يبلى بظالم

دفع الظلم عن النفس فطرة في كل ذي كبد رطبة، وقد جعل الله لكل نوع من الحيوانات قوة يدفع بها الظلم عن نفسه: فمنها ما جعل له مخالب ذات أظافر كالكلاليب، ومنها ما جعل له أنياباً، ومنها ما جعل له قروناً، ومنها ما جعل له نفثات سمية، ومنها ما جعل له درقة من الحجر يحتمي بها عند حصول الضرر، ومنها ما جعل له أجنحة يطير بها، أو سرعة تفر بها، لأنه أودع الظلم في النفوس الحية التي تنافس في   تحصيل البقاء في ترف .

وكل تلك المظالم المتنوعة في الحيوانات بحسب قوتها، موجودة في الإنسان وزيادة  عليها، فالإنسان له أنياب ومخالب، وأرجل يرفس بها، ورأس يضرب بها، وقد يبصق في وجه عدوه فيقتله إذا وصل بصاقتة إلى فمه، أو إلى جرح في وجهه، أو عضو من أعضائه، ويزيد على ذلك قوة الكيد الإبليسي والانتقام بالتدبير، فالإنسان وحش           وأضر، وشيطان وأشر، وخصوصاً إذا آتاه الله تعالى الزينة والأموال، وأمده باختراع الآلات الجهنمية فإنه يكون أضر على بني الإنسان من الشيطان، بل ومن شر الأمراض  الوبائية الفاتكة، وليس للمظلومين المجردين من الزينة والأموال والآلات الجهنمية  ما يدفع عنهم الظلم، ولا من يدفعه عنهم، فإذا بذلوا ما في وسعهم مما هو في طاقتهم ولم    يظفروا بقصدهم من الحرية والمساواة وجب أن يرجعوا إلى القوة التي هي فوق  الأسباب، وهي قوة الحكم العدل الذي لا يرضى من نفسه الظلم فكيف يرضاه من  غيره  .

ربما يظن من لا علم له بالدين أن الرجوع إلى القوة التي هي فوق الأسباب لا تتحقق  إلا بترك العمل والأخذ بالأسباب، فأرد عليه أن أئمة المتوكلين على الله تعالى،  الراجعين إلى مسبب الأسباب بالمعنى الأكمل، هم رسل الله ( صلوات الله على نبينا  وعليهم )، وهم في أشد مواطن اليأس كانوا أسرع الناس إلى الأخذ بالأسباب،              وطمأنينة القلب باليقين الحق أن الله تعالى أقرب إليهم من أنفسهم، إلى أن تتلاشى  الأسباب، فيغيثهم مسبب الأسباب جل جلاله، ولديها يرون الله تعالى أقرب إليهم من أنفسهم .

ومن قرأ الآيات الواردة التي فصلت حوادثهم، يعلم أن الرجوع إلى القوة التي  فوق الأسباب يجب أن يكون مصاحباً للعامل من بدايته إلى نهايته، والرجوع إلى القوة  التي فوق الأسباب لا يكلفنا مجهوداً، ولا بذل نفائس، ولا ضياع نفوس، وإنما هو رعاية الآداب الدينية، والقيام بالوصايا النبوية، وحسن النية بالإخلاص في العمل، والطمع في نيل الجزاء الحسن من الله على العمل، بإسقاط النظر إلى الناس ذماً ومدحاً، وترك الطمع في نيل ما يفنى، بألا يجعل العمل لنفع خاص، أو لدفع شر خاص، إذا قام عاملاً للنفع العام، ودفع الشر الخاص عمل إفرادي، وكل فرد يقدم نفعه الخاص في وقت الخطر المحدق بالمجتمع أثبت تبرئته من المجتمع، وحرم هذا النفع، وعجل لنفسه الذل،
وإن القوى التي بقيت لنا محصورة في ثلاثة أشياء:

الأول : حسن الظن بالله أن يتداركنا بخفي لطفه .
الثاني : الرجوع إلى العمل بالدين في جميع شئوننا، حتى نسعد بما سعد به سلفنا  الصالح .
الثالث : أن يكون كل فرد منا بالنسبة للمجتمع ككل عضو بالنسبة للجسد الحي،  والعضو في الجسد إنما يعمل لنفع الجسد العام، وكلما كان الجسد قوياً كان العضو  قوياً، ومن جهل تلك الحقيقة أضر نفسه قبل أن يضر غيره .

بعض من لا ثقة لهم بالله تعالى ممن يعتقدون دوام الحال، يسارعون إلى نفعهم الخاص، ولو بضرر المجتمع، والحقيقة أن دوام الحال من المحال، وبرهان ذلك مشهود  صباح مساء، فكم من قوي ضعف من حيث لا يعلم، ومن عزيز ذل من حيث لا يشعر، ومن ملك عظيم فَرَّ ناجياً بنفسه، ومن أمة أخذت زخرفها وازينت وتحققت      أنها قادرة على كل شيء، فنزع ملكها، وسلب تاجها، وأصبحت أذل من الذل،               فالواجب على كل فرد من أفراد المجتمع أن يتحقق أن عزه وسعادته ومجده لا يتحصل  عليها إلا ما دام المجتمع عزيزاً قوياً، ذا قوة ومنعة، متمتعاً بحرية الآراء، والتجارات  والزراعات، لا يرى فوقه إلا الله الحكم العدل، الآمر الناهي، ثم أولياء الأمور منا،  المنفذين لأحكام الله تعالى .

 وليتق الله من زعموا أن الدنيا هي دار البقاء، وأن القوي من الناس تدوم قوته، وليرجعوا إلى صوابهم قبل نزول البلاء الفادح الذي يستحقه الظالمون بسبب ظلم عباد الله تعالى، والإفساد في الأرض، فإن الأقوياء الذين يساعدون من ينالون الخير به،  وينتقمون ممن يريد الخير لأمته، لا يركن إليهم إلا من عرض نفسه للهلاك الأكبر .

وقد آن أن تجمع القلوب والألسنة على دفع الشر العام، وجلب الخير العام، ليكون  لكل فرد منا قسط وافر من العز والمجد، وسبيل هذا الخير لا يجهله إنسان، والمعونة من الله تعالى .


بالاتحاد يعود المجد :
قال الله تعالى: )وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا ((1). وقال رسول  الله r: »تَرَى المُؤمِنِنَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَوادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثِلِ الْجَسَدِ إِذَا  اشْتَكَى عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى «(2).
ومعنى هذا الحديث الشريف أن كل عضو من أعضاء الجسد متحد بجميع الأعضاء، فكل عضو به كمال تركيب الجسد، وله عمل عام وخاص، بحيث لو مرض لم يقم بوظيفته, فيختل تركيب جميع الجسد, وكذلك كل فرد من المجتمع الإسلامي        هو كالعضو المتمم لتركيب المجتمع, له وظيفة خاصة ونفع عام, بحيث لو أهمل فيما     هو خاص به لكان كالعضو الأشل في الجسم, ولو تساهل فيما هو واجب عليه للمجتمع لكان كالعضو المتألم الذي يضر جميع الجسد, فالفرد إذا لم يحصل ما لا بد له  منه بالطرق المسنونة شرعاً أضر المجتمع بفساد أخلاقه بتحصيله ضرورياته بالباطل,   فيفسد أخلاق كثيرين, وإن لم يقم بما يجب عليه للمجتمع فتح أبواب الشر على نفسه     وغيره, بحبه لذاته وحسده لمن رفع الله قدرهم بقدر هممهم, ولا أضر على المجتمع ممن   أحب نفسه وحسد من أقامهم الله عمالاً لخير المجتمع,لأنه يستعمل كثيراً من البسطاء   مرضى القلوب فيما يضر, ولو كان فيه ضياع مجد المجتمع حسداً لأهل الهمم العلية  الموفقين للخير .

الساعي في التفرقة شر الخلق:

أول من سعى في التفرقة من الخلق إبليس, حسد نعمه الله على آدم فسعى في تفرقة   كلمة الملائكة, وماذا يفعل الحسود في قدرة الودود؟ يبوء بخيبة وخسران وطرد  ولعنة, نرى العائلة ذات المجد تحفظ كيانها بين المنافسين في مجدها وحسادها وأعدائها  ما داموا متحدين, حتى يفسد فرد منها فيسعى في تفرقتها, فيشتغل بعضهم ببعض,              فتضيع منهم الفرص الثمينة التي بها دوام المجد ومزيد الفضل, ولا تلبث حتى تهبط من  سماء الرفعة إلى أرض الذلة، ما لم يتداركها الله بفضله ببعد الساعي في التفرقة أو إبعاده عنها بالاتحاد .


الاتحاد مطلقاً خير كله :

إن المجتمع لا يخلو من مرضى القلوب الذين يسارعون إلى الفتنة بفطرهم،  ولا يستريحون إلا في الجو العكر، لأنهم جلبوا على حب الشر والانتقام والحسد .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : »أَلَا أُخبِرُكُم بأبغَضِكُم إِلَىَّ وَأبَعِدكُم مِنِّي مَجَالِسَ يَومَ القِيَامَةِ الثَّرثَارُون المُتَيهِقُون الَّذِينَ لَا يَألَفُونَ وَلَا يُؤلَفُونَ «(1)  ذلك لأن الأشرار يتداوون بفعل الشرور، قال الشاعر :
تداويت من ليلى بليلى من الجوى   كما يتداوى شارب الخمر بالخمر
ولما كانت شرور الفرد تأتي من عدوه الشيطان ونفسه، والعائلة تكون شرورها من  حسود يحب سلب نعمتها، فعدو الأمة أمة تسعى في سلب مجدها وملكها، وكما أن في  الجسد أجزاء تستعين بالعدو على نيل غرضها من الشهوات والحظوظ والأهواء، فتنتفع بالشيطان والنفس وتعادي العقل والروح والفكر فكذلك في العائلة من ينتفع بعدوها         لينال الرياسة والثروة، وفي الأمة رجال ينتفعون بعدوها فيسرهم إضعاف الأمة ليفوز بقصوده الفاسدة. والمتعين على كل مجتمع أن يحفظ أفراد المجتمع بالاتحاد، ولو كان  بعضهم على ضلال، خشية من حصول التفرقة التي تمزق جسد المجتمع، ودليل ذلك  ما حصل لبني إسرائيل من فتنة موسى السامري التي هي كالنار المحرقة لليابس           والأخضر، لو تفرقت الأمة، ولكن الله تعالى تداركهم بلطفه، فاتحدوا على هذا الضلال  وقام سيدنا هارون فبين للمؤمنين في خلوته مضار هذه الفتنة، وأمرهم ألا يتفرقوا حتى  يرجع سيدنا موسى عليه السلام، فلزم المؤمنون السكينة وأهملوا السامري ومن معه  محافظة على الاتحاد، وهذا معنى قول سيدنا هارون: )إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ((1). فرسول كريم على الله تعالى يعلم مقدار الكفر بالله، ولم يأمر المؤمنين بدفع هذا الشر خوفاً من تفرقة الأمة التي ربما استأصلتها قتلاً وفساداً، فصبر حتى رجع سيدنا موسى عليه السلام .

وهي الحكمة التي يجب علي كل مجتمع أن يلاحظها في وقت الفتنة محافظة على  الاتحاد، فإن الباطل لا سلطان له، قال تعالى: )إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا ((2). ومتى  اعتنت الأمة بالساعي في التفرقة، وقامت لدفع شره فتحت أبواب الشرور، وفرقت  كلمة الأمة، بل الواجب على المجتمع أن يهمل أمر هذا الحسود المفرق مع المحافظة على المجتمع من هذا المرض ببيان مضاره من غير عمل عدائي، فقد يتبصر المفتون فيعادي من فتنة، أو يتبين للمفسد سوء عمله فيرجع عنه، والحق أحق أن يتبع، وثمن الاتحاد غال، ومن لم يبذله لنيله حرمه، وليس كل غيور لنيل الاتحاد يمكنه تحصيله، فإن  للأمور وجوهاً تتضح وطرقاً تسهل الوصول إليها، ورجالا ً أهل حكمة ومعرفة بالنفوس، يعالجون هذه الأمراض حتى يزول المرض، أو يخف الألم وما توفيقي إلا بالله .


المجتمع الإسلامي كالجسد الواحد :

معلوم أن المجتمع الإسلامي مثله رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجسد. ولما كان  كل جماعة من المسلمين في الأرض يمثلون عضواً من أعضاء المجتمع الكلي الذي يشبه الجسد الواحد، ويمثلون مجتمعاً إسلامياً منفرداً يعمل لخيري الدنيا والآخرة، منفصلاً    ومتصلاً، ولذلك مثل: رجل له أبناء أقام أحدهم في التجارة، والأخر في الصناعة،  والثالث في الزراعة، والرابع في ضبط الأعمال، فمجتمعهم هو المجتمع، لأن كل  واحد منهم بالنسبة للمجتمع ككل عضو للجسد، ولكن التاجر يعمل لنمو التجارة  وانتشارها، فكأنه منفصل وفي الحقيقة هو متصل بإخوته، لأن الخير عام، فمصر أو  الشام أو العراق وإن كانت مجتمعات منفصلة في ظاهر الأمر إلا أنها متصلة كل الاتصال    بالمجتمع الإسلامي كاتصال اليد بالجسم، والرأس بالعنق, ولكل مجتمع من تلك  المجتمعات حقوق واجبة عليها, وكل فرد منها مطالب كل المطالبة بالواجب المقدس عليه الذي هو طلب الخير للأمة, ودفع الشر عنها, والعمل لنيلها الاستقلال والحرية, بحيث لو خالف أحد منهم يعاقب يوم القيامة, وربما جهل بعض الأفراد فظن أن الخير الخاص به يمنعه عن المطالبة بهذا الحق المقدس، أو ربما سعى لنيل سعادة له وخير،  ففرق بين المجتمع، وربما دعاه الحسد وطلب السيادة إلى مساعدة أعداء الأمة، وكل  ذلك مفسدة عظمى، فإن هذا المغرور إذا نجح في قصده لا يلبس متمتعاً بالسعادة إلا  زمناً يسيراً، ويذل بما يصيب الأمة من الذل، لأنه فرد منها، وإذا قدر الله تعالى            وفازت الأمة برغباتها عاش ذليلاً مهاناً هو ومن بعده من أبنائه حتى يعذب يوم القيامة . أقول : بالاتحاد يعود المجد ويقهر الضد، لأن الجسد لا يبلغ كمال صحته ومسراته إلا إذا اتحدت الأعضاء على العمل للجسد، فقامت العين واليد والأذن وغيرهم لخدمة  الجسد، والاتحاد يكسب أهله خيرين : خير الشرف التاريخي الذي يكسبه المجد،  وخير السيادة ونفوذ الكلمة وقوة العصبية، والتفرقة تهوي بصاحبها في ذلين : ذل احتقاره بين الأمة، وذل حرمانه من الثقة به، منحنا الله الاتحاد جميعاً .

إنما نسعد بما سعد به سلفنا الصالح :

إن الله تعالى بارك لنا في دينه الحق الذي جاء به الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم  من عنده، فكنا قبل الإسلام شراً من الوحوش الكاسرة وأضل من البهائم الراتعة، في محيط صحارى قاحلة، وأودية ماحلة، يأكلن الغير ولا نأكل، ويملكنا ولا نملك، نهيم على وجوهنا في الفدافد للسلب والنهب وقتل الأبرياء، حتى آتانا رسول الله صلى الله           عليه وسلم بالهدى ففتح الله به آذاناً صماء، وأعيناً عمياء، وقلوباً غلفاً، حتى أذل الله  لنا العالم أجمع ومحا بنا الظلم والتظالم، والباطل والضلال، وسرت أنوار الإسلام سري الشمس في رابعة النهار، فكان المسلم يلبيه ربه وتخدمه الملائكة وتزول به عروش الملوك الظالمة وتيجانهم الطاغية. دام لنا هذا المجد مادمنا عاملين بوصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقتدين بأئمة الهدى، حتى تنافسنا الدنيا كما تنافسها من قبلنا فتفرقت  القلوب، واختلفت الأهواء وتباينت المصالح، فسلط الله عليهم من لا قبل لهم به ممن كانوا يرهبوننا أشد من رهبتهم من الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم .

يا قوم : تيقظوا من نومة الغفلة ورقدة الجهالة إن الله مكن لنا في الأرض بالحق تمكيناً جعل تيجان الملوك تذل لنا، وسخر لنا ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه، حتى أطاعنا كل شيء، ومنحنا الله العلم الذي به نستخدم ما حولنا من الحقائق، وهذه  كتب الفنون والصناعات، والعلوم حجة قائمة على ما تفضل الله به علينا، فنحن أول من اخترعنا المخترعات النافعة، وأول من أظهرنا خبايا الكائنات، وأول من رفعنا شأن الصناعات، وأول من نشرنا العدل والفضائل بين جميع الأمم، وأول من دعا الأمم إلى الحق المبين، بالرحمة والشفقة والحكمة والموعظة الحسنة، وأول من محا الشرك والجحود والظلم والتظالم من العالم أجمع، ودام لنا الرقي والسلطان والمجد، حتى        تساهلنا في ديننا، وعملنا بغير وصايا نبينا صلى الله عليه وسلم، فكان الاستعباد  والذل، والصغار والخزي، فتداركوا الأمر بالرجوع إلى الله وإلى العمل بسنة نبيه،  فليس بعد العيان بيان .

يا قوم : إن من ترك السنة والكتاب أدخله الله العذاب، فكيف يرضى قوم بالعذاب  في الدنيا بعد النعيم ؟ وبالاستعباد بعد الملك، وكلهم يعلمون أن عذاب الآخرة أشد  وأبقى .

يا قوم : ليس بيننا وبين المجد الذي كان لسلفنا، والتمكين في الأرض الذي كانلآبائنا، إلا أن نقول: يحيا القرآن المجيد، يحيا رسول الله صلى الله عليه وسلم، تحيا السنة المطهرة، يحيا منهج السلف الصالح، ونعمل على تجديد سنن نبينا صلى الله عليه وسلم، والأمر يسير، والوهاب القوي قادر قريب ممن تقرب إليه، وليست هذه  نظرية تحتاج إلى برهان أو أمر جديد نريد أن نجربه، فكل مسلم تحقق بما كان عليه      سلفنا الصالح وبما نحن عليه الآن .

يا قوم : ديننا الإسلام، ووطننا الإسلام، ونسبنا الإسلام، وسعادتنا في الدنيا والآخرة بالإسلام، فهلموا بنا – يا قوم – نتدارك الأمر قبل فواته



لا تيأسوا من روح الله :

لم يترك من الجهل شيئاً من خطر على قلبه اليأس من روح الله، وليس بإنسان من  ورد على قلبه القنوط من رحمة الله، فإن ديننا أقامه الله تعالى بسيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وسلم منفرداً، وكل أهله وأقاربه وأعداؤه، بل العالم أجمع، فلم تمض أعوام تعد على الأصابع إلا وقد أشرق نور الإسلام فعم الأكوان، فانمحت به ظلمات المجوسية،        وظلم ملوك النصرانية، وأصبح تاج كسرى وقيصر وهرقل ومقوقس وغيرهم على  الترب في شوارع المدينة المنورة، ذلاً للحق الذي محا ظلمات الظلم والتظالم بأحبابه  وأنصاره .

إن الله سبحانه وتعالى بشرنا بأنه يظهر ديننا على الدين كله، وهو القاهر الفاعل لما  يريد، وبشرنا بأنه سوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه، يجددون ما اندرس من معالم دينه، ويحيونه ما مات من سنن نبيه صلى الله عليه وسلم، وإنا لنطمع أن نكون منهم - إن شاء الله تعالى – وقد آن الأوان، وبلغ الظلم عنان السماء، وجاس الإفرنج خلال       الديار، وطعنوا في ديننا، وقد بشرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه لا تزال طائفة منا قائمة على الحق. فالواجب علينا الآن أن نترك ما حرم الله تعالى، من الربا والزنا والخمر والميسر والمسارعة في أعداء الله، وأن نظهر عداوتهم دينا – خصوصاً من أظهروا عداوة الله ورسوله والمسلمين – عملاً بقوله سبحانه وتعالى: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ          آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ ((1).

ثم نبر ونقسط إلى من لم يقاتلونا، ولم يخرجونا من ديارنا، كما قال الله تعالى: )لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ((2). ويجب علينا معاداة غيرهم، والتباعد عن معاملاتهم كما قال الله تعالى: )إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُواعَلَى إِخْرَاجِكُمْ ((3). يجب علينا أن نوالي من والى الله ورسوله، وأن نتحد قلباً وقالباً       على المنفعة الإسلامية العامة، وأن نتجرد من العمل للمصلحة الخاصة بالنفس، وأن  نعين من علمنا منه حب الله ورسوله، وبغض أعدائه, وتحققنا منه السعي للخير العام، وأن نطهر أنفسنا من الطمع في غير مطمع، ومن الحسد، باعتقاد جازم أن الموت  قريب، وأن عداوة المسلم عداوة لله ولرسوله، وأن كل مسلم يسعى لخير نفسه               واخوته المسلمين، ثم نحافظ كل المحافظة على القيام بشعائر ديننا، ونترك ما نهانا الله عنه دفعة واحدة، مهما كان فيه من الخير العاجل لنا، كموالاة الأعداء، وتقليد خصومنا، وترك الواجب علينا خوفاً أو حياءً أو مداراة للعدو، فإن من ترك الحق حياء  أو خوفاً أو مداراة للعدو فقد عظم غير الله تعالى، ومسلم عظَّم غير الله مرق من الدين         كما يمرق السهم من الرمية .

يا قوم : للمداراة قدر مخصوص لا تتجاوزه، وللحياء حد محدود لا يخرج عنه،  وللخوف صورة واحدة، وهي أن يخاف على نفسه الموت معتقداً أنه ينجو فيتحيز إلى  فئة قوية يقوم معها مجاهداً لله، ومن خاف في غير هذه الصورة فترك الحق تركه الحق يوم القيامة، يوم لا ينفع مال ولا بنون، ومتى وفقنا الله تعالى لإحياء سنن رسول الله،   والعمل بكتاب الله كان الله معنا، ولنا، وجدد بنا، ولنا، ما كان لسلفنا، قال                    سبحانه وتعالى: )وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ((1).أيها المسلمون : إن نصرتم ربكم أعاد لكم مجدكم :

قال تعالى: )  إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ((2). تنزه الله وتعالى عن أن يحتاج إلى الخلق في قهر عدوه أو في تقوية جانبه سبحانه، ولكنه سبحانه خلق الإنسان حراً مريداً، ركبه من العناصر المتضادة، وخلق نفوس بني الإنسان متفاوتة قصوداً وميولاً، إلا أنهم متحدون في ضرورياتهم وأغراضهم، متفاوتون في هممهم وآمالهم، ولما كانت نصرة العبد ربه سبحانه وتعالى تتحقق أولاً في     الفرد بقهر نفسه على العمل الذي يرضي الله سبحانه وتعالى، وعلى ترك ما يكرهه الله تعالى فيكون في عمل ما لا يلائمه، وترك ما يلائمه طاعة لأمر الله تعالى، ناصراً الله تعالى على نفسه، فإذا نصر الله تعالى بقهر نفسه على محاب الله سبحانه ومراضيه، نصره الله تعالى على أعدائه من الشيطان والنفس والجوارح نصرة تجعله مالكاً لتلك  القوى، كما قال سبحانه عن كليمه: )  رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي ((3).

ومتى نصر الله العبد على نفسه فملكها كان الله معه، فقام العبد غيرة لله تعالى، ناصراً الحق،  محارباً للباطل، كارهاً أن يرى ما يكرهه الله تعالى في الوجود وهو قادر أن يزيله بقلبه أو بلسانه أو بيده، وهذا سبيل رسل الله – صلوات الله وسلامه عليهم – وأي مجتمع من المسلمين تفضل الله تعالى عليه بتلك الموهبة فأخلص في محاربة قواه أولاً حتى ملكها، وقام ماحياً للضلال والبدع، نصره الله وأيده، ولو قل، وكذلك كان رسل الله  صلوات الله وسلامه عليهم، قال الله تعالى: )أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ.وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ((1).



طريق النصرة :

أسباب نصرة الله للعبد أن يطالب بحق ثابت، وأن يكون الطلب على ما تقضيه الأحكام الشرعية، وأن يخلص الطالب في طلبه لله تعالى، وأن يستمد الحول والقوة من الله تعالى، مجرداً من الغضب لنفسه ومن حب الانتقام ممن خالفه في رأيه، وأن يأخذ بالمشورة قبل الإقدام حتى لا يغتر بنفسه في العمل اجتماعاً لقلوب المسلمين، ومتى توفرت تلك الأركان تحققت النصرة من الله تعالى، وفاز أهل الحق بحقهم وزيادة في    الدنيا، وفازوا برضوان الله يوم القيامة، وسعد كل مطالب بالحق ولو مات قبل نيله .

ومعلوم أن المجتمع الإسلامي فقد صحته الروحانية التي كان بها يحب كل فرد للمجتمع ما يحبه لنفسه، فكان يحس الفرد في مراكش بما يتألم منه مسلموا الهند، كما تحس الرأس بألم خنصر الرجل، وكان يحس المجتمع في الهند بآلام المجتمع في شمال القوقاز كما تحس أصابع الرجلين بآلام الرأس، وجسم يتألم منه عضو ولا يحس بألمه ميت، وعضو يتألم الجسم ولا يحس بألمه مفقود الحياة .



كيف تعود تلك الحياة الروحانية ؟ :

تعود تلك الحياة الروحانية بما بدئت به، بدئت تلك الحياة الروحانية برسول الله  صلى الله عليه وسلم، فقد أظهره الله سبحانه لنا إنساناً، وأعلمنا سبحانه أنه معصوم، فأقواله وأعماله وأحواله ومعاملاته وما بينه لنا هو الحق الذي به افتتحت سعادتنا، ونلنا به الخير الحقيقي في الدنيا والآخرة، وبلغنا به المجد الذي لا يزول، هذا أمر يقيني ليس        بيننا وبينه إلا أن نذكر ما كان لسلفنا من المجد والعزة والملك والتمكين في الأرض بالحق، حتى بلغ ذلك المجد مبلغاً كان فيه المجتمع الإنساني بين مسارع إلى الإسلام بعقل واعتقاد، أو أهل ذمة لسماحة الإسلام وحسن معاملة أهله، أو أرقاء يباعون في                          الأسواق لجهالتهم وعنادهم للحق، والكل في حرية تامة، وراحة عامة، لمحافظة المسلمين على وصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومسارعتهم إلى تنفيذ أحكام الله وحدوده .

ليس بين المجتمع الإسلامي وبين أن يعود له المجد الذي كان له شقة شاسعة، ولا مسافة واسعة، وإنما هي لمحة تحصل بها الصلحة، ونحن والحمد لله لم يغب عنا رسول  الله صلى الله عليه وسلم، ولن يغيب صلى الله عليه وسلم وهو فينا ونحن معه، أما كونه   صلى الله عليه وسلم فينا فالقرآن المجيد والسنة المطهرة – حفظهما الله لنا من التغيير والتبديل، وسهل جداً علينا العمل بهما، والغيرة لهما، وإقامة حدودهما، وقهر المتساهلين على القيام بما أوجبه الله تعالى، ورغب فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم -  وأما كوننا معه صلى الله عليه وسلم فأمر لا يكلفنا مشقة، وليس بيننا وبينه شقة، وقد بين الله تعالى صفات وأخلاق وأعمال من يتفضل عليهم بمعيته صلى الله عليه وسلم التي بها نكون مع الله تعالى، ويكون الله معنا .



مجتمع معه الله يفوز بما تمناه :

أقول مجتمع والحقيقة أن فرداً معه الله، يذل الله له كل من سواه، ودليل ذلك : الهجرة: هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم من بلده العزيز عليه وأقاربه بعد أن  تحمل فادح الآلام ليس معه إلا الله تعالى، وكل أهل مكة مجمعون على قتله صلى الله عليه وسلم، وأنت تعلم مقدار أهل مكة في المجتمع العربي،  وصحبه الصديق رضي الله          عنه، والعرب جميعاً عقدوا قلوبهم على بغض الحق الذي جاء به، وأجمعوا على قتله،  فنال في هجرته صلى الله عليه وسلم ما نال من الشدائد، حتى وصل إلى المدينة المنورة، فأظهر الله دينه، ونر رسوله صلى الله عليه وسلم وأيده حتى التجأ صلى الله عليه وسلم أهل المنعة والقوة من أعدائه، والله جل جلاله وعد أهل الإيمان برسوله صلى الله عليه وسلم بأن يكون معهم ولهم، ماداموا معه وله، وإنما هي لمحة تحصل بها المصلحة. والله ولي المؤمنين، فاعتبروا يا أولي الأبصار .



الواجب الأول على المسلمين الآن :

الغيب خفي عن الخلق, ولكل وقت واجب، فانتهز فرصة ما يقتضيه الوقت لتنال الخير بحسن النية وصحة الوسائل. ولما كان الغيب مستوراً, والمقصد محبوباً, ونيله مشكوك فيه, وجب على القائم بالطلب أن يقف مع الشريعة بالأدب, حتى يفوز بالخيرين: خير مقصده, ورضوان الله تعالى, أو يرجع بالأجر من الله والإثابة, ومن     أسرع للقيام بواجب الوقت مخالفاً الشريعة, غافلاً عن النية الحسنة, ورعاية جانب الله تعالى, غير معتمد عليه, يكون آثماً إن نال قصده, أو محروماً في الدنيا, معذباً في الآخرة إن حرمه .

والوقت الحاضر يقتضي أمرين عظيمين : أهمهما الرجوع إلى كتاب الله وسنه رسول الله, لنجدد ما تركناه, ونعيد العمل بما أهملنا فيه, وهو المقصد الأسمى الذي به الفوز بكل قصودنا, والشأن الأهم الذي بإهمالنا فيه يضيع منا كل شيء, حتى حياتنا الإنسانية, فنعيش عيشة الحيوانات الداجنة التي تعمل لغيرها .



نتائج المحافظة على الشريعة :

يفوز المحافظون على الشريعة بالعزة في الدنيا من الحرية الحقيقية التي بها لا يرى المحافظ على الشريعة فوقه أحداً إلا الله تعالى، فيكون عبداً لواحدٍ أحدٍ ليس له شبيه ولا نظير من الخلق، فلا يذل إلا له سبحانه، وذله لله عين العز والمجد، ويفوز بطمأنينة   القلب، لأنه خليفة عن ربه الذي له كل شيء، وأن كل ما سواه ومن سواه عبيد            مربوبون لرب قادر، وعباد مقهورون بحكيم قاهر، فيقوم بحقوق الخلافة عن ربه عاملاً  بالإخلاص بقدر استطاعته، يفوز المتمسك بالشريعة ببغض الكفر والضلال وأهلهما،  ويعادي الرذائل وأهلها ويحب الإيمان والهدى والفضائل، ويعادي أهل البدع                    والأهواء، يفوز بأن يتشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم، فيحصل العلوم النافعة، ويعمل الأعمال الصالحة، ويسارع إلى نفع الخلق بقدر طاقته، تشبهاً بالصديقين، ويتخلق بأخلاق الله تعالى من الحلم والعفو والإحسان والكرم لمن يستحق، ومن القهر والانتقام والشدة على من يستحق، حتى يكون كما خلقه الله في أحسن تقويم روحاً وجسماً يفوز المتمسك بالشريعة بمحبة الله له فيكون نوراً لخلقه يهدي إلى الحق، ويلقي الله له المحبة في الخلق فيكون إماماً للمتقين، هذا أول واجب أوجبه علينا الوقت الحاضر .



الواجب الثاني :

تابع للواجب الأول، وبه ينال, وهو المسارعة إلى رد ما فقدناه من ملك ووطن وعلوم وصناعات وفنون وحرية وإرادة, ودفع ما ابتلينا به من الاستعباد والاستبداد, وفساد الأخلاق والعوائد, وانتشار الفواحش ظاهراً وباطناً, والركون إلى أعداء الله  تعالى, والمسارعة فيهم, وطلب الدنيا بأعمال الدين, وإهمال العمل بكتاب الله تعالى عملاً بما وصفه أهل الكفر, وفقد الغيرة لله ولرسوله وللفضائل, ونسيان القلوب يوم القيامة وهَوْله, ومحو الرحمة الإسلامية من بين المجتمع حتى من قلوب أفراد العائلات  لبعضهم, وفقد الثقة من بعضنا لبعض ووضعها في أعداء الله ورسوله صلى الله عليه  وسلم وأعدائنا حتى تمكنوا منا لغفلتنا وغرورنا، هذان هما واجبا الوقت .



اليقظة للظفر بالمقصد الأعظم :

كل مسلم يعلم أن الله تعالى ما فرط في كتابه من شيء وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين لنا كل شيء من أحوالنا الشخصية، للفرد وحده، وله مع والديه واخوته وأرحامه، وله مع زوجته وأولاده وأتباعه، وله مع جيرانه ومع أهل قريته، وللفرد مع شركائه ونظرائه في عمله، من تجارة وزراعة وحرفة وصناعة وخدمة لكل فرد مع كل فرد، ومع المجتمع، وللأفراد مع بعضهم من المسلمين، ولهم مع أهل الذمة وللمجتمع مع أهل الحرب .

بين الله لنا كل شيء حتى علمنا كيف نأكل، وكيف نلبس، وكيف نلامس النساء، وكيف نمشي، ووضح لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعمله وقوله كل شيء من شئوننا مما لا تهتدي إليه العقول، ولا تصل إليه الأفكار، بالبحث والتجارب،  رحمة من الله تعالى بنا، وعناية، فصرنا – والحمد لله – أعزاء بالله بعقائدنا، سعداء           بعبادتنا لله تعالى، إخواناً متحابين بالتشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم، أغنياء  بمسارعتنا لما أمرنا الله به من العمل للخير العام، في أمان من شرور الخلق بالتمسك بحسن المعاملة الشرعية، أصحاء الأبدان بتحريم الخمور والفحشاء والفجور، يهابنا ملوك الأرض لتعظيمنا لله تعالى، ومحافظتنا على أحكامه. لَعَمْرُ الله هذا هو العز في الدنيا والمجد في الآخرة، به تخضع لنا تيجان ملوك الأرض، وبه نفوذ بجوار رسول الله يوم العرض .

لذا يجب علينا أن نتبصر في أمورنا، ونتوقى مكائد أعدائنا، ونعتصم بالله تعالى، عاملين بكتابه سبحانه، وبسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ونعتقد أن الحياة الدنيا دار فناء فنحتقر حظوظها وملاذها، متحدين على العمل بالقلب والقالب فيما ننال به  سعادتنا في الدنيا ونعيمنا في الآخرة، محتقرين كل رياسة أو ثروة أو سعادة توقعنا في التفرقة وشتات الحال، فإن عدونا قوي يقظ . وننبه إخواننا بمصر واليمن والشام وغيرها من البلاد الشرقية أن يعتبروا بما فات، وأن يستقبلوا المستقبل بقلوب اتحدت على نصرة الحق، وأبدان اجتمعت لتجديد المجد لنفوز بالسعادتين، ونحظى بالحسنيين، ولنعتقد  أن عزنا ومجدنا بالرجوع إلى أحكام ديننا، قال الله تعالى: )وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ           اللَّهِ ((1). وقال سبحانه:)وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ((2). أسأل الله تعالى أن يمكن لنا في الأرض بالحق، وأن يحفظنا من الفتن المضلة، ويوفقنا للعمل بمحابه ومراضيه .


__________________________________________

( 1 ) رواه أحمد والترمذي وهو حسن والدارمي والحاكم في المستدرك والبيهقي في شعب الإيمان .

( 1 ) رواه الترمذي 1987 وأحمد 5/ 153، 158، 169، 177، 228، 236 والدارمي 2/ 323 والحاكم في المستدرك 1/ 54 والطبراني في المعجم الصغير 1/ 192 وأبو نعيم في حلية الأولياء 4/ 378 وابن كثير في تفسيره 2/ 177، 2894 والزبيدي في إتحاف السادة المتقين5/ 512، 8/ 518، 576 والمتقي الهندي في كنز العمال 5629، 43296 والسيوطي في الدر المنثور 2/ 76 .

( 2 ) أورده الزبيدي  في إتحاف السادة المتقين 6/ 264، 9/ 678، 10/ 107 والعراقي في المغنى عن حمل الأسفار.

( 3 ) أورده الزبيدي في إتحاف السادة المتقين 8/ 164، 192، 337، 9/ 178، 678 والتبريذي فيمشكاة المصابيح 5122 والعراقي في المغنى عن حمل الأسفار 3/ 235 والهيثمي في مجمع الزوائد 1/ 91.

( 1 ) سورة الفجر آية 6 – 14 .

( 1 ) سورة آل عمران آية 103.

( 2 ) رواها البخاري في كتاب الأدب الباب 27 ومسلم في كتاب البر الحديث 66 .

( 1 ) رواه الترمذي في كتاب البر الباب70 وأحمد في الجزء الرابع صفحة 193، 194 .

( 1 ) سورة طه آية 94 .                                                       ( 2 ) سورة الإسراء آية 81.

( 1 ) سورة الممتحنة آية 1.           ( 2) سورة الممتحنة آية 8.         ( 3 ) سورة الممتحنة آية 9.

( 1 ) سورة النور آية 55.               ( 2 ) سورة محمد آية 7.             ( 3 ) سورة المائدة آية 25.

( 1 ) سورة التوبة آية 109 .

( 1 ) سورة آل عمران آية 126.                                            ( 2 ) سورة الروم آية 47.
التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:




شارك فى نشر الخير