عدد المشاهدات:
ما أثاره بعض المتعالمين
حول قول رسول الله صلى الله عليه
وسلم:
{لَعَنَ اللهُ اليَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورُ
أَنُبِيائِهمْ مَسَاجِدَ}.[1]
وقولهم إن المسلمين الذين
يتخذون المساجد على الموتى ويصلون في هذه المساجد قد تشبَّهوا باليهود والنصارى،
وقد دخلوا في هذه اللعنة التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الشريف.
وفاتهم أن هذا الحديث موجَّهُ
أصلا على اليهود والنصارى وليس مُنصبَّا على أحد من المسلمين، وذلك لأن اليهود
والنصارى قد فسدت عقائدهم، وضلَّوا في إيمانهم، وأخذوا يقصدون بعبادتهم أصحاب
القبور من أنبيائهم وأحبارهم ورهبانهم والصالحين منهم، وذلك بنص قول الله تعالى: ﴿اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا
مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ
لِيَعْبُدُواْ إِلَـهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا
يُشْرِكُونَ﴾. [31، التوبة].
وإن اليهود والنصارى
يعتقدون فيهم النفع والضر والإعطاء والمنع غير ذلك من الأمور التي لا تتأتى إلا من
الله سبحانه وتعالى، ولا تنبغى لأحد سواه.
ومن هنا اتخذوهم أرباباً
وعبدوهم من دون الله، وكانوا يسجدون في هذه القبور لأصحابها، ولذلك لعنهم رسول
الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الشريف، ونحن نعلم أن اللعن هو الطرد من رحمة الله، والحرمان
من مغفرته سبحانه وتعالى، لأن من تنصبُّ عليه اللعنة إما كافرا بالله، وإما أشرك مع الله آلهة غيره.
أما المسلمون الذين يدفنون أمواتهم في المساجد ويصلُّون فيها فإنهم بعيدون كل
البعد عن لعنة الله ورسوله، لأنهم لم يتشبهوا باليهود ولا بالنصارى في شئ مما سبق
ذكره من الأمور التي وجب اللعن. فإن المسلمين إنما يدفنون الصالحين منهم في المساجد
تكريما لهم، وتقديرا لفضلهم، وعملهم وجهادهم حتى يتذكر من يصلى في هذه المساجد
مآثرهم وأعمالهم وأخلاقهم وفضلهم فيُتأسى بهم ويُقتدى بأعمالهم وأخلاقهم، ولم نسمع
أن مسلما سجد لقبر! ولا لصاحب قبر مهما كان شأنه.
والمسلم أين كان وكيف كان
إذا وقف يصلى فإنما يعبد الله بصلاته ويقصده بعبادته سواء وقف يصلى أمام حائط، أو
أمام عمود من أعمدة المسجد، أو أمام قبر أو أمام شجر أو أمام إنسان أو أمام حيوان
فإنه لا يشغله شئ من ذلك عن الله عزَّ
وجلَّ الذي أَحْرَمَ إليه بصلاته وقصده بعبادته دون
من سواه وما سواه، فإن الأرض كلها جُعلت مسجدا للمسلمين بدون استثناء اللهم إلا
أماكن القاذورات والنجاسات التي لا يجوز للمسلم شرعا أن يصلى فيها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:{جُعِلَتْ لِيَ
الأرضُ مَسجدًا وطَهورا}.[2]
حتى إنه يجوز أداء الصلاة
في الكنائس والبيع والمعابد والهياكل، التي توجد فيها التماثيل والصور المجسدة ـ
مع الكراهة فقط ـ وتُكره أيضا الصلاة في المقبرة العامة لاختلاط ترابها برفات
الموتى، أما إذا فرش المصلى فوقها شيئًا طاهرًا فلا كراهة في الصلاة وحينئذ.
وبناء على ذلك فقد اتضح
معنى هذا الحديث الشريف وتبيَّن كيف أن اللعن منصبٌ على اليهود والنصارى لكونهم
عبدوا أنبيائهم ورهبانهم وأحبارهم، واتخذوهم آلهة من دون الله.
وظهر
أيضا كيف أن أصغر مسلم لم يتخذ مع الله إلهًا آخر، ولم يقصد بعبادته أحدا غير الله
عزَّ وجلَّ
لصحة عقيدته وصدق إيمانه بالله ورسوله.
[1] رواه الطبراني عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما.
[2] رواه أحمد في مسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما.
منقول من كتاب التوحيد فى الكتاب والسنة
لفضيلة الشيخ محمد على سلامة
مدير اوقاف بورسعيد سابقا