عدد المشاهدات:
كيف
يجاهد الإنسان نفسه فى سبيل تحقيق تصفية القلب؟ ..الإنسان فى طريق الله إما سالكٌ،
وإما عارفٌ، وإما واصلٌ، وإما متمكنٌ، وإما متمكنٌ أمكن،.. فما جهاد السالك فى
طريق الله عزوجل ليصفى قلبه؟
! أولاً- ترك النفاق العلمى والعملى:
أول
جهاد يبدأ به الأفراد ولا يتركه إلا أهل البعاد هو التخلص من النفاق!
والنفاق
إثنان علمىٌ وعملىٌ، فالنفاق العلمى نفاقٌ فى العقيدة أى باطنى، فتكون العقيدة
زائغة غير سديدة ولا سليمة، وسببه الشهوات والدنيا والأهواء المستكنة فى باطن
الإنسان، ومظاهره الإعتراض على الصالحين أحياءاً وأمواتاً، وتنقيص الأنبياء
والمرسلين بأن يعتبرهم أناس عاديين وخاصة سيد الأولين والآخرين، وانتقاص المسلمين
فلا يعجبه أحد من المسلمين إلا نفسه وخاصة أكابر العلماء الذين لهم بصمات واضحة فى
شريعة الله السمحاء كأصحاب المذاهب، وإثارة النزاعات والخلافات دوماً بين
المسلمين، والتشويش على المؤمنين بكثرة الآراء، .. فهذا النفاق يسمى النفاق العلمى
وهو نفاق فى العقيدة والعياذ بالله عزوجل.
أما
النفاق العملى فهذا يحتاج منا إلى الجهاد الأعظم، وهو أن الإنسان ترغب نفسه فى
التكاسل والتقاعس والتباطؤ عما فرضه عليه الرحمن أو سنَّه النبى العدنان e، ويحتاج إلى
العزيمة والجهاد، وهو الذى أشار إليه النبى e فى قوله:
لا يستطيع
الرجل منهم أن يصلى العشاء فى جماعة فى الليلة الباردة، ولا يستطيع أن يصلى الفجر
فى جماعة إلا قليلاً، هذا النفاق العملى خطورته لو استكنَّ له الإنسان ورضى به ولم
يَلُم نفسه عليه، مثل من يصلى الصبح بعد طلوع الشمس ولا تلومه نفسه ولا تؤنبه ولا
تعاتبه على هذا الفعل .... وهنا خطورة هذا النفاق، لكن لو كنت تصلى الفجر فى جماعة
ونمت عنه يوماً فوبَّختك نفسك طوال اليوم، فهذا خارجٌ هذا المرض، إذاً المرض لمن
رضى به ووَّطن نفسه عليه ونفسه لا تلومه ولا تعاتبه ولا توبخه ولا تؤنبه على ذلك؛
وهذا هو النفاق العملى.
! من أبواب النفاق العملى
هناك
أبواب فى النفاق العملى لابد للإنسان أن يُطهر نفسه منها حتى يدخل إلى مقامات
الإيمان، وسنختار منها خمسة أبواب لخطرها، واحذر فهناك غيرها!:
-
أولاَ:
إذا رأى الإنسان نفسه خيراً من غيره:
فى
العادات والطاعات والقرب من الله، فذاك مرض داخلى يحتاج إلى العلاج، ويقول فى ذلك
أبوالعزائم رضى الله عنه: (كفى بالمرء إثماً أن يرى الخير فى نفسه والشر فى إخوانه) فى هذه
الحالة هو شيطان وبه مرض داخلى يحتاج إلى العلاج.
-
ثانياً:
السعى للقطيعة بين الإخوان المتحابين المتآلفين:
وهى
أخطر من السابقة فى داء النفاق العملى؛ وهذا شيطان واضح مع أنه يصلى ويصوم وربما
يقوم الليل وربما لا يملُّ من تلاوة القرآن لكن عمله هذا يخالف منهج الإيمان
السديد الذى وضحه الله عزوجل فى القرآن!! ففى (9الحجرات):
(وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن
بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ
إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا
بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ
اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) إياك أن تميل مع هذا أو
ذاك، فلا تمل إلا مع الحق حيث مال.
ثالثاً:
أن يكون الإنسان بخيلاً وشحيحاً ويرى نفسه خيراً من غيره:
لأنه
يرى نفسه حريصاً ومحافظاً على ماله؛ بل ربما يستهزئ بالمنفقين ويراهم سفهاء
ومبَّذرين، وقد يتناهى فى بخله وحرصه حتى يبخل بمال غيره فى نفسه من أن ينفقه
صاحبه فيصير شحيحاًً فتطمح عينه إلى مال أخيه ويقول لو كان لى لحافظت عليه وما
أهدرته، وتنقبض نفسه من جود أخيه بماله! ويراه سفهاً وتبذيراً فهذا من فقه معنى
الشح! فانظر إلى أى مدى يلاحظون خلجات النفوس وطرفات العيون!
ولذلك
قال الإمام عبد الوهاب الشعرانى t: { أقبح القبيح صوفى شحيح
}، كيف يكون صوفياً وشحيحاً؟! فالصوفية لا تدعو إلا
لمكارم الأخلاق، وأول مكارم الأخلاق الكرم والجود وخلاف الشحِّ فالصوفى الصادق لما
يرى أهل الإنفاق يربو الإيمان والغبطة فى قلبه، ويفرح لأخيه ويدعو له ويتمنى أن لو
كانت لى الجبال ذهباً لأنفقتها فى الله! ولذا فهم يذكرون أنفسهم دائماً بقول الله
تعالى:
(وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )(9الحشر).
(وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )(9الحشر).
رابعاً:
أن يلقى هؤلاء بوجه وإذا غابوا عنه ذكرهم بوجه آخر:
وهو
نفاقٌ عملىٌ يتبرَّأ منه كل صفىّ ويبرأ منه كل ولىّ؛ فهو ليس من صفة الأتقياء لأن
التقى ما فى قلبه على لسانه، وهذا ما يسمُّونه المداهنة أى يداهن الناس، أى عندما
يراه يتقرَّبُ أو يتزلَّفُ إليه، فإذا مشى من أمامه أخذ يخوض فيه ويغتابه ويُقبِّح
سوء فعله ولا يذكر إلا أسوأ ما فيه وينسى ما فيه من خصال كريمة – وكلٌّ فيه هذا وذاك
– والحبيب صلى الله عليه وسلم يُخَوِّف هؤلاء المنافقين بسوء العاقبة يوم لقاء
الله فالوجهان واللسانان سيكونان من نار يوم القيامة! فمن يطيق ذلك، قال:
{ ذُو الْوَجْهَيْنِ فِي الدُّنْيَا يَأْتِي
يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَهُ وَجْهَانِ مِنْ نَارٍ }[2]، وقال:
فالمؤمن
التقى هو الذى يرى حسنات إخوانه وعيوب نفسه، ويغضُّ الطرف عن عيوب إخوانه وعن
مكارم نفسه فلا يغترَّ، لا يتذكر مكارمه ولا محامده! وإنما يضع أمامه دائماً
مساوئه وجرائمه حتى يُصلح عيوب نفسه وحتى يهذِّب نفسه.
فالذين
يحضرون المجالس ويذكرون الله ويصلون على رسول الله ثم يمشى أحدهم بين الإخوان
ليوغل صدر هذا ويملأ صدره هذا على ذاك، فهؤلاء شياطين ولكنهم يجالسون المؤمنين،
فعندما دعا الله الملائكة للسجود (فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ) [30-31الحجر]
وهل
كان إبليس من الملائكة؟ لا، ولكنه كان معهم وقتها يقول بقولهم ويفعل بفعلهم فأخذ
حكمهم وأُمِرَ معهم، ولكن حقيقته أبت وبقيت على غيِّها لم تطْهُر، فلمَّا أمر بما
يكره أعلن رفضه وأظهر نيَّته وعصى ربه، وهكذا مثل من تبع الصالحين وقلبه معقود على
صفة المنافقين، وهذا يأخذنا للصفة الخامسة من النفاق العملى وهى والعياذ بالله،
نسأل الله السلامة فى العقيدة والإخلاص فى العمل!.
خامساً:
أن يتصنَّع الخشوع أمام الناس ليحظى بالرفعة والتقديم:
وهذا
من أخطر النفاق وهو قاطع لجميع الإمداد والأرزاق، لأن الرجل لا يزال يتصنَّع
الخشوع والإنكسار أو الصراخ والبكاء وتمثيل الأحوال أمام إخوانه - وليست هكذا
أحوال الرجال وإنما أحوال الجهَّال- فيفرح بتقديم السذَّج له لما يرونه منه وينتشى
لطلبهم دعائه أو تقبيل يده حتى يصدِّق أنه جاز وفاز فيتوقف عن السلوك والإجتياز
ويرى أنَّه فوق البقيَّة، وهو عند أهل الحضرة الحقيَّة منافقٌ علامته جليَّة
وحالته مخزيَّة، والمصطفى يحذر من تلك المهالك المرديَّة وينبِّه ويقول:
{ مَنْ أَرَى النَّاسَ فَوْقَ مَا عِنْدَهُ مِنَ
الـخَشْيَةِ فَهُوَ مُنَافِقٌ }، و{ الْمُنَافِقُ يَمْلِكُ عَيْنَيْهِ يَبْكِي
كَمَا يَشَاءُ }[4]، وبكى سفيان الثوري رضى
الله عنه يوما ثم قال لمن حوله:
{ بلغني أن العبد أو الرجل إذا كمل نفاقه ملك عينيه فبكى }[5]
{ بلغني أن العبد أو الرجل إذا كمل نفاقه ملك عينيه فبكى }[5]
ولا
تعارض هنا مع حديث إن لم تبكوا فتباكوا؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أمرهم بالبكاء
أوالتباكى عند القرآن ترقيقاً للقلوب وجلباً للخشية، أوعند سماع عذاب النار
إظهاراً للخوف من الله القهّار، أو عند المرور بديار الخسف والصعق من الكفار، وأما
المنافق فيبكى أمام الناس تصنعاً وخداعاً، ويملك دموعه إرسالاً وامتناعاً!.
فأول
جهاد فى مراتب السالكين لتصفية القلب أن يجاهد نفسه حتى يتطهَّر من كلِّ أوصاف
النفاق والمنافقين ويدخل فى قول الله عزوجل (119التوبة):
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)
إذا
أعانه مولاه وقوَّاه على التخلص من أخلاق النفاق ليطبع بأخلاق أهل الصدق والوفاق
وكما قال الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم ليعرِّفنا صفة المؤمنين الصادقين:
وهاتان
الصفتان الذميمتان جمعتا ووعتا كل صفات المنافقين فكلُّها متفرِّعٌ عنهما فخلف
الوعد وغدر العهد من الكذب، وفُجْرُ الخصومة وأكل الأمانة من الخيانة، فلابد
للمريد الصادق أن يتخلص من هذه الصفات بالكليَّة، ولا يبيح لنفسه استخدامها ولو
لمرَّة واحدة إذا أراد أن يرتقى لمقام السالك، لماذا؟
لأنه
لابد للسالك أن يكون خالياً تماماً من أوصاف النفاق والمنافقين، لا يكذب ولا يغتاب
ولا ينمُّ ولا يخون ولا يخلف وعداً ولا يفجر فى خصومه !!!....
وهذه
بدايات المؤمنين وليست النهايات! لكن من أعانه الله عليها واجتازها فهذا دليلٌ على
أنه من أهل العنايات، لكن الموحول فيها حتى لو حصَّل العلوم ورزقه الله جودة الفهم
فى تحصيل العلم، وحصَّل علوم العارفين وحِكَم الصالحين إلا أنه كما قالوا فى ذلك: { كحمار الرحى يظنُّ أنه
قطع مسافات وهو لم يبرح محلَّه } فهذا يظن أنه من الواصلين
ومن العارفين وعندما يقال له:
( فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ
حَدِيدٌ( [22ق] يجد
أنه لم يتجاوز موضعه، لماذا؟ لأنه لم يتخلى عن أوصاف المنافقين وصفات الكاذبين
التى نهى عنها ربِّ العالمين والتى حذر منها النبى المصطفى صلى الله عليه وسلم
المسلمين أجمعين.
ولذلك
كان حتى أكابر الصحابة عندما يسمعون حديثاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم فى
صفات المنافقين! يسارعون فى الحال ويقيسونها على أنفسهم مع علو قدرهم! لا يقولون
ليس الكلام لنا! وإنما يبحثون فوراً فى باطنهم! ولا ينامون الليل خشية أن تخدعهم
نفوسهم! ولذا ورد أن أبا بكر وعمر رضى الله عنه لما سمعوا وصف المنافقين من رسول الله
خرجوا من عنده وهم ثقيلون يجرُّون أقدامهم ترتعد أوصالهم لا تكاد تحملهم أقدامهم
خوفاً من أن يكونوا كما وصف صلى الله عليه وسلم؛ فرآهم على رضى الله عنه فقال لهم
:
{ مَالِي أَرَاكُمَا ثَقِيلَيْنِ؟ قَالا: حَدِيثًا سَمِعْنَاهُ مِنْ رَسُول
اللَّه صلى الله عليه وسلم:(مِنْ خِلالِ الْمُنَافِقِينَ إذَا حَدَّثَ كَذَبَ،
وَإِذَا ائْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ") فَقَالَ عَلِيٌّ: أَفَلا
سَأَلْتُمَاهُ ؟ فَقَالا: هِبْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:
لَكِنِّي سَأَسْأَلُهُ. فَدَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
فَقَالَ: لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَهُمَا ثَقِيلانِ، ثُمَّ ذَكَرَ مَا
قَالا: فَقَالَ: قَدْ حَدَّثْتَهُمَا، وَلَمْ أَضَعْهُ عَلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي
يَضَعُونَهُ، وَلَكِنَّ الْمُنَافِقَ إذَا حَدَّثَ وَهُوَ يُحَدِّثُ نَفْسَهُ
أَنَّهُ يَكْذِبُ، وَإِذَا وَعَدَ وَهُوَ يُحَدِّثُ نَفْسَهُ أَنَّهُ يَخْلُفُ، وَإِذَا
ائْتُمِنَ وَهُوَ يُحَدِّثُ نَفْسَهُ أَنَّهُ يَخُونُ }[7].
أى
يقول ويعرف أنه كاذبٌ، أو يعدُ وهو يعرف أنه لن يفى، ولكنه يعد وفقط لفضِّ المجلس!
أو يأخذ الأمانة ونيَّته فى الخيانة! فانظروا لشدة حرصهم على تطهِّرهم من هذه
الخصال الذميمة، وخوفهم من أن أحدهم لو قهره مانع فوق طاقته مع حرصه وترتيبه
للوفاء أو الأداء فحيل بينه وبين ذلك! فحقَّ لصاحب الحقِّ أن يطلبه حقه فى ميعاده
وصاحب الوعد مسؤول عن وفائه وما يترتب على خلفه! ولا نضغط على صاحب الحق ليتنازل
وإن رغَّبناه فى الصبر إن أمكن! ولكن الشاهد أنه لا يكتب فى ديوان المنافقين
لخُلْفِه لأنه لم يبيِّت النية إبداً على ذلك!
وقد
يقول البعض أننى تحدثت كثيراً فى ذلك الموضوع، لكنى أجد كثيراً من إخوانى لا يعير
هذا الأمر اهتمامه فى طور الجهاد، فيظن أن الجهاد فى العبادات والأذكار وقيام
الليل، لكن أول الجهاد أن يراعى نفسه ويرعى جوارحه حتى يتطهَّر من كل أوصاف النفاق
والمنافقين، فيأخذ خلعة الصادقين، ويكون موقعه:
(فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ( [55القمر] وهذه هى بداية السير والسلوك الصحيح إلى ربِّ العالمين عزوجل.
(فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ( [55القمر] وهذه هى بداية السير والسلوك الصحيح إلى ربِّ العالمين عزوجل.
لكن
طالما المرء فيه سِمة أو علامة أو آية أو صفة من أوصاف المنافقين لا يُسمح له
بالجلوس أبداً فى مقاعد الصدق عند ربِّ العالمين عزوجل، فمهما بجَّلوه ومهما
كرَّموه ... كل ذلك ليداروه، لكن الإنسان أبصر بنفسه وأعلم بمصلحته، فمن أراد أن
يرتقى فى مدارج الكمال ويبلغ منازل أهل الوصال يتجمَّل بشمائل الرجال وأولها
التطهَّر من هذه الخصال والخلال
التى حذَّر النبى من الإقتراب منها فى جميع
الأحوال وهى أوصاف المنافقين.
! ثانياً- الحرص على القيام بالفرائض
إذا
تطهَّر السالك من أوصاف المنافقين فيكون جهاده بعد ذلك فى الحرص على الصلاة فى
وقتها فى جماعة فى بيت الله عزوجل ولا يلتمس لنفسه عذراً، لأنه لو التمس لنفسه
الأعذار فسينغمس من رأسه إلى قدميه فى الأوزار.
والمقصود
بالأعذار: الأعذار التى ليست فى شريعة الله، فالمريض الذى لا يصلى فى المسجد هو من
يمنعه الطبيب المؤمن المسلم، لكن آفة السالك أن يلتمس لنفسه الأعذار ويقبلها، وإذا
نصحه أحد يتغير من جهته وربما يُعرض عنه وربما يخاصمه لأنه يريد أن يوجهه، ولذلك
قال إمامنا أبوالعزائم رضى الله عنه: { كن مع شيخك على نفسك ولا تكن مع نفسك على شيخك
} فإياك أن تعاون النفس بأن تلتمس لها الأعذار وتقبلها،
فيجب إذاً على السالك أن يحرص على الفرائض حرصاً كاملاً لقوله صلى الله عليه وسلم
لسيدنا عبد الله بن مسعود عندما سأله:
(إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ
عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا ( [103النساء].
! ثالثاً- الحرص على أنفاسه
وصحته الروحانيَّة
يحرص
على أنفاسه، فلا يتنفس نفساً فى غفلة أو فى سهو أو فى لهو أو فى لعب أو فى بعد أو
فى معصية أو فى صدود .... لا يتنفس نفَساً إلا إذا تأكد أنه فى كمال الرضا لله
جلَّ فى علاه، من الذى يحرس الإنسان؟
الإنسان
هو الذى يحرس أنفاسه، لأن أنفاسك نفائسك، وعمرك أنفاسك والمطلوب عظيم والعمر قصير،
وإذا استخدمت أدوات التسويف بعدت بالكليَّة عن مناهج الصالحين، أما السالكون
الصادقون فإنهم يسارعون فوراً إلى ما ورد فى القلب محاولين إرضاء ربِّ العالمين عزوجل...
ولذلك فهم أبخل الناس على وقتهم.
فإذا
رأيت سالكاً لا يهتم بوقته فاعلم أن ذلك من مقت واقعٍ عليه من ربِّه، كيف؟ تجده
ولا مانع عنده من مشاهدة التلفاز والفضائيات ومتابعة المسلسلات والأفلام
والكليبات! أليس هذا مقتٌ!..... ما لهذا ولسلوك طريق الصالحين! ربما يكون مُحبَّاً
للصالحين وهذا حقٌ .. لكن الصالحين ليس عندهم وقت يقضونه فى هذا! إن وقتهم أغلى من
كل شئ نفيس فى هذه الحياة الدنيا !!
ولذا
فلا تعجب إذا قال أحدهم: { لو خيرت بين دخول الجنة وصلاة ركعتين لاخترت صلاة الركعتين على دخول
الجنة، قيل: ولِمَ؟ قال: لأن فى صلاة الركعتين رضاء ربى وفى دخول الجنة رضاء نفسى
ورضاء ربى مقدم على رضاء نفسى }، انظر كيف كانوا يقيسون
الأمور؟!!
هل
هناك وقت عند أحدهم للقيل والقال؟! إنهم حتى فى حديثهم فى كلام الواحد المتعال أو
فى حديث الحبيب الأعظم أو سيرة الآل يقتصدون، فكيف يستبيحون وقتهم فى اللغو أو
اللهو أو فى الباطل أو القيل والقال مع تحذيره صلى الله عليه وسلم:
{ إنَّ اللّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلاَثاً: قِيلَ
وَقَالَ، وَإضَاعَةَ الْمَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ }[9]
فالسالك
أحرص الناس على أنفاسه، لا ينفق نَفَساً إلا فى مرضاة الله عزوجل، وهو أحرص الخلق
على صحته الروحانية، فيبخل بنفَس واحد يصرفه فى غفلة أو أمل فى الدنيا أو حظ
نفسانى، فيعمل فى الدنيا لتكون وسيلة الآخرة، ويجالس الناس لينتفع منهم أو ينفعهم
نفعاً يدوم أثره،[88-89الشعراء]:
(يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ . إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ
سَلِيمٍ )
وقال
الإمام أبو العزائم t:
القلب لو أنه يصفو لخلقه
|
يشاهد الوجه فى فردوس جنات
|
الجسم بالقلب يترقَّى إلى رتب
|
والجسم من غير قلب فى الضلالات
|
نَفَسٌ بقلب سليم رفعة ورضا
|
وألفُ عام بلا قلب كلحظات
|
! رابعاً- محبَّة الله
ورسوله ومن والاهم
يحرصون
بعد ذلك على محبة الحبيب صلى الله عليه وسلم وكل من يلوذ بالحبيب وآله وأصحابه
والصالحين المقتدين بهديه والمحبين له والعاشقين له، ويحبونهم حبَّاً أعلى من
حبِّهم لأولادهم وبناتهم لأنهم سمعوا قول الله عزوجل (قُل لَّا
أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ )[23الشورى]
والقربى أى ذوى رحمه أو ذوى قرباه! أى المقربون
من حضرته صلى الله عليه وسلم، .... ذوى قرباه جسمانياً وصادقون فى حسن اتباعهم
لحضرته، أو ذوى قرباه روحانياً ونورانياً وهؤلاء أعلى فى الرتبة والفضل، أو ذوى
قرباه روحانياً وجسمانياً وهؤلاء أهل الكمال، ولذا قال صلى الله عليه وسلم معلماً
الأمة:
{أَدبُوا أَوْلاَدَكُمْ عَلَى ثَلاَثِ خِصَالٍ حُب
نَبِيكُمْ وَحُب أَهْلِ بَيْتِهِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ}[10]
! خامساً: التأليف بين الإخوان:
ويحرص
السالك كذلك فى جهاده لنفسه على أن يمشى دائماً وأبداً بلسماً شافياً لجراح
إخوانه، فيشفى الصدور من الأحقاد وينزع من النفوس الغلَّ، لا يرتاح إذا وجد أخين
متخاصمين إلا إذا أصلح بينهما، لا يسكن فى ليله أو نهاره إذا وجد خلافاً بين أخين
إلا إذا ألَّف بينهما .... لأن رسالة المحبين التأليف بين قلوب المحبين، واسمعوا
لقوله تعالى فى كتابه الكريم
( إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ
فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا) [103 آل عمران].
وظيفة
من هذه؟ وظيفة رسول الله وورثته وأحبابه والماشين على نهجه، والوظيفة المخالفة
وظيفة من؟ إبليس! فهو يسعى للتلبيس بين الإخوان وللإيقاع بينهم وإلى إيجاد الشحناء
فى نفوسهم وإيجاد البغضاء فى صدورهم، فوظيفتنا يا إخوانى هى التأليف بين قلوب
المؤمنين والحرص على المودة بين السالكين .!!
فهذه
هى أعظم بضاعة نتقرب بها إلى الله وهى التى تحتاج إلى الجهاد الأعظم فى أطوار
السالكين لأن النفس دائماً تحاول أن تُخرج المرء من طور السلوك بتزيين الغيبة
والنميمة والإيقاع بين المؤمنين وتتبع عورات إخوانه الذاكرين والعلماء والمرشدين
والمنشدين، فكل من رأيته يتتبع سقطات إخوانه فاعلم أنه ساقطٌ من عين الله عزوجل،
وكلما تذكر له أخاً تجده يسارع فيذكر مساوءه وعيوبه، أفلا اتبع:
وستراً لعورات الأحبة كلهم
|
وعفواً عن الزلات فالعفو أرفق
|
فمن أراد
أن يستره الستور فليمشِ على هذا النور.
! سادساً: الخروج من عوائده ومألوفاته مع
المداراة
والسالك
فى طريق الله تعالى يجب أن يخرج من عوائده ومألوفاته التى تدعو إليها الضرورة
الإنسانية، من الأعمال التى ينوى بها رفع قدره بين الناس بنظره إليهم نظراً يحجبه
عن الحق، وبالتزيين بالرياش والزخارف والحرص على شهىّ الطعام والشراب إلا ما دعت
إليه الضرورة لحفظ الصحة أو إعادة العافية.
ويجب
عليه ترك زيارة أهل الغفلة ممن شربوا خمرة الدنيا والحظ والهوى فأسكرتهم، وكذا
الجدل والحديث فيما لا يعنيه ولا يفيده، وأن يترك مماراة الناس وموالاة غير
الأتقياء، وفى ذلك كله يدارى الناس ما استطاع حتى لا يفتح على نفسه أو إخوانه
أبواب شرور الخلق وعداواتهم وجدلهم وجدالهم وتنطعهم! فيضيع وقته وصحته الروحانية؛
فعليه أن يكون عاملاً بالحديث الشريف:
{ رَأسُ العَقْلِ بَعْدَ الإِيمانِ بالله
مُدارَاةُ النَّاسِ وأهْلُ المَعْرُوف في الدَّنْيا أهْلُ المَعْرُوفِ في
الآخِرَةِ وأهْلُ المُنْكَرِ في الدُّنْيا أهْلُ المُنْكَرِ في الآخِرَةِ }[11]
ويجب
على المريد السالك أن يفرق بين مدارة الناس ومداهنتهم التى ذممناها لأنها تورد
المهالك! فإن قيل افرق لنا بين المداراة المحمودة والمداهنة المذمومة؛ قلنا:
{ المداراة التي يثاب عليها العاقل، ويحمد بها عند الله عزوجل‘ وعند من عقل
عن الله تعالى هو الذي يداري جميع الناس الذين لا بدَّ له منهم ومن عشرتهم؛ لا
يبالي ما نقص من دنياه، وما أُوذى من عرضه بعد أن سلم له دينه،
أما المداهنة الممنوعة: فهو الذي لا يبالي نقص أو ذهاب دينه وانتهاك عرضه
مادامت قد سلمت له دنياه! فهو مغرورٌ، وإذا نصحه العاقل قائلاً له أنَّ فعله هذا مداهنةُ وتملُّقٌ يقدحان فى دينه! قال: إنما أنا أدارى الناس! فيزلُّ ويسمّْى المداهنة المحرَّمة بالمداراة وهذا غلطٌ فادحٌ، إنما المدارى العاقل هو من يعاشر بالمعروف من لابدَّ من عشرته حتى يجعل الله له منه فرجاً ومخرجا }[12]
أما المداهنة الممنوعة: فهو الذي لا يبالي نقص أو ذهاب دينه وانتهاك عرضه
مادامت قد سلمت له دنياه! فهو مغرورٌ، وإذا نصحه العاقل قائلاً له أنَّ فعله هذا مداهنةُ وتملُّقٌ يقدحان فى دينه! قال: إنما أنا أدارى الناس! فيزلُّ ويسمّْى المداهنة المحرَّمة بالمداراة وهذا غلطٌ فادحٌ، إنما المدارى العاقل هو من يعاشر بالمعروف من لابدَّ من عشرته حتى يجعل الله له منه فرجاً ومخرجا }[12]
! سابعاًً- الحرص على سلامة ورعاية نفسه
السالك فى
طريق الله تعالى أشد الناس رعاية لنفسه، وأسرعهم طلباً للشفاء ولا يطلب الشفاء على
يد نفسه فيهلك! ولا على يد من لا يُحْسِن فيردي! ولذا فإنَّ رسول اللهصلى الله
عليه وسلم قال
منبِِّها ومحذِّراً حتى لا يسلِّم أحدٌ نفسه إلا لخبير حاذق:
فهو لا
يطلب الشفاء إلا على يد الطبيب الخبير لا على يد نفسه؛ لأنه إن أضرَّها فهو ضامنٌ
مسئولٌ أمام الله عن ذلك ؛ وهذا يوجب طلب طبيب النفس العالم برعوناتها وطرق
تطبيبها وإصلاحها والذهاب إليه والتطبِّب لديه، أما السالك الذى ينسى مصلحة نفسه
ويصرف أنفاسه فيما لا يفيد، فقد جُِرِد من معانيه ورجع إلى الحظ والهوى، فابدأ
بنفسك أيها السالك وأدم رعايتها على يد الطبيب الخبير العالم بما يصلحها فإنها
أعدى أعدائك وإن غفلت عنها أهلكتك، قال تعالى:
(وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا
(7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ
خَابَ مَن دَسَّاهَا )(10) [الشمس].
وهو يأخذ
فى طريق سلوكه إلى الله تعالى بالعزيمة ما استطاع، فإن الرخصة عند مقتضاها تكون
عزيمة كالتيمم وقصر صلاة المسافر، وغيرها، وهو وإخوانه فى رعايتهم لأنفسهم ولبعضهم
البعض وحرصهم على أحدهم وكلهم هم أشبه الناس بالسلف الصالح، وأساس تعاملاتهم مع
بعضهم هى قوله صلى الله عليه وسلم:
{ الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ،
يَسْعَى بِذِمِّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ وَيُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ، وَهُمْ يَدٌ
عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ، يَرُدُّ مُشِدُّهُمْ عَلَى مُضْعَفِهِمْ وَمُسْرِعُهُمْ
عَلَى قَاعِدِهِمْ }[14]
فمن رأى
نفسه أولى من أخيه بفضيلة أو مزية أوبخصوصية وجب عليه التوبة وسد منفذ الغرور،
والاعتذار لإخوانه قولاً وفعلاً فيرى نفسه أنه ليس أهلاً لمكانته، وينزل إلى خدمة
الزاوية، أو يترك التكلم عليهم والتقدم والقيام بما خُصِّص له من افتتاح الذكر
أوالدرس، أو المبايعة حتى يقيمه إخوانه برضاء منهم وصفاء.
! ثامناً- القيام بواجب الوقت مع حفظ المرتبة
السالك فى
طريق الله بين قيام بفريضة مفترضة، أوحضور مع الله بالمراقبة، أو تحصيل علم ممن هو
أعلى منه بالمصاحبة، أو عمل صالح يتقرَّب به إلى الله تعالى، أو عمل لتحصيل قوته
الضرورى وقوت من أوجب الله عليه نفقتهم، أو غذاءاً وراحة لجسمه أو نفسه من أكل أو
شرب أو نوم أو رياضة أو طبٍّ، وكلُّ عمل غير هذا فهو وبالٌ على السالك ويتلف وقته أو
نفسه ويورده المهالك!
وبعض
السالكين لجهلهم أصول السلوك التى شرحنا أهمَّها، قد يكثرون الذكر بألسنتهم أو
الصلاة والصوم والحج وقراءة القرآن بأبدانهم، ويظنون أنهم بلغوا درجة القرب،
ويتساهلون فى وجه الكسب والقوت والمعاملات، فلا يدققون فيصير أغلب قوتهم من الشبهات!
وليس هكذا السالكين والسالكات!! ثمَّ يغرُّهم بالله الغرور فيأكلون الحرام وربما
قالوا لا يعلمون! ثمَّ يتأكدون ولا يبالون! ويستحلُّون صريح الحرام! وما حرَّم
الله ورسوله من السحت والآثام!!!
وفوق ذلك
كله! يظنُّون أنهم على خير للعبادات التى يقدِّمون! لا يتفكرون فيما تعدُّوا من
حدود الشرع وما جهلوا من آداب السلوك ومخاوف السالكين وملاحظات المجاهدين، ولا
يهتزُّ لهم جفنٌ كأنهم ضامنون على ربِّ العالمين!!
فأول واجب
وقت عام لجميع أهل الإسلام ونؤكد هنا الكلام للمبتدئين والسالكين والأعلام! ومن
رغبوا أن يكونوا للنيِّة الصالحة مُجْمِعين، وبجهاد النفس لتصفيَّة القلب عاملين!
هو أمرٌ لا تصحُّ بدونه بداية! ولا تحْسُنُ مع فقده نهاية! هو الرزق الحلال!
وإطعام النفس والآل من طريق مشروعٍ أباحه ذو الجلال.
فإن حفظوا
من الوقوع فى الإثم العظيم العام الذى شرحناه من أكل الحرام مع العلم وعدم
الإعتبار أو الإهتمام إتكالاً على العبادات البدنية والكلام! فربما وقع الكثيرون
من محبى الصالحين ممن لم يدركوا واجبات الوقت والأيام فى إثم ترك السعى والعمل
إعتماداً ظنيَّا على الرزَّاق والخيال والأمل!
وربما
كانت أعمالهم التى يعملون ودعواهم التى يدَّعون!! يستندون فيها إلى بعض الأفراد
الذين أشهدهم الله علىَّ جماله فغابوا عن أنفسهم وعن الكونين، وفَرُّوا إلى الله
وتركوا العمل للدنيا، وهؤلاء ليسوا أئمة للمتقين ولا قدوة للسالكين لأنهم فى
مقامات محبة الله مقامين!! عن أنفسهم مأخوذين!، ومتى أحبَّ الله العبد لا يضرُّه
ذنب ..... خصوصاً وأن ما يُجريه الله على أيديهم لم يكن لحظ ولا لقصد ولا لكسب
منهم !!!
فإذا
تركوا العمل للدنيا أو هجروا الخلق أو اختفوا عن الناس فى خلواتهم أو تفضَّحوا
ليسقطوا من قلوب الخلق، .... ولكن لأن ذلك كله لم يكن لحظ خفى فى نفوسهم بل لصولة
الحق عليهم ولِما واجههم به سبحانه فصاروا عن أنفسهم مأخوذين وبيد الله مشدودين
وله وبه مواجهين! رفع الله ذكرهم وأعلى شأنهم! فهم لأنفسهم لا لغيرهم! وأعمالهم
هذه عملةٌ للصالحين قد اختفت وبادت! لا تسرى فى أيامنا هذه بعد أن سيطرت زماناًً
وسادت! ولكنها لا تصلح للسلوك فى عصرنا ولا تناسب عصر العلم والتكنولوجيا التى
قادت و أجادت!
فهؤلاء
أفرادٌ! ولكن لا يؤتم بهم! ولا يُسَارُ على دربهم فى هذه الأحوال الخاصة بهم
وليسوا قدوةً فى السلوك لغيرهم !!!!! فاحذروا يا أولى الألباب لواجب الوقت مع دقة
الفهم! تحفظوا من البعد والمقت!
ومن أوجب
الواجبات يا إخوانى على أهل السلوك أن يحفظوا مقامهم الذى أقامهم فيه مولاهم، فلا
يتجاوزون مراتبهم أبداً ولا يتعدون الحدود، بتقليد أكابر الصوفية والجدود فى أحوال
البسط والأنس أو الصدود!، أو بتقليد الشيخ بعد الوصول فى المجلس والمظهر والفعل
ويتركون الأصول! ولو صدقوا النيَّة لقلدوهم فى تصفية القلوب بالعزم والجهاد
والسلوك، وقهر النفس حتى صاروا ملوك!
وأعطيكم
لذلك مثالاُ واضحاً ونموذجاً ساقه الله لنا بيِّناً: ... لعلك تعلم أن الله تعالى
أمر كليمه سيدنا موسى صلى الله عليه وسلم بالسياحة إلى العبد الصالح الذى أتاه
الله من لدنه علماً، ... ولكن إنتبه إلى دقائق الفهم واعتبر! مع أنَّ سيدنا موسى u مأمورٌ من الله بصحبته وهو النبى القائم فى الأرض لله بشريعته!
ومشترطٌ عليه من العبد عدم ابتداره إياه بالسؤال أو المراجعة وهذا شرط الصحبة
والمتابعة!
إلا أنه
لمَّا وجد مخالفة للشرع بينة! فقد أنكر علي سيدنا الخضر تصرفه مرة بعد الأخرى –
وهو رسول الله المعصوم – أنكر عليه ذلك حفظاً لمقام الرسالة المنوطة به! والمقام
من الله فى الأرض بحفظها ورعايتها!
فإذا كان
كليم الله المعصوم والمأمور من الله تعالى بصحبة العبد العارف حفظ مقامه مع هذا
العبد وأنكر عليه ما لم تستبن له حكمته، فأنت أيها السالك المسكين أحق بأن تحفظ
مقامك فى السلوك!! فإن السالك إذا تعدى قدره وتشبَّه بأهل المحبة المقرَّبين تاه
فى بيداء الهلاك وشطح شطح الضالين.
والطريق
وعر!! وكيف ينجو من هو فى أول مرحلة؟! بينه وبين مقاصده مفازات وصحارى ومخاوف!!
فسمع أخبار من وصلوا إلى مقصدهم وأحوالهم فجهل نفسه وجهل مرحلته التى هو فيها!!
جهل المراحل الشاسعة وظن لجهله أنه فى مقام الوصل، ثم نسى ظنه وادعى أنه واصل!!.
تنبه أيها
السالك وجاهد نفسك فى ترك المعاصي والمهالك! حتى تطهر وتضرَّع بترك بعض المباحات،
حتى تتحصن بحصون الخوف من الوقوع فى المحرم والشبهات، وتأدَّب فى كل مرحلة بأدبها،
فإن من ساء أدبه على الأعتاب يرد إلى الأبواب لأن نفسه بهيمية شهوانية تنقصها
الآداب، حفظنا الله من سوء الأدب فى المراحل من التشبه بالمرشد الكامل فى أحواله
الخاصة، ورزقنا التشبَّه به فى أعماله وأخلاقه التى تنجى السالكين والواصلين
والمتمكنين..
ولذا يا
أحبابى فبابنا القادم فى الكتاب؛ هو "التسليم للصالحين" لنعرف
كيف نقف على آداب إتباعهم، وكيف نحظى بأسرار قربهم، وننعم بصالح إرشادهم ونكون لهم
عوناً على أنفسنا حتى يطهروها بعون الله من لقسها، نسأل الله عزوجل أن يشرح صدورنا
،وأن ييسر أمورنا، وأن يهدينا سُبلنا ..، وأن يوفقنا إلى نيل قصودنا، وأن يبلغنا
أقصى آمالنا ....، وأن يُحققنا برتبة الولاية فى معية حبيبنا.
وصلى الله
على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً ....
[6] (ع) عن سعدٍ رضَي اللَّهُ عنهُ، جامع المسانيد والمراسيل
[7] خَرَّجَهُ الْبَزَّارُ عَنْ سَلْمَانَ، و(طب) عنه .
[9] صحيح مسلم عن المغيرة بن شعبة.
[10] أَبُو نَصْرٍ عبد الكريم الشيرازي في فَوَائِدِهِ (فر) وابنُ النَّجَّارِ
عن عَلِيٍّ رضيَ اللَّهُ عنهُ، جامع المسانيد والمراسيل