آخر الأخبار
موضوعات

الأحد، 4 سبتمبر 2016

- إشارات فى خروج الدابة من الأرض

عدد المشاهدات:

أما خروج الدابة فقد قال الله تعالى في شأنها: ﴿وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ[1] ووقوع القول عليهم معناه قرب إهلاكهم، والضمير في ﴿عَلَيْهِمْعائد على ﴿الْعُمْيِفي الآية السابقة على تلك الآية مباشرة والتي يقول الله فيها: ﴿وَمَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلَالَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلَّا مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ[2].
والمراد ب ﴿الْعُمْيِ في هذه الآية الكافرون الذين سيقع القول عليهم وينزل العذاب بهم، أما المؤمنون فلن يصيبهم شيء من هذا العذاب لأنهم أهل الإدراك والبصيرة فقد انتفى عنهم الْعَمَى، وكلمة ﴿أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ فيها معنى وجود هذه الدابة في الأرض.
أي العناصر التي تتكون منها تلك الدابة.
وهذه الدابة ليس فيها حياة مثل دواب الحيوانات أو الطيور والأسماك، ومع كونها جمادًا لا حس ولا حركة له، فهي تكلم الناس وتخبرهم بأمور الدين والدنيا، وهذا هو الإعجاز القرآني الذي غََطَّى الله به الحقائق عن عامة الخلق، وأفهمه الله تعالى للراسخين في العلم.
وهي دابة واحدة في الحقيقة والمعنى وإن تعددت وحداتها عند الناس وهي تكلم الناس أجمعين في مشارق الأرض ومغاربها، وشمالها وجنوبها في وقت واحد، وتلك الدابة هي المذياع (الراديو) وما تولد منه من الأجهزة كالتليفزيون ونحوه.
وإن الذي توارى عن الناس من أمر هذه الدابة، هو أنهم كانوا ينتظرون دابة ذات روح، مثل ناقة صالح عليه السلام أو حمار العزير عليه السلام، أو نملة سليمان عليه السلام، أو ما أشبه ذلك من دواب الكائنات الحية وكذلك لأن الله أخرجها على يد إنسان مخترع فظنوا أن ذلك من صنع الإنسان وليس من إخراج الله، ولذلك ظل الناس ينتظرون خروج الدابة حتى يومنا هذا، وإلى ما بعد هذا اليوم لأن العلماء السابقين رضي الله عنهم أخذوا يفسرون الدابة بصور من أنواع الدواب التي كانوا يرونها في وقتهم، أو بصور يتخيلونها على قدر قوة خيالهم، لأن الراديو لم يظهر حينئذ.
لكن لما انكشفت الحقيقة، أصبح الأمر لا مجال فيه للخيال، وأصبحنا من الموقنين بآيات الله وبهذه الدابة التي تُكَلِمُنَا في كل ناحية بجميع أنواع المعارف والعلوم الكونية والملكوتية، دينية ودنيوية، وأصبحت موجات الهواء توصل الأخبار لهذه الدابة لتذيعها علينا، سر قول الله عزَّ وجلَّ: ﴿فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا عُذْرًا أَوْ نُذْرًا[3]. وذلك بعد قول الله عزَّ وجلَّ: ﴿وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا[4].
وحديث الله هنا هو عن الرياح ودورها وخاصيتها في هذا الكون، ومنها إلقاء الذكر وهو القرآن، وإبلاغه إلى جميع الخلق بالإعذار يعني بالعفو والمسامحة لأهل الإيمان، وبالإنذار وهو التهديد والوعيد لأهل العناد والكفران.
وإن الذي غيب العقل عن اليقين بهذه الآية أي (الراديو)  انشغاله بالتطور العلمي والاختراع والابتكار وانبهاره بكل جديد من هذه الآلات، وانعدام يقينه بأن علامات الساعة قد ظهرت وأن الله فعال لما يريد بل إن العقل لم يفكر ولو مرة في هذا الأمر ولم يلتفت إليه وكذلك لقد وقف هذا العقل الغافل عند الأسباب فرأى أنها كل شيء ولم ير القوة التي قامت بها تلك الأسباب ولكن المؤمنين يزدادون إيمانًا بانبلاج هذه الآيات، ويشهدون فيها صنع الله الذي أتقن كل شيء، وقدرة الله التي أوجدت كل شيء، وإبداع الله الذي أحسن صورة كل شيء، ومن قبل ذلك كله شهدوا مشيئة الله التي أرادت كل شيء.
ولما سمع الإمام أبو العزائم رضي الله عنه الراديو يقرأ القرآن في المسجد لأول مرة، قال صدق الله العظيم : ﴿وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ[5].
وهذه العلامات وإن كانت دليلاً على قرب وقوع الساعة إلا أنها رحمة الله بعباده، حتى يتذكروا ويتفكروا في الرجوع إلى الله ويتوبوا إليه وخصوصا بعد أن يعتقدوا ويصدقوا بأن هذه العلامات قد أظلتهم وأنهم يعيشون في زمانها وإن هذه العلامة وهي خروج الدابة من الأرض من أعظم العلامات التي تقوم بها الحجة البالغة على جميع عباد الله، لأن دعوة الحق قد بَلَغَتْهُم عن طريق الراديو والتليفزيون، وقد انتشر نورها في جميع الأفاق حتى وصلت الدعوة إلى كل بيت وكل واد وكل ناد وكل حقل ومصنع وكل سهل ووعر وكل بر وبحر، وأسمعت كل أحمر وأبيض، وأصفر وأسود، فلا عذر لمعتذر ولا حجة لمحتج وهذه العلامة معجزة لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن دابة الأرض مع الرياح قد أبلغت رسالات الله إلى عباد الله إكرامًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إذا أخذ الله الناس المكذبين بالعذاب كان ذلك عدلاً من الله سبحانه وتعالى، وجزاءً بما كانوا يكذبون: ﴿لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ[6].
مزيد من البيان في أمر الدابة
قد أخبر الله تعالى عن إخراج الدابة من الأرض، وعن كون ذلك علامة من علامات قيام الساعة، فقال عزَّ شأنه: ﴿وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ.
والإخراج معناه استخلاص شيء من شيء، كما تقول أخرجت الزبد من اللبن، والعسل من القصب، والمعدن من الأرض، والإخراج غير الخلق لأن الخلق عبارة عن تكوين شيء من المادة أو من العدم بقدرة الله عزَّ وجلَّ والدابة هي كل ما يدب على الأرض من حيوان أو إنسان أو حشرات أو جماد أو نبات، فإن كل هذه الكائنات دواب لها وقع على الأرض، ودبيب عليها، وهذا المعنى هو المراد من كلمة دابة في الآية الشريفة، إذ لو كان المراد بالدابة ذات الروح والنفس الحيوانية لقال الله تعالى: خلقنا لهم دابة من الأرض تكلمهم. ولم يقل أخرجنا لأن الخلق لا يكون إلا لله سبحانه وتعالى، أما الإخراج فإنه يكون بفعل الله، أو بفعل الإنسان بمشيئة الله وقدرته، وقول الله تعالى: ﴿مِّنَ الْأَرْضِ يفيد أن هذه الدابة ليس فيها شيء من عالَمِ السماء وهو الروح، بل هي من عناصر المادة الأرضية فقط، وإن الذي يقول لا بد أن تكون هذه الدابة ذات روح ونفس محتجًا لذلك بقول الله تعالى في شأن سليمان عليه السلام: ﴿فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ[7]. فنقول له إنك قد نسيت أن هذه الدابة التي وصفها الله بأنها: ﴿تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُأي تأكل عصا سليمان التي اتكأ عليها حتى ضعفت عن حمله فانكسرت وخر سيدنا سليمان على الأرض، إنها غير الدابة التي يخرجها الله من الأرض لتكلم الناس بين يدي الساعة، والدابة التي أكلت عصا سليمان عليه السلام فيها نفس تتنفس، وفيها حركة ذاتية، وهذا من ضروريات الدابة التي تأكل، وهي بخلاف الراديو والتليفزيون فإنهما دابة تكلم الناس فقط ولا تأكل ولا تتنفس ولا تتحرك.
مع أن العلم الحديث أثبت أن هناك حياة في كل ذرة من ذرات الكائنات، وهذه الحياة يعلمها الله الذي خلق الذرة وما هو أصغر منها، والذي أعطى كل ذرة خلقها ونظام حياتها، وإن الذرة أصغر شيء عرفه الإنسان وأدرك بعض خواصها.
هذا وقد قال الله تعالى: ﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ[8]. ولذلك فإن الذرة تسبح الله تعالى لأنها شيء من الأشياء الموجودة في كون الله، والتسبيح دليل الحياة التي أثبتها العلم الحديث للذرة، وإن كان بنو الإنسان لا يفقهون شيئًا من هذا التسبيح فإن ذلك من أجل انتظام شأن الحياة في هذا الوجود، لأن الإنسان إذا سمع وفهم تسبيح الذرات من حوله ربما لا يقوى على هذا الحال، فيختل توازنه ويقع مغشيًا عليه لضعفه عن تحمل هذه الأصوات واللغات المختلفة من كل نواحيه.
مع العلم أن هناك رجالاً أسمعهم الله تسبيح الكائنات من أصغر ذرة إلى أكبر جِرْم من الأجرام، وقد قال قائلهم رضي الله تعالى عنهم:
سميعٌ أسمعنا نِدَا الأكوان       للمنتهى للمشهد الرحمن
وقال الإمام أبو العزائم رضي الله عنه مشيرًا إلى هذا المعنى أيضًا:
وأشجار تسبح ناطقات       لمن عرف الحقيقة بالبيان
من هذا العرض يتبين لنا أن الدابة التي تكلم الناس بين يدي الساعة لا يشترط فيها الحياة الحيوانية، فقد ورد تسبيح الحصى في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي يد أصحابه رضي الله تعالى عنهم بكلام عربي واضح كما ورد تسليم الأحجار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بلسان عربي فصيح أيضًا وكان يسمع هذا التسبيح وذلك التسليم جميع الناس المسلم منهم والكافر على السواء، فلا عجَب أن تُلْقِي الحديث إلى الناس اليوم تلكم الأجهزة والآلات التي استخرجها الإنسان بإذن الله من الأرض وصنعها كالراديو ونحوه، فسبحان من جعل لكل وقت علومًا وصناعات تناسبه، وتساير ركب الحياة فيه، وسبحان من علم الإنسان ما لم يعلم، فمرة تكون علامات الساعة إنسانًا طمست عينه اليمنى وهي عين بصيرته كالمسيخ الدجال لعنه الله، ومرة تكون دابة كالمذياع.
ومرة تكون نبيا ورسولاً من رسل الله الأكرمين كسيدنا عيسى عليه السلام، ومرة غير ذلك، والمؤمنون يصدقون بكل هذه العلامات ويسلمون علمها لله سبحانه وتعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم وللراسخين في العلم رضي الله تعالى عنهم الذين يقولون: ﴿آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا[9] وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
هذا والدليل على أنه لا يشترط في تلك الدابة أن تكون من ذوات الروح، قول الله تعالى: ﴿وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِن دَآبَّةٍ وَالْمَلآئِكَةُ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ[10] فإننا نعلم جميعًا أن السموات مسكن الأرواح والملائكة، وهؤلاء ليس لهم حيز ولا مكان يدبون عليه لعدم حاجتهم إلى الحيز والمكان، اللهم إلا إذا تشكل الملك بصورة آدمية فإنه يكون له حيز وموقع في نظر الرائي فقط، فإذا ما جاء ليمسكه أو يلمسه لم يجد شيئًا فإنه يكون صورة بدون ظل ومن غير جسم، كما إذا رأيت في منامك أحدًا من عالم البرزخ فإنك تراه صورة لا جسم لها.
ونحن نعلم كذلك أن السموات ليس فيها دواب من نوع دواب الأرض التي نراها فليس فيها حيوان ولا طير ولا حشرات ولا إنسان عادي، فلم يبق فيها إلا دواب من نوع آخر، وهذه الدواب هي الشموس والأقمار والكواكب والمجرات والشهب والنيازك والأفلاك والنجوم السيارة والثابتة، وغير ذلك مما لا يعلمه إلا الله، وكل هذه دواب لأن لها وقع في مكانها وتمركز في محيطها ودبيب في حركتها وسكونها، ولم تكن فيها حياة روحانية فسبحان الخلاق العظيم والمبدع الحكيم الذي جعل هذه الدواب ساجدة له سبحانه وتعالى بإذنه مسخرة لبني الإنسان بأمره فليس هناك شبهة بعد ذلك في قولنا أن الدابة التي أخرجها الله من الأرض لتحدث الناس بالذكر والأخبار هي الراديو وما تولد منه، وإن لسان حالها يقول: (أنا آية من آيات الله وعلامة من علامات الساعة ولكن الناس لا يوقنون بي ولم يزالوا في ارتياب من أمري) وذلك لأن اليقين إما أن يكون بالمعاينة والمكاشفة لحقيقة الشيء، وإما أن يكون بقوة التصديق والاعتقاد في الخير الذي يتلقاه الإنسان من الله ورسوله أو من الراسخين في العلم.

منقول من كتاب علامات وقع الساعة 
لفضيلة الشيخ محمد على سلامة
وكيل وزارة ببورسعيد سابقا

[1] [الآية 82، النمل].
[2] [الآية 81، النمل].
[3] [الآيتان 5-6 ، المرسلات].
[4] [ الآيات 1-4، المرسلات].
[5] [الآية 82، النمل].
[6] [الآية 165، النساء].
[7] {الآية 14، سبأ].
[8] [الآية 44، الإسراء].
[9] [الآية 7، آل عمران].
[10] [الآية 49 ، النحل].
التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:




شارك فى نشر الخير