آخر الأخبار
موضوعات

السبت، 27 أغسطس 2016

- "الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ"

عدد المشاهدات:
"الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ"
الشيطان مأخوذ من شاط أو شطن ، وهو الحقيقة التى خلقها الله من النار ، وقدر أن تكون فتنة ابتلى بها الملائكة والإنسان ، وقد حفظ الله من شره الملائكة ، وسلطه على بنى الإنسان ، ولكن لم يجعل له سلطانا على من اجتباهم واصطفاهم.

قال سبحانه : "إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ"([36]) وقال تعالى : "إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ"([37]) وقد أخبرنا الله تعالى عنه بقوله سبحانه : "قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ"([38]) .

حكمة الله فى إيجاد الشيطان لا يعلمها إلا الراسخون فى العلم ، وقد بين الله تعالى لنا فى هذه الآية أنه عدو للإنسان من أول نشأته ، والواجب علينا أن نتحفظ منه ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم ، ومنفذه الذى يدخل منه النفس الأمارة بالسوء التى هى من النار ، وأبوابها التى تفتح له هى الطمع والحسد والحرص ، وهى أصول الكبائر فدخل على آدم عليه السلام من باب الطمع فى الخلود فى الجنة ، ودخل على قابيل من باب الحرص ، ودخل على العلماء الدنيا وجهلة النساك من باب الحسد ، أعاذنا الله من شره ومن شر أنفسنا الأمارة بالسوء.

"يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ"

خلق الله الإنسان من قوى متضادة قابلة للتزكية وللتردية ، قال تعالى : "وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا"([39]) فهو مفطور على الشر حتى تتبين له الفضائل الإسلامية بالحجة التى يهتدى به إلى صراط الله المستقيم فى أهم شئون حياته ، وهو المال الذى هو بمنزلة الروح عند الإنسان ، ولذلك كان للإنسان بالمال منفذ ينفذ منه الشيطان إلى قلبه فيحفظ الله الإنسان من وسوسة الشيطان فى هذا الشأن لقوله تعالى : "الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ" أى يعدكم على نفقتك الفقر فيقول لكم: أن أنفقتم تلك النفقة نقص ما لكم فاحتجتم إلى الناس ، وفى ذلك ما فيه من الشك ومن سوء الظن بالله ومن فقط التوكل على الله ، وفيه دليل على ضعف الإيمان ، فإن القلب الذى يتأثر بوسوسة الشيطان بعد خبر الله تعالى خلو من نور الإيمان.

"وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ" الفحشاء فى سياق هذه الآية هو الشح والبخل . والبخل هو أن ينفق الإنسان ماله على زوجته وأولاده ويبخل على غيرهم ، والشح هو أن يحبس المال فلا ينفقه على نفسه ولا على أولاده ، وأن كانت الفحشاء فى غير سياق هذه الآية معناها الزنا وفعل قوم لوط . وجائز أن تكون الفحشاء كل ما فحش عقلا وشرعا.

"وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا"

أى والله يعدكم على النفقة فريضة كانت أو نافلة ، مغفرة لذنوبكم ووسعة لأرزاقكم من حيث لا تعلمون ، لأن الفضل الذى يعدنا الله به يتفضل به علينا من غير أن يكون لنا عمل نستحقه به ، فقد بارك فى تجارتنا وزراعتنا وصناعتنا وفى عافيتنا ، وفى أولادنا من حيث لا نعلم ذلك . قال تعالى : "وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ"([40]).

"وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ"

يعنى يتفضل على من يشاء ممن وفقهم للنفقة بواسع فضله ، الذى لو شاء أن يعطى كل إنسان بمفرده قدر الأرض ملكا ، وقدر أوراق الأشجار خيرا، ما نقص من خزائنه شئ ، فإنه يعطى بقدر وسعته سبحانه لمن لا يستحق خردلة ، فإنه جل جلاله منح الإنسان فى جسمه من الخيرات والنعم التى لا تحصى.

أنظر إلى الشرايين والعروق وإلى كثرتها ، وإلى أنه سبحانه سكنها سليمة نافعة ، ولو حرك شريانا صغيرا لآلم الجسم كله ، بل وخلق له السموات والأرض وما فيها مسخرة له ، فالإنسان ينسى هذا الفضل ، ويغفل عن تلك النعم ، ويتهاون فى شكر الله على نعمة ويبخل بنعمته على عباده ، والله تعالى حليم صبور لا يعجل النقمة للعبد.

"عليم" أى يعلم أسرار القلوب وعلانية الشخص فلا يخفى عليه شئ فى السموات ولا فى الأرض ، ولا فى الأجواء والأرجاء ، فإذا وفق العبد للخير كان ذلك من فضله ، ثم يتفضل بفضل على فضل فيجازيه بالخير وهو الموفق المعين.

وإذا أضل الله العبد فجعل المال الهه المعبود وسلب منه التوفيق والعناية فبخل به على مستحقيه ، أو اغتصب حقوق غيره حلم عليه سبحانه وصبر ، فأما أن يلهمه التوبة والرجوع إلى الله فيغفر له ويتفضل عليه سبحانه ، وأما أن يستدرجه فتقوى محبته فى المال ، وبذلك يبغض أن ينفقه لمن يستحقه ، ولمن لا يستحقه ، فتصيبه المصائب من حيث لا يعلم.

أسأل الله أن يعيننا على ما يحبه بما أعطانا من النعم من مال وعافية وأولاد ، وأن يحفظنا من أن نستعمل نعمه علينا فيما يكره.
التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:




شارك فى نشر الخير