عدد المشاهدات:
الإمام المجدد السيد محمد ماضى أبو العزائم و يفسر قوله تعالى {قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا}
القومة لله باليقظة:
واليقظة هى الحياة التى يعلم الإنسان فيها قدر نفسه وقدر ما تفضل الله به عليه فى نفسه وفى آفاقه من النعم فى نفسه وفى آفاقه مع العجز عن حصرها، ويعلم مقداره فى الوجود وما يفـوز به من الخير الحقيقى إذا هو استعمل تلك الحياة الإنسانية الكاملة فى تحصيل ما جعله الله مؤهلاً لنيله وقابلاً لأن يفاض عليه من الكمالات التى بها يكون حياً حياة حقيقية عاملاً للخير الحقيقى والنفع العام.
النوم والغفلة:
النوم للأجسام: فقد الحس والحركة مع بقاء النفس وهو موت قصير، والغفلة: هى نوم النفس بأن تفقد حياتها الفاضلة الروحانية فتنحط إلى أسفل سافلين البعد عن أفق الفضائل إلى حضيض البهائم - قال الله تعالى: (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً) سورة الفرقان آية 44.
وليس من القبيح أن ينام الجسم، فإن الجسم ينام ليجدد حياة جسمانية يستعين بها على تنفيذ قصود النفس، وإنما القبيح أن تنام النفس، ونومها أن تفقد سلطانها على الجسـم فتكون خادمة للجسم فتنفذ له حظوظه وشهواته، غافلة عن كمالاتها ومسارعتها إلى بلوغ الغاية التى بها تكون نفساً فاضلة عاملة للخير قائمة لله تعالى بالإخلاص لتفوز برضوانه الأكبر وبالخلود فى جوار الأخيار من رسل الله والأطهار من أولياء الله. وإنما تفوز بتلك الغاية القصوى إذا قامت لله مفكرة، فإن هى نامت نومة الغفلة صارت خادمة للجسم منفذة لحظوظه وأهوائه فانحطت إلى الأسفل.
فتفكر أيها الإنسان واعلم أن نفسك جوهرة نورانية بل لطيفة ملكوتية خلقها الله تعالى من نور جماله وسخر لها كل شىء فى ملكه وملكوته، فإذا هى غفلت تلك الغفلة فخدمت هذا الجسم السافل هوت من على مقامها فى فسيح الملكوت، وانحطت من أفق شرفها الذى به كانت قائمة لله تعالى عاملة لنفع العالم أجمع مسارعة إلى الكمال المطلق الذى تكون فيه شمساً مضيئة فى ملك الله وملكوته فتهوى بسبب الغفلة إلى أدنى مراتب الموجودات. وكيف لا والجسم الذى تخدمه كل مقتضياته بهيمية سبعية إبليسية. وبعيشك أيها الإنسان: كيف ترضى أن ترى ملكاً كريماً يخدم خنزيراً نجساً؟ لعلك تندهش إذا علمت ذلك فضلاً عن أن تراه، فكيف إذا تحققت ذلك فى نفسك؟!
أسباب الغفلة:
الجهل بالكمالات الإنسانية: صحبة السفلة من عبيدِ شهواتهم أو عبيدِ الدنيا أو عبيدِ الشهرة، والجاه: فساد المزاج وعدم تناسب الأعضاء، الخوف المزعج، الطمع فى نيل ضرورى، تصديق كل مخبر، إضعاف الفكر عن البحث فى الأمور حتى ينتج ذلك التقليد الأعمى، فيقلد الإنسان الخلق بحسب شهرتهم أو نسبهم أو مالهم أو عصبتهم من غير بحث فى الأمر، وهذا التقليد هو أشد أمراض الغفلة. وكل إنسان يقلد غيره من غير بحث ولا تفكير فليس بإنسان فى الحقيقة ونفس الأمر، وإن تفرقة المجتمع الإنسانى نشأت من التقليد الأعمى والتسليم للمتكلم لأنه فلان أو إبن فلان أو ذو سلطان أو عالم أو له كرامات، وكل إنسان لم يتبصر فى أموره ويجتهد قبل التسليم حتى يطمئن قلبه الأوْلــَى أن يشطب إسمه من المجتمع الإنسانى فضلاً عن المجتمع الإسلامى .. فإن الخلق فوق الحق.
وللغفلة أسباب أخرى تدعو إليها أهمها: تمكن العلل من القلوب، والحرص على شهوة أو مال أو جاه، والطمع فى نيل حظ أو لذة أو منزلة- وتلك الأسباب تدعو إلى موالاة الأعداء ومخالفة النصحاء وتدعو إلى ضياع الشرف والمال والدين، وقد تقوى تلك العلل حتى يـفقد الإنسان ملكه وحياته. وأغلب تلك الدواعى يعين عليها أهل الطمع فى الجاه والمال والملك، فيسعون بين المتحابين المتعاونين على الخير بأساليب الخديعة الدهاء، مظهرين الولاء لكل فريق، حتى إذا تمكنوا من تفرقتهم بضرب بعضهم بعضاً سلبوا منهم ملكهم وأموالهم. ولم تسلب تلك المعانى إلا بعد سلب الأخلاق والدين، ولم تسلب الأخلاق والدين إلا بعد أن نامت النفس نومة الغفلة، ولو أن النفس لم تنم تلك النومة لما تمكن العالم أجمع أن يسلب من الإنسان اليقظ درهما وفيه قطرة دم، فكيف سلبت الأخلاق والدين ثم سلبت النفس الإنسانية الفاضلة المدبرة وصار الإنسان أقل من البهيم الأعجم؟ كل ذلك بسبب الغفلة. وإن نفساً واحداً فى الغفلة قد يكون سبباً لضياع مجتمع فاضل أو لسلب ملك عظيم وضياع صناعات وفنون وتجارات وزراعات كان لها المقام الأول فى العالم.. كل ذلك بسبب الغفلة.
درجات اليقظة:
الدرجة الأولى: تذكر الفرد ما كان له قبل الغفلة وما أضاعه من ميراث آبائه بالغفلة، أو تذكر العائلة ما كان لسلفها قبل الغفلة، أو تذكر الأمة ما كان لها من المجد والملك قبل الغفلة.
الدرجة الثانية: الندم الشديد المؤدى إلى إحتراق القلب على فقد هذا الخير بالغفلة.
الدرجة الثالثة: البحث بالفكر عن الأسباب التى أدت إلى الغفلة والضياع والأمراض النفسانية التى دعت إليها.
الدرجة الرابعة: المسارعة بهمة إلى علاج تلك العلل حتى تحصل الألفة بينه وبين من كانوا يعينونه بداعى المحبة والألفة من أهل وأقارب وأصدقاء ومواطنين ويجـتهد أن يتحفظ من أعدائه الحـقيقـييـن الذين خدعوه بالباطل حتى ســلبوا نعمــته وشرفه وأفسدوا عليه دينه وخلقه ويتباعد عنهم حتى يتمكن منهم.
الدرجة الخامسة: أن يقوم لله بما يحبه سبحانه وتعالى بعد اليقظة محافظاً على الآداب الشرعية، عاملاً بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، مخلصاً لله صادقاً معه سبحانه، مسارعاً إلى عمل الخير لجماعة المسلمين ليكون عضواً عاملاً فى الجسد الإسلامى