عدد المشاهدات:
ثواب الابتلاء للمؤمن
بسم الله الرحمن
الرحيم
الحمد لله حمداً كثيراً كما أمر، والصلاة
والسلام على سيد البشر سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه خير أهل الحضر والمدر.
أيها السادة والسيدات: السلام عليكم ورحمة الله
وبركاته.
وبعد...
فقد جاء في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري ومسلم عن النبي
صلى الله عليه وسلم أنه قال:{ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب، ولا هم ولا حزن، ولا أذى ولا
هم، حتى الشوكة يشاكها إلاَّ كَفَّرَ الله بها خطاياه}.
المسلم إذا ألم به شئ مما ذكره هذا الحديث،
وصبر على ما أصابه، ورضي بقضاء الله وقدره، واحتسب ذلك عند الله، فإن المصيبة تكون
بالنسبة له عطية ومنحة من الله عزَّ وجلَّ، حيث أنها تكفر عنه
ذنوبه وأوزاره، وترفع عند الله درجاته وتزيد في حسناته وثوابه، وترضى الله عنه.
والنصب الذي يصيب الإنسان هو التعب والمشقة في الأعمال التي يؤديها، سواء كانت أعمالاً
للدين أو للدنيا، ما دامت في حدود ما شرع
الله عزَّ وجلَّ.
والوصب الذي يصيب المسلم هو المرض والسقم،
والهم هو ما يقلق بال الإنسان من الأمور التي ينوء بها كاهله، ويندى لها جبينه،
وتؤثر على أعصابه. والحزن هو الألم والاعتصار النفسي من ضياع فرصة أو مصلحة على
الإنسان، والأذى هو كل ضر يتأذى منه الإنسان ولو كان كلاما، والغم هو النكد والأسف
البالغ الذي تنطوي عليه الجوانح والمشاعر. فكل هذه المصائب التي تغشى المؤمن وتهد
كيانه، لا تمر هكذا من غير أن يخرج منها بفائدة، كلا بل إنها كُلما صبر عليها كلما
اغترف من فضل الله وثوابه، وحط الله عنه من أوزاره وسيئاته، وهذه معاملة
كريمة من الله لعباده المؤمنين جزاء
إيمانهم وصبرهم على ما يصيبهم، قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾. [10، الزمر].
أيها السادة والسيدات: وفقنا الله جميعا لما
يحبه ويرضاه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
منازل الشهداء
بسم الله الرحمن
الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف النبيين وسيد
المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد...
فقد جاء في صحيح مسلم عن أبى ثابت سهل بن حنيف رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:{من سأل الله تعالى الشهادة
بصدق بَلَّغهُ منازل الشهداء وإن مات على فراشه}.
هذا الحديث الشريف يحث المؤمنين على اللحاق
بالشهداء، وعلى إدراك فضلهم والفوز بمنازلهم، ويشوق نفوسهم إلى الجهاد في سبيل الله بصفة مستمرة لأنه الطريق إلى نيل
الشهادة والقرب من الله عزَّ وجلَّ.
ولقد عَرَّفنا الله ثواب الشهداء في قوله جلَّ شأنه: ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ في سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء
عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ
وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ
خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾. [169-170، آل عمران].
وهذه الآية أوضحت كثيراً من درجاتهم وثوابهم، فأفادت
أنهم ليسوا أمواتا كبقية الموتى، وأنهم أحياء حياة خاصة بهم زيادة على حياة أهل
القبور، وأنهم عند ربهم في ضيافته وفى
معيته والأنس به جلَّ جلاله، وأنهم يرزقون
بالطيبات والخيرات من نعيم الجنة رزقاً متجدداً في كل حين لا يفتر ولا ينقطع عنهم، وأنهم في فرح وغبطة وسرور دائم بما يتوالى عليهم من
عطاء الله وفضله، وأنهم يستبشرون ويبتهجون
بإخوانهم المجاهدين في سبيل الله إذ أنهم
يشرفون عليهم من علياء سماءهم ويشهدون أعمالهم وجهادهم، ويهنئونهم بقول الله
تعالى: ﴿أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ
هُمْ يَحْزَنُونَ﴾.
ولما كانت هذه المنازل والدرجات، وهذه المنح
والهبات، يشتاق إليها كل مؤمن صادق ويتمنى أن يكرمه الله بها، سأل الله بصدق، وطلب
منه برجاء وتضرع أن يجعله من الشهداء في
سبيله، وكرر هذا الطلب وذلك الرجاء. وهذا السائل سيعطيه الله منازل الشهداء
ومراتبهم، وسيمنحه الله فضلهم وخيرهم حتى وإن مات على فراشه ولم يقتل بين صفوف المجاهدين.
اللهم ارزقنا الشهادة في سبيلك، واكتبنا من الشهداء يا رب العالمين،
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
***
العاقل والأحمق
بسم الله الرحمن
الرحيم
روى الترمذي عن أبى بعلى شداد بن أوس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه
وسلم
قال: {الكيس من دان
نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني}.
أيها الإنسان العاقل قد ميزك الله على سائر
الكائنات بهذا العقل الذي يفهم الأمور ويتدبرها ويدرك المعاني وينتفع بها، وهذا
العقل يعقل الإنسان ويمنعه عن ارتكاب الخطأ وعن فعل الشر والضرر، وبهذا العقل تقوم
الاختراعات، ويتقدم العمران وتزدهر الحياة وكم من عقل يصنع المعجزات من الصناعات
والآلات لكنه لا يعقل عن الله ورسوله شيئا.
وهذا العقل وبال على صاحبه في الآخرة، لأنه لم يشغل نفسه بفهم ما أخبره
الله به على ألسنة رسله وأنبياءه، ولقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه
وسلم في هذا الحديث الشريف عن الكيس والكيس هو الفطن
المتيقظ الرشيد الذي يفكر في أمر معاشه
ومعاده، ولا يهمل في أي شئ منهما، وهذا
الكيس أي العاقل هو من دان نفسه دائما لله، وللناس، بمعنى أنه يحاسب نفسه ويحكم
عليها بالتقصير والقصور، وأنها ظلومة جهولة غشومة، ولا يعطيها فرصة من الحكم لها
بالإنصاف والكمال، قال الله تعالى على لسان السيدة زليخة عليها السلام: ﴿وَمَا أُبَرِّىءُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ
بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾.
[53، يوسف].
هذا مع اعترافها بالحق أمام الملك، وتقريرها
صدق سيدنا يوسف عليه السلام.
وأنها هي التي راودته عن نفسه، ولذلك جعلها
الله من الصديقات اللاتى بلغن درجات الصديقين الكبرى، وكذلك المؤمن يتهم نفسه
دائماً ويؤاخذها ويلومها حتى ينهض بها، ويعمل بجد وصدق لما بعد الموت.
أما العاجز عن تزكية نفسه وتقويمها فيقدم رجلاً ويؤخر أخرى، ولا يقدر على مواجهة
الحقيقة ويتهرب منها، واتبع هواه ومال عن طريق الرشاد، وأخذ يمنى نفسه بالأماني
الباطلة، فأولئك من الأخسرين أعمالاً الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً.
ولقد أقسم الله بالنفس اللوامة التي تلوم
صاحبها على ما فرط في حق الله ورسوله
والمؤمنين، فقال عزَّ من قائل: ﴿لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ
الْقِيَامَةِ وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ﴾.
[1-2، القيامة].
وهذا لأن النفس اللوامة لها عند الله شأن عظيم
ومقام كبير، قال الحكيم البوصيري رضي الله عنه:
والنفس
كالطفل إن تهمله شب على حب الرضاع وإن
تفطمه ينفطم
فخالف
هواها وحاذر أن توليــه إنَّ الهوى ما
تولى يُصْمِ أو يَصِمِ
هدانا الله جميعاً إلى العمل بهدى سيدنا رسول الله صلى الله عليه
وسلم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
***
من أبواب المعروف
بسم الله الرحمن
الرحيم
أيها السادة والسيدات: السلام عليكم ورحمة الله
وبركاته.
أما بعد:
فقد روى مسلم في صحيحه عن أبى ذر رضي الله عنه أنه قال:
قال لي النبي صلى الله عليه وآله وسلم:{لا تحقرن من المعروف شيئاً
ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق}.
صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
المعروف هو صنع الجميل، وفعل الخير والبر، وكل
ما يتودد به الإنسان إلى الناس من قول كريم أو خلق حميد، حتى بشاشة المؤمن في وجوه إخوانه المسلمين، فذلك من المعروف الذي
ينال عليه أجراً وثواباً من الله عزَّ وجلَّ.
والمؤمن لا يستصغر من المعروف شيئاً، ولا يقلل
من شأنه مهما كان صغيراً، فإنَّ رضا الله سبحانه وتعالى مخبوء في طاعته وطاعة رسوله، حتى إن كانت هذه الطاعة
كلمة طيبة، أو طلاقة وجه أو تنحية الأذى من طريق الناس، أو مداعبة الأطفال أو
إدخال السرور على الأهل والأولاد، أو المسح بيدك على رأس اليتيم، وغير ذلك من وجوه
البر والمعروف التي لا تحصى، فإن المسلم لا يحتقر منها شيئاً ولا يستهين بها، لأن
من استهان بالأمور الصغيرة لا يستبعد أن يستهين بالأمور الكبيرة، وربما يستصغر
الإنسان شيئاً وهو عند الله عظيم، قال الله تعالى: ﴿وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ﴾. [15، النور].
وكذلك فإن غضب الله منوط بمعصية الله ورسوله،
ولو كانت هذه المعصية صغيرة في نظرك مثل
عبوسك في وجه أخيك المسلم، أو ظنك السوء
به، أو احتقارك لشأن من شئونه، فإن ذلك كله من المعاصي التي ينطوي عليها سخط الله
وغضبه.
أيها المسلم الكريم:
لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك
بوجه طليق، وعلى ذلك فإن كل واحد منا يستطيع فعل المعروف بيسر وسهوله، ومن غير
عناء ولا مشقة، ولو أن يتصنع الإنسان ذلك ويتكلفه، حتى يصير بعد ذلك عادة له
وسجية، قال النبي عليه الصلاة والسلام:{البرُّ شئٌ هين وجهٌ طليقٌ وكلامٌ لين}.[1]
أخي أيها المسلم: هذا هو الإسلام في أبسط تعاليمه وأنصع صوره وأروع آدابه التي
تشيع الأمن والسلام والطمأنينة بين الناس، وتجعل الحياة طيبة كريمة، وتعطى لغير
المسلمين الدلائل والحجج القوية على أن الإسلام هو دين الله الحق الذي يجب أن يؤمن
به جميع الناس، وأن يهتدوا بتعاليمه السمحة إلى عيشة أفضل وحياة أكرم من هذه
الحياة المليئة بالنزاع والصخب والضجيج.
أيها الإنسان العاقل: أرجو أن تُلْقِى نظرة فاحصة
ومتأنية على وصايا الإسلام فإنك ستجد أنك مضطر إلى الأخذ بها لتحيا سعيداً آمناً،
سالماً غانماً. وأرجو أن تتجرد من التعصب والهوى حتى تنصف نفسك من نفسك، والله
أسأل أن يهدينا جميعاً إلى سواء السبيل.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
***
الشكر على النعمة
بسم الله الرحمن
الرحيم
الحمد لله حمداً كثيراً كما أمر، والصلاة
والسلام على خير هاد إلى صراط الله المستقيم، سيدنا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين،
وسلام على الأنبياء والمرسلين، والحمد لله رب العالمين.
أما بعد...
فإن من هدى النبي ـ عليه أفضل الصلاة وأعظم
التسليم ـ ما رواه أبو داود والترمذي عن معاذ بن أنس رضي الله عنه قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم:{من أكل طعاماً فقال الحمد لله
الذي أطعمني هذا ورزقنيه من غير حول منى ولا قوة، غُفِرَ له ما تقدم من
ذنبه}.
صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أيها الإخوة والأخوات: كم من فضل حبانا به النبي
صلى الله عليه وسلم، وكم من بيان هدانا به رسوله الله، حتى
فيما نأكله ونتهنى به جعل لنا فيه سيدنا رسول الله رحمة ومغفرة، فإن المؤمن
يأكل ويتغذى ويتفكه ويتلذذ وينال مغفرة الله ورحمة الله، لقاء كلمات قليلة يحمد به
الله عزَّ وجلَّ ويثنى بها عليه، فإذا قال بعد طعامه الحمد لله
الذي أطعمني هذا ورزقنيه من غير حول منى ولا قوة ـ غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه.
اللهم لنا الحمد على ما أعطيت، ولك الشكر على
ما أنعمت به وأوليت، اللهم أجز سيدنا رسول الله عنا خير الجزاء، فقد بين لنا كل شئ
حتى ما نقوله عند طعامنا وعند شرابنا، وعند نومنا وعند لباسنا، وعند وقوفنا
وجلوسنا وعند ركوبنا وعند نزولنا وعند صحونا من النوم، وعند كل شئ نريده، ولقد صدق
الشاعر الحكيم الذي قال في شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
وعلَّمنــا
بناءَ المجدِ حتى أخذنا إمرة الدنيا
اغتصابا
وإن المؤمن حريص على مغفرة الله فهي أعزُّ شئ
عليه، ولذلك فإنه يتلمسها في كل ما يأتي
وفى كل ما يذر، وفى كل ما يقول وفى كل ما يفعل، ولا يزال كذلك طوال حياته حتى
يأتيه اليقين، وإن كل مسلم في أمسِّ
الحاجة إلى مغفرة الله، فهو يطرق كل باب للوصول إليها.
وإن المغفرة معناها ستر الزلات والعورات،
والعفو عن الخطايا والسيئات،ومحو الذنوب والآثام، فما أعظمها من مطلب نضرب إليه
أكباد الإبل حتى نبلغه إن شاء الله، وهنالك يقول المؤمن:
﴿يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي
مِنَ الْمُكْرَمِينَ﴾. [ 26-27، يس].
﴿رَبِّ
اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ
وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾. [ 28، نوح].
﴿رَبَّنَا
اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ﴾.
[41، إبراهيم].
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
***
من آداب الأخوة في الإسلام
بسم الله الرحمن
الرحيم
وصلاة وسلاما على الصادق الأمين سيدنا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الأخوة المؤمنون: السلام عليكم ورحمة الله
وبركاته.
وبعد...
فقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبى هريرة رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:{لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا
تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونوا عباد الله إخوانا}.
صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أيها الأخوة: ما أروع هذه الوصايا، وما أجل هذه
الآداب التي أسعدت الإنسانية في مشارق
الأرض ومغاربها. لقد تسمعت بها الدنيا فكبَّرت وهللت، ووقفت لها إجلالاً وإعظاماً، واستقبلتها بروح من الحب والإخلاص لم
يعهد لها مثيل من قبل، وقام كل مسلم بتن فيذها عن طواعية وارتياح بعد اعتقاده أن في الأخذ بها كل الخير وكل الإسعاد، ولقد شاعت
هذه الآداب في الأمة الإسلامية حتى ملأت
جوانب حياتهم، وتزكت بها نفوسهم، وتطهرت بها قلوبهم، ونزلت عليهم بركات السماء
وخرجت عليهم بركات الأرض، ونعموا بها في
معاشهم وفى كل حياتهم.
أيها الأخوة: تعالوا معي نتدبر معاني هذه
الأشياء التي حرمها النبي صلى الله عليه وسلم علينا،
نجد أنه حرم علينا التحاسد، وهو نوع أكبر
من الحسد، إذ أن التحاسد هو وقوع الحسد من جانبين كلاهما يحسد صاحبه ويحقد عليه
ويكره له الخير، والحسد إنما يأتي من إنسان ضعف الإيمان في نفسه، واهتز اليقين في قلبه، لأن إيمانه بالله لو كان قويا لاعتقد
أن الله بيده الخير كله يعطى من يشاء، ويمنع من يشاء ويوسع على من يشاء ويضيق على
من يشاء وما عليه إلا أن يسلم الأمر إلى الله وأن يسأل الله الغنى والسعة، والله
يرزق من يشاء بغير حساب. وكأن الحاسد يعترض على الله فى تصريفه وتقديره، وفى منعه
وإعطاءه، وقديما قال الحكماء: الحسود لا يسود، وقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم:{الحسد يأكل الحسنات كما
تأكل النار الحطب}.[2]
وليس للحسد من علاج إلا أن يجدد الإنسان
إيمانه، ويصحح عقيدته، ويلازم أهل العلم والحكمة، ويجالس أهل الصلاح والتقوى ليجد
عندهم ما فقده من قوة اليقين وصحة الاعتقاد.
وذلك لأن الحسد مرض يصيب القلب ويؤثر على
الإيمان. وإن الحاسد يعيش دائما في حزن
ونكد لما يراه من النعم والعطايا التي رزق الله بها غريمه.
وإن عين الحاسد تؤثر تأثيراً قوياً في المحسود، فإنه ورد في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :{العين تدخل الرجل القبر والجمل القدر}.[3]
وقال الله تعالى: ﴿وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا
حَسَدَ﴾. [5، الفلق].
فإن شر
الحاسد يصيب المحسود ويضره ضرراً بليغاً. وإذا رأى الإنسان الحاسد
كَبَّرَ عليه ويقرأ عليه سورة ال فيل
ويتحصن بسورتي الفلق والناس، وإذا أصيب بحسده فليأخذ ماء وضوءه ويغتسل به، وهذا
العلاج ورد في صحيح السنة فإنه يبرأ بإذن
الله تعالى.
قال صلى الله عليه وسلم :
ولا تناجشوا
التناجش هو أن يتظاهر إنسان بشراء سلعة من السلع، ويُغْلى ثمنها
ليغرر المشترين. وهذا الفعل من الأمور التي حرَّمها الإسلام لأنه أسلوب من أساليب
أكل أموال الناس بالباطل عن طريق التغرير بهم ورفع الثمن عليهم. وذلك العمل هو
أسلوب السماسرة في الأسواق ليأخذوا أجراً
على ذلك من البائع. وقد حرم الإسلام ذلك حرصاً على سلامة التعامل بين الناس،
وحفاظاً على القلوب من الريبة وسوء الظن، ووقاية للمجتمع من النفوس الشريرة
والأساليب الرخيصة.
ثم نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التباغض
فقال: ولا تباغضوا
والبغضاء هي شدة الكراهية التي توغر الصدور
وتشحن القلب بالإحن والعداوة، قال عليه الصلاة
والسلام:{وابغض بغيضك هونا ما فعسى
أن يكون حبيبك يوما ما}.[4]
وهو توجيه في غاية الحكمة لأن النفوس متغيرة ومتقلبة، ومن
فطرتها الكراهية كما أن من فطرتها المحبة، لذلك أمر النبي صلى الله عليه
وسلم
أن لا يشتط المسلم في الكراهية، وأن لا
يتجاوز المدى فيها، فتنقلب إلى عداوة
شديدة وحرب قاسية.
ثم حرم النبي صلى الله عليه وسلم التدابر،
فقال: ولا تدابروا.
والتدابر هو التهاجر بحيث يهجر المسلم
أخاه ويجا فيه، فإذا مرَّ عليه لا
يصافحه ولا يسلم عليه، ولا يقابله بوجه
كريم، ولا يهش له ولا يبش، وإنما يُعرض
عنه ويوليه ظهره. وهذا الهجران لا يجوز أن
يتعدى ثلاثة أيام، فإنه أيضاً من طبائع النفوس إلاَّ أنه لا يصح التمادي فيه، قال صلى الله عليه وسلم:{لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه
فوق ثلاث ليالي، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض
هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام}.[5]
ثم نهانا النبي صلى الله عليه
وسلم
عن بيع بعضنا على بيع بعض، بمعنى أن البائع يبيع السلعة، وقبل أن يسلمها للمشترى
يبيعها لمشتر آخر يدفع فيها أكثر من
الأول. فهذا البيع من الأمور المحرمة، لأن المؤمن إذا ارتبط واتفق على أمر نفذه،
ولا يجوز له الرجوع فيه، حتى لا يختل
النظام وتفسد القلوب. والدين حريص على محبة الناس لبعضهم وعلى حسن تعاملهم
وتعاونهم.
ثم أمر رسول الله صلى الله عليه
وسلم
أن نكون إخواناً يتولى بعضنا بعضاَ، ويحب بعضنا بعضاً ويرحم بعضنا بعضاً.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
***
من علامات القيامة
بسم الله الرحمن
الرحيم
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك
أنت الوهاب.
والصلاة والسلام على سيدنا محمد البشير النذير والحبيب الش
فيع وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
وبعد...
فقد روى مسلم بسنده عن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه حديثاً طويلاً،
نذكر منه ما يتعلق بعلامات الساعة:{قال جبريل عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه
وسلم: فأخبرني عن الساعة ـ قال : ما المسئول عنها بأعلم من السائل. قال:
فأخبرني عن أمارتها ـ قال: أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة رعاة الشاة
يتطاولون في البنيان. ثم انطلق فلبث
ملياً، ثم قال يا عمر: أتدرى من السائل؟ قال: قلت الله ورسوله أعلم. قال فإنه
جبريل أتاكم يعلمكم أمر دينكم}.
هذا الحديث الشريف يكشف لنا عن أمر الساعة، ويذكر لنا علاماتها،
ويبين لنا أن سيدنا جبريل كان يتراءى لأصحاب النبي صلى الله عليه
وسلم،
ولأنه كان يعلمهم كيف يسألونه عليه الصلاة والسلام، لأنه أخذ يسأله أمامهم عن
الإسلام والإيمان والإحسان، وعن الساعة وأشراطها، ورسول الله يجيبه عن كل سؤال
وسيدنا جبريل يصدقه، والصحابة يتعجبون ويقولون كيف يسأله ويصدقه.
ولما سأل سيدنا جبريل النبي عن الساعة، قال له:{ما المسئول عنها بأعلم من
السائل}.
هذا الجواب فيه
احتمالات كثيرة، فيجوز أن يكون علم
المسئول بها كعلم السائل عنها، وعلى ذلك فإن الرسول وسيدنا جبريل يعرفان ميعاد
القيامة لكن الرسول أمر بإخفاء علمها عن الناس رحمة بهم.
أما سؤال سيدنا
جبريل عنها ليعلم الصحابة والمسلمون من بعدهم أن ميعاد الساعة لا يجوز السؤال عنه،
لأن باب السؤال عنه قد قفل بهذا الموقف الذي تم بين سيدنا جبريل وبين سيدنا رسول
الله صلى الله عليه وسلم. فالخوض فيه بعد ذلك من الأمور المحرمة على المسلمين.
وقد سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الساعة فقال له رسول الله: وماذا
أعددت لها؟ قال: أعددت لها حب الله ورسوله، قال له رسول الله: أنت مع من أحببت.
ففرح الرجل بهذه البشارة فرحاً يفوق الوصف ويزيد عن التصور.
ثم سأل سيدنا جبريل رسول الله صلى الله عليه
وسلم
عن أمارات الساعة، {قال:
فأخبرني عن أمارتها}.
فأخبره النبي عنه. وأمارات الشيء علاماته ودلالاته التي
يعرف بها، حتى إذا ما رآها الإنسان عرف الشيء الذي وضعت له ودلت عليه. وما دام
الرسول صلى الله عليه وسلم يعرف هذه الأمارات والعلامات التي تدل على قيام الساعة
فإنه بالضرورة يعرف وقت وقوعها، ولكنه صلى الله عليه وسلم ذكر علامات القيامة حتى
إذا ما رأيناها تجهزنا لها وأعددنا العدة لاستقبالها.
وقد قال رسول الله في بيان هذه العلامات:{أن تلد الأمة ربتها}.
وفى رواية أن تلد الأمة ربها، والمعنى أن تلد الأم ولدا أو
بنتاً يستعملان القسوة والشدة معها، ويعاشرونها معاشرة السيد لأمته أو معاشرة
السيدة لعبدها، فتقوم الأم بخدمة بناتها أو أولادها كما يفعل العبد، ولا تجد منهم
إلا سوءا في المعاملة وفحشاً في القول، وإذلالا وإهانة كالأمة التي تملكها
سيدتها أو يملكها سيدها بل أكثر. وقد ظهرت هذه العلامة بكثرة في هذا الزمان، حتى كأن الأمهات رقيقات مملوكات
لأبنائهن وبناتهن، فصار الأبناء يضربون أمهاتهم ويؤذونهن، وكذلك البنات يسئن
أمهاتهن ويتعسفن معهن.
أما الأمارة الثانية التي ذكرها النبي صلى الله عليه
وسلم
فهي قوله: {وأن ترى
الحفاة العراة رعاة الشاة يتطاولون في
البنيان}.
ما أروع هذا البيان المعجز الذي بلغ المدى في الإفصاح والإيضاح. هذا الوصف النبوي ينطبق
تماماً على الأمة العربية الضاربة في
الصحارى والجبال والقفار، ويتخذون بيوتاً من الخيام أو المباني البسيطة المبنية من
الطين أو الطوب اللبن، فلننظر الآن إلى هذه الأمة وقد بنت الصروح المشيدة، والقصور
الضخمة العالية، والمباني المزخرفة بأنواع الزينة والفرش الوثيرة.
وليس المقصود
بالتطاول في البنيان ذلك المعنى الذي
ذكرناه، وإنما معنى كلمة التطاول التعالي والتفاخر بهذه المباني الشامخة على من
دونهم من الناس، فبهذا يظهر معنى التطاول، لأن البنيان المرتفع إذا كان لحاجة
الناس إليه، أو لضيق الأرض فلا يكون فيه
شئ من التطاول، ولكن التطاول فيه الإيذاء
وحجب الهواء والضوء عن الناس المجاورين لهذا البناء من الفقراء والمساكين. فإذا
رأينا هذه الظاهرة فإننا نعلم أن الساعة أوشكت وقرب قيامها جداً، فاعتبروا يا أولي
الأبصار.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
البدع: أنواعها
وآثارها
بسم الله الرحمن
الرحيم
ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير.
والصلاة والسلام على الرؤوف الرحيم بالمؤمنين ، وعلى آله
وأصحابه الطيبين الطاهرين، وعلى من نهج نهجهم إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.
أيها المستمع الكريم:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أما بعد...
فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى
عنها
قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:{من أحدث في أمرنا هذا
ما ليس منه فهو رد}.
صدقت يا سيدي يا رسول الله، ما أرحمك بالمؤمنين، وما أعظم
رأفتك بهم، فقد نبهتهم إلى كل ما يحدث على صعيد الأمة حتى يكونوا على ذكر منه، وعلى
علم به إذا وقع بالفعل، فيعرفون حكمه في هدى المصطفى صلى الله عليه وسلم، وفى
بيانه الذي سبق أن عرفهم به، فيجتنبوه
ويجتهدوا في تصويبه وتصحيحه.
وإن في كل عصر
أحداثاً وقعت ليست من الدين في شئ، وفى
عصرنا هذا أحداثاً كثيرة، أذكر منها ما حضرني في هذه الساعة، مثل الذين يستعملون الطبل
والمزمار أثناء ذكر الله تعالى، فإنها بدعة محرمة، وكذلك الذين يغيرون ويلحنون في أسماء الله تعالى وقت الذكر فإنها بدعة
محرمة، ومثل الذين يتهمون طوائف الأمة بالضلال والفسق فإنها فريه محرمة مردودة
عليهم وبئست البدعة، وكذلك الذين يفرقون بين المسلمين ويجعلونهم شيعاً وأحزاباً، يتعصب
كل منهم لفرقته ويكيد للأخرى، ومثل علماء
الدين الذين يتزاحمون على الدنيا ويتكالبون عليها، ومثل الحكام الذين يهجرون دين
الله ولا يحتكمون إليه، ومثل خروج بعض الناس على الحكام وعدم طاعتهم، ومثل الجدل
والنزاع حول فروع الشريعة. كل هذه الأمور بدعة مردودة على أصحابها ولا يقبل شئ
منها، ويجب على هؤلاء جميعاً المسارعة بالتوبة إلى الله عزَّ وجلَّ، والرجوع
إلى أوامر الشرع الشريف والاعتصام بها.
هذه الأشياء التي ذكرتها هي على سبيل المثال لا الحصر. أما
الأمور التي حدثت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهى
المأخوذة من روح القرآن والسنة الشريفة، ولم تخرج على الأحكام العامة للدين
واستحسنها المسلمون، فهي ليست من المحدثات المردودة، بل هي من المحدثات المقبولة
عند الله ورسوله. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:{من سن سنة حسنة فله أجرها
وأجر من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شئ، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر
من عمل بها من غير أن ينقص من أوزارهم شئ}.[6]
وإن السنن التي حدثت بعد رسول الله كثيرة جداً ليس حصرها في الإمكان، لأنها منتشرة على مستوى العالم
الإسلامي في جميع بقاع الأرض، نذكر في وقتنا هذا ما يقوم به رؤساء المسلمين وحكامهم
من رأب الصدع وجمع الشمل وتوحيد الصف،
ومنها أيضا ما يقومون به من الإنكار على الظالم والباغي، والتصدي له بالتوجيه
والنصيحة تارة وبالقوة مرة أخرى حتى يفئ إلى أمر الله، ومنها ما تقوم به الدولة من
سن القوانين والشرائع التي تكفل الأمن والرخاء للناس، ومنها التيسير على الناس وعدم
أخذهم بالشدة حتى تعم الرحمة بينهم، ومنها منع
التشنيع والتشهير بالناس وإن كانوا مخطئين حتى لا تشيع الرذيلة في الناس، وغيرها من السنن الكريمة التي تحدث في مجتمعنا اليوم، وكلها من الدين وإن كانت
أساليبها تغيرت في هذا العصر عما قبله،
فإنما الغايات النبيلة تبرر الوسيلة الموصلة إليها، ما دامت لا تخالف شرعا ولا
عرفا.
والله أسأل أن يتولى المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها بالهداية والتو فيق،
والفوز والفلاح.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
والسلام عليكم
ورحمة الله وبركاته.
***
من بشائر الله
للمؤمنين
بسم الله الرحمن
الرحيم
ربنا لك الحمد أنت قيوم السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت رحمن الدنيا والآخرة
ورحيمهما، ارحمنا برحمة من عندك تغنينا بها عن رحمة من سواك.
والصلاة والسلام على من به عرف الحق واهتدى إليه الخلق، سيدنا
محمد عبدك ورسولك النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعد...
فقد روى الترمذي عن أنس رضي الله عنه قال: سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله تعالى: ﴿يا ابن آدم إنك ما دعوتني
ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالى، يا
ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك، يا ابن آدم لو أتيتني بقُراب الأرض خطايا ثم لقيتنى لا تشرك بي
شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة﴾.
صدق الله عزًّ وجلًّ وصدق رسوله صلى الله عليه
وسلم.
ما شاء الله لا قوة إلا بالله. إن هذا الحديث المعظم من
أجلِّ البشائر التي تهتز لها الأرواح طرباً وفرحاً، وبهجة ً وسروراً، فإن الله قد
فتح فيه أبواب الرحمة والمغفرة عن آخرها،
حتى صار كل بني آدم يتطلعون إلى كرم الله، وإلى فضل الله، وإلى عفو الله بأعين
الرجاء والأمل، فالله سبحانه خير ثواباً وأعظم رجاءاً، كما قال جل شأنه: ﴿هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ
لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا﴾. [44، الكهف].
إلهي وسيدي ومولاي، ما أعظم حلمك وما أجل عفوك، وما أوسع
رحمتك، وما أكرم غفرانك، تعاليت وتباركت، وتنزهت وتقدست، لك المجد والكبرياء، ولك
العظمة والثناء، تنزلت برحمتك وحنانك، وبرِّك وإحسانك لعبادك الذين هم في أمسِّ الحاجة إلى مغفرتك ورضوانك.
إلهي
إلهي، كم تعطفت على بني آدم، وكم تكرمت عليهم بسوابغ نعمك وعظيم ألاءك، فلم تترك
خيراً ولا جوداً إلاَّ آثرتهم به على جميع مخلوقاتك. قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ في الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ
الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً﴾.
[70، الإسراء].
أيها السادة والسيدات: هلمَّ بنا إلى ساحات الكريم الوهاب،
والمعطى المنان، والرازق الحنان لنغترف منها ونأخذ منها كل ما نستطيع من غير تأخر
ولا توان، فقد هطلت ال فيوضات والهبات الربانية على بني آدم من غير حساب.
اللهم لك الحمد ولك الشكر، ملء السموات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شئ بعد.
أيها السادة: إن هذا الحديث القدسي الشريف واضح كل الوضوح،
لا يحتاج إلى شرح ولا إلى بيان وإنما بمجرد استماعه والإصغاء إليه، وبمجرد قراءته
وتلاوته، يأخذ المسلم منه كل ما يشاء من فضل الله ورحمته، ومن عفو الله ومغفرته، وذلك بعد التعرض إلى الله بالقلب
والأعضاء، والعمل بهذه التوجيهات الرشيدة التي وردت في عباراته المقدسة.
وإنني أشير إلى معنى الفقرة الأخيرة من هذا الحديث، وهى قول
الله تبارك وتعالى:﴿ يا بن آدم إنك لو أتيتني بقُراب الأرض خطايا ثم لقيتنى لا تشرك
بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة﴾.
وذلك أن العبد المذنب يأتي إلى الله ويتوجه إليه بقلب
منكسر، ويُقِرُّ بذنوبه ويعتذر إلى الله عنها بندم واستغفار، وفاقة واضطرار،
ويعاهد الله عزَّ وجلَّ على الإخلاص في توبته، فإن الله يغفر له ذنوبه ولو ملأت
الأرض عن آخرها. وذلك معنى قول الله تعالى: ﴿وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ
يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾. [110، النساء].
ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم، وصلى
الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
***
هوى المؤمن
بسم الله الرحمن
الرحيم
اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، ولك
الشكر على ألائك ونعماتك، ولك الثناء الحسن الجميل، والصلاة والسلام على سيدنا
محمد النور المبين، والهاد إلى دين الله القويم، وعلى آله وعلى أصحابه أجمعين وسلم
تسليماً كثيرا.
أما بعد...
فقد جاء في صحيح
السنة عن عبد الله ابن عمرو ابن العاص رضي الله عنهما قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم:{لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به}.
صدقت يا سيدي يا رسول الله، فقد جئت بالخير كله من عند الله
عز وجل، وإنك لا تنطق عن الهوى بل تتكلم بما أوحاه
إليك عن طريق الملك أو عن الله مباشرة من
غير واسطة، لأن أبواب السماء كلها مفتوحة بين يديك دائما وأبداً.
أيها المسلم الكريم: إن هذا الحديث الشريف رفع
من قدر المؤمنين، حتى كانت ميولهم النفسية واتجاهاتهم القلبية متبعة لرسول الله صلى الله عليه
وسلم،
وذلك فضلا عن أعضاءهم وجوارحهم، فإن الهوى هو الرغبة في الشيء والميل إليه عن حب وارتياح. هذا وإن النبي
صلى الله عليه وسلم قد نفى الإيمان عن الإنسان الذي كان
هواه مشتتا وميله متحيزا لأغراضه وشهواته وأطماعه، ولم تكن ميوله وأهواءه في ما يحبه الله ويرضاه و فيما جاء به سيدنا
رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند الله. وإن الهوى أخو العمى،
فإنه إذا تحكم في صاحبه أضله وأبعده عن
صراط الله المستقيم ، وجعله يتخبط في
الأرض خبط عشواء، حيران لا يجد من يهديه، يسير من سيء إلى أسوأ، ومن عناء وبلاء
إلى نحس وشقاء. قال الإمام البوصيري رضي الله عنه:
والنفس
كالطفل إن تهمله شبَّ على حب الرضاعة
وإن تفطمه ينفطم
فخالف
هواها وحاذر أن تولـــه إن الهوى ما
تولى يُصْمِ أو يَصِـمِ
وقال
الله تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ
إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ
وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ
أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾. [23، الجاثية].
وإن ما جاءنا به سيدنا رسول الله صلى الله عليه
وسلم
من الدين والهدى، ومن العلم والمعرفة، ومن الذكر والموعظة، ومن الحكم والأحكام،
ومن القصص والأمثال، ومن الحق والعدل والإحسان، ومن الخير والبرِّّ والتقوى، ومن
الإيمان والإسلام واليقين ،إنما هو غاية السعادة في الدنيا والآخرة، ونهاية الفوز والنجاح في كل الأمور التي يباشرها المؤمن ويقوم بها
لدينه ودنياه. وإن الهوى الذي يتبع فيه
المؤمن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير الهوى الذي يتبع فيه حظه ونفسه وشهواته، فإن الهوى الأول هو
الاتجاه الصحيح القويم، الذي يسير بصاحبه إلى المجد والمعالي، وإلى صلاح الحال في الدنيا وإلى النعيم السرمدي في الآخرة.
ولقد كان الرشداء والعقلاء في جميع الأزمان والأمكنة من أشد الناس حرصاً
على تنقية أهواءهم من المفاسد والأرجاس والأمراض المهلكة، فأكرمهم الله وأعزَّهم،
وهداهم إليه صراطا مستقيماً. أما الذين يهرفون بما لا يعرفون، وينساقون وراء
أهواءهم الضالة، فقد باءوا بالخيبة والخسران والهلاك والبوار. قال الله تعالى: ﴿وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ
السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فيهِنَّ
بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ﴾.
[71،المؤمنون].
وقال الله تعالى: ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ
اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ
الظَّالِمِينَ﴾. [50،
القصص].
أيها السادة: جعلنا الله جميعاً ممن كان هواهم
تبعاً لما جاء به سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه مجيب
الدعاء.
***
عرفان
الجميـــل
بســـم
الله الرحمن الرحيـــم
روى البخاري ومسلم عن أبى هريرة رضي الله عنه قال: {كانت امرأة سوداء تقم
المسجد ففقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأل عنها فقالوا ماتت، قال أفلا
كنتم أذنتموني بها فكأنهم صَغَّروا أمرها. فقال دلوني على قبرها فدلوه فصلى عليها
ثم قال: إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها وإن الله تعالى ينورها لهم بصلاتي
عليهم}.
صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أيها المسلم. أيتها المسلمة:
انظروا كم كان رسول الله ر فيقاً وشفوقاً
ورحيماً بالمسلمين وخاصة بضعافهم وفقراءهم، فهذه المرأة التي كانت تنظف مسجد رسول
الله وتكنسه، كيف اهتم بشأنها، وتأثر
بوفاتها، ورق لها وطلب من أصحابه أن يدلوه على قبرها ليصلى عليها ويدعو الله لها
اعترافاً من النبي عليه الصلاة والسلام بفضلها
وعملها، وتقديراً لها وتنبيهاً لأئمة المسلمين وأصحاب المسئولية فيهم، أن يكرموا العاملين والعاملات وأن يستوصوا
بهم خيراً، حتى بعد موتهم وانتهاء عملهم. فقد قال النبي لأصحابه هلا أخبرتموني
بموتها وفى هذا التعبير نوع من اللوم والمؤاخذة ثم يقول لهم دلوني على قبرها ليظهر
لهم اهتمامه بصغار الناس فضلاً عن كبارهم، وهذه هي سنة الإسلام وشريعته في احترام الناس وفى تكريمهم.
ولقد كشف رسول الله في هذا الحديث الشريف عن بعض الغيوب التي تكون في القبر فإنه قال: {إن
هذه القبور مملوءةٌ ظلمةٌ على أهلها} معنى هذه العبارة الشريفة أن أهل
القبور يدركون ويحسون بالظلمة التي هم فيها
وأنها تزعجهم وتفزعهم وأنها تخيفهم وتروعهم، وإذا صلى عليهم سيدنا رسول الله نوَّر
الله هذه القبور بصلاته عليهم قال الله تعالى لحبيبه: ﴿وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ﴾. [103، التوبة].
أي راحة وطمأنينة لهم اللهم عطف علينا روحه
الشريفة يا رب العالمين.
وكذلك إذا صلى على أمواتنا العلماء العاملون
والهداة المرشدون نور الله قبورهم وغفر الله لهم، قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ
اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾.[27، المائدة].
وهذا الحديث الشريف فهمنا منه معاني جليلة،
وعلمنا منه علوماً كثيرة، وبين لنا قبساً من الغيب المصون.
اللهم أجز سيدنا محمدا عنا خير الجزاء يارب
العالمين، وأدم علينا المزيد من الصلاة والتسليم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
[6] رواه الطبراني وأحمد ومسلم وغيرهم عن جرير بلفظ: (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها
من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيئا. ومن سن
في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص
من أوزارهم شيئا).
منقول من كتاب من هدى النبوة
لفضيلة العارف بالله الشيخ محمد على سلامه
مدير اوقاف بورسعيد سابقا