آخر الأخبار
موضوعات

الاثنين، 8 أغسطس 2016

- ما الحكمة وكيف تحافظ عليها

عدد المشاهدات:
لا عصمة إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن لم يأتمَّ به هلك وأهلك. ومع أنه صلى الله عليه وسلم كانت أحواله وأقواله وأعماله هى خالص المحبة الروحانية والسكينة الإلهية، فإنه صلى الله عليه وسلم كان يسير بالمسلمين على قدر ضعفائهم ليبين لنا سبل السير إلى الله سبحانه وتعالى، فكان صلى الله عليه وسلم يجلس المجلس العام لبيان الأحكام والمعاملات والإسلام، ثم يجلس المجلس الخاص مع جميع أهل الصُّـفـَّـةِ لبيان الأحوال والأخلاق وتزكية النفوس، ثم يجلس المجلس الأخص مع أفرادٍ اصطفاهم له صلى الله عليه وسلم ممن أمره الله سبحانه وتعالى بأن يصبر نفسه صلى الله عليه وسلم معهم فيتكلم معهم فى مقامات التوحيد ومنازلات اليقين ولذلك فإنك ترى الأمة أجمعت على النظر فى أسانيد كلامه صلى الله عليه وسلم، واشترط الرجال شروطاً للسنن ولم يقبلوا أحاديث كثيرة لم تصح عندهم بطريق مطابق لشروطهم مع صحة المتن حقاً وصحة السند وإن لم يقبل عندهم، وأكثر الأحاديث الإفرادية التى وردت عما لا شهرة لهم بين الصحابة ممن اقتطفتهم المحبة واختطفهم الشوق إلى الله تعالى. ولرجال الحديث العذر فيما أنكروه لأنه لا ينبغى أن يباح للعامة حفظاً للقوى العقلية. ومن تصفح الكتب الست يظهر له تفاوت منزلتها بين الأمة بقدر حيطة أصحابها رضى الله عنهم والتشديد فى الشروط. وأكثر الأحاديث المتضمنة لغوامض التوحيد مما أخذ به الرجال لا شهرة لها بين أهل الحديث حفظاً لأسرار الحق أن تذاع، ولذلك كان الرجال رضى الله عنهم فى بدايتهم وقوة أحوالهم عليهم قد يقهرهم الوجد إلى أن يظهروا أحوالهم أمام من ليسوا أهلاً لها مع حسن النية وسلامة السريرة وحسن الظن بالخلق، فإذا ترقوْا عن مقاماتهم إلى مقامات العين أو الحق فى اليقين والتحقيق فى التمكين ظهر لهم سوء عملهم فندموا وتابوا إلى الله، ثم تلوح لهم من لوامع سر القدر ما أجراه الله تعالى بسابق حكمته على أيدى رسله مما أضل به كثيراً وهدى به كثيراً فيرجعون إلى الله فى الأمر كله. وفى هذا أمر الإشارة فى قول موسى عليه السلام أن يضل بها من شاء ويهدى بها من شاء. ويحتاطون للحكمة ضنا بها أن تكون مشرعة للسالكين أو طوية للواردين وحفظاً لها أن تتـناولها أيدى الجهلاء المغرورين، ولكنى بعد هذا وهى سنة ماضية ولا عصمة إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سبق فى الأزل أن يتلقى الحكمة غير أهلها ليكونوا أبواباً للهاوية يهوى بهم فى نار البعد من سجل عليهم القضاء بالضلالة.. أعوذ بوجهه الكريم لا عذر لهم حقاً فى إباحتها ولو قهرهم حالهم، والواجب على كل مسلم أن يردهم عن إباحة الحكمة لغير أهلها، ولكن الرجال فى بدايتهم اختطفتهم يد العناية وجذبهم الحق حتى جمعهم عليه فكان معالم بين أعينهم والناس فى غفلة وإنما يتبعهم أهل التسليم ممن لم تحجبهم حظوظ ولا أهواء. وأصل هؤلاء الذين يجتمعون على أهل المقامات العلية منهم المضرة على غيرهم لأنهم يجعلون الحكمة سبيلاً إلى ظهورهم بين الخلق فيبيحونها لغير أهلها طمعاً فيما لا مطمع فيه وبهم المضرة. وقد قدر الله ذلك فى ذات رسله، فإن موسى السامرى قبض قبضة من أثر الرسول فاستعمل مشاهد الأرواح للأشباح حتى ضل وأضل ونسى التنزيه وجذب قلوب أمة معهم رسول من أولى العزم ورسول كريم فمالوا معه وعبدوا العجل وخالفوا سيدنا هارون عليه السلام، وكذلك بلعام بن باعوراى الذى آتاه الله آيات الحكمة فكفر واستعملها فى إضلال الناس وأخلد إلى الأرض - وقد شرح القرآن الكريم أخبارهما. وكم أفسد جماعات من المسلمين بما تلقوه من الحكمة عمن تلقوها، ذلك لأن العلماء والربانيين يهب الله لهم نوراً تلوح به سيماً الخلق فلا يبيحون سراً من أسرار الحكمة إلا لأهله، أما غيرهم ممن جهلوا قدر الحكمة وجهلوا قدر النفوس وتفاوتها لا يبالى أحدهم أن يبيح من أسرار الحكمة لغير أهلها مهما بلغ ذلك، وذلك لأنه لو كوشف بحقائق تلك الأسرار لبخل بها أن تسمعها أذناه، ولا ينتفع أحد بتلك الأسرار العلية إلا من سمعها من فم العالم الربانى، فإن أنوار الحق تـشرق على القلب قبل نطق العارف لأنها تصدر من قلبه محملة بالإخلاص لوجه الله ونجاة الخلق وجمعهم على الحق، ومن أين لغيره ونفسه تعسة وحظه وبىء وهواه قاهره أن يبيح للحكمة ولو لأهلها؟ فإنه إن أباحها ولو لأهلها سبقت ظلمات حظه ونيران هواه إلى قلب السامع، فإن قبل فسد القلب وإن أنكر أنكر الحق، ولذلك فعشاق العلم بالله سواحون فى الأرض يلتمسون العالم الربانى أين كان، فإذا أنسوا منه بالمعرفة حقاً والإقتباس من مشكاة الأنوار كانوا معه كما قال الصحابى رضى الله عنه: من حفظنى آية من كتاب الله أو روى لى حديثاً من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم: كنت له عبداً.



أكرر التنبيه على إخوانى أن من سمع منهم الحكمة يجتهد أن يكمل بها نفسه ويبخل بها أن يبيحها لأحد ما دام الرجل حياً بين ظهرانيهم حتى ينتفع الناس بالحكمة حقاً، فإذا مات الرجل يجب عليهم أن يطووا هذا البساط إلا ما سمعوه منه أو ما رأوه عنه خشية من أن يتكلم فى العلم الإلهى بلا كشف وبيان فإنه مزالق الأقدام. ولا أحظر عليهم أن يديموا مذاكرة الحكمة وأن يكثروا من مطالعة كتبها حتى تنفجر ينابيعها من القلوب بفضل الله، والله ذو الفضل العظيم.



والشريعة حصن السالكين وروض الواصلين وجمال الأفـراد المحبوبين، فليلزم كل أخ ظاهر الشرح وليعلمه، فإنه أمان من الله وسبيل القرب منه جـل جلاله. وقد جهل كثير من السالكين سبيل الوصول إلى الله تعالى فأهملوا الأعمال البدنية وظنوا أنهم يحسنون صنعاً، وهى الهاوية التى قادهم إليها الشيطان الرجيم، لأن الصراط المضروب بين الحق والخلق هو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمله صلوات الله وسلامه عليه، وحــاله صلى الله عليه وسلم: يقول (الشريعة أقوالى والطريقة أعمالى والحقيقة أحوالى) فمن لم يسمع قوله ويعمل بعمله صلى الله عليه وسلم ويتحلى بحاله فهو ناكب عن الصراط المستقيم ســالك وراء الشيطان الرجيم، لأنه صلى الله عليه وسلم الرحمة العامة ونعمة الله العظمى. وقد أمرنا الله تعالى فى كل يوم أن نسأله حسن اتباعه أربعا وثلاثين مرة، فإن الله فرض علينا ســبع عــشرة ركعة فى اليوم، وسن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: سبع عشر ركعة نقرأ فى كل ركعة فاتحة الكتاب فنقول (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) سورة الفاتحة آية 7. فـلـو أن الله تعالى استجاب لنا وقبل منا لهدانا صراطه المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. ولكنا إذا أهملنا الأعمال البدنية كان ذلك دليلاً على سخط الله وغضبه وأنه لم أهمل الأعمال البدنية صراطه المستقيم وكيف لا وقد كـره أن يواجهه بوجهه الجميل فى مقام الصلاة، وكره سبحانه وتعالى أن يوفقه لما وفق له أئمة الهدى.. نعوذ بالله من لمة الشيطان الرجيم.



والأعمال البدنية نتائج الأعمال القلبية، فمتى واجه الـقلب إلهاً عظيماً كبيراً ورباً منعماً قهاراً.. تحقق بأنه عبد له سبحانه وتعالى فسارع إلى التـلذذ بالقيام بحقوق العبودية، فإذا رده الله تعالى أدى حرمه المعونة سر قوله تعالى (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) سورة الفاتحة آية 5. وقد تقدم لى أن الإستعانة وسيلة والعبادة مقصد والوسيلة تقدم على المقصد، ولكنه جل جلاله قدم المقصد على الوسيلة فقال: (إياك نعبد) لينبه القلوب لسر ما خلقهم لأجله وإلى الحكمة التى أبدعهم لأجلها.



هذا ولا أزال أقول أن مقام الإصطلام الماحق والوجد الصادق والجمع على الحقيقة الذى يهدم أركان البشرية ويطفىء نار الآدمية .. لا يلام صاحبه، فإنه غاب عن نفـسـه وحـسـه، إنما أتـكلم مع المتكلفين الأدعياء الذين يميزون بين الحار والبارد وبين الفضة والذهب وبين الطعام الشهى وغيره ثم يهملون أعمال الأبدان. إن هؤلاء شياطين مردة، وهم أضر على المسلمين من إبليس الرجيم، لا لوم على من اقتطعته واختطفته أنوار بوارق العزة فاستوى معه الموت والحياة والعافية والسقم وصارت المرأة الحسنة والحجر سواء، هذا مخطوف العناية لا يأنس بغير ربه ففر من نفسه، فكيف يأنس بغيره؟! ليس هذا فى نظر الرجال بكامل، فإن فوق هذه المشاهد مشاهد مقامات القرب ومكاشفات منازلات القريب وإشراق أنوار إله عظيم كبير على قلب عبد ذليل منكسر خاشع، وموارد هنية من طهور يسقيه الرب جل جلاله سر قوله تعالى: (وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً) سورة الانسان آية 21، وحـلل علية من ميراث خير البرية وهو مقام الفرد الكامل العبد المتحقق بالعبودية محل نظر الله من خلق الله المتجمل بكل معانى أهل معية رسول الله صلى الله عليه وسلم:. وقد أطلت الكلام فى السماع لمساس الحاجة إليه ..والله أسأل أن يلهم إخوتى المؤمنين الصواب فى القول والعمل والحال والإعتقاد إنه مجيب الدعاء رب العالمين.



وإن من الناس طائفة يعبدون الله بألسنتهم ويعبدون الدنيا بقلوبهم وهم المراءون، وهؤلاء أضل ممن سبق ذكرهم، لأن السالك قد يقلد مرشداً مصطلحاً يحمل قلبه بأنوار الشوق، ولكن هؤلاء الذين يعبدون الله بألسنتهم ويعبدون الدنيا بقلوبهم عظموا الخلق وحقروا الحق ولا عذر لهم، وقد شنع الله عليه فى القرآن فى أعظم آياته وجعلهم أنواعاً، وهؤلاء يفضحهم الله تعالى فى الدنيا - أعاذنى الله تعالى من شرورهم - فترى الرجل منهم كثير العبادة كثير الذكر كثير الصيام كثير الخلوة ينتسب إلى ولى من أولياء الله لينال غرضاً فانياً، فإن ظفر بغرضه لازم العبادة، وإن لم يظفر انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة، وهو الذى شنع الله عليه بقوله: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ) سورة الحج آية 11.
التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:




شارك فى نشر الخير