آخر الأخبار
موضوعات

الثلاثاء، 23 أغسطس 2016

- طريق النجاة واتقان العمل

عدد المشاهدات:
طريق النجاة
بسم الله الرحمن الرحيم
ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير، والصلاة والسلام على قبضة الأنوار الذاتية، وكوثر الفيوضات الإحسانية، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه خير البرية، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد ....
فقد روى الترمذي عن معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه قال:{قلت يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار، قال: لقد سألت عن عظيم وإنه ليسير على من يسَّره الله تعالى، تعبد الله لا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة وتؤتى الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت}.
أيها الأخوة المؤمنون: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في غاية الحرص على نجاتهم ونجاة المسلمين معهم، لأنهم كما وصفهم الله عزَّ وجلَّ: ﴿رُحَمَاء بَيْنَهُمْ﴾. [29، الفتح].
يحبون الخير لأنفسهم ولجميع المسلمين إلى يوم القيامة.
وإن  في هذا السؤال الذي سأله سيدنا معاذ خير كثير للأمة، وكأنه سأل بلسان كل مسلم يرجو النجاة من النار والفوز بالجنة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، {تعبد الله لا تشرك به شيئاً}، ومعنى هذه العبارة الشريفة أن توحد الله وأن تؤمن بوجوده وقدرته، وعلمه وإرادته، وبكل أسمائه وصفاته، إلها واحداً أحداً، فرداً صمداً، لا شريك له في ملكه، ولا معين له، ولا ولد ولا زوجة له، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
ويجوز أن يكون المعنى أن تخلص العبادة له لا ترجو غيره ولا تخشى سواه، وهو المقام الذي يناسب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وكأن السؤال يقول أخبرني عن عمل يرضى الله عنى فيدخلني جنته ويباعدني عن عذابه، فكان الجواب تعبد الله مخلصاً له الدين لا ترجو بعبادتك شيئاً آخر غيره سبحانه وتعالى.
وكأن رسول الله يرتقى بالمؤمنين لدرجات الإحسان العالية، التي تطالب المحسنين بمشاهدة المعبود سبحانه وتعالى في العبادة حتى تصغر في أعينهم كل المقامات والكرامات، لأن الله سبحانه وتعالى علىٌّ عظيم دونه الجنات والنعيم والمسرات، وأنه يستحق العبادة لذاته، لا رغبة في النعيم ولا خوفاً من الجحيم، فلو لم يخلق الله جنة يجازى بها الطائعين وناراً يجازى بها العاصين لكان سبحانه وتعالى حقيقاً بالعبادة لذاته، لأنه الرب الخلاق الرزاق، واهب الحياة والخيرات، وباسط الأرض ورافع السموات، قال الله تعالى: ﴿قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ﴾. [11، الزمر].
والإخلاص في العبادة هو روحها التي لا قيام لها إلاَّ بها.
وقبل أن يجيب رسول الله السائل قال له: {لقد سألت عن عظيم وإنه ليسير على من يسَّره الله تعالى}. حقاً إنَّ ما ينجى من النار ويدخل الجنة شئ عظيم جداً، فإن توحيد الله والإيمان به جلَّ شأنه، وإن القيام بفرائض الله على وجهها المشروع أمور أعظم وأجل من الدنيا وما فيها، وفيها مرضاة الله ورسوله، وفيها تزكية النفس وطهارة القلب وصحة الجسم، وفيها بعد ذلك سعادة الدنيا والآخرة.
ثم بيَّن الرسول عليه الصلاة والسلام لسيدنا معاذ ولكل المسلمين فرائض الإسلام وهى إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج بيت الله الحرام، وفى التمسك بها النجاة والفوز بالجنة، ولكل من هذه الفرائض شروط وأركان وكيفيات لابد من رعايتها عند أدائها حتى تحوز الرضا والقبول من الله عزَّ وجلَّ. وإن المسلم يحرص عليها كل الحرص لأنها روحه وحياته في الدنيا والآخرة، اللهم زدنا هدى وتوفيقاً يا رب العالمين ... آمين
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
***
الحسنات والسيئات
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله على نعمائه، والشكر له سبحانه وتعالى على بره وعطائه، والصلاة والسلام على سيد رسله وأنبيائه، وعلى آله وصحبه...
أما بعد...
فقد روى مسلم  في صحيحه عن أبى ذر رضي الله عنه من حديث طويل قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: يقول الله عز وجل:{من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها أو أزيد ومن جاء بالسيئة فجزاء سيئة سيئة مثلها أو أغفر}.
صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغ عن ربه جلَّ شأنه.
أيها السادة: الحسنة مأخوذة من الإحسان، والحسنة هي ما يفعله الإنسان من الخير وما يقدمه الإنسان من الصالحات والطاعات لله عزَّ وجلَّ، والحسنة هي ما يحسن به المؤمن إلى نفسه أو إلى غيره من نفع دنيوي أو ديني، وكل ما يؤديه المؤمن من الواجبات ـ والمندوبات فهو من الحسنات التي يحسن بها إلى نفسه، وكل ما يتجنبه من المحرمات والمكروهات فهو حسنات ينال عليها من الله الأجر الكبير والثواب العظيم والنعيم المقيم، حتى الكلمة الطيبة التي تهمس بها شفتيه من غير قصد فله بها عشر حسنات أو أزيد، وذلك فضل عظيم من الله عزَّ وجلَّ على عباده المؤمنين، فإن التعامل مع الله سبحانه وتعالى تجارة رابحة ومكاسب هائلة وخيرات هاطلة في الدنيا والآخرة.
وكلمة {أو أزيد}. لا حدَّ لها ولا عدَّ لها، فإن الزيادة مطردة كلما تنفست الحياة في جميع الأحياء، ويجب على كل مسلم أن يعتقد أنه يحسن إلى نفسه بكل حسنة يفعلها ولو كان يفعلها من أجل غيره فإنها راجعة إليه، قال الله تعالى: ﴿إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا﴾.[7، الإسراء].
فليكثر المرء من حسناته أو يقلل منها، فإن ذلك راجع إليه في الدنيا والآخرة، ومن أجل ذلك ترى المؤمنين يتنافسون ويتسابقون إلى عمل الحسنات والصالحات في الليل والنهار لا يفترون ولا يسأمون، لمعرفتهم قيمة ما يعملون ومقدار ما يسارعون  فيه، حتى إن الحسنات لا تقف عند حد الجزاء الأكبر من الله عزَّ وجلَّ الذي أشرنا إليه بل إنها لتذهب بالسيئات وتمحوها إلى غير رجعة، وتطهر صحائف العبد منها وتجعلها كأن لم تكن.
إلهي ما أعظم فضلك، وما أكرم برِّك، وما أجلَّ عفوك، فلك الحمد ولك الشكر ملء السموات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شئ بعد.
ولقد كان من رحمة الله بالمؤمنين أن جعل السيئة بسيئة مثلها، وذلك إنْ حاسبه الله عليها ولم يتب إلى الله منها، وقد يغفرها الله عزَّ وجلَّ، وهذا شأنه في لطفه بعباده وعفوه عنهم، وهو العفو الغفور، اللهم إنك عفو كريم حليم جواد تحب العفو فاعف عنا يا رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
***
أجر الدال على الخير
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ذي الفضل العظيم، والخير العميم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الحبيب الشفيع، الرؤف الرحيم، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا...
أما بعد...
فقد روى مسلم  في صحيحه عن أبى مسعود عقبة ابن عمر الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:{مَنْ دلَّ على خير فله مثل أجر فاعله}.
صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هذا الحديث الشريف أَعْلَى قدر الدعاة إلى الله، ورفع من شأنهم، وحثهم بصورة تجذب القلوب وتلهب المشاعر، نحو التفاني في دلالة الناس على أوجه الخير، وبيان أحكام الدين الشريف لهم، ومواصلة الليل بالنهار في توضيح كتاب الله وسنة رسوله لجميع الناس.
والدال على الخير هو رجل امتلأ قلبه بالخير، ولذلك فهو يعطى منه لكل طالب ولكل محتاج، ولا يكل من العطاء، ولا يقصر في الإنفاق، فإن المال ينقص بالنفقة، وإن العلم يزيد بالإنفاق وإن الذي يدل على الخير لا يتكلف فيه شيئاَ من المال، وإن تكلف فإن الله سيخلف عليه، الدرهم بسبعمائة، والله يضاعف هذا العِوَض إلى أضعاف كثيرة، لأنه يبذل  في سبيل الله، والله واسع عليم، وإن الدلالة على الخير تشتمل على خيري الدنيا والآخرة، فإنها باب من أبواب النصيحة التي أوجبها الله على كل ناصح أمين، وإن أساليب الدلالة متنوعة وكثيرة، فقد تكون بالمشافهة والحوار، وقد تكون بالكتابة والرسوم، وقد تكون بالإشارة والرموز، وقد تكون باللغة الفصحى وبالعامية حسب حاجة المقام، وقد تكون سرًا وقد تكون علانية، إلَّا أنه يجب أن تكون  في كل أحوالها هادفة ورائدة، وواضحة وبينة، بحيث يستدل بها من وجهت إليه أو طلبها.
وإن الذين ينتفعون بهذه الدلالة ويستنيرون بها في حياتهم، كان لهم أجرهم وثوابهم، وكان لهم خيرهم ومنفعتهم، وكان للأدلاء والنصحاء أجراً وثواباً مثل أجر هؤلاء العاملين، فإن الأدلاء كانوا سببا مباشرًا  في هذا الخير والثواب من الله عزَّ وجلَّ، وإن الله يعطى لكل إنسان أجره وثوابه على قدر عمله وعلى قدر نيته وقصده، وعلى قدر إحسانه وإتقانه  في العمل.
وإنه يجب على العلماء والنصحاء أن لا يطلبوا أجرًا من الذين يدلونهم أو يرشدونهم، لأن ذلك يؤدى إلى المتاجرة بالدين، وذلك من الأمور المحرمة شرعًا، أما إذا أعطاهم أحد شيئًا من تلقاء نفسه محتسبًا بذلك وجه الله ورسوله، فلا ضير  في أخذه ولا حرمة  في ذلك، قال الله تعالى: ﴿قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَن شَاء أَن يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا﴾.[57، الفرقان].                                                                                                      
والله ولى الهداية والتو فيق، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
***
منزلة الشهيد
بسم الله الرحمن الرحيم
بسم الله توكلت على الله، ولا حول ولا قوة إلَّا بالله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، سيدنا محمد وعلى آله وعلى أصحابه وعلى من اتبع هداه، وسلام على الأنبياء والمرسلين، والحمد لله رب العالمين.
أيها المسلم الكريم: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فقد روى أبو داود وابن حبان عن أبى الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:{الشهيد يشفع  في سبعين من أهل بيته}.
صدق النبي عليه أفضل الصلاة وأذكى السلام.
والشهيد هو الذي قُتِلَ  في سبيل الله دفاعًا عن الدين أو الوطن، أو النفس أو العرض أو المال، وذلك لأن هذه الأشياء هي مقومات الحياة  في هذه الدنيا، فمن اعتدى على شئ منها وجب الدفاع عنها لتستقيم الحياة، ويستقر الأمن ويستتب النظام، قال الله تعالى: ﴿وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ﴾.[ 251، البقرة].                                                                                               
ومن هنا كان المؤمن الذي يقاتل  في سبيل هذه الأشياء مجاهدا  في سبيل الله عزَّ وجلَّ، فإذا قُتِلَ نال الشرف الأعظم، وهو الشهادة وهى منزلة ليس بعدها إلًّا منزلة الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. وقد سماه الله شهيدًا، لأن الله أشهده ما أعده له عنده من منازل السعادة والكرامة  في أثناء القتال قبل أن يُقْتَل، وهذه الشهادة قد تكون بعين الرأس، ولا حرج  في ذلك على قدرة الله تعالى، وقد تكون بعين القلب عن علم اليقين بأخبار الله ورسوله، ويجوز أن تكون هذه التسمية لأنه شهد أحداث القتال الأليمة والمفزعة، وأنه يرى الهلاك  في كل لحظة يحدق به، وقد ثبت الله قلبه على الحق، فإن هذه الأحداث تزل  فيها الأقدام، قال الله تعالى: ﴿يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ ﴾.[27، إبراهيم].                                                                                                         
ومن أجل ذلك أعطى الله الشهيد حق الشفاعة  في سبعين من أهله، كل منهم قد استوجب النار، وهذا تكريم فوق تكريم.
والشفاعة هي طلب العفو عن المجرم الجاني، وعن المذنب الآثم الذي يستحق بجنايته عذاب جهنم، وإن الله عزَّ وجلَّ يستجيب للشهيد  في هذا الطلب ويعفو عن الذين يشفع لهم ويدخلهم الجنة بسبب هذه الشفاعة، ولما رأى الشهداء هذه المنح الإلهية التي تفضل الله بها عليهم، تمنوا أن يعودوا إلى الدنيا ويُقْتَلُوُن في سبيل الله عشرات المرات، ليحظوا  في كل مرة بهذه الرتب العلية، اللهم ارزقنا الشهادة في سبيلك ولا تحرمنا منها يا رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
***
مهام المعاونين للحكام
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله وسلم على البشير النذير، والسراج المنير، سيدنا محمد وعلى آله وعلى أصحابه أجمعين، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أيها الأخوة والأخوات: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أما بعد...
فقد روى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إذا أراد الله بالأمير خيرًا جعل له وزير صدق، إن نسى ذكره وإن ذكر أعانه، وإذا أراد به غير ذلك جعل له وزير سوء، إن نسى لم يذكره وإن ذكر لمن يعنه}.
صدقت يا رسول الله، ما أروع هذه التوجيهات، وما أعظم هذه الوصايا، التي أهديتها للناس جميعا، وهديت بها المسلمين إلى الصراط المستقيم.
أيها السادة: إن كل من تولى أمرًا من أمور الناس لا بد له من معاونين ومساعدين ومستشارين يتعاونون معه على إنجاح مقاصده، وتصويب مساره، وإحكام خطته. وإن هؤلاء الأعوان يجب عليهم أولًا أن يتفهموا الواجبات التي يقومون بها، ثانيًا يجب عليهم طاعة أميرهم وخاصة  في تنفيذ الأعمال المتعلقة بولايته، ثالثًا أن يتلاحم كل منهم بباقي المعاونين حتى يتكامل البناء المنشود والإنجاز المطلوب، رابعًا أن يتميز أولئك الأعوان بالإخلاص والدقة، والتفاني  في المجهود والعطاء، وإن الوزير هو الذي يؤازر الإنسان، أي يعينه ويساعده على بلوغ مآربه. وقد طلب الوزير من الله سيدنا موسى عليه السلام، مع أنه رسول من أولى العزم، فقال في طلبه: ﴿وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي﴾.[ 29-32، طه]                                                                                             
فاستجاب له وقال: ﴿قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى﴾.[ 36، طه]
ولقد حدد النبي صلى الله عليه وسلم دور الوزير الصالح، فقال:{إن نسى ذكره وإن ذكر أعانه}.
ومعنى ذلك أن رئيس العمل قد ينسى بعض الواجبات عليه للعمل أو للناس الذين يقوم بمصالحهم، أو ينسى شيئًا وجب عليه لله عزَّ وجلَّ،  فيقوم الوزير بتذكيره هذا الواجب حتى يتداركه في حينه وقبل فوات أوانه، لأن الأمير قد تنسيه كثرة الأعباء والمسئوليات شيئًا قليلًا أو كثيرًا منها، وإن وزراءه والمعاونين له كل منهم قائم على جزئية من أقسام هذا العمل الكبير، وكل منهم على يقظة وانتباه، وصدق ووفاء، فيسارع بتقديم مشورته ورأيه، وتذكيره حتى لا يضيع عمل ولا يتأخر في زحمة المهام والمصالح. وكم ضاعت مصلحة وخسرت مؤسسة بسبب غفلة المعاونين وعدم يقظتهم، وكم بات مظلوم وبائس يتأوه ويتألم من فوات مصلحته أو تأخيرها، وكم .. وكم..، وذلك بسبب إهمال المساعدين والمعاونين في كثير من المرافق والمصالح.
والله نسأل أن يشد أزر المسئولين بالرجال المخلصين الصادقين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
***
الرجل المناسب في العمل المناسب
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا محمد الرحمة المهداة والنعمة المسداة ونور الله الدال على الله، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا،
أما بعد ..
فقد روى مسلم عن أبى ذر رضي الله عنه قال: {قلت يا رسول الله ألا تستعملني؟ فضرب بيده على منكبي ثم قال: يا أبا ذر إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلًا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها}.
صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد رسم للناس طريق الخير والسعادة في الدنيا والآخرة، حتى يقتدي المسئولون به في هذا الأمر الخطير، فإن وضع الرجل المناسب  في العمل المناسب قاعدة من قواعد الدين الحنيف، فإن النبي عليه الصلاة والسلام لما رأى أبا ذر ضعيفًا عن حمل أعباء الإمارة، وأنها تحتاج إلى قوة وقدرة على القيام بها، ردَّ عليه فورًا ونبهه إلى خطورة الأمر الذي يطلبه، وأنه لن يستطيع أداؤه على الوجه الصحيح لضعفه، والضعف قد يكون في الصحة والجسم، وقد يكون  في الخبرة والتجربة، وقد يكون  في سياسة الناس وفى تدبير شئونهم، وقد يكون لكثرة الأعمال التي يزاولها، وغير ذلك من الأمور التي تشغله عن الإمارة وأعبائها الثقال.
وقد كان أبو ذر رضي الله عنه مشغولًا بالعبادة أناء الليل وأطراف النهار، فقد كان يصوم النهار ويقوم الليل، ويعيش وحده معزولًا عن الحياة العامة ولوازمها، حتى أنه كان يثور على كثير من الصحابة إذا رآهم  في بحبوحة العيش والنعمة، وكان يأخذ نفسه بالشدة والقوة، وكل هذه النواحي تجعل صاحبها يأخذ الناس بها ولى أمرهم، ولذلك ضرب النبي صلى الله عليه وسلم على منكبيه وقال له: يا أبا ذر إنك ضعيف، وإن الإمارة التي تطلبها أمانه، والأمانة لا من دفعها لأصحابها كاملة غير منقوصة وإلًا كانت خزيًا وحسرة يوم القيامة.
وإن حقوق الناس كثيرة جدًا بقدر حاجتهم ومصالحهم، التي تزيد يومًا بعد يوم، وإن الوالي لا بد أن يكون بصيرًا بكل متطلبات الحياة، وأن يساير الركب ولا يتخلف عنه ما دام ذلك في إطار ما أحله الله وأباحه للناس، وإلًا كان بلاء وشقاء على من تولى أمرهم، على أن يأخذ الناس بالرفق واللين، وأن يتعهدهم بكل الرعاية وحسن التوجيه، فإن رعيته هم أسرته وعائلته، وأنه مسئول عن كل فرد فيها وهى مسئولية كبيرة، وتحتاج إلى مواصفات كثيرة في من يتولى أمرهم، وإن كثيرًا من الناس يتسلق إلى المناصب ويتولاها وهو غير كفء لها،  فيكون نحسًا ووبالًا على الناس، ويبوء بالخزي والحسرة  في الدنيا والآخرة.
نسأل الله السلامة للأمة من شر هؤلاء الولاة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
***
واجب المسلم عند ظهور المنكرات
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وصلى الله وسلم على سيدنا رسول الله، وعلى آله وأصحابه، وعلى من اتبع هداه ... آمين، أيها المستمع الكريم: افتح أذن قلبك واسمع معي هذا الحديث الشريف الذي ورد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:{ إنها ستكون بعدى أثرة وأمور تنكرونها، قالوا: يا رسول الله كيف تأمر من أدرك منا ذلك؟ قال: تؤدون الحق الذي عليكم وتسألون الله الذي لكم}.
صدقت يا سيدي يا رسول الله، إنك تنظر بنور الله عزَّ وجلَّ إلى الغيب الذي سيقع في هذا العالم وتخبرنا عنه لنزداد إيمانًا بك وبما أخبرتنا به، فإنك لا تنطق عن الهوى ولكن بوحي من الله عزَّ وجلَّ، والأثرة هي أن يرى الإنسان أنه أولى وأحق بالشيء من غيره، ويستأثر به لنفسه دون من يحتاج إليه وخاصة تشيع الأثرة والأنانية وحب الذات بين الذين يملكون زمام الأمور، ويتحكمون في مصالح الناس كالأثرياء، وأصحاب المصانع والمزارع والمؤسسات التجارية ونحوها، وكذلك ولاة الأمور الذين لم يكن  في قلوبهم رحمة بالناس، فهؤلاء جميعًا إذا أصيبوا بهذا الداء الخطر أضروا بالمجتمع ضررًا بالغًا، وأضروا تقدمه وازدهاره سنين طويلة، وذلك علاوة على مقت الله لهم وغضبه عليهم، لأنه ملكهم وجعلهم قدوة ليضربوا الأمثال للناس في البذل والتضحية والسخاء، ولم يجعلهم الله في هذه المكانة المرموقة ليبثوا في الناس الشح والبخل والأثرة والأنانية، فيحطموا روح الناس وأخلاقهم، ويبذروا الشقاق والنفاق في قلوبهم، ويزرعوا الحقد والحسد في نفوسهم، ويهدوا المجتمع وقد جعلهم الله قوامين عليه، أجل، لقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من ظهور هذه السخائم في الأمة الإسلامية، وأنه شرٌ وبوار عليهم، وقد حذر كذلك من ظهور المنكرات وشيوعها بين الناس، وكان الإسلام قد قضى عليها لأنها من أشد معاول الفساد  في جثمان الأمة، وما أكثر هذه المنكرات اليوم، مثل تبرج النساء، وتخنث الشباب، والإهمال في الأعمال، والتنطع والتقعر في الدين، والجدل والخصام حول وجهات النظر المختلفة في الشريعة السمحاء، وعدم أمانة الكلمة، وعدم المبالاة بحقوق الناس، وارتكاب الكبائر جهارًا كالفطر في رمضان، وفتح حانات للخمور وصالات للرقص الخليع وضرابات للميسر والقمار، كل هذه المنكرات وغيرها وغيرها مما ينكره كل مسلم ولا يقره أي مؤمن، قد شدد الإسلام النكير عليها وحذر النبي صلى الله عليه وسلم الناس جميعًا منها، مسلمًا كان أو غيره، لأنها تفت في عضد المجتمعات، وتقوض بنيانها، ولذلك أمر الرسول عليه الصلاة والسلام من أدرك هذه البلايا أن يؤدى الذي عليه حيالها من النصيحة والتوجيه ـ إن كان يحسن ذلك، والأخذ على يد مرتكبيها ـ إن كان حاكمًا أو ولى أمر، وأن يتجنبها وينكر بقلبه إن كان لا يقدر على إزالتها أو نصيحة من يأتيها، ثم يسأل الله السلامة والعافية له وللمسلمين أجمعين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
***




العلاقة بين الحكام والمحكومين
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد ..
فقد ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول اله صلى الله عليه وسلم قال:{من كره من أميره شيئًا فليصبر، فإنه من خرج من السلطان شبرًا مات ميتة جاهلية}.
صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أيها السادة والسيدات: لقد تعهدنا النبي عليه الصلاة والسلام بالتوجيه والإرشاد في كل شئون حياتنا، وخاصة  فيما يتعلق بالحكام والمحكومين، حتى ينضبط الأمر وينتظم الناس في طول البلاد وعرضها، ويستتب الأمن ويعم الخير، وإن هذا الحديث الشريف الذي ذكرناه أول الدرس يركز على ضرورة الولاء للحاكم، وضرورة الثقة به والإطمئان إلى عدالته.
وإن الأمراء هم الذين ولَّاهم رئيس الدولة أو نائبه أمرًا من أمور الناس بعد التأكد من صلاحيته وكفاءته، ومن هنا وجبت طاعته في كل ما يأمر به، ما دام لم يكن  فيه معصية لله ورسوله، وليس لأحد ما سلطة في تأمير أحد على الناس غير رئيس الدولة أو نائبه، فلو اتخذ الناس لنفسهم أميرًا، لا بد من موافقة الحاكم عليه أولًا وقبل كل شئ، حتى لا تشيع الفوضى والزلزلة بين الناس، وإن طاعة الأمير طاعة لله ورسوله، وإن عصيانه عصيان لله ورسوله، وإن الخروج عليه كبيرة من الكبائر، ما لم يكن قد خاب عقله واستبد برأيه، وأوقع أمته  في الشرور والمفاسد والأهوال، فعند ذلك يجب التخلص منه بأقل الأضرار والخسائر، وإن كان الخطب فادحًا والهول عظيمًا وجب السكوت عليه حتى يقضى الله أمرًا كان مفعولًا، ولله عاقبة الأمور.
أيها السادة: إن أولياء الأمور ليسوا معصومين من الخطأ والزلل، وإن المعصومين هم رسل الله وأنبياءه عليهم الصلاة والسلام، وإذا رأى الناس من أولى الأمر شيئًا من ذلك وجب عليهم أن يصبروا، وأن يتقدموا لهم بالنصيحة والتنبيه بالأسلوب الطيب الكريم، وبالحكمة والموعظة الحسنة، حتى يتداركوا الخطأ والزلل ويصححوا مسار الأمور، فإنه بذلك تسعد الأمة كلها حاكمًا ومحكومًا، وأمرائها وعوامها، وبغير ذلك يشقى الناس جميعًا بما  فيهم الأمراء والحكام، قال الله تعالى: ﴿إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ﴾.[73، الأنفال].        
وإن من رأى شيئًا يكرهه من أولياء الأمور، عليه أن يلتمس لهم العذر، وأن يقدر مواقفهم ومسئولياتهم، وأن ينظر إلى ما قدموه من خير ونفع لأمتهم ووطنهم، وأن يذكر حرصهم وسهرهم على مصالح رعيتهم، فإن ذلك واجب على كل مسلم، حتى لا نغمطهم حقهم، ولا نُجْهِزَ على كرامتهم، وحتى نقدم لهم الشكر والعرفان على صنائعهم، فإن من لم يشكر الناس على مجهودهم وحسن أدائهم لم يشكر الله أبدًا على خيره ونعمائه، وإن من خرج من طاقة السلطان شبرًا مات ميتة الجاهلية.
نسأل الله الهداية والتو فيق، والمعونة والسداد، إنَّ ربي على ما يشاء قدير وبالإجابة جدير.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
***
نصائح غالية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمدًا كثيرًا كما أمر، والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد الأملاك والبشر، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا يا رب العالمين.
أيها المؤمن الكريم: أهدى إليك نصيحة غالية من نصائح النبي صلى الله عليه وسلم، فقد روى مسلم  في صحيحه عن أبى هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {إن الله تعالى يرضى لكم ثلاثًا ويكره لكم ثلاثًا،  فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا وأن تعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم، ويكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال وإضاعة المال}.
صدقت يا سيدي يا رسول الله، فقد بلغت وأسمعت، ولقد أحسنت ووفيت، فجزاك الله عن أمتك خير الجزاء، وزادك ما أنت أهل له من البر والإكرام، والإجلال والإعظام.
أيها الأخوة المؤمنون: سأركز في بيان هذا الحديث على قضيتين هامتين جدًا هما قوله صلى الله عليه وسلم:{وأن تعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا}.
والاعتصام بالشيء هو التمسك به والالتزام به، والتحصن به. وحبل الله هو كتاب الله عزَّ وجلَّ، ومعنى كونه حبلًا أن الله ربط به عباده، وقيدهم بتعاليمه وأن طَرَفَه بيد الله وَطَرَفَه الآخر بيد المسلمين، وأن من تمسك به ارتبط بالله، فكانت حركته وسكونه بالله القوى المتين، الذي لا يعجزه شئ  في الأرض ولا  في السماء، وبذلك سار المؤمن محمولًا على الله، ومرعيًا بالله، ومحفوظًا بالله، وكان الله له في كل شئ، وقد تولى سياسة أمره، وتدبير شأنه، وتيسير رزقه، وكشف همه وغمه وضره. وهكذا شأن من اعتصم بحبل الله، وما أحوج المسلمين في هذا الوقت بالذات إلى التمسك بكتاب الله عزَّ وجلَّ، وإلى الالتفاف من حوله، وإلى الإتحاد تحت رايته،  فيكون القرآن هو الجامعة الكبرى التي تضمهم  في أنحاء المعمورة، لا يفرطون فيه، ولا يتفرقون عنه، ولا يهجرونه وراء ظهورهم ويتبعون أهواءهم.
ولو نظرنا إلى أحوال المسلمين الآن لوجدنا كل أمة تدعى الاعتصام بالكتاب والسنة وتتهم الأخرى بالخروج عليهما، وهذا هو التفرق  في الدين بعينه، لأن الإنسان المؤمن إن رأى الكمال  في نفسه والنقص في غيره فقد ارتكب إثمًا في حق إخوانه الذين انتقصهم، وإنما واجب هذه الطوائف هذه الأمم أن يكمل بعضها بعضًا، عن طريق الإرشاد السليم، والتوجيه الصحيح، والحكمة العالية، والموعظة الرقيقة الشافية، حتى يلتئم الشمل، ويجتمع الصف، ويتحد المسلمون تحت زعامة القرآن المجيد وتحت ظلال السنة الشريفة المطهرة، فإنها بيان للقرآن وتفسير لمعانيه الكريمة.
والله أسأل أن يحقق هذا الأمل قريبًا عاجلًا بجاه النبي صلى الله عليه وسلم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
***
إتقان العمل
بسم الله الرحمن الرحيم
أيها المستمع الكريم: يقول الله تعالى في القرآن المجيد: ﴿ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا﴾.[30، الكهف].                                                                                                  
ويقول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:{إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملًا أن يتقنه}.
العمل هو النشاط والحركة والإنتاج في كل مجالات الحياة، ولا يكون العمل مقبولًا عند الله، ولا يستحق فاعله الأجر والمثوبة من الله عزَّ وجلَّ إلا إذا اجتهد الإنسان  في تجويده وتحسينه وتنميته، وكأنه يعمل هذا العمل لنفسه ولأهله، وعند ذلك تزدهر الحياة، ويرتقى المجتمع، ويسود الأمن والرخاء.
أيها السادة: ليس كل عمل يحوز الرضا من الله ورسوله والمؤمنين، ولكن العمل الذي يسعد صاحبه بهذا الرضا هو العمل المحكم والإنتاج الجيد، وقد ورد في الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:{وأخلص العمل فإن الناقد بصير}.
أيها السادة: لا تظنوا أن الراتب أو الأجر الذي يتقاضاه العامل هنا في الدنيا هو كل جزاءه على هذا العمل، وإنما الجزاء الأكبر والثواب الأعظم إنما يكون عليه في الآخرة من الله عزَّ وجلَّ، قال الله تعالى: ﴿وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ﴾. [41، النحل].
ولقد ركزت الآية الشريفة على إجادة العمل بصورة قوية ومؤثرة، حيث أكد الله هذا الخبر ب ﴿إنا﴾. وهى نون التوكيد المتصلة بنون الضمير الدال على الذات العلية والمعبر عن العظمة والكبرياء الإلهي، وذلك حتى يدرك المخاطب أهمية هذا الخبر، ويلاحظ بانتباه كبير إلى ضرورة الالتزام بمضمونه، لأنه أمر  في صورة خبر، فدل هذا الأسلوب على الأمر بإحسان العمل وإتقانه بصورة قوية. وكأن الله يقول لنا أحسنوا العمل وأتقنوه وإلَّا سيضيع أجركم عندنا وكأنكم لم تعملوا شيئًا، وما زلتم مطالبين به.
ولقد أوضح الحديث الشريف أن الله يحب العمل المتقن، وكذلك يحب صاحبه الذي أداه.
فأبشروا أيها العاملون المجودون لأعمالهم، أبشروا بمحبة الله ورسوله، وأبشروا بالجزاء الأوفى من الله عزَّ وجلَّ، واسعدوا بما قدمتموه من صالح الأعمال. ﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾. [17، السجدة].
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
***
ذكر الله عزَّ وجلَّ
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..
أيها الأخوة والأخوات: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد ..
فقد قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾. [41-42، الأحزاب].
هذه الآية الشريفة من آيات الله المحكمة التي تأمرنا بذكر الله وتسبيحه بصورة متكاثرة ودائمة بحيث لا يكون المؤمن غافلًا عن الله عزَّ شأنه، أو منشغلًا عنه بأمور أخرى.
وقد فرض الله علينا فرائض الإسلام لنذكر الله فيها، فالصلاة مبنية على ذكر الله، وشكره ودعاءه، والزكاة تشتمل على ذكر الله، لأن المزكي يذكر المنعم المتفضل الذي أفاض عليه الخير من كل جانب، قال جلَّ شأنه: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾. [11، الضحى].
والصوم يتضمن ذكر الله تعالى، لأن الصائم بعد خلو بطنه من الطعام والشراب تصفو روحه وتزكو نفسه، ويقبل على ذكر الله تعالى بأي نوع من أنواع الذكر. وكذلك الحج فهو تلبية وذكر ودعاء  في جميع المواقف والمشاهد، حتى أن الحجاج يرفعون أصواتهم بالذكر والدعاء والتلبية، إظهارًا لشعائر الله، وابتهاجًا بهذا العجيج الذي يدوى  في أرجاء الأماكن المقدسة من كل ناحية طوال الليل والنهار من غير أن يتوقف لحظة واحدة، فقد ورد أن { الحج ثج وعج}، يعنى ذبح الهدى والضحايا والفداء ورفع الصوت بالتلبية والدعاء.
أيها الإخوة والأخوات: والذكر الكثير الذي أمرنا الله به هو أن نذكره في كل حال من أحوالنا، وفى كل شأن من شئوننا، حتى نذكره جلَّ شأنه قيامًا وقعودًا وعلى جنوبنا، وفى أعمالنا وفى بيوتنا، وفى غدونا ورواحنا، وفى أكلنا وشربنا ولبسنا، ونذكره فرادى وجماعات، فإن الأمر  في الآية الشريفة يقتضى ذلك، لأنه موجه لجماعة المؤمنين.
والذكر إنما يكون باسم من أسماء الله، أو بكلمة التوحيد {لا إله إلا الله}.
والتسبيح أيضًا يجوز بأي عبارة ورد بها الشرع الشريف، مثل{ سبحان الله}، و{سبحان ربى العظيم}، و { سبحان ربى الأعلى}، وغير ذلك من الصيغ، وأفضل ما ورد في ذلك {سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم، استغفر الله}.
اللهم اجعلنا من الذاكرين المسبحين، ولا تجعلنا من الغافلين ..... آمين
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
***

الإخلاص  في العبادة
بسم الله الرحمن الرحيم
أيها السادة أيتها السيدات: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أما بعد ..
فإن الله عزَّ وجلَّ يقول في كتابه الكريم: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾. [ 5، البينة].
صدق الله العظيم.
إن إخلاص العبادة لله هو أن يقصد بها المؤمن وجه الله تبارك وتعالى، فإن الله يستحق العبادة لذاته، لأنه الخالق الرازق المالك لكل شئ، ومن كانت هذه صفاته وجب تعظيمه وتقديسه وعبادته بخضوع وإخلاص.
والعبادة هي القيام بكل ما أمرنا الله به بقدر الاستطاعة، واجتناب كل ما نهانا الله عنه إلًا ما اضطر الإنسان إليه. والعبادة هي شكر الله عزَّ وجلَّ المتكرر في كل وقت بحسبه على نعمه الظاهرة والباطنة. والعبادة هي الحب الخالص لله عزَّ وجلَّ وغاية التذلل لجنابه العلى.
ودون هذه المقامات من يعبد الله سبحانه وتعالى من أجل أن يحظى بدخول الجنة وأن يبتعد عن النار ودون هذا الأمل والرجاء من يعبد الله من أجل أن يحصل على زخارف الدنيا وزينتها، قال الله تعالى: ﴿مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ﴾. [20، الشورى].
ولما سمع الشيخ أبو يزيد البسطامي رضي الله عنه القارئ يرتل قول الله تعالى: ﴿مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ﴾. [152، آل عمران].
بكى بكاءً طويلًا، فقال له أصحابه: على أي شئ تبكى والآية ليس فيها ما يدعو لذلك لأن الله يخبرنا فيها عن نوعين من الناس أحدهما يطلب الدنيا بعمله والآخر يبتغى الآخرة بعمله؟ فقال لهم: إن الآية فيها تقريع وتوبيخ شديد، قالوا له: وكيف ذلك؟ قال: كأن الله يقول لنا فهل منكم من يريدني بعد قوله جلَّ شأنه: ﴿مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ﴾.
أيها الإخوة المسلمون: إن إخلاص العبادة لله يتطلب منا جهادًا كبيرًا في تزكية النفوس، وتطهير القلوب مما عليها من الحظوظ والأهواء ومن الضغائن والأحقاد والأحساد، حتى إذا ما أدى الإنسان عبادة الله أداها خالصة لوجهه الكريم مستحضرًا قول الله عزَّ وجلَّ: ﴿فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾.[110، الكهف].
وفقنا الله وإياكم إلى الإخلاص لله في السر والعلانية، إنه مجيب الدعاء.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
***
عقوبة المتهاون بالصلاة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أكرم المسلمين وفرض عليهم الصلاة، لتصلهم به سبحانه وتعالى وتربطهم بحبله المتين، حتى يكونوا من الذين أثنى الله عليهم بقوله: ﴿أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾. [4، الأنفال].
والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي أخبرنا في حديث شريف: {إن أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة الصلاة فإن قبلت قبل سائر عمله}.
صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أيها المسلم الكريم: إنَّ الصلاة هي العهد والميثاق الذي بينك وبين ربك، فإن لم تعرها اهتمامك، وإذا لم تحرص على أداءها، فقد نقضت العهد والميثاق الذي عاهدت الله عليه، وتجرأت على الله القوى المتين، وخنت الأمانة التي ائتمنك الله عليها واسترعاك إياها، وإنك بذلك قد عرضت نفسك للخزي والبوار في الدنيا والآخرة وأعددتها لتكون حطبًا لنار جهنم، وقد أعرض الله عنك وتركك لشيطانك يهوى بك في الرذائل والمساوئ والأخطار، ويقودك إلى عذاب السعير، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.
أخي يا تارك الصلاة: ماذا أفدت من تركها غير أنك حرمت نفسك من الخير الأعظم في الدنيا والآخرة، وكانت حياتك خسارة ووبالا عليك.
أخي: هل علمت أنك تعيش في الدنيا عيشة الشياطين المتمردين على الله ورسله باستكبارك عليهم وعدم خضوعك لهم! وهل علمت أن الله طرد إبليس من رحمته وسجل عليه الشقاوة من أجل أنه امتنع عن السجود لأبيك آدم عليه السلام؟ فما بالك وقد امتنعت عن السجود لله الواحد القهار!!! عجبًا لك هل تكلفك الصلاة مالًا كثيرًا أو مجهودًا كبيرًا أو وقتًا طويلًا؟ كلا إنا تطهرك من الأرجاس والأنجاس، وتش فيك من العلل والأمراض وتنجيك من مخاطر الدنيا وعذاب الآخرة.
أخي أيها المتكاسل عن الصلاة: هل عرفت الوعيد الذي توعد الله به من سها عن صلاته؟ إنه وعيد يذيب القلوب ويهد الأجسام لمجرد استماعه، لأنه وعيد من الجبار القهار شديد العقاب، قال الله في بيانه: ﴿وَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ﴾.[4-5، الماعون].
والويل واد تستجير جهنم من شدة سعيره فكيف بك يا مسكين وقد وجه الله إليك هذا الإنذار الشديد بأنك من أصحاب هذا الويل ومن نزلاءه يوم القيامة.
أخي: البدار البدار والعجل العجل إلى التوبة والندم والاعتذار إلى الله عزَّ وجلَّ، والعودة فورًا إلى رحاب الله وإلى ساحة الرضوان، وإلى أداء الصلاة في أوقاتها، وجاهد نفسك في هذا جهاد الأبطال قبل ضياع الفرصة وفوات الأوان.
والله يتولاك بهدايته وتوفيقه، ويمحو عنك السوء والشقاوة ويكتب لك الخير والسعادة، إنه على كل شئ قدير.
وصلى الله وسلم على البشير النذير وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وآلهم. والحمد لله رب العالمين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
***
المسارعة إلى الجنة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد نور الله الدال على الله، وعلى آله وعلى أصحابه وعلى كل من والاه.
أيها السادة ... أيتها السيدات: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
يقول الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز: ﴿وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾. [133، آل عمران].

هذه الآية الشريفة تحث المؤمنين والمؤمنات بصورة ملهبة للعواطف ومشوقة إلى المسارعة  فيما يحبه الله ويرضاه.
والمسارعة هي الجري بشدة إلى تحصيل الخير الحقيقي الذي لا غنى للإنسان عنه بحال من الأحوال، وكل مؤمن في أمس الحاجة إلى مغفرة الله وإلى عفو الله، لأنه لا يخلو من الذنب والعيب، ولا يخلو من التقصير والقصور عن الأداء الأمثل لطاعة الله ورسوله، فالمؤمن دائمًا يشعر بخطئه، ويحس بذنبه، ويتملق إلى الله ويعتذر إليه ويسأله المغفرة والتوبة، ويجتهد  في ذلك قدر طاقته.
والمغفرة التي يسارع المؤمن نحوها هي دعاء الله عزَّ وجلَّ واستغفاره، والندم على ما فرط  في حق الله، والجنة التي يسارع المؤمن إليها هي العمل الصالح، والقول السديد والعلم النافع، وإلى أداء الفرائض كاملة في أوقاتها من صلاة وصيام وزكاة وحج وعمرة، وكذلك يسارع إلى أداء السنن والنوافل بقدر الاستطاعة، فإن المؤمن يرى بنور قلبه أن الطاعة هي الجنة التي يأوي إليها، ويفر نحوها متحصنًا بها من الزلل والخطايا فإن طاعة الله ورسوله حصن حصين يتحصن بها المؤمن من عذاب الدنيا والآخرة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:{كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قالوا: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى}.
أي من عصاني فقد امتنع عن دخول الجنة.
عجبًا فقد أصبح أهل الجنة معروفين لدينا لا يخفون على أحد، وكذلك أهل النار لا يخفون على أحد، فالذين يسارعون إلى البر والتقوى وينتهون عن الفحشاء والمنكر، ويجاهدون أنفسهم  في سبيل أداء فريضة الله وسننه، أولئك هم أهل الجنة وأولئك هم المتقون.
وهذه الجنة عرضها السموات والأرض، وإن طولها له أبعاد أكبر من السموات والأرض بآلاف المرات، كالعرش والكرسي وغيرهما من عوالم الله الكبرى التي لا يعلمها إلا الله ورسوله.
هذا وإن الجنة العاجلة التي عجلها الله لأوليائه في الدنيا هي جنة المعرفة والطاعة، وإن جنة الآخرة هي النعيم الأبدي، والسرور والخلود مع الحور والولدان، والقصور والخيام، والفواكه والمشتهيات، والمآكل والمشارب، والملذات في جوار الأبرار من عباد الله الصالحين والأخيار المقربين ورضوان من الله أكبر، ذلك هو الفوز العظيم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
العمل والإنتاج
بسم الله الرحمن الرحيم
أيها الأخوة والأخوات: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أما بعد..
فإن الله خلق الإنسان لحكم جليلة، ومن أعظم هذه الحكم  عمارة الأرض بكل أنواع العمارة، بالزراعة والصناعة، والتجارة والبناية، واستخراج المعادن من باطن الأرض، وزيادة الإنتاج وتوفير الضروريات والكماليات لإخوانه المواطنين فإنه قد ورد في الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:{أحب الخلق إلى الله أنفعهم للناس}.[1]
وأيضًا قوله عليه الصلاة والسلام:{من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه ولو بكلمة}.
وبطبيعة الحال العامل الذي يكدح وينتج له من الأجر والثواب عند الله عزًّ وجلَّ بمقدار ما أنتجه من الخير والنفع لعباد الله، وهذا زيادة على أن الله يحبه ويؤثره على كثير من الناس، بل إن الله بمده بمعونته وتأييده، ويمنحه القوة والعافية ويبارك له في عمله وفى أهله. ولقد مرَّ رسول الله على بعض أصحابه فأقبلوا وسلموا عليه ما عدا رجل لم يصافح رسول الله، فقال له: مالك لا تصافح مثل إخوانك؟ فقال: يا رسول الله إن يدي بها خشونة من أثر العمل وأخشى أن تؤذى رسول الله، فقال له النبي: هاتها وقبلها النبي صلى الله عليه وسلم، وقال هذه يد يحبها الله ورسوله.
انظر يا أخي المسلم كيف كان تقدير رسول الله لأهل العمل وتشجيعه لهم، ولقد قال الله عزَّ وجلَّ: ﴿وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾. [105، التوبة].
ولقد نعى الإسلام على أصحاب البطالة، وحذرهم مغبة هذه الصفة الذميمة حتى وإنْ كانوا يصرفون وقتهم في العبادة، فلقد مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل يصلى في المسجد وقت الضحى، فقال له: ماذا تصنع؟ فقال: أعبد الله تعالى، فقال له النبي: ومن يعولك؟ فقال: إن لي أخًا يشتغل ويكفيني حاجتي، فقال له: أخوك أعبد منك.
هذه توجيهات الإسلام الرشيدة التي أمرنا الله أن نستمسك بها، ونحرص عليها في مجال العمل، وقد ظل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل حتى آخر يوم في حياته وضرب لنا المثل الأعلى  في كل المجالات، حتى كان أصحابه رضي الله عنهم يشفقون عليه ويقولون له: يا رسول اله كلنا نكفيك هذا العمل،  فيقول لهم رسول الله: إني أكره أن أتميز عليكم.
هكذا كان الحال على العهد الأول للإسلام، ولو أردنا الفوز والفلاح فعلينا بالإتباع والاقتداء، والله ولى التو فيق.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
***
من المواقف البطولية  في الإسلام
خطبة الجمعة ليوم  22 /12/1989:
الحمد لله تولى المؤمنين بنصره فقال جلَّ شأنه: ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾. [47، الروم].
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أمد المسلمين بروح من عنده، وأنزل عليهم الملائكة يثبتون أقدامهم، ويشدون من أزرهم، ويقاتلون معهم عدو الله وعدوهم.
وأشهد أن سيدنا محمد عبد الله ورسوله ومصطفاه وحبيبه جاهد  في الله حق جهاده فقد كان يقف وحده في وجه الكافرين ويقاتل بنفسه المشركين غير هياب من الموت ولا خائف من العدو.
اللهم صلى وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، والحمد لله رب العالمين.
أيها الأخوة المؤمنين يقول الله تعالى في محكم كتابه العزيز: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾. [23، الأحزاب].
صدق الله العظيم.
إن هذه الآية الشريفة امتدحت الرجال الصادقين من المؤمنين لأن مجرد ذكرهم في القرآن الكريم بهذه الصفات الحميدة، والخلال الكريمة، هو ثناء من الله عزَّ وجلَّ عليهم، وتكريم من الله لهم وتشريف عظيم لمكانتهم بين المسلمين جميعًا، وذلك لأنهم صدقوا في عهدهم ووعدهم، وصدقوا  في جهادهم وصبرهم، وصدقوا  في بذلهم واتفاقهم، وصدقوا في سلمهم وحربهم، وصدقوا مع الناس في جميع معاملاتهم، ولا زالوا يصدقون ويتحرَّوْن الصدق في كل شئ حتى كتبهم الله عنده من الصديقين.
وإن كثيرًا من المؤمنين قد بلغوا هذه المراتب العلية، والمنازل السنية  في الدنيا والآخرة وقد صاروا أمثلة تتراءى للأجيال  في كل زمان ومكان من هذه الحياة فنوروا الدنيا بمآثرهم وسلوكهم وأصبحوا سرجًا مضيئة للناس على مدى الزمان فرضي الله عنهم ورضوا عنه.
أيها الأخ المؤمنون: أذكر إليكم مثلًا رائعًا من هؤلاء الرجال الذين صدقوا مع الله ورسوله ومع المؤمنين، ألا وهو على بن أبى طالب رضي الله عنه: فقد حدث  في غزوة الأحزاب أن اقتحم عدو من فرسان المشركين الخندق الذي حفره المسلمون لحماية المدينة من الأعداء، ونادى عمرو بن ود كبير هؤلاء الفرسان بأعلى صوته وقال من يبارز؟ فبرز له سيدنا على رضي الله عنه، ودعاه إلى الإسلام فأبى وقال له لا حاجة لي في ذلك، فدعاه سيدنا على إلى النزال فقال له: يا ابن أخي والله لا أحب أن أقتلك، فقال له سيدنا على: والله إني أحب أن أقتلك، فحمى عمرو بن ود ونزل عن فرسه وعقره وضرب وجهه، وأقبل على سيدنا على فتنازلا نزالاً شديدًا، وتقاتلا قتالاً عنيفًا حتى قتله على رضي الله عنه، وفرت خيل المشركين منهزمة لا تلوى على شئ.
أيها الأخوة المؤمنون: هذا المشهد أثر من آثار الصدق واليقين، ومضاء العزيمة  في الحق وإحراز النصر، ولقد روى لنا التاريخ الإسلامي كثيرًا من الفدائية الكبرى التي قام بها الأبطال، فقد ضحى هؤلاء العمالقة بأرواحهم  في سبيل نصر الإسلام وعزة المسلمين.
فلقد كان جنودنا البواسل يقتحمون الحصون على العدو، ويلقون بأنفسهم أمام دباباتهم ومصفحاتهم ليموتوا ويحطموا قوى العدو، ويمنعوها من الزحف نحو قواتنا المتمركزة وما أشبه الليلة بالبارحة، فلقد كان العدوان الغاشم على بورسعيد الباسلة، يشبه تمامًا وإلى حد كبير عدوان الكفار والمشركين على المدينة المنورة  في غزوة الأحزاب.
ولقد كان النصر حليف المسلمين في الموقعتين نتيجة لصدقهم، وتدافعهم نحو الموت لينالوا الشهادة في سبيل الله، أو ينتصروا على عدوهم ويطردوه بعيدًا عن ديارهم.
ولقد أعز الله المسلمين بنصره وامتن عليهم بقوله: ﴿وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا﴾. [25، الأحزاب].

أيها الأخوة المسلمون: إن العزَّ والمجدَّ يكون بالنصر، وإن النصر يكون بالجهاد والصبر، وإن الفرج يكون بعد الشدة والكرب، وإن مع العسر يسرا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله قاهرين لعدوهم لا يضرهم من خالفهم حتى تأتيهم الساعة وهم على ذلك}.
وقال أيضًا:
{لا تزال طائفة من أمتي قائمين على الحق ظاهرين عليه حتى تقوم الساعة}.
وقد قال صلى الله عليه وسلم:
{التائب حبيب الرحمن، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له}.
أو كما قال:
{ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة}.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يكن له صاحبة ولا ولد، أحمده سبحانه وتعالى وأستغفره، وأتوب إليه، وأسأله للمسلمين جميعًا التو فيق والسداد.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، اللهم صلى وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وعلى صحابته صلاةً وسلامًا دائمين متلازمين إلى يوم الدين.
أيها الأخوة المسلمون: إن الله عزَّ وجلَّ قد أغدق على بلدنا هذا الخير الكثير من كل ناحية ففي كل برهة من الزمن تشيد فيه المصانع والمعاهد والمدارس والكليات والمساجد.
وهذا المسجد الكريم الذي تفتحونه اليوم ليؤدى رسالته الدينية مع بقية المساجد التي تجاوز حصرها العد، قد قامت بتشييده وإنشائه شركة التوكيلات الملاحية ببورسعيد.
وإنه لصرح شامخ من صروح الإسلام التي تفاخر به بورسعيد الأيام والليالى، ولقد قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَـئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ ﴾. [18، التوبة].
                                                                                                         
أيها الأخوة المسلمون: هذه الآية الكريمة قد جعلت الذين يقيمون المساجد، ويحرصون على عمارتها من أعظم المؤمنين إيمانًا، وهذه شهادة من الله عزَّ وجلَّ لا تعدلها شهادة أخرى.
ومن أهم عمارة المساجد بعد إقامتها، إقامة شعائر الله فيه، والحفاظ على قدسيتها وحرمتها، وإلقاء الدروس الدينية بها، وتبصير المسلمين بشئون حياتهم، على نور من كتاب الله عزَّ وجلَّ، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإتاحة الفرصة في هذه المساجد لأعمال البر والقربات من خلال تحفيظ القرآن الكريم للناشئة والصبيان، وإنشاء الفصول العلمية لتقوية الطلاب والتلاميذ في العلوم والمواد الدراسية، والعمل فيها على حل مشاكل الجماهير ومساعدة المحتاجين منهم، والإصلاح  فيما بينهم، حتى تكون هذه المساجد مثابةً للناس وأمنًا لجميع المسلمين، ولقد حرم الله البيع والشراء والجدال والنزاع  فيها، وحرمها على الصبيان والمجانين وعلى غير المتطهرين.
اللهم إنا نسألك أن تجزى كل من أسهم في إقامة هذا المسجد خيرًا عاجلاً وآجلاً في الدنيا والآخرة يا رب العالمين.
اللهم وفق ولاة أمورنا لما فيه خير العباد والبلاد يا أكرم الأكرمين وحقق على أيديهم مجد الإسلام والمسلمين.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك سميع مجيب الدعاء.
عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، وأقم الصلاة.
***



[1] رواه الطبراني من حديث ابن عمر بلفظ (أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس).
التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:




شارك فى نشر الخير