عدد المشاهدات:
"يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ"
الإيتاء إعطاء النعم للمعطي له ينتفع بها هو وغيره ، بخلاف الإعطاء كما قال تعالى : "يؤتى الحكمة من يشاء" أى يهب الحكمة لمن يشاء لينتفع هو ومن يشاء الله أن يمنحهم الحكمة ، والحكمة هى استكمال النفس الإنسانية لتحصل ما عليه الوجود فى نفسه ، وما عليه الموجد جل جلاله ، حتى يكمل العبد بالحكمة فى يعمل إلا ما ينبغى ، ويترك ما لا ينبغى لتصير كاملة مضاهية للعالم الروحانى ، وتفوز بذلك بالسعادة القصوى الأخروية بحسب الطاقة البشرية ، وهى تنقسم بالقسمة الأولى إلى قسمين:
1- حال تعلقها بالأمور التى نصدق بها ونسلم بها وليس لنا أن نعملها سميت حكمة نظرية ، كالعلم بذات الله وأسمائه وصفاته وأفعاله ، وبسر إيجاد الخلق وإمدادهم ، وبسر القدرة والنبوة والرسالة والولاية ، وبالمؤمن به من المغيبات عنا وأخبار يوم القيامة.
2- حال تعلقها بالأمور التى لنا أن نعملها سميت حكمة عملية.
وكل من الحكمتين منحصر فى أقسام ثلاثة:
بالنسبة للحكمة النظرية فإن ما لا يتعلق بأعمالنا أما أن لا تكون مخالطة المادة شرطا ، وحينئذ أما أن لا تكون تلك المخالطة شرعا لتعقله أو تكون.
فالأول : وهو ما لا تكون مخالطة المادة شرطا لوجوده ، هو العلم الألهى وهو العلم الأعلى.
والثانى : وهو أن تكون المخالطة شرطا لوجوده دون تعقله وهو العلم الرياضى وهو العلم الأوسط.
والثالث : وهو أن تكون المخالطة شرطا لوجوده وتعقله ، وهو الطبيعى كعلم المعادن والنباتات والحيوانات والطب والفلك والصنائع وهو العلم الأسفل.
بالنسبة للحكمة العملية فإن ما يتعلق بأعمالنا : قد يكون علما بالتدبير الذى يختص بالشخص الواحد فهو علم الأخلاق ، وإلا فهو علم تدبير المنزل أن كان علما بم لا يتم إلا بالاجتماع المنزلي ، ويكون علما للسياسة أن كان علما بما لا يتم إلا بالاجتماع المدني ، ومبادئ هذه الثلاثة من جهة الشريعة الإلهية.
وفائدة الحكمة الخلقية أن نعلم الفضائل ، وكيفية اقتنائها ، لتتزكى بها النفوس ، وأن نعلم الرذائل وكيفية الوقاية منها لتطهر منها النفس.
وفائدة المنزلية أن يعلم المشاركة التى ينبغى أن تكون بين أهل منزل واحد لتنتظم بها المصلحة المنزلية التى تتم بين زوج وزوجة ، ووالد ومولد ، ومالك ومملوك.
وفائدة المدنية أن يعلم كيفية المشاركة التى تقع بين أشخاص الناس ليتعاونوا على مصالح الأبدان ، ومصالح بقاء نوع الإنسان.
والمدنية قد قسمت قسمين:
1- كل ما يتعلق بالملك والسلطنة ، ويسمى علم السياسة.
2- كل ما يتعلق بالنبوة والشريعة ، ويسمى علم النواميس.
لهذا جعل بعضهم أقسام الحكمة العلمية أربعة وليس ذلك بمناقضة لمن جعلها ثلاثة لدخول قسمين منها تحت قسم واحد ، ومنهم من جعل أقسام النظرية أربعة بحسب انقسام المعلومات.
فإن المعلوم أما أن يفتقر إلى مقارنة المادة الجسمية فى الوجود العينى أولا . ويكون على صورتين:
أولهما : أن لم يتجرد عنها فى الذهن فهو الطبيعى ، وإلا فهو الرياضى.
وثانيهما : أن لم يقارنها البتة كذات الحق سبحانه وأسمائه وصفاته سبحانه فهو الإلهي ، وإلا فهو العلم الكلى.
والحكمة الأولى كالعلم بالوحدة ، والكثرة ، والسبب ، والمسبب ، وأمثالها مما يعرض للمجردات تارة ، والأجسام أخرى ، ولكن بالعرض لا بالذات ، إذ لو افتقر بالذات إلى المادة الجسمية لما أنفكت عنها ، ولما وصفت المجردات بها . ولا منافاة بين التقسيمين كما عرفت فهذه جملة أقسام الحكمة . ومن استكمل نفسه بها فقد أوتى خير كثيرا.
وجائز أن تكون الحكمة هنا الإصابة فى الرأى أو النبوة أو القرآن أو السنة أو العلم ، فإن لفظة الحكمة وردت فى آيات كثيرة فى القرآن بمعنى السنة ، أو بمعنى العلم ، أو بمعنى الإصابة فى الرأى ، أو بمعنى وضع الشىء فى موضعه.
وجائز أن تكون الحكمة بكل تلك المعانى يمنحها الله لمن يشاء فيكون سيد العالمين ، فإنها بكل تلك المعانى منحت لرسول الله تعالى وقد تفضل الله فمنح كل عبد أحبه قسطا منها ، وقد يجمعها سبحانه لأهل الاصطفاء من خاصة خلقه ، فتنطوى الرسالة والنبوة بين جنبيه ، إلا أنه لا يوحى إليه ، ويحاسب يوم القيامة حساب الأنبياء.
"وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا"
معلوم أن الله تعالى قال : "قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ"([41]) ، والمتاع ما يتمتع به الإنسان من ضرورى وكمالي ، فإذا كان متاع الدنيا قليلا ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا ، فإذا نسبنا الدنيا إلى الحكمة ظهر لنا ما للحكمة عند الله من المكانة العالية التى كانت الدنيا بحذافيرها قليلا فى جانبها ، وإذا كانت الحكمة هى العلم ومن يؤت الحكمة فقد أوتى خيرا كثيرا والله يقول : "وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا"([42]) فتكون الحكمة التى هى خير كثير فى جانب علم الله شيئا قليلا.
فإذا نظر العقل الكامل سجد لله عجزا عن تصور علم الله تعالى ، لأن ما أوتيه الإنسان والملائكة والإنس والجن من العلم قليل بالنسبة لعلم الله تعالى، فسبحان من لا يعلم قدره غيره ، ولا يبلغ الواصفون صفته.
وهنا يجب أن نعلم أن خير ما آتاه الله تعالى فى تلك الدار الدنيا بعد الإيمان به وبنبيه eوبما أنزل سبحانه هو العلم ، الذى بينه لنا بأنه الحكمة.
ومتى منح الله العبد الحكمة جذبته بما كشفت له من الغيب المصون الى العمل بمحاب الله ومراضيه ، وليس للعقل وأن كمل أن يحصر ذلك الخير الكثير الذى أخبرنا الله عنه فى تلك الآية ، ومن منحه الله الحكمة منا وأخبرنا الله أنه آتاه
الإيتاء إعطاء النعم للمعطي له ينتفع بها هو وغيره ، بخلاف الإعطاء كما قال تعالى : "يؤتى الحكمة من يشاء" أى يهب الحكمة لمن يشاء لينتفع هو ومن يشاء الله أن يمنحهم الحكمة ، والحكمة هى استكمال النفس الإنسانية لتحصل ما عليه الوجود فى نفسه ، وما عليه الموجد جل جلاله ، حتى يكمل العبد بالحكمة فى يعمل إلا ما ينبغى ، ويترك ما لا ينبغى لتصير كاملة مضاهية للعالم الروحانى ، وتفوز بذلك بالسعادة القصوى الأخروية بحسب الطاقة البشرية ، وهى تنقسم بالقسمة الأولى إلى قسمين:
1- حال تعلقها بالأمور التى نصدق بها ونسلم بها وليس لنا أن نعملها سميت حكمة نظرية ، كالعلم بذات الله وأسمائه وصفاته وأفعاله ، وبسر إيجاد الخلق وإمدادهم ، وبسر القدرة والنبوة والرسالة والولاية ، وبالمؤمن به من المغيبات عنا وأخبار يوم القيامة.
2- حال تعلقها بالأمور التى لنا أن نعملها سميت حكمة عملية.
وكل من الحكمتين منحصر فى أقسام ثلاثة:
بالنسبة للحكمة النظرية فإن ما لا يتعلق بأعمالنا أما أن لا تكون مخالطة المادة شرطا ، وحينئذ أما أن لا تكون تلك المخالطة شرعا لتعقله أو تكون.
فالأول : وهو ما لا تكون مخالطة المادة شرطا لوجوده ، هو العلم الألهى وهو العلم الأعلى.
والثانى : وهو أن تكون المخالطة شرطا لوجوده دون تعقله وهو العلم الرياضى وهو العلم الأوسط.
والثالث : وهو أن تكون المخالطة شرطا لوجوده وتعقله ، وهو الطبيعى كعلم المعادن والنباتات والحيوانات والطب والفلك والصنائع وهو العلم الأسفل.
بالنسبة للحكمة العملية فإن ما يتعلق بأعمالنا : قد يكون علما بالتدبير الذى يختص بالشخص الواحد فهو علم الأخلاق ، وإلا فهو علم تدبير المنزل أن كان علما بم لا يتم إلا بالاجتماع المنزلي ، ويكون علما للسياسة أن كان علما بما لا يتم إلا بالاجتماع المدني ، ومبادئ هذه الثلاثة من جهة الشريعة الإلهية.
وفائدة الحكمة الخلقية أن نعلم الفضائل ، وكيفية اقتنائها ، لتتزكى بها النفوس ، وأن نعلم الرذائل وكيفية الوقاية منها لتطهر منها النفس.
وفائدة المنزلية أن يعلم المشاركة التى ينبغى أن تكون بين أهل منزل واحد لتنتظم بها المصلحة المنزلية التى تتم بين زوج وزوجة ، ووالد ومولد ، ومالك ومملوك.
وفائدة المدنية أن يعلم كيفية المشاركة التى تقع بين أشخاص الناس ليتعاونوا على مصالح الأبدان ، ومصالح بقاء نوع الإنسان.
والمدنية قد قسمت قسمين:
1- كل ما يتعلق بالملك والسلطنة ، ويسمى علم السياسة.
2- كل ما يتعلق بالنبوة والشريعة ، ويسمى علم النواميس.
لهذا جعل بعضهم أقسام الحكمة العلمية أربعة وليس ذلك بمناقضة لمن جعلها ثلاثة لدخول قسمين منها تحت قسم واحد ، ومنهم من جعل أقسام النظرية أربعة بحسب انقسام المعلومات.
فإن المعلوم أما أن يفتقر إلى مقارنة المادة الجسمية فى الوجود العينى أولا . ويكون على صورتين:
أولهما : أن لم يتجرد عنها فى الذهن فهو الطبيعى ، وإلا فهو الرياضى.
وثانيهما : أن لم يقارنها البتة كذات الحق سبحانه وأسمائه وصفاته سبحانه فهو الإلهي ، وإلا فهو العلم الكلى.
والحكمة الأولى كالعلم بالوحدة ، والكثرة ، والسبب ، والمسبب ، وأمثالها مما يعرض للمجردات تارة ، والأجسام أخرى ، ولكن بالعرض لا بالذات ، إذ لو افتقر بالذات إلى المادة الجسمية لما أنفكت عنها ، ولما وصفت المجردات بها . ولا منافاة بين التقسيمين كما عرفت فهذه جملة أقسام الحكمة . ومن استكمل نفسه بها فقد أوتى خير كثيرا.
وجائز أن تكون الحكمة هنا الإصابة فى الرأى أو النبوة أو القرآن أو السنة أو العلم ، فإن لفظة الحكمة وردت فى آيات كثيرة فى القرآن بمعنى السنة ، أو بمعنى العلم ، أو بمعنى الإصابة فى الرأى ، أو بمعنى وضع الشىء فى موضعه.
وجائز أن تكون الحكمة بكل تلك المعانى يمنحها الله لمن يشاء فيكون سيد العالمين ، فإنها بكل تلك المعانى منحت لرسول الله تعالى وقد تفضل الله فمنح كل عبد أحبه قسطا منها ، وقد يجمعها سبحانه لأهل الاصطفاء من خاصة خلقه ، فتنطوى الرسالة والنبوة بين جنبيه ، إلا أنه لا يوحى إليه ، ويحاسب يوم القيامة حساب الأنبياء.
"وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا"
معلوم أن الله تعالى قال : "قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ"([41]) ، والمتاع ما يتمتع به الإنسان من ضرورى وكمالي ، فإذا كان متاع الدنيا قليلا ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا ، فإذا نسبنا الدنيا إلى الحكمة ظهر لنا ما للحكمة عند الله من المكانة العالية التى كانت الدنيا بحذافيرها قليلا فى جانبها ، وإذا كانت الحكمة هى العلم ومن يؤت الحكمة فقد أوتى خيرا كثيرا والله يقول : "وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا"([42]) فتكون الحكمة التى هى خير كثير فى جانب علم الله شيئا قليلا.
فإذا نظر العقل الكامل سجد لله عجزا عن تصور علم الله تعالى ، لأن ما أوتيه الإنسان والملائكة والإنس والجن من العلم قليل بالنسبة لعلم الله تعالى، فسبحان من لا يعلم قدره غيره ، ولا يبلغ الواصفون صفته.
وهنا يجب أن نعلم أن خير ما آتاه الله تعالى فى تلك الدار الدنيا بعد الإيمان به وبنبيه eوبما أنزل سبحانه هو العلم ، الذى بينه لنا بأنه الحكمة.
ومتى منح الله العبد الحكمة جذبته بما كشفت له من الغيب المصون الى العمل بمحاب الله ومراضيه ، وليس للعقل وأن كمل أن يحصر ذلك الخير الكثير الذى أخبرنا الله عنه فى تلك الآية ، ومن منحه الله الحكمة منا وأخبرنا الله أنه آتاه
اللهم هب لنا الحكمه
ردحذف