آخر الأخبار
موضوعات

الأربعاء، 10 أغسطس 2016

- الامام محمد ماضى ابو العزائم

عدد المشاهدات:
من أعلام الدعوة الى الله
مولده
كان والده السيد عبد الله المحجوب يزاول التجارة في الغلال إلى جانب عمله في الزراعة ، وكانت زوجته السيدة/ آمنة المهدية تشاركه نفس هذا الحب لآل بيت رسول الله وللصالحين أجمعين،.
، وقد ذهبت السيدة آمنة المهدية لزيارة مسجد سيدي زغلول برشيد، وهو أكبر جامع بها، ويتوسطه ضريح سيدي زغلول ولما دخلت رضي الله عنها إلى هذا الضريح المبارك، إذا بآلام الوضع الشديدة تنتابها فجأة بدون مقدمات، حتى أنها لم تتمكن من الخروج من الضريح ، فأغلق الخادم عليها باب الضريح، وأسندت ظهرها إلى المقصورة الكائنة به وولدت الإمام محمد ماضي أبو العزائم بدون ألم ولا تعب وكان ذلك في صبيحة يوم الاثنين السابع والعشرين من رجب سنة ألف ومائتين وست وثمانين من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، والموافق الثاني من شهر نوفمبر سنة ألف وثمانمائة وتسعة وستين ميلادية، فجاءها الخادم بقطعة من القماش الموجود على ظهر الضريح، فلفته فيها وخرجت به في الحال، طفلاً بهيجاً يسر الناظرين
وقد اهتم السيد عبد الله المحجوب بتربية أولاده تربية علمية، وساعده على ذلك ثراؤه الواسع، وثقافته الدينية وقد أتم الإمام أبو العزائم حفظ القران في ثلاث سنوات، حيث ذهب إلى الكتاب في الرابعة من عمره، وأتم حفظ القرآن الكريم في السابعة تقريباً،
((وقد أتممت حفظ متن أقرب المسالك لمذهب الإمام مالك بن أنس، وقسم العبادات من الموطأ، ومتن السنوسية في علم التوحيد، ومن علم النحو الأجرومية والألفية، ومن علم الحديث المختصر للإمام الزبيدي، وذلك على الشيخ عبد الرحمن عبد الغفار)
وقد انتهى من حفظ تلك المتون في فترة وجيزة ولما رأى والده شغفه الكبير بالعلم، اهتم بتلقينه العلوم الدينية، فعهد إلى الشيخ محمد القفاص تدريس علم التوحيد له ، ودرس معه الكتب الهامة في علم التصوف، وخاصة كتاب ((إحياء علوم الدين للإمام الغزالي)) وكتاب ((قوت القلوب)) لأبي طالب المكي، وركز معه أيضاً على دراسة السيرة النبوية العطرة، فقرأ معه كتاب ((الشفا في التعريف بحقوق المصطفى)) للقاضي عياض، وسيرة الرسول لابن هشام، ((والطبقات الكبرى)) لابن سعد، وساعده على ذلك، المكتبة الضخمة التي كان يحتفظ بها في بيته، والتي تضم أمهات الكتب الدينية واللغوية والصوفية في ذلك الوقت.
ميوله الصوفية
ظهر لنا كما أوضحنا، أن الإمام أبا العزائم نشأ في بيئة صوفية، وليس هذا فحسب، بل إنه كان يميل إلى زيارة الصالحين أحياء وأمواتاً في مختلف الجهاتثم انتقل  إلى القاهرة، وكان الإمام أبو العزائم في السادسة عشرة من عمره في ذلك الوقت.
، ودخل الإمام أبو العزائم الأزهر لأول مرة في السابعة عشرة من عمره، وأقبل على العلم بعزيمة لا تعرف الكلل، حتى أنه كان يحصل ما يحتاج إلى سنوات طويلة في أيام قليلة.
فى دار العلوم.
وقد تخرج في أول دفعة من دار العلوم وانخرط في سلك التدريس في وزارة المعارف، حيث عين مدرساً بمديرية المنيا عام (1311) هجرية الموافق عام (1882) ميلادية.
هذا وقد حرص الإمام أيضاً على تنمية ميوله الصوفية أكثر وأكثر، خاصة وأن مدينة القاهرة تعج بالكثير من أولياء الله الصالحين أحياءاً وأمواتاً، فكان يتردد على مزارات آل البيت الكرام، وأولياء الله الصالحين.
كما كان يزور كل من يسمع عن صلاحه وتقواه من الأحياء الموجودين،
·  فانتقل الإمام بالأسرة كلها، واستقر بهم في بلدة المطاهرة جنوب المنيا.
وفي ذلك الوقت تلقى الأمر من سيدنا رسول الله r بالدعوة إلى الله
فرأى في ليلة الثاني عشر من شهر ربيع الأول (أي ليلة ميلاد رسول الله ) رأى رسول الله وشرح له في تلك الرؤيا كثيراً من معاني الآيات القرآنية.
ولقنه صيغ في الصلاة على حضرته سماها (الفتوحات الربانية والمنح النبوية في الصلاة على خير البرية).
ثم لقنه دعاء الغوث (غوث العصر)، وأمره أن يدعو به، وأن يلقنه لجميع المسلمين، وهو :
{ اللهم باسمك العظيم الأعظم، وبجاه المصطفى صلى الله عليه وسلم ، وبسر أسمائك الحسنى ما علمنا منها وما لم نعلم، أن تعجل بالانتقام ممن ظلم، وأن تهلك الكافرين بالكافرين، وتوقع الظالمين في الظالمين، وتخرج المسلمين من بينهم مسالمين غانمين آمين يا ربالعالمين }

        الشيخ المربِّي                                                                                                
نشأ الإمام أبو العزائم رضى الله عنه وأرضاه وقد اندرست أحوال الصوفية الصادقين، وظهرت أحوال البطالين والمنتفعين ممن جعلوا الطريق وسيلة للحصول على شهواتهم وأغراضهم، ولم يبق إلا نذر قليل حفظوا روح التصوف وأحواله ومواجيده وأخلاقه، أما الأغلبية العظمى منهم فقد جعلوه رسوماً وزياً وأكلاً وشرباً، ونسوا الغرض الذي من أجله أسس، وهو السلوك إلى ملك الملوك

فحاول أن يجدد هذه الأحوال التي اندرست، ويبين هذه المكارم التي توارت، ويوضح هذه الأخلاق التي أميتت، وقد طبق هذه المناهج والاتجاهات على ثلاث مراحل عملاً بحديث سيدنا رسول الله الذي يقول: { ابْدَأ بِنَفْسِكَ ثُمَّ بِمَنْ تَعُولُ } وقوله { ثُمَّ الأَقْرَبَ فَالأَقْرَبَ } وسنوضح هذه المراحل على قدر ضعفنا وتقصيرنا، لا على قدر كماله رضى الله عنه وأرضاه.
يرى الامام أن الشيخ المربي لكي يؤثر فيمن حوله لابد أن يأخذ نفسه بعزائم الأمور، ولا ينزل إلى الرخص، وإن كان يفتي بها لغيره.
وأن عليه أن يعمل أولاً بما يعتقد أنه الصواب، حتى إذا قال وقع القول منه موقع الإجابة وأحدث الانفعال السلوكي المطلوب في نفوس السامعين.
وصفات الشيخ عنده كثيرة نثرها في كتبه الصوفية ككتاب "مذكرة المرشدين والمسترشدين" و "شراب الأرواح" وكتاب "معارج المقربين" وكتاب "الطهور المدار على قلوب الأبرار" وغيرها، ونبرز أبرز هذه الصفات ملمحين إلى تحلِّيه بها كما يلي:
التأدب بآداب الشريعة
أخذ نفسه بالمجاهدات الفادحة، والعزائم الماضية، حتى يكون أسوة حسنة لمن حوله، فما كان يضيع نفساً من أنفاسه في غير طاعة الله ، إما بذكر أو شكر أو درس أو تفقد لأحوال أخوانه أو لأحوال المسلمين أجمعين، أو عبادة قلبية خاصة بينه وبين الله ، حتى أنه ، كان لا ينام إلا إذا جلست إبنته بجواره أو أحد أبنائه أومحبيه يتلون القرآن على مسامعه، ويأمرهم ألا يكفوا عن ذلك حتى إذا استغرق في النوم، ومن العجب أن بعضهم كان يلحن أحياناً في قراءته، فينتبه من نومه ويصحح له القراءة، بل إنه لشدة تعلقه بذكر الله ، كان إذا نام يسمع لتردد أنفاسه نغمة شجية، يسمعها من حوله تقول: الله ... الله.
فإذا كان وقت السحر، استيقظ من نومه وتوضأ وصلى ما شاء حتى يطلع الفجر، فينادي على أهله ومريديه ويقول: الصلاة الصلاة يا غراس الجنة، ثم يصلي بهم، وبعد انتهاء الصلاة يقول للمتكاسلين الذين فاتتهم الجماعة الأولى، موقظاً وموبخاً: الصلاة الصلاة يا غراس النار.
ثم يجلس في مصلاه يقرأ مع أخوانه ورد ختم صلاة الصبح، الذي جمعه من الأحاديث الواردة عن سيدنا رسول الله، وأدعية الأنبياء والمرسلين التي تحققت وأجيبت في كتاب الله، وبعدها يقرأون صيغ الصلوات التي أمده بها سيدنا رسول الله، ثم يشرح لهم ما تيسر من آيات كتاب الله، حتى إذا بزغت الشمس وارتفعت قدر رمح أو يزيد، تناول معهم طعام الفطور وأذن للجميع بالتوجه إلى العمل.
وهو في جميع أحواله لا يخرج عن الشريعة طرفة عين، بل كل حركة وسكنة من حركاته وسكناته كانت مضبوطة بأحكام الشرع الشريف، حتى أنه في أواخر أيامه، وكان قد مرض وشلَّت رجلاه، فأرادوا أن يدخلوه دورة المياه، ولم ينتبهوا إذ أدخلوه من الجهة اليمنى فانتفض، انتفاضة شديدة وقال وهو يتألم: خالفت رسول الله العفو يا سيدي يا رسول الله.
وقد حضر لديه جماعة من العلماء، فأراد أن يبين لهم الأدب العالي الذي ربى عليه أبنائه ومريديه، فأحضر رجلاً أمياً، وقال له ماذا تصنع إذا وجدت أن أبا العزائم يخالف رسول الله ؟ فقال التلميذ الذي تأدب بآداب شيخه: لو خالف أبو العزائم رسول الله لقرعناه بنعالنا، فأحتضنه الامام والتزمه وقال له: أنت ولدي حقاً، ويقول لهم آمراً باتباع السنة : { حافظ على السنة ولو بشرت بالجنة }، ويقول أيضاً:
لسنته فاخضع وكن متأدباً
وحاذر فحصن الشرع باب السلامة
على الجمر قف أن أوقفتك تواضعاً
يكن لك برداً بل سلاماً برحمة
بل أنه يجعل الحكم على المريد، متوقفاً على مدى استجابته لأوامر الشريعة المطهرة، فيقول مبيناً علامة المريد الصادق من الدَّعي المندس في صفوف الصادقين:
من فارق الشرع الشريف فليس من

وشاءت إرادة الله أن يكون انتقاله t إلى جوار ربه في ليلة الإسراء والمعراج، وهي نفس الليلة التي ولد فيها، وكان ذلك في يوم السابع والعشرين من شهر رجب سنة ألف وثلاثمائة وست وخمسين من الهجرة النبوية الشريفة والموافق الثالث من أكتوبر سنة ألف وتسعمائة وسبع وثلاثين ميلادية، عن عمر يناهز سبعين سنة، قضاها كلها في طاعة الله U

وقد دفن t ببيته بناء على الوصية الخاصة التي وصى بها في ذلك، وتحول هذا المكان ببركته إلى مسجد كبير يشع منه النور والمعرفة والهدى إلى جميع المسلمين

وقد أثرى الإمام أبو العزائم t المكتبة العربية بما يزيد على الستين كتاباً في مختلف أنواع المعرفة، بالإضافة إلى مقالاته التي لا حصر لها، والتي نشرت في مجلاته (السعادة الأبدية والفتح والمدينة المنورة).

إلى جانب ما نشر في الصحف اليومية والمجلات الأسبوعية والشهرية التي كانت تصدر في عصره مثل (المؤيد والأهرام، والبلاغ وغيرها).


4- إحياء الروح الإسلامية

وقد عنى ببث هذه الروح في كتبه التي تضمنت رأيه في كيفية إعادة المجد الإسلامي، وذلك في كتب

((الإسلام دين الله ))- ((الإسلام نسب)) – ((الإسلام وطن)).

وتحدث عن واجب المسلمين في تحقيق تلك المثل، حيث فسر دورهم في الجهاد من أجل تحقيق تلك الغاية في كتابه ((الجهاد)).

وكشف عن أساليب المستعمرين في الكيد للمسلمين في كتابه ((محكمة الصلح الكبرى)).

ووزع المهام على الأفراد والجماعات في مرحلة الجهاد في كتابه ((النور المبين في علوم اليقين ونيل السعادتين)).

وعالج تفرق المسلمين في كتاب ((الشفاء من مرض التفرقة)).

5- الدعوة الصوفية:

وهي الكتب التي تتضمن آداب الطريق ومشارب الرجال ومنازل الواصلين ومشاهدات المقربين، والمطبوع منها هو:

شراب الأرواح من فضل الفتاح. مذكرة المرشدين والمسترشدين. آداب السلوك إلى ملك الملوك.دستور السالكين طريق رب العالمين.معارج المقربين.الفرقة الناجية.من جوامع الكلم.الطهور المدار على قلوب الأبرار.الجزء الثاني من كتاب أصول الوصول لمعية الرسول.

أما المخطوط منها فهو:الصوفية والتصوف.المضنون والمكنون.موارد أهل الصفا.مصطلحات الرجال.الألف مرحلة في طريق اللهU.دستور آداب آل العزائم.

بدء دعوته




فبدأ منذ ذلك الحين تبليغ رسالة الله، ودعوة الخلق إلى الله.

كيف كان ذلك ؟
كان يقضي معظم وقته مع الخلق، يقرأ عليهم دروساً في مذهب الإمام مالك بالمسجد، ويتكلم معهم في الأخلاق والتوحيد وغيرها بعد ذلك.
فإذا كان يوم الخميس من كل أسبوع، أخذ زاده معه وذهب إلى إحدى القرى أو المدن المجاورة، فيؤم بيت الله، ويجلس مع المصلين يحدثهم بما يفتح الله عليه من العلوم والمعارف الإلهية في شرح الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، حتى إذا آنس منهم الرغبة في العودة إلى منازلهم، صرفهم بلطف ...
ويصرُّ أن يبيت بالمسجد، فيحي ليله بذكر الله، حتى إذا اقترب الفجر، قام فتوضأ وصلى ما تيسَّر له، ثم يصعد إلى مأذنة المسجد، فيردد بصوته الندي ما يلهمه الله به، من المواجيد الروحانية والقصائد الصوفية، حتى يحين موعد الآذان، فيؤذن للفجر ويصلي بالناس جماعة، ثم يعتكف في بيت الله حتى صلاة الجمعة فيؤدي الخطبة، وينصرف إلى منزله بالمطاهرة.
فكان لهذا الحال دوى كبير وأثر عظيم في نفوس الناس حتى أن دعوته وصلت إلى كل مدن الصعيد، من الجيزة حتى أسوان في وقت قصير جداً، وما ذلك إلا لصدق إرادته وصفاء يقينه، ومدى اخلاصه وفناءه بكله في دعوة الله

·  ثم انتقل إلى بلدة الإبراهيمية بمحافظة الشرقية، وكأنما كان النقل لأمور يريدها الله، وأحوال يريد أن يبينها ويظهرها .. فقد تعرف هناك على أول رجل أكمل الإمام تربيته، وشهد له ببلوغه مقام الرجال في هذه البلدة، وهو الشيخ الصبيحي.
ثم حدث أن سرحت وزارة المعارف بايعاز من الإنجليز عدداً كبيراً من المدرسين بحجة ضغط المصروفات الحكومية، فرجع إلى المنيا، وكتب طالباً إعادة تعيينه، فاستجابت الوزارة، وعين بالمنيا ... واستقر بها بعض الوقت .. ثم انتقل إلى أسوان وادفو، وفي تلك الأثناء، طلبت حكومة السودان تعيين مدرسين بها، فتقدم واختارته اللجنة الخاصة بذلك ... وعين مدرساً بحكومة السودان في بلدة ((سواكن)) بجنوب السودان·  ، وكل همه الدعوة إلى الله فكان يقضي وقته متنقلاً بين المساجد يقرأ على الناس، صحيح البخاري ويشرح أحاديثه، ويشرح لهم أيضاً قسم العبادات من الموطأ للإمام مالك..
ويضرب الإمام لنا مثلاً نادراً في التفاني عن النفس في الدعوة إلى الله،
وقد كان لما قام به الامام وأتباعه، أثر كبير في دخول سكان الجنوب الإسلام، حتى ذعر الإنجليز من هذا الأمر، خاصة أن المبشرين الذين جاءوا بهم ومعهم كل الامكانيات المادية، عجزوا أمام فقراء آل العزائم الصادقين، فما كان منهم إلا أن قاموا بنقله إلى وادي حلفا.
وفي وادي حلفا، وجد الإمام الناس هناك مشتغلين بالملاهي واخمر، ويقضون جل وقتهم في هذه الأشياء، ولا ينتبهون من شدة غيهم، وفساد أحوالهم، لشأن الشريعة وأحكامها فبدأ يدعوهم إلى الله ،بطريقة حيرت النهى، ضرب بها المثل الأعظم للداعي الصادق في كيفية جذب العصاة والنافرين إلى الله
حتى أنه كان يدخل الحانات والخمارات ليدعو أهلها إلى التوبة والإقبال على الله، لأنه لا يتيسر له أن يجالس أمثال هؤلاء إلا في المواطن والمجالس التي يرتعون فيها،

·  غير أنه ترك آثاراً كبيرة في أهالي السودان، حيث أنه جذب القلوب إليه بأخلاقه العالية، وصفاته السامية، خاصة زهده وورعه ، وقد وصل به الأمر إلى أن الفقراء كانوا يتعرضون له في اليوم الذي يقبض فيه راتبه، فيوزعه عليهم ويرجع إلى داره بغير شئ معتمداً على فضل الله.

·  انتقل الإمام إلى أم درمان، فواصل رسالته، وشرح حكم ابن عطاء الله السكندري، والموطأ للإمام مالك، بمساجدها ثم حدث أن طلبت جامعة غوردون بالخرطوم أستاذاً للشريعة بها فتقدم ، وشغل هذا المنصب.
وبدأ منذ تلك اللحظة الجهاد على أشده مع الإنجليز، حيث أخذ يشرح للناس بالمساجد صحيح البخاري والموطأ، ويحدثهم في التوحيد والأخلاق، وفي نفس الوقت يشرح لخاصة طلابه في الجامعة وفي مقدمتهم الزعيم الوطني السوداني على عبد اللطيف مساوئ الاستعمار، ويطالبهم بالعمل المنظم للقضاء عليه وإجلائه عن البلاد.

وبعد أن أقاله الإنجليز من عمله في السودان، أصدروا قراراً بعدم اشتغاله في الأعمال الحكومية، وقرروا تحديد إقامته بمديرية المنيا.
فأخذ ينتقل في ربوع تلك المحافظة، ناشراً لدعوته الدينية، وعاملاً على تربية أحبابه على المثل الإيمانية والأخلاق الإسلامية، حيث أن الدعوة الصوفية عند الإمام أبي العزائم ، تتركز في إعداد الأفراد دينياً وسلوكياً وخلقياً لحمل الأمانات التي من أجلها أختار الله الإنسان لعمارة الكون، ويعتبر الامام بناء الإنسان هو حجر الزاوية في أي نهضة أو تقدم لأي مجتمع من المجتمعافقاموا بعزله من الوظائف الحكوميه ثم

الإمام أبي العزائم في القاهرة ، فسمحوا له بالانتقال إلى القاهرة،لمتابعته ومراقبة حركاته وسكناته وهنا بدأ عهد جديد في الصراع بينه وبين المستعمر.
حيث هيأ له الله منزلاً كبيراً في عطفة الفريق بشارع الخليج المصري (بورسعيد الآن)، وكان هذا المنزل يتكون من عدة منازل، بينها ميدان واسع، وله باب كبير

...... ·  فأنشأ الإمام أبو العزائم مطبعة المدينة المنورة بداره، وأسس مجلة السعادة الأبدية ومجلة الفتح ومجلة المدينة المنورة، وأوكل إدارة المطبعة إلى ابنه السيد أحمد ماضي أبو العزائم، وأوكل رئاسة تحرير المجلات إلى ابنه السيد محمد الحسن ماضي أبو العزائم، وعن طريق هذه المجلات أخذ ينشر مقالاته التي تلهب حماسة الجماهير، وتؤلبهم على المستعمرين والمستبدين، وكان ذلك مما مهد لقيام ثورة (1919) م.
ولما شبت تلك الثورة، كان لأبي العزائم الدور الأكبر في إثارة الجماهير وتحريكهم للمطالبة برد الزعماء وهم سعد زغلول ورفاقه من المنفى، والمطالبة بالاستقلال والحكم الدستوري المستقل، وفي سبيل ذلك، سخر مطبعة المدينة المنورة لطباعة المنشورات السرية لزعماء الثورة، وكتب فضلاً عن مقالاته في الصحف اليومية والأسبوعية في تلك الآونة كتاب ((الجهاد)) ولما منعت السلطات إصداره، طبعه ووزعه سراً على المواطنين.
ثم لجأ إلى الأسلوب الرمزي، فكتب مسرحية ((محكمة الصلح الكبرى)) والتي يشير بها إلى مؤتمر الصلح الذي عقد بباريس، وصور فيه الحلفاء والمجتمعين بأنهم مجموعة من الوحوش المفترسة، والشعوب الضعيفة والمغلوبة على أمرها، بأنها هي الفريسة. الانجليزلم يتركوه وداهمو منزله وتم القبض عليه... وتدخل بعض ذوي النفوذ لدى السلطات، وصوروا لهم الأمر وخطورته بأن لزعماء الدين حرمة وحصانة يجب صيانتها، فأفرج عنه الإنجليز فوراً!
وعاد الإمام لنشاطه واتصالاته فألقى الإنجليز القبض عليه مرة أخرى في 17 رمضان من نفس العام ويوافق هذا العام عام (1919) ميلادية، وفي هذه المرة، دخل قائدهم على الإمام شاهراً مسدسه، وطلب تفتيش الدار جميعها، بحثاً عن مكاتبات سرية بين أبي العزائم وبعض الزعماء المسلمين.
جهاده الإسلامي
ولم يكتف الإمام بجهاد المستعمر في مصر والسودان فقط، بل أعلنها حرباً شعواء على المستعمر في كل بلد إسلامية، فاتصل بزعماء الإسلام في أنحاء العالم، وتبادل معهم الآراء والرسائل، وحثهم على النهوض بمسئولياتهم الجسام في مواجهة أعداء الله وأعداء الإسلام.
وكان أبرز من اتصل بهم الإمام في ذلك، جمعية العلماء بالهند وكبار الزعماء المسلمين هناك وعلى رأسهم محمد علي جناح، ومحمد إقبال، وشوكت علي، وكفاية الله وغيرهم، واتصل بزعماء أندونسيا، وعلى رأسهم أحمد سوكارنو ورفاقه، واتصل بزعماء المسلمين المجاهدين في مراكش والجزائر وتونس وليبيا وفلسطين ويوغسلافيا وألبانيا وغيرها من البلاد الإسلامية، حتى كانت داره معقلاً يلجأ إليه هؤلاء الزعماء عندما يضطرهم المستعمر لمغادرة البلاد، وكان يفسح لهم صدور مجلاته، لينشروا فيها أفكارهم، ويعبروا فيها عن آرائهم.
وهو أول من حول مؤتمر الحج السنوي إلى مؤتمر عام، لبحث مشاكل المسلمين كما تهدف الشريعة السمحاء من جمع هذه الجموع المختلفة في مكان واحد، ووقت واحد، وقصة ذلك ترجع إلى قيام مصطفى كامل أتاترك بإلغاء الخلافة الإسلامية في تركيا في 2 مارس عام (1924) ميلادية، وإخراجه لآخر الخلفاء العثمانيين وهو (السلطان عبد المجيد خان)، ومنذ أن سمع الإمام هذا الخبر، لم يهدأ له بال، ولم يرتاح له خاطر، حتى حدد يوم 20 مارس عام (1924) ميلادية لعمل مؤتمر للخلافة الإسلامية في داره، دعا إليه زعماء المسلمين في كافة أنحاء الأرض، وحضرته وفود من كافة هذه البلدان.
وبعد أن شرح لهم أسباب إلغاء الخلافة، ووضح رأيه في أن شخص الخليفة لم يكن يمثل حقيقة هذا المنصب، الذي يعتبر بمثابة الرأس من الجسد الإسلامي، منذ أكثر من مائة عام، واعتبر هذا الأمر فرصة للمسلمين، ليعيدوا لهذا المنصب جلاله وقوته، وكون المجتمعين جماعة الخلافة الإسلامية في وادي النيل، وأصدروا قراراتهم، وقد نشرت محاضر الاجتماعات والقرارات في الصحف اليومية في تلك الآونة.
وطلب أن يحج هذا العام للاتصال والتنسيق مع الزعماء المسلمين في موسم الحج، لكن السلطات المصرية منعته من السفر، لأن الإنجليز أوهموا الملك فؤاد بأنهم سينصبوه خليفة للمسلمين، وجعلوه لذلك ينشئ جماعة مأجورة وأعطاها الصفة الرسمية، واعتبرها الممثل الشرعي للحكومة المصرية في مؤتمرات الخلافة الإسلامية.
وحاول الملك فؤاد استقطابه، فأرسل إليه رئيس الديوان الملكي يطلب منه أن يقابله في القصر الملكي، فرفض هذا العرض، وقال كلمته الخالدة ((بلغه يا حسن أن قوماً فقدوا الإسلام في أنفسهم وأهليهم، لا يستطيعون أن يبلغوه ويعطوه لغيرهم))، حيث أنه كان لا يؤيد ترشيح الملك فؤاد لهذا الأمر ويقول أنه ألعوبة في يد الإنجليز، كما كان أيضاً لا يوافق على ترشيح الشريف حسين، لتعاونه مع الإنجليز ضد إخوانه المسلمين في تركيا.
وحتى إنه عندما ذهب للحج في عام (1924) ميلادية وخرج معه خمسمائة رجل من خاصة إخوانه، أرسل إليه الشريف حسين مدير البرق نائباً عنه لاستقباله في جدة، ويخيره في أي القصور يحب أن يقيم فيه ليهيئه له، فقال بعزة المؤمن الذي لا يخاف في الله لومة لائم: (إن أبا العزائم رجل خديم الفقراء، ولا يحتاج في إقامته إلى القصور) فقال مدير البرق: تلك أوامر سيدنا ولا قدرة لنا على مخالفتها، فقال : (يا بني، إن لك أن تسيد على نفسك من تشاء، أما أنا فأقول إنني في أرض لا سيد فيها إلا الله )، ورفض في تلك الحجة مقابلة الشريف حسين، بل أنه دعا عليه في هذا العام لخيانته للإسلام والمسلمين، فكانت نهايته وخروجه نهائياً من هذه البلاد.
وبعد أن استولى الملك عبد العزيز آل سعود على السلطة في بلاد الحجاز كلها، راسل الإمام أبا العزائم ، وطلب منه أن يواصل جهده من أجل العمل لإحياء الخلافة الإسلامية، واقترح أن تكون مكة مقر هذا المؤتمر، وأن يكون ذلك أثناء موسم الحج في عام (1926) ميلادية عام (1344) هجرية، فأجرى الإمام اتصالاته بالزعماء المسلمين، وسافر هو وإخوانه بعد أن خرج من بيته محرماً بالحج، وألتقوا في مكة المكرمة، وتم انعقاد المؤتمر، نتيجة للاتصالات والجهود الضخمة التي بذلها الإمام ، ولكن تدخلت الأهواء النفسية ومن ورائها المخططات الإستعمارية، فلم يصل المؤتمر إلى قرار حاسم في شأن الموضوع الذي عقد من أجله، بل تحولت الجهود إلى مواضيع فرعية بعيدة كل البعد عن روح المؤتمر التي بثها الإمام أبو العزائم في نفوس الحاضرين.
وهكذا نجد الإمام أبا العزائم يطالعنا بنموذج فريد للصوفي الحق الذي يشارك في أحداث وطنه، ويعمل على رفع الظلم عن إخوانه المسلمين في كل بقعة من بقاع الأرض، ويحاول جاهداً أن يجمع ما تفرق من شملهم، وأن يحي معاليم الإيمان في نفوسهم وقلوبهم...
حتى أنه كان يطالع صبيحة كل يوم جميع الصحف اليومية، والمجلات الأسبوعية والشهرية متلمساً أخبار إخوانه المسلمين في كل بقعة من بقاع الأرض، ويشاركهم في آلامهم ويرسل لهم الرسالة تلو الرسالة، ناصحاً لهم ومحذراً من أعدائهم وشارحاً لهم الطريقة الحكيمة التي ينالون بها أغراضهم مطبقاً بذلك قول رسول الله : {مَنْ لَمْ يَهْتَمَّ بِأَمْرِ لِلْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ مِنْهُمْ } ، وعاملاً بقوله صلى الله عليه وسلم : { مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَىٰ مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَىٰ لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّىٰ }. ، ويقول في ذلك رضى الله

- الأوراد والاستغاثات والصلوات:

وهي:ما يزيد على الخمسمائة فتح في الصلوات على رسول الله r، طبع منها سبعون فتحاً باسم (الفتوحات الربانية والمنح النبوية في الصلاة على خير البرية) ولا يزال الباقي مخطوطاً.

ما يقترب من خمسمائة حزب، طبع منها ما يتعلق بشهر رمضان باسم (أدعية الغفران في شهر القرآن) وطبع بعض منها في الأوراد اليومية في كتاب (نيل الخيرات بملازمة الصلوات) ولا يزال الباقي مخطوطاً.

الاستغاثات والأدعية بحسب المناسبات، وقد طبع منها ما يناسب ليلة النصف من شعبان في كتاب ((مشارق أنوار البيان في ليلة النصف من شعبان)) وطبع جزء منها في كتاب ((الأدعية والاستغاثات الكبرى)) والباقي وهو الجزء الأكبر لا يزال مخطوطاً إلى الآن.


مراض المجتمع الإسلامي وعلاجها

وكالطبيب النطاسي الماهر، وضع الإمام أبو العزائم يده على الأمراض التي مكنت الأعداء من الأمة الإسلامية، ومزقت بين مجتمعاتها، وجعلت الأخوة بعد الألفة يختلفون، وبعد العزة يذلون، وبعد السيادة يستعبدون، وأرجع هذا الأمر إلى سببين:

أولها: التعصب للقوميات والنزعات العرقية وتفضيلها على الأخوة الإسلامية مما جعل هذا المجتمعات تعمل على إحياء لغاتها القديمة وتاريخها المندثر، وتتخلى في سبيل ذلك عن إسلاميتها، وذلك كما حدث في تركيا وإيران وغيرها.
السبب الثاني: هو سيطرة هذه الفئات على المجتمعات، وهم: العلماء الذين شغلتهم الدنيا عن الدار الآخرة، والدعاة الجهلاء الذين يتعصبون لأفكارهم وآرائهم رغم مخالفتها لإجماع المسلمين، ثم ولاة السوء الذين يحرصون على المناصب ويعملون في سبيل الوصول إليها أو الاحتفاظ بها كل ما يجوز وما لا يجوز من المكر والكيد والدهاء والخداع ويستبيحون ذلك كله في سبيل الوصول إلى أغراضهم، لأن الغاية عندهم تبرر الوسيلة مهما كانت خبيثة، وأخيراً: عبيد المادة الذين ( نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ )[19الحشر].
ويضع الامام الدواء لهذه الأمراض، فيجعل الأساس الأول فيه هو ملاحظة كمالات الإسلام ودراسة الإسلام وأحكام الإيمان دراسة يستقر بها في نفوس الأفراد والمجتمعات أنه لا مدنية حقيقية ولا سعادة نفسية واجتماعية إلا بالإسلام وكما قال الحبيب: { الْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ } .
وفي ذلك يقول الامام : (( والشفاء من كل تلك الأسقام الروحانية بالرجوع لما كان عليه سلفنا الصالح تمسكاً بالكتاب والسنة، فإن الله الذي خلق الخلق هو أعلم بصالحهم ومصالحهم وإنما يسعد آخر هذه الأمة بما سعد به أولها )) فإذا عشقت النفوس هذا الدين لما فيه من كمالات تعصبت له- أي تمسكت بأن يكون هاديها والمسيطر عليها في كل أحوالها، وقد وضع الامام الوسائل التي تحقق المجتمع الإسلامي ونجملها فيما يلي:
أولاً: أن تكون اللغة التي يتفهم بها جميع المسلمين مع بعضهم بعضاً أو مع غيرهم هي لغة القرآن والسنة.
ثانياً: أن تقام حدود الله، بمعنى أن يكون العمل بكتاب الله وبسنة رسول الله.
ثالثاً: أن تكون تربية المسلمين مؤسسة على التربية الإسلامية بحيث يكون التعليم أولاً مستهدفاً تعليم الإيمان والقرآن، ثم يكون تعليم الصناعات أو الزراعة أو التجارة أو تعليم فنون الجهاد وتدبير المدن وسياسة المجتمعات كله مؤسس على الدين، ويكون تعليم تلك الفنون لأنها وسائل لإعلاء كلمة الإسلام وحفظ ثغوره، وجلب الخير لأهله وقوة سلطان المسلمين))
هذا وقد فصل الإمام أبو العزائم هذه الوسائل ببسط كبير وضع فيه تصوره للمناهج والعلوم التي يجب أن تدرس في المدارس الإسلامية الخاصة بالذكور، والمناهج والعلوم التي يجب أن تدرس للفتاة المسلمة وذلك في كتابه الإسلام نسب فليراجعه من يرجو المزيد في هذا الباب.
وأما الداء العضال الذي أصاب المجتمعات الإسلامية في قلبها وهو مرض التفرقة، فقد شرحه في كتاب" الشفاء من مرض التفرقة" بإسهاب عند تفسيره لقول الله تعالى: ( شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ)[الشورى]، ، وقد أحدث هذا الكتاب عند خروجه دوياً كبيراً حتى أنه قدم بسببه للمحاكمة في محكمة الجنايات، ولكنه لم يستكن ولم يضعف، بل واجه المحاكمة في عزة وبأس، واستطاع بلباقته وذكاءه وأسلوبه البارع، أن يخلص من أذى الحكام وكيد الحاكمين.
وسائل تحقيق المجد الإسلامي
وبعد أن وضع أسس تكوين المجتمع الإسلامي التي أشرنا إليها وضح الوسائل التي نستطيع بها تجديد المجد الإسلامي الذي كان لسلفنا الكرام، وسنوجزها فيما يلي وإن كان قد فصلها في كتبه "الإسلام دين" و"الإسلام نسب" و"الإسلام وطن".
أولاً- الإسلام دين:
فالإسلام في نظره هو الدين الحق لأن الأديان السابقة قد نسخت بعد بعثته صلى الله عليه وسلم ، وهو الدين الوحيد الذي يسع البشرية كلها أحكاماً وتعاليماً صالحة لكل زمان ومكان، ومناسبة لكل فرد من بني الإنسان، وفي ذلك يقول: (( ونحن لا نشك أن الدين الذي يجب أن يؤمن به العالم أجمع، لابد وأن يكون مستوفياً للأحكام التي تكون بها سعادة الإنسان دنيا وأخرى حقاً، فإذا تقرر ذلك يظهر جلياً أن الإسلام هو الدين الحق، وأن الدين هو الإسلام )) ...
ثانياً: الإسلام نسب:
فالنسب حقيقة عنده بين المؤمنين منبثق من قول الله تعالى: ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ) [10الحجرات]، لأن الأخ الحقيقي هو من شاكل الإنسان خلقاً وشيمة وعملاً، والمشاكلة لا تكون إلا في مبدأ، ولا يتحقق ذلك إلا في الإسلام، وهذه الأخوة هي التي جعلت سلمان الفارسي من أهل آل بيت رسول الله r في قوله {سَلمَانٌ مِنَّا آلَ البَيْتِ } ، وفي ذلك يقول :
((يظن الناس أن النسب قرابة تدلى إلى الأب والأم والعم والخال، جهل الناس بحقك أيها الأخ الصالح التقي، ليس هذا هو النسب، إنما النسب حقيقة الإسلام، لأن نسيبك في الحقيقة من شاكلك حقيقة وخلقاً وشيمة وعملاً، ولو كان أعجمياً وكنت شريفاً هاشمياً، وحسبنا حجة في ذلك قولا الحبيب (أدخل الإسلام بلالاً في نسبي وأخرج الكفر أبا جهل من نسبي)، وقوله (سلمان منا آل البيت)، فالقرابة يا أخي هي المشاكلة، ولا مشاكلة إلا في مبدأ ينتج السعادة، وفي معنى يحبه الله تعالى ورسوله ، ولا يتحقق ذلك إلا في الإسلام، وليس ابن أمك وأبيك بقريبك إن خالفك شكلاً واعتقاداً وشمائلاً وميولاً، وليست القرابة تصح حقيقة في الدنيا للمعاونة وفي الآخرة بالسعادة إلا بأخوة الإسلام، وكل قريب وصديق وحبيب ولو من أب وأم لم تكن قرابته للإسلام، فهي خسران في الدنيا وهلاك في الآخرة، سرُّ قوله تعالى: (الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ)[الزخرف])).
ثالثاً: الإسلام وطن:
فيعيب الامام على من يتمسك بتراب نشأ على أرضه، ويجعله هو الوطن فيقول له : (( الوطن هو الإسلام وليس هو أرضاً خضراء أو أفقاً من سماء زرقاء، بل ذلك الوطن هو الإسلام، نعم لأن العمل بروح الإسلام يجعل المسلمين رجلاً واحداً، كل فرد منهم عضو لذلك الجسد )) .
ثم يذكر المسلم بالمجد الإسلامي عندما كان الإسلام وطنٌ للجميع فيقول:
(( تذكر أيها الأخ المسلم هذا المجد الذي كنت فيه مذ كان وطنك الإسلام، كان الصيني يلقى المراكشي، فإذا قال السلام عليكم بشَّ في وجهه فرحاً بسماع الكلمة الإسلامية وضمه إلى صدره، وأسرع به إلى بيته، وفتح له عن خزائن المسلمين التي في بيته، كانت كلمة السلام عليكم توجب على سامعها بذل المال والنفس في النصرة والتأييد، ما ذلك إلا لأن الوطن كان الإسلام )).. وبعد أن بيَّن ما ناله المسلم من ودِّ بينه وبين أخيه المسلم بسبب الإسلام، بيَّن العزة التي أضفاها الإسلام على أبنائه فقال :
(( أنت أيها المسلم وحقك كنت أسعد الخلق طراً، مذ كان الإسلام وطنك، كانت تنحني لك الرؤوس التي عليها التيجان رهبة مذ كان الإسلام وطنك، لم يكن ذلك لخصوص الأمير من المسلمين، بل كان والله أيضاً لتاجر حقير في بلاد غير إسلامية، كنت أيها المسلم إذا انتقلت إلى بلاد غير إسلامية، نُبِّهَ على العامة والخاصة أن يمسكوا ألسنتهم، وأن يغضوا عنك أبصارهم، وأن يحتفلوا بك لتنشر عنهم الخير في بلادك، لم يكن ذلك إلا لأن وطنك الإسلام، وإنك تمثل جمال الإسلام وكماله بالوجه الأكمل، فكنت وأنت منفرد كجيش خميس تهتز له رؤوس أهل التيجان ))
وهكذا، فصل الإمام أبو العزائم هذه الحقائق الثلاث: الدين والوطن والنسب، ووضع لكل حقيقة من تلك الحقائق كتاباً خاصاً بها، يبين روح الشريعة فيها، حتى يتحقق كل مسلم أن الدين هو الإسلام، وأن الوطن هو الإسلام وأن النسب هو الإسلام، وأن يسارع إلى الخير الحقيقي الذي سارع إليه أصحاب رسول الله r وتابعوهم بإحسان، طمعاً في نيل العزة لله، والسعادة في الدنيا والتمكين في الأرض بالحق والفوز برضوان الله الأكبر والنعيم المقيم في جوار رسول الله .

مؤلفاته


أولاً: النثر

ويوجد بالمؤلفات التي تركها t، وهي تحتوي العلوم والآراء التجديدية التي أوردها t وشرحها في هذه الكتب.

ونستطيع أن نقسم هذه الكتب إلى التصنيفات الآتية:

1- التفسير

وقد كان t يلقي دروساً في تفسير القرآن كل ليلة بعد صلاة العشاء، ويسجلها تلاميذه كتابة من حوله، وقد وصل في تفسيره إلى الجزء السابع عشر من القرآن الكريم، غير أن الموجود فعلاً حتى الجزء الثالث عشر، والباقي فقد مع ما فقد من كتبه tالمخطوطة.

وقد سمى هذا التفسير ((أسرار القرآن)) ونهج فيه t نهجاً فذاً، حيث أنه كشف عن جواهر المعاني القرآنية المنبثة في الكلمات الإلهية والمرادة من خطاب الله U لعباده المؤمنين مبتعداً عن العلوم الفرعية - والتي حرص المفسرون أن يحشوا بها تفاسيرهم، حتى يظهروا تضلعهم في هذه العلوم، فمن كان نحوياً اجتهد في ملأ تفسيره بالقواعد النحوية والاعراب، ومن كان بلاغياً كان كل همه اظهار ما في الآيات من دلالة الألفاظ وبلاغتها، ومن كان ذا فلسفة خاصة، دسها وأسهب في شرحها عند تفسيره للآيات القرآنية، وكل هذا يخرج القارئ عن المعنى المراد - حتى لا ينصرف ذهن السالك عن معاني كلام الله، ولا يلجأ إلى أي من هذه الفنون إلا إذا كان المعنى يحتاج إليها لزيادة إيضاح، فيكون الاعراب مثلاً لابد من توضيحه لتعلقه بالمعنى الذي تبرزه العبارات، لأن أهم ما يحرص عليه t في تفسيره، أن يربط المؤمن بربه عند تلاوته لكلامه حتى ينمو بداخله الحس الروحاني الذي يصور له أنه يناجي ربهU بكلامه، وهو I يكشف له أو يلهمه بمراده U في كلامه، ولذا يقول t كاشفاً الأصل الذي بنى عليه تفسيره :

((ليس الشأن أن تفهم القرآن ولكن الشأن أن تكاشف بمراد الله U في القرآن، لأن الفهم يختلف من شخص إلى شخص على حسب قدرات كل الذهنية والعقلية، ولكن مراد الله U الذي من أجله أنزل كتابه واحد وإن كان لا يصل إلى معرفته إلا من استنار قلبه بنور ربه U)).

وهذا ما جعله t يحكم على كل من فسر القرآن برأيه بدون بصيرة بأنه أخطأ القصد، لأن مراده قد يتعارض مع مراد الله Uفيقول:

(( لو جمع رجل كل علوم الأولين والآخرين ثم قال في القرآن برأيه بغير بصيرة من ربه فقد أخطأ ولو اصاب ))

2- العقيدة

وهي الكتب التي يشرح فيها العقيدة للمسلمين، ويرد فيها على سموم المستشرقين وهي:عقيدة النجاة.وسائل إظهار الحق.تفصيل النشأة الثانية.

3- الأحكام وحكمتها

وهي الكتب التي فصل فيها الأحكام الشرعية وبين حكمة هذه الأحكام وهي:أصول الوصول إلى معية الرسول.هداية السالك إلى علم المناسك.صيام أهل المدينة المنورة.الفتاوي العزمية.

6- السيرة النبوية:

وقد طبع منها كتب: بشائر الأخيار في مولد المختار. النجاة فى سيرة رسول الله. السراج الوهاج في الإسراء والمعراج

ومن اراد المزيد فعليه بكتاب  الامام ابو العزائم المجد الصوفى لفضيلة العارق بالله الشيخ فوزى محمد ابوزيد

التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:




شارك فى نشر الخير