آخر الأخبار
موضوعات

الاثنين، 8 أغسطس 2016

- مقام التهذيب وانواعه

عدد المشاهدات:

التهذيب عند السالكين
التهذيب عند السالكين هو تهذيب الخدمة، بأن تكون خدمة السالك مطابقة للعلم، مجردة عن الجهالة، لا تكون عن عادة ولا تقف عند همة، فإن كانت الخدمة قد خالطتها الجهالة، ومازجتها العادة، ووقفت عندها الهمة، كان السالك كحمار الرحى، لا ينتقل من منزله الذى هو فيه إلى غيره، هذا هو السبب الذى جعل السالكين لا تنبلج لهم أنوار الآيات ولا تلوح عليهم احوال المناجاة، ولا يتذوقون للإيمان حلاوة، ولا للتقوى لذة، وأنهم كالآلة المحركة بغيرها، وبذلك يكون السالك مردوداً عليه علمه لجهله بصحة العمل، مشركاً لنسبة عمله لنفسه، واقفاً لتقليده فى العمل غيره.

التهذيب عند الواصلين

أما التهذيب عند الواصلين فهو تهذيب الحال، بتخلية الهمة فى الحال عن أن يتجمل به، تقليداً لصاحبه، أو بعد العلم بأسرار أهل الأحوال، وألا ينقاد لهم برسوم، فإن كان عن علم بالحال فتكلفه، أو خضوع لصحاب الحال، فليس بحال صادق، إذا الحال بوادة من الحق تصول على أهله قهراً، فيظهر منهم ما بينته لك فى الحال قبل ذلك، ولا يلتفت صاحب الحال إلى حظ عاجل أو آجل، فإن التفت صحاب الحال إلى الحظ، كان حاله معللاً، ومتى كان الحال معللاً، أدى إلى ضلال صاحبه، والإضلال به، إذ الأحوال عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورثت، وبالسير على صراطه المستقيم نيلت، وبالقهر على التحلى به ظهرت، فقد يلقى بنفسه إلى النار، وقد يعلو على السبع، وقد يلقى بنفسه من شاهق جبل، أو يلقى نفسه فى اليم، وقد ترك الطعام والشراب الأيام الكثرة، وقد ينفتق نور لسانه، فيبين من أسرار الحكمة وغوامضها بلا قصد ما لا يمكن أن يبين إلا بورح الإلهام، فكيف يكون هذا الحال مشوباً بحظ؟! فيجب على الواصل أن يجرد حاله من تلك المعانى الثلاث، فإن ألم بنفسه لمة من تلك المعانى، خاف من الله أن يتجمل لخلقه بما ليس له حقيقة فى قلبه، قال صلى الله عليه وسلم: (من جمل باطنه لله جمل الله باطنه وعلانيته، ومن جمل علانيته للخلق قبح الله باطنه وعلانيته)، فمن تجمل للخلق كشف الله ستره عنه وأذله أمام عباده، وإنما الضلال يأتى من الضلال، يجملون ظاهرهم لعباد الله المسلمين، المشتاقين إلى الحكمة، فتميل إليهم نفوسهم، فيضلونهم عن الحق قال الله تعالى: (فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ) سورة يونس آية 32.



التهذيب عن أهل التمكين

هو تهذيب القصد، والإشارة فيه أولى من العبارة، لأن مشاهدهم فى التهذيب فوق أن يصرح بها، والأمر ثلاثة: قاصد، وقصد، ومقصود.



ولما كانت منزلة التهذيب تتعلق بالقصد دون القاصد والمقصود، وإن كان المقصود ملحوظاً فيها بالنسبة، لأن القصد به ينال المقصود، إذا كان على الوجه المناسب، والتهذيب لابد أن يراعى فى هذا المقام بوجه أكمل، لأن مقام التمكين يبسط فيه بساط المؤانسة، وتجلى فيه أنوار المواجهة، وتلوح فيه أسرار المنازلة، والأدب فيه أولى بأن يتبع، وهفوة فيه سقوط من عالين، أعوذ بالله من سوء الأدب فى مقام البسط فى نزل التهذيب، فالمتمكن يصفى القصد من أن يشوبه شائبة إكراه، لأن الشعور بالإكراه فى مقام القصد فى التمكين برهان على التفات المقصود عن القاصد.

والإلتفاتات فى المقامات العلية لا تتدارك، قال صلى الله عليه وسلم: (شيبتنى هود وأخوتها) ومراده صلى الله عليه وسلم بهذا والله أعلم بمراده، أن الله تعالى ذرك البعد فى مقام البعد، فقال تعالى: (أَلَا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ) سورة هود آية 95، وذكر البعد فى مقام البعد يشيب الحبيب القريب فى مقام القرب، لأنه يعلم أن من صفة حبيبه أن يبعد، فكان ذكر البعد فى مقام البعد موجب لشيب السيد الشفيع، الحبيب القريب، الذى لأجله أكرم الله الخلق أجمعين، من الملائكة والإنس والجن، وهى أكمل إشارة لأهل مقام التمكين، يحفظهم الله بها من الأمن فى مقام البسط.



فإذا صفى القصد من شوب الإكراه، قام بجهاد أكبر، مستعيناً بالله تعالى أن يحفظ القصد من أن يعتروه فتور، فإن الفتور فى منزلة التهذيب فى مقام القصد لأهل التهذيب دليل على حرمان الإمداد الروحانى، والتفات الوجه الجميل، نعوذ بالله والمطلوب للقرب تدوم بهجته، وتعلو همته، وتسمو عزيمته، وأهل العزائم من المرادين للحضرة وصفهم الله تعالى: فقال جل جلاله: (كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ  وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ  وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ  وَفِي الْأَرْضِ آَيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ  وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ) سورة الذاريات آية 17-22، وقد جعل الله تعالى الليل لباساً، فلبسوا فيه حلل الهمة، وفارقوا فيه مضاجعهم، وخالفوا فيه هجوعهم، يقظة قلوبهم، ولذتهم بالقيام بين يدى حبيبهم، وما ساقهم من طهوره الصافى فأسكرهم به، غيبهم عن حظوظهم، فهم مع الله والله معهم، قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) سورة النحل آية 128، وقال صلى الله عليه وسلم: (كن مع الله تر الله معك)، وهل لمن رأى الله تعالى معه غاية سواه؟! أو بغية إلا رضاه، أو لذة إلا فى ذكره؟! أو حظ إلا فى المسارعة للقيام بأمره؟ أحبهم جل جلاله فأحبوه، وواجههم بوجه الجميل ففروا منهم إليه، فلم يسر بهم وطر إلا إليه، ولا تلم بهم همة إلا له، صغرت والله فى قلوبهم الدنيا والآخرة، عندما وقع بهم العلم على عين اليقين، وكبرت نفوسهم عليهم أن تذل لغيره، وهو العلى العزيز العظيم، وهم كما قال الله تعالى: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ) سورة المنافقون آية 8، كيف يعتور هممهم العلية فتور وقد أمدهم بروح منه؟ أو يشوب قصدهم إكراه وقد تولاهم جل جلاله؟ قال تعالى: (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ) سورة البقرة آية 257، فإذا حفظ الله القصد من أن يمازجه الفتور، ورقى المتمكن من تلك المنزلة، نازعه العلم فقام مجاهداً الجهاد الأكبر، حتى يتخلى قصده من منازعات العلم.



وقد سبق لى بيان أن العلم له منازعات، ربما أوقفت المتمكن فى سيره، لما ينكشف له بالعلم فى المقامات من أنوار الأسماء والصفات، الحاجبة للآيات والكائنات، وقد بينها الله فى صريح الكتاب، فتحصل المنازعة بين العلم والقصد، فإن القصد كما قررت لك، لابد وأن يكون بين قاصد ومقصود، والعلم إذا وقع بالمتمكن على عين اليقين، أو حقه سترت أنوار الأسماء ما سوى الحق، قال الله تعالى: (سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فى الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) سورة فصلت آية 53.



فإذا أسلبت تلك الستارة بصولة الحق على الروح الملكية، حصلت المنازعة الكبرى بين العلم والقصد، فإذا حصلت المجاهدة الكبرى حتى يظهر القصد من منازعات العلم، أمده الله بروح منه، فشهد الحضرتين، وتميز فى عين سره المكانتين، فكان عبد عبودة لذات الله، وصفاً له نزله، وطاب له وقته، وخلا حاله، وصح مقامه، قال الله تعالى: (وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) سورة آل عمران آية 101، والله تعالى أسأل أن يمدنا بروح منه، وأن يهب لنا مشاهد المقربين، وموارد المحبوبين، ومنازل المرادين لحضرته، الذين أخبر الله تعالى عنهم يقوله: (يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ) سورة الزخرف آية 68.

وقد بينت لك فى تراجم الرجال نبذاً من أنواع التهذيب، لتعلم أنها سنة أئمة الطرق الماضية، ولا أحظر عليك أيها المسترشد أن تجاهد نفسك بنوع من التهذيب، لا تتعدى بها الحد الوسط، ما دمت لم تجد المرشد الكامل، الجامع بين روح الشريعة وظاهرها، والعالم بطرق تزكية النفوس وتهذيبها، فتأدب له، واعرض عليه أحوالك جميعها، وأمراضك خفيها وعلنها، فإنه هو الطبيب الرفيق، العالم بالسبل التى توصلك إلى الحق جل جلاله.
التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:




شارك فى نشر الخير