آخر الأخبار
موضوعات

الثلاثاء، 9 أغسطس 2016

- المسلم الحقيقي أمة عظيمة

عدد المشاهدات:
المسلم الحقيقي هو الْمُسَلَّمُ أمره لله تعالي تسليما حقيقيا عن تبصره وهدي ومعرفة وبيان. نظر بنور قلبه إِلي نفسه فعلم حقيقة عجزه إِذا اشتغل بتدبير نفسه، وتحقق قصوره الذاتي- إذا اقتصر علي رؤيته- عن إدراك الكمالات التي أعدها الله تعالي للمسلم الحقيقي، ونيل السعادة الأبدية التي وعد الله المسلم بها في جوار حضرته العلية ومنازل رضوانه، وتحقق اضطراره إِلي نيل الكمال الدنيوي والأخروي اللذين بفقد أحدهما يُحْرَمُهُمَا، لأن طلب الدنيا للمسلم بالمعني الحقيقي والعمل فيها طلب للآخرة ولله تعالي وعمل لجنابه العلي سبحانه. وأن المسلم مطالب بحقوق بقدر أنفاسه، لا يمكنه أن يقوم بجميعها إِذا أهمل في نَفَسٍ من أنفاسه، أو ظن لجهله أن السعادة قاصرة علي عكوف الهم علي عمل واحد دون غيره، فإِنه بذلك يضيَّع الدنيا والآخرة. وكيف لا؟ وهو كما أنه مطالب بحق عليه لنفسه من تدبيرها وتزكيتها وتقويم معوجها وحفظ الصحة عليها، فهو كذلك مطالب بحقوق مثل هذه الحقوق وهي أوكد لكل مسلم من المجتمع الإِسلامي العام أين كان المسلم وكيف كان، بحيث تتفاوت الواجبات إِما بتبدير خاص ومعونة، أو بتدبير عام ونصيحة ومشورة، بحيث يكون كل مسلم لكل مسلم خزانة مدخرة عند الحاجة إِن بمعونة أو بنصيحة أو برأي أو يمنع عن ظلم، أو يتضامن علي إِحياء سنة أو محو بدعة وضلالة، أو مشاركة بالضمير والشعور الذي يطلق الألسنة بالدعاء والتضرع إِلي الله تعالي أن يكشف السوء الذي لا قبل للكل بدفعه عن أنفسهم.

وبهذا يكون المجتمع العام الإسلامي كجسد واحد يمثل كل فرد من أفراده عضوا من الأعضاء، فيكون الإمام الأعظم لهم هو القلب، وكل فرد بقدر منزلته عضو من الأعضاء الباقية، وبذلك يكون كل مسلم منهم كاملا في إِسلامه، عاملا للدنيا والآخرة ، عاملا من عمال الله المخلصين، بل ويكون كل واحد منهم خليفة لرسول الله صلي الله عليه وسلم في القيام بمعني من معاني الرسلة، ويكون المجموع بأكمله صورة كاملة لرسول الله صلي الله عليه وسلم تمثل أخلاقه صلي الله عليه وسلم، ومعانية صلي الله عليه وسلم، وأحواله صلي الله عليه وسلم، ويكون كل فرد من أفراد المسلمين كأنه في معية رسول الله صلي الله عليه وسلم، لأنه متجمل بجمال أهل معيته صلي الله عليه وسلم، متصف بما وصفهم الله تعالي به رضي الله عنهم.

وبهذا يكون المسلم الواحد أمة عظيمة قوية، لأنه جاهد نفسه مجاهدة في ذات الله حتى تحققت أن الله تعالي أولي بها منها وأعلم بخيرها منها، وأقدر عليها منها، وإِن العقل الإنساني وإن كمل، والفكر الآدمي وإِن رَقَيَ، لا يستقل بإدراك ما هو خير في الحقيقة ونفس الأمر، ولا يقتدر أن يقهر النفس علي الأعمال التي بها نيل السعادة الحقيقة لما جبلت عليه النفس من حب النزوع إِلي  الملائم والرغبة في العاجل، فكانت أحكام الله  تعالي ووصاياه، وتعاليم رسول الله صلي الله عليه وسلم، وهَدي أصحابه رضوان الله عنهم والتابعين لهم بإحسان هي المراقي التي يرقي بها المسلم منازل السعادة الحقيقية في الدنيا والآخرة، ونيل الخير الحقيقي في الدنيا والآخرة.
فلو أن مسلما واحدا جعل القرآن إمامه وحكم علي نفسه بوصايا رسول الله صلي الله عليه وسلم، واقتدي بهدي  السلف الصالح محافظا علي الكتاب والسنة، عاملا بهما حق العمل، فإنه بمفرده يمكنه أن يسود من هو بينهم، وأن يجعلهم جميعا بدينون بدينه ويعتقدون  اعتقاده لأنه باتياعه للقرآن الشريف وعمله بالسنة يكون عاملا نافعا لنفسه ولجميع بني جنسه بالشفقة والرحمة والفضيلة والنصيحة والإرشاد والمعونة والمشاركة، لأن المسلم الحقيقي أوجب عليه القرآن أول ما أوجب تعلم العلم الحقيقي النافع للدين والدنيا معا. فيتعلم العقيدة الحقة والعبادة المطابقة للسنة، والأخلاق الكريمة التي هي أخلاق رسول الله صلي الله عليه وسلم، والمعاملة الحسنة التي تجعله يألف  ويؤلف، والفنون والصنائع التي تنفع بني جنسه لينتفع بما لديهم مما لابد منه له حتى يكون نافعا منتفعا، ويكون ما يقدمه لغيره من المنافع أعم ونفع مما يناله من غيره. فمسلم مثل هذا إِذا وجد منفردا بين أمم النصارى أو اليهود أو المجوس أو الأمم المتوحشة لا يلبث إِلا قليلا حتى يكون كشمس مضيئة، يستضيء بنور عقيدته الحقة العقلية ويقلده في أعماله النافعة وأخلاقه المرضية ومعاملته الحسنة ومزاياه الجميلة كل من رآه أو سمع به، لأنه إنسان تكمل بجمال يشتاق إِليه كل إِنسان ويدعي أنه متكمل به ولو كان في دركات الجهل والشرور، لأن الإنسان بفطرته يمدح الخير ويذم الشر وإِن عمل الشرور.




ورُبَّ قائل يقول: إنا نري أكثر الناس أعداء للرسل عليهم الصلاة والسلام ولورثتهم القائمين لتجديد سننهم. فأقول له: لم يكن أكثر الناس أعداء للرسل، وإنما أعداء الرسل هم المتسلطون علي العامة بالقوة القاهرة أو لدعوي الصبغة الدينية بالزور والبهتان، ونري العامة يقلدون الزعماء بغير روية ولا تمييز بين الحق والباطل، ولكن بعد ظهور الحق وانبلاج أنواره تتقلص ظلال الباطل وتنجذب  القلوب إِلي الحق. وكم هوت عروش ملوك، ومالت تيجان عن الرؤوس، وفُلِقَتْ هامات ملوك بأيدي أعوانهم وأنصارهم والمعضدين لهم والمتعصبين لهم عندما انبلجت أنوار الحق وأشرقت علي القلوب وأسكرت النفوس بما ثلجت به القلوب، عند ذلك تنجذب النفوس بكليتها إلي الحق، وتري من كان يمنعها عنه ويُزَيَّن لها الباطل كأنه أوقعها في الشقاء الأبدي، وأبعدها عن السعادة الدائمة، فتقوم منتقمة منه مَاِحِقَةً  له ولذويه. فالمسلم الكامل منفردا يتلذذ بالآلام ويفرح بالشدائد  ويميل إِلي المصاعب ليقينه أنها تنتج السعادة الحقيقية له ولبني جنسه، ويفيد العالم بأجمعه من نوعي الإنسان والحيوانات خيرا عاما وعيشة طيبة في الدنيا ، وسعادة دائمة في الآخرة.



لقائل أن يقول: إذا كان المسلم منفردا لا يقيم بين قوم يخالفونه إلا قليلا حتى يصير مُقْتَدًي به من الجميع أومن عقلائهم ، فلو كان هذا كما تقول فمالنا نري أربعمائة مليون مسلم كلهم يقلدون غيرهم؟ وهم أنفسهم يعتقدون أنهم لا يمكنهم الاستقلال بأنفسهم ولا تدبير مصالحهم إِلا إِذا أدار شئونهم غيرهم، ونراهم يسارعون في تقليد الأمم الأخرى الذين يخالفونهم في الدين والعقائد والأخلاق والبلاد والهواء، والمسلمون جميعا الآن كعالة علي غيرهم يُعْملُ فيهم بغير كتابهم، ويُحْكَمُ عليهم بغير سنة نبيهم. القبيح شرعا صار حسنا لديهم، والحسن شرعا صار غير مألوف لديهم. وهذا المشهود المحسوس يغاير ما تقول. فأجيبه قائلا: إِنك بعد معرفتك بالمعاني والصفات التي لا يكون المسلم مسلماً إِلا بها يمنك أن تحكم أن مجموع الأربعمائة مليون الذين تسميهم مسلمين لو اجتمعوا جميعاً لم يُمَثَّلُوا مسلماً بمعناه الحقيقي، لأن مجموع المعاني التي يتمسكون بها من الوصايا الإسلامية بعض أعمال بدنية معتادة مجردة عن روح المراد منها. وجميع الوصايا الإسلامية أهملت أو أبدلها أهل الأغراض والحظوظ بما تأولوه بآرائهم الملائمة لهم، أو قلدوا فيه أهل الجهالة والبدع حتي صار الإسلام غريبا بين أهله، وبهذا تتحقق أن الوصايا الإسلامية لو تمسك بها واحد لأمكنه أن ينفع أمة عظيمة . ولو أن جماعة تمسكوا بحقيقة الإسلام وفهموا أمر الله سبحانه وتعالي من تنزيل أحكامه وبيان حكمه، والمراد لرسوله صلي الله عليه وسلم، لملكوا المعمورة وذانت لهم أكابر ملوكها وأذلوا أعداءهم
ولعلك أيها المفكر تقول: إن أربعمائة مليون لابد وأن يكون بينهم أربعة ملايين فهموا أسرار الشريعة، استبصروا في أحكامها وحِكَمِهَا، فلِمَ لم تتكون منهم هيئة تبث  روح اليقين وتجدد دارس الأخلاق، وما أهمل من السنن الإسلامية؟ وهل السواد الأعظم من أهل الطرق والعباد وطلبة العلم كل هؤلاء ليس بينهم من أدرك تلك المعاني وفهم روح الشريعة حتى كان يوجد منهم من يجدد للمسلمين أمر دينهم؟ فأقول: معلوم أن الأمة لا يمكن أن تنشر بينها الصناعة الحقيقية المؤسسة علي القواعد العلمية والأصول التجريبية إِلا بصانع انكشفت له أسرار الصنعة، وتحقق من معرفة ما ينتج من المنافع والفوائد والمضار، وفهم فهما حقيقيا خيرية تلك الصنعة، وبذل للتحصيل عليها نفيس زمنه ونفائس أمواله، وفارق لأجلها عزيز أوطانه وأقرب أقاربه، معتقدا أن ما يناله خَيْرٌ من النفس والنفيس، وخير من الوطن  والأهل، ثم يرجع إِلي وطنه وأهله فينشر بينهم تلك الصنعة المفيدة النافعة، فيصبحون جميعا صناعا متقنين. فهل لو اجتمعوا جميعا يمثلون هذا الصانع منفردا؟ لا: فكذلك تري أن بين المسلمين كثير مؤهلين لأن يكونوا مسلمين بالمعني الحقيقي، وأكثرهم أهل التسليم والانقياد الذين يسلمون أنفسهم لعلماء السوء ودعاة الضلالة، معتقدين أن ما يتعلمونه أو ما يلقي إِليهم أو ما يؤمرون به هو روح الإسلام وحقيقته، والحقيقة أن كل ذلك ليس من الدين في شيء، فإن القرآن الشريف والسنة المحمدية السمحاء الحنيفية البيضاء قد بيَّنا أوصاف المسلم وأعماله القلبية والبدنية والمالية منفردا في نفسه، ومع أفراد عائلته، ومع جيرانه وأهل قريته، ومع أهل الأمصار، ومع كل المسلمين، أين كانوا وكيف كانوا وبَيَّنا منزلة كل فرد من أفراد المسلمين بالنسبة لبقية المسلمين.

وقد وصف الله سبحانه وتعالي المؤمنين في كثير من آيات القرآن وبين صفاتهم في آخر سورة الفتح وفي أوائل الأنفال وغيرهما، وبين صلي الله عليه وسلمن أوصاف المسلمين وأخلاقهم وما يجب أن يكون عليه كل فرد في نفسه ومع بقية المسلمين في أكثر من ألف حديث، منها قوله صلي الله عليه وسلم: (كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَي ثَغْرٍ مِنْ ثُغُورِ اْلإسْلاَمِ، فَإذَا تَهَاوَنَ إِخْوَانُك فَاشْدُدْ لِئلاَّ يَدْخُلَ اْلعَدُوُّ مِنْ قِبَلِكَ) بين صلي الله عليه وسلم في هذا الحديث أن كل فرد من أفراد المسلمين مطالب بنفسه أن يحافظ علي السُّنَّة والكتاب، ولو ترك العمل بهما كل مسلم، قال صلي الله عليه وسلم في الحديث الطويل: ( اْلمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ يَدِه وَلِسَانِهِ، وَاْلمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَ جارُهُ بَوَاثِقَهُ) فلو أن أربعين متحققين بالصفات الإسلامية والكمالات الإسلامية لجدَّدوا مجد الإسلام وأعادوه كما كان. وأسأل الله تعالي أن يهدينا صراطه المستقيم، صراط الذين أنعم عليهم من النبيين والصدّيقين والشهداء، وأن يعيذنا من الاقتداء بالمغضوب عليهم من اليهود، ويالضالين من النصاري، إِنه علي كل شيء قدير وصلي الله علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم.

الشفاء:

هو كتاب الله تعالي وسنة رسول الله صلي الله عليه وسلم، لأن الكتاب والسنة من عمل بهما مصدَّقا مقرًّا زكت نفسه، وأشرقت عليه أنوار اليقين فتحقق قدر الدنيا والآخرة، فيعمل في الدنيا ليجمعها وينفع به جماعة المسلمين لنوال الآخرة، وبذل نفسه لنوال رضاء الله تعالي. وقد جمعت السنة حقيقة العقيدة وأجمل المعاملات وأكمل العبادات والقربات والأخلاق والسياسات النبوية التي بها سعادة الدنيا والآخرة.

التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:




شارك فى نشر الخير