عدد المشاهدات:
ليس لقوة فكرية ــ وإن صفت ــ ولا لنفس طيبة ــ وإن زكت ــ أن تهم بأمر أو عمل من الأعمال إلاَّ ولها من الحظوظ الخفية، والدسائس الباطنية ما يخفى عليها، لتحسين هوها وحظها لبعض الأعمال دون بعض، ولنشاطها للقيام بشئون دون أخرى، ولذلك فكل فرد جنح إلى السلامة؛ ورغب نوال السعادة؛ وجب عليه أن يحتاط كل الاحتياط فى أن يكون كل همه وعزمه وتوجه وعمله وحاله وقاله موزونا بموازين السنة، منطبقاً عليها، مع الحظ الوسط فى كل وجهه، بدون غلو ولا تفريط أو إفراط. وبعد هذا الوزن الدقيق يلزمه أن يحاسب سريرته عند الهَمَّ به، محاسبة مراقب محتاج إلى أن يكون هذا العمل موجباً للرضا والقبول والثواب من الله تعالى، حتى إذا صدر عنه هذا العمل بعد هذه الملاحظات والمحاسبات الدقيقة؛ يعمله خائفا من الله تعالي، خوف مَن ربما كان عمله عمل مردود، أو حالة حال مستدرج، ويتباعد عن كل صفة اتصف بها أهل النفوس الشريرة. من الحسد والخداع وحب الشهرة والميل إلى السمعة والسعى وراء التفرقة، بأن يرى نفسه دون كل عباد الله، وفى حاجة إلى الإمداد منهم، ويهتم فى استجلاب رضاهم بما يمكنه من إطاعة أوامرهم التى لا تؤدى إلى مخالفة أو معصية، خشية من تنفير القلوب، وتفرقة الجماعة. ويجعل كل سعيه وراء نوال القرب من الولى الحميد، والرضا منه سبحانه وتعالى، بدون نظر إلى الخلق، أو زهرة الدنيا وزينتها، والعلو فيها،فإن من اشتغل بهذه الأشياء ربما أبعده شغله عن نوال القرب، أو حرم الرضا، أو نال السخط والمقت. وطالِبُ الحق مهتم كل الاهتمام بنوال لحظة مودة من جنابه العلىّ، والخلق بأجمعهم مفقودون من قلبه وعينه. فعلى من أحب أن يكون من عمال الله تعالى؛ وأنصار سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أن يجعل نفسه عاكفا على ما يقرب ويؤلف الخلق، ويودد البعيد، ويحبب البغيض، حتى يعد من أهل الخصوصية، فإنه إذا تخلق بغير ذلك عد من أهل البعد، والله سبحانه وتعالى يتفضل على أحبابه بجمال أنبيائه، حتى لا يخالفوا ما كانوا عليه فى لحظة أو طرفة، وبذلك يكون من تجمل بهذا الجمال مع النبيين والصديقيين والشهداء والصالحين، والله يجمعنا على الحق، ويحفظنا من التفرقة آمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.