عدد المشاهدات:
ليس المطلوب من العبد أن يكون متميزا بالعصمة من الوقوع في الخطأ مع الخلق أو الخالق، فهو في النهاية بشر والخطأ والنسيان من طبائعه لكن المطلوب أن يكون قريب العودة إلى الحق سريع الأوبة إلى الله تعالى ، ليكون ممن قال الله فيهم: (..والذين إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ).
والمطالع لسير السلف الصالحين رضي الله عنهم لن يجدهم متميزين بالعصمة لكنه يقينا سيجدهم ممن قلت أخطاؤهم ومع ذلك فهم أحق الناس بأن يكونوا ممن قال الله تعالى فيهم: (...إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ). هذه المبادرة إلى التوبة وتلك المسارعة إلى الرجوع للحق هي ولا شك خير من التمادي في الباطل استجابة لأهواء النفوس ونزغات الشياطين وتكبرا عن الاعتراف بالخطأ لا سيما عند الخصومات.
اختلاف الطبائع
كثيرا ما تكون بعض الطبائع التي لم تهذّب سببا من أسباب زلة القدم والوقوع في بعض الخصومات، ومن المعلوم يقينا أن طبائع الناس وأخلاقهم تختلف اختلافا كبيرا بيِّنا ، فمنهم السهل ومنهم الحزن ، منهم المتواضع ومنهم المتكبر ، منهم سريع الغضب قريب الفيئة ( أي قريب الرجوع إلى الحق) فهذه بهذه، ومنهم من يكون بطيء الغضب بطيء الفيئة فهذه بهذه. لكن مما لا شك فيه أن خيرهم بطيء الغضب سريع الفيئة وشرهم سريع الغضب بطيء الفيئة ، الذي لا يكاد يقر بخطأ أو يعترف بذنب فيبدي الأسف أو يبادر بالاعتذار ، فنفسه الأمارة بالسوء قد غلبته وقهرته فلم تدع له مجالا لسرعة الرجوع إلى الحق.
اضبط عواطفك وعد إلى الحق بسرعة
فحبل الخيرية بيدك أيها المؤمن، وما عليك إلا أن تضبط عواطفك فلا تغضب ولا تسيء، وإن لم تتمالك نفسك فلا يطل عليك الأمد ويتراكم على قلبك الران وإنما تفيء إلى دائرة الحق بسرعة، وترجع إلى جادة الصواب على عجل.
ولم يخل بيت من بيوت رسول الله صلى الله عليه وسلم من خصومات تقع بين زوجاته، ولكن انظروا إلى شهادة عائشة رضي الله عنها في ضرتها زينب رضي الله عنها وإلى ما ذكرت من خلق زينب: (.. ولم أر امرأة قط خيرا من زينب وأتقى لله، وأصدق حديثا، وأوصل للرحم، وأعظم صدقة، وأشد ابتذالا لنفسها في العمل الذي تَصَدّق به وتقرّب به إلى الله تعالى، ما عدا سورة من حدّة كانت فيها تسرع منها الفيئة). فلم تكن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تنكر على أم المؤمنين زينب سوى حدة في طبعها، ولكنها رضي الله عنها كانت تسارع فتستدرك وتصلح ما نتج عن حدتها.
ولذلك حين تعرض الأعمال يومي الاثنين والخميس يغفر لكل مؤمن إلا المتخاصمين فيقال: ( أنظروا هذين حتى يصطلحا). وفي رواية ( اتركوا هذين حتى يفيئا) ، ( وخيرهما الذي يبدأ بالسلام).
والمتوقع من المؤمن الصادق أنه يسرع الفيئة ويسابق إلى الصلح، أما من يلجُّ في الخصومة ويغرق في التمادي فإن ( أبغض الرجال إلى الله الألدُّ الخَصِم). وفسره ابن حجر رحمه الله تعالى بأنه: شديد العَوَج، كثير الخصومة.
بل إن من صفات المنافق أنه: ( إذا خاصم فجر)، يقول ابن حجر رحمه الله ( والفجور الميل عن الحق و الاحتيال في رده)، وكم يكون عظيما ذلك الذي يذل للمؤمنين، ويؤوب إلى الرشد، ويعجل إلى ربه ليرضى عنه.
أبو بكر يضرب أروع الأمثلة
ولقد ضرب أبو بكر الصديق رضي الله عنه مثلا رفيعا في سرعة الفيئة حين علم أن مسطح بن أثاثة الذي يأكل من نفقة أبي بكر كان قد شارك في اتهام ابنته السيدة عائشة بحديث الإفك، فأقسم أبو بكر ألا ينفق عليه، ونزل قوله تعالى: (وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)، فما أن سمع أبو بكر خاتمة الآية حتى صاح: ( بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي) وتغلّب على عواطفه التي تدعوه للثأر لِعرْض ابنته البريئة ( فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه، وقال : والله لا أنزعها منه أبدا).
الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل
ليس العيب في الوقوع في الخطأ إذ ( كل بني آدم خطّاء، وخير الخطاءين التوابون)، وإنما تكمن المصيبة في الإصرار على الخطأ والتمادي في الباطل، مع أن أبواب الرحمة مُفتّحة تدعونا لسرعة الفيئة ( إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها) وتستطيع تجاوز العقبة بأن تكون صريحا مع نفسك وتعترف بخطئك، وهذه بداية طريق التوبة والفيئة إلى الله ( فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب تاب الله عليه) وإذا كان ربنا يدعونا إلى سعة رحمته ويقابل ضعفنا بإحسانه فما الذي يبطئ بنا عن إصلاح أنفسنا، وما الذي يحول بيننا وبين الفيئة السريعة والرجعة النصوح؟ وقد جاء في الحديث القدسي: (.. وإن تقرب إليّ شبرا تقربت إليه ذراعا، وإن تقرب إليّ ذراعا تقربت إليه باعا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة).
فهرول أيها العبد إلى رحمة الله وإياك والتسويف.
إن الذي يحول دون التعجيل بالتوبة الوقوع في قيد الإصرار، ولقد ترجم البخاري أحد أبواب كتاب الإيمان بقوله: ( خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو لا يشعر... وما يُحذر من الإصرار على النفاق والعصيان من غير توبة لقول الله تعالى: (وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ)، ويعلق ابن حجر على هذا الباب: ( .. وكأن المصنف لمّح بحديث عبد الله بن عمرو المخرج عند أحمد مرفوعا قال: " ويل للمصرّين الذي يصرّون على ما فعلوا وهم يعلمون" أي يعلمون أن من تاب تاب الله عليه ثم لا يستغفرون. قاله مجاهد وغيره). وصورة الإصرار كما فسرها الشوكاني رحمه الله: ( العزم على معاودة الذنب وعدم الإقلاع عنه بالتوبة منه). فهل يختار المؤمن مصير الويل أم يقاوم هواه ويستعلي على نزوات الشيطان لينطلق من قيدها ساعيا إلى رحمة الله؟.
إن خلق سرعة الفيئة من أول ما يطالعك في أول منازل الآخرة حيث تأتيك البشرى بالخير ويقول لك عملك : (أنا عملك الصالح، كنت والله سريعا في طاعة الله، بطيئا عن معصية الله؛ فجزاك الله خيرا) أو تأتيك البشرى بالشر ويقول لك عملك: ( أنا عملك الخبيث، كنت بطيئا عن طاعة الله، سريعا في معصية الله؛ فجزاك الله شرا).
فإذا أسأت فأحسن، وإذا أذنبت فاستغفر؛ لعل عملك يشهد لك بالسرعة في طاعة الله ، وإذا أخطأت في حق أحد فبادر بالاعتذار ، واستحضر قول بعض الأئمة :( لأن أكون ذنبا في الحق خير من أن أكون رأسا في الباطل).
وفقنا الله والمسلمين لكل بر وخير، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.
والمطالع لسير السلف الصالحين رضي الله عنهم لن يجدهم متميزين بالعصمة لكنه يقينا سيجدهم ممن قلت أخطاؤهم ومع ذلك فهم أحق الناس بأن يكونوا ممن قال الله تعالى فيهم: (...إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ). هذه المبادرة إلى التوبة وتلك المسارعة إلى الرجوع للحق هي ولا شك خير من التمادي في الباطل استجابة لأهواء النفوس ونزغات الشياطين وتكبرا عن الاعتراف بالخطأ لا سيما عند الخصومات.
اختلاف الطبائع
كثيرا ما تكون بعض الطبائع التي لم تهذّب سببا من أسباب زلة القدم والوقوع في بعض الخصومات، ومن المعلوم يقينا أن طبائع الناس وأخلاقهم تختلف اختلافا كبيرا بيِّنا ، فمنهم السهل ومنهم الحزن ، منهم المتواضع ومنهم المتكبر ، منهم سريع الغضب قريب الفيئة ( أي قريب الرجوع إلى الحق) فهذه بهذه، ومنهم من يكون بطيء الغضب بطيء الفيئة فهذه بهذه. لكن مما لا شك فيه أن خيرهم بطيء الغضب سريع الفيئة وشرهم سريع الغضب بطيء الفيئة ، الذي لا يكاد يقر بخطأ أو يعترف بذنب فيبدي الأسف أو يبادر بالاعتذار ، فنفسه الأمارة بالسوء قد غلبته وقهرته فلم تدع له مجالا لسرعة الرجوع إلى الحق.
اضبط عواطفك وعد إلى الحق بسرعة
فحبل الخيرية بيدك أيها المؤمن، وما عليك إلا أن تضبط عواطفك فلا تغضب ولا تسيء، وإن لم تتمالك نفسك فلا يطل عليك الأمد ويتراكم على قلبك الران وإنما تفيء إلى دائرة الحق بسرعة، وترجع إلى جادة الصواب على عجل.
ولم يخل بيت من بيوت رسول الله صلى الله عليه وسلم من خصومات تقع بين زوجاته، ولكن انظروا إلى شهادة عائشة رضي الله عنها في ضرتها زينب رضي الله عنها وإلى ما ذكرت من خلق زينب: (.. ولم أر امرأة قط خيرا من زينب وأتقى لله، وأصدق حديثا، وأوصل للرحم، وأعظم صدقة، وأشد ابتذالا لنفسها في العمل الذي تَصَدّق به وتقرّب به إلى الله تعالى، ما عدا سورة من حدّة كانت فيها تسرع منها الفيئة). فلم تكن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تنكر على أم المؤمنين زينب سوى حدة في طبعها، ولكنها رضي الله عنها كانت تسارع فتستدرك وتصلح ما نتج عن حدتها.
ولذلك حين تعرض الأعمال يومي الاثنين والخميس يغفر لكل مؤمن إلا المتخاصمين فيقال: ( أنظروا هذين حتى يصطلحا). وفي رواية ( اتركوا هذين حتى يفيئا) ، ( وخيرهما الذي يبدأ بالسلام).
والمتوقع من المؤمن الصادق أنه يسرع الفيئة ويسابق إلى الصلح، أما من يلجُّ في الخصومة ويغرق في التمادي فإن ( أبغض الرجال إلى الله الألدُّ الخَصِم). وفسره ابن حجر رحمه الله تعالى بأنه: شديد العَوَج، كثير الخصومة.
بل إن من صفات المنافق أنه: ( إذا خاصم فجر)، يقول ابن حجر رحمه الله ( والفجور الميل عن الحق و الاحتيال في رده)، وكم يكون عظيما ذلك الذي يذل للمؤمنين، ويؤوب إلى الرشد، ويعجل إلى ربه ليرضى عنه.
أبو بكر يضرب أروع الأمثلة
ولقد ضرب أبو بكر الصديق رضي الله عنه مثلا رفيعا في سرعة الفيئة حين علم أن مسطح بن أثاثة الذي يأكل من نفقة أبي بكر كان قد شارك في اتهام ابنته السيدة عائشة بحديث الإفك، فأقسم أبو بكر ألا ينفق عليه، ونزل قوله تعالى: (وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)، فما أن سمع أبو بكر خاتمة الآية حتى صاح: ( بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي) وتغلّب على عواطفه التي تدعوه للثأر لِعرْض ابنته البريئة ( فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه، وقال : والله لا أنزعها منه أبدا).
الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل
ليس العيب في الوقوع في الخطأ إذ ( كل بني آدم خطّاء، وخير الخطاءين التوابون)، وإنما تكمن المصيبة في الإصرار على الخطأ والتمادي في الباطل، مع أن أبواب الرحمة مُفتّحة تدعونا لسرعة الفيئة ( إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها) وتستطيع تجاوز العقبة بأن تكون صريحا مع نفسك وتعترف بخطئك، وهذه بداية طريق التوبة والفيئة إلى الله ( فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب تاب الله عليه) وإذا كان ربنا يدعونا إلى سعة رحمته ويقابل ضعفنا بإحسانه فما الذي يبطئ بنا عن إصلاح أنفسنا، وما الذي يحول بيننا وبين الفيئة السريعة والرجعة النصوح؟ وقد جاء في الحديث القدسي: (.. وإن تقرب إليّ شبرا تقربت إليه ذراعا، وإن تقرب إليّ ذراعا تقربت إليه باعا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة).
فهرول أيها العبد إلى رحمة الله وإياك والتسويف.
إن الذي يحول دون التعجيل بالتوبة الوقوع في قيد الإصرار، ولقد ترجم البخاري أحد أبواب كتاب الإيمان بقوله: ( خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو لا يشعر... وما يُحذر من الإصرار على النفاق والعصيان من غير توبة لقول الله تعالى: (وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ)، ويعلق ابن حجر على هذا الباب: ( .. وكأن المصنف لمّح بحديث عبد الله بن عمرو المخرج عند أحمد مرفوعا قال: " ويل للمصرّين الذي يصرّون على ما فعلوا وهم يعلمون" أي يعلمون أن من تاب تاب الله عليه ثم لا يستغفرون. قاله مجاهد وغيره). وصورة الإصرار كما فسرها الشوكاني رحمه الله: ( العزم على معاودة الذنب وعدم الإقلاع عنه بالتوبة منه). فهل يختار المؤمن مصير الويل أم يقاوم هواه ويستعلي على نزوات الشيطان لينطلق من قيدها ساعيا إلى رحمة الله؟.
إن خلق سرعة الفيئة من أول ما يطالعك في أول منازل الآخرة حيث تأتيك البشرى بالخير ويقول لك عملك : (أنا عملك الصالح، كنت والله سريعا في طاعة الله، بطيئا عن معصية الله؛ فجزاك الله خيرا) أو تأتيك البشرى بالشر ويقول لك عملك: ( أنا عملك الخبيث، كنت بطيئا عن طاعة الله، سريعا في معصية الله؛ فجزاك الله شرا).
فإذا أسأت فأحسن، وإذا أذنبت فاستغفر؛ لعل عملك يشهد لك بالسرعة في طاعة الله ، وإذا أخطأت في حق أحد فبادر بالاعتذار ، واستحضر قول بعض الأئمة :( لأن أكون ذنبا في الحق خير من أن أكون رأسا في الباطل).
وفقنا الله والمسلمين لكل بر وخير، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.