عدد المشاهدات:
الحكمة الخامسة والأربعون بعد المئة :
إذا وقع منك ذنب فلا يكن سبباً ليأسك من حصول الاستقامة مع ربك ، فقد يكون ذلك آخر ذنب قدِّر عليك
كثيراً ما يتوب العاصي إلى الله، ويعزم على الاستقامة وعلى الإقلاع عن الذنوب، فتزلّ به القدم ثانية وتتغلب عليه نفسه وغرائزه، فيقع في المعصية من حيث لا يحتسب، فيتوب إلى الله ثانية، ويؤكد عزمه على الاستقامة على الرشد، ولكنه ما يلبث أن يعود إلى المعصية ثانية، تحت وطأة مشاعره الغريزية فيعود إلى التوبة بصدق وجد ويؤكد مرة أخرى إصراره على الاستقامة وعلى الابتعاد عن مطارح العصيان. ولكن نفسه الأمارة بالسوء تعود فتتغلب عليه.. ومع هذا التكرار الذي يتم نتيجة لتغلب النفس على صاحبها، يتسرب الشيطان إلى هذا التائب ليوسوس إليه بما يلي:
ها أنت أثبتَّ أن توبتك زائفة وأن وعودك كاذبة... فكن على يأس من صلاح حالك، وعلى يقين بأن توبتك هذه غير مقبولة؛ فخير لك أن تعود إلى شأنك الذي كنت عليه وأن تركن إلى حظوظك ورغائبك، كي لا تزج بنفسك في شقاءَيْ دنياك التي أنت فيها وآخرتك التي أنت مقبل عليها.
وهذه أخطر رقية يدخلها الشيطان في نفوس كثير من التائبين الذين وصفت لك حالهم.
فما العاصم من هذه الرقية الشيطانية؟
العاصم أن تعلم أن المعصية مهما تكررت، فعلاجها في كل مرة التوبة، فمهما تكررت المعصية وجاءت على أعقاب كل منها التوبة الصادقة، فإن المعصية تذوب وتنمحي في غمار عفو الله وصفحه.
ومصدر هذه الحقيقة التي ينبغي أن تعلمها آيات، وأحاديث.
أما الآيات فمن أبرزها وأوضحها دلالة على هذه الحقيقة قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلّا اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: 135/3]، وقوله تعالى: {وَأُزْلِفَتِ الجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ ، هَذا ما تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوّابٍ حَفِيظٍ} [ق: 31/50-32] وكلمة ((أواب))صيغة مبالغة من آيب أي راجع، ولا يكون العبد كثير الرجوع إلى الله إلا إن كان كثير الشرود عنه.
وأما الأحاديث فمن أوضحها دلالة على هذه الحقيقة الحديث القدسي المتفق عليه: يقول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيما يحكيه عن ربه: ((أذنب عبد ذنباً، فقال: اللهم اغفر لي ذنبي، فقال الله تعالى: أذنب عبدي ذنباً فعلم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنباً فعلم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب. ثم عاد فأذنب فقال: أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنباً فعلم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، قد غفرت لعبدي، فليفعل ما يشاء)).
ومن أوضحها أيضاً دلالة على هذه الحقيقة ما رواه الترمذي، وحسّنه، من حديث أنس رضي الله عنه، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((قال الله تعالى، يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم، لو بلغت ذنوبك عَنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك. يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقُراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقُرابها مغفرة)).
فهذه النصوص من القرآن والسنة صريحة وقاطعة في الدلالة على أن العبد مهما عصى الله تعالى وتاب بعد كل معصية بصدق، وعزم على ألا يعود ثانية إلى المعصية، فإن توبته المتكررة التي تأتي على أعقاب معاصيه، تكون سبباً لعفو الله ومغفرته لها.. وإنما المهم أن تكون التوبة نصوحاً وأن يكون صادقاً فيها. أي ألّا تكون خطة يهدف صاحبها إلى جعلها غطاء أو أداة لمحو ما قد عزم عليه من المحرمات.
فاعتماداً على هذه الدلائل الثابتة والواضحة، يقول لك ابن عطاء الله: إذا وقع الذنب منك بعد توبة متكررة، فلا يبعثن ذلك الذنب في نفسك اليأس من قدرتك على الاستقامة، والإقلاع عن المعصية، مهما تكرر الذنب منك. فإنك لا تدري، لعل الذنب الذي تكرر صدوره منك يكون في علم الله آخر ذنب تتورط فيه.
وانظر إلى المعنى العميق الذي يرمي إليه ابن عطاء الله، إنه لا يبعث في نفسك الأمل القوي فقط بتوبة الله عليك ومغفرته لك مهما تكررت بل توالت منك الذنوب، بل إنه يبعث في نفسك الأمل أيضاً بأن تتحرر من الذنوب التي تعاني من الوقوع في أسرها، فإن تغلُّب النفس عليك في محاولاتك السابقة، ليس دليلاً على أنك ستظل في المستقبل أسيراً تحت سلطانها، فما أدراك -وأنت تتوب إلى الله بصدق وتسأله العون على الثبات- أنه لن يستجيب دعاءك، ولن يحررك من آفات نفسك؟ إن قياسك الغائب الذي هو المستقبل، على الشاهد الذي هو الحاضر والماضي، استدلال غير صحيح، فأنت لا تدري ما الذي سيأتي به الغد، وما الذي قدّره الله لك في المستقبل.
وكم في التائبين من صارعنهم نفوسهم فتغلبت عليهم دهراً من الزمن، ثم إن الله تداركهم بلطفه وتوفيقه فاستقاموا على سنن الرشد، وانجابت عنهم غوائل نفوسهم وتفتح الطريق أمامهم معبّداً إلى الله.
والمعنى التربوي الذي ينطوي عليه هذا الكلام، هو أنك إن وثقت بأن هذا الذنب الذي وقع منك هو آخر ذنب قدّر عليك، وأقبلت إلى الله مستبشراً بهذه الثقة، ثم اهتاجت بك النفس ودفعتك إلى العصيان ثانية، فما عليك إلا أن تتعامل مع هذه الثقة ثانية، فتستيقن أن هذه المعصية الثانية ربما كانت هي، لا التي قبلها، هي آخر المعاصي التي قدرت عليك.. فإن جذبت النفس الأمارة مرة أخرى إلى المعصية واستجبت لحكمها، فاستحضر هذه الثقة بالله مجدداً وأقبل إلى الله موقناً أن هذه هي المعصية الأخيرة في سلسلة المعاصي المقدرة عليك.
والعم أن ثمرة هذه الثقة المتجددة التي ينبّهنا ويدعونا إليها ابن عطاء الله تتمثل فيما يلي:
أولاً: ممارسة ما هو مطلوب من حسن الظن بالله، في كل الأحوال.
ثانياً: إبعاد ما ذكرته لك من وسوسة الشيطان إلى العاصي الذي يتكرر منه كل من التوبة والمعصية. فإن الأمل بتوفيق الله له إذا شعّ في جنبات نفسه، تنشّط لمجاهدتها، وتهيأ لمقاومة أهوائها.
ثالثاً: لن ينبعث اليأس في نفسه تحت وطأة معاصيه المتكررة، إذ قد أصبح له من الأمل في أن المعصية التي تورط فيها قد تكون آخر معصية قدرت عليه، ما يغالب باعث اليأس في نفسه فيغلبه.
بقي أن أذكرك بما سبق أن أوضحته لك من معنى القدر في مصطلح العقيدة الإسلامية، وأن أحذرك من الوهم الذي يسري اليوم إلى أذهان كثير من الناس، إذ يتوهمون أن القدر هو إجبار الله العبد على أمر ما من الطاعات أو المباحات أو المحرمات.
أذكرك بأن المراد بكلمة ((القدر)) في مصطلح العقيدة الإسلامية، علم الله بما سيصدر من العبد باختيار منه في الأمور الاختيارية، ودون اختيار منه في الأمور القسرية.
وربما تواردت كلمتا ((القضاء)) و ((القدر)) في التعبير عن هذا المعنى، فربما قالوا هذا أمر قضاه الله، وربما قالوا: هذا أمر قدّره الله، والمعنى المراد في الحالين أنه أمر سجله الله في مكنون علمه، فهو مما تعلق به علمه تعالى في الأزل. والعلم صفة كاشفة وليس صفة مؤثرة.
وإذا أردت الوقوف على تفصيل في هذا البحث، فارجع إلى ما كتبته عن ذلك في كتابي (كبرى اليقينيات الكونية) أو كتابي (الإنسان مسيّر أم مخير).
والمهم أن تعلم أن قول ابن عطاء الله في آخر هذه الحكمة ((.. قُدِّرَ عليك)) ليس معناه: حُكِمَ به عليك، فإن الله لا يحكم بالذنب على العبد، ولكن معناه: ثبت في علمه الأزليّ عنك.
إذا وقع منك ذنب فلا يكن سبباً ليأسك من حصول الاستقامة مع ربك ، فقد يكون ذلك آخر ذنب قدِّر عليك
كثيراً ما يتوب العاصي إلى الله، ويعزم على الاستقامة وعلى الإقلاع عن الذنوب، فتزلّ به القدم ثانية وتتغلب عليه نفسه وغرائزه، فيقع في المعصية من حيث لا يحتسب، فيتوب إلى الله ثانية، ويؤكد عزمه على الاستقامة على الرشد، ولكنه ما يلبث أن يعود إلى المعصية ثانية، تحت وطأة مشاعره الغريزية فيعود إلى التوبة بصدق وجد ويؤكد مرة أخرى إصراره على الاستقامة وعلى الابتعاد عن مطارح العصيان. ولكن نفسه الأمارة بالسوء تعود فتتغلب عليه.. ومع هذا التكرار الذي يتم نتيجة لتغلب النفس على صاحبها، يتسرب الشيطان إلى هذا التائب ليوسوس إليه بما يلي:
ها أنت أثبتَّ أن توبتك زائفة وأن وعودك كاذبة... فكن على يأس من صلاح حالك، وعلى يقين بأن توبتك هذه غير مقبولة؛ فخير لك أن تعود إلى شأنك الذي كنت عليه وأن تركن إلى حظوظك ورغائبك، كي لا تزج بنفسك في شقاءَيْ دنياك التي أنت فيها وآخرتك التي أنت مقبل عليها.
وهذه أخطر رقية يدخلها الشيطان في نفوس كثير من التائبين الذين وصفت لك حالهم.
فما العاصم من هذه الرقية الشيطانية؟
العاصم أن تعلم أن المعصية مهما تكررت، فعلاجها في كل مرة التوبة، فمهما تكررت المعصية وجاءت على أعقاب كل منها التوبة الصادقة، فإن المعصية تذوب وتنمحي في غمار عفو الله وصفحه.
ومصدر هذه الحقيقة التي ينبغي أن تعلمها آيات، وأحاديث.
أما الآيات فمن أبرزها وأوضحها دلالة على هذه الحقيقة قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلّا اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: 135/3]، وقوله تعالى: {وَأُزْلِفَتِ الجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ ، هَذا ما تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوّابٍ حَفِيظٍ} [ق: 31/50-32] وكلمة ((أواب))صيغة مبالغة من آيب أي راجع، ولا يكون العبد كثير الرجوع إلى الله إلا إن كان كثير الشرود عنه.
وأما الأحاديث فمن أوضحها دلالة على هذه الحقيقة الحديث القدسي المتفق عليه: يقول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيما يحكيه عن ربه: ((أذنب عبد ذنباً، فقال: اللهم اغفر لي ذنبي، فقال الله تعالى: أذنب عبدي ذنباً فعلم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنباً فعلم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب. ثم عاد فأذنب فقال: أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنباً فعلم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، قد غفرت لعبدي، فليفعل ما يشاء)).
ومن أوضحها أيضاً دلالة على هذه الحقيقة ما رواه الترمذي، وحسّنه، من حديث أنس رضي الله عنه، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((قال الله تعالى، يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم، لو بلغت ذنوبك عَنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك. يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقُراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقُرابها مغفرة)).
فهذه النصوص من القرآن والسنة صريحة وقاطعة في الدلالة على أن العبد مهما عصى الله تعالى وتاب بعد كل معصية بصدق، وعزم على ألا يعود ثانية إلى المعصية، فإن توبته المتكررة التي تأتي على أعقاب معاصيه، تكون سبباً لعفو الله ومغفرته لها.. وإنما المهم أن تكون التوبة نصوحاً وأن يكون صادقاً فيها. أي ألّا تكون خطة يهدف صاحبها إلى جعلها غطاء أو أداة لمحو ما قد عزم عليه من المحرمات.
فاعتماداً على هذه الدلائل الثابتة والواضحة، يقول لك ابن عطاء الله: إذا وقع الذنب منك بعد توبة متكررة، فلا يبعثن ذلك الذنب في نفسك اليأس من قدرتك على الاستقامة، والإقلاع عن المعصية، مهما تكرر الذنب منك. فإنك لا تدري، لعل الذنب الذي تكرر صدوره منك يكون في علم الله آخر ذنب تتورط فيه.
وانظر إلى المعنى العميق الذي يرمي إليه ابن عطاء الله، إنه لا يبعث في نفسك الأمل القوي فقط بتوبة الله عليك ومغفرته لك مهما تكررت بل توالت منك الذنوب، بل إنه يبعث في نفسك الأمل أيضاً بأن تتحرر من الذنوب التي تعاني من الوقوع في أسرها، فإن تغلُّب النفس عليك في محاولاتك السابقة، ليس دليلاً على أنك ستظل في المستقبل أسيراً تحت سلطانها، فما أدراك -وأنت تتوب إلى الله بصدق وتسأله العون على الثبات- أنه لن يستجيب دعاءك، ولن يحررك من آفات نفسك؟ إن قياسك الغائب الذي هو المستقبل، على الشاهد الذي هو الحاضر والماضي، استدلال غير صحيح، فأنت لا تدري ما الذي سيأتي به الغد، وما الذي قدّره الله لك في المستقبل.
وكم في التائبين من صارعنهم نفوسهم فتغلبت عليهم دهراً من الزمن، ثم إن الله تداركهم بلطفه وتوفيقه فاستقاموا على سنن الرشد، وانجابت عنهم غوائل نفوسهم وتفتح الطريق أمامهم معبّداً إلى الله.
والمعنى التربوي الذي ينطوي عليه هذا الكلام، هو أنك إن وثقت بأن هذا الذنب الذي وقع منك هو آخر ذنب قدّر عليك، وأقبلت إلى الله مستبشراً بهذه الثقة، ثم اهتاجت بك النفس ودفعتك إلى العصيان ثانية، فما عليك إلا أن تتعامل مع هذه الثقة ثانية، فتستيقن أن هذه المعصية الثانية ربما كانت هي، لا التي قبلها، هي آخر المعاصي التي قدرت عليك.. فإن جذبت النفس الأمارة مرة أخرى إلى المعصية واستجبت لحكمها، فاستحضر هذه الثقة بالله مجدداً وأقبل إلى الله موقناً أن هذه هي المعصية الأخيرة في سلسلة المعاصي المقدرة عليك.
والعم أن ثمرة هذه الثقة المتجددة التي ينبّهنا ويدعونا إليها ابن عطاء الله تتمثل فيما يلي:
أولاً: ممارسة ما هو مطلوب من حسن الظن بالله، في كل الأحوال.
ثانياً: إبعاد ما ذكرته لك من وسوسة الشيطان إلى العاصي الذي يتكرر منه كل من التوبة والمعصية. فإن الأمل بتوفيق الله له إذا شعّ في جنبات نفسه، تنشّط لمجاهدتها، وتهيأ لمقاومة أهوائها.
ثالثاً: لن ينبعث اليأس في نفسه تحت وطأة معاصيه المتكررة، إذ قد أصبح له من الأمل في أن المعصية التي تورط فيها قد تكون آخر معصية قدرت عليه، ما يغالب باعث اليأس في نفسه فيغلبه.
بقي أن أذكرك بما سبق أن أوضحته لك من معنى القدر في مصطلح العقيدة الإسلامية، وأن أحذرك من الوهم الذي يسري اليوم إلى أذهان كثير من الناس، إذ يتوهمون أن القدر هو إجبار الله العبد على أمر ما من الطاعات أو المباحات أو المحرمات.
أذكرك بأن المراد بكلمة ((القدر)) في مصطلح العقيدة الإسلامية، علم الله بما سيصدر من العبد باختيار منه في الأمور الاختيارية، ودون اختيار منه في الأمور القسرية.
وربما تواردت كلمتا ((القضاء)) و ((القدر)) في التعبير عن هذا المعنى، فربما قالوا هذا أمر قضاه الله، وربما قالوا: هذا أمر قدّره الله، والمعنى المراد في الحالين أنه أمر سجله الله في مكنون علمه، فهو مما تعلق به علمه تعالى في الأزل. والعلم صفة كاشفة وليس صفة مؤثرة.
وإذا أردت الوقوف على تفصيل في هذا البحث، فارجع إلى ما كتبته عن ذلك في كتابي (كبرى اليقينيات الكونية) أو كتابي (الإنسان مسيّر أم مخير).
والمهم أن تعلم أن قول ابن عطاء الله في آخر هذه الحكمة ((.. قُدِّرَ عليك)) ليس معناه: حُكِمَ به عليك، فإن الله لا يحكم بالذنب على العبد، ولكن معناه: ثبت في علمه الأزليّ عنك.