آخر الأخبار
موضوعات

الخميس، 1 ديسمبر 2016

- القرآن و تنمية مهارة الفكر والتأمل

عدد المشاهدات:
تنمية مهارة الفكر والتأمل
القرآن كما أنه كتاب هداية ، فهو كتاب علم وفكر وتأمل ، والتأمل هو ( مراجعة للنظر كرة بعد كرة ، حتى يتجلى له وينكشف لقلبه )  
أما التفكير فعرفه بعض الباحثين بأنه: (سلسلة من النشاطات العقلية التي يقوم بها الدماغ عندما يتعرض لمثير يتم استقباله عن طريق واحدة أو أكثر من الحواس الخمس : اللمس أو السمع أو البصر أو الذوق أو الشم) 
قال تعالى : ( وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) [الإسراء : 36 ]  وعرفه آخرون : ( بأنه عملية معرفية وفعل عقلي عن طريقه تكتسب المعرفة ) إذن هذه المهارة لها ( أهمية كبيرة في تطوير القدرات العقلية بوجه عام ،
 وقدرات التفكير بوجه خاص ، فقد وجه الحق تبارك وتعالى إلى التفكير والتأمل في آيات كثيرة )  والقرآن كما أنه تحدى البلغاء والفصحاء بالأسلوب الأدبي الذي يحمل جمال العبارة وفصاحة المنطق وقوة النظم والمعنى ، فها هو يُظهر التحدي للعلماء بالأسلوب العلمي ، الذي يقف على الحقائق العلمية ، بدقة ووضوح ومنطق ، ويدعو قارئه إلى التدبر والتأمل والنظر في آياته ، وهذا بدوره يساعد في بناء العقل الإنساني بناء سويا ، قال تعالى : (  قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) [يونس : 101] وقال تعالى : ( قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ) [سبأ : 46].

فهو كتاب عقيدة يخاطب العقل والضمير ، وخير ما يطلبه هذا الكتاب من الإنسان في مجال العلم أن يحثه على التفكير ، ولا يتضمن حكماً من الأحكام يشل حركة العقل في تفكيره ، أو يحول بينه وبين الاستزادة من العلوم ،  بل يخاطبه في أول ما نزل بكلمة اقرأ قال تعالى : ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ) [العلق : 1] قراءة بحرية كاملة في كتاب الله المسطور في القرآن ، وفي كتاب الله المنظور في الكون والأنفس والآفاق وفي كل العلوم بشرط واحد وهو أن تكون هذه القراءة باسم الله، أما في غير ذلك فاقرأْ ما شاء لك أن تقرأ ، كل هذا مكفول للمسلم في كتاب ربه ، كما لم يكفل قطُّ في كتاب من الكتب السماوية السابقة.
والقرآن يجعل التفكير السليم ، والنظر الصحيح إلى آيات ما في خلقه ، وسيلة من وسائل الإيمان بالله ، قال تعالى : ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ* الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ) [آل عمران : 190 ، 191] فالتفكير هو سلوك تطوري ينمو بنمو الفرد وتراكم خبراته؛ ولذلك حث القرآن قارئه على التفكر والتدبر بطرق وأساليب واستراتيجيات تستهدف تنمية التفكير، أو تطوير الآداء، أو تجويده في أي مجال معرفي .
والقرآن أشاد بصاحب العقل المفكر ، قال تعالى : (  إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُوْلِي النُّهَى) [طه : 128] وقد كرّر ذلك مرات عديدة، وحسبنا في ذلك أن مادة (عقل) وردت في القرآن الكريم في مائة وثلاثة وثلاثين موضعاً، ومادة (نظر) بمعنى تأمل في ثلاثة وعشرين آية، ومادة (فكر) في ثمان عشرة آية ، أو ما يشبهه في العديد من الآيات ، كلما ذكر آية من آيات قدرته وتدبيره وإبداعه قوله تعالى : (  لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) [البقرة : 164] وفي مواضع أخرى من القرآن قوله تعالى : ( لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [يونس : 24]. وقد ندد سبحانه بالذين لا يفكرون ولا يستعملون عقولهم في الخير والمعرفة ، بقوله تعالى: (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ) [الأنفال: 22]، وقد عرض القرآن آيات الله في الكون، كما رأينا، عرضا ربى العقل على حسن المعرفة، والمنطق العلمي ، والفكر الاستدلالي ، والنهج التجريبي) .
إن المتعلم من خلال هذه المهارة يوظف فكره كما أمره الله تعالى ، ويكون بصيراً بما يتأمله ويقف عليه ، ذلك أن للتأمل بابين واسعين : (الباب الأول : التأمل في آيات القرآن كلها ، والفهم الخاص عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم . والباب الثاني : التفكر في آياته المشهودة ، وتأمل حكمته فيها وقدرته ولطفه وإحسانه وعدله وقيامه بالقسط على خلقه)، ويعني ذلك أن التفكر في القرآن نوعان : تفكر فيه ليقع على مراد الرَّب تعالى منه ، وتفكر في معاني ما دعا عباده إلى التفكر فيه . فالأول تفكر في الدليل القرآني ، والثاني تفكر في آياته المشهودة، ولهذا أنزل الله القرآن لُيتَدبر ، ويُتفكر فيه ، ويُعمل به، لا لمجرد تلاوته مع الإعراض عنه) .
فهو -إذن -كتاب يحث المسلم على أن يفكر في عالم النفس كما يفكر في عالم الطبيعة  أن يعرف نفسه، وأن يجد تفكيراً لتكوينه العقلي والنفسي والفسيولوجي والبيولوجي . وإدراك بديع النظام والتناسق الكوني من خلال قوله تعالى : (  أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى) [الروم : 8] وقوله تعالى : ( إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) [الزخرف : 3] وقوله تعالى : ( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد : 24] وهذا المعنى تكرر عشرات المرات ، وهو المطالبة بالتأمل والتعقل والتدبر والتفكير ، وفي هذا تربية للإنسان على إعمال عقله ، وتربية ذهنه على الاستنتاج والقياس والاستقراء ، في النفس والكون؛ حتى يتبين لنا أنه الحق  . وهذا يكسب الفرد مهارات مثل: التفكير المنطقي السليم ، ورؤية عظمة الله في كل ما خلق في هذا الكون الفسيح ( كما أنه يربي الفكر على عدم قبول شيء بغير حجة أو برهان أو علم ) .
فالقارئ المتدبر يستجمع هذه المعاني والقيم التربوية التي يحترم فيها القرآن عقله بأسلوب علمّي منطقّي جميل ، ويدعوه إلى الفهم والتأمل والتفكر ، وبنداء إلهي عميق المعنى، ومفهوم الدلالة ، قال تعالى: ( الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ) [الرحمن : 1- 4] والقرآن يربي العقل والعاطفة معاً ؛ لأنه يفرض الإقناع العقلي من خلال إثارة العواطف والانفعالات ، والشعور النفسي والوجداني العميق بمعنى أنه يطرق العقل مع العاطفة ، فإنسان القرآن إنسان وهبه الله نعمة العلم؛ ليبرز -من خلالها- قدرة الله في الخلق. والإبداع في الأنفس والآفاق ، ويؤكد له من خلالها أنه يسمو ويرتفع بفضيلة هذا العلم ، قال تعالى : (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) [المجادلة : 11] وقال تعالى : ( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ ) [الزمر : 9] وقال تعالى : (  إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء) [فاطر : 28] بل إن الله يخص قارئ القرآن أن يسأله زيادة العلم والتوسع فيه ، وقال تعالى : (  وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً) [طه : 114] .
فكل هذه الآيات تقف على المعاني والقيم التي ينادي بها القرآن ، فكأنه يطلق مؤثرات للقارئ عن طريق الحواس التي وهبها الله إياه يدعوه من خلالها إلى التفكر والتأمل بقدر ما يقرأ ، وأن يحاول استعادة أفكاره مرات ومرات، حتى يقف على الآيات التي تحثه على ولوج أبواب التقدم والمعرفة ، واكتشاف أدواتها ووسائلها ، و إلا فما المغزى من تكرار كلمة العلم والعقل والفكر والنظر واللّب مئات المرات في  القرآن الكريم.
إن مهارة التأمل في القرآن الكريم تعني: أن المتعلم (ينبغي له إذا تلا القرآن الكريم أن يتفكر في معانيه ، وأوامره ونواهيه ، ووعده ووعيده ، والوقوف عند حدوده) وتعني أيضا أنه (ليس العلم بمجرد صورته هو النافع ، بل معناه) ومعناه لا يحدث إلا من خلال حسن توظيف المتعلم لمهارة التأمل ، فهي تربية على الإيجاز غير المخل ، وتعلمه كيف يقف على المفيد ، ويتجنب الإكثار ، فقد أورد ابن عبد البر أن ( الذي عليه جماعة فقهاء المسلمين وعلمائهم ذم الإكثار دون التفقه والتدبُّر ، والمكثر لا يأمن مواقعة الكذب على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لروايته عمَّن يؤمن وعمَّن لا يؤمن)، ومهارة التأمل تعين على الفهم ، ولذلك ينبغي على المتعلم ، كما يقول برهان الإسلام الزر نوجي : (أن يجتهد في الفهم عن الأستاذ بالتأمل ، والتفكّر ، وكثرة التكرار ).
ومهارة التأمُّل تجعل من الكون كله ميدانا فسيحا لها ، فقد جعل الله تعالى : ( لها الكون محرابا للفكر والتدبر والاعتبار ، وأبان لها عن تصميمه وبنائه وما يقوم عليه من وحدة ونظام ) وقد جعلت من الكون ميدانا واسعا لها من أجل أن ( تدعو الإنسان إلى التأمل في خلق السماوات والأرض، والاستدلال على عظمة الله واستخدام كل ما سخر الله للإنسان في هذا الكون . وهذا يعني أن يعرف الإنسان سر هذه الكائنات ونظامها، ليسخرها فيما سخرها الله ) ويعني أيضا أن المتعلم يجب أن يكون ( ساعياً إلى الحقائق مفتوحا على الكون كله ، في جولات من التأمل الواعي الدقيق والنظر العلمي المنظّم . فمهارة التأمل تساعد على توظيف الحواس واستخدامها فيما يعود علينا بالنفع والفائدة )  .
ولهذا ( نجد في حسن تلاوة القرآن بقصد التربية بالقرآن ، أنه يمكن تربية العقل على حسن التفكير وتأمل آثار عظمة الله ، وتربية المشاعر والعواطف بالخوف من الله والخشوع له وتعظيمه وتقديسه ، أما تربية السلوك بالقرآن ، فقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكان له أذكار وأدعية من القرآن ، يتلو بعضها ويدعو ببعضها في مناسبات معينة ، فإذا استيقظ من نومه نظر في المساء وتلا  قوله تعالى: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [آل عمران : 190 - 191] .
فوظيفة السنة هي التبيين والتوضيح والتفسير لمعاني القرآن الكريم ، وقارئ القرآن يدرك هذا ويستوعبه من خلال التلاوة المستمرة ، بل وتتفتح مداركه من خلالها فيقذف الله في قلبه وفي عقله نوراً قال تعالى : (  وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ) [النور : 40] وقال تعالى : (  نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ ) [النور : 35] فنور القرآن هو نور الهدى ، والمعرفة ، والعلم ، والحكمة ، والعقل والفكر ، والحق ، وأقرب الناس إلى معرفة الحق هم الباحثون بقولهم وأفكارهم في الدلائل بصحيح النظر والبرهان.
ولذلك يجب أن يكون قارئ القرآن ، هو الأقرب لمعرفة الحق ، والصواب؛ لأن عقله يتعود الفكر الصحيح  بالاستمرار في الخضوع لله ، والتفكير بعظمته ، والانقياد له  من خلال دلائل الآيات ، وإمعان النظر فيها فكراً وتأملاً ، هذا الوعي الفكري يجعل القارئ واعياً ، ومنهجياً ، في جميع جوانب حياته ، ولا يقوم بأداء عمل إلا ضمن خطة وتفكير.
الوسائل المعرفية لتنمية هذه المهارة :
1. القراءة التأملية الواعية بهدوء وعمق بالوقوف عند الآيات التي تدعو إلى النظر والتفكر والتدبر في الكون والأنفس والآفاق.
2. استعراض القيم التربوية التي يحترم فيها القرآن عقل الإنسان ومناقشتها.
3. الوقوف على الحقائق العلمية التي ذكرها القرآن والرغبة في الوصول إليها.
4. تربية العقل على الاستدلال على ما استدل عليه القرآن.
5. طرح أسئلة فكرية وعلمية كثيرة بعد الفراغ من التلاوة   ومحاولة الإجابة عنها والاستدلال عليها؛ لتمرين العقل، وتفعيل النشاط الذهني.

التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:




شارك فى نشر الخير