آخر الأخبار
موضوعات

الأربعاء، 21 ديسمبر 2016

- محاسبة النفس بين الحقيقة والاوهام

عدد المشاهدات:
كل امرؤ في حاجة ماسة إلى أن يحادث نفسه حديثاً صادقاً, يجلي فيه الحقائق، ويضع فيه النقاط على الحروف, ليجيب فيه عن أسئلة حرجة ربما تكون الإجابة عليها منطلقاً لاستقامة على طريق الإيمان من جديد.
الصالحون دائماً يحاسبون أنفسهم، ويعاتبونها ويلومونها ويقفون معها عبر حديث يجري بين كل منهم ونفسه, وكأنه يخاطب مغايراً عنه, فيهذبه تارة, ويعاقبه تارة, ويحاسبه تارة, ويحسن إليه تارة أخرى.
وحديث النفس ليس ضرباً من ضروب الأوهام ولا الخيالات, وإنما هو موقف جاد يقفه كل امرئ منا مع نفسه.
غالباً ما لا يدرك الإنسان نواقصه, وغالباً ما لا يهتم الإنسان بعيوبه, وغالباً ما يغفل المرء عن سقطاته, وحديث النفس يعالج كل ذلك, فيكشف العيوب, ويظهر المثالب ويقوم السقطات.
والجملة التي قالها الفاروق عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-, كانت جملة حكيمة لا تخرج إلا من صالح مداو لأدواء نفسه, معالج لأمراضها؛ إذ يقول: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا, وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم".
وحديث النفس ينبغي أن يكون شفافاً صادقاً؛ إذ إن بعض الناس يضحكون على أنفسهم في أحاديثهم لأنفسهم, فحاله حال الذي ينظر إلى المرآة قائلاً لنفسه: يا لحسنك, ويا لفضلك.
والواجب أن يكون حديث النفس هو حديث البحث عن النواقص لإضافتها, وعن الثغرات لسدها, وعن الانحرافات لتقويمها.
وينبغي أن يكون حديث النفس حديث اعتراف بالخطأ, وحديث بحث عن سبب الخطأ, وحديث مداواة للخطأ, وحديث عزم على عدم تكرار الخطأ.
كثير من الناس يرون أنفسهم أمام أعينهم كاملة غير منقوصة, ويرون ميزاتهم ظاهرة, أولئك الذين يكذبون على أنفسهم ثم يصدقون الكذبات, وأولئك الذين يحقرون الناس, فيرون عيوب الناس جساماً ضخاماً, في وقت يرون أنفسهم أمامهم وضيئة مضيئة.
هي إذاً دقائق معدودات.. ربما يحتاج أحدنا إلى قلم وورقة, وربما حتى لا يحتاج, ليكتب خطاباً يجتر الماضي ويتذكره جيداً.
وعند بعض الناس تصلح المحاسبة عبر سنين طويلة, أولئك الذين أحبوا مراجعة تاريخ مضى راغبين في لقاء الله بعد تطهير أعمالهم وسنيّ عمرهم, وعند آخرين تمثل لحظة النوم لحظة المراجعة ولحظة حديث النفس, يتدبر فيها أخطاء اليوم ومثالب الساعات القريبة الماضية, وعند آخرين محاسبة النفس بعد كل عمل.. أولئك قوم سباقون.
على أية حال تعتبر محاسبة النفس ومحادثتها بداية لتطهير ما علق بالنفس من سلبيات, وتقصير في حق الله -سبحانه وتعالى- أو في حق الناس أو في حق النفس, والله -سبحانه وتعالى- يهدي من سعى وبذل وجاهد واجتهد ليصلح ذاته ويصلح نفسه, قال سبحانه: (ونفس وما سواها * فألهمها فجورها وتقواها * قد أفلح من زكاها * وقد خاب من دساها) وقال سبحانه: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين).
التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:




شارك فى نشر الخير