آخر الأخبار
موضوعات

الأربعاء، 28 ديسمبر 2016

- خطبة جمعة (القرآن الكريم سر صلاح الأمم)

عدد المشاهدات:
القرآن الكريم سر صلاح الأمم والدول و سرُّ إصلاح المجتمعات
خطبة جمعة لفضيلة الشيخ فوزي محمد أبوزيد
_________________
الحمد لله ربِّ العالمين
، قدَّر كل شئ فأحسن تقديره، ودبَّر كل أمر فأحسن تدبيره،
سبحانه! سبحانه! لا يغيِّر إرادته، ولا يغالب قوته شئ في الأرض ولا في السماء إلا بإذنه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يعلم خفايا النفوس، ومكنون الضمائر، وما تضمره السرائر، وغيوب القلوب، لأنه عز وجل علام الغيوب،
وأشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله طب القلوب وعافيتها، ونور الأبصار وضياؤها، وحياة الأجسام وشفاؤها.
اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد الحبيب المحبوب وسر قاب قوسين أو أدنى من حضرة علام الغيوب، الكاشف الأعظم لكل هول إذا ادلهمت الخطوب وآله وصحبه وسلم.
أما بعد... فيا أيها الإخوة المؤمنون.
ونحن في أيام ذكرى ميلاد رسول الله صلى الله عليه وسلم، نرجع إلى صفحات التاريخ ألف وأربعمائة عام، وننظر إلى المجتمع الذي فتَّتت أعضائه الأحقاد والأحساد، والنّزاعات والشقاق والخلافات، وسيطر على أهله الأثرة والأنانية وحب الذات. كيف تغيّر هذا المجتمع في لحظة واحدة إلى درجة أن الله مدح أهله فقال:
{يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ } (الحشر).
كيف تغيَّروا مع أن بين الأمرين بون بعيد؟
كيف تحول الرجل شديد الأنانية والاعتزاز بنفسه، والحرص على ذاته إلى رجل يتنكر لنفسه، ويُظهر الخير على يدي إخوانه ويؤثرهم ويفضلهم في البر والمعروف على نفسه؟ بدواء بسيط! عالجهم به النبي الرءوف الرحيم صلوات الله وسلامه عليه،
وما أحوج مجتمعنا في هذا العصر .... وقد عادت الكرَّة، فصارت الناس تُمزِّق روابط المحبة التي يجب أن تكون بينهم الأحقاد والنزاعات والتنافس في حطام الدنيا الفاني، وحب الرياسة والزعامات، والشقاق والخلافات
هكذا صرت الناس
بل إن هذا التأثير وصل إلى مداه في أجسامهم، فتجد الناس قد كثرت أمراض أجسامهم، لما أصاب قلوبهم مما ذكرناه، وليس بسبب أوبئة أو ميكروبات أو جراثيم، وإنما مما تعانيه القلوب من بغض وكراهية، ومن حب الأثرة والأنانية، يكيدون لبعضهم، فإذا لم يُفْلِح الكيد حزن، وإذا اشتد الحزن مرض.
فيحسد أخاه على رزق أعطاه له الله، ويودّ أن تزول هذه النعمة عن أخيه، فإذا أبقاها الله اشتد وجده، وكثر حزنه، حتى يتغير طبعه، وتتوتر نفسه، ويُصاب بالهلع والجزع قلبه. كل هذا نراه في مجتمعنا أمراضاً بين الناس وبعضهم، وأمراضاً في أجساد الناس، بسبب تغير القلوب نحو إخوانهم وذوي رحمهم وأقاربهم ومعارفهم وأصدقائهم وزملائهم في الأعمال وفي التجارات.
ما العلاج؟ أيوجد في الصيدليات علاج لهذه الأمراض؟ أبداً! ... هل يوجد فيلسوف أو حكيم ظهر أو لم يظهر يستطيع أن يعالج هذه الأمراض؟ كلا وألف كلا.
لكن الذي عالج هذه الأمراض في طرفة عين هو الذي قال الله عز وجل في شأنه :
{وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } (103 آل عمران)،
أي تهتدون إلى هذا الحل.
إذاً حلّ هذا الأمر في يد من؟ .... في يد شرع الله، وفي أحكام دين الله، وفي بنود كتاب الله الذي نزل به رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي قال في شأنه صلى الله عليه وسلم:
{ هُوَ الَّذِي مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللَّهُ، وَمَنِ ابُتَغَى الهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ، هُوَ حَبْلُ اللَّهِ المَتِينُ وَهُوَ الذِّكْرُ الحَكِيمُ، وَهُوَ الصِّرَاطُ المُسْتَقِيمُ، هُوَ الَّذِي مَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ، وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ، وَمَنْ دَعَا إِليْهِ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[1]
فكتاب الله ودين الله وشرع الله هو العلاج لهذه الأدواء.
نريد دواءاً واحداً من كتاب الله لننظر كيف عالج به رسول الله صلى الله عليه وسلم صدور أصحابه؟
هذا الدواء اسمعوه
{وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } (4، 5البقرة).
إذاً الهداية والفلاح بأمرين اثنين:
الإيمان اليقيني بما أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم والإيمان اليقيني هوالإيمان الذي يصدِّق به القلب قبل العقل، فإذا صدَّق القلب لا يعترض على أمر قضاه الله، ولا يُنازع في حُكْم حَكم به كتاب الله، بل يسلِّم لأمر الله، وينفِّذ ما جاء في كتاب الله، لأنه يعلم علم اليقين أن ذلك فيه له في الدنيا النجاح، وفي الآخرة السعادة يوم لقاء الله عز وجل وعلى هذا كان أصحابه صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم فقد أيقنوا أن أمرهم كلهم في الدنيا ضرب الله له عز وجل مثلاً لأجسامهم وأبدانهم مَنْ منَّا يملك أو يستطيع أن يغير ملامح وجهه أو طوله أو وزنه؟! أو يغير مدارك العقل ليسموا بالذاكرة إلى مستوى غير ما أوجده عليها الله؟ ... أو يزيد في أعضائه عضواً عن الآخرين؟ أو يظهر بميزة في جسمه تخالف الناس أجمعين؟ .... بل مَنْ منَّا اختار لنفسه الزمان والمكان الذي أنشأ ووُجد فيه؟ ... ومَنْ منَّا اختار قبيلته التي جاء منها؟ ووالديه اللذان كانا سبباً في وجوده؟ . وكذلك مَنْ منَّا يختار الساعة التي يخرج من الدنيا فيها؟ لا أحد! ... ومَنْ منَّا يستطيع أن يقدِّر لنفسه ماذا يحدث له في غده، ويحدث كما يريد؟!
إننا نتوقَّع ونتأمَّل ونتطلع ونرسم في عقولنا خططا لحياتنا ونتوقع في قلوبنا برنامج لعمرنا، لكن قلم السماء هو الذي يحدد مقادير الأشياء، والذي يعترض عليه يقول الله تعالى له في حديثه القدسي:
{ مَنْ لَمْ يَرْضَ بِقَضَائِي، وَلَمْ يَصْبِرْ عَلَى بَلاَئِي، فَلْيَلْتَمِسْ رَبّاً سِوَايَ }[2] ماذا يصنع؟ وماذا يفعل؟
وأيقن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر الرزق بقول الرزاق عز وجل
{نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} (32الزخرف).
فعلموا أن هذا الأمر لله فلم الاختلاف مع عباد الله في أمر قضاه الله قبل خلق الخلق بألفي عام؟ ... لقد قال صلى الله عليه وسلم :
{ إن الله خلق الخلق وقدَّر الأرزاق قبل خلق آدم بألفي عام }[ 3]
فلم نتحاسب على أمر قدَّره الله؟ .. ولم نتنافس في شأن لم ينل المرء منا إلا ما قدَّر الله لماضغيه أن يمضغاه؟
هذا هو الذي قاله الله في القرآن كذلك وكذلك سنة النبي العدنان صلى الله عليه وسلم.
أمر الإنجاب هبة من الوهاب
{يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا }(49 - 50الشورى).
فلم أحسده على أن الله أعطاه أولاداً وأعطاني البنات؟ .. وماذا أفعل إذا اعترضت على القضاء إلا عدم الحصول على الثواب والجزاء الذي أعده الله لمن رضى بأمره وسلم بقضائه عز وجل؟
أما الاعتراض على أمر الله لا يزيد القلب إلا حسداً وحقداً وبغضاء وإحنا على خلق الله ويزيد الجسم توتراً وقلقاً وإضطراباً وأمراضاً أشار الله إليها فقال جل في علاه:
{ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22(} (19 - 22المعارج) .....
أنتم المحميون من هذه الأمراض لأنكم أخذتم التطعيم من كتاب الله ....، والتحصين من سنة رسول الله ... ، فوقاكم الله عز وجل شر هذه الأمراض في أنفسكم وفى أهليكم وفى مجتمعكم وفي كل حياتكم ....
أما الأمر الثاني:
{ وَبِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ}( البقرة 4)
قال صلى الله عليه وسلم:
{ تَرَكْتُ فِيكُمْ شَيْئَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُمَا: كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّتِي }[4]
ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.
الخطبة الثانية:
الحمد لله
الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يقدِّر الأشياء بإرادته، ويخرجها إلى الوجود بحكمته، ومن رضى فله الرضا، ومن سخط فله السخط.
وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله سيد الأولين والآخرين، والإمام الأعظم الذي باتباعه صلاح الدنيا والسعادة في يوم الدين.
اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وارزقنا اتباع شريعته، واملأ قلوبنا بمحبته واجعلنا تحت لواء شفاعته أجمعين يا ربَّ العالمين.
أما بعد... فيا إخواني بارك الله فيكم أجمعين
علم أصحاب رسول الله بما علمه الله علم اليقين أن الدنيا ليست لحيّ وطناً، ولا تدوم لإنسان سكناً، وعلموا أنها ممر ومعبر إلى الدار الآخرة، فاتخذوها معبراً، ولم يشغلوا أنفسهم بزخارفها ومطارفها، بل رضوا بما قدَّره الله عز وجل لهم في هذه الحياة.
ما الذي أفسد معظم أفراد المجتمع؟
أن لهم تطلعات في عالم الدنيا: شقة صفتها كذا، سيارة ماركتها كذا، وظيفة هيئتها كذا، والذي لا يبلغ هذه الأشياء بما آتاه الله، يبحث عن الطرق الملتوية التي حرمها الله، ليحصل على ما تهواه نفسه، وإن كان في ذلك غضب الله عز وجل. قد يكون رزقه محدوداً، لكن فيه الكرم والجود إذا اتبع نهج النبي صلى الله عليه وسلم.
فإذا أراد أن يزيده تراه يرتشي تارة، ويخدع تارة، ويغش مرة أخرى، ويضحك على إخوانه، ويخادع أهله وذوي رحمه وجيرانه على مال ربما ينتهي عمره قبل أن يصل إليه لأن الله استدعاه إليه، فيموت بحسرته، ولم يتنعم بشهوته، لأنه خالف أمر الله، وفعل ما نهاه عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فإذا جمعه من الحرام جعل الله له أبواباً من الحرام ينفق فيها هذا المال، فقدَّر في مجتمعنا أنواع المسكرات والمخدَّرات لتأخذ الأموال الحرام التي جاءت عن طريق الشبهات، وفجَّر لنا في دنيانا المباني التي ينافس فيها علية القوم، فيبني أحدهم قصراً عظيماً على ساحل من السواحل لا يذهب إليه إلا مرَّة كل عام، وإذا طلبت منه شيئاً للفقراء والمساكين والأيتام، يأتي لك بألف حجة، لأن الله لا يوفقه لفعل الخيرات، وإنما كان كما ورد فى الأثر:
{ شرُّ المال ما وُسِّد في التراب } فهذا بنى لنفسه قصراً في الدنيا ونسى أنه مقبل على الآخرة:
لا دار للمرء بعد الموت يسكنها
إلا التي كان قبل الموت يبنيها
فإن بناها بخير طاب مســكنه
وإن بناها بشـر خاب بانيها
يجمع شبابنا الأموال بالكاد، وإن أراد أن يتزوج صرف عشرات الآلاف من الجنيهات على حفلات الزواج، وربما يريد أحد أقاربه أن يكرمه في نظره، فيعطيه تذكرة إلى إيطاليا أو فرنسا ليقضي فيها شهر الزواج الأول، فينفق المال فيما يغضب الله هلاَّ أنفقه في عمرة إلى بيت الله الحرام، ليكون أول ما يتقابل مع زوجته في بيت قال فيه الله:
{وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا }(97آل عمران)
هلاَّ فكر هو وزوجته أن يقضيا زيارة إلى النبي الكريم ليوثق روابط الزواج بينهم ليكون هذا المال فيما يرضي الله ويحبه الله!!
هلا صنع وليمة للفقراء والمساكين حتى يكون زواجاً مباركاً! ولم ينفقاه على الراقصات والمغنيين وغيره إلى آخر ما تعلمون.
ألا تعلم يا أخي إنك تُسأل عن كل قرش يوم القيامة سؤالان: من أين اكتسبته؟ وفيما أنفقته؟ فلو أيقن بأن هذه الدنيا إلى زوال، وأن إلى ربك المنتهى، وإننا سنحاسب على كل نَفَس قضيناه فيها، وكان هذا الأمر في قلوبنا لا نصلح حالنا، وكنا على خير ما يحبه الله، ويرضى عنه سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم. .... << ثم الدعاء >>.
[1] رواه الترمذي عن الإمام عليّ t وكرَّم الله وجهه
[2] رواه الطبراني عن أبي هند الداري، ورواه البيهقي عن أنس.
[3] رواه مسلم عن عمر مرفوعاً ولفظه: "قدر الله المقادير قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف عام".
[4] الحاكم عن أبـي هريرة في الفتح الكبير
للمزيد من الخطب الدخول على الرابط التالي

أ الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ فوزي محمد أبوزيد

التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:




شارك فى نشر الخير