آخر الأخبار
موضوعات

الأربعاء، 7 ديسمبر 2016

- كيفية التحلي بأخلاق الله

عدد المشاهدات:

قوله رضي الله عنه:(حتى تنمو المشابهة).
وفي هذه الفقرة، يتحقق التقارب والتناسب، ويقوى وجه الشبه وتعظم المشابهة بين العبد الواصل وبين عالم الغيب المصون، من عمار قدس الله الأعلى، ومن النبيين والصديقين والشهداء والمقربين والآلهين والكروبيين والحافين بالعرش العلى. بل تزكو المشابهة وترتفع درجتها بين الفرد المتمكن وبين معاني صفات الله وأخلاقه وأسمائه، حتى يكون في العبد من جمالات هذه الصفات، ومعاني هذه الأخلاق، ما يؤهله لأن يكون في معية الله عزَّ وجلَّ، محفوظاً بعناية الله من الزيغ أو تجاوز الحد أي حد المكانة العبدية، سر قوله تعالى:﴿مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى﴾.[17، النجم].
وليس المقصود بالمشابهة مشابهة الله سبحانه في ذاته أو أسمائه أو صفاته أو أفعاله حاشا لله لأن الله عزَّ وجلَّ على عظيم لا يشابهه ولا يماثله ولا يقاربه شيء في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله وأحواله جلَّ شأنه.
قال تعالى:﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾. [11، الشورى].
ولكن شوق العبد وحبه لسيده وخالقه ومولاه، جعله يتلمس معانيه الحسان في كل شيء، ويتأدب بها،ويتحلى بحللها، ويتجمل بأخلاقها. فالله عزَّ وجلَّ رحيم، فاشتاق العبد لأن يكون له حظ من هذه الرحمة التي لا يبلغ مداها شيء.
قال صلى الله عليه وسلم: {الراحمون يرحمهم الرحمن، وارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء}.[1]
والله سبحانه غفور، فحن العبد حنيناً مؤرقاً لأن يكون له نصيب من هذه المغفرة الواسعة، التي لو أفيضت منها ذرة على جميع العوالم لأطفأت نار جهنم، ومحت الوعيد والعذاب عن المجرمين، والواصلون لهم قسط وافر من تلك المغفرة، فهم يسامحون المسيء ويعفون عن الظالم، ويسترون الجاني، ويدارون الجاهل.
قال الله تعالى: ﴿قُل لِّلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُون أَيَّامَ اللَّهِ﴾.[14، الجاثية].
والله سبحانه وتعالى قوى، فجاهد العبد نفسه ليكون له نصيب من قوة الله، حتى يكون شجاعاًُ قوياً في الدفاع عن الإسلام والمسلمين، وفي مجاهدة نفسه وشيطانه، ومحاربة حظه وهواه،
وهكذا يكون حال العبد الواصل، الذي تشبه بمعاني أخلاق الله، وجاهد نفسه في التحلي بها، حتى تنمو المشابهة فيكون عبداً ربانياً يقول للشيء كن فيكون، بل عبداً رحمانياً تجاوز رتبة كن لشدة انشغاله بالمكون جلَّ جلاله، ومن كان الله مراده فمقعد الصدق وراء ظهره.
قال الإمام أبو العزائم رضي الله عنه:كن جزتها كان المراد لرتبتي     والعين مقصودي وياء أمامي
وقال رضي الله عنه:  في طور كن...........  لا أكون
وقال رضي الله عنهإلهي وحيرني لأفنى عن السوى     وهب لي اتحادا كي أرى الله ناظراً
وقال رضي الله عنه:إلهي بك اشغلني عن الغير أفنني     إلهي وحصني بحصن الشريعة
ولا تشغلن قلبي بغيرك سيدي   ولى فأفض بحر العلوم الحقيقة
وإنما تنمو المشابهة بعد كمال المعرفة لله سبحانه وتعالى. وبعد شدة الحب له عز شأنه.
قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ﴾. [165، البقرة].
والإنسان إذا أحب شيئا تذكره دائماً، بل واستحضره دائماً، فإذا قويت لواعج الحب، واشتدت نيران الغرام، أفنت المحب في معاني المحبوب حتى تظهر آثاره عليه، وتلوح أنواره عليه، وتشرق أسراره عليه.
سر قول الله سبحانه:﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ﴾. [115، البقرة]. الله، الله، الله
وهذه الآية بيان من الله سبحانه لمقامات الواصلين، ومراتب الأفراد المتمكنين، الذين استغرقوا في محبة الله، فاختطفهم الله إليه، واقتطعهم لديه، وأقامهم لحضرته بين يديه.﴿رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ﴾. [37، النور].
وهم في تجارتهم وبيعهم، وفي أعمالهم وكونهم، وهؤلاء هم الرجال القائمون لله بالحجة المبينون له سبحانه ولجميع خلقه المحجة بسلوكهم وأخلاقهم وأقوالهم وجهادهم.﴿أُوْلَيءكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ﴾. [82، الأنعام]. ﴿رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ﴾.[8، البينة].
أيها الواصلون هل لكم في ضعيف تحملونه إليكم، وهذيل ترفعونه لحضرتكم، ويتيم تؤونه لديكم، وبائس ومسكين تعطفون عليه، ومريض وسقيم تمسحونه بأيديكم علَّ الله يشفيه ويوصله إلى فضله ورضوانه الأكبر لقد تمزقت الأحشاء، وتقطعت الأعضاء من الشوق إليكم، وقد علمنا إمامنا بقوله رضي الله عنه مستجديا رسول الله صلى الله عليه وسلم:                            جد بوصلك يا حبيبي     فدمي قد كاد يهدر
يا رسول الله رفقــا     بفتى في الحي يذكر
بخضوع جاء يسعـى     للحمى فعساه ينصر
ومناه منك وصــلا     ورسول الله أخبـر
والمشابهة إنما تكون لتحصل المؤانسة، ويدوم بها البسط والسرور في معية العزيز الغفور، فتزول الوحشة، وينمحي البين من البين، وتقع العين على العين، من غير خوف انقطاع ولا زوال، ولا حجاب هناك ولا ريـن ولا أين، وصارت المقامات القدسية، والجمالات الربانية معالماً بين عينيـه لا تغيب، وحقائقاً مشهودة لديه ظاهرة لكل مرتاض أديب وأواب منيب.
وبهذه المشابهة وزيادتها في كل لحظة، يدوم سعده، ويعظم حظه، ويرتفع ذكره، سر قول الله عزَّ وجلَّ:﴿وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾.[35، فصلت].
قال الشيخ أحمد بن شرقاوي رضي الله عنهعظيم أعظم فيكموا هيامي     وأفنى الحشا عن سايءر الأوهام
قال الله تعالى: ﴿ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ﴾.[57، الأنعام].
والإنسان لا يأنس إلا بما يشابهه ويوافقه، أو يكون فيه شيء من صفاته ومعانيه،فقد يحصل التنافر والتدابر حتى مع إنسان مثله، لأنه لم يجد فيه شيئا مما يحبه ويألفه، بل على العكس وجد فيه ما يؤلمه ويحزنه. وقيل لسيدنا سليمان عليه السلام: ما هو العذاب الشديد الذي توعدت به الهدهد ؟ عندما تغيب عنه وتفقد الطير فلم يجده بينها، فقال عليه السلام:﴿لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ﴾.[21، النمل].
فلما سئل عن كيفية تعذيبه الهدهد وعن نوع العذاب الذي توعده به، قال عليه السلام: أحبسه بين سباع الطيور كالصقر والنسر ونحوه من الطيور الكاسرة فتنهشه وتمزقه.
فوجود الإنسان بين عوالم يجهلها أو تجهله هو من أشد أنواع العذاب على الإنسان حتى ولو كانوا من أبناء جنسه.
والواصلون رضي الله عنهم، تأهلوا بخصال عالية، واتصفوا بصفات أهل الله وخاصته، وتخلقوا بأخلاق الله، وتأدبوا بآداب أهل محبته وقربه ومودته، فلا عجب أن ينالوا الحظوة الكبرى والنعمة العظمى بالمثول في حضرته والجلوس على بساط أنسه ومنادمته. فلله درهم، طاب وقتهم، وعلا ذكرهم، ونالوا عزهم ومجدهم.
وهم أهل الحيرة من عظيم المواجهات، وعليِّ التجليات، وهم الذين ارتشفوا من رحيق قوله عزَّ وجلَّ: ﴿وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى﴾.[7، الضحى].
أي حائراً ومتحيراً من توالى المشاهدات وكثرة التنزلات، وذلك عند تأملاته صلى الله عليه وسلم في عجائب قدرة الله وبدائع صنع الله، بل في مواجهة أسماء الله وصفاته سبحانه وتعالى وهى تتلطف له صلى الله عليه وسلم وتترفق به وترعاه وتؤنسه في غار حراء في وحدته عليه الصلاة والسلام.
ومعنى ضالا في الآية الشريفة محبا مستهاما، لأن الحب إذا قوى واشتد جعل صاحبه يضل في حبه، أي يتجاوز المدى في هذا الحب، فيتنكر لكل شيء ما عدا محبوبه، وينكر كل شيء إلا حبيبه، ويفنى في حبيبه فلا يحس بشيء غيره وقد قال الله سبحانه حاكيا ما قاله أبناء سيدنا يعقوب عليه السلام له عندما رأوه لا يسلو يوسف عليه السلام: ﴿إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ الْقَدِيمِ﴾.[95 الضحى].
يعنى أنت مازلت هائماً في حبك القديم ليوسف، لا تكاد تنساه فما تزال تذكر يوسف من شدة حبك له، حتى تكون حرضا ً أو تكون من الهالكين.
فهذا الضلال ضلال مخصوص، وهو نيران الحب المستعرة في الأحشاء ولهيب العشق المتأجج في القلوب، رزقنا الله شميم عبير هذا الحب حتى نذوق لذة حب الله ورسوله، ولذة القرب من الله ورسوله إنه مجيب الدعاء.. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى الله وصحبه وسلم.


[1] رواه الترمذي وأبو داود والحاكم وابن حنبل عن ابن عمر.

منقول من كتاب انور التحقيق 
لفضيلة الشيخ محمد على سلامة
وكيل وزارة الاوقاف ببورسعيد سابقا

التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:




شارك فى نشر الخير