آخر الأخبار
موضوعات

الأحد، 4 ديسمبر 2016

- مفهوم الدين .. والحكمة من العبادات

عدد المشاهدات:
 مفهوم الدين
لو نظرنا إلى مفهوم الدين في نظر سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلَّم ، وهو الذي أرسله الله عزَّ وجلَّ رحمة مهداة ونعمة مسداة.
(جاء إليه رجلٌ من أمامه وقال: يا رسول الله ما الدِّين؟ فقال صلى الله عليه وسلَّم: حُسن الخُلق، ثم ذهب الرجل وجاء من عن يمينه وقال: يا رسول الله ما الدِّين؟ فقال صلى الله عليه وسلَّم: حُسن الخُلق، ثم دار من خلفه وجاء من على يساره وقال: يا رسول الله ما الدِّين؟ فقال صلى الله عليه وسلَّم: حُسن الخُلق).
جعل نبيُّنا صلى الله عليه وسلَّم بوحيٍ من ربِّه عزَّ وجلَّ حقيقة الدِّين التي تدور على هذا المعنى العظيم، وبين مهمته التي أمره بتبليغها الله، فقال صلى الله عليه وسلَّم: (إنما بُعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق)[1]. وفي رواية أخرى: (إنما بُعثتُ لأتمم صالح الأخلاق)[2].
ونحن نعلم علم اليقين أن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم كما وصفه ربُّه: (قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ) (81الزخرف)، فكان يعبد ربه ويقوم الليل حتى تتورَّم أقدامه، ويصل الصيام ويصوم صيام الوصال، ولا يكُفُّ عن ذكر الله عز وجل طرفة عينٍ ولا أقلُّ، ومع ذلك عندما مدحه في كتاب الله، لم يُثنِ عليه بهذه العبادات التي قام بها مخلصاً لله، وإنما قال لنا عز وجل ليعلمنا: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (4القلم). وكلمة "على" يعني أنت أعلى من الخُلق العظيم، وفي قراءةٍ: (وإنك لعلى خلقِ عظيم)، مضافٌ ومضافٌ إليه، والعظيم هو الله، أى إنك على أخلاق الله جل في عُلاه.
ولذلك جعل رسول الله صلى الله عليه وسلَّم مدار دعوته على الأخلاق الكريمة، فعندما سُئل عن تعريف المسلم قال فيه: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)[3]. وعندما سُئل عن تعريف المؤمن قال: (ليس المؤمن بالطعَّان ولا اللعَّان والفاحش ولا البذيء)[4]. وقال في الرواية الأخرى: (المؤمن من أمن جاره بوائقه)[5]. أى شروره وآثامه.

مكانة حسن الخلق فى الدنيا والأخرة
وجعل لحُسن الخُلق المكانة العظيمة في الدنيا، والدرجة الرفيعة في الآخرة. من الذي يريد أن يكون مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين؟ بل يكون مع سيد الأولين والآخرين في الدرجة في يوم القيامة؟ وماذا يصنع لينال ذلك؟!!، قال صلى الله عليه وسلَّم مبيناً لنا ذلك: (أقربكم مني مجالس يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً الموطئون أكنافاً الذين يألفون ويؤلفون)[6].
ثم بين صلَّى الله عليه وسلَّم للعُبَّاد العمل الذي يثقل به الميزان يوم العرض على حضرة الرحمن، فقال صلَّى الله عليه وسلَّم: (تجدون أثقل شيء في موازينكم يوم القيامة خُلقٌ حسن)[7].

ثمرة العبادات حسن الخلق
 بين الله عز وجل ووضَّح رسوله صلى الله عليه وسلَّم أن العبادات التي أمرنا بها الله من صيامٍ وصلاةٍ وزكاةٍ وحج ولها حِكمٌ لا تُحد ولا تُعد، ولكن من أفردها أنها وسائل لإعداد المؤمن للخُلق الكريم والحال المستقيم،
 - فقال الله في قرآنه عن الصلاة: (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) (45العنكبوت).
فجعل الغاية من الصلاة أنها تنهى عن الفحشاء والمنكر، ولذلك قيل يا رسول الله، إن فلاناً يصلي ويسرق، فقال صلى الله عليه وسلَّم: (ستنهاه صلاته يوماً ما)[8].

- وبين صلى الله عليه وسلَّم الغاية من الصيام الذي يُرضي الله وينال القبول، فقال في هذه الروشتة النورانية: (إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب ولا يسُب ولا يشتم، فإن أحدٌ سابَّه أو شاتمه فليقل: إني امرئٌ صائم)[9].
- وقال في الحج - وهي الفريضة العالية - الله تبارك وتعالى موصياً المسلمين الذاهبين لأداء هذه الفريضة ـ نسأل الله عز وجل أن يرزقنا أداءها أجمعين: (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) (179البقرة). وقال الله تعالى في الزكاة: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) (103التوبة). إذن العبادات كلها لتجميل الإنسان المؤمن بأخلاق الله وأخلاق كتاب الله وأخلاق حبيب الله ومصطفاه.
وقالوا: يا رسول الله إن فلانة تقوم الليل وتصوم النهار ولكنها تؤذي جيرانها بلسانها، فقال صلى الله عليه وسلم: (لا خير فيها هي في النار)، وقيل يا رسول الله: إن فلانة لا تؤدِّي إلا فرائض الله، وتتصدق على جيرانها ببعض الأقط ـ يعني اللبن الرائب ـ فقال صلى الله عليه وسلم: (هي في الجنة)[10]، وقال صلى الله عليه وسلم: (ذهب حُسن الخُلق بسعادة الدنيا والآخرة)[11].
فدعانا رسول الله بناءً على وحي الله إلى مكارم الأخلاق، وإلى التجمل بالصفات الطيبة التي طالبنا بها الخلاَّق، والتي أشار إليها في وصف عباد الرحمن، فإنه عز وجل قال عنهم في القرآن: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الارْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا) (63الفرقان)، وهذا في باب الأخلاق، ثم تكلم بعد ذلك في العبادات: (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا) (64الفرقان).
أُنظر إلى تربية الله لحبيبه ومصطفاه حيث يقول معلماً لنا في كتاب الله: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) (199الأعراف)، ولذلك قال الصديق رضي الله عنه: يا رسول الله لقد عاشرت العرب وعاشرتُ الروم وعاشرت الفرس فلم أجد أدباً مثل أدبك، فمن أدبك؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (أدبني ربي فأحسن تأديبي)[12].

مجتمع المودة
وإذا انتشر هذا المبدأ الكريم والخُلق القويم بين المسلمين، كان مجتمع المؤمنين مجتمع مودة ورحمة وخيرٍ وبركة على الدوام، حتى أن خيرهم يتعدَّى مداه إلى من حوله من الحيوانات، فقد قال صلى الله عليه وسلم محذراً من سوء الأخلاق حتى مع غير بني الإنسان: (دخلت إمرأة النار في هرِّةٍ حبستها لا هي أطعمنها ولا هي تركتها تأكل من خُشاش الأرض)[13].
وحكى عمَّن كان قبلنا: أن رجلاً عطش في بادية ـ أى صحراء ـ فوجد بئراً الماء فيه قليل فنزل وشرب، وعندما صعد وجد كلباً يلهس من شدة العطش، فنزل وأمسك بخُفِّهه ـ أى حذائه ـ ثم ملأه ماء وأمسكه بأسنانه ثم صعد فسقى الكلب ـ قال صلى الله عليه وسلَّم: (فنظر الله تعالى إليه فشكر له ذلك وأدخله بذلك الجنة)[14].
نسأل الله عزَّ وجلَّ أن يُجمِّل أخلاقنا وأن يقوِّم صفاتنا، وأن يُحسِّن جميع شئوننا وأن يجعلنا من الذين ينطبق عليهم قول ربنا: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ) (29الفتح).
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم

الموقع الرسمى لفضيلة الشيخ فوزى محمد أبوزيد
التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:




شارك فى نشر الخير