آخر الأخبار
موضوعات

الجمعة، 23 ديسمبر 2016

- كيف تكون من المفلحين ؟

عدد المشاهدات:
(فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)،
وصف الله عز وجل في هذه الآيات التي استمعنا إليها الآن قوماً بأنهم هم المفلحون، والفلاح يعني النجاح الأعظم يوم لقاء الله، وهذا النجاح ليس بعده خسارة ولا بعده بوار، لأن الإنسان بعده سيكون في الجنة مع الأبرار في جوار النبي المختار وأصحابه الأخيار رضوان الله تبارك وتعالى عليهم أجمعين. وكلنا بحمد الله يتمنَّى الحصول على هذا المقام، من الذي يتمني أن يكون من الجماعة المفلحين يوم الدين؟ كلنا والحمد لله.
ما المهام التي إذا عملها الإنسان مع حضرة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم كان من المفلحين؟. ربنا أعطانا أربع مهام: (فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ)، من هؤلاء؟ (أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (157الأعراف).
ولكي يكون الواحد منا من المفلحين، يلزم عليه أن يعمل بهذه الأربع التي ذكرها رب العالمين عزَّ وجلَّ.
- أولها الإيمان به:
 أليس كلنا مؤمنون؟ لكن نجد الله عزَّ وجلَّ يخاطبنا جماعة المؤمنين يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا) (136النساء). لماذا؟ لأن الإيمان  درجات، ويقول الله في المؤمنين: (هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ الله) (163آل عمران). وأنا أتمني أن تفقهوا كتاب الله، فلم يقل لهم درجات، وإنما هم الدرجات!!، هم درجات، وليس لهم درجات، ولكنهم هم أنفسهم درجات عند الله، أليس هذا كلام الله؟، (هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ الله) (163آل عمران).
الإيمان بحبيب الله ومصطفاه - الذي يطلبه منا الله - هو الذي أشار إليه الحبيب المصطفى، وقال لنا في خطابه المباشر صلوات ربي وتسليماته عليه: (والله لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وماله وولده والناس أجمعين)[1].
هذا هو الإيمان المطلوب، فيكون أحبَّ إليَّ من كل شيء، وما البرهان على هذا الإيمان في هذا الكون؟ أن تكون سنته والعمل بها وشريعته وإقامتها أحب إليَّ من نفسي ومالي وولدي والناس أجمعين.
فالإيمان ما ترجمته في عصرنا؟ السنة، ..الشريعة: ولذلك قال صلى الله عليه وسلَّم مبشراً مَنْ تمسَّك بالسنة في هذا الزمان: (من تمسَّك بسنتي عند فساد أمتي فله أجر مائة شهيد)[2]. لأنه مستمسك بالسنة ولا يريد أن يتزحح عنها، وقد يوجد من يسخر منه، ومن يستهزئ به، ومن يحاربه، لكنه لا يعبأ بذلك كله، لأنه يريد أن يبلغ الدرجة القُصوى من الإيمان بالنبي العدنان صلى الله عليه وسلَّم. ومن وجد سنة أماتها أهل البدع ويحييها، يقول فيه صلى الله عليه وسلَّم كذلك: (من أحيا سنتي عند فساد أمتي فله أجر مائة شهيد)[3]. نبحث عن السنن ونحييها ونستمسك بها:
لسنته فاخضع وكن مستمســــــــــــــكاً      وحاذر فحصن الشرع باب الســلامةِ
على الجمر قف إن أوقفتك توضعاً      يكن لك برداً بل سلامـــــــــــــــــــــاً برحمة
إياك يا أخي أن تميل عن السنة طرفة عين ولا أقل، إياك أن تستصغر شأناً وتقول ليس مهماً إتباع السنة في هذا الأمر، جائز هذا الشيء في نظرك ليس مهماً لكنه فيه رضا الله، ومخبوءٌ تحته عطاءات الله، ولذلك كان الصالحون يقولون: ((لا تستصغر من الذنوب ذنباً فعسى أن يكن غضب الله عزَّ وجلَّ فيه، ولا تستصغر من الطاعات طاعة فعسي أن يكون رضا الله عزَّ وجلَّ فيها)).
إن وجودنا في زمان الناس تتساهل فيه بالسنة - أنا أعني بالسنة ذلك التشدد؟ لا، السنة الوسطية التي جاء بها خير البرية، لأن سيدنا رسول الله لم يكن عنده تشدد أبداً، كان يُشدد على نفسه، وكان يُيسِّر على غيره ويقول لهم: (يسِّرا ولا تعسِّرا وبشِّرا ولا تُنفِّرا وتتطاوعا ولا تختلفا)[4].
ولذلك دائماً نقول للأحبة المُعرَّضين والمتعرِّضين للحديث بالنيابة عن سيد الأولين والاخرين: ((إن كنت تريد أن تتشدد فشدد على نفسك، لكن على المسلمين يسَّر، يسَّر الأمور حتى تكون مثل حضرة النبي صلى الله عليه وسلَّم، وبشَّر ولا تفتح للمسلمين باب الإعِذار والإنذار وجهنَّم والعياذ بالله عزَّ وجلَّ، فما لهم ولجهنَّم؟ ذكِّرهم بالجنة وعرَّفهم عليها حتى تطير أرواحهم إلى هذه الجنة، ويسارعون إلى الأعمال التي توصلهم إلى هذه المراتب العالية في الجنة.
كان هذا منهج الحبيب صلى الله عليه وسلَّم، وهو الطبيب الأعظم الذي علَّمه مولاه وقال له قل لهم: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) (108يوسف). يدعو صلى الله عليه وسلَّم إلى الله على بصيرة منيرة.
إذن الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلَّم يعني أن تكون سنته وشريعته أغلى عند الإنسان من أى شيءٍ في هذه الأكوان فيستمسك بها لأجل أن يفوز بهذا المقام العظيم الذي قدَّره لنا الرحمن عزَّ وجلَّ.
- ثانياً: وعزَّروه:
وتعزيره صلى الله عليه وسلَّم ربنا أمرنا في آياتٍ أُخرى في سورة الفتح: (لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا) (9الفتح).
ما معنى تعزَّره؟ يعني نساعده ونعاونه على إبلاغ الرسالة وعلى أداء الشريعة لمن لا يعلمها، ولذلك قال لنا صلى الله عليه وسلَّم أجمعين: (بلِّغوا عني ولو آية)[5].
كل مسلم مُطالب بالبلاغ عن الله وعن رسول الله، وإياكم أن تعتقدوا أن البلاغ مُطالب به العلماء فقط؟ لأن الأمة كلها يُفترض أن تكون كلها علماء، ومن عرف حجَّةً على من يعرف، يعني عرفتُ شيئاً في دين الله فلابد أن أُبلغه لمن لا يعرفه، وهذا هو الأمر الذي أمرنا به رسول الله صلى الله عليه وسلَّم حتى نعينه صلوات ربي وتسليماته عليه على إبلاغ رسالات الله.
والمعاونة الأعظم، والمعاونة الأكرم، أنني أكون في سلوكي وأخلاقي وأعمالي صورةً لما جاء به رسول الله من عند الله. لا أريدك أن تتكلم باللسان، ولكن أريد أن يكون سلوكك وحركاتك وسكناتك تكون خير تعبيرٍ عما جاء به صلى الله عليه وسلَّم من عند الرحمن، لأن الناس تراك فيرون فيك أخلاق الإسلام، وأخلاق أهل الإيمان وكل ما جاء عن النبي العدنان صلى الله عليه وسلَّم، يروه في حركاتك وسكناتك وسلوكياتك أنت ومن تعول.
فلابد للإنسان المؤمن لكي يعضِّد رسول الله ويؤازره ويساعده، يساعده بأى شيئٍ؟ بأنه يحاول أن يجاهد نفسه لتنطبع على أخلاق النبوة. يا ليتنا في عصرنا الذي نحن فيه نصل إلى الأخلاق التى وصف بها النبي قبل أن تنزل عليه الرسالة وينزل عليه الوحي، فقبل الرسالة ماذا كانوا يسمونه؟ الصادق الأمين وهذا قبل الرسالة.
فالمصيبة الكبرى الآن بين المسلمين؛ مَنْ مِنْ المسلمين - إلا من عصم ربي - يعتبر أن الكذب ذنبٌ سيحاسبه عليه الله؟، لا يوجد، بل يعتبره فهلوه ويعتبره شطارة ويقول لك: كيف أعيش، فلو كل شيئٍ أتكلم عنه بصدق فلن أستطيع العيش بين الناس ـ لكن حضرة النبي قالوا له: (يا رسول الله أيسرق المؤمن؟ قال: قد يسرق ثم يتوب فيتوب الله عليه، قالوا: أيقتل المؤمن؟ قال: قد يقتل ثم يتوب فيتوب الله عليه، قالوا: أيكذب المؤمن؟ قال: لا المؤمن ليس بكذَّاب، المؤمن ليس بكذَّاب، المؤمن ليس بكذَّاب)[6].
وكانت بداية الذي يُريد أن ينتسب إلى طريق الله يقولون له: تُعاهدنا على الصدق ـ حتى السيدات في الزمن الأفضل كنَّ يعلمنَ ذلك. سيدنا عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه وأرضاه ـ وُلد في بلد اسمها جيلان في إيران الآن ـ  وأراد الإستزادة في طلب العلم فسأل عنها فقالوا له: تذهب إلى بغداد وكانت عاصمة الخلافة، وأبوه كان متوفياً، فاستأذن أُمه: إئذني لي لأطلب العلم، فقالت له: لا مانع ـ وكان له أخٌ واحد ـ فقالت له: أبوك ترك لكما ثمانين ديناراً أنتما الإثنين، فخذ الأربعين دينار نصيبك واذهب بهم لطلب العلم، ولكن تعاهدني أولاً أنك لا تكذب قط، أخذت عليه العهد أولاً أن لا يكذب قط، وخاطت له الأربعين ديناراً في جلبابه من الداخل، لأنه في زمانهم كان قُطَّاع الطريق منتشرين، وكانوا لا يعرفون لقطاع الطريق مكان، وكانوا لا يسافرون إلا في قافلة ليحتموا فيها من قطاع الطريق.
فسافر ومشى مع قافلة وإذا بقطاع الطريق يخرجون عليهم، وأخذوا كل ما مع القافلة، وسألوه: ماذا معك؟ فقال: أربعون ديناراً، فظنوا أن عقله فيه شيء، فسألوه: ماذا معك؟ يقول: أربعون ديناراً، فذهبوا به لزعيم العصابة، وقالوا له: أن هذا الصبي يقول كذا وكذا، فسأله: ماذا معك؟ قال: أربعون ديناراً، قال له: أنت تكذب، فقال: لا أكذب وأراه مكانهم في جلبابه، فسأله: ولم لم تكذب؟ قال: لأن أمي أخذت عليَّ العهد أن لا أكذب.
فشاءت إرادة الله لأجل الصدق أن يفتح الله قلب هذا الرجل زعيم العصابة، وقال لمن معه: إذا كان هذا الصبي قد أخذت أمه عليه العهد أن لا يكذب، ونحن قد أخذ الله عز وجل  علينا العهد أن لا نسرق ولا نقطع الطريق، ما هذا الذي نصنعه؟ أنا تائبٌ إلى الله عز وجل على يد هذا الغلام. ولم يكن شيخاً بعد، ولكنه كان ذاهب ليتعلم ويتربَّى في طريق الله ـ فقال الزعيم لمن معه: ما رأيكم؟ فقالوا: نحن معك، فقال: إذن رُدَّوا كل ما أخذتموه من القافلة إلي أصحابه. لماذا يا إخوانا؟ لأن ربنا قال لنا في القرآن: ما اسم هذه الأمة؟ ومن يدخل معهم لماذا يدخل؟، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) (119التوبة).
هذه الأمة إسمها أمة الصادقين؛ فلا يكذب أحدٌ منهم أبداً، حتى في اللهو واللعب، حتى في المزاح، فقد كان صلى الله وسلَّم يقول: (إنِّي لأمزح ولا أقول إلا حقًّا)[7]. ولابد أن تكون أنت صورة من هذه الأخلاق الكريمة.
ما الذي حبَّب الأمم في الإسلام، في أندونيسيا وفي الصين وفي الهند وفي أفريقيا في دين الإسلام؟!!، من الذي ذهب إلى هناك من العلماء؟ لا أحد، وما الإذاعات التي توجَّهت إلى هناك؟ لا شيء، فكيف أحبُّوا الإسلام؟
كان التجار المسلمين يذهبون إليهم فيرون فيهم الصدق والأمانة، فيسألوهم من أين تعلمتم هذه الأخلاق؟ فيقولون لهم: من الإسلام، فأحبوا الإسلام ودخلوا في الإسلام، لماذا؟ لأخلاق التجار المسلمين والذين حضرة النبي قال فيهم ـ وإنتبه للنص النبوي: (التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين يوم القيامة)[8]. والشرط هنا أن يكون صدوقاً وأميناً. وهكذا أمر المسلم في أى عملٍ يقوم به لله لابد وأن يكون صادقاً وأميناً.
فأخلاق المسلم التي يجب أن تكون على نسق أخلاق الحبيب هي المعونة العُظمى التي نقدمها لرسول الله ولدين الله لأن الكافرين يرون أحوال المسلمين، وقد قرأوا عن الإسلام ودرسوا الإسلام، ولكن عندما يروا أحوال المسلمين يقولون: ما هذا؟ أهذا هو الإسلام الذي قرأنا عنه؟ عندما يروا الغش والنصب والخداع والزور والكذب والبهتان، يقولون: ما لهؤلاء وللإسلام الذي قرأنا عنه؟ الإسلام ليس فيه شيئاً من هذه الصفات نهائياً، الإسلام يحتاج إلى المسلم الملتزم والقدوة، ونحن جميعاً نحتاج إلى ذلك، نحتاج إلى القدوة الملتزم.
ونحن أيضاً يا إخواني لكي نساعد رسول الله ونعزِّر رسول الله فينبغي أن نتخلق بالأخلاق الكريمة التي كان عليها في الحياة صلوات الله وتسليماته عليه.
وهو يعرفنا ويقول: من الذي يريد أن يكون معي يوم القيامة؟، كم ركعة يصليها في الليل؟!!، ويصوم كم يوماً في الأسبوع؟!!، لا هذه ولا تلك. من الذي يحفظ الحديث؟ قال صلى الله عليه وسلَّم: (إن أقربكم مني مجالس يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً الموطئون أكنافاً الذين يألفون ويؤلفون)[9]. لا عندهم فظاظة ولا غلظة ولا قسوة ولا شدة، وإنما رحمة وشفقة ومودة لجميع المؤمنين والمؤمنات.
- ثالثاً: ونصروه: 
ونصر رسول الله صلى الله عليه وسلَّم هو العمل على نشر سنته، وعلى تطبيق شريعته، وأين نطبقها؟ على نفسي أولاً، وعلى أولادي بعد ذلك، قال صلى الله عليه وسلَّم: (إبدأ بنفسك ثم بمن تعول ثم الأقرب فالأقرب)[10].
أبدأ بنفسي أولاً، ومن يُريد أن يُطبِّق الشريعة على الناس ويمسك لهم عصا؟ لا ـ إبدأ بنفسك أولاً فيرى الخلق المحيطين بك آيات قدرة الله!!، رزقك قليل لكن يتعجبون من البركة التي تنزل فيه من الله، يتعجبون من هداية أولادك إلى الله وحُسن تربيتهم في الدنيا وحُسن إقبالهم على حضرة الله، يلمسون فيك هذه الأشياء الطيبة، فيريدون أن يفعلوا مثلك، فماذا يصنعون؟. يسألونك عن السكة أو يقتفوا أثرك لكي ينالوا ما نلت من فضل الله وإكرام الله والذي يقول فيه الله جل في علاه: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) (97النحل).
وكان بعض الصالحين يقول في هذه الحياة: ((نحن في لذَّة لو يعلم الملوك ما نحن فيه لحاربونا عليه بالسيوف)). هذه اللذة القلبية التي يعيشون فيها وهي القرب من الله، ومناجاة الله، والأنس بالله، ومواجهة حبيب الله ومصطفاه، والعطايا المتتالية التي تنزل على القلب من المولى جلَّ في علاه، والتوفيق الذي يصحب المرء في كل حركاته وسكناته في هذه الحياة، والتيسير الذي يجعله الله ظلاًّ له ورفيقاً له في كل أموره في هذه الدنيا، يرون هذه الأشياء وهم يريدونها لأنهم يشكون من الهمِّ والغمِّ والمتاعب، وما لا عدَّ له ولا حدَّ له من مشاكل الدنيا ومتاعاتها، ماذا يريدون؟
يريدون أن يروا فيها فتح الله فيمشون وراءه، فلابد أن يكون أولاً إماماً يُقتدى به في نفسه ويأخذ معه ولده وابنته وزوجه، وبعد ذلك يوسِّع الدائرة فيفعل كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلَّم.
مَنْ أول مَنْ آمن برسول الله؟ زوجته السيدة خديجة، وربيبه الإمام عليّ، وخادمه زيد بن حارثة، أليس هؤلاء أول مَّن آمن برسول الله، فبدأ بمن أولاً؟ بنفسه وبمن معه، وهي نفسها دعوة رسول الله لكل من يتعرَّض لدعوة الله على منهج حبيب الله ومصطفاه صلى الله عليه وسلَّم.
(وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ): الذي هو نور كتاب الله، فكتاب الله نور والنبي نور، والله عزَّ وجلَّ نور: (اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالارْضِ) (35النور).
والقرآن يقول فيه رب العزة: (مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا) (52الشورى).
ورسول الله نور: (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ الله نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ) (15المائدة). والواو تقتضي المغايرة، ما قبلها غير ما بعدها، ولو كان النور هو الكتاب لكانت الآية: قد جاءكم من الله نورٌ كتابٌ مبين، لكن ما دام وُجدت الواو فيكون النور شيئٌ والكتاب شيئٌ آخر، والنور هنا من هو؟ هو رسول الله.
وكان صلى الله عليه وسلَّم يقول ذلك، كلما مشى لصلاة الفجر كان يقول: (اللهم اجعل لي نوراً في سمعي، ونوراً في بصري، ونوراً من أمامي، ونوراً من خلفي، ونوراً من فوقي، ونوراً من تحتي، ونوراً في قلبي، واجعلني كلي نوراً، أعظم نورا)[11].
ودعاؤه مستجاب، فدعا الله أن يجعله كله نوراً، ولذلك كان إذا مشى في الشمس لا يُرى له ظل، وكل شيئ في الكون له ظلٌ ما عدا هذا النور ـ فهذا المصباح ليس له ظل ـ فكان إذا مشى لا يُرى له ظل صلوات ربي وتسليماته عليه، لأنه:
أبرزته يد العناية كوناً                 وهو نورٌ في صورة آدمية
هذا النور يقول في رب البرية: (وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) (198الأعراف). أفلا يرون إلا الجسم الظاهر؟ يرونه ـ ولكنهم لا يرون ما فيه، وهو حقيقة الحبيب الأعظم، والرسول الأكرم، صلوات ربي وتسليماته عليه.
فالنور الذي أُنزل معه نور القرآن، وما معنى اتبعوه؟ يعني عملوا به، فلا يُعرض عليه عملٌ، ولا يريد أن يتحرَّك حركة، أو يسكن سكنة، إلا ويرجع للقرآن ويسأل القرآن، فإن كان القرآن يأمر بالفعل، سارع إلى الفعل، وإن كان القرآن يأمر بالنهي سارع إلى الإنتهاء، وإن تحيَّر ولم يدري سأل أهل الذكر: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (43النحل).
ولم يقل: أهل العلم، وأهل الذكر يعني العلم والعمل الذين فتح الله بصائرهم، ونوَّر سرائرهم، وأصبحوا لا يغفلون عن ذكر الله طرفة عين ولا أقل، فأصبحوا أهل خشية الله جل في علاه، يسألهم فيُخبرونه، فلا يعمل عملاً صغيراً أو كبيراً إلا سأل القرآن، ولا يسارع إلى أى أمرٍ ولا يمضي فيه إلا إذا كان مطابقاً لصريح القرآن.
من كانت فيه هذه الصفات، ويُجمَّل بهذه المواهب، فهنيئاً له الفلاح يوم القيامة، يكون يوم القيامة: (مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ الله عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ) (69النساء). فيكون الناس في كرب الحساب وهو له منبرٌ من نور قدام عرش الرحمن: (يفزع الناس ولا يفزعون ويخاف الناس وهم الآمنون).
أو يدخل الجنة بغير حساب، ويجلس على أرائك شرفات قصوره في الجنة ليرى وينظر إلى أهل الموقف وأهل الحساب، ويشكر الله عز وجل على ما أتاه وما أعطاه، لأنه عمل بكتاب الله، وكتاب الله عز وجل هو النور الذي ينير له يوم القيامة في هذه الظلمات الهابلة ظلمات يوم الدين.
نسأل الله عز وجل أن يعيننا على العمل بذلك، وأن يخلِّقنا بهذه الكمالات، وأن يواجهنا بهذه التنزلات، وأن يجعلنا من أهل هذه النفحات.  
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم

الموقع الرسمى لفضيلة الشيخ فوزى محمد أبوزيد
التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:




شارك فى نشر الخير