عدد المشاهدات:
السالكون عند الإمام أبي العزائم يحققون في زمنهم وعصرهم مجتمع المدينة الفاضلة، والذي ظهر لأول مرة في المدينة المنورة عندما كان ساكنوها هم الذين قال الله فيهم: ( مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ ) [29الفتح]، وهم يعيدون تلك الأحوال على قدر زمانهم، والمبدأ الذي يضعونه نصب أعينهم هو وصف الله لأصحاب سيدنا رسول الله في قوله : ( رُحَمَاء بَيْنَهُمْ ).. الخ ولا يكون ذلك إلا إذا حدثت الأخوة الإيمانية بمعناها الحقيقي والتي جمع أوصافها الامام عندما وصف الإخوان فقال:((والإخوان هم هياكل متعددة سرت فيهم روح واحدة، كالجسد الواحد تعددت أعضاؤه ولكنه واحد، فإذا تألم عضو منه شعر بالألم كل الجسد، فكذلك الإخوان يتألمون جميعاً لألم أحدهم، غنيهم فقير لأنه يؤثر الفقير على نفسه، وفقيرهم غني لكمال ثقته بربه، صفت قلوبهم فتجملت ظواهرهم، فإذا رأى الأخ الأخ كأنه أشرقت عليه أنوار، فانبسط وانشرح وصافح وفرح فيزداد نوراً على نوره وحالاً على حاله وعلماً على علمه.يبذل كل أخ لأخيه ما يجد من وجد أو وجود، فيغذي الأخ أخاه بعلمه، والآخر يغذيه بخبزه، فلا يقابل أخ أخاه إلا وفتحت أبواب السماء بالبركات، وهطلت الأرزاق والفتوحات، نزع الله ما في صدورهم من غل، وما في قلوبهم من طمع، لأنه سبحانه هو المحبوب لهم في أنفسهم، وما تقولون في اثنين تقابلا على شوق في الله، ومحبة في الله، وبذل في ذات الله؟هذا يبذل لأخيه ما به سعادته الأبدية من علم وحال وخُلق حسن، والآخر يبذل له نفيس طعامه وشرابه وماله، وما تقولون فيمن تحقق فيهم قوله في الحديث القدسي عن الله تعالى: { المتحابون فيّ والمتباذلون فيّ، والمتزاورون فيّ على منابر من نور، يغبطهم الملائكة والأنبياء لقربهم من الله } وليس هذا الوصف العلي موجوداً إلا في الصديقين وأبدال الرسل عليهم الصلاة والسلام، فكل أخ يعامل أخوانه بهذا فهو من الصديقين ومن أبدال الرسل عليهم الصلاة والسلام)) ويجمل الآداب التي يتأدب بها الأخ مع أخوانه في هذه الحكمة الفذة الجامعة حيث يوضح أن الأخ إما أكبر منك وإما أصغر منك وإما مساو لك، فأما من هو أكبر منك فتعتقد في نفسك أنه خير منك لأنه سبقك بطاعة الله ، وأما من هو أصغر منك، فتعتقد في نفسك أنه خير منك، لأنك سبقته بمعصية الله ، وأما المساو فشئ من اثنين: إن كان أعلم منك فتعتقد أنه خير منك، لأنه يعلم ما لا تعلم، وللمنزلة الكريمة التي أعدها الله للعلماء، وأما إن كان أقل منك علماً، فتعتقد في نفسك أنه خير منك لأنك تحاسب على ما تعلمته، فحسابه أخف من حسابك، وهكذا قس في كل الأمور في الغنى والفقر، والصحة والمرض، والعبادات الشاقة في النوافل وتركها، فإذا تأدب السالك بهذه الآداب، فإنه كلما جلس مع إخوانه كما كان قال الامام :((جلس محصلاً لا موصلاً، ومكتسباً لا منفقاً، وطالباً لا مطلوباً، ومجاهداً لأعدائه فيه لا مغروراً مخدوعاً، ومريضاً يستشفى لا طبيباً يعالج)).وهنا ينصح السالك أن يعتقد الإحسان في غيره والنقص في نفسه، وأن يغض عيون البحث عن عيوب إخوانه، ويصم آذان التنقيب عن نقائص بعضهم، وفي ذلك يقول: ((فإن المريد ليس رسولاً معصوماً، ولا ملكاً نورانياً مجرداً عن لوازم البشرية، وعلى كل أخ أن يشتغل بتطهير نفسه وتزكيتها من عيوبها، وأن ينظر لنفسه بالانتقاد أو البحث عن دسائسها ومساويها، وينظر لكمالات إخوانه ليتكمل بها ومحاسنهم ليتجمل بها)) فإذا أكرم الله الأخ بخصوصية يقول له: ((فإذا شهد وجوده، وظهرت له خصوصيته، وجب عليه أن يلزم الأعتاب ويتجمل بالآداب، فإن مراد السالك القبول والغيبة عن الخلق بالحضور مع الله تعالى، فمن غيبه علمه وحاله وبيانه عن الحضور مع الحق، فعاند أو جادل أو اصطفى لنفسه إخواناً، أو ظن أنه كمل فقام ليكمل غيره، خلع حلل السلوك، وحرم السير إلى ملك الملوك، وهذا هو المرض الإبليسي، ومن لم يتدارك نفسه في هذا التيه بتعاطي الأدوية المرة من يد المرشد أو النصوح المخلص من إخوانه، رد عن الجناب إلى الأعتاب أو إلى رعي الدواب، نسأل الله السلامة)) أما بالنسبة لتفاضل الإخوان فيما بينهم، فيضع قاعدة عظيمة تجعلهم جميعاً يتناسون هذا الفضل فيقول للسابق منهم :(( ليس الطريق لمن سبق، إن الطريق لمن صدق )) ويقول لللاحق منهم:(( من سبقك في صحبة المرشد ولو بيوم فله فضل السبق عليك ))ويقول لمن أعطى لسان البيان:(( البيان خصوصية، لا تقتضي الأفضلية، ورب صامت خير من ناطق )) ويقول لغير العلماء :(( ساعة من عالم متكئ على أريكته خير من عبادة ستين سنة )).ويقول لأهل المجاهدات:
(( جذبة من جذبات الحق توازي عمل الثقلين )).ثم يقول لأهل الجذب:(( الجذبة تمناها كبار الأولياء، ولكن الله أرتضى لكمل أوليائه ألا يصلوا إليه إلا بطريق المجاهدة )).وهكذا يخرج كل سالك من الحال الذي وقف عنده، والمقام الذي استكن فيه، حتى يرى الجميع أن الفضل لله وللجميع، وأن البركة والفتح لهم بسر الاجتماع، وبدوام الاتباع، ويحذر من يرى نفسه لخصوصية ظهرت له في عين نفسه على أخوانه فيقول:(( كفى بالمرء إثماً أن يرى الخير في نفسه والشر في إخوانه )
وينبه من ظن أنه وصل إلى حال استغنى به عن الإخوان بقوله :(( كمل الأخوان لو ظن أنه استغنى عن إخوانه فقد ضل )) وهكذا يحفظ لمجتمع الإخوان صحتهم الروحانية بهذه الآداب الرحمانية، ومن خرج منهم عن ذلك جعل له تهذيباً مناسباً إذا قام به ترجع له صحته الروحانية، حتى يكون الجميع حقيقة المثل الذي ضربه الحبيب لمجتمع المؤمنين في قوله :{ مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى عضو منه تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى } فيكونون كما قال رضى الله عنه :
أنتم أنا وأنا أنتم ولا عجب إن كنتم حيث كنت أنا
روح هنا هي بعض أرواح هناك وأرواح هناك هي الروح المقيم هنا
ويلمح إلى بعض تلك الآداب فيقول:
وستراً لعورات الأحبة كلهم وعفواً عن الزلات فالعفو أرفق
توادوا بروح الله بالله وابذلوا لإخوانكم بشر اللقا وتعانقوا
لصحبتكم بالرفق والحسن فابذلوا لأحبابكم عند اللزوم وخالقوا
أما آدابهم في جلوسهم مع بعضهم وفي زياراتهم وتوادهم وفي سياحاتهم وأسفارهم وفي تعاونهم وبرهم وغيرها، فهذا سنبسطه في كتاب الآداب إذا يسر الله ذلك بجوده ولطفه.ونتيجة هذه التربية السلوكية العالية فقد خرج طلابه ومريدوه على ما كان سائداً في صوفية عصره من التعصب لمشايخهم وتفضيل طريقهم على غيره، بل كان بعضهم ينهي مريديه عن زيارة غيره من الصالحين، وعن مطالعة كتب غيره، وإذا خالف أمره وفعل ذلك، عنفه وزجره وربما طرده، فيقول الامام :
((إن دعاة الجهالة لطمعهم يوقعون العامة في بغض العلماء والأتقياء والدعاة إلى الخير، فتحصل الفرقة، ويقوم كل فريق لمناواة الآخر، فتتفرق الجماعة ويسارع كل فريق إلى المتسلطين أو الأمراء فيستعينون بهم على أهل الحق، حتى يضعف القائمون بالحق ويختفون وينتشر الباطل)) ويحض إخوانه على معاشرة جميع العلماء ومخالطة كل الصالحين، وقراءة كل أصناف العلوم وجميع أنواع الكتب لأن الإسلام ينهي عن العصبية فيقول:((ينبغي لإخواننا أيدهم الله تعالى - ألا يعادوا علماً من العلوم وألا يهجروا كتاباً من الكتب، وألا يتعصبوا لمذهب من المذاهب، لأن طريقنا يستغرق المذاهب كلها ويجمع العلوم جميعها)) بل أنه ، لا يفرق بين الصوفية وغيرهم في هذا الأمر، حتى وصفه كبار المستشرقين عندما رأوه في بلاد السودان ودرسوا مبادئ دعوته، بأنه أقرب إلى الدعوة الوهابية منه إلى الصوفية فهو يرى أن المسلم لا يتعصب إلا للإسلام فقط في مواجهة ما عداه أما مع إخوانه المسلمين، فهي الأخوة التي أوجبها الله وحققها سيدنا رسول الله
(( جذبة من جذبات الحق توازي عمل الثقلين )).ثم يقول لأهل الجذب:(( الجذبة تمناها كبار الأولياء، ولكن الله أرتضى لكمل أوليائه ألا يصلوا إليه إلا بطريق المجاهدة )).وهكذا يخرج كل سالك من الحال الذي وقف عنده، والمقام الذي استكن فيه، حتى يرى الجميع أن الفضل لله وللجميع، وأن البركة والفتح لهم بسر الاجتماع، وبدوام الاتباع، ويحذر من يرى نفسه لخصوصية ظهرت له في عين نفسه على أخوانه فيقول:(( كفى بالمرء إثماً أن يرى الخير في نفسه والشر في إخوانه )
وينبه من ظن أنه وصل إلى حال استغنى به عن الإخوان بقوله :(( كمل الأخوان لو ظن أنه استغنى عن إخوانه فقد ضل )) وهكذا يحفظ لمجتمع الإخوان صحتهم الروحانية بهذه الآداب الرحمانية، ومن خرج منهم عن ذلك جعل له تهذيباً مناسباً إذا قام به ترجع له صحته الروحانية، حتى يكون الجميع حقيقة المثل الذي ضربه الحبيب لمجتمع المؤمنين في قوله :{ مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى عضو منه تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى } فيكونون كما قال رضى الله عنه :
أنتم أنا وأنا أنتم ولا عجب إن كنتم حيث كنت أنا
روح هنا هي بعض أرواح هناك وأرواح هناك هي الروح المقيم هنا
ويلمح إلى بعض تلك الآداب فيقول:
وستراً لعورات الأحبة كلهم وعفواً عن الزلات فالعفو أرفق
توادوا بروح الله بالله وابذلوا لإخوانكم بشر اللقا وتعانقوا
لصحبتكم بالرفق والحسن فابذلوا لأحبابكم عند اللزوم وخالقوا
أما آدابهم في جلوسهم مع بعضهم وفي زياراتهم وتوادهم وفي سياحاتهم وأسفارهم وفي تعاونهم وبرهم وغيرها، فهذا سنبسطه في كتاب الآداب إذا يسر الله ذلك بجوده ولطفه.ونتيجة هذه التربية السلوكية العالية فقد خرج طلابه ومريدوه على ما كان سائداً في صوفية عصره من التعصب لمشايخهم وتفضيل طريقهم على غيره، بل كان بعضهم ينهي مريديه عن زيارة غيره من الصالحين، وعن مطالعة كتب غيره، وإذا خالف أمره وفعل ذلك، عنفه وزجره وربما طرده، فيقول الامام :
((إن دعاة الجهالة لطمعهم يوقعون العامة في بغض العلماء والأتقياء والدعاة إلى الخير، فتحصل الفرقة، ويقوم كل فريق لمناواة الآخر، فتتفرق الجماعة ويسارع كل فريق إلى المتسلطين أو الأمراء فيستعينون بهم على أهل الحق، حتى يضعف القائمون بالحق ويختفون وينتشر الباطل)) ويحض إخوانه على معاشرة جميع العلماء ومخالطة كل الصالحين، وقراءة كل أصناف العلوم وجميع أنواع الكتب لأن الإسلام ينهي عن العصبية فيقول:((ينبغي لإخواننا أيدهم الله تعالى - ألا يعادوا علماً من العلوم وألا يهجروا كتاباً من الكتب، وألا يتعصبوا لمذهب من المذاهب، لأن طريقنا يستغرق المذاهب كلها ويجمع العلوم جميعها)) بل أنه ، لا يفرق بين الصوفية وغيرهم في هذا الأمر، حتى وصفه كبار المستشرقين عندما رأوه في بلاد السودان ودرسوا مبادئ دعوته، بأنه أقرب إلى الدعوة الوهابية منه إلى الصوفية فهو يرى أن المسلم لا يتعصب إلا للإسلام فقط في مواجهة ما عداه أما مع إخوانه المسلمين، فهي الأخوة التي أوجبها الله وحققها سيدنا رسول الله