عدد المشاهدات:
السنة
والبدعة
السنة لغة :
هى الطريقة
وشرعا : قال
الأصفهانى في مفردات القرآن: سنة رسول الله وهى طريقته التى كان يتحراها . أى
طريقته في الفعل والأمر والقبول والرد.
البدعة لغة :
قال الراغب الأصفهانى في مفردات القرآن الإبداع إنشاء صنعة بلا احتذاء ولا اقتداء
وإن استعمل في الله تعالى فهو إيجاد الشئ بغير آلة ولا مادة ولا زمان ولا مكان
وليس ذلك إلا لله.
فالبدعة لغة :كل شئ أحدث على غير مثال
شرعا : فقد
قال النووى في تهذيب الأسماء واللغات . هى إحداث مالم يكن في عهد رسول الله صلى
الله عليه وسلم .
تقسيم
البدعة
وقد قسم العلماء البدعة إلى قسمين اثنين :
فقال الإمام الشافعى رضى الله عنه : البدعة
بدعتان : بدعة محموده وبدعة مذمومه فما وافق السنة فهو محمود وما خالف السنة فهو
مذموم.
وأخرج البيهقى عن الإمام الشافعى رضى الله
عنه في مناقبه . المحدثات ضربان . ما أٌحدث يخالف كتابا أو سنة أو اجماعا فهو بدعة
الضلاله وما أحدث في الخير لا يخالف شيئا من ذلك فهو محدثة غير مذمومه حتى أنه نفى
اسم البدعة عما له أصل في الشرع فقال رضى الله عنه: "كل ماله
مستند من الشرع فليس ببدعة ولو لم يعمل به السلف لأن تركهم للعمل به قد يكون لعذر
قام لهم في الوقت أو لما هو أفضل منه أو لعله لم يبلغ جميعهم علم به".
وقال الحافظ ابن العربى في شرحه على سنن
الإمام الترمذى عند الكلام على حديث: {إِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ
الأُمُورِ }[1] اعلموا علمكم الله أن المحدث على
قسمين : محدث ليس له أصل الا الشهوة والعمل بمقتضى الإراده فهذا باطل قطعا يعنى هو
المراد ببدعة الضلالة. ومحدث يجمل النظير على النظير فهذه سنة الخلفاء والأئمة
الفضلاء يعنى فليس المراد به بدعة الضلاله قال : وليس المحدث والبدعة مذمومين للفظ
محدث وبدعة ولا لمعناهما فقد قال الله تعالى:) مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ ( [2الأنبياء]، وقال عمر رضى الله عنه: " نعمت البدعة " وانما يذم من
البدع ما خالف السنة ويذم من المحدثات ما دعى إلى ضلالة.
هذا وقد
أثبت القرآن الكريم جواز ابتداع ما فيه خير وزيادة قربى إلى الله فقد قال أبو
أمامة رضى الله عنه: " إن الله فرض عليكم صوم رمضان ولم يفرض قيامه وإنما
قيامه شئ أحدثتموه فدوموا عليه فإن أناساً من بنى اسرائيل ابتدعوا بدعاً فعابهم
الله بتركها فقال الله تعالى: (وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا
عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا
) [27الحديد].
قال الدراقطنى
وما استنبطة الصحابى الجليل أبو أمامه صحيح فإن الآيه لم تعب أولئك الناس على
ابتداع الرهبانية لأنهم قصدوا بها رضوان الله بل عاتبهم على أنهم لم يراعوها حق
رعايتها وهذا يفيد مشروعية البدعة الحسنة كما هو ظاهر من نص الآيه وفهم الصحابى
الجليل لها.
وأما المراد
بقولة صلى الله عليه وسلم فى الحديث الشريف : { كُلَّ بِدْعَةٍ
ضَلالَةٌ }[2]:
فقد قال
النووى: هذا عامٌ مخصوصُ؛ والمراد به المحدثات التى ليس فى الشريعة ما يشهد لها
بالصحة فهى المراد بالبدع.
وقال الحافظ
ابن رجب فى شرحه للحديث: المراد بالبدعه : ما أحدث مما لا أصل فى الشريعة يدل عليه
وأما ما كان له أصل من الشرع يدل عليه فليس ببدعة شرعاً وإن كان بدعة لغة.
وقال الحافظ
ابن حجر : المراد بقول: { كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ }[3] ما أحدث ولا دليل من الشرع بطريق خاص
ولا عام عليه.
فليس هذا
الحديث إذاً كلية تقتضى شمول الضلالة لكل محدث؛
بل هو من قبيل العام المخصوص، أو العام الذى أريد به الخصوص.
بل هو من قبيل العام المخصوص، أو العام الذى أريد به الخصوص.
ويخصص حديث
كل بدعة ضلاله الحديث الذى روته السيده عائشة رضى الله عنها عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم أنه قال :
{ مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ
فَهُوَ رَدٌّ }[4]
قال ابن
رجب:
هذا الحديث
يدل منطوقه على أن كل عمل ليس عليه أمر الشارع فهو مردود، ويدل بمفهومه على أن كل
عمل عليه أمره فهو غير مردود.
وقال الحافظ
ابن حجر هذا الحديث معدود من أصول الإسلام وقاعدة من قواعده فإن معناه من اخترع فى
الدين ما لا يشهد له أصل من أصوله فلا يلتفت إليه.
من هذا
المنطلق فعل كثير من الصحابة باجتهاداتهم أموراً فكانت سنة الرسول صلى الله عليه
وسلم قبول ما كان من العبادة والخير ويتفق مع المشروع ولا يخالفه ورد ما كان
مخالفا لذلك، فهذه سنته وطريقته التى سار عليها خلفاؤه وصحابته واقتبس منها
العلماء رضوان الله عليهم قولهم : أن ما يحدث يجب أن يعرض على قواعد الشريعة
ونصوصها فما شهدت له الشريعة بالحسن فهو حسن مقبول وما شهدت له الشريعه بالمخالفة
والقبح فهو المردود وهو البدعة المذمومه وقد يسمون الأول بدعة حسنة من حيث اللغة
باعتباره محدثاً وإلا فهو فى الواقع ليس ببدعة شرعية بل هو سنة مستنبطة ما دامت
شواهد الشريعة تشهد له بالقبول.
سماها بذلك
سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم نفسه حين قال :
{ مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً فَعُمِلَ بِهَا ، كَانَ
لَهُ أَجْرُهَا وَمِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا لا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ
شَيْئًا ، وَمَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعُمِلَ بِهَا ، كَانَ عَلَيْهِ
وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ لا يَنْقُصُ مِنْ
أَوْزَارِهِمْ شَيْئًا }[5]
قال النووى
فى شرحة على صحيح مسلم فيه الحث على الإبتداء بالخيرات وسن السنن الحسنات والتحذير
من الأباطيل والمستقبحات وفي هذا الحديث تخصيص قوله صلى الله عليه وسلم { كل محدثة
بدعة وكل بدعة ضلالة } وأن المراد به المحدثات الباطله والبدع المذمومة.
وسنَّ سنَّة
أو استنانها يعنى انشائها باجتهاد واستنباط من قواعد الشرع أوعموما نصوصه، أى من
أنشأ سنة حسنة مستنداً فى ابتداع ذاتها إلى دلائل الشرع كان له أجرها، ومن أنشأ
سنة سيئة مستنداً فى ابتداع ذاتها إلى ما تنكره الشريعة كان عليه إثمها وإثم من
عمل بها.
ليس كل ما لم يفعله السلف ولم يكن في الصدر
الأول فهو بدعة منكرة سيئة يحرم فعلها ويجب الإنكار عليها، بل يجب أن يعرض ما أحدث
على أدلة الشرع فما اشتمل على مصلحة فهو واجبٌ، أو على محرّم فهو محرَّم، أو على
مكروه فهو مكروه، أو على مباح فهو مباح، أو على مندوب فهو مندوب، وللوسائل
حكم
المقاصد.
وقد قسم بعض العلماء البدعة إلى خمسة أقسام:
واجبة: كالرد على أهل الزيغ وتعلم النحو.
ومندوبة: كإحداث الربط والمدارس ، والأذان على المنائر، وصنع إحسان لم يعهد في
الصدر الأول.
ومكروة: كزخرفة المساجد وتزويق المصاحف.
ومباحة: كالتوسع في المأكل والمشرب.
ومحرَّمة: وهي ما أحدث لمخالفة السنة، ولم تشمله أدلة الشرع العامة ولم يحتوِ
على مصلحة شرعية.
فليست كل بدعة محرمة!!
ولو كان الأمر كذلك لحرم جمع أبي بكر وعمر وزيد رضي الله عنهم القرآن
وكَتْبه في المصاحف خوفاً على ضياعه بموت الصحابة القراء رضي الله عنهم!
ولحرم جمع عمر رضي الله عنه الناس على إمام واحد في صلاة القيام مع
قوله: "نعمت البدعة هذه"!
ولحرم التصنيف في جميع العلوم النافعة!
ولوجب علينا حرب الكفار بالسهام والأقواس مع حربهم لنا بالرصاص
والمدافع والدبابات و الطيارات والغواصات والأساطيل!
ولحرم الأذان على المنائر!
ولحرم واتخاذ الربط والمدارس والإسعاف ودور اليتامى والسجون!
والأمر كثير لا ينتهى ....
فمن ثم قيّد العلماء رضى الله عنهم حديث كل بدعة ضلالة بالبدعة السيئة،
ويصّرح بهذا القيد
ما وقع من أكابر الصحابة والتابعين من المحدثات التى لم تكن في
زمنه صلى الله عليه وسلم ومنها :
1. جمع القران وقام به أبو بكر الصديق رضى الله عنه.
2. فصل مقام ابراهيم عن البيت وقام به عمر بن الخطاب
رضى الله عنه.
3. زيادة الأذان الأول يوم الجمعه في عهد عثمان رضى
الله عنه.
4. الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم التى أنشأها
سيدنا علي وكان يعلمها للناس.
5. ما زاده ابن مسعود في التشهد فقد كان يقول بعد
قوله ورحمة الله وبركاته: { السَّلامُ عَلَيْنَا مِنْ
رَبِّنَا } ، فقد روي عنه أنه قال:
{ كُنَّا لا نَدْرِي مَا نَقُولُ فِي
الصَّلاةِ ، فَكُنَّا نَقُولُ :السَّلامُ
عَلَيْنَا مِنْ رَبِّنَا ، السَّلامُ عَلَى جِبْرِيلَ ، السَّلامُ عَلَى
مِيكَائِيلَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، وَذَكَرَ
التَّشَهُّدَ }[6]
6. زيادة عبدالله بن عمر البسملة في أول التشهد
وكذلك ما زاده في التلبية بقوله: " لبيك وسعديك والخير بيديك والرغباء إليك
" وهو مبسوط في صحيح البخارى ومسلم.
7. استلام ابن عباس رضى الله عنه أركان الكعبة
الأربعة فقد أخرج البخارى والترمذى والطبرانى في الكبير والهيثمى في مجمع الزوائد
عَن ابْنُ عَبَّاسٍ:
{ أَنَّهُ طَافَ
مَعَ مُعَاوِيَةَ بِالْبَيْتِ ، فَجَعَلَ مُعَاوِيَةُ يَسْتَلِمُ الأَرْكَانَ
كُلَّهَا ، فَقَالَ لَه : لِمَ تَسْتَلِمُ هَذَيْنِ الرُّكْنَيْنِ ، وَلَمْ يَكُنْ
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتَلِمُهُمَا ؟ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ لَيْسَ
شَيْءٌ مِنَ الْبَيْتِ مَهْجُورًا }.
8.
قراءة سورة
العصر قبل التفرق : أخرج الطبرانى في الأوسط عن أبى مدينة الدارانى وكانت له صحبة
قال :
{ كان
الرجلان من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم اذا التقيا لم يفترقا حتى يقرأ احدهما
على الآخر سورة والعصر إن الإنسن لفى خسر }.
9. تقبيل القبر الشريف:
فعن داوود ابن أبى صالح قال : أقبل مروان يوما فوجد رجلاً واضعاً وجهه
على القبر النبوى فقال مروان أتدرى ما تصنع . فإذا هو أبو أيوب الأنصارى . فقال له
أبو أيوب: نعم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم آت الحجر.
10.
أن يصلى
المسافر الرباعيه أربعة ركعات كما فعل عثمان في منى في الحج
بعض
الأمور المستحدثة في عصرنا
نحن اليوم قد أحدثنا مسائل كثيرة لم يفعلها
النبى صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة ولا التابعون ولا حتى
تابعوا التابعين رضى
الله عنهم أجمعين ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر:
1. جمع الناس على إمام واحد في آخر الليل لأداء صلاة
التهجد بعد صلاة التراويح في الحرمين الشريفين وغيرهما من المساجد.
2. وكختم المصحف فيها.
3. قراءة دعاء ختم القرآن في صلاة التراويح والتهجد.
4. نداء المنادى بقوله: صلاة القيام أثابكم الله.
5. تخصيص ليلة السابع والعشرون أو التاسع والعشرون
من شهر رمضان لختم القرآن في الحرمين وغيرهما من المساجد.
6. القول بأن التوحيد ينقسم إلى ثلاثة أقسام : توحيد
إلوهية ، توحيد ربوبية ، وتوحيد أسماء وصفات . فهل هذا التقسيم جاء في حديث شريف
أم هو قول أحد من الصحابة أو التابعين أو تابعى التابعين أو أحد الائمة الأربعة.
إلى غير ذلك مما لا يتسع المجال لذكره مثل:
-
تخصيص هيئات للأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.
- جامعات إسلامية.
-
وجمعيات لتحفيظ القرآن.
-
ومسابقات تحفيظ القرآن.
-
واختتام الدورة الفلانية في تحفيظ القرآن وتوزيع
الجوائز ..
- ومكاتب دعوة وارشاد .
ومع ذلك فنحن لا ننكر هذه الأشياء لأنها من
البدع الحسنة ..
فكل هذا لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم
ولا أحد من السلف، فهل يكون فعلنا له بدعة؟
فالأحتفال بالمولد وإن لم يكن في عهده صلى
الله عليه وسلم :
فهو بدعة، ولكنها حسنة لاندراجها تحت الأدلة
الشرعية والقواعد الكلية، فهي بدعة باعتبار هيئتها الإجتماعية .... لا باعتبار
أفرادها .. لوجود أفرادها في العهد النبوي.
وكل ما لم يكن في الصدر الأول بهيئته
الإجتماعية لكن أفراده موجودة يكون مطلوباً شرعاً لأن ما تركّب من المشروع فهو
مشروع كما لا يخفى.
قال الإمام الشافعي رضي الله عنه :
ما أحدث وخالف كتاباً وسنة أو إجماعاً أو
أثراً فهو البدعة الضالة، وما أحدث من الخير ولم يخالف شيئاً من ذلك فهو المحمود،
أ هـ.
وجرى الإمام العز بن عبد السلام والنووي كذلك
وابن الأثير على تقسيم البدعة إلى ما أشرنا إليه سابقاً.
فكل خير تشمله الأدلة الشرعية ولم يقصد
بإحداثه مخالفة الشريعة ولم يشتمل على منكر فهو من الدين.
وقول المتعصب: إن هذا لم يفعله السلف ليس هو
دليلاً له، بل هو عدم دليل كما لا يخفى على من مارس علم الأصول، فقد سمَّى الشارع
بدعة الهدى سنَّة، ووعد فاعلها أجراً فقال عليه الصلاة والسلام:
{ مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً
فَعُمِلَ بِهَا ، كَانَ لَهُ أَجْرُهَا وَمِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا لا
يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا }[7].
منقول كتاب دلائل الفرح بالرحمة المهداة
لفضيلة الشيخ فوزى محمد أبوزيد
[1] رواه أبوداود والنسائي
والإمام أحمد عن عرباض بن سارية.
[2] رواه أبوداود والنسائي والإمام
أحمد عن عرباض بن سارية.
[3] رواه أبوداود والنسائي
والإمام أحمد عن عرباض بن سارية.
[4] صحيح البخارى عن عائشة رضي
الله عنها
[5] صحيح مسلم عن جرير بن
عبدالله t.
[6] سنن البيهقى الكبرى عن
عبدالله بن مسعود t.
[7] صحيح مسلم عن جرير بن
عبدالله t.