آخر الأخبار
موضوعات

الأربعاء، 8 فبراير 2017

- معالم الطريق إلى الله عزوجل

عدد المشاهدات:
معالم الطريق إلى الله عزوجل
البحث عن الشيخ فى طريق الله [1]
السؤال الأول: لماذا يركز الصوفية على معرفة الشيخ كأساس فى طريق القوم ويطالبون المريدين بالبحث الشديد عنه ؟
ونجيب على ذلك فنقول وبالله التوفيق:
الإنسان الحريص على نفسه، البصير على أمره، يريد أن يصل إلى الله عزوجل وهو يعرف أن الوصول إلى الله يحتاج إلى شيخ يوصله إلى الله عزوجل فإذا عثر على هذا الشيخ، فقد عثر على كنز من كنوز الحق، ومن أجل العثور على الشيخ كان الصالحون فى الأزمنة السابقة يطوفون الأرض شرقاً وغرباً يبحثون عن الشيخ وينقبون عنه، فمثلاً سيدى أبو الحسن الشاذلى رضى الله عنه وأرضاه سافر من تونس إلى مصر إلى العراق ليبحث عنه وفى العراق قالوا له إن الذى تبحث عنه عندكم فى بلاد المغرب فرجع مرة أخرى لشيخه سيدى عبد السلام بن بشيش رضى الله عنه وأرضاه.
طريقــة البحث عـن الشـيخ
ما الذى يجب على الإنسان أن يفعله، وما الأسلوب الذى يتبعه فى طريقة البحث عن الشيخ؟
الشيخ ابن عطاء الله السكندرى رضى الله عنه وأرضاه، وهو إمام جليل من أئمة القوم وأنا أطالب إخوانى أن يقرأوا له الحكم العطائية بأى شرح من الشروح، هناك شرح ابن عجيبة، وشرح ابن عباد، وشرح الشيخ زروق، وشرح الشيخ الخطيب، وشرح الشيخ الشرقاوى وهو أيسرها وأسهلها، وآخر شرح لها شرحه الشيخ سعيد حوى زعيم الإخوان المسلمين فى سوريا، شرح حكم ابن عطاء الله، المهم أنه لعظمها شرحها الشيخ زروق سبعة عشر شرحاً وكل شرح غير الآخر، فالأول غير الثانى غير الثالث، وقد طبع منها الشيخ عبد الحليم محمود رحمه الله عليه الشرح السابع عشر، والإمام أبو العزائم أيضا قد شرحها فى السودان فى جامع أم درمان؛ إلا أن هذا الشرح قد ضاع، فحكم بن عطاء الله لا تفوت على أحد من السالكين؛ لأن فيها آداب السلوك إلى الله عزوجل كما ينبغى بكلمات قليلة ومعانى ماشاء الله، حتى كانوا يقولون فيها: (كأنها التنزيل ) يعنى قريبة من أسلوب القرآن، فماذا كان يقول ؟ يقـول رضى الله عنه وأرضاه :
{ إذا افتقدت الشيخ الذى يدلك على الله فعليك بالأوراد الجامعة الواردة عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم والإكثار من النوافل والطاعات، وتكثر فى سجودك من هذا الدعاء، وتقول " اللهم دلنى على من يدلنى عليك " }
وهذه هى الطريقة التى اتبعتها فى بدايتى، ونفذتها والحمد لله حتى أكرمنى الله عزوجل بمعرفة الصالحين y وأرضاهم
فهناك إذاً ثلاثة أمور:
الأول: الأوراد الجامعة الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والتى هى أوراد الصباح والمساء، وهى من السور القرآنية التى كان يقرأها كل ليلة، والأوراد الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهى موجودة فى كتب يسمونها كتب عمل اليوم والليلة مثل كتاب (عمل اليوم والليلة) لابن السنى ، وكتاب (عمل اليوم والليلة) لابن ماجه، وأجمعها كتاب (الإذكار المنتخب من كلام سيد الأبرار) للإمام النووى الذى قالوا فيـه: { بع الدار واشترِ الأذكار } [2]
والثانى : بعد ذلك فيكثر من النوافل والطاعات كصيام الإثنين والخميس وقيام الليل، وصلاة الضحى، والبر بالفقراء والمساكين، وغيرها من أنواع النوافل والطاعات.
والثالث : أن يكثر الإنسان فى دعاءه من الدعاء الذى ذكرناه "اللهم دلنى على من يدلنى عليك " وخاصة فى السجود لقوله صلى الله عليه وسلم:
{ أقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ فأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ } [3]
صـفات المرشــد الربــانى
بعد ذلك يبدأ يزور الصالحين الذين يسمع عنهم ومعه الموازين القرآنية، ما هى الموازين القرآنية؟ من يارب الذى نمشى معه حتى يوصلنا إليك ؟ قال سبحانه وتغالى:
[اتَّبِعُوا مَن لَّا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُونَ ] (21 يس)
الشيخ الذى لا يقول لك: أين العادة؟ أو يطلب منك دنيا مستكثر منها لنفسه، ولذلك قالوا: { شيخك الذى يعطيك وليس شيخك الذى يأخذ منك }
يعطيك حالاً ويعطيك نوراً ويعطيك هداية ويعطيك علماً ويعطيك مالاً إذا احتجت من فضل الله عزوجل أو يدعوا الله عزوجل لك فييسر لك أسباب الرزق، لكن لا يطلب الأجر من أحد، هذا أول شرط من الشروط.
أما الشرط الثانى فهو قول الله تعالى:
[ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ  عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ].  108 يوسف]
أى لابد أن يكون ذا بصيرة نافذة، لأن الشيخ الذى ليس عنده بصيرة ماذا سيعطى غيره؟! ففاقد الشئ لا يعطيه!!
والبصيرة كيف أعرفها؟ وهذه وإن كانت من علوم الأسرار فإن أحوال العارفين بمجرد أن يجالسهم الإنسان تجعله يأنس بها لأن الله قد يكاشفهم بالشئ الذى يجول فى صدرى أو بالشئ الذى أنا مشغول به فى سرى أو بفريضة مفروضة على وهى غائبة عن ذهنى فيفكرونى بها فى مجلسهم.
أو إذا كان الإنسان يريد الله أن يقرب عليه الطريق يرى عينية فى المنام بعض صفات هذا الرجل من الصالحين، أو بعض ما له عند الله حتى يسلم له فيريه فى المنام شيئاً من مقامات هذا الرجل أو من مكانته عند الله أو من خصوصياته التى اختصه بها الله عزوجل.
أما الشرط الثالث :
فهو أن يكون هذا الشيخ لا يتخلى عن الشريعة المطهرة طرفة عين، ولنفرض أنه رجل من أهل الكشف لكنه مجذوب، فالمجذوب يكون فى حالة الغيبة عن الدنيا وما فيها لأنه لا يعرف شيئاً عن الليل ولا النهار ولا يعرف رمضان ولا شوال لأنه فى عالم الآخرة، هذا المجذوب علينا أن لا نعترض عليه ولا نقتدى به لأنه لا يصلح مرشداً فى طريق القوم، هو ولَّى نعم، ولكن لمن؟ لنفسه، لكنه ليس الولى المرشد، فالولى المرشد لا بد أن يكون أكمل الناس قياماً بالشريعة، وأكمل الناس حفظاً للحقيقة، فهو أبو العينين !! ينظر بعين الشريعة وبعين الحقيقة، والاثنين فى وقت واحد لا يشغله هذا عن هذا ولا ذاك عن ذاك ومن أجل ذلك قال الله تعالى:  
[ ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشداً] .17 الكهف]
فالمهم هنا هو الولى المرشد، لكن الولى فقط فهُم كثير، وقد قال فى ذلك بعض الصالحين: { لن تخلو الأرض من مائة ألف على قدم عيسى عليه السلام}
فالمائة ألف موجودون !!
فمنهم من يمشى عرياناً، ومنهم من يمشى حافياً، ومنهم من لا يتزوج، ومنهم من لا ينام، فهم مجاذيب لكن عندهم كشف وعندهم بصيرة ومع ذلك لا ينفعون للإرشاد والإقتداء، ولذلك قال الشيخ ابن العربى رضى الله عنه وأرضاه:
لا تقتدى بمن زالت شريعته

وإن جـاك بالأنبــا عـن الله

فحتى لو جاء لك بالأخبار عن الله ... إلا أنه لا ينفع قدوة، ولكن لا نعترض عليه حتى لا يصيبنا عطب أو أذى، لأن مثل هذا نسلم له حاله ولكننا فى نفس الوقت لا نقتدى به.
ولكن الإمام الذى يقود الناس فى السلوك إلى الله أكمل الناس قياماً بالشريعة المطهرة على قدم سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أنه لا يفارق الشريعة طرفة عين ولا أقل من ذلك، هذا يعنى مجمل الشروط التى يجب أن تكون فى الشيخ، وهناك شروط كثيرة وكثيرة أوردها العلماء، إلا أننا نكتفى بهذا القدر رغبة فى الإيجاز.
وعندما يكرم المرء بشيخ على هذه الشاكلة، فعليه أن يسلم له ولا يعترض عليه حتى ولو بقلبه، ويجعله يتصرف فى نفسه ووقته، كيف يشاء لأنه لا يتصرف فيه ولا فى غيره إلا بالشريعة السمحاء وعلى نهج سيد الأنبياء صلى الله عليه وسلم، يعنى يحكمه فى نفسه ويكون داخل فى قول الله عزوجل:
 [فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا] 65النساء]
يعنى لازم يحكمه فى كل صغيرة وكبيرة من أمره، ويستشيره فى كل أمر من أموره المهمة فى هذه الحياة، قال صلى الله عليه وسلم :
{ إسْتَرْشِدُوا العاقِلَ تَرْشُدُوا وَلا تَعْصُوهُ فَتَنْدَمُوا {  [4]
لأن من يسترشده يرشده إلى أحسن الأمور لأنه على بصيرة من ربه وسر من نور تأييد الحضرة العلية، ويمشى على هديه ولا يخالفه فى أمر صغير أو كبير، إلا إذا رأى شيئاً يخالف الشريعة فعليه أن يتوقف ويسأله ويستفسره لأننا مطالبون أن لا نطيع أحداً من الخلائق أجمعين فى معصية ظاهرة لله رب العالمين:  لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق 
الطريق إلى معرفــة الله عزوجل
السؤال الثانى:
كنا نود أن نقابل سيادتكم من فترة ونتشرف برؤياك، نريد أن نعرف الطريق الذى يوصل إلى المعرفة، لأنه كما قال بعض الصالحين: { يُفتح على العارف وهو نائم على فراشه مالا يُفتح مثله على العابد وهو قائم فى صلاته }.
الجــــواب :
الله ...الله  ... أسمعتم هذه الحكمة؟
{ يُفتح على العارف وهو نائم على فراشه مالا يُفتح مثله على العابد وهو قائم فى صلاته }
 لأن أهل المعرفة أخذوا الريق من يد رسول الله صلى الله عليه وسلم على التحقيق فعرفوا أن السير إلى الله يبدأ من النفس حتى نسافر إلى الله ، فمن أين أسافر؟ وأين هو ربنا؟
ليس له مكان ولا زمان، ولا تحيط به أفلاك ولا أكوان، بل هو عزوجل وراء كل شئ  وفوق كل شئ، ومحيط بكل شئ، لأنه ليس كمثله شئ وهو السميع البصير.
إذاً كيف نذهب إليه ؟ كل إنسان يفارق حقيقة من الحقائق التى فيه فقد اقترب خطوة أو خطوات من معرفة خالقه وباريه، من معرفته وليس من ذاته لأن ذاته عزوجل لا تدرك بعقل ولا يحيط بها وصف ولا تتحمل ذرة من شعاع نورها بصيرة، فهى فى عمأ العمأ وطمس الطمس.
أول خطوة هى قول سيدى أبى اليزيد البسطامى رضى الله عنه وأرضاه، عندما أوقفه الله عزوجل بين يديه مناماً فقال: يارب أريد أن أصل إليك قال: يا أبا يزيد { دع نفسك وادخل علينا }
ومن هنا قالوا: { مكتوب على حضرة القدوس لا يدخلها أرباب النفوس } طالما أن الإنسان مازالت نفوسه يعنى ( نفسه الشهوانية – ونفسه الإبليسية – ونفسه الحيوانية ) هى التى تحركه وهى التى تسيره، وهى التى تذهب به، وهى التى تأتى به، فهو ممنوع من دخول الحضرة، إذاً لابد أن نبدأ بجهاد النفس.
جهــاد النفـس
ويكون بداية الطريق إلى الله عزوجل يا إخوانى هو جهاد النفس وهذا الذى قال فيه حضرة النبى صلى الله عليه وسلم أنه الجهاد الأكـبر،  فهو ليس الكبير فقط بل الأكبر أى أنه أكبر من الجهاد فى سبيل الله عزوجل.
كيف أجاهـد النفس؟
لابد أن أعرف نفسى، أعرف أن فيه نفس إسمها أمارة، والنفس الأمارة بماذا تأمر؟ وكيف توسوس للإنسان وتزين له المعصية؟ وهذا الكلام موجز ومحتاج لتفصيل، لكن إن شاء الله فى نيتنا أن نضع هذا فى كتاب لإخواننا بشئ من التفصيل لينتفعوا به فى سيرهم وسلوكهم ([5])
النفس الأمـارة وأنواعها
وأعرف أنواع النفس الأمارة وأصنافها فمنها النفس الشهوانية، وهى التى تحض الإنسان على الشهوات ( الطعام والشراب والنوم والنكاح )، ومنها النفس الإبليسية التى تحض الإنسان عـلى الغيبة والنميمة والوقيعة بين الناس والقيل والقال وغيره من أنواع المكر الإبليسى، ومنها النفس الآدمية التى تريد أن تظهر وتعلو ويبقى لها شئ من الرياسة وشئ من الفخر وشئ من الفخفخة وشئ من الظهور، ومن أجل ذلك قالوا:
 { إن آخر شئ يخرج من صدور الصديقين حب الرياسة }
النفس اللوامـــة
أعرف أن هناك نفس إسمها النفس اللوامة وهذه أحتاج أن أوقظها وأقويها وأمكنها وأعطيها القيادة حتى تقود هيكلى، فكلما أعمل شيئاً من العبادات والطاعات أو غيرها تزنها بميزان الشرع وإذا وجدتها مخالفة للشرع تلومنى وتؤنبنى وتزجرنى وتعاتبنى إلى أن يكرمنى الكريم عزوجل بالنفس المطمئنة التى تطمئن إلى شرع الله وإلى هدى رسول الله وتقوم عاملة به كما يحب الله عزَّ وجلَّ وكما كان عليه سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم
إذاً أول واجب على أن أبدأ الجهاد فى ذات الله ، بمعرفة النفس ثم جهاد النفس وفى ذلك يقول الإمام أبو العزائم رضى الله عنه:
جاهد نفوساً فيك بالشرع الأمين

واحذر قوى الشيطان فى القلب كمين
 
فتجاهد نفسك ...
وتنتبه للشيطان !!!
وتعرف حيله .. وخداعه ... ووساوسه ... ومكائده ..!!!
وخاصة وأنه يجثم على صدرك ...، وتبارزه بالعداوة ... وتعلن عليه الحرب ... ولا تزال على هذا الحال مع قوة العزيمة !وصدق الإرادة ! ...
حتى تسلم من النفس والشيطان!!!
أو يسلما لك !!
تصفيـة القلـب
فإذا انتهيت من هذه المرحلة وهى ( مرحلة جهاد النفس ) وهى مرحلة طويلة ويطول شرحها والحمد الله قد شرحناها لإخواننا فى مناسبات كثيرة نبدأ مرحلة الجهاد الثانى فى التصفية.
بعض الناس ينتقل فى هذه الطور إلى العبادات، فيكون قد دخل فى درجة العباد ( سلم العباد ) وهذا يكون له أجره والمزيد عند الله عزوجل يوم القيامة ولكن هذا ليس له صلة بسكة العارفين، طريق العارفين يبدأ بالتصفية، ماذا تعنى هذه التصفية؟
تصفية القلب، ممن؟ من كل الأغيار وكل شئ سوى الله عزوجل فهو غير 
كل شئ سواك نارُ حمية

وغرامى أنى أنال المعية

كل شئ غير الله يكون نار فى هذه الحالة وقد قيل فى ذلك: { كل ما شغلك عن الله من أهل أو مال أو ولد فهو عليك مشئوم } أى حتى المال والولد لا يجب أن يشغلك عن الله عزوجل، بل يجب أن يعينوك على طاعة الله وعلى الإقبال على حضرة الله، ومجال التصفية هذا هو الميدان الأعظم للدخول على حضرة الله عزوجل.
فأنا من أى شئ أصفى القلب؟
أصفيه من الأمراض البشرية التى هى الحقد والحسد والغل والكره والحرص على الدنيا والكبر والإعجاب بالنفس والغرور والجهل والشره والطمع ...
فآخذ هذه الأمراض واحدة واحدة ولكن على يد طبيب، فلا بد أن أكون فى صحبة طبيب معالج لأنه هو الذى يعطى البرشامة التى فيها الشفاء، فالصيدلية فيها كل الأدوية لكننى لا أعرف ما الذى عندى؟ جائز الدواء الذى أتناوله بنفسى يزيد المرض لكن الطبيب يعطينى الدواء المناسب والمفيد إلى أن يصل الإنسان إلى الحالة الروحية التى يقول عنها القرآن:
 [وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ (47) الحجر]
وعندما يصير إلى هذه الحالة يدخل دائرة الأخوة التى قال فيها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:
{ واشوقاه لإخوانى، قالوا له : ألسنا إخوانك ؟ قال: أنتم أصحابى إخوانى قوم يأتون من بعدى آمنوا بى ولم يرونى } [6]
متى يصل الإنسان إلى هذه الدرجة؟ بعدما يتخلص فى سره من كل عرض أو غرض أو مرض من أمراض القلوب حتى يصل
 قلبه إلى الحال الذى يقول الله عزوجل فيه:
إ[ ِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) الشعراء]
فإذا فرغ القلب من الشواغل والأغيار كان كما قال الإمام أبو العزائم رضى الله عنه:
فرغ القلب من سوانا ترانا

يا مريداً جمالنا وبهانا

فجمالى يا من تريد وصالى

لاح صرفاً فانهض إلى لقيانا

واعلُ فوق البراق ليلاً

نتجلى ليلاً لمن يهوانا

جمالات الواصلين
فساعة أن نفرغ القلب نجد الله عزوجل أقرب إلينا من حبل الوريد، فما بال الحجب التى بيننا وبينه، ما هى ؟ هى تلك الحجب التى ذكرناها يا إخوانى، هذه كلما رفع حجاب كلما اقترب الإنسان من هذا الجمال، فإذا زالت الحجب كان كما قال الله عزوجل فى محكم التنزيل:
[ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ (22) إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23) [القيامة]
وعندما يفتح القلب يصبح الإنسان فى دائرة الأخوة المحمدية، وينتظم فى عقد الكرام، ويواجهه المصطفى صلى الله عليه وسلم بالتكريم والإنعام، ويبشره بما له عند الله عزوجل من على المقام، ويبدأ يخلع عليه الخلع الروحانية، ويفتح له أبواب التجليات الوهبية، ويبدأ يشاهد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعشق هذا الجمال، فيدفعه العشق إلى التخلق بأخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم  بين الناس حتى يزيد القرب.
التحلِّى بالجمال المحمدى
ويبدأ بعد ذلك فى المرحلة التالية:
 وهى التخلق بالأخلاق المحمدية، والتخلق بالأخلاق الإلهية، ويدخل دائرة:
[ وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64) [الفرقان]
إلى آخر هذه الآيات وغيرها من سور القرآن، وبهذه المجاهدات يكون قد وصل إلى العبادة القلبية، والعبادة القلبية عليها المعول الأكبر يا إخوانى فى المراتب العلية، فقد قال سيدنا أبو داود رضى الله عنه وأرضاه عندما عاب عليه نفر من الخوارج هو وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم لا يقومون الليل ولا يصومون النهار، فقال:
{ يا حبذا نوم الأكياس وإفطارهم، كيف يغبنون سهر الحمقى وصيامهم، ولمثقال ذرة من صاحب تقوى ويقين أعظم وأفضل وأرجح من أمثال الجبال عبادة من المغترين } [7]
فصاحب عمل القلوب يناله شئ من إرث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كمثل تنام عينى ولا ينام قلبى، ويتفضل عليه المتفضل عزوجل بحظ من السياحة الروحانية، التى تسوح فيها روحه ويسبح فيها قلبه فى عالم الملكوت الأعلى ليقتبس منه طرائف العلم والحكمة، وإلى ذلك الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم فى شأن الإمام على رضى الله عنه وكرم الله وجهه فيما ورد من معنى الحديث:
 { علىّ وإن كان ينام على الثرى إلا أن قلبه معلق بالملأ الأعلى }
وعن أحوال هؤلاء القوم فحدث ولا حرج !!!
ففيهم وعنهم يقول أبو العزائم رضى الله عنه:
إن الرجال كنوز ليس يدريها

إلا مراد تحلى من معانيها

فى الأرض أجسامهم والعرش مقعدهم

قلوبهم صفت والله هاديها

هم الشموس لشرع المصطفى وهمو

سفينة الوصل بسم الله مجريها


نسأل الله عزَّ وجلَّ أن يجملنا بجمال هؤلاء الرجال ...
وأن يكملنا بأحوالهم ...
وأن يواجهنا بأنوارهم ...
ويهذب نفوسنا بعلومهـم ...
حتى نكون منهــم ومعهـــم ...
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 منقول من كتاب طريق الصدقين
لفضيلة الشيخ فوزي محمد أبوزيد



[1] هذا حوار دار بين الشيخ وبين رجل من الصالحين دخل علينا فجأة وأخذ يسأل هذه الأسئلة الراقية فكأنما كان يريد أن يوضح هذه الأشياء للإخوان الجالسين، وكان ذلك فى منزل الحاج محمد العزاق ببنها يوم 12/11/1993 قبل الجمعة.

[2] ولنا فى ذلك أذكار الأبرار بحجميه الكبير والصغير وقد طبع عدة مرات.

[3] سنن أبي داوود ، وصحيح ابن حبان عن أبى هريرة t

[4] رواه الخطيب عن أبى هريرة t

([5] ) وقد شرحنا هذا بالتفصيل فى كتابنا (المجاهدة للصفاء والمشاهدة).

[6] رواه مالك فى الموطأ عن أنس

[7] أخرجه أبو نعيم فى الحلية عن ابى الدرداء، وفى الزهد لأحمد بن حنبل رواه عويمر بن مالك الأنصارى، ووردفى تاريخ دمشق وفى الإحياء للغزالى وغيرها مع اختلاف ألفاظ.

التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:




شارك فى نشر الخير