عدد المشاهدات:
عبادة المؤمن اليومية
للعارف بالله
الإمام
محمد على سلامة
مدير أوقاف بورسعيد
مقدمة الطبعة
الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي شرف الإنسان، فخلقه لعبادته
وليس هناك في الوجود كله أسمى من هذا الشرف الرفيع، الذي توج الله به هامة عباده
المؤمنين، فقال عز من قائل: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا
لِيَعْبُدُونِ﴾، [56،
الذاريات].
ومن
هنا كانت العبادة غاية الآمال التي تصبو إليها نفوس المؤمنين، ولذلك طلب منى إخواني
رضي الله عنهم بالقاهرة، إعادة طبع كتاب (عبادة المؤمن اليومية) لنفاده من ساحة الكتاب الديني فوافقت لهم على إعادة
طبعه وذلك بعد مراجعته وتزويده ببعض الأمور التي أغفلنا ذكرها في الطبعة الأولى،
عسى أن يكون النفع به أعم وأكمل، والله من وراء القصد وهو حسبنا ونعم الوكيل.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
بسم الله الرحمن الرحيم
إهداء
إلى أخوتي المؤمنين والمؤمنات أهدى هذا الكتاب ليكون
نبراسًا يسترشدون به في حياتهم اليومية،
وأسلوبا يأخذون به أنفسهم في كل يوم وليلة، وأنى أرجو أن أتخذه لنفسي نظامًا أسير
عليه كبقية إخواني المؤمنين حتى يكون لي
معهم حظ ونصيب من الخير الحقيقي الذي تركه لنا رسول الله صلى
الله عليه وسلم، لعلنا جميعاً نفوز بالوصول إلى غاية الأمل،
ونهاية السعادة السرمدية التي منحها الله عزَّ وجلَّ لكل
من يقتدي برسول الله صلى الله عليه
وسلم، سر قول الله تعالى: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ
فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَـاةَ وَالَّذِينَ هُم
بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ﴾، [156-157، الأعراف].
وقد اقتصر فيه على الأعمال التي لابد منها لمن يريد
الوصول إلى محبة الله ومرضاته، ولمن يطلب
الفوز والفلاح في الدنيا والآخرة. وهذا الكتاب ردا على سؤال وجهه إلى بعض الأحباب
عن عبادة المؤمن اليومية. هذا وإني أرجو أن أكون قد أجبت أخي السائل على سؤاله وأن
أكون قد أصبت وجه الحق والصواب في هذه الإجابة، فإنني بفضل الله وتوفيقه قد تحريت
الدقة فيها قدر استطاعتي ولم أدخر وسعا في ذلك راجيا من الله عزَّ وجلَّ أن يتدراكني
بعفوه ورحمته وأن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم، وأن يتقبله منى بجاه سيدنا
رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أسأله جلَّ جلاله أن يجزى رفاقي وإخواني الذين أعانوني على هذا العمل
خير الجزاء، وأن يغفر لنا جميعا إنه مجيب الدعاء. وصلى الله على سيدنا محمد مصدر
العلوم والمعارف وشمس الهداية والعوارف، وعلى آله وصحبه وسلم آمين، وسلام على جميع
الأنبياء والمرسلين، والحمد لله رب العالمين.
العبد المنكسر القلب إلى الله ورسوله،،،،
محمد
على سلامة
بسم الله الرحمن الرحيم
سؤال: نرجو
من فضيلتكم توضيح المطلوب من المؤمن أن يعمله في اليوم والليلة، مع الاختصار
والتيسير؟.
جواب: الحمد الله والصلاة والسلام على من أرسله الله
بالهدى ودين الحق ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، وعلى آله وصحبه وسلم.
( القدوة الصالحة )
وبعد ... فقد
قال الله تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ
حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ
كَثِيرًا﴾، [21،الأحزاب]. وقال
الله عزَّ وجلَّ: ﴿وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ
لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى
وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا﴾، [115،
النساء].
ولقد
سألت يا أخي عن موضوع نحن جميعا في أمس الحاجة إلى معرفته لأنه عبارة عن سلوك
المؤمن في حياته اليومية، وهذا السلوك يشتمل على معاملته مع الله، ومع رسول الله،
ومع نفسه ومع المؤمنين، وهذه المعاملة عبارة عن أقواله وأعماله وأحواله وأخلاقه، والآية
الأولى توضح لنا ضرورة الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم حيث أنه المعصوم من
الزلل، والمحفوظ من الخطأ، وأن جميع أعماله وأقواله وأخلاقه محبوبة لله عزَّ وجلَّ وهى حقيقة الإسلام وروح الدين الذي فرضه الله علينا، ولقد
بين الله في هذه الآية الشريفة خصال
المؤمنين الذين يقتدون برسول الله صلى
الله عليه وسلم.
أولا: أنهم يرجون الله سبحانه وتعالى، ومعنى ذلك أنهم يطمعون في رحمة الله وعفوه وبره
ورضائه .
ثانيا: أنهم يرجون اليوم الآخر ومعنى ذلك أيضا أنهم
يأملون في الفوز والفلاح والنعيم في ذلك
اليوم العظيم الذي يرفع الله فيه شأن المؤمنين ويكرمهم .
ثالثا: أنهم يذكرون الله ذكرًا كثيرًا، ومعنى ذلك أن
الله حاضر في خواطرهم ومشهود في ضمائرهم لا يغيبون عنه فهو سبحانه مذكور بألسنتهم
وقلوبهم، وهذه الصفات الثلاثة جعلتهم يترسمون خطوات رسول الله في كل شيء، لأنهم
يعتقدون أن كل خير وإسعاد في الدنيا والآخرة إنما يكون في اتباعه والاقتداء به عليه
الصلاة والسلام .
ومن ناحية
أخرى فإن الأسوة برسول الله صلى
الله عليه وسلم أعظم دليل وأكبر برهان على حبهم له صلى الله عليه وسلم، وحبهم لله جل جلاله، قال
الله تعالى: ﴿قُلْ
إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ
لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾،[31، آل
عمران].
ومعنى قوله تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ
أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾، أي لقد
تحقق لكم وثبت لديكم أن الأسوة الحسنة والقدوة الصالحة هي في رسول الله صلى
الله عليه وسلم حيث أنكم لم تروا فيه انحرافا ولا اعوجاجًا عن
الحق الذي أنزله الله، والذي أقرته العقول السليمة من الزيغ والضلال، ولم تعرفوا
عنه قبل رسالته إلا الصدق والأمانة والوفاء والعفة والعدالة ونصرة المظلوم ومكارم
الأخلاق العالية، وجاءته الرسالة فزادته
بهجة وجمالا وجلالا وكمالا ورفعة وسناء صلى
الله عليه وسلم، والأسوة الحسنة هي القدوة الكريمة والأمثلة العالية،
والأخلاق الرفيعة والسيرة الحميدة والتي إذا رآها العاقل حمدها ومدحها وأثنى عليها،
ولم يكن في وسعه إلا اتباعها والتشبه بها ولم يقدر عن العدول عنها، وإن الاقتداء
برسول الله صلى الله عليه وسلم يفرض علينا أن
نعرف ولو طرفًا يسيرًا من أعماله وأقواله وأخلاقه عليه الصلاة والسلام حتى نأخذ
بها على قدر استطاعتنا فليس واحد منا يستطيع أن يقوم بكل ما كان يقوم به صلى الله عليه وسلم، لأن رسول الله يزن جميع أمته في كل شيء وإنما يأخذ
منه كل مؤمن على قدر استطاعته فقد قال عليه الصلاة والسلام:{إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء
فاجتنبوه}[1].
وبفضل الله ومعونته وبتوفيق الله وهدايته سنذكر
طرفا يسيرا عنها كما ذكرنا، ليكون نورًا لنا في حياتنا اليومية نسير عليه إن شاء
الله تعالى فقد كان عليه الصلاة والسلام يأمر أصحابه بما يلي:
أولا: صلاة الفجر وما
يتبعها:
وهى سنة صلاة الصبح فقد ورد عن عائشة رضي الله عنها أن رسول لله صلى الله عليه وسلم قال:{ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها}[2].
وصلاة هاتين الركعتين بعد طلوع الفجر الصادق وهو عبارة
عن ظهور نور النهار ممتدًا في جهة الشرق، ويقرأ في الركعة الأولى ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ﴾، وفي الركعة الثانية:
﴿قُلْ
هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾،
ثم يجلس بعد ذلك
يستغفر الله ويقول: (أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه
من جميع الذنوب والآثام)، عشر مرات على الأقل، ثم يقول بعد ذلك: (سبحان الله
والحمد الله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم)،عشر
مرات كذلك.ثم يدعو الله عزَّ
وجلَّ ويقول: (اللهم صلي على سيدنا محمد وعلى آله
وصحبه وسلم، اللهم إني أسألك رحمة من عندك تهدي بها قلبي، وتجمع بها شملي، وتلم
بها شعثي، وترد بها لهفي، وتصلح بها علانيتي، وتقضى بها ديني، وتحفظ بها غائبي،
وترفع بها شاهدي وتزكى بها عملي، وتبيض بها وجهي، وتلقني بها رشدي وتعصمني بها من
كل سوء يارب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم).
الدعـاء
المستـجاب
فقد ورد هذا الدعاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل صلاة الصبح ومن السنة أن يبدأ الداعي دعائه
بالصلاة على النبي لقوله عليه الصلاة والسلام:{إذا سألتم الله تعالى في حاجة فابدءوا بالصلاة علىَّ
فإن الله تعالى أكرم من أن يسأل في حاجتين فيعطى إحداهما ويرد الأخرى}[3]
هذا وإن الصلاة على النبي يقبلها الله عزَّ وجلَّ لأنها
حق النبي في أعناق المؤمنين وإذا أداها المؤمن وإذا أداها المؤمن في أي وقت وعلى أي
حال فإن الله سبحانه لا يردها أبدا. وإن الدعاء يجعل المؤمن يتحقق بمعاني العبودية
الصادقة من الذل والافتقار والاضطرار إلى الله عزَّ وجلَّ، والدعاء
روح العبادة وسر الطاعة وبرهان التعلق بالله عزَّ وجلَّ، فقد
ورد في الأثر (من لم يسأل الله يغضب الله عليه)
والمؤمن كثير الدعاء دائم السؤال قال الله لسيدنا موسى اسألني حتى في ملح بيتك وفي
شسع نعلك: وقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم:{الدعاء
مخ العبادة فادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة}[4].
وإن الوقت الذي بين صلاة الفجر وصلاة الصبح من أفضل
الأوقات التي يستجاب فيها الدعاء لأنه وقت التنزلات الإلهية والتعطفات الرحمانية .
قال صلى
الله عليه وسلم:{إذا أحب
الله عبدا سخره لأفضل الأعمال في أفضل الأوقات} وذلك أن يقوم العبد بالصلاة في أول وقتها وفي جماعة
وفي رعاية لشروطها وآدابها وكذلك جميع الفرائض من الصيام والزكاة والحج والجهاد في سبيل الله
كل فريضة يؤديها في وقتها بأركانها وسننها وأن يقوم بالدعاء في أوقات انفتاح أبواب
السموات ونزول الغيث الإلهي والفيض الرباني كأوقات الأذان وأوقات السحر وأوقات
نزول المطر، وأوقات الاجتماع على الصالحين وأوقات زيارة أولياء الله، وأنبياء الله
أحياء وأمواتا والمثول بين أيديهم فإنها ساعات لنزول الفيض الإلهي على أن يكون الدعاء بحضور قلب
وبذل ومسكنة لله عزَّ وجلَّ.
وأما الغافل والجاهل فهو الذي يكون في ساعات التنزلات الإلهية
مستغرقا في معصيته بعيدا في غفلاته، محروما بسوء أفعاله وفساد نياته، ولو علم
المسكين ما يناله أهل اليقظة والانتباه بمراعاة هذه الأوقات لتسابق معهم وتنافس في
تحصيل فضل الله عزَّ وجلَّ ولكن الغفلة هي سجن القطيعة، والجهل أعماه عن رؤية
الحق المبين، ومن يقم لله بصدق وإخلاص يسعد بفضل الله وبرحمته.
قال الإمام
أبو العزائم رضي الله عنه:
قم
بصدق وتعرض .. تشهدن نور التجلي
وليس على المؤمن إلا أن يتعرض لفضل الله ليحظى بنوال
الفضل الإلهي الذي لا حدود له ولا غاية لمنتهاه.
نسأل الله عزَّ
وجلَّ أن يرزقنا اليقظة والانتباه، وأن يكشف عنا
حجاب الجهل والغفلة إنه مجيب الدعاء، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ثانيا: صلاة الصبح وما
يتبعها:
وذلك بأن يصليها في جماعة لقوله صلى الله عليه وسلم:{صلاة الغداة في جماعة أفضل من قيام ليلة وصلاة العشاء
الآخرة في جماعة أفضل من قيام نصف ليلة} وورد
أيضا في الحديث الشريف: {من صلى
العشاء في جماعة والصبح في جماعة فكأنما قام الليل كله}.
وأن يكون في صلاته مقبلا على الله سبحانه بقلبه
مستحضرا عظمة الله وجلاله على قدر استطاعته متشبها بسيدنا رسول الله صلى
الله عليه وسلم في
صلاته متمكنا ومرتلا لقراءته، متفهما لمعانيها متما لركوعه وسجوده، مطمئنا في حركاته
مسرورا بفضل الله عليه، وإقامته له بين يديه، مستشعرا لذة مناجاة ربه، فرحا
بمواجهة الله له في صلاته، فإذا فرغ من الصلاة أتى بختم الصلاة المعروف وذلك بأن
يستغفر الله ويقول: (اللهم أنت ربى لا إله ألا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك
ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك على وأبوء بذنبي فاغفر لي
فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت). ثلاث مرات. ثم يقول (يا الله) بالمد الطويل على آخر
ما ينتهي إليه نفسه، ثم يقول: (يا الله) بالمد القصير ثلاث مرات وبعدها يقول: (أنت
ربى وأنت حسبي وأنت ولى وأنت وكيلي وأنت على كل شيء قدير فنعم الرب ربى، ونعم الحسب حسبي، ونعم الولي
وليي، ونعم الوكيل وكيلي، ترزق من تشاء وأنت القوى العزيز اللهم أرزقنا حبك الخالص
لوجهك الكريم بلا شوب يشوبه، اللهم ارزقنا قربا يمحق ما بيننا وبينك من البين حتى
تقع العين على العين، اللهم جمالا يعمنا وإحسانا يشملنا وفضلا عظيما يدوم لنا يارب
العالمين).ثم يقرأ آية الكرسي وهى قول الله تعالى: ﴿بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ
الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ
وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ
مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ
عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ
يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ﴾، [255، البقرة].
ثم يسبح الله ويقول: (سبحان الله ) ثلاثا وثلاثين،
ويحمده ثلاثا وثلاثين ويقول: (الحمد الله) ويكبره ثلاثا وثلاثين ويقول: (الله
أكبر) ويكمل المائة بقوله: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد
يحي ويميت وهو على كل شيء قدير) ثم يدعو الله بما شاء من خيري الدنيا والآخرة
وبعده يقول: (يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث فأغثني وأصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى
نفسي طرفة عين ولا أقل من ذلك ولا أكثر) ثلاث مرات. ثم يقول: (يا
غياث المستغيثين أغثني) (ثلاث مرات) وفي الثالثة يقول: برحمتك الواسعة يا الله.
وبعد ذلك يقرأ حصة من القرآن بتدبر وَفَهْم إن كان
يستطيع القراءة، أو يستمع إلى القرآن إن كان لا يحسن التلاوة، أو يأخذ في ذكر الله
تعالى، أو تسبيحه وتحميده، أو يتفكر في نعم الله وآلائه، أو يتفكر في معاني قدرة
الله وحكمته في إيجاد المخلوقات وإمدادها وفي حركة الأفلاك والهواء والسحاب والأرض
والسماء وكيفية تسخيرها، أو يتفكر في عجزه عن شكر الله على فضله وعميم نعمائه، أو
يتفكر في ذنوبه ومساوئه التي ارتكبها في الأوقات التي أضاعها من غير فائدة ليتوب منها إلى الله ويستدرك ما فاته، أو يتفكر في
الواجبات التي سيقوم بها مستقبلا فكل هذه الأعمال ذكر لله عزَّ وجلَّ، ويستمر
في ذلك حتى تطلع الشمس وتحل صلاة النافلة، وذلك بعد طلوع الشمس بثلث ساعة تقريبا، ولا يؤخره عن هذه
العبادة المذكورة إلا أحد أمرين:
الأول: تحصيل
العلم النافع الذي ينفع الله به المسلمين في الدنيا والآخرة، أو تعليمه لهم.
الثاني: قيامه
بعمل الأعمال الواجبة عليه لأهله أو نفسه أو إخوانه المؤمنين، يضيع هذا الواجب بفوات
هذا الوقت، وذلك مثل تمريض مريض أو إسعافه أو ذهابه لعمله المحدد في هذه الساعة، أو
إغاثة ملهوف، أو قضاء حاجة لأحد أخوانه أو توديع مسافر، أو غير ذلك من الأمور التي
تفوت بفوات هذه الساعة فإن هذا أفضل من جلوسه في مصلاه للذكر والفكر لقول الله
تعالى: ﴿فَإِذَا
قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ
وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾، [10،الجمعة]. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم:{من غدا
من بيته في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب
العلم رضاء بما يصنع}[5]
والغد إنما يكون قبل طلوع الشمس وقوله صلى الله عليه وسلم برواية أبى ذر رضي الله عنه: {حضور
مجلس علم أفضل من صلاة ألف ركعة وأفضل من شهود ألف جنازة ومن عيادة ألف مريض قيل
ومن قراءة القرآن فقال وهل تنفع قراءة القرآن إلا بعلم}[6]
فإذا لم يكن
هناك شيء من هذين الأمرين فالأفضل أن يقضى ذلك الوقت الثمين في أعمال القربات التي
ذكرناها سابقا لقول رسول الله صلى
الله عليه وسلم:{لأن
أقعد مع قوم يذكرون الله من صلاة الغداة حتى تطلع
الشمس أحب إلى من أن أعتق أربعة من ولد إسماعيل}[7]
وهذا الفضل الكبير لجلال عبادة الذكر في هذه الساعة
المباركة وعظيم المثوبة من الله عليها وفي هذا الحديث الشريف دليل على جواز الذكر
جماعة وبصوت مسموع لأنه لو كان سرًا لما كان هناك داع للجماعة فإذا حلت صلاة
النافلة قام فصلى سنة الضحى وأقلها ركعتان وأكثرها ثمانية وهى سنة مؤكدة، قال عنها
رسول الله صلى الله عليه وسلم:{صلاة
الضحى صلاة الأوابين}[8]
وكان يواظب عليها رسول الله صلى
الله عليه وسلم وصحابته وبعدها يدعو الله قائلا: (اللهم إن
الضحى ضحاؤك، والبها بهاؤك، والجمال جمالك، والجلال جلالك،والكمال كمالك والكبرياء
كبرياؤك، فبحق ضحائك وبهائك وجمالك وكمالك وجلالك وكبريائك اغفر لى وارحمني واجبرني
وارزقني واسترني وعافني واعف عنى يارب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله
وصحبه وسلم).
القصود والنوايا
وبعد ذلك
يذهب إلى عمله وشغله من زراعة أو صناعة أو تجارة أو وظيفة أو أي عمل كان، وأن ينوى بعمله هذا إرضاء الله سبحانه وتعالى وإعفاف نفسه وأهله وتقديم المنفعة إلى الناس، وعمارة الدنيا وإثراء الحياة وازدهارها،وزيادة الإنتاج
والتخفيف عن كاهل المسلمين وإصلاح أحوالهم والنظر في شئونهم والتعاون معهم، ودفع
عجلة التقدم وإرساء دعائم العمل الصالح، وما إلى ذلك من القصود والنوايا الطيبة، فإن
له بكل نية أجرا وثوابًا من الله عزَّ
وجلَّ ولو كان له في العمل الواحد ألف نية خير لقوله
صلى الله عليه وسلم:{بنياتكم
ترزقون} وقوله سبحانه وتعالى: ﴿وَاللّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾، [212،
البقرة]. وقوله
عليه الصلاة والسلام:{إنما
الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى}[9]
أي لكل امرئ ثواب نيته التي نواها حيث كانت النية صالحة وطيبة ذلك الفضل من الله
والله ذو الفضل العظيم ومن رحمة الله بعبده المؤمن أنه سبحانه لا يؤاخذه على نوايا
السوء والشرور إلا إذا نفذها بالفعل، هذا لأن الله حليم صبور يعطى للعبد فرصة لعل
قلبه يستيقظ، ويغير ما في نفسه حتى إذا
فعل ما نواه من الشر شهد عليه العالم من حوله بخبث فطرته وفساد طويته وبشاعة
أفعاله وقبح صنائعه وآثارها السيئة على المجتمع الذي يعيش فيه، وتقوم عليه الحجة
بظلمه لنفسه، وعدوانه على غيره،فإذا أهلكه الله وأخذه بذنبه لم يشفق عليه أحد ولم
يعطف عليه أي إنسان.
وإذا علم المؤمن ما يناله من الخيرات بمجرد تحسين
النوايا وتطهير المقاصد وهى لا تكلفه شيء إلا بمقدار اتجاه العقل والفكر إليها، حرص
كل الحرص على أن يجعل له قصدا جميلا ونية طيبة في كل أعماله وأقواله وأحواله وبذلك
ينال المؤمن ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة، ويرتقى لمنازل الصديقين والشهداء
والمقربين والأصفياء والصالحين والأنبياء.
ثالـثا: اقـتراب وقـت
الظـهر:
فإذا قرب وقت
الظهر وكان قد فرغ من شغله بمعاشه أو لم يكن قد فرغ وكان لديه وقت يسمح بأداء
الصلاة في أول وقتها لقول رسول الله صلى
الله عليه وسلم: {أول الوقت رضوان الله} وقوله:{أفضل
الأعمال الصلاة لأول وقتها}[10]
أسرع فتوضأ فأحسن الوضوء وصلى ما شاء الله له أن يصلى قبل أن تتوسط الشمس في وسط
السماء فإن الصلاة وقتئذ مكروهة لأن النهي عن الصلاة في هذا الوقت وارد عن رسول
الله، فإذا تحولت الشمس عن وسط السماء إلى جهة الغروب وأذن الظهر يدعو الله بما
شاء فإن أبواب السماء قد تفتحت لأن وقت
الأذان هو وقت إجابة الدعاء ثم يصلى بعد الأذان ركعتين سنة الظهر ثم يصلي الظهر
جماعة حاضرا مستحضرا معاني الصلاة وأسرارها فإذا فرغ من صلاة الظهر أتبعها بصلاة ركعتين أيضا، وهذه الركعات
الأربع التي صلاها قبل الظهر وبعده سنة مؤكدة للظهر ثم يختم الصلاة ويكثر من
الدعاء والذكر بما يفتح الله به عليه، ثم يذهب إلى حاجته من مطعم ومشرب ونوم
ليتقوى به على قيام الليل لقوله صلى
الله عليه وسلم: {استعينوا بالقيلولة على قيام الليل}[11]
أو ذهب إلى عمله إن كان في عمل.
نوم المؤمن
ونود أن نشير
هنا إلى أن نوم المؤمن عبادة لأنه ينوى به التقوى على طاعة الله تعالى وعلى القيام بواجباته وأعماله المنوطة به في تحصيل
رزقه ورزق من يعوله، وإن نوم المؤمن لا يكون إلا عن حاجة وضرورة للنوم والراحة، وذلك
يكون بعد مجهود بذله وأعمال قام بها وعبادات لله أداها واضطر جسمه للنوم، لاستراحة أعضائه من المعاناة
والتعب واستعادة نشاطه، ولا يتصنع المؤمن النوم ولا يحاوله من غير حاجة فإن ذلك يكون
تناومًا وتكاسلاً وفتورًا وتضييعا لعمره الثمين بل إن المؤمن أذا آوى إلى مضجعه
دعا الله عزَّ وجلَّ وذكره حتى يستغرق في نومه، وذلك بأن يقول:(بسم الله
الرحمن الرحيم، بسمك ربى وضعت جنبي وبك أرفعه، إن أمسكت روحي فارحمها وإن أرسلتها
فاحفظها كما حفظت عبادك الصالحين، اللهم إني أسلمت نفسي إليك وفوضت أمري إليك،
وأسندت ظهري إليك، لا مفر ولا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك اللهم إني آمنت بكتابك الذي
أنزلت ونبيك الذي أرسلت فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أعلمه
وما لا أعلمه وما أنت تعلمه إنك على كل شيء قدير وصلى اللهم على سيدنا محمد وعلى
آله وصحبه وسلم ). ويقرأ ما تيسر له من القرآن وبهذا يكون نوم المؤمن عن غلبة
ويكون عبادة لله عزَّ وجلَّ.
ويستحب له بعد
ذلك أن يصلى أربع ركعات بين الظهر والعصر وتسمى صلاة الغفلة لأن الناس في غفلة، وهى
تشبه قيام الليل، ثم يجلس ذاكرًا أو تاليًا للقرآن أو متفكرًا حتى يدخل وقت العصر.
رابعا: صلاة العصر وما
يتبعها:
يسن له أن
يجدد وضوئه إن كان متوضأ لأن كل فرض من الفروض الجديدة يسن تجديد الوضوء له لقول
رسول الله صلى الله عليه وسلم:{الوضوء
على الوضوء نور على نور يوم القيامة}[12]
وقوله أيضا عليه الصلاة والسلام:{الوضوء
الجديد كالثوب الجديد}، ثم يصلى
بعد الأذان أربع ركعات سنة العصر ثم يصلى
العصر في جماعة ويختم الصلاة كالمتبع ثم ينصرف إلى شغله، وإن لم يكن له شغل اشتغل
بالذكر والفكر والشكر والاستغفار وقراءة القرآن، أو تحصيل العلم أو تعليمه للناس
ويستمر كذلك حتى تقترب الشمس من الغروب فإذا دخل ذلك الوقت قام فتوضأ فأحسن وضوئه
استعداد ا لصلاة المغرب .
خامسا: صلاة المغرب
وما يتبعها:
يصلى ركعتين
سنة المغرب بين الأذان والإقامة فقد ورد أن رسول الله وأصحابه كانوا يصلونها، ويقول
عليه الصلاة والسلام:{بين كل أذانين
صلاة }[13]
ويعني بذلك بين كل آذان وإقامة ثم يصلى المغرب في جماعة، ويصلى بعدها ركعتين سنة
المغرب، ثم يختم الصلاة بعدها.
ولا يفوتني أن
أذكر في هذا المقام أن ترديد الآذان خلف المؤذن وكذلك ترديد الإقامة خلفه سنة
مؤكدة من سنن الصلاة، ثم يصلى على النبي عقب كل من الآذان والإقامة ويدعو بهذا
الدعاء: (اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت سيدنا محمد الوسيلة
والفضيلة والدرجة العالية الرفيعة، وابعثه اللهم المقام المحمود الذي وعدته إنك لا
تخلف الميعاد). فما قالها مؤمن، إلا استحق شفاعة النبي وقد ورد ذلك في الأحاديث
الصحيحة.
ويستحب أن يصلى المؤمن ست ركعات بين المغرب والعشاء، فقد
ورد أنها تغنى عن قيام الليل وهى صلاة الأوابين أي المسارعين إلى الله، المقبلين
عليه التائبين إليه من كل ما يشغلهم عنه سبحانه وتعالى، لأن هذا الوقت ينشغل الناس فيه بجمع حصاد اليوم
ومراجعة الأعمال الدنيوية ومتابعتها وحصر المكاسب والخسارة وغير ذلك من الأمور التي
تشغل البال عن ذكر الله، وقد كان السلف الصالح رضي الله عنهم لا يخرجون من المساجد في ذلك الوقت لقصره انتظارا
لصلاة العشاء، وكانوا يعمرونه بمدارسة العلم والقرآن والسنة أو بالأذكار الواردة
بين صلاة الصبح وطلوع الشمس لمشابهة هذا الوقت له.
الأوقات التي تكره فيها الصلاة
ويجب على
المؤمن مراعاة الأوقات التي تكره فيها الصلاة والتي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فيها وهى خمسة أوقات:
الأول: من بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس، والنهى عن
الصلاة في هذا الوقت ليس للتحريم ولكنه للكراهية فقط.
الثاني: وقت طلوع الشمس فإن النهي عن الصلاة في
هذا الوقت للتحريم لأن الكافرين يسجدون لها وقت طلوعها ويستمر هذا النهى إلى ما بعد
طلوعها بثلث ساعة زمنية تقريبا.
الثالث: وقت
توسيط الشمس في كبد السماء، فإن الصلاة منهي عنها في ذلك الوقت والنهى فيه
للكراهية وليس للتحريم، ويستمر النهى فيه إلى أن تزول الشمس عن وسط السماء وتتحول
إلى جهة الغروب ولو قليلا، وعندئذ يؤذن
المؤذن للظهر.
الرابع: من بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس، والنهى في
ذلك الوقت مكروها وليس محرما.
الخامس: وقت
غروب الشمس حتى آذان المغرب، والنهى في هذا الوقت للتحريم وليس للكراهية، لأن عباد
الشمس يسجدون لها في هذا الوقت.
هذا وإن الأوقات التي تكره فيها الصلاة يجوز صلاة
السنة التي لها سبب فيها كصلاة تحية
المسجد لمن دخل المسجد، أو صلاة سنة الصبح لمن ليس لديه وقت أن يصليها بعد
طلوع الشمس وحلول صلاة النافلة، أو كصلاة
سنة العصر لمن لم يصلها قبلها أو صلاة جنازة أو صلاة لقضاء حاجة أو صلاة كسوف الشمس أو صلاة استسقاء
أو صلاة الاستخارة .
وإنما الصلاة
المكروهة في هذه الأوقات هي النفل المطلق الذي لا سبب له أما الأوقات التي تحرم
فيها الصلاة وهى وقت شروق الشمس، ووقت غروبها فلا يجوز أداء أي سنة من السنن
الفائتة في هذين الوقتين اللهم إلا إذا كان يصلى العصر قبل الغروب أو الصبح قبل
الشروق وطلعت عليه الشمس أو غربت وهو في أثناء صلاة الفريضة فلا حرمة عليه، كمن
نوى صلاة العصر قبل الغروب واستمر في صلاته حتى أشرقت عليه الشمس فلا حرمة عليه في
ذلك أيضا.
سادسا:صلاة العشاء وما
يتبعها:
فإذا حان وقت
العشاء وأذن لها المؤذن صلى ركعتين قبلها ثم صلاها في جماعة وصلى ثلاث ركعات بعدها
يوتر بواحدة منها، ثم يختم صلاته بالأدعية المأثورة والتسبيح والتحميد والتكبير،
هذا وإن الذي يصلي الوتر بعد العشاء هو من لا يقوم الليل أما الذي يسعده الحظ
ويوفقه الله لقيام الليل فيؤخر الوتر إلى ما بعد صلاة القيام وهو مثل قيام رمضان
ركعتين ركعتين ويوتر بواحدة بعده، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا
وَقِيَامًا﴾، [64،
الفرقان]. وقال صلى الله عليه وسلم: {عليكم
بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم ومطردة للـداء من أجسامكم}[14] ويستحب للمؤمن أن يستيقظ ساعة السحر ويتسحر إن كان
سيصوم، ويصلى ركعات سنة التهجد ويوتر بعدها إن لم يكن أوتر قبل ذلك،ثم يستغفر الله
تعالى كما قال جل شأنه: ﴿كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ
وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾، [17-18، الذاريات]. ويستمر في استغفاره وابتهاله وتضرعه حتى طلوع
الفجر الصادق فيصلي ركعتي الفجر الصادق كما قدمنا عند الكلام عليها، وبذلك يكون
المؤمن طول نهاره وليله في حالة جهاد مع نفسه وشيطانه وحظه وهواه وكل القوى
الشريرة التي تدعوه للفتور والكسل والتي تصده عن عمل الخير لنفسه ولأهله ولأمته، والمؤمن
يحرص أشد الحرص على أن يعطي كل وقت من عمره حقه لأنه مطالب بعمارة كل وقت بواجبه
حتى لا يفوته واجب في وقته، فيسأل عنه غدا بين يدي الله عزَّ وجلَّ فإنه
قد ورد في الحديث الشريف، أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال: {لن
تزولا قدما العبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع خصال:عن شبابه فيما أبلاه، وعن
عمره فيما أفناه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل فيه}[15]
وقت المؤمن
هذا وإن الوقت هو حياة الإنسان، وليس هناك شيء في
الوجود أغلى وأعظم من حياة الإنسان إلا
الله ورسوله ودينه، فإن الإنسان يبذل حياته رخيصة فداء لله ولرسوله ولدينه لأنه
مؤمن بأن الله سيمنحه حياة خيرا من حياته الدنيوية ألا وهي حياة السعادة والهناء في
دار الخلود والبقاء قال تعالى: ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ
فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ﴾،[94، الأنبياء].
وقال تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى
وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ
أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾، [97،
النحل]. وإن وقت المؤمن موزع على أربع ساعات، ساعة يناجى فيها
ربه،وساعة يحاسب فيها نفسه،وساعة يقضى فيها مآربه وحاجاته، وساعة يتفكر فيها في
مصنوعات الله تعالى وقد وردت بذلك الأحاديث الشريفة والأخبار الصحيحة. فليأخذ
المؤمن من ساعته لما بعدها، ومن يومه لغده، ومن دنياه لآخرته ومن شبابه لهرمه ومن
غناه لفقره، ومن صحته لمرضه ومن حياته لموته قال تعالى: ﴿ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ
التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ﴾، [197، البقرة].
والمؤمن لا يعمل إلا في إحدى ثلاث، حسنة لمعاد، أو مرمة لمعاش، أو شهوة في
غير محرم.
التوبـة
والمؤمن تائب إلى الله تعالى من كل صغيرة وكبيرة، فإنه
لا صغيرة مع المداومة عليها والإصرار على فعلها، ولا كبيرة مع التوبة إلى الله
منها والاعتذار إليه عنها، والمؤمن ليس معصوما من فعل المحرم والمنهي عنه، و إنما يقع في ذلك مكرها وهو غير
راض عن نفسه ولا عن فعله، وإنما دفعته إلى ارتكابه نفسه وشهوته وشيطانه وهم أعداؤه،
وقد فتح الله له باب التوبة والرجوع إليه ليحفظه من قهر هؤلاء الأعداء وتسلطهم
عليه حتى لا ينقطع رجاؤه في عفو الله، ولا تبعده معصيته عن صلته بالله سبحانه وتعالى، فكم من معصية أورثت العبد ذلاً و انكسارًا وتضرعًا
واستغفارًا فهي معصية من حيث كونها مخالفة لله ورسوله وهى ابتلاء من الله للعبد ليظهر العبد أمام نفسه وأمام الخلق على حقيقته
من الضعف والهوان،وأنه لا حول له عن معصية الله إلا بمشيئة الله وإرادته، ولا قدرة
له على طاعة الله إلا بتوفيق الله ومعونته، ويظهر أيضا أمام الله عبدًا ذليلاً، مضطرا
إلى عفوه ومغفرته ورحمته فينكسر قلبه بمعصيته هذه فيجبره الجبار ويتوب عليه، فكم
من معصية كانت سببا للقرب والهناء، وذلك مثل معصية آدم عليه السلام وكذلك معصية
المؤمن التي تزل بها نفسه لله وينفطر بها قلبه ندمًا وأسفًا على ما فرط في جنب
الله، وكم من طاعة كانت سببا في الحرمان والشقاء، وذلك مثل من يمن بطاعته على الله
ورسوله، أو يستكبر بها على خلقه كموسى السامري فقد كان يستكبر على بني إسرائيل
بعبادته ويظن أنه تساوى مع سيدنا موسى عليه السلام، ومثل كثير من العباد الجهلاء
الذين يظنون أنهم أفضل من غيرهم من المسلمين، ولو نظرت إلى معصية آدم عليه السلام
لوجدتها أنها أدت إلى الخير والعطاء، وإذا نظرت إلى عبادة إبليس لعنه الله لوجدتها
كانت سببا في الخسران والشقاء لأنه كان يعبد الله من أجل الحصول على منصب الخلافة
عن الله في الأرض ولم يعبد الله لذات الله ولا خوفًا من مقامه العلى ولا رجاءًا في
رحمته وإحسانه، فلما أكرم الله آدم بالخلافة عنه سبحانه كفر إبليس وأبى امتثال أمر
الله لأن الخلافة ذهبت عنه إلى آدم عليه السلام، فشقي إبليس لعنه الله بعبادته التي
قضى فيها عشرات الآلاف من السنين لأنها كانت لغير الله وكانت لشهوة في نفسه وحظ في
قلبه.
والمجال هنا ليس لبيان معصية آدم وعبادة إبليس وإنما
أشرنا إليهما على قدر ما يقتضيه المقام كدليل على صحة ما ذكرناه فإن هذه الرسالة
توضح ما ينبغي أن يقوم به المؤمن لله عزَّ
وجلَّ في اليوم والليلة من الأعمال والأقوال
والأحوال والأخلاق الواجبة والمسنونة والمستحبة حتى يكون فيها قائما بالقربات والنوافل
والمندوبات المحبوبة لله ولرسوله صلى
الله عليه وسلم ناهجا مناهج المتقين من الأئمة والهداة
المرشدين متبعًا سبيل المؤمنين الذين آمنوا بالله ورسله وكتبه وملائكته واليوم
الآخر وسارعوا إلى مرضاة الله عزَّ
وجلَّ وإرضاء رسوله
صلى الله عليه وسلم.
أحب الأعمال
إلى الله
هذا
وإن أحب الأعمال إلى الله عزَّ
وجلَّ، وأعظم القربات إليه سبحانه هي قيام المؤمن
بأداء الفرائض والواجبات التي افترضها الله عليه في أوقاتها بشروطها وأركانها على
الصورة التي رسمها رسول الله صلى
الله عليه وسلم من صلاة وصيام وزكاة وحج وعمرة وجهاد في سبيل
الله وذلك لقول الله عزَّ وجلَّ في الحديث القدسي: ﴿ ما تقرب إلى عبدي بشيء أحب من أداء ما افترضته عليه
ولا يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه﴾[16]، إلى
آخر الحديث فأداء الفرائض أحب شيء إلى الله عزَّ وجلَّ،
وكذلك من يؤديها فإنه أحب إنسان إلى الله عزَّ وجلَّ
لمسارعته في امتثال أمره سبحانه ومجاهدته نفسه في ذلك.
وإن أداء الفرائض هي أجل وأعظم القربات إلى الله عزَّ وجلَّ، ولما
كانت هذه الفرائض قد لا يبلغ المؤمن في أدائها درجة الكمال وأنه يحس بالقصور
والتقصير عن القيام بها على الوجه اللائق بالجناب المقدس فقد بادر المؤمن بأن يقوم
لله عزَّ وجلَّ بأداء أعمال من نوعها على سبيل استكمال أوجه النقص التي
تعترى هذه الفرائض حتى يسد الثغرات التي تعوقها عن بلوغ درجة الكمال، وهنالك يترقى
المؤمن إلى الرتب العلية والمنازل السنية لحرصه على تصويب أعماله، وتجويد أفعاله، وإتقان
أحواله، قال صلى الله عليه وسلم:{إن الله
يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه}.
مقامات القرب
هذا
وإن مقامات القرب من الله ورسوله لا نهاية لها فلذلك يستمر المؤمن يتقرب إلى الله عزَّ وجلَّ
بالنوافل والمندوبات والسنن من جميع الأعمال والأقوال والأخلاق والمعاملات حتى آخر
نفس من حياته ومعنى: ﴿ولا يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه﴾، أي حتى يستمر رقيه في درجات الحب التي لا
نهاية لها عندي، لأن الله قد أحب المؤمن بمجرد قيامه بأداء الفرائض حسب ما ورد في
هذا الحديث القدسي الكريم ومن هنا كان قيامه بالنوافل والقربات لله سبحانه يؤهله
للمزيد من حب الله له وترقيته إياه في درجات الحب العالية التي لا نهاية لها.
ولقد كشف هذا
الحديث الحجاب عن حقيقة العبادة، وبين أنها الحب الخالص لله سبحانه وتعالى، وأن المؤمن المجد في عبادته لا يزال يترقى في مقامات
الحب الإلهي حتى يحظى بالقرب من الله عزَّ
وجلَّ، و يتحقق بمعاني أسماء الله وصفاته جل جلاله ويتخلق بأخلاق
محبوبه سبحانه وتعالى ويتجمل بصفات معبوده عزَّ شأنه، ثم
يكرم بمقام الاتحاد بتلك المعاني القدسية فتسرى في معانيه الإنسانية من السمع
والبصر والإرادة والعلم والقدرة والحكمة والتكلم والحياة وغيرها من معانيه وسره
فيسمع بالله ومعنى ذلك أنه لا يسمع إلا ما يحبه الله سماعا يحيا به قلبه ويبصر
بالله أي لا ترى عينه إلا ما يحبه الله فلا يرى شيئا إلا دله على الله، وقربه إليه
وكذلك جميع المشاعر والمدارك التي استودعها الله فيه فيكون عبدا ربانيا يتحرك
بالله ويسكن بالله ويعمل لله ويترك لله ويحيا بالله ويموت بالله قال تعالى: ﴿أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُم مِّن
دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا﴾، [26، الكهف].
ونمسك القلم عن المعاني التي تشير إليها هذه الآية
الشريفة فإنها شراب التوحيد الخالص الذي أدير على أرواح المقربين من صفوة عباد
الله الأخيار فشهدوا مقام الله عزَّ وجلَّ في
كمال عزته، وجلال عظمته، وسلطان كبرياءه فانمحقت ظلال الوهم وصور الخيال من نفوسهم
وتحققوا بمقامات النزاهة لله الأجل الأعظم.
فإنه سبحانه وتعالى يتنزل بحنانته ورأفته على من يحب من عباده حتى يمنحه
سمعاً من سمعه وبصراً من بصره وقوة من قوته ورحمة من رحمته وعلمًا من علمه مع كمال
نزاهته وجلال كبريائه وقداسة عزته وعظمة جنابه العلى فإنه سبحانه لا يحل في
الأجسام ولا في الأعراض ولا تحل فيه الأجسام ولا الأعراض، قال تعالى: ﴿كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾، [11،الشورى].
وإنما يتنزل الله لأحبابه بمعاني أسمائه وصفاته
الحسنى لنؤمن بأنه سبحانه قريب من عباده المتقين يناجونه ويناجيهم، ويسألونه
فيلبيهم، ويدعونه فيستجيب لهم.
ولنعلم مدى
فضل الله على أحبابه ونشهد قبسًا من نوره الذي أمد به أولياءه فنحبهم بحب الله
لهم، ونقبل عليهم لأن الله أقبل عليهم بوجهه الكريم ونحترمهم أن الله أكرمهم
ونعتقد أن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم. اللهم لا مانع لما
أعطيت ولا معطى لما منعت بيدك الخير ترزق من تشاء بغير حساب.
وإذا دققنا
النظر في سلوك المؤمن اليومي لوجدنا أن مداومته على عمل القربات التي سبقت الإشارة
أليها بعد قيامه بالفرائض هي من أفضل العبادات الصالحات التي يقوم بها لله عزَّ وجلَّ، فقد
ورد في الخبر الصحيح:{أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل}[17]
وفي الحكمة قليل دائم خير من كثير منقطع، وفي الحديث
الشريف: {اكلفوا من العمل ما تطيقونه فإن الله تعالى لا
يمل حتى تملوا}[18]
الأمر الجامع للمؤمن
هذا وإن خلاصة
القول في أفضل الأعمال التي يقوم بها المؤمن في اليوم والليلة هو أن يؤدى المؤمن
الفرائض ويتجنب النواهي ثم يقوم بطلب رزقه ورزق من يعوله من وجهه المشروع ثم يعين
إخوانه المؤمنين على قضاء حوائجهم بقدر ما استطاع، ثم يتقرب إلى الله عزَّ وجلَّ بصلاة النوافل والمندوبات، مع الحضور فيها بقلبه
والأنس فيها بمناجاة ربه ثم قراءة القرآن أو استماعه بتعقل وتدبر ويقظة، وبعد ذلك
يعمل ما يشرح الله به صدره من ذكر أو فكر أو صلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم أو
غير ذلك مما يفتح
الله به عليه فإن ذلك أقرب الطرق الموصلة إلى رضوان الله عزَّ وجلَّ ومرضاة رسوله صلى الله عليه وسلم.
هذا وإن
المؤمن طالب للمزيد من الخير الحقيقي دائما ولذلك فإنه في كل يوم جديد يعمل عملا
زائداً عن الأمس الذي انقضى ولو كلمة واحدة من كلمات الخير والبر أو حركة من حركات
الإحسان و الفضل، أو نية من نوايا الصلاح
والتقوى فالكلمة الطيبة صدقة والحركة الصالحة حسنة والنية الطيبة قربة إلى الله عزَّ وجلَّ.
والمؤمن متنبه فطن وعاقل يقظ لا يكفيه القليل من
الخير ولا يرغب عن أعمال البر لأنه على يقين أن الله سبحانه خلقه من أجل ذلك قال
تعالى: ﴿وَمَا
خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾، [56،الذاريات]. وقد ورد في الحديث القدسي: ﴿ يا بن آدم خلقتك لعبادتي فلا تلعب، وضمنت لك
رزقك فلا تتعب﴾، هذا
وإن الذي أوضحناه هو سبيل المؤمنين، وطريق المتقين، وصراط الله المستقيم، ومن سار
عليه فقد تحرى غاية الهداية والرشاد، ومن تنكب عنه فقد ضل ضلالا بعيدا قال الله
تعالى: ﴿وَمَنْ
أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا
قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى﴾، [124-125-126، طه].
نسأل الله من فضله بجاه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلهمنا الرشاد والصواب، وأن يهدينا ويوفقنا لاتباع
سبيل المؤمنين الصادقين إنه سبحانه وتعالى ولى الإجابة ونعم المستعان. وصلى الله على سيدنا محمد
وعلى آله وصحبه وسلم. صلاة وسلاماً ننال بهما الولاية والسعادة وحسن الختام.
ما أستحسنه
من الأذكار التي يفعلها المؤمن بعد ما تقدم ذكره
أولاً: يقول: (أستغفر الله العظيم إن الله غفور
رحيم) كل يوم مائة مرة في أي وقت شاء.
ثانياً: يقول: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له
الملك وله الحمد يحي ويميت بيده الخير وهو على كل شيء قدير ). مائة مرة كل يوم في أي
وقت شاء .
ثالثا: أن يقول: (اللهم صلى على سيدنا محمد
وعلى آله وصحبه وسلم صلاة تحل بها العقد وتفرج بها الكرب وتزيل بها الضرر وتهون بها الأمور الصعاب وصلاة ترضيك وترضيه
وترضى بها عنا يارب العالمين ). مائة مرة كل يوم.
رابعا: أن
يقول: (سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم أستغفر الله) كل يوم مائة مرة.
وإن لم يستطع
فيقول من هذه الأذكار ما استطاع مع ملاحظة معانيها على قدر طاقته و(لا يكلف الله نفسا
إلا وسعها) والله من وراء القصد وهو حسبنا ونعم الوكيل وصلى الله على سيدنا محمد
وعلى آله وصحبه وسلم.
صـلاة
الحاجــة
إذا أََهَمَّ
المسلم أمر من الأمور، وكان له حاجة ملحة، ورغب في قضاءها فليصلى ركعتين بنية قضاء
الحاجة، يقرأ في الركعة الأولى بعد الفاتحة آية الكرسي وهى: ﴿ اللّهُ لاَ إِلَـهَ
إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا
فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ
بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ
بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ
وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ﴾، [255، البقرة].
ثم يقرأ في الركعة الثانية بعد الفاتحة آخر سورة
البقرة وهى: ﴿ آمَنَ
الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ
بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن
رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ
الْمَصِيرُ لاَ
يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا
اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا
وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا
رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ
لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾، [285-286، البقرة]. ثم يدعو الله تعالى في آخر سجدة من سجوده ويقول: (اللهم إني أسألك بمعاقد العز من عرشك ومنتهى
الرحمة من كتابك واسمك الأعظم وجدك الأعلى وكلماتك التامة يا إله العالمين يا مجيب دعوة المضطرين
أنت أعلم بحاجتي وهى كذا ... فيسرها لى واقضها لى
يا رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ) .
العبادة الخاصة
لكل مؤمن
ومؤمنة عبادة خاصة يقوم بها لله عزَّ وجلَّ فضلا
عن العبادات العامة التي يقوم بها جميع المسلمين على حد سواء والتي مر ذكرها في
هذا الكتيب.
فعبادة
العالم الخاصة: استذكار علمه واستنباط الأحكام والآداب والوصايا والأسرار من
القرآن والسنة وتوصيل هذه المفاهيم إلى عباد الله بالرفق والرحمة والحكمة والموعظة
الحسنة، مع التحمل والصبر والرضا والحلم حتى تكون هذه العبادة الخاصة بالنسبة له
منازل القرب من الله ورسوله وريحان الأنس والبهجة برضوان الله الأكبر، قال الله
تعالى: ﴿يَرْفَعِ
اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ
وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾، [11،المجادلة].
والمعنى يرفع الله المؤمنين من حضيض الكفر والشرك
والنفاق إلى سمو الإيمان والإسلام، ويخرجهم من الظلمات إلى النور، وأما العلماء
فإن الله يرفعهم إلى درجات عالية من القرب والكمال والجمال والشرف والفضل والمنزلة
والجاه، وغير ذلك من الدرجات العالية التي يرفعهم الله إليها في الدنيا والآخرة
قال صلى الله عليه
وسلم:{فضل
العالم على العابد كفضلى على أدناكم}[19]
وقال عليه الصلاة والسلام:{يشفع في
الناس يوم القيامة ثلاثة الأنبياء والشهداء والعلماء}[20]وقال
صلى الله عليه
وسلم:{يوزن
مداد العلماء بدم الشهداء}[21]
وعبادة العامل والموظف الخاصة: إتقان عمله، وإحكام صنعته، وتقديم النفع بها
للمسلمين وللمجتمع مع مراقبته لله فيها، ومحاسبته لنفسه على التقصير الذي يقع منه في
أدائها، وأن ينوى بهذا العمل وجه الله تعالى مع اعتباره أن العمل هو حق لله
ولرسوله وللمجتمع وأنه رضي أن يقوم به في مقابل
الأجر الذي يأخذه من الدولة، أو من صاحب العمل فلا يجوز الإهمال فيه بحال
من الأحوال، وبذلك يكون بعمله هذا في عبادة خاصة لله عزَّ وجلَّ لينال عليها الأجر الكبير، والنعيم المقيم في الدار الآخرة،
كما بها أيضا حسن السيرة وجميل الأحدوثة بين الناس في الحياة الدنيا، قال تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى
وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ
أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾، [97، النحل].
وعبادة الغنى الخاصة: البذل والإنفاق في وجوه الخير، وفي عمل البر وفي
مساعدة المحتاجين ومعاونة البائسين، قال تـعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ
وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي
الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ﴾، [60-61، المؤمنون].
وعبادة
الفقير الخاصة: الصبر على عدم وجود الحاجة، وعلى ضيق ذات اليد وعلى مرارة
الحرمان وعلى فقدان كمالياته، وبعض ضرورياته، والرضا عن الله عزَّ وجلَّ في تقديره وتضييق الرزق عليه، قال تعالى: ﴿وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء
وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾، [177، البقرة].
وعبـادة
الرئيس الخاصة: عطفه على مرءوسيه ومعاملتهم بالحسنى وإقامة العدل فيما بينهم،
وحسن توجيههم وترشيدهم، وتحمل جفوتهم وسوء
معاملتهم، وتقويمهم باللين والحكمة والتخلق أمامهم بمكارم الأخلاق، وضرب الأمثلة الكريمة
لهم في القدوة الحسنة قال تـعالى: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ
الْجَاهِلِينَ﴾،[199، الأعراف].
وعبـادة المرءوسين الخاصة: السمع والطاعة مادامت في غير معصية الله عزَّ وجلَّ، والمسارعة في تنفيذ التوجيهات والتعليمات التي تنهض
بالعمل، وترتفع بمستواه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:{اسمعوا
وأطيعوا وإن تأمر عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة}[22]
وقال الله تعالى مبينا حال المؤمنين وشأنهم: ﴿وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ
رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾،[285، البقرة].
وعبـادة الزوجة الخاصة: قيامها بحق زوجها ورعايتها لمشاعره وأحاسيسه
ومحافظتها على سره وعلى ماله، وتدبيرها لشئون بيته وقيامها بتربية أولاده وتنشئتهم
على العفة والفضيلة والصدق والأمانة والأخلاق الجميلة، قال تعالى: ﴿فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ
لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ﴾، [34، النساء].
وعبادة الزوج الخاصة: الرفق بزوجته، وحسن معاشرتها والإنفاق عليها
بالمعروف والصبر على ما يقع منها من هفوات وأخطاء، وتعليمها ما يحبه الله ورسوله،
وما يزكى نفسها ويثقف عقلها، ويربى فيها ملكة الحب والتعاون والإيثار، مع المحافظة
على كرامتها وحرمتها كشريكة له في الحياة، وصاحبة له في طريق العمر الطويل، قال
تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ
بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا
وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾،[19، النساء]. وقال صلى الله عليه وسلم: {استوصوا
بالنساء خيراً}[23]
وقال صلى الله عليه
وسلم عليه الصلاة والسلام:{اتقوا الله في الضعيفين المملوك والمرأة}.
وعبادة التاجر الخاصة: الصدق والأمانة والنصح لمن يتعامل معه، وعدم الغش
والتساهل في البيع و الشراء، والسماحة والبشر مع المتنافسين معه في السوق، قال صلى الله عليه وسلم:{رحم
الله عبدا سمحا إذا باع وإذا اشترى وإذا قضى وإذا أقتضى}[24]
وقال صلى الله عليه
وسلم:{من غشنا
فليس منا}[25]
هذا مع مراعاته ظروف المشترين منه والبائعين له، وأحوالهم من الفقر والغنى، والصغر
والكبر، والصحة والمرض.
وعبادة
الحاكم الخاصة به: الرحمة بالرعية وإقامة العدل بينهم، ورد الظالم عن ظلمه
وإعطاء ذي الحق حقه، ونصر المظلوم والنظر في مصالح الناس، وحل مشاكلهم، وتذليل الصعاب التي في
طريقهم وبذل ما في يده لذوى الحاجة منهم،ومجازاة المحسن ومعاقبة المسيء فقد ورد في
الحديث الشريف:{عدل ساعة خير
من قيام ليلة} وجاء في الحكمة: (إمام عادل خير من مطر
وابل).
قال تعالى: ﴿وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ
بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا
بَصِيرًا﴾،[58، النساء].
ونستطيع بعد هذا البيان أن ندرك بقية العبادات الخاصة التي
يقوم بها كل فرد لله عزَّ وجلَّ، والتي
تتشعب وتكثر بكثرة المؤمنين والمؤمنات، وتنوع أعمالهم فإن لكل واحد منهم معاملة
خاصة يترقى بها إلى منازل عليين ومقامات الشهداء والمقربين، فإنه لا يخفي على أهل
العقل والبصيرة وعلى طالب العلم والحكمة سبيل سعادته وفلاحه في الدنيا والآخرة قال
تعالى: ﴿وَالَّذِينَ
اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ﴾،[17، محمد].
قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف: {عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير}[26]
فإن أي شيء يكون فيه المؤمن من يسر أو عسر، أو صحة أو مرض، أو زراعة أو صناعة أو
طلب علم أو غير ذلك فإنه كله خير ما دام الإيمان أساسه، والشريعة قوامه، والإحسان
منهجه، واليقين مشهده، قال تعالى: ﴿ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا﴾،[30، الكهف]. وقال جل شأنه: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾، [99، الحجر]. واليقين هو معانية الغيب العلى، ومشاهدة السر الخفي
قال تعالى: ﴿وَفِي
ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾،[26،المطففين].
نسأل الله من فضله أن يرزقنا العمل بمحابه ومراضيه وأن
يوفقنا للعبادات الخاصة التي يقوم بها الصديقون والشهداء والمقربون في كل زمان
ومكان حتى نتنعم بنعيم أهل الله وخاصته، ونتهنى برضوان الله الأكبر في معية سيدنا
رسول الله إنه مجيب الدعاء .
B