عدد المشاهدات:
الوصول هو بلوغ الغاية، والانتهاء إلى المقصد الذي يطلبه الإنسان. وقد يكون المقصد حسياً، كالظفر بنيل الأغراض والأموال والمطامع والشهوات والحظوظ، والوظيفة والسلطان والرياسة، وغيرها من الأمور المادية التي يجد الإنسان في طلبها، ويسعى ويكدح لنوالها في هذه الحياة الدنيا.
وقد يكون المقصد معنويا، كالعلم والشهرة، والجاه والمنزلة بين الناس وغير ذلك.
وقد يكون المقصد والمطلوب دينيًا وروحانيًا، كرضاء الله ورحمته ومغفرته والعلم بالله وبأيامه وبأحكامه وبحكمة أحكامه، وغير ذلك من الحكمة العالية، وكشف الغيب المصون، ورفع الحجب عن النفس حتى تستكمل النفس معارفها الربانية.
وقد يكون المطلوب الوصول إلى الله عزَّ وجلَّ، والقرب منه والأنس به جل جلاله، ومعية سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة. وهذا هو المقصد الأعظم.
والمؤمن الكامل مقصده الوصول إلى هذه الكمالات، وبغيته الحصول على تلك الجمالات، حتى يستنير في نفسه، ويتأنس بهذه المقامات، ويكون نوراً لإخوانه ورفاقه، يهتدون به في ظلمات هذه الحياة وفي الدار الآخرة، لأن العلماء بالله سرج الدنيا ومصابيح الآخرة كما ورد ذلك في الحديث النبوي الشريف.
وقد ذكر الإمام أبو العزائم رضي الله عنه وأرضاه، حقيقة الوصول إلى الله سبحانه، وبينه بياناً شافياً للعقول التي تعقل عن الله ورسوله، وكشفه كشفاً صريحا للقلوب المستنيرة، ونوراً هادياً للنفوس المستبصرة.
والإمام رضي الله عنه إذا علمنا شيئا من علومه فإنما يريد أن يرفعنا لمستواه رضي الله عنه، وأن يأخذنا معه إلى المقامات التي أكرمه الله بها، واللطائف التي أشهده الله إياها، حتى يكون قد بلغنا ما يحبه الله ويرضاه من العلم النافع لنا في الدنيا والآخرة، عملا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: {خيركم من تعلم العلم وعلمه}.
وهذا بيانه رضي الله عنه لحقيقة الوصول، كما ورد في كتاب (معارج المقربين) صحيفة (22 ) (2).[ الطبعة الثانية لسنه 1395 هـ ـ 1975 م ( مشيخة السادة العزمية].
( الوصول: وجدان باعث الوله إلى التخلق بأخلاق الربوبية، بعظيم المجاهدة في التخلي عن الفطر والأخلاق الحيوانية والإبليسية مع اللذة بالآلام والطرب عند فوات ما يلائم تلك القوى مما حرصت على نيله، وبذله عند نواله فرحاً بمفارقته، مسروراً بما استعاضه عنه حتى تنمو المشابهة، وتتم الفطرة على ألفة ما ينافره والرغبة فيما يؤلمه مع وجدان الباعث على طلبه والداعي له من توفر الشهوة ووجود القدرة على تنجيز ما يلائم ولو كان ضرورياً، فيكون مع الرغبة فيه راغبًا عنه، ومع الاحتياج إليه غنيا عنه، وبهذا يكون قائماً بمعاني القرآن بالمشابهة محفوظا بالمجاهدة، وهو وصول السالكين، فيكون جهادهم التحفظ بسور الحفظ عن تعدى حدود المكانة لا حدود الأحكام، لأنهم محفوظون من تعدى حدود الأحكام بنص قوله تعالى: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ﴾. [42، الحجر].
وهو بداية للمقربين الذين كوشفوا بتلك المعاني في أنفسهم وفي السموات والأرض، أشرقت أنوار لطائف سريرتهم على الجوارح العاملة فسلبت ظلال الوهم وأفياء الهوى والحظ، فجهادهم عن مشاهدة التوحيد بالتوحيد، فهم بعيون السريرة غرقوا في عين الوحدة، وبأبصارهم شهدوا سر الحكمة، وبينهما برزخ لا يبغيان، فلا عباب مشاهد التوحيد يبغى على برزخ الحكمة فيفنى حقيقة العبودة، ولا مكفوف موج الحكمة يبغى على مسجور القدرة فيحجب أنوار التحقيق، وهو الجهاد الأكبر لأنه في ذات الله تعالى، وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ).
فضيلة الشيخ محمد على سلامة