عدد المشاهدات:
الشعبة التاسعة: الإحسان
إلى الوالدين
وإنما يكون ذلك بإطاعة أمرهما وبرهم، وإسداء الخير إليهما،
وإعطائهما الرضا من نفسك ولا تؤثر نفسك عليهما بشيء، ولا تقدم لهما ما يحزنهما
ويسوءهما، وكن لهما في كبرهما وشيخوختهما كما كانا لك في صغرك وطفولتك، والدعاء
لهما بالرحمة والمغفرة في حال حياتهما ومماتهما.
وفي تعبير الله عزَّ وجلَّ بقوله: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ
إِحْسَانًا﴾. [36،
النساء]. بيانا أسكر النفوس
وأدهش الألباب، ذلك لأن الإحسان هو الزيادة على الواجب لهما مما لا بد منه. من
غذاء وشراب ولباس ومسكن يليق بهما، وتلبية نداءهما وطلبهما. والإحسان هو تقديم
الفاكهة والحلوى والمرطبات بعد الأكل، وتقديم الرقيق والناعم والثمين من الملابس،
وتقديم المسكن المكيف المريح والمجهز بالأثاث الكريم، وغير ذلك من الأمور التى تضفي
البهجة والسرور عليهما.
قال
تعالى: ﴿إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ
الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ
تَنْهَرْهُمَا﴾.[23، الإسراء].
ولما كان الكبر والشيخوخة تضعف فيها العظام والقوى البشرية
ويحتاج صاحبها إلى كثير من المساعدة والمعاونة، والصبر والتحمل بصفة مستمرة، كان
ذلك مظنة تأفف الأبناء من أبائهم وأمهاتهم.
والتأفف كلمة معناها التضجر والتألم من كثرة إحتياجات
الوالدين في هذه السن، ولذلك فقد حرم الله على الأبناء قول أف لهما أو لأحدهما،
لأن هذه الكلمة تؤثر على الأبوين وتحزنهما ولا يصح أن يقول الأبن تلك الكلمة
أمامهما ولا من خلفهما.
وتلك الرعاية من الله للوالدين تعطى الأبناء مؤشراً كبيراً
جداً على عظم حق الوالدين، الذي قرنه الله سبحانه وتعالى بعبادته حيث قال: ﴿وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ
تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾. [36، النساء]. وقال
سبحانه: ﴿
اشْكُرْ لِي
وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾.[
14، لقمان].
وذلك لأن الوالدين هما السبب المباشر في وجود الإنسان وبعد
ذلك قاما بتربيته ورعايته بالعطف والرحمة والحنان وتوفير الهناءة والسعادة له في
كل مراحل حياته، والقيام على شأنه وتدبير أمره بالحب والإخلاص، كل ذلك بدون مقابل
ولذلك لما أمر الله الإنسان بالدعاء لوالديه في قوله عز
شأنه: ﴿وَقُل
رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾.[24، الإسراء].
وهو دعاء في غاية الضراعة إلى الله عزَّ
وجلَّ
بأن يتفضل عليهما برحمته بدون عمل منهما يستحق هذه الرحمة، كما عطفا علىَّ وربيانى
في طفولتى، من غير أن أقدم إليهما شيئاً أستحق عليه شيئاً من هذه التربية والرعاية
والحنان. ثم نهى الله المؤمن عن نهر والديه أو أحدهما، فقد أنزلهما الله منزلة
السائل حيث أنهما في حال الكبر صارا لا يملكاكن شيئا من متاع الدنيا، فيطلبان من
ولدهما كما كان يطلب الولد أثناء صغره.
وإذا كان لا يجوز نهر السائل العادى، فإنه في الوالدين أكبر
إثما والنهر هو الشق في الأرض من أثر جرى الماء واندفاعه، فكان كذلك نهر الوالدين
يجرح مشاعرهما، ويصدع قلوبهما، ويؤذيهما إيذاءاً بليغاً، لأن كلمة السوء تندفع
نحوهما، فتحدث شرخاً في نفوسهما لا يكاد يبرأ ولا يلتئم. قال الحكيم:
جراحات
الطعان لها إلتئام ولا
يلتام ما جرح اللسان
لأن هذا الجرح جرحه أعز الأعزاء، وقد كان المرجو منه أن
يداوى الجراح ويواسى الأتراح. ولكنها شقاوة حلت به وسيجنى مرارتها في الدنيا،
ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون.
رب اغفر لى ولوالدى وارحمهما كما ربيانى صغيرا.
شعب الايمان
لفضيلة الشيخ محمد على سلامة