آخر الأخبار
موضوعات

الأربعاء، 4 يناير 2017

- الجاهلية الثانية في الدول الغربية

عدد المشاهدات:
أخطر على الإنسانية من الجاهلية الأولى :
الجهل نقص عظيم، ولكن الجاهل يعذر لجهله، وترك العمل بالعلم نقص عظيم،   ولكن العالم لا يعذر بتركه، قال الله تعالى: )وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ  يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا ((1).
كل إنسان على يقين من الموت، وللمسلم يقين آخر وهو أنه سيبعث ويحاسب، فإما إلى جنة وإما إلى نار، فنسيان غير المسلم للموت أو حرصه على الأعمال التي تدل على  بقائه ودوامه من الطمع في الدنيا، والبخل بها، وطلبها ولو بإهلاك غيره سببه الجهل بيوم الحساب، وله سبب أخر: أنه يحب أن يتمتع بحياته الدنيا بجميع الملذات  والشهوات، حتى إذا مات يكون قد تحصل على نيل جميع شهواته، ولكن المسلم كيف ينسى الموت حتى يظن أنه باق، وهو لا يمضي عليه يوم إلا ويرى نظائره مساقةإلى القبور، بل كيف ينسى ما آمن به من القضاء والقدر ويوم القيامة وحساب القبر،  حتى يبلغ درجة من الغفلة تجعله من أهل الجاهلية بتقليده لأوربا، أقول، شراً من  الجاهلية، وأقيم الحجة:
أهل الجاهلية ينكرون البعث وينافسون في البقاء منافسة تجعل الدماء رخيصة في  جانبها، فكان الواحد منهم يقتل الآخر ليتلذذ بماله، وكانت أسباب ارتزاقهم السلب والنهب، ولكنهم مع ذلك كانوا أهل ذمة ووفاء، وحفظ للعهود والمواعيد، وأهل نجدة للجار، وأهل غيرة على الفضائل الاجتماعية، إذا أكل الرجل مع الرجل أنزله منزلة    نفسه، وإذا قال له أعدى عدوه أنا في ذمتك أنزله منزلة نفسه، وكان من وفائهم أن  الأسير إذا ذكر المالك له بمقابلته مرة، أو بالأكل معه، أو بالشرب معه، أكرمه وفاء،  وحروب بكر وتغلب سببها قتل كليب ناقة لامرأة في جوار جساس، لأن الرجل إذا   نزل في جوار رجل جاهلي بذل لأجله ماله ودمه، وحفظ عرضه، قال حاتم الطائي:
وما ضر جارا يا ابنة العم فاعلمي يجاورنا ألا يكون له ستر
وقال غيره:
ونكرم جارنا مادام فينا   ونتبعه الكرامة حيث مالا
فكان الوفاء وصدق الوعد والغيرة والنخوة والنجدة من صفات الجاهلية العمياء،  مع ما كانوا عليه من الشرور في منازعة البقاء، ولكنا أصبحنا الآن في حالة هي شر مما   كان عليه أهل الجاهلية .
كان أهل الجاهلية ينازعون في البقاء بسيف ورمح وسوط، وأصبحنا نقلد أوربا، وأوربا تنازع في البقاء بكل وسائل الشر .
كان شياطين الجاهلية يطلبون بعض الأموال ويتركون النساء والعيال، إلا من دافعهم، فكانوا يقاتلون بالسيف والرمح فلا يقتل إلا أفراد في المعركة لا يعدون على الأصابع، كما يفعل اللصوص ليلاً، ولكن أوربا فاقت الجاهلية العمياء، فلا تكتفي  بالمال ولا باستعباد الرجال والعيال، بل بلغ بهم الظلم إلى حد أنها تمحو أثر الأمة من على   وجه الأرض، بالآلات الجهنمية التي تحصد النفوس حصداً، وإلا فأين المسلمون في    الأندلس وفي غيرها من جزر البحر الأبيض ؟ وأين أهل أمريكا الزنوج ؟ شياطين  الجاهلية كانوا إذا وعدوا وفوا، ولو وعد الرجل بأن يحضر للقتل، ورجال أوربا  المصلحون تكثر وعودهم وعهودهم ويسرع وعيدهم وعذابهم، فهم إن وعدوا إنما  يعدوا ليستعدوا لحصد النفوس، ومحو آثار الأمم، وإن احتلوا للإصلاح أفسدوا  وتسلطوا على الملوك والعقلاء وأهل النجدة والرأي، فأذلوهم في بلادهم، أو طردوهم  منها، وإذا استجار بهم مستجير استعملوه في مضرة أهله. فإن أطاعهم عاملوه معاملة  راعي البهائم لبهائمه، فسمنوه وأكلوه، أو غذوه واستعملوه .

تدعي أوربا أنها مصلحة، وناشرة للحضارة والمدنية، ولكن أين إصلاحها  وحضارتها لأمريكا، أصلحت ولكن إصلاحها لمن ؟ هل أصلحت السكان الأصليين ؟  لا..  ولكن أصلحت نفسها بالسيادة والترف، والاختصاص بالخير دون غيرها من أهل البلاد .
يدَّعون أنهم جاءوا لرقي الأمم، ودفع المضار عنهم، ولكن أين أثار هذا الرقي ؟ وأين  آثار هذا النفع ؟ .
ظهرت آثاره جلية في سلب الملك من أهله، وحشو السجون بكبار الرجال، وحصد النفوس في الشوارع، وإطفاء شعلة العقول والأفكار، وغل الأيدي، وقطع  الألسنة، حتى أصبحت الأمة المحتلة بدولة من دولهم أجهل من سكان أواسط أفريقيا،  وأذل من الحيوانات الداجنة، قال العربي:
لا يحملُ في أرضٍ يعيشُ بها إلا الأذلان عيرُ الحي والوتدُ
هذا علي الخسفِ مربوط برمتِه  وذا يشج فلا يرثى له أحدُ
أصبحت الأمم المحتلة بدول الإفرنج كالحمير، تستعمل حتى تكاد تموت، فإذا مَلّت العمل قيدت بالحديد، وعلقت من رقبتها في السلاسل، وقدم لها قليل الطعام، فهي  مغلولة في راحتها، متعبة في عملها، وكذلك الأمة المحتلة تعمل بالقهر، فإذا استراحت  من العمل كلفت ألا تتكلم ولا تكتب، أو تزج في السجن .

هذه هي مدنية أوربا وحضارتها، وهذا هو إصلاحها ورحمتها، فاقت الجاهلية  الأولى في منازعة البقاء، فصار القوم عبيد المادة، وصارت قلوبهم أقسى من الحجر، وصار عمل الخير لديهم وسيلة لإهلاك العالم أجمع، يؤسسون جمعية الرفق بالحيوانات، وينشرون المدارس والمستشفيات، وينشرون المبشرين بالدين المسيحي، ويعينون في كل    عمل من أعمال الحكومة رجالا منهم بدعوى الرحمة بالأمة، ونجاة الأفراد من ظلم اخوتهم، عمل ظاهره خير، وباطنه من قبله العذاب .

جهل الشرق قصودهم فطنطن أهل الغفلة بمدح حضارتهم، ونشر أهل الأقلام على  صفحات الجرائد رحمتهم وإصلاحهم، حتى أصبح أهل الغرور يصوغون عقود المدائح   للإفرنج على ما جاءوا به للشرق من إطلاق حرية العهارة والخمر والربا، حتى ذمت  الفضائل، وحبذت الرذائل، وسارع ملوك الشرق وأمراؤهم وأغنياؤهم إلى تقليد    الإفرنج في المأكل والمشرب والملبس والمباني، والأساسات المنزلية والاجتماعات، بحالة  أفسدت على الشرقيين دينهم وعرضهم، وأضاعت ملكهم وأموالهم، حتى انتهى الأمر  باستعبادهم وذلهم، باستيلاء المحتلين على قوة الجيش والمالية والزراعة والتجارة   والتربية .
وأصبحت ترى الشرقي يحب أن يرى امرأته وبنته وأمه في الأسواق، بل وفي مسارح اللهو، يشهدون تمثيل القبائح والفضائح، بل ويخرج إلى الأماكن التجارية للإفرنج، ويسره أن تغازل امرأته وبنته وأمه التجار والخدمة، يأخذ ابنه وأخاه وصاحبه، ويتوجه  إلى بيوت الخلاعة ويجلس فيلاعب فتيات الإفرنج الذين يقدمون المشتهيات أمام ابنه  وأخيه، فيفسد نساءه نهاراً ويفسد أفراد العائلة ليلاً، وإذا أخذ الرجال وخرج،  اجتمع نساؤه وخرجن بنية استنشاق الهواء في الرياض والمتنزهات، ويعلم قدر ما أضاع هذا المغرور بحضارة أوربا من دين وشرف ومال، بل وقدر ما أضاع من متاعب                      المزارعين والعمال عنده، لأنهم حصلوا له هذا المال بعرق جبينهم وتعب أبدانهم، وعاشوا في جوع وعرى ونكد، وأخذ نتائج أتعابهم فأنفقها على غير مستحقها من  الإفرنج، ولا يمضي زمن إلا ويسلب الإفرنج أطيانه، ويرجع بخفي حنين، هذه هي رحمة الإفرنج، وهذه عاقبة من قلدهم وحبذهم لغيره، وهذه هي حقيقة الماديين الذين  لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، ممن شنع الله عليهم بقوله: ( رضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها ) .

وهل بعد كشف الستار عن تلك الحقائق يعذر من قلد الإفرنج أو أحبهم أو والاهم  وساعدهم، اللهم إلا إذا كان أبوه إفرنجياً وكانت أمه غير عفيفة، فإن المثل الفلاحي  يقول: ( الدم يحن ) سلوا – يا قوم – الأندلس أين المسلمون الذين فيك ؟ سادوا   وشادوا وعمروا وأسسوا، وكان عددهم أكثر من اليونان وبلغاريا وصربيا ورومانيا بل وأكثر من بلجيكا وهولندا والدانمارك وسويسرا، لا أبعد بك، سلوهم أين ملوك الهند  وأمراؤهم ؟ وأين ملوك مصر وحضارتها وعلماؤها وقادتها ؟ وأين مدنية المغاربة   والمشارقة ؟ وأين صناعاتهم وفنونهم التي أدهشت عقول فحول الصناع في أوربا ؟ لا تزال مصنوعات الشرق قبل الإسلام تحير أفكار المخترعين، ولا تزال مخترعات الشرق في العصر الإسلامي تذل أمامها عقول المتفننين، وإنا – والحمد لله – قد قامت الحجة على قصود الإفرنج ونواياهم، من منازعة الحياة منازعة يقصد بها محو الشرق وأهله، لتصبح آسيا وأفريقيا أمريكا ثانية، ولكن تحقق الإفرنج أن الدين الإسلامي هو دين الله الحق، وأن الله سبحانه وتعالى حافظ دينه، وتحققوا أن الإسلام هو القوة المعنوية الحسية التي تحارب تلك الرذائل المادية، وتدفع منازعة الحياة الشيطانية، فهموا بما لديهم من القوة والمخترعات أن يطفئوا نور الله بأفواههم ليتمكنوا من الشرق وأهله،  والله تعالى غالب على أمره .
نشروا المبشرين في الآفاق، فوجدوا أمامهم سد يأجوج ومأجوج، لأن المسلم  الذي بين له دينه مرتبته من الوجود، وأعلمه أن الله تعالى خلق له ما في السموات  وما في الأرض، وأعد له بعد الموت نعيماً مقيماً في جواره، لا يقبل من المبشر أن امرأة ولدت ولداً من الله تعالى، وأن إنساناً نظيره يحل ويحرم، ويغفر ويعذب، ويقبل التوبة  من نظرائه، وأن الله المنزه القدوس له ولد، وكيف يقتدر الإفرنج على هذا النور، وقدسجد له العقل، واطمأن به القلب، وثلجت به النفس، بل وظهرت قصودهم من  الاستعمار، وقد آن للشرق أن يعيد ما كان له من المجد، وهذا أمر سهل على جماعة المسلمين، لأن الله تعالى أغناهم بكنوز بلادهم، وحفظهم بما أودعه فيها من جو صاف، وهواء معتدل، وماء نمير، وأرض خصبة، وفكر ثاقب، وأجسام قوية  نشيطة، فالشرق في غنى عن الغرب بما منح الله أهله من العقول الراجحة، والنفوس                 القابلة للخير، والكنوز المعدنية، والأراضي الخصبة، وما بقى إلا اليقظة والعمل، والنظر إلى رجال الإفرنج بعين التحفظ، حتى يتمتع الشرق بما آتاه الله، وينفع الأمم  الأخرى بمجهودات أفكاره، وبعمل جوارحه، حتى يعيش الشرق في هناء وصفاء، نافعاً حراً مريداً، ويتخلص من الذل والاستعباد، فتحتاج إليه أوربا في كل شيء .
محمد ماضى ابو العزائم
التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:




شارك فى نشر الخير