عدد المشاهدات:
- حضارة الإسلام و مدنيته
حضارة الإسلام و مدنيته ، فقد مضى على الإسلام بضع عشر قرنا و المسلمون منتشرون في أقطار الأرض ، و قد مكن الله لهم في الأرض بالحق ، و جعل لهم الطـول و الحول ، حتى بلغ من سلطانهم أنهم لو أرادوا محق كل من يدين بغير الإسلام لفعـلوا ، و مع ذلك فإن روح الإسلام العليا سرت في قلوب الأمراء و الفقراء ، فجملتهم بواسع الرحمة و الرأفة و حسن المعاملة و رعاية الذمة ، حتى لو كان جار رسول الله صلى الله عليه وسلم يهوديا فكان يسأل عنه في كل يوم و يحمل إليه الطعام ، و هكذا اقتدى بجناب رسول الله صلى الله عليه وسلم الخلفاء الراشدون من بعده و أئمة الهدى ، فعاملوا أهل الذمة من اليهود و النصارى معاملتهم للمسلمين ، و لولا أن هذا المختصر لا يسع شرح ذلك لأوردت نماذج من جمال تلك المعاملات و المحاسن ، الدالة على حقيقة الروح الإسلامية .
و أقرب شاهد للحس عدم تمكين خليفة بني عثمان من قهر جيرانه على الإسلام أو إجلائهم أو قتلهم ، و لما كان الخليفة لا يحدث حدثا إلا بعد العلم بأنه من السنة و الكتاب ، فقد استفتى صاحب التفسير الشهير الشيخ أبا السعود في إجلائهم أو قهرهم على الإسلام ، فأبى عليه و حرم عليه ذلك ، لأن القرآن الحكيم أنزله الله سبحانه و تعالى الذي خلق الخلق و فطرهم على فطر مختلفة ، و وسعتهم رحمته سبحانه و تعالى .
و من سعة رحمته تقدست ذاته أنه أمر بالرحمة عباده الذين استخلفهم في أرضه ، مكن لهم فيها بالحق ليظهروا أسرار رأفته و رحمته سبحانه ، و كرمه الذي شمل به عباده ، و ليكونوا حججا له سبحانه يوم القيامة على خلقه بما شملهم به - تنزهت ذاته - من حقيقة الحنان و الشفقة و الفضل العظيم و الكرم ، و ما وجههم به سبحانه و تعالى من جمال تنزلاته العلية ، من تسخير ما في السماوات و الأرض جميعا منه ، فضلا منه و كرما . فكان المسلمون المتعصبون للإسلام نعمة الله على جميع المجتمع الإنساني ، بل و على كل موجود تحت السماء ، بل و على كل سكان السماوات السبع ، فإن العمل بأحكام الله تعالى و القيام بما يوجب مرضاته سبحانه و تعالى ، مقتضي لفيض واسع الرحمة ، و تنزله سبحانه و تعالى بجماله المقدس و تجليه سبحانه بمعاني صفات جماله ، نعمة كبرى للملائكة المقربين ، لأنهم يتنعمون بمشاهد تنزلات الجميل الجميلة ، فكأن قوة المسلمين في دينهم ، و إظهارهم على عدوهم ، و تمكينهم في الأرض بالحق ، برهان على رضاء الله عن المجتمع الإنساني ، و نظره سبحانه إليهم بأعين العواطف الربانية ، و الإحسانات الرحمانية .
و لا يشك عاقل أن التعصب للحق و القوة فيه ، و القيام بواسع الجهد في تنفيذ أحكامه و إقامة حدوده ، و قهر كل من خالفه على الخضوع له و العمل بمقتضاه ، هو الخير الحقيقي و السعادة ، مهما اختلفت الأهواء و تفاوتت الآراء ، و عميت بصائر المفسدين ، و ذلت أقدام أهل الطمع و الغرور . و ليس الحق - الذي هو الحق في نفس الأمر - ما يضعه أهل الأهواء و ما يتأوله أهل الفساد لنيل غاياتهم التي يدعو إليها الحظ و الهوى ، و إنما - الذي هو الحق في نفس الأمر - ما أنزله الله تعالى ، و أقام الحجج الناصعة عليه للعقول حتى أسلمت له و سلمت ، و آمنت به القلوب و صدقت ، و انشرحت له الصدور ، و إليه النفوس الذكية سارعت ، و هو القرآن المجيد و بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
ميل النفوس اللقسة إلى الباطل :
كثير ا ما يكون للباطل زينة ، فتميل إليه النفوس اللقسة ( أي الضعيفة ) التي لا تستقيم على وجه غرورا بزينته العاجلة ، التي من ورائها العذاب الأليم ، و العاقل لا يغتر بلذة عاجلة تعقبها آلام أبدية ، و لكنه يتألم ليفوز باللذة الدائمة ، و يدأب ليحظى بالسعادة الأبدية ، و قد رفع الستار عن مقاصد المبطلين و نوايا المفسدين ، الذين يريدون سلب النعمة و الخير بإيهام أنهم يدعون إلى الخير ، و هم - و الله يشهد - أعداء الخير لأنفسهم ، فكيف يحبونه لغيرهم ؟! . دعتهم نفوسهم الخبيثة إلى أن يطفئوا نور الله بأفواههم ، و يبدلوا بمحاسن الحق قبائح الضلال ، أملا أن ينالوا السلطان في الأرض ، و تفكيك عرى المجتمع الإسلامي ، و محو أنواره من القلوب ، فلم يجدوا سلاحا أقوى من أن يوهموا الناس أن التعصب للدين رذيلة و جمود ، و يقبح بأهل الحضارة و المدنية أن يتشبهوا بالوحوش ، حتى إذا انفصمت عرى الغيرة على الدين ، تفككت أعضاء المجتمع ، و أحب كل فرد ذاته ، و سعى لخير نفسه ، فتمكن أعداء الله منهم ، و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم ، و الله سبحانه و تعالى غالب على أمره
و قد كان العلماء يحذرون الناس عاقبة الاسترسال في تقليد أعدائهم ، و تحسين أعمالهم ، و سوء عاقبة التهاون بالدين ، عندما هاجم وحوش بني الأصفر على الإسلام و المسلمين بخدعهم ، و تزيينهم الأباطيل ، و سعيهم بالفساد في الأرض ، إذ ساعد على ذلك ظلم أمراء السوء و ميلهم إلى شهواتهم الفانية ، و تقليد أهل الغرة بالله للأمراء ، و إعانتهم على أهوائهم بالباطل ، و تحسين القبائح لهم ، و رغبة أهل الشهوات في المظاهرة بعمل ما يغضب الله تعالى ، فحسنوا ما عليه بنو الأصفر و تركوا محاسن عوائدهم الإسلامية و جميل صنائعهم الشرقية ، و صار كل قبيح دينا و عقلا مستحسنا إذا عمله الإفرنج ، و أقبلوا على تقليدهم سرا و علنا في الملبس و المأكل و الفراش ، بل في كل لوازم المعيشة ، حتى صار أفـقر رجل من المسلمين يبذل كل ربحه ليجمل نفسه و بيته و أهله و أولاده بما يرد من بلادهم ، فتعطلت الصناعات الإسلامية ، و بتعطيلها هلك من كان قائما بها ، و وقفت حركة الأفكار و قوة الاختراع ، حتى صار المجتمع الإسلامي أعزلا من الفنون و الصنائع ، إلا ما لا بد أن يتولاه جاهل ، خامد الفكر ، من الأعمال البدنية و المهن الدنيئة التي يتولاها صغار الأفكار أقوياء الأبدان ، فكان ذلك قوة للأعداء و سلاحا لهم في قهر المسلمين و إذلالهم .
و قد مضت القرون الطويلة و بلاد الإفرنج أقل انحطاطا من مجهولات أفريقيا و هنود أمريكا ، حتى أشرقت في بلادهم أنوار المدنية الإسلامية ، فأيقظتهم من نومة الغفلة ، فكانوا كمن ربى الضرغام ليجعله بازا لصيده ، أو من ربى عدوه و مكنه من سلاحه ، و وقف أمامه أعزل ، و ذكره بعد بعداوته ، و أشهـده كنوزه و نعمه ، فاغتاله ليتنعم بما له من النعم و الخيرات .
هكذا كان العلماء فيما سبق ، قاموا بما وجب عليهم ، و لكن زهرة الدنيا و أباطيل الأعداء و غرور أهل الفساد وقف أمامهم فسفه أحلامهم و أقام عليهم أدلة باطلة ، و قال أنتم في جمود ، أو أنتم جهلاء بواجب المدنية الحديثة ، فقال العلماء : اللهم إنا قمنا بما أوجبت علينا ، و لا حول و لا قوة إلا بالله ، فاسترسل المسلمون في الغواية ، فالتفت الله بوجهه الجميل عنهم و لم ينظر إليهم ، فأصبحوا رعية بعد أن كانوا رعاة ، و أذلاء بعد أن كانت لهم العزة ، ضعفوا بعد القوة ، تفرقوا بعد الاجتماع ، و صاروا يؤكلون و لا يأكلون ، و يؤخذون و لا يأخذون ، يسمعون و يطيعون لغير حكم الله و رسوله ، و يدارون و لا يدارون ، بعد القوة و المنعة و العزة و السلطان ، حتى بدت لهم البغضاء ممن اقتدوا بهم ، و بان لهم خطأ انحرافهم عن دينهم مجسما , و الخطأ في جعل أعدائهم أئمة لهم , و بالجملة صبت عليهم أنواع المصائب ، و ضيق عليهم الخناق ، و استعبدوا أيما استعباد ، فكان ذلك أقوى من تذكير العلماء و وعظ الحكماء .
و آن للعالم أن ينتهز تلك الفرصة و القلوب واعية ، و الآذان صاغية ، فيذكرهم بما به يجتمعون بعد التفرقة ، و يتآلفون بعد العداوة ، و لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين ، و تلك سنة الله قد خلت في عباده
حضارة الإسلام و مدنيته ، فقد مضى على الإسلام بضع عشر قرنا و المسلمون منتشرون في أقطار الأرض ، و قد مكن الله لهم في الأرض بالحق ، و جعل لهم الطـول و الحول ، حتى بلغ من سلطانهم أنهم لو أرادوا محق كل من يدين بغير الإسلام لفعـلوا ، و مع ذلك فإن روح الإسلام العليا سرت في قلوب الأمراء و الفقراء ، فجملتهم بواسع الرحمة و الرأفة و حسن المعاملة و رعاية الذمة ، حتى لو كان جار رسول الله صلى الله عليه وسلم يهوديا فكان يسأل عنه في كل يوم و يحمل إليه الطعام ، و هكذا اقتدى بجناب رسول الله صلى الله عليه وسلم الخلفاء الراشدون من بعده و أئمة الهدى ، فعاملوا أهل الذمة من اليهود و النصارى معاملتهم للمسلمين ، و لولا أن هذا المختصر لا يسع شرح ذلك لأوردت نماذج من جمال تلك المعاملات و المحاسن ، الدالة على حقيقة الروح الإسلامية .
و أقرب شاهد للحس عدم تمكين خليفة بني عثمان من قهر جيرانه على الإسلام أو إجلائهم أو قتلهم ، و لما كان الخليفة لا يحدث حدثا إلا بعد العلم بأنه من السنة و الكتاب ، فقد استفتى صاحب التفسير الشهير الشيخ أبا السعود في إجلائهم أو قهرهم على الإسلام ، فأبى عليه و حرم عليه ذلك ، لأن القرآن الحكيم أنزله الله سبحانه و تعالى الذي خلق الخلق و فطرهم على فطر مختلفة ، و وسعتهم رحمته سبحانه و تعالى .
و من سعة رحمته تقدست ذاته أنه أمر بالرحمة عباده الذين استخلفهم في أرضه ، مكن لهم فيها بالحق ليظهروا أسرار رأفته و رحمته سبحانه ، و كرمه الذي شمل به عباده ، و ليكونوا حججا له سبحانه يوم القيامة على خلقه بما شملهم به - تنزهت ذاته - من حقيقة الحنان و الشفقة و الفضل العظيم و الكرم ، و ما وجههم به سبحانه و تعالى من جمال تنزلاته العلية ، من تسخير ما في السماوات و الأرض جميعا منه ، فضلا منه و كرما . فكان المسلمون المتعصبون للإسلام نعمة الله على جميع المجتمع الإنساني ، بل و على كل موجود تحت السماء ، بل و على كل سكان السماوات السبع ، فإن العمل بأحكام الله تعالى و القيام بما يوجب مرضاته سبحانه و تعالى ، مقتضي لفيض واسع الرحمة ، و تنزله سبحانه و تعالى بجماله المقدس و تجليه سبحانه بمعاني صفات جماله ، نعمة كبرى للملائكة المقربين ، لأنهم يتنعمون بمشاهد تنزلات الجميل الجميلة ، فكأن قوة المسلمين في دينهم ، و إظهارهم على عدوهم ، و تمكينهم في الأرض بالحق ، برهان على رضاء الله عن المجتمع الإنساني ، و نظره سبحانه إليهم بأعين العواطف الربانية ، و الإحسانات الرحمانية .
و لا يشك عاقل أن التعصب للحق و القوة فيه ، و القيام بواسع الجهد في تنفيذ أحكامه و إقامة حدوده ، و قهر كل من خالفه على الخضوع له و العمل بمقتضاه ، هو الخير الحقيقي و السعادة ، مهما اختلفت الأهواء و تفاوتت الآراء ، و عميت بصائر المفسدين ، و ذلت أقدام أهل الطمع و الغرور . و ليس الحق - الذي هو الحق في نفس الأمر - ما يضعه أهل الأهواء و ما يتأوله أهل الفساد لنيل غاياتهم التي يدعو إليها الحظ و الهوى ، و إنما - الذي هو الحق في نفس الأمر - ما أنزله الله تعالى ، و أقام الحجج الناصعة عليه للعقول حتى أسلمت له و سلمت ، و آمنت به القلوب و صدقت ، و انشرحت له الصدور ، و إليه النفوس الذكية سارعت ، و هو القرآن المجيد و بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
ميل النفوس اللقسة إلى الباطل :
كثير ا ما يكون للباطل زينة ، فتميل إليه النفوس اللقسة ( أي الضعيفة ) التي لا تستقيم على وجه غرورا بزينته العاجلة ، التي من ورائها العذاب الأليم ، و العاقل لا يغتر بلذة عاجلة تعقبها آلام أبدية ، و لكنه يتألم ليفوز باللذة الدائمة ، و يدأب ليحظى بالسعادة الأبدية ، و قد رفع الستار عن مقاصد المبطلين و نوايا المفسدين ، الذين يريدون سلب النعمة و الخير بإيهام أنهم يدعون إلى الخير ، و هم - و الله يشهد - أعداء الخير لأنفسهم ، فكيف يحبونه لغيرهم ؟! . دعتهم نفوسهم الخبيثة إلى أن يطفئوا نور الله بأفواههم ، و يبدلوا بمحاسن الحق قبائح الضلال ، أملا أن ينالوا السلطان في الأرض ، و تفكيك عرى المجتمع الإسلامي ، و محو أنواره من القلوب ، فلم يجدوا سلاحا أقوى من أن يوهموا الناس أن التعصب للدين رذيلة و جمود ، و يقبح بأهل الحضارة و المدنية أن يتشبهوا بالوحوش ، حتى إذا انفصمت عرى الغيرة على الدين ، تفككت أعضاء المجتمع ، و أحب كل فرد ذاته ، و سعى لخير نفسه ، فتمكن أعداء الله منهم ، و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم ، و الله سبحانه و تعالى غالب على أمره
و قد كان العلماء يحذرون الناس عاقبة الاسترسال في تقليد أعدائهم ، و تحسين أعمالهم ، و سوء عاقبة التهاون بالدين ، عندما هاجم وحوش بني الأصفر على الإسلام و المسلمين بخدعهم ، و تزيينهم الأباطيل ، و سعيهم بالفساد في الأرض ، إذ ساعد على ذلك ظلم أمراء السوء و ميلهم إلى شهواتهم الفانية ، و تقليد أهل الغرة بالله للأمراء ، و إعانتهم على أهوائهم بالباطل ، و تحسين القبائح لهم ، و رغبة أهل الشهوات في المظاهرة بعمل ما يغضب الله تعالى ، فحسنوا ما عليه بنو الأصفر و تركوا محاسن عوائدهم الإسلامية و جميل صنائعهم الشرقية ، و صار كل قبيح دينا و عقلا مستحسنا إذا عمله الإفرنج ، و أقبلوا على تقليدهم سرا و علنا في الملبس و المأكل و الفراش ، بل في كل لوازم المعيشة ، حتى صار أفـقر رجل من المسلمين يبذل كل ربحه ليجمل نفسه و بيته و أهله و أولاده بما يرد من بلادهم ، فتعطلت الصناعات الإسلامية ، و بتعطيلها هلك من كان قائما بها ، و وقفت حركة الأفكار و قوة الاختراع ، حتى صار المجتمع الإسلامي أعزلا من الفنون و الصنائع ، إلا ما لا بد أن يتولاه جاهل ، خامد الفكر ، من الأعمال البدنية و المهن الدنيئة التي يتولاها صغار الأفكار أقوياء الأبدان ، فكان ذلك قوة للأعداء و سلاحا لهم في قهر المسلمين و إذلالهم .
و قد مضت القرون الطويلة و بلاد الإفرنج أقل انحطاطا من مجهولات أفريقيا و هنود أمريكا ، حتى أشرقت في بلادهم أنوار المدنية الإسلامية ، فأيقظتهم من نومة الغفلة ، فكانوا كمن ربى الضرغام ليجعله بازا لصيده ، أو من ربى عدوه و مكنه من سلاحه ، و وقف أمامه أعزل ، و ذكره بعد بعداوته ، و أشهـده كنوزه و نعمه ، فاغتاله ليتنعم بما له من النعم و الخيرات .
هكذا كان العلماء فيما سبق ، قاموا بما وجب عليهم ، و لكن زهرة الدنيا و أباطيل الأعداء و غرور أهل الفساد وقف أمامهم فسفه أحلامهم و أقام عليهم أدلة باطلة ، و قال أنتم في جمود ، أو أنتم جهلاء بواجب المدنية الحديثة ، فقال العلماء : اللهم إنا قمنا بما أوجبت علينا ، و لا حول و لا قوة إلا بالله ، فاسترسل المسلمون في الغواية ، فالتفت الله بوجهه الجميل عنهم و لم ينظر إليهم ، فأصبحوا رعية بعد أن كانوا رعاة ، و أذلاء بعد أن كانت لهم العزة ، ضعفوا بعد القوة ، تفرقوا بعد الاجتماع ، و صاروا يؤكلون و لا يأكلون ، و يؤخذون و لا يأخذون ، يسمعون و يطيعون لغير حكم الله و رسوله ، و يدارون و لا يدارون ، بعد القوة و المنعة و العزة و السلطان ، حتى بدت لهم البغضاء ممن اقتدوا بهم ، و بان لهم خطأ انحرافهم عن دينهم مجسما , و الخطأ في جعل أعدائهم أئمة لهم , و بالجملة صبت عليهم أنواع المصائب ، و ضيق عليهم الخناق ، و استعبدوا أيما استعباد ، فكان ذلك أقوى من تذكير العلماء و وعظ الحكماء .
و آن للعالم أن ينتهز تلك الفرصة و القلوب واعية ، و الآذان صاغية ، فيذكرهم بما به يجتمعون بعد التفرقة ، و يتآلفون بعد العداوة ، و لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين ، و تلك سنة الله قد خلت في عباده