عدد المشاهدات:
لم أتعلم من لحظات في حياتي تعلمي من لحظات الخلوة , ولم أنعم بلذة كنعيمي بلذة الخلوة , ولم أحب شيئا من أوقاتي حبي للخلوة ..
ليس ذلك ابدا لمحبتي اعتزال الناس , ولا لمحبتي الانطواء عن الاجتماع , ولا رغبة مني في عدم مشاركة الأعمال , ولا كراهية في المحيطين بي ..أبدا
وإنما لأني وجدت في الخلوة راحة لا مثيل لها من قيل وقال , وكثرة السؤال , وطول الجدال , واللجاج والمراء وسفسطائية السؤال !
ولأني وجدت فيها لذة ذكر الله سبحانه , والفرصة في تدبر كلام الله , والسعة في التنعم بنعيم دعائه عز وجل , وراحة القلب في مناجاة الرحمن الرحيم .
وجدت فيها إنجاز الأعمال , والقدرة على التركيز فيما أنا بصدده من الأهداف , والمساحة الممكنة في التمعن في الوسائل والسبل , واتقاء الحيل .
ولقيت فيها دقائق ثمينة لمراجعة الذات , ومحاسبة النفس , والتبصر بالطريق , والحذر من المعوقات , وتصفية الاصدقاء الأقربين من هؤلاء الذين يكفيهم مني المعرفة العامة .
وفي الخلوة هيئت لي الفرصة للتعلم , فقرأت حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم , والفرصة لتفهم معانيه , ومصافحة العلماء , ومجالسة العباقرة الأقدمين الذين تركوا لنا في الكتب كنوزا ثمينة .
قال الفضيل : ما أجد لذة ولا راحة ولا قرة عين إلا حين أخلو بربي .
وقيل لابن المبارك : إذا أنت صليت لم لا تجلس معنا ؟ قال : " أجلس مع الصحابة والتابعين ، أنظر في كتبهم وآثارهم ، فما أصنع معكم ؟ أنتم تغتابون الناس ".
وقال الحسن البصري حينما سئل : ما بال أهل الليل على وجوههم نور ؟ , قال : لأنهم خلوا بربهم فألبسهم من نوره رضاه .
وليست الخلوة التي أريدها انقطاع المرء عن الحياة ولا الانطواء عن الخلق , بل هي أوقات مقتطعة من اليوم , يخلو فيها المؤمن بنفسه , يتفكر ويتعلم ويتعبد ويحاسبها , بعد أن يؤدي واجباته وحقوق من يعول , وحقوق من له حق عليه .
وإن من الخلوة أوقات صلاة السنن الرواتب في البيوت , ووقت الليل الآخر , الذي ينزل الله سبحانه فيه إلى السماء الدنيا , فيقول هل من سائل فأعطيه هل من مستغفر فأغفر له هل من داع فأستجيب له .
وإن منها أوقات الاعتكاف , وأوقات تدبر كتاب الله وقراءته ومراجعته , وأوقات التفكر في خلق الله سبحانه وعظمته , وغيرها ..
انها انقطاعٌ عن البشر لفترة محدودة وتركٌ للأعمال الدنيوية لمدة يسيرة كي يتفرغ القلب من هموم الحياة التي لا تنتهي، وتستريح النفس من المشاغل الدائمة .
وهذه الخلوة التي أتحدث عنها , هي خلوة صحيحة لنفع النفس والقرب من الله بالعلم والتعلم والمدارسة والإنجاز , وليست خلوة كخلوة الصوفية التي يتحدثون عنها في كتبهم ويجعلونها من اصول السلوك , تلك التي يدع المرء فيها الاكتساب والعمل , ويهمل في صلاة الجماعة , ويدع الدعوة إلى الله , وحضور دروس العلم , فتلك لم يأمر بها النبي صلى الله عليه وسلم ولا أشار إليها ولا استحسنها لأمته , ولم يفعلها أحد من الصحابة ولا من بعدهم من التابعين لهم بإحسان.
إنما الخلوة التي اقصدها هي خلوة يستغني فيها المرء عن الانشغال بالناس وذهاب الأوقات , إلا فيما هو نافع صالح , من اكتساب الثواب , وتعلم العلم , والتعاون على الخير والبر والتقوى , وإعانة المحتاج , ودعوة الناس , والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , والصداقة الآمرة بالهدى , ويحضر المرء فيها الجمعة والجماعات , ويعود المرضى , ويختلط بالعلماء وينتظم في دروس العلم ويحضر مجتمعات الخير
إن من السلف من آثر اعتزال الناس على مخالطتهم وفضلها لفوائدها: كالمواظبة على العبادة والمساعدة على التدبر والتفكر والتعلم، والتخلص من ارتكاب المعاصي التي يتعرض الإنسان لها بالمخالطة مع الناس كالرياء والغيبة والتنازع والشجار والصراع والسباق على الدنيا والسكوت عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتأثر بذوي الأخلاق الخبيثة والأعمال الرديئة.
وأما أكثر السلف فذهبوا إلى استحباب المخالطة واستكثار المعارف والإخوان بشرط أن يكون ذلك تعاونًا على البر والتقوى وليس فيه أي نوع من الذنوب والمعاصي والآثام أو الاشتغال بالهوى أو اللهو أو ما شابهه.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: "فأما ما تؤثره كثرة الخلطة: فامتلاء القلب من دخان أنفاس بني آدم حتى يسود، ويوجب له تشتتًا وتفرقًا، وهمًا وغمًا، وضعفًا، وحملاً لما يعجز عن حمله من مؤنة قرناء السوء، وإضاعة مصالحه والاشتغال عنها بهم وبأمورهم، وتقسم فكره في أودية مطالبهم وإراداتهم، فماذا يبقى منه لله والدار الآخرة؟ هذا وكم جلبت خلطة الناس من نقمة ودفعت من نعمة؟ وأنزلت من محنة وعطلت من منحة وأحلت من رزية، وأوقعت في بلية، وهل آفة الناس إلا الناس؟"
ثم قال: "والضابط النافع في أمر الخلطة: أن يخالط الناس في الخير، كالجمعة والجماعة والأعياد والحج وتعلم العلم والنصيحة والجهاد، ويعتزلهم في الشر وفضول المباحات"
وبالعموم فالواجب على المسلم أن تكون اوقاته للصالحات والمنافع وأداء الحقوق والواجبات , ولنفع نفسه بالعلم والعبودية ولنفع أمته بالدعوة إلى الله والارتقاء بأمته في مختلف الميادين، ولأجل فعل ذلك ينبغي عليه ألا يكون مشوشًا أو محل وسوسة أو غفلة أو شهوة، فلذلك يجب أن يخلو إلى ربه سبحانه في أوقات كثيرة ليمنع ذلك عن نفسه، فالقلب ما لم يجتمع على الله تجره خواطره إلى ميادين مختلفة، فتجده مشدودًا إلى ميادين شتى إلا ميدان الإيمان، فلا شيء ينفع القلب مثل خلوته بربه وعزلته عن الناس وقتًا من يومه ومناجاته إياه وبكائه بين يديه.
وعن سعد بن أبي وقاص س قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي " مسلم
وروى الخطابي قول أبي الدرداء رضي الله عنه : "نعم صومعة الرجل بيته؛ يكف سمعه وبصره ودينه وعرضه، وإياكم والجلوس في الأسواق فإنها تلهي وتلغي".
وقال الخطابي : "إنما يستوحش الإنسان بالوحدة لخلاء ذاته وعدم الفضيلة من نفسه، فتكثر حينئذ بملاقاة الناس ويطرد الوحشة بالكون معهم، فإذا كانت ذاته فاضلة طلب الوحدة ليستعين بها على الفكرة ويتفرغ لاستخراج الحكمة"
ليس ذلك ابدا لمحبتي اعتزال الناس , ولا لمحبتي الانطواء عن الاجتماع , ولا رغبة مني في عدم مشاركة الأعمال , ولا كراهية في المحيطين بي ..أبدا
وإنما لأني وجدت في الخلوة راحة لا مثيل لها من قيل وقال , وكثرة السؤال , وطول الجدال , واللجاج والمراء وسفسطائية السؤال !
ولأني وجدت فيها لذة ذكر الله سبحانه , والفرصة في تدبر كلام الله , والسعة في التنعم بنعيم دعائه عز وجل , وراحة القلب في مناجاة الرحمن الرحيم .
وجدت فيها إنجاز الأعمال , والقدرة على التركيز فيما أنا بصدده من الأهداف , والمساحة الممكنة في التمعن في الوسائل والسبل , واتقاء الحيل .
ولقيت فيها دقائق ثمينة لمراجعة الذات , ومحاسبة النفس , والتبصر بالطريق , والحذر من المعوقات , وتصفية الاصدقاء الأقربين من هؤلاء الذين يكفيهم مني المعرفة العامة .
وفي الخلوة هيئت لي الفرصة للتعلم , فقرأت حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم , والفرصة لتفهم معانيه , ومصافحة العلماء , ومجالسة العباقرة الأقدمين الذين تركوا لنا في الكتب كنوزا ثمينة .
قال الفضيل : ما أجد لذة ولا راحة ولا قرة عين إلا حين أخلو بربي .
وقيل لابن المبارك : إذا أنت صليت لم لا تجلس معنا ؟ قال : " أجلس مع الصحابة والتابعين ، أنظر في كتبهم وآثارهم ، فما أصنع معكم ؟ أنتم تغتابون الناس ".
وقال الحسن البصري حينما سئل : ما بال أهل الليل على وجوههم نور ؟ , قال : لأنهم خلوا بربهم فألبسهم من نوره رضاه .
وليست الخلوة التي أريدها انقطاع المرء عن الحياة ولا الانطواء عن الخلق , بل هي أوقات مقتطعة من اليوم , يخلو فيها المؤمن بنفسه , يتفكر ويتعلم ويتعبد ويحاسبها , بعد أن يؤدي واجباته وحقوق من يعول , وحقوق من له حق عليه .
وإن من الخلوة أوقات صلاة السنن الرواتب في البيوت , ووقت الليل الآخر , الذي ينزل الله سبحانه فيه إلى السماء الدنيا , فيقول هل من سائل فأعطيه هل من مستغفر فأغفر له هل من داع فأستجيب له .
وإن منها أوقات الاعتكاف , وأوقات تدبر كتاب الله وقراءته ومراجعته , وأوقات التفكر في خلق الله سبحانه وعظمته , وغيرها ..
انها انقطاعٌ عن البشر لفترة محدودة وتركٌ للأعمال الدنيوية لمدة يسيرة كي يتفرغ القلب من هموم الحياة التي لا تنتهي، وتستريح النفس من المشاغل الدائمة .
وهذه الخلوة التي أتحدث عنها , هي خلوة صحيحة لنفع النفس والقرب من الله بالعلم والتعلم والمدارسة والإنجاز , وليست خلوة كخلوة الصوفية التي يتحدثون عنها في كتبهم ويجعلونها من اصول السلوك , تلك التي يدع المرء فيها الاكتساب والعمل , ويهمل في صلاة الجماعة , ويدع الدعوة إلى الله , وحضور دروس العلم , فتلك لم يأمر بها النبي صلى الله عليه وسلم ولا أشار إليها ولا استحسنها لأمته , ولم يفعلها أحد من الصحابة ولا من بعدهم من التابعين لهم بإحسان.
إنما الخلوة التي اقصدها هي خلوة يستغني فيها المرء عن الانشغال بالناس وذهاب الأوقات , إلا فيما هو نافع صالح , من اكتساب الثواب , وتعلم العلم , والتعاون على الخير والبر والتقوى , وإعانة المحتاج , ودعوة الناس , والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , والصداقة الآمرة بالهدى , ويحضر المرء فيها الجمعة والجماعات , ويعود المرضى , ويختلط بالعلماء وينتظم في دروس العلم ويحضر مجتمعات الخير
إن من السلف من آثر اعتزال الناس على مخالطتهم وفضلها لفوائدها: كالمواظبة على العبادة والمساعدة على التدبر والتفكر والتعلم، والتخلص من ارتكاب المعاصي التي يتعرض الإنسان لها بالمخالطة مع الناس كالرياء والغيبة والتنازع والشجار والصراع والسباق على الدنيا والسكوت عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتأثر بذوي الأخلاق الخبيثة والأعمال الرديئة.
وأما أكثر السلف فذهبوا إلى استحباب المخالطة واستكثار المعارف والإخوان بشرط أن يكون ذلك تعاونًا على البر والتقوى وليس فيه أي نوع من الذنوب والمعاصي والآثام أو الاشتغال بالهوى أو اللهو أو ما شابهه.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: "فأما ما تؤثره كثرة الخلطة: فامتلاء القلب من دخان أنفاس بني آدم حتى يسود، ويوجب له تشتتًا وتفرقًا، وهمًا وغمًا، وضعفًا، وحملاً لما يعجز عن حمله من مؤنة قرناء السوء، وإضاعة مصالحه والاشتغال عنها بهم وبأمورهم، وتقسم فكره في أودية مطالبهم وإراداتهم، فماذا يبقى منه لله والدار الآخرة؟ هذا وكم جلبت خلطة الناس من نقمة ودفعت من نعمة؟ وأنزلت من محنة وعطلت من منحة وأحلت من رزية، وأوقعت في بلية، وهل آفة الناس إلا الناس؟"
ثم قال: "والضابط النافع في أمر الخلطة: أن يخالط الناس في الخير، كالجمعة والجماعة والأعياد والحج وتعلم العلم والنصيحة والجهاد، ويعتزلهم في الشر وفضول المباحات"
وبالعموم فالواجب على المسلم أن تكون اوقاته للصالحات والمنافع وأداء الحقوق والواجبات , ولنفع نفسه بالعلم والعبودية ولنفع أمته بالدعوة إلى الله والارتقاء بأمته في مختلف الميادين، ولأجل فعل ذلك ينبغي عليه ألا يكون مشوشًا أو محل وسوسة أو غفلة أو شهوة، فلذلك يجب أن يخلو إلى ربه سبحانه في أوقات كثيرة ليمنع ذلك عن نفسه، فالقلب ما لم يجتمع على الله تجره خواطره إلى ميادين مختلفة، فتجده مشدودًا إلى ميادين شتى إلا ميدان الإيمان، فلا شيء ينفع القلب مثل خلوته بربه وعزلته عن الناس وقتًا من يومه ومناجاته إياه وبكائه بين يديه.
وعن سعد بن أبي وقاص س قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي " مسلم
وروى الخطابي قول أبي الدرداء رضي الله عنه : "نعم صومعة الرجل بيته؛ يكف سمعه وبصره ودينه وعرضه، وإياكم والجلوس في الأسواق فإنها تلهي وتلغي".
وقال الخطابي : "إنما يستوحش الإنسان بالوحدة لخلاء ذاته وعدم الفضيلة من نفسه، فتكثر حينئذ بملاقاة الناس ويطرد الوحشة بالكون معهم، فإذا كانت ذاته فاضلة طلب الوحدة ليستعين بها على الفكرة ويتفرغ لاستخراج الحكمة"