عدد المشاهدات:
فضائل النفس ورذائلها
معلوم أن لكل موجود عملا خاصا به، وكمالا يصل إليه، ومنزلة أهله الله تعالى لها، بحيث لو قصر عنها انحط إلى ما دونه، وأن الله تعالى خلق الإنسان وجعل له كمالا خاصا به، وأعمالا خاصة به، وهيأ له ما به يرث الملك الكبير، وأمده بما به يحظى بالنعيم المقيم فى الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء، فإذا أعانه الله تعالى وصدرت عنه أعماله الخاصة به، ووفقه فتكمل بكمالاته الخاصة، نال السعادتين وفاز بالخير كله، وإذا صدرت عنه الأفعال بعجلة وحظ وشهوة، وميل عن الحنيفية البيضاء والمحجة السمحاء، لأجل الشهوة التى شارك فيها البهائم، والخبث الذى شارك فيه الشياطين، أو الاغترار بزهرة الفانية التى تشغله عن تزكية نفسه التى يبلغ بها منازل الملك الرفيع والسرور الحقيقى، ويرفعه الله بها إلى قرة العين التى قال تعالى فيها: () سورة السجدة آية 17 ويمنحه الله بها إلى أن يشاهد وجهه الجميل فى النعيم المقيم والملاذ التى لم ترها عين، ولا سمعتها أذن، ولا خطرت على قلب بشر.
من خدعته شهواته الخبيثة، عن الفوز بتلك المواهب الأبدية الشريفة، وفرح بتلك الخساسات والرذائل التى لا ثبات لها، فقد أعد نفسه للمقت من خالقه عز وجل، وسارع فى تعجيل العقوبة له، وإراحة العباد والبلاد منه.
ومعلوم أن الخيرات والشرور من الأفعال الإرادية إما باختيار ما أمر الله به، والعمل به الرضا عنه فيه، أو باختيار ما نهى الله عنه والتلذذ به والغفلة عن التوبة.
ولما كانت السعادات الدنيوية، وتحصيل السعادات الأخروية، لا يمكن أن يقوم بها كل واحد بنفسه، لزم أن يقوم بها جماعة كثيرة من الناس، وأن يجتمعوا على تحصيل تلك السعادة المشتركة، لتكميل كل فرد بمعاونة الباقين له، حتى يكون المسلمون كجسد واحد، كل فرد منهم عضو عامل لخير الجسد كله فتكون الخيرات مشتركة، والسعادة بينهم، حتى يقوم كل واحد منهم بجزء منها، وتحصل للجميع بمعاونة الجميع، ولذلك أوجبت الشريعة على الناس أن يحب بعضهم بعضا، وحرمت التباغض والتنافر والعداوة والاعتداء، لأن كل واحد يرى كماله عند الآخر، وكمال الإنسان بتمام أعضاء بدنه.
ولما كانت قوى النفس ثلاثة كما تقرر: وهى القوة التى بها الفكر والشوق إلى معرفة الله تعالى، وتحصيل العلوم الحقيقية المسماة (بالملكية أو الناطقة). والقوة التى بها الغضب والنجدة والإقدام على العظائم، والميل إلى التسلط والترفع، وأنواع الكرامات والسعى فيما يبلغ إلى نوال ذلك وتسمى (بالغضبية أو السبعية). والقوة التى تكون بها الشهوة وطلب الغذاء والحظوظ الجسمانية التى فى المأكل والمشرب والمنكح، وتسمى (البهيمية أو الشهوانية).
ومن المعلوم أن إحدى تلك القوى إذا قويت أضرت بغيرها، أو أبطلت عمل غيرها، كما نرى فى بعض من قويت نفسه الشهوانية أنه أدنى من البهائم لفجوره ومجاهرته، وبعض من قويت نفسه الغضبية أنه أضر من الوحوش لتهوره وظلمه، ومن غلبت عليه نفسه الملكية، فارق نوع الإنسان وصار شبيها بالملائكة فى أخلاقه وأعماله الصادرة عنه، وخير الأمور الوسط، وهو الفضيلة التى أمر الله بها، وأمر بها رسول الله صلى الله عليه سلم كما قال تعالى: () سورة الفرقان آية 67 وقال سبحانه: () سورة البقرة آية 143 وكما قال صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبركم بأحبكم إلىَّ وأقربكم منى مجالس يوم القيامة؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: أحاسنكم أخلاقا، الموطئون أكنافا، الذين يألفون ويألفون) وكما قيل: خير الأمور الوسط.
وقد تكون تلك القوى– مع التوسط – نفسا واحدة، لأنها تنقاد للنفس الملكية، فلا تختار إلا ما يحبه الله تعالى ورسوله من العقائد والعبادات والآراء والأخلاق والمعاملات.
وشرح هذا الباب لا يعنينا فى هذا المختصر الذى قصرنا النظر فيه على الكليات التى بها يستنير قلب المرشد والمسترشد، ويكفى المطلع أن يعلم أن للنفس قوى ثلاث متباينة، يقوى بعضها ويضعف حسب المزاج أو العادة أو التزكية.
ولما كان لكل نفس كمال به يكون جمالها، وتصدر عنها الفضائل، كانت الفضائل ثلاث: لأن للنفس الملكية فضيلة وهى العلم والحكمة، لأنها متى كانت حركة النفس الملكية من ذاتها ومعتدلة، واشتاقت إلى المعارف الصحيحة التى ليست بجهالات حدثت عنها فضيلتها التى هى فضيلة (العلم، اللازم لها الحكمة)، ومتى كانت حركة النفس الشهوانية معتدلة منقادة للنفس الملكية غير منهمكة فى اتباع هواها حدثت عنها فضيلة (العفة، ويلزمها السخاء) ومتى كانت حركة النفس الغضبية معتدلة مقتدية بالنفس الملكية غير متهيجة، حدثت منها فضيلة (الحلم، وتلزمها فضيلة الشجاعة) ومتى اعتدلت تلك النفوس وقويت النفس الملكية وظهرت الفضائل الثلاث، لزمها فضيلة رابعة وهى أكمل الفضائل وأعلاها، وهى فضيلة (العدالة).
فالفضائل إذن أربع: العلم ويتبعه الحكمة، والعفة ويتبعها السخاء، والحلم ويتبعه الشجاعة، والعدالة وهى جماع الخير بها الفخر، وبتوفرها فى الشخص السعادة ولا فخر بغيرها.
ومن افتخر بآبائه وأجداده فذلك لأن الله وهبهم تلك الكمالات، ومَنَّ عليهم بهذه المحاسن.
ولا تكون تلك الفضائل فضائل حقيقية إلا إذا ظهرت لوازمها فى غير الشخص المتجمل بها، فإن العلم لا يكون فضيلة للشخص إلا إذا نفع غيره، والشجاعة لا تكون كذلك إلا إذا نفعت الغير بالذود عن الدين وعن الضعفاء وعن الأعراض وإقامة الحدود، والسخاء لا يكون فضيلة إلا إذا بذل المال فى وجوهه الشرعية، وأعان به العلماء العاملين، الأتقياء الصالحين لوجه الله العظيم، وكل تلك الفضائل لا تسمى فضائل حقيقية إلا إذا كان صاحبها من العارفين بالله تعالى، العالمين بتصريف الأحوال والنيات.
رذائل النفس
تقدم أن الفضائل أربع، لأن كل فضيلة وسط بين رذيلتين كما قررنا، إلا أن أصول الرذائل أربع، وهى أضداد الفضائل: الجهل والشره والجبن والجور، وتحت هذه الأجناس أنواع من الرذائل لا تحصى، وهى أمراض نفسانية تحدث منها علل كثيرة، كالخوف والحزن والغضب لغير الله تعالى، وأنواع العشق الشهوانى وضروبٌ من سوء الخلق، من أحب معالجتَها فليراجع ما كتبناه فى الأخلاق فى غير موضع من كتاب: (شراب الأرواح) وفيما كتبناه من الآداب فى: (أصول الوصول) وما كتبناه من الحكم فى رسالة: (أصول الطريق)
معلوم أن لكل موجود عملا خاصا به، وكمالا يصل إليه، ومنزلة أهله الله تعالى لها، بحيث لو قصر عنها انحط إلى ما دونه، وأن الله تعالى خلق الإنسان وجعل له كمالا خاصا به، وأعمالا خاصة به، وهيأ له ما به يرث الملك الكبير، وأمده بما به يحظى بالنعيم المقيم فى الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء، فإذا أعانه الله تعالى وصدرت عنه أعماله الخاصة به، ووفقه فتكمل بكمالاته الخاصة، نال السعادتين وفاز بالخير كله، وإذا صدرت عنه الأفعال بعجلة وحظ وشهوة، وميل عن الحنيفية البيضاء والمحجة السمحاء، لأجل الشهوة التى شارك فيها البهائم، والخبث الذى شارك فيه الشياطين، أو الاغترار بزهرة الفانية التى تشغله عن تزكية نفسه التى يبلغ بها منازل الملك الرفيع والسرور الحقيقى، ويرفعه الله بها إلى قرة العين التى قال تعالى فيها: () سورة السجدة آية 17 ويمنحه الله بها إلى أن يشاهد وجهه الجميل فى النعيم المقيم والملاذ التى لم ترها عين، ولا سمعتها أذن، ولا خطرت على قلب بشر.
من خدعته شهواته الخبيثة، عن الفوز بتلك المواهب الأبدية الشريفة، وفرح بتلك الخساسات والرذائل التى لا ثبات لها، فقد أعد نفسه للمقت من خالقه عز وجل، وسارع فى تعجيل العقوبة له، وإراحة العباد والبلاد منه.
ومعلوم أن الخيرات والشرور من الأفعال الإرادية إما باختيار ما أمر الله به، والعمل به الرضا عنه فيه، أو باختيار ما نهى الله عنه والتلذذ به والغفلة عن التوبة.
ولما كانت السعادات الدنيوية، وتحصيل السعادات الأخروية، لا يمكن أن يقوم بها كل واحد بنفسه، لزم أن يقوم بها جماعة كثيرة من الناس، وأن يجتمعوا على تحصيل تلك السعادة المشتركة، لتكميل كل فرد بمعاونة الباقين له، حتى يكون المسلمون كجسد واحد، كل فرد منهم عضو عامل لخير الجسد كله فتكون الخيرات مشتركة، والسعادة بينهم، حتى يقوم كل واحد منهم بجزء منها، وتحصل للجميع بمعاونة الجميع، ولذلك أوجبت الشريعة على الناس أن يحب بعضهم بعضا، وحرمت التباغض والتنافر والعداوة والاعتداء، لأن كل واحد يرى كماله عند الآخر، وكمال الإنسان بتمام أعضاء بدنه.
ولما كانت قوى النفس ثلاثة كما تقرر: وهى القوة التى بها الفكر والشوق إلى معرفة الله تعالى، وتحصيل العلوم الحقيقية المسماة (بالملكية أو الناطقة). والقوة التى بها الغضب والنجدة والإقدام على العظائم، والميل إلى التسلط والترفع، وأنواع الكرامات والسعى فيما يبلغ إلى نوال ذلك وتسمى (بالغضبية أو السبعية). والقوة التى تكون بها الشهوة وطلب الغذاء والحظوظ الجسمانية التى فى المأكل والمشرب والمنكح، وتسمى (البهيمية أو الشهوانية).
ومن المعلوم أن إحدى تلك القوى إذا قويت أضرت بغيرها، أو أبطلت عمل غيرها، كما نرى فى بعض من قويت نفسه الشهوانية أنه أدنى من البهائم لفجوره ومجاهرته، وبعض من قويت نفسه الغضبية أنه أضر من الوحوش لتهوره وظلمه، ومن غلبت عليه نفسه الملكية، فارق نوع الإنسان وصار شبيها بالملائكة فى أخلاقه وأعماله الصادرة عنه، وخير الأمور الوسط، وهو الفضيلة التى أمر الله بها، وأمر بها رسول الله صلى الله عليه سلم كما قال تعالى: () سورة الفرقان آية 67 وقال سبحانه: () سورة البقرة آية 143 وكما قال صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبركم بأحبكم إلىَّ وأقربكم منى مجالس يوم القيامة؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: أحاسنكم أخلاقا، الموطئون أكنافا، الذين يألفون ويألفون) وكما قيل: خير الأمور الوسط.
وقد تكون تلك القوى– مع التوسط – نفسا واحدة، لأنها تنقاد للنفس الملكية، فلا تختار إلا ما يحبه الله تعالى ورسوله من العقائد والعبادات والآراء والأخلاق والمعاملات.
وشرح هذا الباب لا يعنينا فى هذا المختصر الذى قصرنا النظر فيه على الكليات التى بها يستنير قلب المرشد والمسترشد، ويكفى المطلع أن يعلم أن للنفس قوى ثلاث متباينة، يقوى بعضها ويضعف حسب المزاج أو العادة أو التزكية.
ولما كان لكل نفس كمال به يكون جمالها، وتصدر عنها الفضائل، كانت الفضائل ثلاث: لأن للنفس الملكية فضيلة وهى العلم والحكمة، لأنها متى كانت حركة النفس الملكية من ذاتها ومعتدلة، واشتاقت إلى المعارف الصحيحة التى ليست بجهالات حدثت عنها فضيلتها التى هى فضيلة (العلم، اللازم لها الحكمة)، ومتى كانت حركة النفس الشهوانية معتدلة منقادة للنفس الملكية غير منهمكة فى اتباع هواها حدثت عنها فضيلة (العفة، ويلزمها السخاء) ومتى كانت حركة النفس الغضبية معتدلة مقتدية بالنفس الملكية غير متهيجة، حدثت منها فضيلة (الحلم، وتلزمها فضيلة الشجاعة) ومتى اعتدلت تلك النفوس وقويت النفس الملكية وظهرت الفضائل الثلاث، لزمها فضيلة رابعة وهى أكمل الفضائل وأعلاها، وهى فضيلة (العدالة).
فالفضائل إذن أربع: العلم ويتبعه الحكمة، والعفة ويتبعها السخاء، والحلم ويتبعه الشجاعة، والعدالة وهى جماع الخير بها الفخر، وبتوفرها فى الشخص السعادة ولا فخر بغيرها.
ومن افتخر بآبائه وأجداده فذلك لأن الله وهبهم تلك الكمالات، ومَنَّ عليهم بهذه المحاسن.
ولا تكون تلك الفضائل فضائل حقيقية إلا إذا ظهرت لوازمها فى غير الشخص المتجمل بها، فإن العلم لا يكون فضيلة للشخص إلا إذا نفع غيره، والشجاعة لا تكون كذلك إلا إذا نفعت الغير بالذود عن الدين وعن الضعفاء وعن الأعراض وإقامة الحدود، والسخاء لا يكون فضيلة إلا إذا بذل المال فى وجوهه الشرعية، وأعان به العلماء العاملين، الأتقياء الصالحين لوجه الله العظيم، وكل تلك الفضائل لا تسمى فضائل حقيقية إلا إذا كان صاحبها من العارفين بالله تعالى، العالمين بتصريف الأحوال والنيات.
رذائل النفس
تقدم أن الفضائل أربع، لأن كل فضيلة وسط بين رذيلتين كما قررنا، إلا أن أصول الرذائل أربع، وهى أضداد الفضائل: الجهل والشره والجبن والجور، وتحت هذه الأجناس أنواع من الرذائل لا تحصى، وهى أمراض نفسانية تحدث منها علل كثيرة، كالخوف والحزن والغضب لغير الله تعالى، وأنواع العشق الشهوانى وضروبٌ من سوء الخلق، من أحب معالجتَها فليراجع ما كتبناه فى الأخلاق فى غير موضع من كتاب: (شراب الأرواح) وفيما كتبناه من الآداب فى: (أصول الوصول) وما كتبناه من الحكم فى رسالة: (أصول الطريق)
هى النفس للدانى تحنّ وترغبُ وللعاجل الفانى تميلُ وتطلبُ
هى النفس تهوى حظَّها ولو أنها أضاء لها التحقيقُ من ذاك تهرب
أيا نفسُ لو تدرين عاقبة الذى ترومينَه جهلا لصحَّ التجنب
فزهرةُ دنياك الغرورةِ بهجةُ ولكنها سُمّ يُذابُ ويُشرب
تغرُّ رجالا جاهلين بقدرهم وتخدعهم بجمالها ثم تسلب
أيا نفسُ إن تصفى وتزكى وتطهرى تلوح لك الأنوارُ يصفو التقرب
وتشرق شمسُ الحقِّ من كل وجهةٍ عليك وهذا الوهمُ بالحقِّ يغرب
أيا نفس يا كنزَ الجمالاتِ كلِّها ويا مطلع الأسرارِ ربى أقرب
فلو نَفسا طُهِّرْتِ من رينِ مبعدٍ لك الراحُ فى روضِ المعيِة يُوهب
دعى عنك زهرةَ عاجل وتحققى وللحق أوبى تصفُو ثَمَّ المشارب
على سنة المختارِ طه إمامنا ألا فانهجى فالمستقيمُ محبب
الامام محمد ماضى ابو العزائم