عدد المشاهدات:
الصدق وأثره في صلاح الفرد والمجتمع
خطبة الجمعة لفضيلة الشيخ فوزي محمد ابوزيد
*******************************************
الحمد لله رب العالمين، نحمده عزَّ وجلَّ على ما أعطانا حيث اختارنا وجعلنا من أمة الإسلام، وكتب فى قلوبنا الإيمان والصدق والإخلاص، وجعلنا من عباده المؤمنين الصادقين،
سبحانه سبحانه، قلوب العباد بيديه، يغير ولا يتغير، ويحوِّل ولا يتحوَّل، وبيد وحده تصاريف القلوب والأمور.
رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8آل عمران).
وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له خلق خلقاً وجعلهم أنصاراً لشريعته، وأتباعاً لخير بريته، وكتب لهم فى الدنيا هدايته، وفى الآخرة سعادته نسأل الله عزَّ وجلَّ أن نكون منهم أجمعين.
وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، أمره الله عزَّ وجلَّ بتبليغ رسالته، والدعوة إلى العمل بشريعته، وأن يجاهد الكفار ومن يعاونهم ممن حولهم من المنافقين لأنهم أضرُّ على المؤمنين من الكافرين، وقال له عزَّ وجلَّ فى شأنهم:
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (73التوبة).
اللهم صلى وسلم وبارك على سيدنا محمد الذى حمَّله مولاه فى الدنيا لواء هدايته، وفى الآخرة لواء شفاعته، وفى الجنة لواء أهل سعادته،
صلى الله عليه وعلى آله الذين اقتدوا بهداه، وأصحابه الذين آزروه ونصروه فى شرع الله، واتباعه المباركين الذين سلكوا على هداه واجعلنا منهم أجمعين آمين يا رب العالمين.
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (73التوبة).
اللهم صلى وسلم وبارك على سيدنا محمد الذى حمَّله مولاه فى الدنيا لواء هدايته، وفى الآخرة لواء شفاعته، وفى الجنة لواء أهل سعادته،
صلى الله عليه وعلى آله الذين اقتدوا بهداه، وأصحابه الذين آزروه ونصروه فى شرع الله، واتباعه المباركين الذين سلكوا على هداه واجعلنا منهم أجمعين آمين يا رب العالمين.
أيها الأخوة جماعة المؤمنين:
أسس النبي صلى الله عليه وسلم رسالته ودعوته بل وأسس أنبياء الله ورسل الله السابقون دعوتهم على أسس وأولها هو خلق الصدق
فإن الصدق هو الخلق الأول الذي تخلق به أنبياء الله ورسل الله وفي ذلك قال لنا الله عز وجل
" وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ " (33الزمر)
والذي جاء بالصدق هم انبياء الله ورسل الله وفي هذه الآية هو رسولنا الكريم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم والذي صدق به هم اهل اتباعه الذين آمنوا بحضرته
إن الله عزوجلّ جعل الدين جامعاً لكل ما يحتاجه الإنسان وما يُقرّب المرء إلى الله، ومايعلّو به شأن المرء فى هذه الحياة،من العبادات من صلاة وصيام وزاكاة وحج ، وجعل لإصلاح المجتمعات المعاملات الإسلامية النازلة فى الآيات القرآنية والتى وضّحها الحبيب صلى الله عليه وسلّم فى سنته العملية فجعل لتقدم الأمم والمجتمعات والشعوب الأخلاق الإلهية والأخلاق القرآنية والأخلاق النبوية
التي قال فيها صلى الله عليه وسلم
" إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق "( البخاري والحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه)
والأساس الأول لهذه الأخلاق هو الصدق
وقد كان صلى الله عليه وسلم هو خير مثال لذلك فقد كان حتى قبل رسالته يلقب بالصادق الأمين وبعد أن نزلت عليه الرسالة وبلغّ دعوة الله وآذوه وعادوه إلا أنهم شهدوا له بهذا الخلق الكريم وكانت هذه شهادة من ألد أعدائه .
حينما استدعا هرقل ملك الروم أبو سفيان بن حرب وسأله عن أخلاقه صلى الله عليه وسلم وكان من جملة ما سأله هل جربتم عليه كذبا ؟ فقال : لا فقال له هرقل ما كان له أن يترك الكذب على الناس ويكذب على الله عز وجل
وكان صلى الله عليه وسلم صادق في كل أقواله حتى في مزاحه وكان يقول صلى الله عليه وسلم
" إني لأمزح ولا أقول إلا حقا" ( الطبراني عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما)
وقد أدب أصحابه الكرام على هذا الخلق الكريم بعد أن بين القرآن الكريم أن أعلى منزلة عند الله بعد أنبياء الله ورسل الله هي منزلة الصديقين والصادقين من عباد الله وقال الله تعالى
" وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا " (النساء69)
فكانت المرتبة التالية للنبيين هي مرتبة الصديقين
ثم بين النبي صلى الله عليه وسلم كيفية الوصول إلى مرتبة الصديقين فقال في حديثه الصحيح صلى الله عليه وسلم
" عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ، وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ، حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ، وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ، حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا "(متفق عليه عن عبد الله بن مسعود)
وكان النبي صلى الله عليه وسلم كان يراقب أصحابه في هذا الخلق حتى في أدق الأمور وخاصة في تربية النشء
عن عبد الله بن عامر أنه قال دعتني أمي يوما ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدا في بيتنا فقالت ها تعلى اعطيك فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم وما اردت أن تعطيه قالت اعطيه تمرا فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أما إنك لو لم تعطه شيئا كتبت عليك كذبة(رواه ابو داود
إخواني جماعة المؤمنين
إن أساس صلاح المجتمعات هذا الخلق الكريم الذي يقول فيه لنا رب العالمين
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (التوبة119)"
والصدق يربي في النفوس الثقة والطمأنينة بين عباد الله المؤمنين فيطمئنون في بيعهم ويطمئنون في شرائهم ويطمئنون في أحاديثهم عند سماعهم لبعضهم ويطمئنون في كل شيء فيما بينهم حتى في اعمالهم يعملون بقول نبيهم صلى الله عليه وسلم :
"إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً ان يتقنه ( رواه ابو يعلى والطبراني عن عائشة رضي الله عنها)
ويقومون على نشر العدالة والمساواة بين الجميع وعلى عدم الغش فى قليل أو فى كثير، لان النبي صلى الله عليه وسلم قال :
"من غشّنا فليس منا" (مسلم عن ابي هريرة رضي الله عنه) وفى رواية أخرى ( من غشّ أمتى فليس منا ) فالمؤمن لايكون مؤمناً حقاً إلا إذا حافظ على دين الله، حتى يوفقه الله بالنطق بالشهادتين عند لقاء الله،
ولذلك فإن رجلاً جاءته سكرة الموت فى زمن الإمام أبى حنيفة، فلقنوه الشهادتين فلم يستطع لسانه أن يتحرّك بهما.
فذهبوا للإمام أبى حنيفة وسألوه، وأخذوه معهم إلي بيته ، فسأل الرجل عن سبب ذلك، فأشار الرجل إلى شيءٍ معلقّ فى السقف، فنظروا فوجدوا مكيالين، أحدهما كبير، والآخر صغير، وقد كان يكيل بالكبير إذا إشترى من الناس، ويكيل بالصغير إذا باع للناس فقال لمن حوله :
هذا الذى منعه من النطق بالشهادتين .
إن هؤلاء وأمثالهم يقول فيهم الله :
"وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6)" ( المطففين )
والصدق أسا س صلاح المجتمعات الإيمانية الذي أقام عليه نبينا صلى الله عليه وسلم مجتمع المدينة المنورة الأول والذي يقول فيه الله
" مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ" (29الفتح)
كان التاجر المسلم فى عصره صلى الله عليه وسلمّ وفى عصر الخلفاء الراشدين الهادين المهديين يوّظف نفسه لحل مشاكل المسلمين زمن الكوارث والنكبات هذا التاجر يقول فيه صلى الله عليه وسلم
"التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين يوم القيامة"(رواه ابو يعلى والدارمي عن ابي سعيد رضي الله عنه)
أين ذلك من تجار المسلمين الآن الذين تخصصوا فى أحتكار الأقوات لإعلاء السعر على المؤمنين ومضاعفة الكسب مع انهم يعلمون علم اليقين قول سيد الأولين والاخرين :
"لا يحتكر إلا خاطىء "( مسلم والترمذي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنها) المحتكر الذى يخزّن الأقوات والأغذية الضرورية حتى يُغلى ثمنها فتتضاعف له الأرباح
وهذا ما نهى عنه رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلمّ .
قال صلى الله عليه وسلم " إن اثقل شيء تجدونه في موازينكم يوم القيامة الخلق الحسن "
أو كما قال ادعوا الله وانتم موقنون بالإجابة
الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين الذى أغنانا بفضله وجوده وكرمه على الخلق أجمعين وجعل لنا فى كتابه منهجاً مبيناً لو إتبعناه لسعدنا فى حياتنا ولم يعد بيننا مشاكل أجمعين قال فيه عزّ شأنه :
﴿ ولو أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالارْضِ ﴾ ( الأعراف:96 )
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يُحب عباده المؤمنين أن يكونوا متخلقين بأخلاقه العلية عاملين بأوامره القرآنية متآسِّين فى كل أحوالهم بالحبيب الأكرم خير البرية صلى الله عليه وسلّم .
وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله الذى أعلا شأنه مولاه وكرّمه وحاباه وادناه حتى جعل طاعته من طاعة الله عزوجلّ فقال لنا أجمعين :
﴿ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ الله ﴾ ( النساء:80 )
اللهم صلى وسلم وبارك على سيدنا محمد وارزقنا هُداه ووفقنا جميعاً لعمل بسنته يا ألله وغيّر أحوالنا إلى الحال الذى تحبه وترضاه .
اما بعد .. أيها الأخوة جماعة المؤمنين :
إذا ضاع خلق الصدق من قوم ضاعت بينهم الأمانة وضاعت بينهم الثقة وضاعت بينهم الطمأنينة وأصبح الناس لا يطمئنون إلى بيعهم وشرائهم ولا يثقون في أحاديث بعضهم وانتشرت بينهم شهادة الزور
وشهادة الزور تفتك بالمجتمعات وتقلب الحق باطلا والباطل حقا وهذا لا يكون بين المؤمنين أبدا
ولذا قيل يا رسول الله
" أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ جَبَانًا ؟ فَقَالَ: ( نَعَمْ ) ، فَقِيلَ لَهُ: أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ بَخِيلًا؟ فَقَالَ: ( نَعَمْ ) ، فَقِيلَ لَهُ: أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ كَذَّابًا ؟ فَقَالَ: ( لَا المؤمن ليس بكذاب المؤمن ليس بكذاب المؤمن ليس بكذاب"(الإمام مالك في الموطأعن صفوان بن سليم)
وكان يوما مضجعا على جنبه الشريف صلى الله عليه وسلم ثم التفت إلى أصحابه وقال ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ،الإشرك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس وشهادة الزور أوقول الزور وجلس صلى الله عليه وسلم وأخذ يكررها حتى قال من حوله ليته سكت "( البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه)
لأن هذه الصفة تحبط عبادة المؤمن وتجعل المرء غير أهل لفضل الله عز وجل فإن المؤمن إذا كان في عمل صالح وهذا العمل يتوجه به لمولاه يحبط هذا العمل صفة الكذب لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم
" من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه "(البخاري عن ابي هريرة
وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرصون على ذلك حتى في أدق الأمور لأنهم يعلمون ان صفة الكذب إذا وجدت في إنسان كانت فيه صفة من صفات المنافقين حتى يتركها وقد قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم في رواية الإمام مسلم
" من علامات المنافق ثلاثة: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان، وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم)) (رواه مسلم عن ابي هريرة رضي الله عنه)
فجعل من كانت فيه خصلة من هذه الخصال الثلاث فإن عمله حابطا وباطلا حتى يتركها لأن الله عز وجل يحب من عباده المؤمنين أن يكونوا صادقين ولذلك كان الحبيب صلى الله عليه وسلم يدعونا معشر الأمة إلى الأخلاق والفضيلة والتحلي بمكارم الأخلاق لمن يريد أن يكون معه في الموقف العظيم يوم القيامة " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا الله وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ" (التوبة:119) ... ثم الدعاء
************************************************
ولمزيد من الخطب الدخول على موقع فضيلة الشيخ فوزي محمد ابوزيد
فإن الصدق هو الخلق الأول الذي تخلق به أنبياء الله ورسل الله وفي ذلك قال لنا الله عز وجل
" وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ " (33الزمر)
والذي جاء بالصدق هم انبياء الله ورسل الله وفي هذه الآية هو رسولنا الكريم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم والذي صدق به هم اهل اتباعه الذين آمنوا بحضرته
إن الله عزوجلّ جعل الدين جامعاً لكل ما يحتاجه الإنسان وما يُقرّب المرء إلى الله، ومايعلّو به شأن المرء فى هذه الحياة،من العبادات من صلاة وصيام وزاكاة وحج ، وجعل لإصلاح المجتمعات المعاملات الإسلامية النازلة فى الآيات القرآنية والتى وضّحها الحبيب صلى الله عليه وسلّم فى سنته العملية فجعل لتقدم الأمم والمجتمعات والشعوب الأخلاق الإلهية والأخلاق القرآنية والأخلاق النبوية
التي قال فيها صلى الله عليه وسلم
" إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق "( البخاري والحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه)
والأساس الأول لهذه الأخلاق هو الصدق
وقد كان صلى الله عليه وسلم هو خير مثال لذلك فقد كان حتى قبل رسالته يلقب بالصادق الأمين وبعد أن نزلت عليه الرسالة وبلغّ دعوة الله وآذوه وعادوه إلا أنهم شهدوا له بهذا الخلق الكريم وكانت هذه شهادة من ألد أعدائه .
حينما استدعا هرقل ملك الروم أبو سفيان بن حرب وسأله عن أخلاقه صلى الله عليه وسلم وكان من جملة ما سأله هل جربتم عليه كذبا ؟ فقال : لا فقال له هرقل ما كان له أن يترك الكذب على الناس ويكذب على الله عز وجل
وكان صلى الله عليه وسلم صادق في كل أقواله حتى في مزاحه وكان يقول صلى الله عليه وسلم
" إني لأمزح ولا أقول إلا حقا" ( الطبراني عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما)
وقد أدب أصحابه الكرام على هذا الخلق الكريم بعد أن بين القرآن الكريم أن أعلى منزلة عند الله بعد أنبياء الله ورسل الله هي منزلة الصديقين والصادقين من عباد الله وقال الله تعالى
" وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا " (النساء69)
فكانت المرتبة التالية للنبيين هي مرتبة الصديقين
ثم بين النبي صلى الله عليه وسلم كيفية الوصول إلى مرتبة الصديقين فقال في حديثه الصحيح صلى الله عليه وسلم
" عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ، وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ، حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ، وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ، حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا "(متفق عليه عن عبد الله بن مسعود)
وكان النبي صلى الله عليه وسلم كان يراقب أصحابه في هذا الخلق حتى في أدق الأمور وخاصة في تربية النشء
عن عبد الله بن عامر أنه قال دعتني أمي يوما ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدا في بيتنا فقالت ها تعلى اعطيك فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم وما اردت أن تعطيه قالت اعطيه تمرا فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أما إنك لو لم تعطه شيئا كتبت عليك كذبة(رواه ابو داود
إخواني جماعة المؤمنين
إن أساس صلاح المجتمعات هذا الخلق الكريم الذي يقول فيه لنا رب العالمين
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (التوبة119)"
والصدق يربي في النفوس الثقة والطمأنينة بين عباد الله المؤمنين فيطمئنون في بيعهم ويطمئنون في شرائهم ويطمئنون في أحاديثهم عند سماعهم لبعضهم ويطمئنون في كل شيء فيما بينهم حتى في اعمالهم يعملون بقول نبيهم صلى الله عليه وسلم :
"إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً ان يتقنه ( رواه ابو يعلى والطبراني عن عائشة رضي الله عنها)
ويقومون على نشر العدالة والمساواة بين الجميع وعلى عدم الغش فى قليل أو فى كثير، لان النبي صلى الله عليه وسلم قال :
"من غشّنا فليس منا" (مسلم عن ابي هريرة رضي الله عنه) وفى رواية أخرى ( من غشّ أمتى فليس منا ) فالمؤمن لايكون مؤمناً حقاً إلا إذا حافظ على دين الله، حتى يوفقه الله بالنطق بالشهادتين عند لقاء الله،
ولذلك فإن رجلاً جاءته سكرة الموت فى زمن الإمام أبى حنيفة، فلقنوه الشهادتين فلم يستطع لسانه أن يتحرّك بهما.
فذهبوا للإمام أبى حنيفة وسألوه، وأخذوه معهم إلي بيته ، فسأل الرجل عن سبب ذلك، فأشار الرجل إلى شيءٍ معلقّ فى السقف، فنظروا فوجدوا مكيالين، أحدهما كبير، والآخر صغير، وقد كان يكيل بالكبير إذا إشترى من الناس، ويكيل بالصغير إذا باع للناس فقال لمن حوله :
هذا الذى منعه من النطق بالشهادتين .
إن هؤلاء وأمثالهم يقول فيهم الله :
"وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6)" ( المطففين )
والصدق أسا س صلاح المجتمعات الإيمانية الذي أقام عليه نبينا صلى الله عليه وسلم مجتمع المدينة المنورة الأول والذي يقول فيه الله
" مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ" (29الفتح)
كان التاجر المسلم فى عصره صلى الله عليه وسلمّ وفى عصر الخلفاء الراشدين الهادين المهديين يوّظف نفسه لحل مشاكل المسلمين زمن الكوارث والنكبات هذا التاجر يقول فيه صلى الله عليه وسلم
"التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين يوم القيامة"(رواه ابو يعلى والدارمي عن ابي سعيد رضي الله عنه)
أين ذلك من تجار المسلمين الآن الذين تخصصوا فى أحتكار الأقوات لإعلاء السعر على المؤمنين ومضاعفة الكسب مع انهم يعلمون علم اليقين قول سيد الأولين والاخرين :
"لا يحتكر إلا خاطىء "( مسلم والترمذي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنها) المحتكر الذى يخزّن الأقوات والأغذية الضرورية حتى يُغلى ثمنها فتتضاعف له الأرباح
وهذا ما نهى عنه رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلمّ .
قال صلى الله عليه وسلم " إن اثقل شيء تجدونه في موازينكم يوم القيامة الخلق الحسن "
أو كما قال ادعوا الله وانتم موقنون بالإجابة
الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين الذى أغنانا بفضله وجوده وكرمه على الخلق أجمعين وجعل لنا فى كتابه منهجاً مبيناً لو إتبعناه لسعدنا فى حياتنا ولم يعد بيننا مشاكل أجمعين قال فيه عزّ شأنه :
﴿ ولو أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالارْضِ ﴾ ( الأعراف:96 )
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يُحب عباده المؤمنين أن يكونوا متخلقين بأخلاقه العلية عاملين بأوامره القرآنية متآسِّين فى كل أحوالهم بالحبيب الأكرم خير البرية صلى الله عليه وسلّم .
وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله الذى أعلا شأنه مولاه وكرّمه وحاباه وادناه حتى جعل طاعته من طاعة الله عزوجلّ فقال لنا أجمعين :
﴿ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ الله ﴾ ( النساء:80 )
اللهم صلى وسلم وبارك على سيدنا محمد وارزقنا هُداه ووفقنا جميعاً لعمل بسنته يا ألله وغيّر أحوالنا إلى الحال الذى تحبه وترضاه .
اما بعد .. أيها الأخوة جماعة المؤمنين :
إذا ضاع خلق الصدق من قوم ضاعت بينهم الأمانة وضاعت بينهم الثقة وضاعت بينهم الطمأنينة وأصبح الناس لا يطمئنون إلى بيعهم وشرائهم ولا يثقون في أحاديث بعضهم وانتشرت بينهم شهادة الزور
وشهادة الزور تفتك بالمجتمعات وتقلب الحق باطلا والباطل حقا وهذا لا يكون بين المؤمنين أبدا
ولذا قيل يا رسول الله
" أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ جَبَانًا ؟ فَقَالَ: ( نَعَمْ ) ، فَقِيلَ لَهُ: أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ بَخِيلًا؟ فَقَالَ: ( نَعَمْ ) ، فَقِيلَ لَهُ: أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ كَذَّابًا ؟ فَقَالَ: ( لَا المؤمن ليس بكذاب المؤمن ليس بكذاب المؤمن ليس بكذاب"(الإمام مالك في الموطأعن صفوان بن سليم)
وكان يوما مضجعا على جنبه الشريف صلى الله عليه وسلم ثم التفت إلى أصحابه وقال ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ،الإشرك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس وشهادة الزور أوقول الزور وجلس صلى الله عليه وسلم وأخذ يكررها حتى قال من حوله ليته سكت "( البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه)
لأن هذه الصفة تحبط عبادة المؤمن وتجعل المرء غير أهل لفضل الله عز وجل فإن المؤمن إذا كان في عمل صالح وهذا العمل يتوجه به لمولاه يحبط هذا العمل صفة الكذب لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم
" من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه "(البخاري عن ابي هريرة
وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرصون على ذلك حتى في أدق الأمور لأنهم يعلمون ان صفة الكذب إذا وجدت في إنسان كانت فيه صفة من صفات المنافقين حتى يتركها وقد قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم في رواية الإمام مسلم
" من علامات المنافق ثلاثة: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان، وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم)) (رواه مسلم عن ابي هريرة رضي الله عنه)
فجعل من كانت فيه خصلة من هذه الخصال الثلاث فإن عمله حابطا وباطلا حتى يتركها لأن الله عز وجل يحب من عباده المؤمنين أن يكونوا صادقين ولذلك كان الحبيب صلى الله عليه وسلم يدعونا معشر الأمة إلى الأخلاق والفضيلة والتحلي بمكارم الأخلاق لمن يريد أن يكون معه في الموقف العظيم يوم القيامة " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا الله وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ" (التوبة:119) ... ثم الدعاء
************************************************
ولمزيد من الخطب الدخول على موقع فضيلة الشيخ فوزي محمد ابوزيد