عدد المشاهدات:
الخطبة رقم(١٤)
خطورة النفاق وعلاماته
خطبة جمعة لفضيلة الشيخ فوزي محمد أبوزيد
*******************************************
الحمد لله رب العالمين، نحمده عزَّ وجلَّ على ما أعطانا حيث اختارنا وجعلنا من أمة الإسلام، وكتب في قلوبنا الإيمان
والصدق والإخلاص، وجعلنا من عباده المؤمنين الصادقين،
سبحانه سبحانه، قلوب العباد بيديه، يغير ولا يتغير، ويحوِّل ولا يتحوَّل، وبيد وحده تصريف القلوب والأمور.
رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8آل عمران).
وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له خلق خلقاً وجعلهم أنصاراً لشريعته، وأتباعاً لخير بريته، وكتب لهم في الدنيا هدايته، وفى الآخرة سعادته
نسأل الله عزَّ وجلَّ أن نكون منهم أجمعين.
وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، أمره الله عزَّ وجلَّ بتبليغ رسالته، والدعوة إلى العمل بشريعته، وأن يجاهد الكفار ومن يعاونهم ممن حولهم من المنافقين لأنهم أضرُّ على المؤمنين من الكافرين،
وقال له عزَّ وجلَّ في شأنهم:
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (73التوبة).
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد الذي حمَّله مولاه في الدنيا لواء هدايته، وفى الآخرة لواء شفاعته، وفى الجنة لواء أهل سعادته،
صلى الله عليه وعلى آله الذين اقتدوا بهداه، وأصحابه الذين آزروه ونصروه في شرع الله، وأتباعه المباركين الذين سلكوا على هداه واجعلنا منهم أجمعين آمين يا رب العالمين.
أيها الإخوة جماعة المؤمنين:
ما ترك الله عزَّ وجلَّ شيئاً يُهم المؤمنين في دنياهم، ولا شيئاً يبلغهم رضا الله والفوز بجواره في أخراهم، إلا ووضحه لهم في كتاب الله، وبينه بأبلغ بيانٍ في كلمات الله جلَّ في عُلاه، لأن المؤمنين دائماً وأبداً يتسمون بطيبة القلب وسلامة الفؤاد، فيُخدعون بمن يخدعهم بظاهره.
كان سيدنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، رجلاً من المؤمنين طيب القلب سليم الفؤاد، وكان يشترى العبيد، فكانوا يتظاهرون بطاعة الله والصلاة والصيام، حتى يرقَّ قلبه لهم فيعتقهم لوجه الله عزَّ وجلَّ، فيقولون له: إنهم يخدعونك، فيقول رضي الله تبارك الله تعالى عنه وعن أبيه:
[من خدعنا بالله عزَّ وجلَّ انخدعنا له].
علم الله عزَّ وجلَّ هذه الحقيقة، فنبَّه النبي وأصحاب النبي وأتباع النبي إلى يوم الدين أن العدو الأشرس في حربه للمسلمين في كل وقتٍ وحين هم طائفة يُظهرون الإسلام ويبطنون الكفر، يظهرون المحبة ويبطنون البُغض، يظهرون المودَّة ويبطنون الحقد والحسد، ولأنهم بين المسلمين يعرفون خفاياهم ويطلعون على كل عوراتهم وكل أمورهم فيكونون أشد عليهم من الكافرين
ولذلك قال للنبي صلى الله عليه وسلم ولمن حوله ولنا أجمعين:
هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ الله أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4المنافقون).
هذه الطائفة الذين تظاهروا بالإسلام لكنهم في قلوبهم لا يؤمنون بالله، ولا يصدقون برسول الله، ولا يؤمنون بكتاب الله وإنما كفارٌ وإن تظاهروا بغير ذلك لخداع المؤمنين والمؤمنات، جعلهم الله عزَّ وجلَّ في الآخرة في أسفل قاع النار، فإن الله عزَّ وجلَّ جعل الجنة درجات:
هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ الله (163آل عمران).
والدرجات للصعود، وجعل لجهنم دركات، والدركات السلالم التي تهوى إلى أسفل، فجعل في أسفل هذه الدركات المنافقين:
إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الاسْفَلِ مِنَ النَّارِ (145النساء).
لأنهم خدعوا الله ورسوله، وخدعوا المؤمنين.
هؤلاء القوم حذَّر الله عزَّ وجلَّ النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه منهم، ولذلك كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلَّم يحرصون كل الحرص على أن ينزهو أنفسهم من الوقوع في هذا الجُرم العظيم وفى هذا الإثم الكبير، فكانوا يحرصون أشد الحرص حتى كان أحدهم إذا سُئل هل أنت مؤمن؟ يقول: مؤمنٌ إن شاء الله ولا يجزم لنفسه بالإيمان، لأنه يعلم أن الإيمان يلزم لكي يشهد لنفسه به أن يعلم أنه معه حتى حُسن الختام حتى يتوفاه الله مسلماً ويلحقه بالصالحين.
وقد علمهم النبي أن يسألوا الله عزَّ وجلَّ الثبات على الإيمان، لأن هذا أمرٌ متعلقٌ بحضرة الرحمن عزَّ وجلَّ، إذا كان النبي بذاته صلوات ربى وتسليماته عليه، كان يقول عقب كل صلاة:
كما ورد عن انس رضي الله عنه أنه كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ:
(يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ) ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، آمَنَّا بِكَ، وَبِمَا جِئْتَ بِهِ، فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا؟ قَالَ: ((نَعَمْ، إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ، يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ).(رواه الترمذي)
ووجهنا إلى أن نرددها عقب كل صلاة، لأن ثبات القلوب لا يكون إلا من حضرة الله جلَّ في عُلاه.
وأصل هؤلاء أن رجلاً من المدينة ـ وكان اهل المدينة قبيلتين هم الأوس والخزرج، وكان بينهما حروبٌ مستمرة، وفى نهاية المطاف اتفقوا على أن تنتهي النزاعات والحروب فيما بينهم وأن يكون أميرهم جميعا، واختاروا واحداً من عظمائهم ليكون ملكاً عليهم، هذا صادف قبل استلامه الملك مجيء الإسلام ومجيء النبي صلى الله عليه وسلَّم إلى المدينة.
فكوَّن كتيبة من المنافقين حوله يكيدون للنبي صلى الله عليه وسلم ويتفننون في إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم ويدعون المؤمنين الصادقين في أوقات الشدائد للتخلي عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وينشرون الشائعات على المسلمين وعلى النبي، ليبلبلوا أفكار الناس ويُزعزعوا ما في نفوسهم من الإيمان بالواحد الأحد عزَّ وجلَّ، وكلما تحدث الرسول صلى الله عليه وسلَّم عن هذا الرجل وهو عبد الله بن أبىّ بن سلول.
قال له الصادقون من الأنصار:
يا رسول الله أعذره فإن التاج قد صُنع له وكان سيضعه على رأسه، وأنت بمجيئك إلى المدينة قد حرمته من هذا التاج، فكان يصبر عليه النبي صلى الله عليه وسلَّم، وذات مرةٍ قال عمر رضي الله عنه: يا رسول الله دعني أقطع عنق هذا المنافق، قال:
(لا يا عمر ماذا يتحدث الناس عنى؟ أيقولون إن محمدا يقتِّل أصحابه؟) (البخاري ).
وكان ابنه رجلٌ من الصادقين فسمع بما يتهامس به أصحاب النبي فجاء إليه وقال له: يا رسول الله لو قتل رجلٌ مؤمنٌ أبى لم ترضى نفسي أن أرى قاتل أبى يمشى أمامي فأقتله فأقتل مؤمناً بكافر، يا رسول الله ائذن لي أن أقطع عنق أبى حتى لا أقتل مؤمناً بكافر، فقال صلى الله عليه وسلَّم: لا ورفض ذلك ونهى عن ذلك صلوات ربى وتسليماته عليه.
فكان أصحابه رضوان الله تبارك وتعالى عليهم أجمعين يحرصون على معرفة أوصاف هؤلاء المنافقين، والله عزَّ وجلَّ فيما أنزل من القرآن أنزل ثلاثين سورة في المدينة منها سبعة عشر سورة في المنافقين، حتى قال بعض العلماء:
كاد القرآن كله ينزل في المدينة في المنافقين، يعَرّف بأوصافهم حتى ينزِّه المؤمنون أنفسهم عن هذه الأوصاف، ويبتعدون عمن فيهم هذه الأوصاف وأمرهم أمراً صريحاً فقال عزَّ وجلَّ في قرآنه:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119التوبة).
وكان النبي صلى الله عليه وسلَّم يقسِّم الأعمال والأسرار بين أصحابه، فجعل في حضرته سكرتيراً خاصّاً أطلعه على المنافقين وألقابهم وهو وحده الذي يعرفهم، وكان اسمه حُذيفة بن اليمان رضي الله عنه، وكان سيدنا عمر رضي الله عنه إذا جيء بجنازة إلى المسجد ينظر إلى حذيفة، فإن قام حذيفة ليصلى عليها، دخل عمر فصلى عليها، وإن امتنع حذيفة عن الصلاة عليها امتنع عمر، لأن الله قال لحبيبه على هؤلاء:
وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا (84التوبة).
نهاه حتى عن الصلاة عليهم لأنهم في قلوبهم الكفر وإن كانوا يظهرون أعمال أهل الإسلام، وجاء عمر مرة ليصلى على رجلٍ منهم فناداه حذيفة:
يا أمير المؤمنين إنه منهم فلا تصل عليه، فقال له عمر: وأنا منهم؟
انظر إلى الصادقين مع الله ، وأنا منهم؟ قال: لا ولن أصرِّح بذلك لأحدٍ بعدك أبداً.
هؤلاء المنافقون يا أحبة هم الطابور الخامس الذي يرتع في هذه البلاد وبين هذه العباد، وهو الذي أشد علينا من الكافرين والمشركين لأنهم يعلمون كل شيء عن المسلمين وعن المؤمنين، وهم من يُسمَّى في عصرنا هذا بالجواسيس الذين يتجسسون على أحوال المؤمنين ويذيعونها للكافرين والمبغضين.
هذا النفاق هو النفاق الأعظم، وهو الشرك بالله عزَّ وجلَّ والتظاهر بالإسلام،
لكن الطامة الكُبرى والتي ظهرت في عصرنا والتي نهى عنها نبينا، أنه نبَّه أن هناك نوعٌ من النفاق سُمَّى بالنفاق الأصغر، والنفاق الأصغر هو أن يكون المرء مسلماً ومؤمناً ومُصلياً وصائماً وعابداً لله، لكن فيه أوصافٌ وصف النبي أن من يتصف بها بأنه فيه صفة من صفات المنافقين،
وكل مشاكل مجتمعنا الآن فيما بيننا بسبب تمسك البعض بهذه الأوصاف التي نهى عنها نبينا الكريم صلوات ربى وتسليماته عليه.
كأن يتصف بالكذب، والنبي صلى الله عليه وسلَّم يقول:
(يُطْبَعُ الْمُؤْمِنُ عَلَى الْخِلالِ كُلِّهَا إِلا الْخِيَانَةَ وَالْكَذِبَ).(مسند احمد عن ابي أمامة رضي الله عنه)
ليس عند المؤمن كذباً ولا خيانة، وقيل يا رسول الله أيكون المؤمن جباناً؟
قال: (قد يكون، قيل أيكون المؤمن بخيلا؟ً قال: قد يكون قيل: أيكون المؤمن كذاباً؟ قال: لا المؤمن ليس بكذاب المؤمن ليس بكذاب المؤمن ليس بكذاب). (رواه م مالك عن صفوان بن سليم رضي الله عنه)
فالكذب من الصفات المشينة التي نزَّه الله عزَّ وجلَّ المؤمنين أجمعين عنها، لأنه سمانا جميعاً الصادقين:
اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119التوبة).
والكاذب يجعل الإنسان لنفسه مستقراً والعياذ بالله في جهنم مصيراً إن أصَّر على كذبه ، ولم يتب إلى الله من الكذب ، ويتحلى بصفة الصادقين لقوله صلى الله عليه وسلَّم:
(لا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يُكتب عند الله كذابا، والكذب يهدى إلى الفجور، والفجور يهدى إلى النار).(رواه البخاري ومسلم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه)
والكذاب يجعل الله عزَّ وجلَّ الملائكة الحفظة الكرام البررة الذين يتبعونه ويحيطون به ويسجلون أعماله إذا كذب يقول في ذلك حضرة النبي صلى الله عليه وسلَّم:
(إذا كذب العبد تبعد عنه الملائكة قدر ميل (رواه الترمذي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه) ـ وميل يعنى اثنين كيلومتراً إلا ربعاً من شدة رائحة فمه).
يشمون لفمه رائحة كريهة لا يستطيعون شمَّها ويبتعدون عنه لأنه كذب،
والكذب أشدَّه الكذب على الله، أو الكذب على رسول الله، ثم الكذب على خلق الله عزَّ وجلَّ.
والذي يكذب على الله عزَّ وجلَّ هو الذي يخترع في شرع الله ما ليس منه ويدعى الكذب أنه من دين الله، لينال مصلحة دنيوية أو لينال مكسباً فانياً.
والذي يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلَّم هو أن يسند إليه قولاً لم يقله، أو حديثاً لم يخرج من فيه، ويزعم أن الرسول قاله، مع قوله صلى الله عليه وسلَّم:
(من كذب علىَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من جهنم).(البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه)
بل إن الله عزَّ وجلَّ ورسوله صلى الله عليه وسلَّم أمر المؤمنين أن يكون أهم ما يحرصون عليه في تربية الأبناء والبنات الصدق وعدم الكذب.
عن عبد الله بن عامر رضي الله عنه أنه قال: "دعتني أمي يوما ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدٌ في بيتنا، فقالت: ها تعال أعطك، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم-:
( وما أردت أن تعطيه؟ ) ،قالت: أعطيه تمرا!!،
فقال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
( أما إنك لو لم تعطه شيئاً كُتبت عليك كذبة) (رواه أبو داود)
إذا كان مجتمع المؤمنين فيه صفة الصدق هي السائدة بين الناس، فكيف يكون حالهم؟ وكيف يكون حال مجتمعهم؟
إن حال المؤمنين في ذلك سيكون كأنهم يعيشون في جنة النعيم لأنهم سيكونون كما قال الله:
فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (10) لا تَسْمَعُ فِيهَا لاغِيَةً (11) (الغاشية).
ومن الأوصاف التي حذَّر النبي منها كذلك وجعلها علامات على النفاق هي صفة الغدر وصفة الخيانة وغيرها من الصفات التي قال في بعضها في حديثه الشريف:
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال
: "أربع من كن فيه كان منافقا ، ومن كانت خصلة منهن فيه كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها : من إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا خاصم فجر ، وإذا عاهد غدر" (اخرجه البخاري ومسلم .
وفي الصحيحين أيضا عن ابي هريرة رضي الله عنه قال
قال صلى الله عليه وسلم :
آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا ائتمن خان .
أو كما قال: (أدعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة).
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين الذي أشرق بنور إيمانه في قلوبنا وجعلنا من عباده المؤمنين الصادقين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له بيده صلاح الأحوال،
اللهم أصلح أحوالنا وأحوال أولادنا وبناتنا وأحوال حُكامنا وأحوال المسلمين أجمعين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يُحق الحق ويُبطل الباطل ولو كره المجرمون.
وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله، سيد الكونين وإمام الثقلين
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وارزقنا هداه ووفقنا لحُسن العمل بشرعه على الدوام يا أكرم الأكرمين.
أيها الإخوة جماعة المؤمنين:
كل مؤمنٍ منا حريص على إيمانه بالله، وحريصٌ على تصديقه برسول الله وبكتاب الله،
وكلنا إلى الله مسافرون وبعد بُرهة قد تكون قريباً وقد تمتد إلى حين سنكون بين يدي رب العالمين عزَّ وجلَّ ويسألنا عما فعلناه وعما قلناه في الحياة أجمعين.
وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلَّم أشد الناس حرصاً على إيمانهم، انظر إلى رجلٍ منهم كان قائداً لفريقٍ من أهل مكة في قافلة تجارية إلى بلاد الشام، وعند رجوعهم تعرَّض لهم نفرٌ من الأنصار والمهاجرين فأخذوه وأخذوا معه القافلة، وكان هذا الرجل متزوجاً قبل ذلك ببنت النبي زينب رضي الله عنها.
وكان زوجاً بارَّاً وفياً فلما أًصَّر النبي أن أرسل إلىَّّ ابنتي فأرسلها إليه وكلَّف من يحرسها حتى وصلت إليه لأنها كانت ابنة خالته ،وعندما دخل المدينة وحدَّثه البعض عن الإسلام، شرح الله صدره ونطق بالشهادتين، وجاءه بعض صغار النفوس وقالوا له: ما دمت قد أسلمت فخذ هذا المال مال الكفار غنيمة لك ولا ترده إليهم .
انظر ماذا قال الرجل؟ ـ قال:
بئسما نصحتني به يا أخي، أتريد أن أبدأ عهدي بالإسلام بالخيانة لا يكون ذلك أبداً لأن الإسلام يتنافى مع الخيانة،وقد قال نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم :
(أَدِّ الأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ ، وَلا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ).(رواه الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه)
فنطق بالشهادتين وأسلم، ثم آلا على نفسه إلا أن يذهب بالتجارة إلى مكة، وذهب إلى أهل مكة وسلمّ كل رجلٍ منهم تجارته، وربحه الذي أربحه الله له في تجارته، ثم قال:
يا أهل مكة هل بقى لواحدٍ منكم شيء عندي؟ قالوا: لا وجًزيت خيراً، قال: أشهدكم أنى آمنت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمدٍ صلى الله عليه وسلَّم نبياً ورسولا.
يحرصون على سلامة الإسلام بالسلامة من الكذب، والوقاية من الخيانة والبعد عن الغدر لأن النبي يقول:
(يُرفع لكل غادرٍ لواءٌ يوم القيامة يوم يُقال: هذه غدرة فلان بن فلان).(البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه)
ويبتعدون عن الأوصاف التي حددها النبي وبين أن صاحبها يكون فيه خصلة من خِصال النفاق، لأنهم يريدون أن يدخلوا في قول الله:
مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله وَالَّذِينَ مَعَهُ (29الفتح).
وهل يجوز أن يكون معه خائن؟ هل يجوز معه في معيته كاذب؟ هل يجوز أن يكون في معيته غادر؟ هل يجوز أن يكون معه في معيته فاجرٌ في خصومته؟ لا يكون ذلك أبداً،
ولذلك كانوا يحرصون أشد الحرص على سلامة الإيمان من أوصاف المنافقين.
لو سلم أفراد مجتمعنا من هذه الأوصاف فكيف يكون حالنا؟
وكيف تكون الثقة بيننا؟
وكيف يكون التعامل فيما بيننا؟
إن كان في العمل أو في البيت أو في الشارع أو في السوق؟
سنكون كما كان عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلَّم.
ثم الدعاء
*********************************************
للمزيد من الخطب الدخول على الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ فوزي محمد ابوزيد
خطورة النفاق وعلاماته
خطبة جمعة لفضيلة الشيخ فوزي محمد أبوزيد
*******************************************
الحمد لله رب العالمين، نحمده عزَّ وجلَّ على ما أعطانا حيث اختارنا وجعلنا من أمة الإسلام، وكتب في قلوبنا الإيمان
والصدق والإخلاص، وجعلنا من عباده المؤمنين الصادقين،
سبحانه سبحانه، قلوب العباد بيديه، يغير ولا يتغير، ويحوِّل ولا يتحوَّل، وبيد وحده تصريف القلوب والأمور.
رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8آل عمران).
وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له خلق خلقاً وجعلهم أنصاراً لشريعته، وأتباعاً لخير بريته، وكتب لهم في الدنيا هدايته، وفى الآخرة سعادته
نسأل الله عزَّ وجلَّ أن نكون منهم أجمعين.
وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، أمره الله عزَّ وجلَّ بتبليغ رسالته، والدعوة إلى العمل بشريعته، وأن يجاهد الكفار ومن يعاونهم ممن حولهم من المنافقين لأنهم أضرُّ على المؤمنين من الكافرين،
وقال له عزَّ وجلَّ في شأنهم:
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (73التوبة).
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد الذي حمَّله مولاه في الدنيا لواء هدايته، وفى الآخرة لواء شفاعته، وفى الجنة لواء أهل سعادته،
صلى الله عليه وعلى آله الذين اقتدوا بهداه، وأصحابه الذين آزروه ونصروه في شرع الله، وأتباعه المباركين الذين سلكوا على هداه واجعلنا منهم أجمعين آمين يا رب العالمين.
أيها الإخوة جماعة المؤمنين:
ما ترك الله عزَّ وجلَّ شيئاً يُهم المؤمنين في دنياهم، ولا شيئاً يبلغهم رضا الله والفوز بجواره في أخراهم، إلا ووضحه لهم في كتاب الله، وبينه بأبلغ بيانٍ في كلمات الله جلَّ في عُلاه، لأن المؤمنين دائماً وأبداً يتسمون بطيبة القلب وسلامة الفؤاد، فيُخدعون بمن يخدعهم بظاهره.
كان سيدنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، رجلاً من المؤمنين طيب القلب سليم الفؤاد، وكان يشترى العبيد، فكانوا يتظاهرون بطاعة الله والصلاة والصيام، حتى يرقَّ قلبه لهم فيعتقهم لوجه الله عزَّ وجلَّ، فيقولون له: إنهم يخدعونك، فيقول رضي الله تبارك الله تعالى عنه وعن أبيه:
[من خدعنا بالله عزَّ وجلَّ انخدعنا له].
علم الله عزَّ وجلَّ هذه الحقيقة، فنبَّه النبي وأصحاب النبي وأتباع النبي إلى يوم الدين أن العدو الأشرس في حربه للمسلمين في كل وقتٍ وحين هم طائفة يُظهرون الإسلام ويبطنون الكفر، يظهرون المحبة ويبطنون البُغض، يظهرون المودَّة ويبطنون الحقد والحسد، ولأنهم بين المسلمين يعرفون خفاياهم ويطلعون على كل عوراتهم وكل أمورهم فيكونون أشد عليهم من الكافرين
ولذلك قال للنبي صلى الله عليه وسلم ولمن حوله ولنا أجمعين:
هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ الله أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4المنافقون).
هذه الطائفة الذين تظاهروا بالإسلام لكنهم في قلوبهم لا يؤمنون بالله، ولا يصدقون برسول الله، ولا يؤمنون بكتاب الله وإنما كفارٌ وإن تظاهروا بغير ذلك لخداع المؤمنين والمؤمنات، جعلهم الله عزَّ وجلَّ في الآخرة في أسفل قاع النار، فإن الله عزَّ وجلَّ جعل الجنة درجات:
هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ الله (163آل عمران).
والدرجات للصعود، وجعل لجهنم دركات، والدركات السلالم التي تهوى إلى أسفل، فجعل في أسفل هذه الدركات المنافقين:
إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الاسْفَلِ مِنَ النَّارِ (145النساء).
لأنهم خدعوا الله ورسوله، وخدعوا المؤمنين.
هؤلاء القوم حذَّر الله عزَّ وجلَّ النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه منهم، ولذلك كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلَّم يحرصون كل الحرص على أن ينزهو أنفسهم من الوقوع في هذا الجُرم العظيم وفى هذا الإثم الكبير، فكانوا يحرصون أشد الحرص حتى كان أحدهم إذا سُئل هل أنت مؤمن؟ يقول: مؤمنٌ إن شاء الله ولا يجزم لنفسه بالإيمان، لأنه يعلم أن الإيمان يلزم لكي يشهد لنفسه به أن يعلم أنه معه حتى حُسن الختام حتى يتوفاه الله مسلماً ويلحقه بالصالحين.
وقد علمهم النبي أن يسألوا الله عزَّ وجلَّ الثبات على الإيمان، لأن هذا أمرٌ متعلقٌ بحضرة الرحمن عزَّ وجلَّ، إذا كان النبي بذاته صلوات ربى وتسليماته عليه، كان يقول عقب كل صلاة:
كما ورد عن انس رضي الله عنه أنه كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ:
(يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ) ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، آمَنَّا بِكَ، وَبِمَا جِئْتَ بِهِ، فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا؟ قَالَ: ((نَعَمْ، إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ، يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ).(رواه الترمذي)
ووجهنا إلى أن نرددها عقب كل صلاة، لأن ثبات القلوب لا يكون إلا من حضرة الله جلَّ في عُلاه.
وأصل هؤلاء أن رجلاً من المدينة ـ وكان اهل المدينة قبيلتين هم الأوس والخزرج، وكان بينهما حروبٌ مستمرة، وفى نهاية المطاف اتفقوا على أن تنتهي النزاعات والحروب فيما بينهم وأن يكون أميرهم جميعا، واختاروا واحداً من عظمائهم ليكون ملكاً عليهم، هذا صادف قبل استلامه الملك مجيء الإسلام ومجيء النبي صلى الله عليه وسلَّم إلى المدينة.
فكوَّن كتيبة من المنافقين حوله يكيدون للنبي صلى الله عليه وسلم ويتفننون في إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم ويدعون المؤمنين الصادقين في أوقات الشدائد للتخلي عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وينشرون الشائعات على المسلمين وعلى النبي، ليبلبلوا أفكار الناس ويُزعزعوا ما في نفوسهم من الإيمان بالواحد الأحد عزَّ وجلَّ، وكلما تحدث الرسول صلى الله عليه وسلَّم عن هذا الرجل وهو عبد الله بن أبىّ بن سلول.
قال له الصادقون من الأنصار:
يا رسول الله أعذره فإن التاج قد صُنع له وكان سيضعه على رأسه، وأنت بمجيئك إلى المدينة قد حرمته من هذا التاج، فكان يصبر عليه النبي صلى الله عليه وسلَّم، وذات مرةٍ قال عمر رضي الله عنه: يا رسول الله دعني أقطع عنق هذا المنافق، قال:
(لا يا عمر ماذا يتحدث الناس عنى؟ أيقولون إن محمدا يقتِّل أصحابه؟) (البخاري ).
وكان ابنه رجلٌ من الصادقين فسمع بما يتهامس به أصحاب النبي فجاء إليه وقال له: يا رسول الله لو قتل رجلٌ مؤمنٌ أبى لم ترضى نفسي أن أرى قاتل أبى يمشى أمامي فأقتله فأقتل مؤمناً بكافر، يا رسول الله ائذن لي أن أقطع عنق أبى حتى لا أقتل مؤمناً بكافر، فقال صلى الله عليه وسلَّم: لا ورفض ذلك ونهى عن ذلك صلوات ربى وتسليماته عليه.
فكان أصحابه رضوان الله تبارك وتعالى عليهم أجمعين يحرصون على معرفة أوصاف هؤلاء المنافقين، والله عزَّ وجلَّ فيما أنزل من القرآن أنزل ثلاثين سورة في المدينة منها سبعة عشر سورة في المنافقين، حتى قال بعض العلماء:
كاد القرآن كله ينزل في المدينة في المنافقين، يعَرّف بأوصافهم حتى ينزِّه المؤمنون أنفسهم عن هذه الأوصاف، ويبتعدون عمن فيهم هذه الأوصاف وأمرهم أمراً صريحاً فقال عزَّ وجلَّ في قرآنه:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119التوبة).
وكان النبي صلى الله عليه وسلَّم يقسِّم الأعمال والأسرار بين أصحابه، فجعل في حضرته سكرتيراً خاصّاً أطلعه على المنافقين وألقابهم وهو وحده الذي يعرفهم، وكان اسمه حُذيفة بن اليمان رضي الله عنه، وكان سيدنا عمر رضي الله عنه إذا جيء بجنازة إلى المسجد ينظر إلى حذيفة، فإن قام حذيفة ليصلى عليها، دخل عمر فصلى عليها، وإن امتنع حذيفة عن الصلاة عليها امتنع عمر، لأن الله قال لحبيبه على هؤلاء:
وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا (84التوبة).
نهاه حتى عن الصلاة عليهم لأنهم في قلوبهم الكفر وإن كانوا يظهرون أعمال أهل الإسلام، وجاء عمر مرة ليصلى على رجلٍ منهم فناداه حذيفة:
يا أمير المؤمنين إنه منهم فلا تصل عليه، فقال له عمر: وأنا منهم؟
انظر إلى الصادقين مع الله ، وأنا منهم؟ قال: لا ولن أصرِّح بذلك لأحدٍ بعدك أبداً.
هؤلاء المنافقون يا أحبة هم الطابور الخامس الذي يرتع في هذه البلاد وبين هذه العباد، وهو الذي أشد علينا من الكافرين والمشركين لأنهم يعلمون كل شيء عن المسلمين وعن المؤمنين، وهم من يُسمَّى في عصرنا هذا بالجواسيس الذين يتجسسون على أحوال المؤمنين ويذيعونها للكافرين والمبغضين.
هذا النفاق هو النفاق الأعظم، وهو الشرك بالله عزَّ وجلَّ والتظاهر بالإسلام،
لكن الطامة الكُبرى والتي ظهرت في عصرنا والتي نهى عنها نبينا، أنه نبَّه أن هناك نوعٌ من النفاق سُمَّى بالنفاق الأصغر، والنفاق الأصغر هو أن يكون المرء مسلماً ومؤمناً ومُصلياً وصائماً وعابداً لله، لكن فيه أوصافٌ وصف النبي أن من يتصف بها بأنه فيه صفة من صفات المنافقين،
وكل مشاكل مجتمعنا الآن فيما بيننا بسبب تمسك البعض بهذه الأوصاف التي نهى عنها نبينا الكريم صلوات ربى وتسليماته عليه.
كأن يتصف بالكذب، والنبي صلى الله عليه وسلَّم يقول:
(يُطْبَعُ الْمُؤْمِنُ عَلَى الْخِلالِ كُلِّهَا إِلا الْخِيَانَةَ وَالْكَذِبَ).(مسند احمد عن ابي أمامة رضي الله عنه)
ليس عند المؤمن كذباً ولا خيانة، وقيل يا رسول الله أيكون المؤمن جباناً؟
قال: (قد يكون، قيل أيكون المؤمن بخيلا؟ً قال: قد يكون قيل: أيكون المؤمن كذاباً؟ قال: لا المؤمن ليس بكذاب المؤمن ليس بكذاب المؤمن ليس بكذاب). (رواه م مالك عن صفوان بن سليم رضي الله عنه)
فالكذب من الصفات المشينة التي نزَّه الله عزَّ وجلَّ المؤمنين أجمعين عنها، لأنه سمانا جميعاً الصادقين:
اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119التوبة).
والكاذب يجعل الإنسان لنفسه مستقراً والعياذ بالله في جهنم مصيراً إن أصَّر على كذبه ، ولم يتب إلى الله من الكذب ، ويتحلى بصفة الصادقين لقوله صلى الله عليه وسلَّم:
(لا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يُكتب عند الله كذابا، والكذب يهدى إلى الفجور، والفجور يهدى إلى النار).(رواه البخاري ومسلم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه)
والكذاب يجعل الله عزَّ وجلَّ الملائكة الحفظة الكرام البررة الذين يتبعونه ويحيطون به ويسجلون أعماله إذا كذب يقول في ذلك حضرة النبي صلى الله عليه وسلَّم:
(إذا كذب العبد تبعد عنه الملائكة قدر ميل (رواه الترمذي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه) ـ وميل يعنى اثنين كيلومتراً إلا ربعاً من شدة رائحة فمه).
يشمون لفمه رائحة كريهة لا يستطيعون شمَّها ويبتعدون عنه لأنه كذب،
والكذب أشدَّه الكذب على الله، أو الكذب على رسول الله، ثم الكذب على خلق الله عزَّ وجلَّ.
والذي يكذب على الله عزَّ وجلَّ هو الذي يخترع في شرع الله ما ليس منه ويدعى الكذب أنه من دين الله، لينال مصلحة دنيوية أو لينال مكسباً فانياً.
والذي يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلَّم هو أن يسند إليه قولاً لم يقله، أو حديثاً لم يخرج من فيه، ويزعم أن الرسول قاله، مع قوله صلى الله عليه وسلَّم:
(من كذب علىَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من جهنم).(البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه)
بل إن الله عزَّ وجلَّ ورسوله صلى الله عليه وسلَّم أمر المؤمنين أن يكون أهم ما يحرصون عليه في تربية الأبناء والبنات الصدق وعدم الكذب.
عن عبد الله بن عامر رضي الله عنه أنه قال: "دعتني أمي يوما ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدٌ في بيتنا، فقالت: ها تعال أعطك، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم-:
( وما أردت أن تعطيه؟ ) ،قالت: أعطيه تمرا!!،
فقال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
( أما إنك لو لم تعطه شيئاً كُتبت عليك كذبة) (رواه أبو داود)
إذا كان مجتمع المؤمنين فيه صفة الصدق هي السائدة بين الناس، فكيف يكون حالهم؟ وكيف يكون حال مجتمعهم؟
إن حال المؤمنين في ذلك سيكون كأنهم يعيشون في جنة النعيم لأنهم سيكونون كما قال الله:
فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (10) لا تَسْمَعُ فِيهَا لاغِيَةً (11) (الغاشية).
ومن الأوصاف التي حذَّر النبي منها كذلك وجعلها علامات على النفاق هي صفة الغدر وصفة الخيانة وغيرها من الصفات التي قال في بعضها في حديثه الشريف:
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال
: "أربع من كن فيه كان منافقا ، ومن كانت خصلة منهن فيه كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها : من إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا خاصم فجر ، وإذا عاهد غدر" (اخرجه البخاري ومسلم .
وفي الصحيحين أيضا عن ابي هريرة رضي الله عنه قال
قال صلى الله عليه وسلم :
آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا ائتمن خان .
أو كما قال: (أدعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة).
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين الذي أشرق بنور إيمانه في قلوبنا وجعلنا من عباده المؤمنين الصادقين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له بيده صلاح الأحوال،
اللهم أصلح أحوالنا وأحوال أولادنا وبناتنا وأحوال حُكامنا وأحوال المسلمين أجمعين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يُحق الحق ويُبطل الباطل ولو كره المجرمون.
وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله، سيد الكونين وإمام الثقلين
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وارزقنا هداه ووفقنا لحُسن العمل بشرعه على الدوام يا أكرم الأكرمين.
أيها الإخوة جماعة المؤمنين:
كل مؤمنٍ منا حريص على إيمانه بالله، وحريصٌ على تصديقه برسول الله وبكتاب الله،
وكلنا إلى الله مسافرون وبعد بُرهة قد تكون قريباً وقد تمتد إلى حين سنكون بين يدي رب العالمين عزَّ وجلَّ ويسألنا عما فعلناه وعما قلناه في الحياة أجمعين.
وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلَّم أشد الناس حرصاً على إيمانهم، انظر إلى رجلٍ منهم كان قائداً لفريقٍ من أهل مكة في قافلة تجارية إلى بلاد الشام، وعند رجوعهم تعرَّض لهم نفرٌ من الأنصار والمهاجرين فأخذوه وأخذوا معه القافلة، وكان هذا الرجل متزوجاً قبل ذلك ببنت النبي زينب رضي الله عنها.
وكان زوجاً بارَّاً وفياً فلما أًصَّر النبي أن أرسل إلىَّّ ابنتي فأرسلها إليه وكلَّف من يحرسها حتى وصلت إليه لأنها كانت ابنة خالته ،وعندما دخل المدينة وحدَّثه البعض عن الإسلام، شرح الله صدره ونطق بالشهادتين، وجاءه بعض صغار النفوس وقالوا له: ما دمت قد أسلمت فخذ هذا المال مال الكفار غنيمة لك ولا ترده إليهم .
انظر ماذا قال الرجل؟ ـ قال:
بئسما نصحتني به يا أخي، أتريد أن أبدأ عهدي بالإسلام بالخيانة لا يكون ذلك أبداً لأن الإسلام يتنافى مع الخيانة،وقد قال نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم :
(أَدِّ الأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ ، وَلا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ).(رواه الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه)
فنطق بالشهادتين وأسلم، ثم آلا على نفسه إلا أن يذهب بالتجارة إلى مكة، وذهب إلى أهل مكة وسلمّ كل رجلٍ منهم تجارته، وربحه الذي أربحه الله له في تجارته، ثم قال:
يا أهل مكة هل بقى لواحدٍ منكم شيء عندي؟ قالوا: لا وجًزيت خيراً، قال: أشهدكم أنى آمنت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمدٍ صلى الله عليه وسلَّم نبياً ورسولا.
يحرصون على سلامة الإسلام بالسلامة من الكذب، والوقاية من الخيانة والبعد عن الغدر لأن النبي يقول:
(يُرفع لكل غادرٍ لواءٌ يوم القيامة يوم يُقال: هذه غدرة فلان بن فلان).(البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه)
ويبتعدون عن الأوصاف التي حددها النبي وبين أن صاحبها يكون فيه خصلة من خِصال النفاق، لأنهم يريدون أن يدخلوا في قول الله:
مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله وَالَّذِينَ مَعَهُ (29الفتح).
وهل يجوز أن يكون معه خائن؟ هل يجوز معه في معيته كاذب؟ هل يجوز أن يكون في معيته غادر؟ هل يجوز أن يكون معه في معيته فاجرٌ في خصومته؟ لا يكون ذلك أبداً،
ولذلك كانوا يحرصون أشد الحرص على سلامة الإيمان من أوصاف المنافقين.
لو سلم أفراد مجتمعنا من هذه الأوصاف فكيف يكون حالنا؟
وكيف تكون الثقة بيننا؟
وكيف يكون التعامل فيما بيننا؟
إن كان في العمل أو في البيت أو في الشارع أو في السوق؟
سنكون كما كان عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلَّم.
ثم الدعاء
*********************************************
للمزيد من الخطب الدخول على الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ فوزي محمد ابوزيد