آخر الأخبار
موضوعات

الاثنين، 8 فبراير 2016

- اليوم الثاني من أيام الله : يوم الست بربكم

وقد جمع الله في هذا اليوم ذرية بني آدم كلهم، بعد أن استخرجها من أصلاب آبائهم، وأخذ عليهم العهد والميثاق أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، وأشهدهم على أنفسهم. وليس هناك دليل أقوى من اعتراف الإنسان وشهادته على نفسه، فالإقرار والاعتراف سيد الأدلة.
وقد اخبر الله عزَّ وجلَّ الناس جميعا بشأن هذا اليوم ليذكروه ولا ينسوه، وليعلموا أن الله عزَّ وجلَّ تعهدهم من بداية أن خلقهم، فعرَّفهم وعلمَّهم، واطَّلع عليهم بمعاني الربوبية، وخاطبهم وسمعوا منه وأجابوه سبحانه مذعنين إليه، مؤمنين به.
وهذا الخبر من الله تعالى لعباده بمثابة الإعلان والإنذار لهم، وهو قوله سبحانه وتعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدم مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ أو تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ﴾، [172-173،الأعراف].
وهذه الآية الشريفة قررت عمومية القرآن، وشمولية الرسالة المحمدية لجميع بني البشر، لأن الله اخذ فيها العهد على كل الناس بتوحيده وعبادته. وهي أيضا معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنها أخبرت عن غيب من غيوب القدر الإلهي الذي أجراه الله على جميع البشرية، وقد نسيته بعد أن حجبت الروح بمادة الجسم الكثيفة المظلمة، فذكَّرها الله به على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، ليوضح لنا أنه صلى الله عليه وسلم هو المذكِّر عن الله عزَّ وجلَّ، وهو نور العلم القدسي، وسراج العالم الروحاني والعقلاني.
وفي الآية معان كثيرة جدا، نقتطف من رياض أزهارها ما نستطيعه، لنشم أريجه الزكي، وعبيره الشذى، فقوله تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدم مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ﴾، معناها: وذكِّرهم يا محمد بهذه الحقيقة، وتلك الحادثة، وهذا الوقت الذي أخذ فيه ربك ذرية بني آدم من ظهور آبائهم، وأشهدهم على أنفسهم: وهذا شيء عجيب حقا، إذ أن هذا المشهد يختلف كثيرا عن مشهد يوم الميثاق السابق، فهذا المشهد فيه ذرية أخذها الرب جلَّ جلاله من أصلاب الآباء، وهي أمور مادية وكونية، وليست الأمور القاصرة على الأرواح فقط !! وذلك لنؤمن أن قدرة الله لا تعجز عن شيء، فإذا أراد الله شيئا أبرزته القدرة على حسب مراد الله عزَّ وجلَّ.
ولم يكن المشهد أمرا تمثيليا، ولكنه حقيقة واقعية – لأن التمثيل والتصوير والخيال إنما يتأتى ممن عجز عن إبراز الحقيقة وإيجادها، فيمثلها ويصورها للخيال، ليستحضرها الخيال على قدر قوته. ولا يجوز ذلك على الله عزَّ وجلَّ، القادر الحكيم الذي إذا أراد شيئا قال له كن فيكون – ولذلك أمر الله رسوله أن يذكر بها ويوضح أمرها للناس أجمعين.
ولقد أقام الله هذه الذرية في هياكلها بين يديه عزَّ وجلَّ، وأقبل عليها بوجهه الكريم، وأشهدهم على أنفسهم، وتجلى لهم بمعاني الربوبية، وخاطبهم وقال لهم: ﴿أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ﴾،
والاستفهام هنا على حقيقته، ولكنه طلب الإقرار منهم بأنه ربهم وخالقهم، ومالكهم ومدبر أمرهم، وهو استفهام تقريري كما يقول علماء اللغة، فإنهم أقرُّوا وشهدوا على أنفسهم بأنه سبحانه ربهم، و ﴿قَالُواْ﴾، في اعترافهم بهذا ﴿بَلَى شَهِدْنَا﴾، أي نعم شهدنا على أنفسنا بأنك أنت ربنا، لا إله غيرك، ولا شريك لك، ولا معبود سواك.
وهذا الاعتراف كان منهم في هذا المشهد وهم في عقل ووعى كامل، لأنهم سمعوا الخطاب من الله عزَّ وجلَّ، وعقلوه وأجابوا بهذا الجواب، الذي يشعر بأنهم لم يكونوا في حالة قهر أو خوف أو إزعاج، وإنما يشعر بأنهم كانوا في هدوء واستقرار، وسلامة وأمن، وهذه هي الفطرة التي فطر الله الناس عليها لو تركوا وشأنهم من غير أن يتدخل في أمورهم أحد. وهذا معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه}[1]
قال تعالى: ﴿ أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ﴾،
و﴿ أَن﴾، هنا حرف تعليل ونفي، بمعنى حتى لا تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا اليوم، وعن الإقرار والاعتراف بوحدانيتك وربوبيتك، وعن شهادتنا على أنفسنا بذلك، غافلين – والغافل عن شيء هو  الناسي له، أو المشغول عنه بغيره، حتى كأنه لم يكن مطلوبا منه – أو كنا عن هذا المشهد كله، بما فيه من مخاطبة الله لنا، ومواجهته إيانا بمعاني صفات الربوبية – من التربية والتعليم والتوجيه، ومن القدرة والسيطرة والمراقبة والمحاسبة والإطلاع والإحاطة، ومن الإيجاد والإمداد والخلق والتصوير، والإعطاء والمنع، والإحياء والإماتة، وما إلى ذلك من صفات الربوبية التي أشهدها الله للناس يوم ألست – إنا كنا عن هذا كله غافلين.
قوله تعالى: ﴿أو تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ﴾، يعنى لا ينبغي لكم أن تقولوا إنَّا كنا عن هذا الإشهاد والإقرار به غافلين، ولا يجوز كذلك أن تقولوا إنما كفر آباؤنا وأشركوا من قبلنا، ونحن كنا ذريتهم من بعدهم تبعا لهم، ونسير على مناهجهم الذي وجدناهم عليها، ولم نكن نعرف شيئا، غير ذلك، ولم يأت إلينا رسول يبين لنا ما نحن عليه من شرك وضلال، فليس لنا ذنب في هذا الكفر نستأهل الإهلاك والعذاب عليه، ولكنه ذنب الآباء والأجداد الذين اتبعناهم، فلا تأخذنا بما فعل المبطلون.  
لا يجوز ولا يصح لكم أن تقولو ذلك، لأن الإيمان بالله أمر فطري، مقرر في النفوس وفي الطبائع البشرية، ولا يحتاج إلى رسول ولا إلى شيء غير عقولكم التي ميزَّكم الله بها عن جميع الكائنات، فهي تدرك بداهة أن الله سبحانه وتعالى واحد لا شريك له، ولكن الرسول ضروري ليعلمنا ما يطلبه الله منا من عبادة ومعاملة، وأخلاق واعتقاد بالغيب. وبهذا تبطل حجة من كفر بالله أو أشرك به، لأن الإله الحق معروف بالبداهة والفطرة للعقول، قال تعالى: ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرض لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾،
ومن رحمة الله بالإنسان أرسل إليه الرسل مذكرين ومعلمين، ومبشرين ومنذرين، حتى يؤمن الإنسان بأن الله تعهده في كل طور من أطواره بالتربية والإرشاد، والعناية والإمداد، لأن النسيان شيء يعترى النفس البشرية ويخالط فطرتها. وهناك نفوس كاملة لم يتطرق إليها النسيان، وذلك لصفاء جوهرها، ونقاء فطرتها، فإنها تنظر فيما حولها، بل في ذاتها، فترى الأدلة والآثار شاهدة على وجود الواحد الأحد الإله الحق.
وقديما قال العربي قبل مجيء الإسلام، أثر الأقدام يدل على المسير والبعرة تدل على البعير، وهذه أرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج، وسماء ذات أبراج، وجبال راسيات، وكواكب سيارات، أفلا يدل ذلك على اللطيف الخبير، وهذه نفس قد استجابت لفطرتها، ولم تنسى عهد الست بربكم. وقال الإمام أبو العزائم رضي الله عنه:
من الست لم ننسى ما قد شهدنا... من جمال الجميل إذ خاطبنا
وقد سئل الإمام على رضي الله عنه، فقيل له: يا أمير المؤمنين أتذكر يوم الست بربكم؟. فقال: نعم أذكره وأذكر من كان عن يميني ومن كان عن يساري.
وذلك لأن الله قرر الذرية في هذا المشهد على ما فطرها عليه من توحيد وعدم الإشراك به، وهذا هو الإيمان في حقيقته. أما الإيمان ببقية القضايا الأخرى فيحتاج إلى بيان الرسول وإرشاده، لأنه من الغيوب التي لم يطلب الله من الإنسان أن يدركها بنفسه من غير معلم ومبين.
هذا وأن يوم الست بربكم تعيش الأرواح في ذكرياته إلى وقت أن تلتقي بأجسادها في بطن الأم. ومن الملاحظ أن جميع الذرية أذعنت وأجابت وقالت: ﴿بَلَى شَهِدْنَا﴾، ولم يتخلف أحد، وذلك لأن الاعتراف بالرب الخالق الرازق، والواحد الأحد، أمر لا يتأخر العقل عن إدراكه لأول وهلة، ومن أول نظرة، وعند أول سؤال يطرح عليه (من ربك؟) لأنه أمر بديهي لا يحتاج إلى تفكير.
ولماذا أخذ الله الذرية من الأصلاب وأشهدها على نفسها؟
لأن الأرواح شاهدة بالإلوهية والربوبية والوحدانية. بصفائها ونورانيتها. ولكن الذرية المركبة من عناصر المادة هي التي تجحد وتنسى وتحجب، فاحضرها الله وأشهدها وقررها. ولما اطلع الله عليهم، وظهر لهم في هذا اليوم بمعاني الربوبية، وأشهدهم هذه المعاني العلية عيانا، من غير حجاب ولا سحاب ( قالوا بلى).
وإنما تشهد معاني الربوبية بالعقل والقلب، والمشاعر التي في الإنسان، وهي الآلات والقوى التي استودعها الله في الإنسان ليدرك بها الحقائق والمعاني الرفيعة. وهذه الآلات والقوى هي قضية تكريم الله للإنسان التي ميزه بها على سائر المخلوقات. قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً﴾، [70،الإسراء]
وكانت مدة اليوم الأول والثاني من أيام الله بقدر ما دار فيها من حديث الله عزَّ وجلَّ  مع أنبيائه، وأخذ العهد عليهم والميثاق منهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم أجمعين، ومن حديث الله مع ذرية بني آدم، وتقريرهم على ربوبيته ووحدانيته. وبعد ذلك استمرت حقائق الأنبياء عليهم السلام في رعاية يوم الميثاق، وفي الأنس بهذا المشهد إلى ماشاء الله، وإلى ابد الآبدين، حيث أنها أرواح كاملة لا يتطرق إليها النسيان، ولا تحجبها الحياة الكونية، وكذلك استمرت أرواح ذرية بني آدم في مراقبة وملاحظة عهدها في يوم الست بربكم حتى استقرت في أجسادها في رحم الأم.
منقول من كتاب أيام الله
لفضيلة الشيخ محمد على سلامه 

وكيل وزارة الاوقاف ببوسعيد



- جديد الأفكار فى تعليم طفلك النظام

- جديد الأفكار فى تعليم طفلك النظام
بين الفوضى والنظام محطات كثيرة يمكن أن نقطعها مع الصغار، يمكننا الوصول إلى المحطة الأخيرة بسرعة فنوفر الوقت والجهد، وممكن أن نطيل المدة فنخسر بعض الوقت والجهد.

يحرص الوالدان على تعليم الصغار كل ما هو طيب وحسن فيحرصان على تعليمهم القراءة والكتابة، وكيف يمكن أن يرتدوا ملابسهم، وكيف يمكن أن يستخدموا مهارات الحياة المختلفة؛ لينجحوا في الحياة، ومن تلك المهارات المهمة: كيف يكونون أكثر نظاماً؛ لينجحوا أيضاً في الحياة.

وأفضل طريق لتعليمهم أن تكون أنت مثلاً جيداً لهم، فإذا نشأ الطفل في بيئة منظمة فالاحتمال الأكبر أن يكون إنساناً منظماً، وحتى تنشئ بيئة منظمة في منزلك إليك بعض الأفكار:

1- أوجد مكاناً لكل شيء واجعل كل شيء في مكانه، وعلم أبناءك في عمر مبكر قدر الإمكان أن يعيدوا ألعابهم إلى مكانها المناسب، وحتى يتمكنوا من هذا وفر لهم المساحة والمكان ليفعلوا ذلك، مع تعليمهم الكيفية، مع توضيح أن الهدف من ذلك هو أن يكون الترتيب من طبع الطفل؛ لأنه نواة النظام.

2- استخدام التقويم: من الأفضل أن ينشأ الأطفال وقد اعتادوا على استخدام التقويم، لهذا دربهم منذ الصغر على تسجيل أحداثهم الأسبوعية على لوحة التقويم، وذلك عن طريق تعليق هذه اللوحة في مكان بارز في المنزل أمام الصغار، بحيث يكون من السهل الوصول إليها؛ لكتابة الأحداث المهمة لهذا الأسبوع.

أما إذا كان الأبناء أكبر سناً، فيمكنك التحدث معهم عن أهمية استخدام التقويم في ترتيب الأنشطة وتحديد أوقاتها.

3- اربط العمل بالمتعة: ليصبح وقعه على النفس أفضل، وهذا ينطبق على الترتيب والنظام، فإذا ما شعر الطفل بأهميته وبأنه عمل ممتع فإنه يتبناه أيضاً.

فاحرص دائماً على أن يراك الطفل وأنت مستمتع بترتيب أوراقك في غرفتك، لكن اعلم أن ما قد يبدو لك غير منظم، قد يعتبره الطفل منظماً ومرتباً، فلا تنتقده دائماً حتى لا تفقده ثقته بنفسه، بل شجعه وعلمه، وأشعره بالفخر بما يقوم به، فهو كلما تقدم في العمر تمكن من هذه المهارة.

4- أعط أطفالك تعليمات واضحة: فهم يحتاجون إلى معرفة ما يجب عليهم القيام به، فعندما تقول: " أريد الغرفة مرتبة " قد لا يعرف الطفل ماذا تعني، فتدرج معه خطوة خطوة، حتى يتمكن من القيام بما تريده منه.

5- حول عملية الترتيب إلى جدول زمني مكتوب بطريقة سهلة: فعندما تكون الأم هي المسؤولة الوحيدة عن ترتيب المنزل، فهي تحتاج إلى أطفال أكثر نظاماً، وهذا من الممكن أن تحصل عليه، إذا كتبت لأطفالها مثل:

- ترتيب السرير كل يوم.
- وضع الكتب على الأرفف.
- وضع الملابس المستخدمة في سلة الغسيل.

- وضع الملابس النظيفة في أماكنها.
كما يمكن استخدام الصور بدلاً من الكلام في عمل الجدول.

6 - ترتيب خزانة الطفل: يعتبر من الأمور التي إن تمت، فسوف توفر عليك وعلى الطفل الكثير من الوقت، ومن أجل هذا قم بترتيب دوري للخزانة بمصاحبة الطفل، اسأله أثناء الترتيب عن طريقة الترتيب التي يرغب في أن تكون عليها خزانته.

ابدأ بنظرة فاحصة للخزانة، فإذا كانت مفتوحة فأخرج منها الأشياء التي تحجب رؤيتك لقاع الخزانة، تخلص من الأشياء أو الملابس أو الألعاب غير المستعملة، بالتبرع بها للجهات الخيرية، شجع ابنك على فعل هذا؛ لتعلمه حب العطاء إلى جانب الترتيب.

ثم تأتي المرحلة التي تقرران فيها معاً ما هي الأشياء التي يجب أن تعلق؟ وهل تعلق على الأرفف أم توضع في السلة داخل الخزانة؟.

7- أفكار التخزين: ممكن أن يصممها الطفل بنفسه، فبعض الأطفال يفضل السلال التي تعلق على الجهة الأمامية من الخزانة؛ لتكون معلقة في الحائط فيضع بها أغراضه، وتفضل بعض الفتيات استخدام السلال المعلقة لوضع متعلقاتهن.

كما يمكن استخدام العلاليق الصغيرة المعلقة خلف باب الخزانة لتعليق اكسسورات البنات، يمكن استخدام السلال الخاصة بالخضراوات المستخدمة في المطبخ بعد تلوينها.

وتعد الأكياس الملونة المعلقة خلف الباب مفيدة جداً في توفير المساحة المطلوبة، أما أدوات التعليق التي تحتل جزءاً من الحائط، فتشجع الطفل على تعليق أغراض الرياضة واللعب الخاصة به، وهذه واحدة من الأفكار المفيدة التي استخدمتها إحدى الأمهات، كما أنه يمكن استخدام 7 أكياس من القماش الملون بعدد أيام الأسبوع، بحيث توضع في كل كيس الملابس الخاصة بهذا اليوم، ويتم تعليقه في الخزانة.

8- استخدم العلب والألوان: هناك علاقة بين الألوان والترتيب، فالعلب والسلال الملونة، تسهل عمليتي التصنيف والترتيب للأم والطفل، بل تعطي روحاً طفولية للغرفة، لذا يمكن الاستعانة بالسلال الملونة الجاهزة، هذا بالإضافة إلى إمكانية تلوينها في المنزل، وذلك عن طريق رشها بالصبغ، ولكن تأكد من خلوها من مادة الرصاص السامة.

9 - اكتساب تلك المهارة في كل الأعمال: النظام لا يعني فقط غرفة مرتبة، وخزانة نظيفة، ولكنه يعني أيضاً: التفكير بنظام، والاستفادة من الوقت بنظام.

وكل هذا يكتسبه الطفل بالممارسة، والصبر من قبل الوالدين، فالطفل منذ ولادته في حاجة إلى أن نعلمه النظام، فهناك نظام غذائي يُتبع لإطعامه، وهناك نظام لنومه، ونظام لأداء واجبه.

10- تعليم الطفل طريقة ترتيب أفكاره: فلا بد أن نعلمه الخطوات منذ بداية صياغة تلك الفكرة في الدماغ، ومن ثم تدوينها أو رسمها، والبحث عما سيساعده على القيام بها، والانتهاء منها.

راقب الطفل عندما يريد شراء بعض قطع الحلوى، فالفكرة ولدت في عقله، ثم بدأ يفصح عنها، ومن ثم توجه إلى الوالدين أو الجدة، وقد يلجأ إلى البكاء كمرحلة أخيرة؛ لتحقيق هدفه.

تعلم أداء الأعمال ضمن تسلسل معين يعطي الطفل الثقة بالنفس، كما أنه يعلمه اتخاذ خطوات متعاقبة لحل المشاكل، وهو العمود الفقري لتعلم النظام والترتيب.

الأحد، 7 فبراير 2016

الصفات الواجبة لله سبحانه وتعالى

الصفات الواجبة لله سبحانه وتعالى

طريقهم في إثبات الصفات لله تعالى قالوا: هي التي صرح الكتاب العزيز بها، وعن  الصفات الثابتة للمبدع الحكيم موجد جميع العالم، وهي الصفات السبع التي تشاهد في   الإنسان وبها كماله، وهي العلم والحياة والقدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام .

 1- فأما العلم فقد نبه الكتاب العزيز على وجه الدلالة عليه في قوله تعالى: ) أَلَا   يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (( 3)، ووجه الدلالة أن المصنوع يدل من جهة     الترتيب الذي في أجزائه، أعني كون صنع بعضها من أجل بعض، ومن جهة موافقة            جميعها للمنفعة المقصودة بذلك المصنوع، أنه لم يحدث عن صانع هو طبيعة، وإنما  حدث عن صانع رتب ما قبل الغاية قبل الغاية، فوجب أن يكون عالما به، مثال ذلك



أن الإنسان إذا نظر إلى البيت، فأدرك أن الأساس إنما صنع من أجل الحائط، وأن    الحائط من أجل السقف، تبين أن البيت إنما وجد عن عالم بصناعة البناء وهذه الصفة     هي صفة قديمة، قال الله تعالى: ) وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ((1). فينبغي أن يوضع في الشرع أنه     عالم بالشيء قبل أن يكون، على أنه سيكون، وعالم بالشيء إذا كان، على أنه قد كان، وعالم بما قد تلف أنه قد تلف في وقت تلفه، وهذا هو الذي تقتضيه أصول الشرع،     قال الله تعالى: ) وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا ((2) .



2- وأما صفة الحياة فظاهر وجودها من صفة العلم، وذلك أنه يظهر في الشاهد     أن من شرط العلم الحياة، والشرط عند المتكلمين يجب أن ينتقل فيه الحكم من الشاهد        إلى الغائب، وما قالوه في ذلك صواب



3- وأما صفة الإرادة فظاهر اتصافه بها، إذ كان شرط صدور الشيء عن الفاعل العالم أن يكون مريدا له.



4- وكذلك من شروطه أن يكون قادرا، قال جل ثناؤه: ) إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا  أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ((3).



5- فإن قيل: فصفة الكلام له من أين تثبت له؟ قلنا: ثبتت له من قيام صفة العلم  به، وصفة القدرة على الإبداع، فإن الكلام ليس شيئاً أكثر من أن يفعل المتكلم فعلا    يدل به المخاطب على العلم الذي في نفسه، أو يصير المخاطب بحيث ينكشف له ذلك            العلم الذي في نفسه، وذلك فعل من جملة أفعال الفاعل، وإذا كان المخلوق الذي ليس  بفاعل حقيقي – أعني الإنسان – يقدر على هذا الفعل من جهة ما هو عالم قادر، فإنه      بالحرى أن يكون ذلك واجبا على الفاعل الحقيقي، قال الله تعالى: ) وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ    يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ ((4)،        فالوحي هو وقوع ذلك المعنى في نفس الموحي إليه بغير واسطة لفظ يخلقه، بل    بانكشاف ذلك المعنى له بفعل يفعله في نفس المخاطب، كما قال تبارك وتعالى: ) فَكَانَ  قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى ((5).



ومن وراء حجاب هو الكلام الذي يكون بواسطة ألفاظ تنكشف في نفس الذي   اصطفاه بكلامه، وهذا هو كلام حقيقي، وهو الذي خص الله به موسى، ولذلك قال  تعالى: ) وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا ((1).



وأما قوله تعالى: ) أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا (، فهذا هو القسم الثالث، وهو الذي    يكون منه بواسطة الملك، فقد تبين لك أن القرآن الذي هو كلام الله قديم، وأن اللفظ  منزل من الله تعالى، وبهذا باين لفظ القرآن الألفاظ التي ينطق بها في غير القرآن، ومن     لم يفهم هذا على هذا الوجه، لم يفهم هذه الصورة ولا يفهم كيف يقال في القرآن إنه  كلام الله تعالى، وأما الحروف التي في المصحف فإنما هي  من صنعنا بإذن الله تعالى،   وإنما وجب لها التعظيم لأنها دالة على كلام الله تعالى .



6، 7 – وأما صفتا السمع والبصر فإنما أثبتهما الشرع لله تبارك وتعالى من قبل أن السمع والبصر يختصان بمعان مدركة في الموجودات، ليس يدركها العقل، ولما كان الصانع من شرطه أن يكون مدركاً لكل ما في المصنوع وجب أن يكون له هذان                   الإدراكان، فواجب أن يكون عالما بمدركات البصر، وعالما بمدركات السمع، إذ هي     مصنوعات له وهذه كلها منبهة على وجودها للخالق سبحانه في الشرع من جهة تنبيه  على وجود العلم به، وبالجملة فما يدل عليه اسم الإله واسم المعبود يقتضي أن يكون               سميعا بصيراً، لأنه من العبث أن يعبد الإنسان من لا يدرك أنه عابد له، كما قال تعالى:    )  يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا((2). وقال تعالى:    ) أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ ((3). فهذا القدر مما يوصف به             الله سبحانه وتعالى ويسمى به، هو القدر الذي نص الشرع أن يعلمه العامة، لا غير         ذلك .



ومن البدع التي حدثت في هذا الباب السؤال عن هذه الصفات: هل هي الذات أم    زائدة على الذات؟ أي: هل هي صفة نفسية أو صفة معنوية؟ وتلك البدعة أوقعت في   اختلاف عظيم بين المسلمين، وضياع نفائس الوقت في الجدل والمعارضات، فمن أراد               السلامة والأمن والنجاة يوم القيامة، فليلزم سبيل السلف الصالح، ومنهج الجماعة،



والتمسك بسنة رسول الله r، عاملا بها غير ملتفت إلى محدثات البدع ومختلفات   الآراء وبواعث الحظ والهوى، والله أسأل أن يجعل لنا نورا في قلوبنا، وأن يمنحنا سبحانه الفقه عنه، وأن يسلمنا من البدع المضلة والضلال، إنه مجيب الدعاء، وصلى       الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم فأما الآية الأولى فدلالتها مغروزة في الفطر بالطبع، وذلك أنه من المعلوم بنفسه أنه       إذا كان ملكان كل واحد منهما فعله صاحبه إنه ليس يمكن أن يكون عن تدبيرهما  مدينة واحدة، لأنه ليس يكون عن فاعلين من نوع واحد، فعل واحد، فيجب   ضرورة إن فعلا معاً أن تفسد المدينة الواحدة، إلا أن يكون أحدهما يفعل ويبقى الآخر           عاطلا وذلك منتف في صفة الألوهية، فإنه متى اجتمع فعلان من نوع واحد على محل واحد، فسد المحل ضرورة، هذا معنى قوله سبحانه: ) لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ        لَفَسَدَتَا ( .

ما سر اختفاء الجن وما صورته وكيف بعذب؟

ما سر اختفاء الجن وما صورته وكيف بعذب؟

السؤال الخامس: ما هو سر اختفاء الجن عن الأعين؟.
الجواب:
أولاً: لأن الله خلقهم من عناصر لطيفة، هي النار والهواء بخلاف الإنسان الذي خُلِقَ من العناصر الكثيفة وغيرها.
ثانياً: لما قَدَّرَ الله عداوة الشيطان للإنسان وكان الشيطان هو الجن المتمرد على الله بالكفر والعناد، جعله الله مستترًا عن الأعين حتى يتحصن الإنسان منه بالله، ويستعين عليه بالله لأنه قوة شريرة وخفية عنه، ولو كانت ظاهرة له لكان من السهل مجالدتها، فلذلك يستمر تعلق الانسان بربه، ويُقَوىِ الاتصال به عز شأنه.
هذا من ناحية ومن ناحية ثالثة: فإن الله أعطى الجن القدرة على تغيير هيئته، فلو كان ظاهرًا وتغير أمام الإنسان إلى صورة أخرى، أصيب الإنسان بالذعر والهلع، وربما يطيش عقله من كثرة هذه التغيرات.
ومن ناحية رابعة: لو كان الجن ظاهرًا للعين لخالط الإنسان مخالطة ظاهرة فى كل شيء لأن الإنسان لا يستطيع أن يحتجب عنه، قال تعالى فى شأن إبليس لعنه الله: ﴿وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا﴾ [64،الإسراء]. ولو تم ذلك لفسدت الحياة، وتدهورت الأمور في كل شيء ولكن الله حكيم عليم، أعطى كل شيء خلقه ثم هداه الى تكييف حياته التى يعيشها على حسب فطرته.
ومن ناحية خامسة: فإن صورة الجن الأصلية مزعجة ومخيفة كما ذكر ذلك من رآهم على حقيقتهم فلو ظهر للناس بهذه الهيئة لارتاعوا وجزعوا من منظره ولم يستقر لهم حال ولا يهدأ لهم بال وتستحيل حياتهم فى هذه الارض.
السؤال السادس: هل للجن صورة مثل بني آدم؟.
الجواب :
إن للجن صورة خلقهم الله عليها تتناسب مع طبيعتهم، وهم رجال ونساء من جنسهم ولكن لهم القدرة على تغيير هذه الصورة إلى غيرها من صور الكائنات الحية، حسب ما يشاؤون ، وهى خاصية جعلها الله لهم دون غيرهم من الإنسان والحيوان.
السؤال السابع: هل يشتركون مع بني آدم في قول الله تعالى: ﴿وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء﴾ [45،النور].
الجواب :
لا يشتركون مع الإنسان في هذه الناحية، لأن الله قد أوضح المادة التي خلقهم منها، وهي نار السموم، وقد سبق بيان ذلك، وأيضا قد بين الله مادة خلقهم فى قوله تعالى:﴿وَخَلَقَ الْجَانَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ﴾.[15،الرحمن]. والمارج هو اللهب الذى لا دخان فيه، يعنى نار صافية، ولكن يجوز بعد ذلك أن تكون هذه العناصر قد أخذت وضعًا آخر بحكم تكوينهم، ودخل إليهم عنصر الماء والغذاء والشراب الذين يعيشون عليه، وحصل بينهم التزاوج والتوالد.
السؤال الثامن: هل يمر الجن بالأطوار السبعة التي يتخلق فيها الإنسان؟.
الجواب :
لا، وذلك لأن عناصر تكوينهم تختلف عن عناصر الانسان التي تحتاج للمرور بهذه الأطوار السبعة، ولكنهم يتناكحون ويتوالدون من غير مدة لأن عنصر تكوينهم يقتضى ذلك، فإن النار تشتعل بمجرد إيقادها، بخلاف الطين الذى لا يتماسك إلا بعد فترة من الزمن، صنع الله الذى اتقن كل شيء.
السؤال التاسع: إذا كان الجن قد خُلِقَ من النار فكيف يعذب بها الكافر والفاسق منهم؟
الجواب:
إن كل شيء يزيد عن حده ينقلب الى ضده، وإن النار التي يعذب بها الجن هى نار تزيد قوتها آلاف المرات عن النار التى خلق منها الجن، ثم إن الجن له روح يحيا بها، فعنصر النار فيه حي بهذه الروح ليقوم بالأمور التي خلقه الله من أجلها، وله عقل وإدراك ومشاعر أخرى يعيش بها.
ومن هنا كان لا غرابة فى تعذيبه بالنار لأنها تعذب هذه القوى، وتلك الحياة التى خلقها الله فى عنصره الناري.
هذا وإن الإنسان خلق من التراب، مع انك لو رميته بطوبة منه آذته وآلمته، وخلق من الماء مع أنك لو ألقيت عليه دلوًا من الماء دفعة واحدة أتعبه وأوجعه، وكذلك خلق من الهواء ولو سلطت عليه مروحة أعيته وأمرضته، وهكذا كل شىء يزيد فى قوته عن قوة القابل كان عذابًا وشقاء على القابل، وإن كان هذا الشيء من الجنس القابل ومادته.
السؤال العاشر: هل يعذب الجن بالزمهرير فقط كما يقول بعض الناس؟.
الجواب :
إن الجن يعذب بالزمهرير، كما يعذب بالنار، لأن الزمهرير هو البرد القارس الذى بلغ أكثر من درجة البرودة المطلقة، هذا وإن الله يعذب الكفار من الجن والإنس على السواء بأي لون من ألوان العذاب التي لا حصر لها ولا عدد مما ملئت به نار جهنم.
ثم إنني أود أن أقول للسائل، إن العذاب الذي أعده الله للكافرين من الإنس والجن إنما هو جزائهم ونصيبهم من غضب الله عليهم، ومقته لهم، وما النار والزمهرير إلا مظهر من مظاهر غضب الله عليهم، وأن سخط الله أقوى وأفظع من عذاب النار والزمهرير.
وإن الله عزَّ وجلَّ قادر على أن يعذب أعداءه، وإن كانوا في النعيم واللذائذ والمشتهيات كما حصل للنمروذ لعنه الله، فقد عذبه الله ببعوضة دخلت أنفه فوصلت إلى خياشيمه ثم إلى دماغه حتى كان دماغه يغلي من تعذيبها، وكانوا يضربونه على رأسه ليسكن العذاب بعض الوقت، ولكنه لا يلبث إلا أن يعود إليه حتى هلك بهذا العذاب.
كما أن الله سبحانه وتعالى قادر على أن ينعم أحبابه وإن كانوا في وسط النار كما حصل لسيدنا ابراهيم عليه السلام حيث قال الله تعالى للنار:﴿يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾.[69،الأنبياء].
كتبه
 فضيلة الشيخ محمد على سلامة
من كتابه حوار حول غوامض الجن

الثلاثاء، 5 يناير 2016

- ما الجن وهل عمر الارض ومتى خلق؟

- ما  الجن وهل عمر الارض ومتى خلق؟
السؤال الأول: ما معنى كلمة جن؟.
الجواب:
كلمة جن عَلَمْ على المخلوقات المستترة عن أعين الناس، وهى اسم لهذا العالم الذى جعله الله فى مقابلة عالم الأنس، وكل شيء مستتر ولا يمكن رؤيته يقال له جن أو مستجن، ومنه الجنين الذى فى بطن أمه، لأن أحدًا لا يستطيع رؤيته بالعين المجردة على حسب العادة.
السؤال الثانى: ما حقيقة نشأة الجن؟.
الجواب:
قد خلق الله الجن من عنصرين هما النار والهواء، ثم نفخ فيه الروح، ولذلك نجد أن الجن دائمًا يتميز بالحركة السريعة التى تتولد عن هذين العنصرين قال الله تعالى: ﴿وَالْجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ﴾. [27،الحجر]. ونار السموم هى النار المسممة وإن عنصر النار كما نعلم لا يقوم ولا يشتعل الا بالهواء، ومن هنا فاذا مس الجن إنسان أذاه أذية بالغة، قد تؤدى به الى الهلاك، لأن هذا المس يجعل الإنسان الممسوس يتخبط من شدة الالم قال الله تعالى: ﴿الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ﴾. [175،البقرة]. وهذا الألم خفي لا يستطيع أحد أن يعرف سببه، ولا يحس به الا المصاب به، ومن هنا كان علاجه صعبًا ويحتاج إلى ذوى الخبرة فى هذا الشان.
السؤال الثالث: هل عَمَّرَ الجن الأرض وما نوع تلك العمارة؟.
الجواب:
لقد خلق الله الجن من عنصري النار والهواء من قبل خلق الانسان من التراب ويشير إلى ذلك قول الله تعالى: ﴿وَالْجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ﴾ أي منذ زمن بعيد كما تفيده الضمة التى فى كلمة ﴿قَبْلُ﴾ وقد قال الإمام أبو العزائم رضي الله عنه: (إن إبليس عَبَدَ الله اثنين وسبعين ألف سنة فلم يحظ بالقبول منها بِسِنَةٍ) وإبليس كان من الجن كما نعلم جميعا وكان ذلك قبل ان يؤمر بالسجود لادم عليه السلام.
ويُرْوَى أن الله قد أمر الجن أن يعبده وأن يوحده ، وأن يسكن الأرض وأن يعمرها، ولكن الجن كان منهم المؤمن المستقيم على امر الله وكان منهم الكافر المتمرد على الله.
وأما نوع العمارة التى امرو بها كانت تتناسب مع فطرتهم وحسب حاجتهم ولكنهم افسدوا فى الارض وظلموا انفسهم وحاربوا بعضهم ولم يمتثلوا لامر الله.
السؤال الرابع: هل خلق الله الجن قبل الملائكة أم بعدهم؟.
الجواب :
إن الله خلق الإنسان أولاً روحًا وحقيقةً، لأنه أكمل المخلوقات وأحسنها ولأنه أصل هذه العوالم، ثم خلق الله الملائكة ثم خلق الله روح الجن، وذلك لأن للإنسان خلقين، الأول خلق الله روح الإنسان وكان ذلك فى الزمن القديم ومن قبل عهد يوم ﴿أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ ﴾ [172،الأعراف]. والثاني كان بتكوينه من العناصر عندما أمر الله الملائكة بالسجود لآدم عليه السلام، فهذا هو ما أردناه من خلق الإنسان قبل الجن والملائكة، ويشير إلى ذلك قول الله تعالى: ﴿أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ [15،ق].فالخلق الأول هو خلق الأرواح، وهو الخلق القديم والخلق الثانى هو خلق الأجسام وهو الخلق الجديد وإن الجن كذلك خلق الله روحه بعد أن خلق روح الإنسان والملائكة ثم خلق الله جسمه من قبل خلق الانسان وهذا لحكمة سامية أرادها الحق تبارك وتعالى وأيضا يدل على خلق الإنسان أولاً قول النبي صلى الله عليه وسلم فى الرد على سؤال سيدنا جابر عن أول شيء خلقه الله فقال صلى الله عليه وسلم {نور نبيك يا جابر}.
ومن هنا نعلم ان الله افتتح الوجود وبدأ خلق العالم بالخير والنور وهو روح الانسان وحقيقته ثم خلق الله الملائكة والجن كما قلنا ولم يبدأ الله الخلق بالجن والشياطين لأنه مخالف للحكمة الالهية التى تقتضى سبق الخير اولاً.
كتبه
 فضيلة الشيخ محمد على سلامة
من كتابه حوار حول غوامض الجن

الأحد، 3 يناير 2016

- أيام الله اليوم الأول: يوم الميثاق

- أيام الله  اليوم الأول: يوم الميثاق
وهو اليوم الذي جمع الله فيه الأنبياء والمرسلين، واخذ عليهم عهدا موثقا، وعقدا قويا، شهد عليه الحق عزَّ وجلَّ وأشهدهم جميعا علية، بأن يؤمنوا برسول الله الخاتم، وأن ينصروه ويؤيدوه، وقد اخبرنا الله بهذا الميثاق في قوله تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ فَمَن تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأولَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾، [81-82،آل عمران].
وإخبار الله لنا بهذا الميثاق، ليعلم الخلق أجمعون قدرا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنزلته من الأنبياء والرسل عليهم السلام، وأنه سيدهم وخاتمهم ورسولهم الذي امنوا به جميعا، ونصروه وتابعوه، ويشروا به أممهم، ودعوهم إلى الإيمان به مثلهم، حتى أن اليهود الذين كانوا يعيشون في الجزيرة العربية قبل بعثته صلى الله عليه وسلم، كانوا يستنصرون به، ويستفتحون به على أعدائهم، ويقولون لهم: سيبعث نبي قد أظلنا زمانه، نؤمن به ونتبعه، ونقتلكم معه قتل عاد وإرم، وكانوا ينعتونه لهم حسب ما جاء في كتبهم المقدسة: ﴿فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ﴾، [89،البقرة].
وبفضل الله أبين معنى هذه الآية الشريفة على قدر ما فهمت منها، وفوق كل ذي علم عليم. فيقول الله لحبيبه ومصطفاه: أذكر يا محمد للمؤمنين وللناس جميعا هذا اليوم الذي أخذ الله فيه العهد والميثاق على جميع الأنبياء إليك، وذكرهم به وبين لهم هذا المشهد العظيم، ليزداد المؤمنون إيمانا بآيات الله، وبأيام الله، وبأخبار الله عزَّ وجلَّ، وليراجع الكافرون – من اليهود والنصارى وغيرهم – أنفسهم ويذعنوا لله ولرسوله، الذي أذعن له الأنبياء، وصدَّق به المرسلون من الأزل، وهم الذين تلقوا عن الله أحكامه ودينه ورسالاته، وبلغوها إليهم وإلى جميع العالمين، ومع ذلك فهم عليهم السلام أول من آمن به وصدقه ونصره، ولم يتأخر واحد منهم، وإن كنتم تزعمون أنكم أتباع الرسل والأنبياء من قبل، فهؤلاء هم الأنبياء والمرسلون أول المؤمنين به صلى الله عليه وسلم، فما لكم قد كفرتم وجحدتم به.
وهذه الآية الشريفة حجة قصمت ظهور الكافرين والمكذبين أجمعين، ولم يتبق لهم أدنى شبهه يتشبثون بها، وقد قطعت عليهم السبيل من كل جانب، وتركتهم في حيرة من أمرهم، وفي ظلمات لا يبصرون، لأنها معجزة لرسول الله  صلى الله عليه وسلم لم يستطيعوا إنكارها ولا معارضتها.
وأنه لشرف عظيم، وتكريم في غاية الإجلال والإعظام، لرسول الله، أن يتولى الله بنفسه أخذ هذا ميثاق له صلى الله عليه وسلم.
وقوله تعالى ﴿مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ﴾، ولم يقل المرسلين، لأن النبوة تسبق الرسالة، ولأنهم أُكرموا بالنبوة في هذا المشهد. والنبوة في حقيقتها إخبار الله تعالى من اصطفاهم من خلقه بمعاني الغيب المصون، وبما أراده الله منهم ومن عباده من حقيقة الدين، الذي أوجبه الله عليهم وعلى الناس أجمعين، أما الرسالة فإنها تكون في عالم الكون، وفي الوقت الذي أقته الله لكل رسول، وفي القوم الذين أراد الله أن يرسله إليهم.
وقوله تعالى: ﴿ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ﴾، يعنى بحق ما أعطيتكم ومنحتكم من كتاب وحكمه. والكتاب هو ما أنزله الله إليهم من الهدى والنور، والآداب والأحكام والوصايا، والحكمة هي ما أكرمهم الله به من الحلم والرحمة، والتواضع والصبر، والرضا والقوة والشجاعة في تبليغ الرسالة، ويجوز أن تكون الحكمة هي ما وهبهم الله إياه من العلوم والمعارف القدسية الخاصة، التي يأتنسون بها في أنفسهم، ويفيضونها على من أحبهم الله وتابعوهم بصدق وولاء، من أوصيائهم وأمنائهم وورثتهم.
وقد استحلفهم الله بالكتاب والحكمة لأنهما أجلُّ نعمة، وأعظم فضل، وأكبر عطاء أسعدهم الله به، وفضلهم به على سائر العالمين. فلم يكن هناك نعمة في الدنيا والآخرة أعظم من ذلك.
قوله تعالى ﴿ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ﴾، وقد ذَّكر الله حبيبه في هذا المشهد الجليل بالرسالة، ولم يذكره بالنبوة كباقي الأنبياء، والرسالة معا، ذلك لنعلم انه صلى الله عليه وسلم رسول الله من القدم ومن الأزل، وانه في المشهد كان رسولا للأنبياء صلوات الله وسلامة عليهم أجمعين. وأنهم فعلا آمنوا به، وأسلموا له، وأقروا بفضله، وذلك لما جاءت دورة الكيان، وقام كل رسول بدعوة قومه إلى الله، وقابلتهم الشدائد والخطوب، كانوا يستغيثون برسل الله صلى الله عليه وسلم، ويتوسلون بجاهه إلى الله غز وجل، فينصرهم الله لأنهم عرفوا قدره ومكانته عند الله عزَّ وجلَّ يوم أخذ الميثاق عليهم. والتنوين في كلمه ﴿رَسُولٌ﴾، للتعظيم.
قوله تعالى: ﴿ ُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ﴾،  من الكتاب والحكمة، يعنى مؤكد له، ومبين له، وكاشف لما التبس منه على الناس، وخصوصا ما غيرَّه وبدَّله وحرَّفه أهل الكتاب.
وقوله تعالى ﴿ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ﴾، يعنى حضر إليكم. وقد حضر إليهم في اخذ ميثاق حقيقة لا تمثيلاً، ليشهدوه وليعرفوه فلا ينكروه بعد ذلك. وإني اعتقد والحمد لله، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جاء إلى كل نبي ورسول في عالم الكون بحقيقته التي شهد عليها يوم الميثاق، لينصره ويثبته ويؤيده، ويُشْهِدَه من الأسرار والغيوب التي يتحقق بها كل منهم، أنه صلى الله عليه وسلم رسولهم وسيدهم وخاتمهم، وأنهم قد انتفعوا به، وتلقوا عنه، وتعلموا منه ما لم يكونوا يعلمون، ولا عجب في ذلك ولا غرابة فيه، فإن الأرواح الكاملة التي وهبها الله لرسله، لها طاقات وقدرات، تعجز عن إدراكها أرواح المؤمنين، ولو قرأت معي فول الله تعالى: ﴿فَلَمَّا جَاءهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾، [8،النمل].لرأيت العجب العجاب. وشهدت معي الأسرار وقد رفع عنها الحجاب، والله يرزق من يشاء بغير حساب.
قوله تعالى ﴿لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ﴾، أي يا أيها الأنبياء بحق ما آتيتكم من كتاب وحكمة لتؤمنن به ولتنصرنه. وكما أنه جاءكم مصدق لما معكم ومؤكد له، وناصر لكم على أعدائكم، وشاهد ببراءتكم مما نسبوه إليكم، وشاهد بصدقكم وتبليغكم ما أرسلتم به، فآمنوا به وصدقوه وانصروه كذلك.
وقد جعل الله شهادته صلى الله عليه مسلم للأنبياء في هذه الآية الشريفة وتصديقه لهم، في مقابلة إيمانهم به ونصرتهم له عليه الصلاة والسلام، ليكون هو صلى الله عليه وسلم مساوٍ لهم جميعا. وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم، وقال جلَّ شانه: ﴿وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا﴾، [113،النساء].
قوله تعالى: ﴿قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي﴾، أي قال الله للأنبياء أأقررتم. والإقرار هو الاعتراف المتكرر من المعترف، لأن الإيمان يحتاج إلى التجديد وكثره الإقرار به من المؤمن، فإننا جميعا في كل وقت نكرر الإقرار بالإيمان، ونقول في الصلاة والأذان والإقامة، وغيرها من العبادات والأذكار، أشهد أن لا إله إلا الله و أشهد أن سيدنا محمد عبده ورسوله. وإن هذا الاعتراف المتكرر هو قضية الإيمان الذي أمرنا الله به طول العمر، من غير فتور أو توقف. ﴿وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي﴾، يعنى قبلتم عهدي، وعقدتم قلوبكم على الإيمان به ونصرته صلى الله عليه وسلم.
﴿قَالُواْ أَقْرَرْنَا﴾، أي قال الأنبياء عليهم السلام. أقررنا واعترفنا، وقبلنا ما عاهدتنا عليه. ﴿قَالَ فَاشْهَدُواْ﴾، أي قال الله لهم: فاشهدوا أي وقعوا على هذا الميثاق بأسمائكم، واشهدوا بذلك على بعضكم وعلى أنفسكم. ﴿وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ﴾، يعنى المصدقين على شهادتكم، والضامنين لقيامكم بموجباتها، تعظيما لحق حبيبي لديكم، وواجبه عليكم.
ثم وجه الله الخطاب لأهل الكفر والعناد بقوله: ﴿فَمَن تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأولَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾، والمعنى أن الذي يُعْرِض عن الإيمان بهذه الأخبار، وتلكم البيانات والحقائق، التي أخبر الله بها في هذه الآية الشريفة، وتولى عن الإيمان بها بعد ذلك، فإنه فاسق أي خارج على الله وآياته، وخارج على دين الله وتشريعاته التي فرضها الله على رسله وأنبيائه وعلى الناس جميعا يوم الدين.
وهذا اليوم كان أول الأيام التي اخبرنا الله بها، لأنه القاعدة الأولى في تقرير حقائق الإيمان بالله ورسله وملائكته وكتبه واليوم الآخر، وبالقضاء والقدر، ولأن أنبياء الله هم أصل هذا الوجود الإنساني، فأراد الله أن يصقل هذا الأصل بالمعارف والعلوم والمشاهد الحقَّة، لأنهم أمناء الله على خلقه، ورسله إليهم، وليكونوا قبل الرسالة من أهل الشهادة واليقين الأكبر، فتهون عليهم عظائم الأمور والمحن التي يلقونها في الدنيا. وليس من شهد ورأى كمن سمع وتلقَّى، ورسل الله قد فازوا بالأمرين، فشهدوا وعاينوا وتلقوا وسمعوا.
ولى ملاحظة في قوله تعالى: ﴿فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ﴾، وهي أن هذه الآية الشريفة، تشير إلى أن رسول الله صلى الله عليه  وسلم كان وقت أخذ الله العهد له من الأنبياء غائبا عنهم في ستائر القدس الإلهي، وبعد أن أقر الأنبياء واعترفوا به صلى الله عليه وسلم، اشتاقوا لرؤيته علية السلام، فأشهدهم الله إياه، وأطلعهم عليه وقال لهم: ها هو ذا رسولي إليكم الذي عاهدتكم له، فاشهدوه وتمتعوا به، وتهنوا برؤيته وتلقوا عنه، وأنا معكم من الشاهدين، لأنه صورة حسنى وجمالي، ومعاني كمالي وجلالي.

وليس المراد باليوم هو اليوم الفلكي، وهو حركة الأرض أمام الشمس في أربع وعشرين ساعة، بل المراد هو الوقت الذي تم فيه هذا الميثاق عن الله عزَّ وجلَّ، وإن كان لم يدر أحد تحديد هذا الوقت، لأنه في أزل الله القديم، حيث لم يشهد هذا الميثاق إلا أنبياء الله صلوات الله عليهم أجمعين، وكانوا عند ذلك أرواحا قدسية في هياكل نورانية، تجاوزت العقل والمعقول، والرسوم والحدود والزمان والمكان، والله من ورائهم محيط. وما على المؤمنين إلا التصديق والتسليم لأخبار الله عزَّ وجلَّ، قائلين كما قال الراسخون في العلم: ﴿آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا﴾، [7،آل عمران].
منقول من كتاب أيام الله
لفضيلة الشيخ محمد على سلامه 
وكيل وزارة الاوقاف ببوسعيد

- كيف تحصل الراحة والطمأنينة والسعادة؟

- كيف تحصل  الراحة والطمأنينة والسعادة؟
إن الله - تبارك وتعالى - لم يخلق الخلق عبثاً، ولم يتركهم سدىً وهملاً، بل خلقهم لغاية عظيمة: {وَمَا خَلَقْتُ الْـجِنَّ وَالإنسَ إلاَّ لِيَعْبُدُونِ}. [الذاريات: 56]

وقد تفضل - سبحانه وتعالى - على عباده، ومنحهم لذة في العبادة لا تضاهيها لذة من لذائذ الدنيا الفانية.

وهذه اللذة تتفاوت من شخص لآخر حسب قوة الإيمان وضعفه: {مَنْ عَمِلَ صَالِـحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97].

وهذه الراحة والطمأنينة والسعادة تكون بعبادة الله وحدَه، وتعلُّق القلـب به، ودوام ذكره. قال ابن القيم: «والإقبال على الله - تعالى - والإنابة إليه والرضا به وعنه، وامتلاء القلب من محبته واللَّهَج بذكره، والفرح والسرور بمعرفته ثواب عاجل وجنة وعيش لا نسبة لعيش الملوك إليه البتة»[1].

وأما من أعرض عن هدى الله، وما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسيعيش عيشة القلق والضنك: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً} [طه: 124]. فهو «لا طمأنينة له، ولا انشراح لصدره، بل صدره ضيِّق حرج لضلاله وإن تنعَّم ظاهره ولبس ما شاء وأكل ما شاء وسكن حيث شاء؛ فإن قلبه ما لم يخلص إلى اليقين والهدى فهو في قلق وحيرة وشكٍّ؛ فلا يزال في رَيبه يتردَّد؛ فهذا من ضنك المعيشة»[2].

فكيف يحصل العبد على لذة العبادة؟ وما صور ذلك؟ وما موانعه؟

هذا ما سيكون حديثنا عنه في هذه الأسطر بمشيئة الله، تعالى.

صور من لذة العبادة:

الأصل أن المؤمن يجد لذة وحلاوة لكل عبادة يتقرب بها إلى الله - تبارك وتعالى - ولكننا هنا سنذكر بعضاً من صور لذة العبادة، فمن ذلك:

أولاً: لذة الإيمان: فللإيمان لذة لا تعدلها لذة من لذائذ الدنيا الفانية؛ فعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال النبي #: «ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان...»[16] فـ «الإيمان له حلاوة وطعم يذاق بالقلوب كما تذاق حلاوة الطعام والشراب بالفم؛ فإن الإيمان هو غذاء القلوب وقوتها كما أن الطعام والشراب غذاء الأبدان وقوتها، وكما أن الجسد لا يجد حلاوة الطعام والشراب إلا عند صحته، فإذا سقم لم يجد حلاوة ما ينفعه من ذلك، بل قد يستحلي ما يضره وما ليس فيه حلاوة لغلبة السقم عليه، فكذلك القلب إنما يجد حلاوة الإيمان إذا سلم من مرض الأهواء المضلة والشهوات المحرَّمة، وجد حلاوة الإيمان حينئذٍ، ومتى مرض وسقم لم يجد حلاوة الإيمان، بل يستحلي ما فيه هلاكه من الأهواء والمعاصي»[17].

ثانياً: لذة الصلاة: فللصلاة لذة عظيمة؛ وجدها رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقد جاء في الحديث عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حُبِّب إليَّ من دنياكم النساء والطيب وجُعلَت قرة عيني في الصلاة»[18].

ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يجد لصلاته لذة وراحة؛ حيث كان يقول لبلال: «قم يا بلال فأرحنا بالصلاة»[19]، ولم يقل أرحنا منها كما هو شأن بعضنا. ووجدها عروة بن الزبير؛ فقد قُطعَت رجله وهو في الصلاة، ولم يشعر[20]؛ فقد أنسته لذة الصلاة وحلاوتُها مرارة الألم.

ثالثاً: لذة قيام الليل: يروى في الأثر عن نافع بن عمر قال: قالت أم عمر بن المنكدر لعمر: إني أشتهي أن أراك نائماً؟ فقال: يا أماه! والله! إن الليل ليَرِد عليَّ فيهولني، فينقضي عني وما قضيت منه أربي»[21]. وقال بعض السلف: «إني لأفرح بالليل حين يقبل، لما يلتذ به عيشي، وتقرُّ به عيني من مناجاة مَنْ أحب وخلوتي بخدمته والتذلل بين يديه، وأغتم للفجر إذا طلع، لما اشتغل به بالنهار عن ذلك»[22].

رابعاً: لذة قراءة القرآن وتلاوته: قال عثمان بن عفان: «لو طهرت قلوبنا لما شبعت من كلام الله». قال ابن القيم: «وكيف يشبع المحب من كلام من هو غاية مطلوبه» إلى أن قال: «فلمحبي القرآن من الوجد والذوق واللذة والحلاوة والسرور أضعاف ما لمحبي السماع الشيطاني»[23]، وقال ابن رجب: «لا شيء عند المحبين أحلى من كلام محبوبهم فهو لذة قلوبهم وغاية مطلوبهم»[24].

خامساً: لذة الإنفاق في سبيل الله: للإنفاق في سبيل الله لذة عظيمة، وجد هذه اللـذة أبو طلحة - رضي الله عنه - ولما وجدها أنفق أعز ماله لديه في سبيل الله؛ كما في البخاري ومسلم. ووجد هذه اللذة أبو الدحداح - رضي الله عنه - فجعل مزرعته كلها لله؛ فعن أنس - رضي الله عنه - أن رجلاً قال: يا رسول الله! إن لفلان نخلة وأنا أقيم حائطي بها فَأْمُره أن يعطيني حتى أقيم حائطي بها، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «أعطها إياه بنخلة في الجنة» فأبى، فاتاه أبو الدحداح، فقال: بعني نخلتك بحائطي. ففعل، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إني قد ابتعت النخلة بحائطي. قال: فاجعلها له فقد أعطيتكها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كم من عذق راح لأبي الدحداح في الجنة» قالها مراراً. قال: فأتى امرأته، فقال: يا أم الدحداح! أخرجي من الحائط، فإني قد بعته بنخلة في الجنة، فقالت: ربح البيع أو كلمة تشبهها[25].

سابعاً: لذة طلب العلم: قال الشاطبي: «في العلم بالأشياء لذة لا توازيها لذة؛ إذ هو نوع من الاستيلاء على المعلوم والحوز له، ومحبة الاستيلاء قد جبلت عليها النفوس، وميلت إليها القلوب»[26].

وقد شهد بذلك أرباب العلم، والمشتغلين به. قال ابن الجوزي حاكياً عن نفسه: «ولقد كنت في حلاوة طلب العلم ألقى من الشدائد ما هو أحلـى عندي من العسـل في سـبيل ما أطلب وأرجو، وكنت في زمن الصبا آخذ معي أرغفة يابسة ثم أذهب به في طلب الحديث وأقعد عند نهر عيسى ثم آكل هذا الرغيف وأشرب الماء، فكلما أكلت لقمة شربت عليها وعَيْن هِمَّتي لا ترى إلا لذة تحصيل العلم»[27].

ومن اللذة في طلب العلم في التأليف والتصنيف ما قاله أبو عبيد: «كنت في تصنيف هذا الكتاب كتاب «غريب الحديث» أربعين سنة، وربما كنت أستفيد الفائدة من أفواه الرجال، فأضعها في موضعها من هذا الكتاب، فأبيت ساهراً فرحاً مني بتلك الفائدة»[28].

وأنشد بعضُهم شعراً رائعاً في هذا المقام، فقال:

لَـمِحبرةٌ تجالسني نهــــاري

أحبُّ إليَّ من أُنْسِ الصديقِ

ورزمةُ كاغدٍ في البيت عندي

أحبُّ إليَّ من عدل الدقيقِ

ولطمةُ عالِمٍ في الخــدِّ منِّي

ألذُّ لديَّ من شرب الرحيقِ[29]

ثمة أسباب للحصول على لذة العبادة، منها:

أولاً: مجاهدة النفس على العبادة وتعويدها، مع التدرج في ذلك:

قال ابن القيم: «السالك في أول الأمر يجد تعب التكاليف، ومشقة العمل لعدم أُنْس قلبه بمعبوده، فإذا حصل للقلب روح الأنس زالت عنه تلك التكاليف والمشاق فصارت (أي الصلاة) قرة عين له، وقوة ولذة»[3]. وقال ثابت البناني: «كابدت الصلاة عشرين سنة وتنعمت بها عشرين سنة»[4]. وقال أبو يزيد: «سُقْتُ نفسي إلى الله وهي تبكي، فما زلت أسوقها حتى انساقت إليه وهي تضحك»[5]. قال - تعالى -: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإنَّ اللَّهَ لَـمَعَ الْـمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69]. فإذا جاهد العبد نفسه هداه الله وسهل له الوصول إلى ما جاهد نفسه إليه.

ثانياً: الإكثار من النوافل والتنويع فيها على اختلاف صفاتها وأحوالها:

حتى لا تمل النفس، وحتى تُقبِل ولا تدبر؛ فتارة نوافل الصلاة، وتارة نوافل الصوم، وتارة نوافل الصدقة... إلخ؛ فإن ذلك مما يورث محبة الله؛ كما جاء في الحديث القدسي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - وفيه أن الله يقول: «وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه...»[6]. فـ «من اجتهد بالتقرب إلى الله بالفرائض، ثم بالنوافل قربه إليه، ورقَّاه من درجة الإيمان إلى درجة الإحسان، فيصير يعبد الله على الحضور والمراقبة كأنه يراه، فيمتلئ قلبه بمعرفة الله ومحبته وعظمته وخوفه ومهابته وإجلاله والأنس به والشوق إليه؛ حتى يصير هذا الذي في قلبه من المعرفة مشاهَداً له بعين البصيرة»[7].

ثالثاً: التأمل في سير الصالحين:

قال جعفر بن سليمان: «كنت إذا وجدت من قلبي قسوة غدوت فنظرت إلى وجه محمد بن واسع كأنه وجه ثكلى»[8]، وهي التي فقدت ولدها. وكان ابن المبارك يقول: «إذا نظرت إلى فضيل بن عياض جُدِّد لي الحزن، ومقتُّ نفسي»[9]، ثم يبكي.

رابعاً: قراءة القرآن وتدبر معانيه، والوقوف عند عجائبه:

فإن في القرآن شفاءً للقلوب من أمراضها، وجلاءً لها من صدئها، وترقيقاً لما أصابها من قسوة، وتذكيراً لما اعتراها من غفلة، مع ما فيه من وعد ووعيد، وتخويف وتهديد، وبيان أحوال الخلق بطريقَيْهِم (أهل الجنة، وأهل السعير)، ولو تخيل العبد أن الكلام بينه وبين ربه كأنه منه إليه لانخلع قلبه من عَظَمة الموقف، ثم يورثه أُنْسَ قلبه بمناجاة ربه، وَلَوَجَد من النعيم ما لا يصفه لسان أو يوضحه بيان، وخصوصاً تدبُّر ما يتلا في الصلوات.

خامساً: الخلوة بالله - تعالى - والأنس به:

بحيث يتخير العبد أوقاتاً تناسبه في ليله أو نهاره يخلو فيها بربه، ويبتعد فيها عن ضجيج الحياة وصخبها، يناجي فيها ربه يبثه شكواه، وينقل إليه نجواه، ويتوسل فيها إلى سيده ومولاه. فكم لهذه الخلوات من آثار على النفوس، وتجليـات على القلـوب؟ قيـل لمالك بن مغفـل - وهو جالس في بيته وحده -: ألا تستوحش؟ قال: أَوَ يستوحش مع الله أحد؟ وكان حبيب أبو محمد يخلو في بيته ويقول: «من لم تقرَّ عينه بك فلا قرت عينه، ومن لم يأنـس بك فلا أَنِـس»[10]. وقـال ذو النـون - رحمه الله -: «من علامات المحبين لله أن لا يأنسوا بسواه ولا يستوحشوا معه»[11].

سادساً: البعد عن الذنوب والمعاصي:

فكم من شهوة ساعة أورثت ذلاً طويلاً، وكم من ذنب حرم قيام الليل سنين، وكم من نظرة حرمت صاحبها نور البصيرة، ويكفي هنا قول وهيب بن الورد حين سئل: «أيجد لذة الطاعة من يعصي؟ قال: لا، ولا من همَّ».

قال ابن الجوزي: «فرب شخص أطلق بصره فحرمه الله اعتبار بصيرته، أو لسانه فحُرِم صفاء قلبه، أو آثر شبهة في مطعمه، فأظلم سره وحُرِم قيام الليل، وحلاوة المناجاة، إلى غير ذلك»[12].

فالذنوب داء القلوب. قال يحيى بن معاذ: «سَقَمُ الجسد بالأوجاع، وسَقَمُ القلوب بالذنوب؛ فكما لا يجد الجسد لذة الطعام عند سقمه، فكذلك القلب لا يجد حلاوة العبادة مع الذنوب»[13].

سابعاً: التقلل من المباحات:

قال أحمد بن حرب: «عبدتُ الله خمسين سنة فما وجدت حلاوة العبادة حتى تركت ثلاثة أشياء: تركت رضا الناس حتى قدرت أتكلم بالحق، وتركت صحبة الفاسقين حتى وجدت صحبة الصالحين، وتركت حلاوة الدنيا حتى وجدت حلاوة الأخرى... »[14]. قال العلاَّمة ابن القيم: «غض البصر عن المحارم يوجب ثلاث فوائد عظيمة الخطر، جليلة القدر: إحداها: حلاوة الإيمان ولذته، التي هي أحلى وأطيب وألذ مما صرف بصره عنه وتركه لله - تعالى - فإن من ترك شيئاً لله عوضه الله - عز وجل - خيراً منه، والنفس مولعة بحب النظر إلى الصور الجميلة، والعين رائد القلب، فيبعث رائده لنظر ما هناك فإذا أخبره بحسن المنظور إليه وجماله تحرك اشتياقاً إليه، وكثيراً ما يتعب ويُتعِب رسوله ورائده. فإذا كف الرائد عن الكشف والمطالعة استراح القلب من كلفة الطلب والإرادة فمن أطلق لحظاته دامت حسراته...»[15].



 موانع لذة العبادة:

لذلك عدة أسباب، أهمها:

أولاً: المعاصي والذنوب: يذكر ابن الجوزي أن: بعض أحبار بني إسرائيل قال: يا رب كم أعصيك ولا تعاقبني؟ فقيل له: كم أعاقبك وأنت لا تدري؛ أليس قد حرمتك حلاوة مناجاتي؟ فمن تأمل هذا الجنس من المعاقبة وجده بالمرصاد، حتى قال وهب بن الورد وقد سئل: أيجد لذة الطاعة من يعصي؟ قال: ولا من همَّ. فرب شخص أطلق بصره فحُرِم اعتبار بصيرته، أو لسانه فحُرِم صفاء قلبه، أو آثر شبهة في مطعم فأظلم سره، وحرم قيام الليل وحلاوة المناجاة، إلى غير ذلك [30].

ثانياً: كثرة مخالطة الناس: فذلك مما يفقد العبد لذة العبادة، فكثرة المخالطة داء، والتوسط في ذلك هو الحق والعدل.

ثالثاً: تحوُّل العبادات إلى عادات: فإذا تحولت العبادة إلى عادة فُقدَت لذة العبادة وحلاوتها، كما هو مشاهَد.

رابعاً: النفاق: فإذا كان في القلب نوع من النفاق، فإن ذلك يكون ماحقاً ومانعاً لحصول لذة العبادة.

هذه أبرز موانع لذة العبادة.

فإذا أردت أن تحصل على لذة العبادة، وتتفيأ ظلالها، وتقطف ثمارها، وتنعم بخيراتها؛ فعليك بعمل الأسباب الجالبة لذلك - وقد سبق أن ذكرناها - وعليك أن تبتعد عن صوارفها وموانعها.

وفَّقَنا الله لما يحبه ويرضاه.

- أسلوب ذكي لمعاقبة الأطفال

- أسلوب ذكي لمعاقبة الأطفال
قالت: عندي ولدان الأول عمره ست سنوات والثاني تسع سنوات، وقد مللت من كثرة معاقبتهما، ولم أجد فائدة من العقاب فماذا أفعل؟

قلت لها: هل جربت "أسلوب الاختيار بالعقوبة؟".

قالت: لا أعرف هذا الأسلوب فماذا تقصد؟

قلت لها: قبل أن أشرح لكِ فكرته هناك قاعدة مهمة في تقويم سلوك الأبناء لا بدّ أن نتفق عليها، وهي أنّ كل مرحلة عمرية لها معاناتها في التأديب، وكلما كبر الطفل احتجنا لأساليب مختلفة في التعامل معه، ولكن ستجدين أنّ "أسلوب اختيار العقوبة" يصلح لجميع الأعمار ونتائجه إيجابية، وقبل أن نعمل بهذا الأسلوب لا بدّ أن نتأكد إذا كان الطفل جاهلاً أم متعمدًا عند ارتكاب الخطأ حتى يكون التأديب نافعًا، فلو كان جاهلاً أو ارتكب خطأ غير متعمد ففي هذه الحالة لا داعي للتأديب والعقوبة، وإنّما يكفي أن ننبهه على خطئه، أما لو كرر الخطأ أو ارتكب خطأ متعمدًا ففي هذه الحالة يمكننا أن نؤدبه بأساليب كثيرة، منها؛ الحرمان من الامتيازات، أو الغضب عليه من غير انتقام، أو تشفٍ، أو ضرب.

كما يمكننا استخدام "أسلوب اختيار العقوبة"، وفكرة هذا الأسلوب أن نطلب منه الجلوس وحده فيفكر في ثلاث عقوبات يقترحها علينا مثل: طالحرمان من المصروف، أو عدم زيارة صديقه هذا الأسبوع، أو أخذ الهاتف منه لمدة يوم"، ونحن نختار واحدة منها لينفذها على نفسه، وفي حالة اختيار ثلاثة عقوبات لا تناسب الوالدين مثل "يذهب للنوم أو يصمت لمدة ساعة أو يرتب غرفته"، ففي هذه الحالة نطلب منه اقتراح ثلاث عقوبات غيرها.

قالت معترضة: ولكن قد تكون العقوبات التي يقترحها لا تشفي غليلي.

قلت لها: علينا أن نفرق بين التأديب والتعذيب، فالهدف من التأديب هو تقويم السلوك وهذا يحتاج إلى صبر، ومتابعة، وحوار، واستمرار في التوجيه، أمّا أن نصرخ في وجهه أو أن نضربه ضربًا شديدًا فهذا "تعذيب وليس تأديبًا"، إننا عندما نعاقب أبناءنا فإننا لا نعاقبهم بمستوى الخطأ الذي ارتكبوه، وإنما نزيد عليهم في العقوبة لأنّها ممزوجة بالغضب، وذلك بسبب كثرة الضغوط علينا فيكون أبناؤنا ضحية توترنا وعصبيتنا من الحياة، ولهذا نحن نندم بعد عقابهم على تعجلنا أو عدم ضبط أعصابنا، ثُمّ قلت للسائلة: وأضيف أمرًا مهمًّا وهو أنّك عندما تقولين لابنك اذهب واجلس لوحدك وفكّر بثلاث عقوبات لأختار أنا واحدة منها لأنفذها عليك، فإنّ هذا الموقف هو تأديب في حد ذاته لأنّ فيه حوارًا نفسيًّا بين المخطئ وهو الطفل وذاته، وهذا تصرف جيد لتقويم السلوك ومراجعة الخطأ الذي ارتكبه وهو وقفة تربوية مؤثرة.

قالت: والله فكرة ذكية سأجربها.

قلت لها: أنا جربتها شخصيًّا ونفعت معي، وأعرف الكثير من الأسر جربوها ونفعت معهم، لأنّ الطفل عندما يختار العقوبة وينفذها فإنّنا في هذه الحالة نجعل المعركة بين الطفل والخطأ، وليس بينه وبين الوالدين، فنكون قد حافظنا على رابطة المحبة الوالدية، وكذلك نكون قد احترمنا شخصيته وحافظنا على إنسانيته فلم نحقره أو نهينه، ومن يتأمل تأديب الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم للمخطئين يجد أنّه مع التأديب يحترمهم ويقدرهم ولا يقبل بإهانتهم، وقصة المرأة الغامدية التي زنت وطُبِّق عليها الحد فشتمها أحد الصحابة، فقال له رسول الله: «إنها تابت توبة لو وزعت على أهل المدينة لوسعتهم»، فنظرة الاحترام للمخطئ باقية طالما أنّه سار في برنامج التأديب.

ثم ذهبت السائلة ورجعت بعد شهر، فقالت لي: لقد نجح الأسلوب مع أبنائي وصارت عصبيتي معهم قليلة، وصاروا يختارون هم العقوبة وينفذونها، فأشكرك على هذه الفكرة، ولكن أريد أن أسألك كيف فكرت بهذه الطريقة التأديبية الرائعة.

فقلت لها: إنّي استفدت من الأسلوب القرآني في التأديب، فالله تعالى يعطي للمذنب أو للمخطئ ثلاثة خيارات، مثل كفارة من جامع زوجته في نهار رمضان، أو كفارة اليمين وغيرها من الكفارات، فإنّ الشريعة الإسلامية تعطي ثلاثة خيارات لمرتكب الخطأ، وهذا أسلوب تأديبي راقٍ وجميل.

فقالت: إذن هو أسلوب قرآني تربوي!

قلت لها: نعم إنّ القرآن والسنة فيها أساليب تربوية عظيمة في تقويم السلوك البشري للصغار والكبار، لأنّ الله هو خالق النفوس وهو أعلم بما يصلحها، وأساليب التأديب كثيرة ومنها "أسلوب اختيار العقوبة" الذي شرحناه لكِ، فانصرفت وهي سعيدة بتقويم أبنائها وزيادة المحبة في بيتها.

السبت، 2 يناير 2016

طريقة السلف في العقيدة

طريقة السلف في العقيدة
لما كانت العقيدة مأخوذة من الاعتقاد – وهو من أعمال القلوب – فأقول: عقود    القلب التي هي السنة المجمع عليها، نقلها الخلف عن السلف، ولم يختلف فيه اثنان من   المؤمنين، فيها ست عشرة خصلة، ثمان واجبات في الدنيا، وثمان واقعات في الآخرة.

أولاً: الخصال التي هي في الدنيا:
1- بأن يعتقد العبد أن الإيمان قول وعمل، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية،  ويقوي بالعلم ويضعف بالجهل.
 2- وأن القرآن كلام الله عز وجل غير مخلوق، وعلمه القديم صفة من صفاته هو   متكلم به بذاته، وفي الحديث عن رسول الله r: » ما تقرب العبد إلى الله عز وجل    بأفضل من شيء خرج منه وهو كلامه «. وروينا عن ابن عباس: أن عليا رضي الله   تعالى عنهما دعا عند قتال صفين: » يا كهيعص، أعوذ بك من الذنوب التي توجب  النقم، وأعوذ بك من الذنوب التي تغير النعم، وأعوذ بك من الذنوب التي تهتك  الحرم، وأعوذ بك من الذنوب التي تحبس غيث السماء، وأعوذ بك من الذنوب التي    تديل الأعداء، انصرنا على من ظلمنا « قال الضحاك بن مزاحم: فكان علي رضي الله  عنه يقدم هذه بين يدي كل شديدة. وفيما روينا عن النبي r من قوله: » أعوذ  بكلمات الله وأسمائه كلها « كما قال: » أعوذ بعزة الله وقدرته « دليل أن الكلام   والأسماء صفات.



وعن علي رضي الله عنه، حين حكم الحكمين فنقم عليه الخوارج ذلك فقالوا:   حكم في دين الله من المخلوقين. فقال: والله ما حكمت مخلوقا، ما حكمت إلا  القرآن. وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه حين سمع قرآن مسيلمة الكذاب الذي     افتعله وتخرصه يضاهي به كلام الله تعالى: والله ما خرج هذا من إل ولا من تقي. قال  أبو عبيدة: يعني ما خرج من الله تعالى. قال: وفيه دليل أن القرآن غير مخلوق، وأنه  خرج من الله تعالى تكلم به، قال: ومن هذا قوله تعالى: ) لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا   ذِمَّةً ((1)، ومعناه: الله عز وجل لا يرقبونه. وقد روينا عن رسول الله r بمعنى ذلك في قوله: » فضل كلام الله عز وجل على سائر الكلام، كفضل الله تعالى علىخلقه « وذلك أنه خرج منه، وقرأت في مصحف ابن مسعود قال: يا موسى قد   فضلتك برسالاتي وبكلامي عن الناس، وهذا لا يجوز فيه إلا التكلم بالذات مع قوله  سبحانه وتعالى: )  وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا ((2). قال أهل اللغة: المصدر إذا أدخل في الفعل فهو للمواجهة والوصف، لا للأمر بالفعل، ولا على المجاز.



3- ثم تسليم أخبار الصفات فيما تثبت به الروايات وصح النقل، ولا يتأول ذلك ولا يتشبه بالقياس والعقل، ولكن يعتقد إثبات الأسماء والصفات بمعانيها وحقائقها لله   تعالى، وينفي التشبيه والتكييف عنها إذا لا كفء للموصوف فيشبه به، ولا مثل له             فيجنس منه، ولا نشبه ونصف، ولا نمثل ونعرف، ولا نكيف .





4- ويعتقد تفضيل أصحاب رسول الله r وأهل بيته رضي الله عنهم ورضوا عنه    كافة، ويسكت عما شجر بينهم، وينشر محاسنهم وفضائلهم لتأتلف القلوب بذلك.    ونسلم لكل واحد ما فعله، لأنهم أوفر عقولا منا، فقد عمل كل واحد بعلمه ومنتهى             عقله فيما أدى إليه اجتهاده، وإن كان بعضهم أعلم من بعض، كما أن بعضهم أفضل من  بعض، إلا أن علومنا وعقولنا تضعف وتنقص عن علم أدناهم علما، كما فضلوا علينا   بالسوابق سبقا.



ونقدم من قدم الله ورسوله، وأجمع المسلمون الذين تولى الله إجماعهم على الهداية،  وضمن لرسوله r تفضيلا لهم وتشريفا لهم أن لا يجتمعوا على ضلالة. وقد قال علي   لما قيل له: ألا تستخلف علينا؟ فقال: لا أستخلف عليكم بل أكِلُكم إلى الله عز  وجل، فإن يرد بكم خيرا جمعكم بعد نبيكم على خيركم، قال إبراهيم النخعي: فلما   سلم الحسن بن علي رضي الله عنهما الأمر إلى معاوية سميت سنة الجماعة، وقال له    رجل: يا مذل المؤمنين، فقال: بل أنا معز المؤمنين، سمعت أبي عليه السلام يقول: لا      تكرهوا إمارة معاوية فإنه سيلي هذا الأمر بعدي، وإن فقدتموه رأيتم السيوف تبدر عن  كواهلها كأنها الحنظل.



فليعتقد بقلبه من رضي الصحابة وأجمعوا بإمامته على خلافته، واتفق الأئمة من أهل    الشورى على تقدمته على حديث ابن عمر في التفضيل قال: كنا نقول على عهد رسول      الله r: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان، فيبلغ ذلك رسول الله r                                     فلا ينكر، وعلى حديث سفينة مولى رسول الله r قال: قال رسول الله r:      .» الخلافة بعدي ثلاثون سنة، ثم تكون ملكا «



فهؤلاء الأربعة خلفاء النبوة، وهم أئمة الأئمة من العشرة، وعيون أهل الهجرة  والنصرة، وخيار الخيار من الأصحاب. كما روينا عن النبي r: » إن الله عز وجل  اختار أصحابي على العالمين، واختار من أصحابي أربعة فجعلهم خير أصحابي، وفي كل   أصحابي خير، واختار أمتي على الأمم، واختار من أمتي أربعة قرون « فكل قرن    سبعون سنة، فإنا نحن قوم متبعون نقفو الأثر غير مبتعدين بالرأي والمعقول نرد به  الخير، إذ لا مدخل للقياس والرأي في التفضيل، كما لا مدخل لهما في الصفات وأصول   العبادات، وإنما يؤخذ التفضيل توقيفا وتسليما، ومن طريق الإجماع والاتباع خشية   الشذوذ والابتداع، لقول الرسول r: » عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين  المهديين بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، ومن شذ ففي النار « وقال تعالى في تصديق        ذلك: ) وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ ( (1).



وإنما جاء الترتيب في التفضيل والخلافة مخالفا للقياس والمعقول، توكيدا للنبوة    وتأييدا للرسالة، لئلا تلتبس النبوة بالملك، ولا ينحو النبي r في الخلافة نحو الأكاسرة والأقاصرة في المملكة. كما كانت النبوة مخالفة للملك، جاءت الخلافة على غير سيرة الملوك من استخلاف أبنائهم وأهل بيتهم، ولو كان للمعقول والقياس مدخل في   التفضيل، لكان أفضل الناس بعد رسول الله r الحسن ابنه لأن فيه النبوة، والعباس  عمه إذ فيه الأبوة، وقد أجمعوا على خلاف ذلك، وأيضا فلما سبق في علم الله تعالى يجعل هؤلاء الأربعة خلفاء النبوة بما قدر الله من أعمارهم، فلم يكن يتم ذلك إلا بترتيبهم على ما رتبوا في الخلافة، فكان آخرهم استخلافا هو آخرهم موتا، فدبَّر خلافتهم على    ما علم من آجالهم، ووفى لهم بما وعدهم من استخلافهم في الأرض، كلما استخلف    الذين من قبلهم من خلائف أنبيائهم السوالف، ومكَّن لهم دينهم الذي ارتضى لهم     وبدلهم أمنا من بعد خوفهم، كما قال الصادق فيما عهد: ) وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ    اللَّهِ ((2) فذلك تأويل قوله عز وجل: ) وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ((3) الآية .



5- أن يعتقد أن الإمامة في قريش خاصة دون سائر العرب كافة إلى يوم القيامة، وأن لا يخرج على الأئمة بالسيف، ويصبر على جورهم إن كان منهم، ويشكر على   المعروف والعدل، ويطيع إذا أمر بالتقوى والبر، حتى تأتيه يد خاطئة أو منية قاضية، كذلك السنة.



قال أبو محمد سهل رحمه الله تعالى: هذه الأمة ثلاث وسبعون فرقة، اثنتان  وسبعون هالكة، كلهم يبغضون السلطان، والناجية هذه الواحدة التي مع السلطان،     وسئل: أي الناس خير؟ فقال: السلطان. قيل: كنا نرى أن شر الناس السلطان.                   فقال: مهلا، إن لله تعالى في كل يوم نظرتين نظرة إلى سلامة أموال المسلمين  ودمائهم، ونظرة إلى سلامة أفكارهم، فيطالع في صحيفته فيغفر له ذنوبه. وقال أبو      محمد: الخليفة إذا كان غير صالح فهو من الأبدال،  وإذا كان صالحا فهو القطب الذي     تدور عليه الدنيا، قوله: من الأبدال، يعني أبدال الملك، كما حدثنا عن جعفر بن  محمد الصادق أنه قال: أبدال الدنيا سبعة على مقاديرهم يكون الناس في كل زمان من العباد والعلماء والتجار والخليفة والوزير وأمير الجيش وصاحب الشرطة والقاضي    وشهوده.



روينا في الخير: عدل ساعة من إمام عادل، خير من عبادة ستين سنة. ويقال: إن  الإمام العادل يوضع في ميزانه جميع أعمال رعيته. وكان عمرو بن العاص يقول: إمام   غشوم خير من فتنة تدوم.



وقال النبي r: » يكون عليكم أمراء يفسدون، وما يصلح الله تعالى بهم أكثر،  فإن أحسنوا فلهم الأجر وعليكم الشكر، وإن أساءوا فعليهم الوزر وعليكم الصبر «   وفي الخبر الآخر: » يليكم أمراء يقولون ما لا يعرفون، ويفعلون ما ينكرون، وفي          لفظ: يفعلون ما لم يؤمروا، قلنا: أفلا نقاتلهم؟ قال: لا، ما صلوا « وفي الحديث    الآخر: » ما أقاموا الصلاة « وكان سهل رحمه الله تعالى يقول: من أنكر إمامة   السلطان فهو زنديق، ومن دعاه السلطان فلم يجب فهو مبتدع، ومن أتاه من غير دعوة    فهو جاهل، وكان يقول: الخشيبات السود المعلقة على أبوابهم أنفع للمسلمين من   سبعين قاضيا يقضون في المسجد، وقد كان أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى يقول: إذا   كان السلطان صالحا فهو خير من صالحي الأمة، وإذا كان فاسقا فصالحوا الأمة خير   منه، وهذا قول عدل.



6- ولا يكفر أحداً من أهل القبلة – وإن عظم ذنبه – ولا ينزله جنة ولا نارا بل  يرجو له ويخاف عليه، وإن من مات مصرا على الكبائر عن غير توبة منها، في مشيئة الله  تعالى إن أثبت وعيده عليه كان عدلا، وإن عفا وسمح له بحقه كان ذلك منه فضلا .



7- ولا نحكم ولا نقطع على الله تعالى بشيء، ولا نوجب لنا عليه شيئا، إنما نحن   بين عدله وفضله، وبمشيئته واختياره، إن حقق علينا وعيده فنحن أهل ذلك، وإن  غفر لنا فهو أهل التقوى وأهل المغفرة، كيف وقد روينا عن رسول الله r أنه قال:   » من وعده الله تعالى على عمل  ثوابا فهو منجزه له، ومن أوعده على عمل عقابا فهو  فيه بالخيار « والحديث الآخر أن النبي r سئل عن قوله تعالى: ) وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا    مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا ((1)، فقال: » جزاؤه جهنم إن جازاه « ففي كل    قضاء الله تعالى حكمة بالغة وعدل وحكم صادق وحق.



8- وأن يصدق بجميع أقدار الله تعالى، وأن خيرها وشرها من الله تعالى، وأنها   سابقة في علمه جارية في خلقه بحكمه، وأنهم لا حول لهم عن معصيته إلا بعصمته،  ولا قوة لهم على طاعته إلا برحمته، وإنهم لا يطيقون ما حملهم إلا به، ولا يستطيعون  لأنفسهم نفعا ولا ضرا إلا بمشيئته.



ونؤمن بقدر الله وآياته في ملكه وغيب ملكوته مما ذكر في الأخبار من كراماته  لأوليائه، وإجاباته لأحبائه، وإظهار القدرة للصديقين والصالحين، مزيدا لإيمانهم،   وتثبيتا ليقينهم، وتكرمة وتشريفا لهم، وأنه ليس في ذلك إبطال لنبوة الأنبياء، ولا                 إدحاض حججهم، من قبل أن هناك غير مثبتين ولا مخالفين للأنبياء، ولا ادعوا ما   ظهر بحولهم وقوتهم، ولا أظهروا دعوة إلى أنفسهم، ولا تظاهروا به، ولا اجتلابا    للدنيا، ولا طلبا للرياسة على أهلها، وإنما هو شيء كشفه الله تعالى لهم من سر ملكوته  كيف شاء، وأظهرهم عليه من غيب قدرته أين شاء كما شاء، تخصيصا لهم وتعريفا.  وهم للأنبياء متبعون، وعلى آثارهم مقتفون، ولسنتهم مقتدون، فأتاهم الله تعالى ذلك    ببركة الأنبياء، وبحسن اتباعهم لهم، ولأنهم إخوانهم أبدالا لا أشكالا لهم، وعنهم أمثالا    قد تواترت الأخبار عن الصحابة والتابعين الأخيار بما ذكرناه، فغنينا بالتواتر عن    التناظر.



 ثانياً: الخصال التي هي في الآخرة:



1- أن يعتقد العبد مسألة منكر ونكير، يقعدان العبد في قبره سويا ذا روح وجسد   فيسألانه عن التوحيد وعن الرسالة، وهي آخر فتنة تعرض على المؤمن، وهما فتانا   القبر. كذلك روينا عن رسول الله r وهو معنى قول الله عز وجل: ) يُثَبِّتُ اللَّهُ              الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ (، قيل: عند مسألة منكر   ونكير: ) وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ((1).



2- وعذاب القبر حق وحكمة وعدل على الجسم والروح والنفس، يشتركون في  ذلك حسب اشتراكهم في المعصية، وإن كان نعيما كان ذلك على الجسم والروح  والنفس، يشتركون في النعيم كما اشتركوا في الطاعة، وهذا من أحكام الآخرة يكون بمجاري القدرة ليس على ترتيب المعقول، ولا عرف العقول، يوصل الله العذاب والنعيم  إلى الأرواح والأجسام وهي متفرقة، فيتصل ذلك بهما كأنهما متفقان، وليس في  القدرة مسافة ولا ترتيب ولا بعد ولا توقيت.



3- ويؤمن بالميزان ذي الكفتين واللسان أنه حق وعدل وحكمة وفضل، كما جاء   وصفه في العظم من أن طبقات السموات والأرض توزن فيه والأعمال بقدرة الله تعالى  والصنج يومئذ مثاقيل الذر والخردل بحقيقة العدل، ) وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا ((2) فتكون الحسنات في صورة حسنة تطرح في كفة النور فتثقل بها الميزان برحمة الله تعالى، وتكون  السيئات في صورة سيئة تطرح في كفة الظلمة فيخف بها الميزان بعدل الله تعالى.



4- ويعتقد أن الصراط حق على ما جاء وصفه في الآثار كدقة الشعرة وحد  السيف، وهو طريق الفريقين إلى الجنة أو النار، يثبت عليه أقدام المؤمنين بقدرة الله عز        وجل فيحملهم إلى الجنة بفضل الله تعالى، وتزل عنه أقدام المنافقين فتهوى بهم في النار                بحكم الله عز وجل، وهو على متن جهنم بإذن الله تعالى، من قطعه نجا منها برحمة الله،   ومن زل عنه وقع فيها بحكمة الله تعالى.



5- ويؤمن بوقوع الحساب وتفاوت الخلق فيه، فمنهم من يحاسب حساباً يسيرا،    ومنهم من يدخل النار بغير حساب، وهم الكافرون، وكان إمامنا محمد سهل رحمه الله تعالى يقول: يسأل الأنبياء عن تبليغ الرسالة، ويسأل الكفار عن تكذيب المرسلين،

 ويسأل المبتدعة عن السنة، ويسأل المسلمون عن الأعمال، فقولنا لقوله تبع .

 6- ويؤمن بالنظر إلى الله عز وجل جلاله عيانا بالأبصار كفاحا مواجهة تكشف    الحجب والأستار، بقدرة الله ومشيئته ونوره ورحمته كيف شاء، وهو معنى قول الله     تعالى: ) لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ((1)، فالحسنى: الجنة، والزيادة: النظر إلى الله تبارك وتعالى، وكذلك فسره رسول الله r .

 7- ويعتقد إخراج الموحدين من النار بعد الانتقام، حتى لا يبقى في جهنم موحد بفضل الله .

 8- ويعتقد بشفاعة الشافعين من النبيين والصديقين، وأن لكل مؤمن شفاعة بإذن   الله، فيشفع النبيون والصديقون والعلماء والشهداء وسائر المؤمنين كل واحد وسع   جاهه وقدر منزلته، أجمعت الرواة بذلك عن رسول الله r في إثبات الشفاعة، وفي            إخراج الموحدين من النار، وهم الجهنميون من أهل الطبقة العليا من النار، وهو معنى   قول الله تعالى: ) رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ ( (2). قال أهل التفسير:  ذلك عند إخراج الموحدين من النار، ويبقى الباقي لرحمة أرحم الراحمين فيخرج من النار         بمشيئته وسعة رحمته وفضل فضله، من لم يشفع لهم الشافعون، ولم يقدم في الشفاعة لهم  المرسلون، هكذا روينا معناه عن رسول الله r .



فهذه عقود السنة الهادية، وطريقة الأمة الراضية، وقد أجمع السلف من المؤمنين على   ما ذكرناه من قبل أنه لم ينقل عن أحد منهم خلافه، ولا روي عن رسول الله r            ضده، بل قد روي في كل ما ذكرناه أخبار توجب إيجابه، ومعان تشهد لإثباته،                         وتولى الله تعالى إجماعهم على سنة رسول الله r، كما تولى إظهار دينه على الدين كله .



الاثنين، 7 ديسمبر 2015

- فهرس الإعجاز العلمى الطب والغذاء

- فهرس الإعجاز العلمى الطب والغذاء

الطب والغذاء




شارك فى نشر الخير