عدد المشاهدات:
لما كانت العقيدة مأخوذة من الاعتقاد – وهو من أعمال القلوب – فأقول: عقود القلب التي هي السنة المجمع عليها، نقلها الخلف عن السلف، ولم يختلف فيه اثنان من المؤمنين، فيها ست عشرة خصلة، ثمان واجبات في الدنيا، وثمان واقعات في الآخرة.
أولاً: الخصال التي هي في الدنيا:
1- بأن يعتقد العبد أن الإيمان قول وعمل، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، ويقوي بالعلم ويضعف بالجهل.
2- وأن القرآن كلام الله عز وجل غير مخلوق، وعلمه القديم صفة من صفاته هو متكلم به بذاته، وفي الحديث عن رسول الله r: » ما تقرب العبد إلى الله عز وجل بأفضل من شيء خرج منه وهو كلامه «. وروينا عن ابن عباس: أن عليا رضي الله تعالى عنهما دعا عند قتال صفين: » يا كهيعص، أعوذ بك من الذنوب التي توجب النقم، وأعوذ بك من الذنوب التي تغير النعم، وأعوذ بك من الذنوب التي تهتك الحرم، وأعوذ بك من الذنوب التي تحبس غيث السماء، وأعوذ بك من الذنوب التي تديل الأعداء، انصرنا على من ظلمنا « قال الضحاك بن مزاحم: فكان علي رضي الله عنه يقدم هذه بين يدي كل شديدة. وفيما روينا عن النبي r من قوله: » أعوذ بكلمات الله وأسمائه كلها « كما قال: » أعوذ بعزة الله وقدرته « دليل أن الكلام والأسماء صفات.
وعن علي رضي الله عنه، حين حكم الحكمين فنقم عليه الخوارج ذلك فقالوا: حكم في دين الله من المخلوقين. فقال: والله ما حكمت مخلوقا، ما حكمت إلا القرآن. وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه حين سمع قرآن مسيلمة الكذاب الذي افتعله وتخرصه يضاهي به كلام الله تعالى: والله ما خرج هذا من إل ولا من تقي. قال أبو عبيدة: يعني ما خرج من الله تعالى. قال: وفيه دليل أن القرآن غير مخلوق، وأنه خرج من الله تعالى تكلم به، قال: ومن هذا قوله تعالى: ) لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً ((1)، ومعناه: الله عز وجل لا يرقبونه. وقد روينا عن رسول الله r بمعنى ذلك في قوله: » فضل كلام الله عز وجل على سائر الكلام، كفضل الله تعالى علىخلقه « وذلك أنه خرج منه، وقرأت في مصحف ابن مسعود قال: يا موسى قد فضلتك برسالاتي وبكلامي عن الناس، وهذا لا يجوز فيه إلا التكلم بالذات مع قوله سبحانه وتعالى: ) وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا ((2). قال أهل اللغة: المصدر إذا أدخل في الفعل فهو للمواجهة والوصف، لا للأمر بالفعل، ولا على المجاز.
3- ثم تسليم أخبار الصفات فيما تثبت به الروايات وصح النقل، ولا يتأول ذلك ولا يتشبه بالقياس والعقل، ولكن يعتقد إثبات الأسماء والصفات بمعانيها وحقائقها لله تعالى، وينفي التشبيه والتكييف عنها إذا لا كفء للموصوف فيشبه به، ولا مثل له فيجنس منه، ولا نشبه ونصف، ولا نمثل ونعرف، ولا نكيف .
4- ويعتقد تفضيل أصحاب رسول الله r وأهل بيته رضي الله عنهم ورضوا عنه كافة، ويسكت عما شجر بينهم، وينشر محاسنهم وفضائلهم لتأتلف القلوب بذلك. ونسلم لكل واحد ما فعله، لأنهم أوفر عقولا منا، فقد عمل كل واحد بعلمه ومنتهى عقله فيما أدى إليه اجتهاده، وإن كان بعضهم أعلم من بعض، كما أن بعضهم أفضل من بعض، إلا أن علومنا وعقولنا تضعف وتنقص عن علم أدناهم علما، كما فضلوا علينا بالسوابق سبقا.
ونقدم من قدم الله ورسوله، وأجمع المسلمون الذين تولى الله إجماعهم على الهداية، وضمن لرسوله r تفضيلا لهم وتشريفا لهم أن لا يجتمعوا على ضلالة. وقد قال علي لما قيل له: ألا تستخلف علينا؟ فقال: لا أستخلف عليكم بل أكِلُكم إلى الله عز وجل، فإن يرد بكم خيرا جمعكم بعد نبيكم على خيركم، قال إبراهيم النخعي: فلما سلم الحسن بن علي رضي الله عنهما الأمر إلى معاوية سميت سنة الجماعة، وقال له رجل: يا مذل المؤمنين، فقال: بل أنا معز المؤمنين، سمعت أبي عليه السلام يقول: لا تكرهوا إمارة معاوية فإنه سيلي هذا الأمر بعدي، وإن فقدتموه رأيتم السيوف تبدر عن كواهلها كأنها الحنظل.
فليعتقد بقلبه من رضي الصحابة وأجمعوا بإمامته على خلافته، واتفق الأئمة من أهل الشورى على تقدمته على حديث ابن عمر في التفضيل قال: كنا نقول على عهد رسول الله r: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان، فيبلغ ذلك رسول الله r فلا ينكر، وعلى حديث سفينة مولى رسول الله r قال: قال رسول الله r: .» الخلافة بعدي ثلاثون سنة، ثم تكون ملكا «
فهؤلاء الأربعة خلفاء النبوة، وهم أئمة الأئمة من العشرة، وعيون أهل الهجرة والنصرة، وخيار الخيار من الأصحاب. كما روينا عن النبي r: » إن الله عز وجل اختار أصحابي على العالمين، واختار من أصحابي أربعة فجعلهم خير أصحابي، وفي كل أصحابي خير، واختار أمتي على الأمم، واختار من أمتي أربعة قرون « فكل قرن سبعون سنة، فإنا نحن قوم متبعون نقفو الأثر غير مبتعدين بالرأي والمعقول نرد به الخير، إذ لا مدخل للقياس والرأي في التفضيل، كما لا مدخل لهما في الصفات وأصول العبادات، وإنما يؤخذ التفضيل توقيفا وتسليما، ومن طريق الإجماع والاتباع خشية الشذوذ والابتداع، لقول الرسول r: » عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، ومن شذ ففي النار « وقال تعالى في تصديق ذلك: ) وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ ( (1).
وإنما جاء الترتيب في التفضيل والخلافة مخالفا للقياس والمعقول، توكيدا للنبوة وتأييدا للرسالة، لئلا تلتبس النبوة بالملك، ولا ينحو النبي r في الخلافة نحو الأكاسرة والأقاصرة في المملكة. كما كانت النبوة مخالفة للملك، جاءت الخلافة على غير سيرة الملوك من استخلاف أبنائهم وأهل بيتهم، ولو كان للمعقول والقياس مدخل في التفضيل، لكان أفضل الناس بعد رسول الله r الحسن ابنه لأن فيه النبوة، والعباس عمه إذ فيه الأبوة، وقد أجمعوا على خلاف ذلك، وأيضا فلما سبق في علم الله تعالى يجعل هؤلاء الأربعة خلفاء النبوة بما قدر الله من أعمارهم، فلم يكن يتم ذلك إلا بترتيبهم على ما رتبوا في الخلافة، فكان آخرهم استخلافا هو آخرهم موتا، فدبَّر خلافتهم على ما علم من آجالهم، ووفى لهم بما وعدهم من استخلافهم في الأرض، كلما استخلف الذين من قبلهم من خلائف أنبيائهم السوالف، ومكَّن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وبدلهم أمنا من بعد خوفهم، كما قال الصادق فيما عهد: ) وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ((2) فذلك تأويل قوله عز وجل: ) وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ((3) الآية .
5- أن يعتقد أن الإمامة في قريش خاصة دون سائر العرب كافة إلى يوم القيامة، وأن لا يخرج على الأئمة بالسيف، ويصبر على جورهم إن كان منهم، ويشكر على المعروف والعدل، ويطيع إذا أمر بالتقوى والبر، حتى تأتيه يد خاطئة أو منية قاضية، كذلك السنة.
قال أبو محمد سهل رحمه الله تعالى: هذه الأمة ثلاث وسبعون فرقة، اثنتان وسبعون هالكة، كلهم يبغضون السلطان، والناجية هذه الواحدة التي مع السلطان، وسئل: أي الناس خير؟ فقال: السلطان. قيل: كنا نرى أن شر الناس السلطان. فقال: مهلا، إن لله تعالى في كل يوم نظرتين نظرة إلى سلامة أموال المسلمين ودمائهم، ونظرة إلى سلامة أفكارهم، فيطالع في صحيفته فيغفر له ذنوبه. وقال أبو محمد: الخليفة إذا كان غير صالح فهو من الأبدال، وإذا كان صالحا فهو القطب الذي تدور عليه الدنيا، قوله: من الأبدال، يعني أبدال الملك، كما حدثنا عن جعفر بن محمد الصادق أنه قال: أبدال الدنيا سبعة على مقاديرهم يكون الناس في كل زمان من العباد والعلماء والتجار والخليفة والوزير وأمير الجيش وصاحب الشرطة والقاضي وشهوده.
روينا في الخير: عدل ساعة من إمام عادل، خير من عبادة ستين سنة. ويقال: إن الإمام العادل يوضع في ميزانه جميع أعمال رعيته. وكان عمرو بن العاص يقول: إمام غشوم خير من فتنة تدوم.
وقال النبي r: » يكون عليكم أمراء يفسدون، وما يصلح الله تعالى بهم أكثر، فإن أحسنوا فلهم الأجر وعليكم الشكر، وإن أساءوا فعليهم الوزر وعليكم الصبر « وفي الخبر الآخر: » يليكم أمراء يقولون ما لا يعرفون، ويفعلون ما ينكرون، وفي لفظ: يفعلون ما لم يؤمروا، قلنا: أفلا نقاتلهم؟ قال: لا، ما صلوا « وفي الحديث الآخر: » ما أقاموا الصلاة « وكان سهل رحمه الله تعالى يقول: من أنكر إمامة السلطان فهو زنديق، ومن دعاه السلطان فلم يجب فهو مبتدع، ومن أتاه من غير دعوة فهو جاهل، وكان يقول: الخشيبات السود المعلقة على أبوابهم أنفع للمسلمين من سبعين قاضيا يقضون في المسجد، وقد كان أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى يقول: إذا كان السلطان صالحا فهو خير من صالحي الأمة، وإذا كان فاسقا فصالحوا الأمة خير منه، وهذا قول عدل.
6- ولا يكفر أحداً من أهل القبلة – وإن عظم ذنبه – ولا ينزله جنة ولا نارا بل يرجو له ويخاف عليه، وإن من مات مصرا على الكبائر عن غير توبة منها، في مشيئة الله تعالى إن أثبت وعيده عليه كان عدلا، وإن عفا وسمح له بحقه كان ذلك منه فضلا .
7- ولا نحكم ولا نقطع على الله تعالى بشيء، ولا نوجب لنا عليه شيئا، إنما نحن بين عدله وفضله، وبمشيئته واختياره، إن حقق علينا وعيده فنحن أهل ذلك، وإن غفر لنا فهو أهل التقوى وأهل المغفرة، كيف وقد روينا عن رسول الله r أنه قال: » من وعده الله تعالى على عمل ثوابا فهو منجزه له، ومن أوعده على عمل عقابا فهو فيه بالخيار « والحديث الآخر أن النبي r سئل عن قوله تعالى: ) وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا ((1)، فقال: » جزاؤه جهنم إن جازاه « ففي كل قضاء الله تعالى حكمة بالغة وعدل وحكم صادق وحق.
8- وأن يصدق بجميع أقدار الله تعالى، وأن خيرها وشرها من الله تعالى، وأنها سابقة في علمه جارية في خلقه بحكمه، وأنهم لا حول لهم عن معصيته إلا بعصمته، ولا قوة لهم على طاعته إلا برحمته، وإنهم لا يطيقون ما حملهم إلا به، ولا يستطيعون لأنفسهم نفعا ولا ضرا إلا بمشيئته.
ونؤمن بقدر الله وآياته في ملكه وغيب ملكوته مما ذكر في الأخبار من كراماته لأوليائه، وإجاباته لأحبائه، وإظهار القدرة للصديقين والصالحين، مزيدا لإيمانهم، وتثبيتا ليقينهم، وتكرمة وتشريفا لهم، وأنه ليس في ذلك إبطال لنبوة الأنبياء، ولا إدحاض حججهم، من قبل أن هناك غير مثبتين ولا مخالفين للأنبياء، ولا ادعوا ما ظهر بحولهم وقوتهم، ولا أظهروا دعوة إلى أنفسهم، ولا تظاهروا به، ولا اجتلابا للدنيا، ولا طلبا للرياسة على أهلها، وإنما هو شيء كشفه الله تعالى لهم من سر ملكوته كيف شاء، وأظهرهم عليه من غيب قدرته أين شاء كما شاء، تخصيصا لهم وتعريفا. وهم للأنبياء متبعون، وعلى آثارهم مقتفون، ولسنتهم مقتدون، فأتاهم الله تعالى ذلك ببركة الأنبياء، وبحسن اتباعهم لهم، ولأنهم إخوانهم أبدالا لا أشكالا لهم، وعنهم أمثالا قد تواترت الأخبار عن الصحابة والتابعين الأخيار بما ذكرناه، فغنينا بالتواتر عن التناظر.
ثانياً: الخصال التي هي في الآخرة:
1- أن يعتقد العبد مسألة منكر ونكير، يقعدان العبد في قبره سويا ذا روح وجسد فيسألانه عن التوحيد وعن الرسالة، وهي آخر فتنة تعرض على المؤمن، وهما فتانا القبر. كذلك روينا عن رسول الله r وهو معنى قول الله عز وجل: ) يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ (، قيل: عند مسألة منكر ونكير: ) وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ((1).
2- وعذاب القبر حق وحكمة وعدل على الجسم والروح والنفس، يشتركون في ذلك حسب اشتراكهم في المعصية، وإن كان نعيما كان ذلك على الجسم والروح والنفس، يشتركون في النعيم كما اشتركوا في الطاعة، وهذا من أحكام الآخرة يكون بمجاري القدرة ليس على ترتيب المعقول، ولا عرف العقول، يوصل الله العذاب والنعيم إلى الأرواح والأجسام وهي متفرقة، فيتصل ذلك بهما كأنهما متفقان، وليس في القدرة مسافة ولا ترتيب ولا بعد ولا توقيت.
3- ويؤمن بالميزان ذي الكفتين واللسان أنه حق وعدل وحكمة وفضل، كما جاء وصفه في العظم من أن طبقات السموات والأرض توزن فيه والأعمال بقدرة الله تعالى والصنج يومئذ مثاقيل الذر والخردل بحقيقة العدل، ) وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا ((2) فتكون الحسنات في صورة حسنة تطرح في كفة النور فتثقل بها الميزان برحمة الله تعالى، وتكون السيئات في صورة سيئة تطرح في كفة الظلمة فيخف بها الميزان بعدل الله تعالى.
4- ويعتقد أن الصراط حق على ما جاء وصفه في الآثار كدقة الشعرة وحد السيف، وهو طريق الفريقين إلى الجنة أو النار، يثبت عليه أقدام المؤمنين بقدرة الله عز وجل فيحملهم إلى الجنة بفضل الله تعالى، وتزل عنه أقدام المنافقين فتهوى بهم في النار بحكم الله عز وجل، وهو على متن جهنم بإذن الله تعالى، من قطعه نجا منها برحمة الله، ومن زل عنه وقع فيها بحكمة الله تعالى.
5- ويؤمن بوقوع الحساب وتفاوت الخلق فيه، فمنهم من يحاسب حساباً يسيرا، ومنهم من يدخل النار بغير حساب، وهم الكافرون، وكان إمامنا محمد سهل رحمه الله تعالى يقول: يسأل الأنبياء عن تبليغ الرسالة، ويسأل الكفار عن تكذيب المرسلين،
ويسأل المبتدعة عن السنة، ويسأل المسلمون عن الأعمال، فقولنا لقوله تبع .
6- ويؤمن بالنظر إلى الله عز وجل جلاله عيانا بالأبصار كفاحا مواجهة تكشف الحجب والأستار، بقدرة الله ومشيئته ونوره ورحمته كيف شاء، وهو معنى قول الله تعالى: ) لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ((1)، فالحسنى: الجنة، والزيادة: النظر إلى الله تبارك وتعالى، وكذلك فسره رسول الله r .
7- ويعتقد إخراج الموحدين من النار بعد الانتقام، حتى لا يبقى في جهنم موحد بفضل الله .
8- ويعتقد بشفاعة الشافعين من النبيين والصديقين، وأن لكل مؤمن شفاعة بإذن الله، فيشفع النبيون والصديقون والعلماء والشهداء وسائر المؤمنين كل واحد وسع جاهه وقدر منزلته، أجمعت الرواة بذلك عن رسول الله r في إثبات الشفاعة، وفي إخراج الموحدين من النار، وهم الجهنميون من أهل الطبقة العليا من النار، وهو معنى قول الله تعالى: ) رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ ( (2). قال أهل التفسير: ذلك عند إخراج الموحدين من النار، ويبقى الباقي لرحمة أرحم الراحمين فيخرج من النار بمشيئته وسعة رحمته وفضل فضله، من لم يشفع لهم الشافعون، ولم يقدم في الشفاعة لهم المرسلون، هكذا روينا معناه عن رسول الله r .
فهذه عقود السنة الهادية، وطريقة الأمة الراضية، وقد أجمع السلف من المؤمنين على ما ذكرناه من قبل أنه لم ينقل عن أحد منهم خلافه، ولا روي عن رسول الله r ضده، بل قد روي في كل ما ذكرناه أخبار توجب إيجابه، ومعان تشهد لإثباته، وتولى الله تعالى إجماعهم على سنة رسول الله r، كما تولى إظهار دينه على الدين كله .
أولاً: الخصال التي هي في الدنيا:
1- بأن يعتقد العبد أن الإيمان قول وعمل، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، ويقوي بالعلم ويضعف بالجهل.
2- وأن القرآن كلام الله عز وجل غير مخلوق، وعلمه القديم صفة من صفاته هو متكلم به بذاته، وفي الحديث عن رسول الله r: » ما تقرب العبد إلى الله عز وجل بأفضل من شيء خرج منه وهو كلامه «. وروينا عن ابن عباس: أن عليا رضي الله تعالى عنهما دعا عند قتال صفين: » يا كهيعص، أعوذ بك من الذنوب التي توجب النقم، وأعوذ بك من الذنوب التي تغير النعم، وأعوذ بك من الذنوب التي تهتك الحرم، وأعوذ بك من الذنوب التي تحبس غيث السماء، وأعوذ بك من الذنوب التي تديل الأعداء، انصرنا على من ظلمنا « قال الضحاك بن مزاحم: فكان علي رضي الله عنه يقدم هذه بين يدي كل شديدة. وفيما روينا عن النبي r من قوله: » أعوذ بكلمات الله وأسمائه كلها « كما قال: » أعوذ بعزة الله وقدرته « دليل أن الكلام والأسماء صفات.
وعن علي رضي الله عنه، حين حكم الحكمين فنقم عليه الخوارج ذلك فقالوا: حكم في دين الله من المخلوقين. فقال: والله ما حكمت مخلوقا، ما حكمت إلا القرآن. وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه حين سمع قرآن مسيلمة الكذاب الذي افتعله وتخرصه يضاهي به كلام الله تعالى: والله ما خرج هذا من إل ولا من تقي. قال أبو عبيدة: يعني ما خرج من الله تعالى. قال: وفيه دليل أن القرآن غير مخلوق، وأنه خرج من الله تعالى تكلم به، قال: ومن هذا قوله تعالى: ) لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً ((1)، ومعناه: الله عز وجل لا يرقبونه. وقد روينا عن رسول الله r بمعنى ذلك في قوله: » فضل كلام الله عز وجل على سائر الكلام، كفضل الله تعالى علىخلقه « وذلك أنه خرج منه، وقرأت في مصحف ابن مسعود قال: يا موسى قد فضلتك برسالاتي وبكلامي عن الناس، وهذا لا يجوز فيه إلا التكلم بالذات مع قوله سبحانه وتعالى: ) وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا ((2). قال أهل اللغة: المصدر إذا أدخل في الفعل فهو للمواجهة والوصف، لا للأمر بالفعل، ولا على المجاز.
3- ثم تسليم أخبار الصفات فيما تثبت به الروايات وصح النقل، ولا يتأول ذلك ولا يتشبه بالقياس والعقل، ولكن يعتقد إثبات الأسماء والصفات بمعانيها وحقائقها لله تعالى، وينفي التشبيه والتكييف عنها إذا لا كفء للموصوف فيشبه به، ولا مثل له فيجنس منه، ولا نشبه ونصف، ولا نمثل ونعرف، ولا نكيف .
4- ويعتقد تفضيل أصحاب رسول الله r وأهل بيته رضي الله عنهم ورضوا عنه كافة، ويسكت عما شجر بينهم، وينشر محاسنهم وفضائلهم لتأتلف القلوب بذلك. ونسلم لكل واحد ما فعله، لأنهم أوفر عقولا منا، فقد عمل كل واحد بعلمه ومنتهى عقله فيما أدى إليه اجتهاده، وإن كان بعضهم أعلم من بعض، كما أن بعضهم أفضل من بعض، إلا أن علومنا وعقولنا تضعف وتنقص عن علم أدناهم علما، كما فضلوا علينا بالسوابق سبقا.
ونقدم من قدم الله ورسوله، وأجمع المسلمون الذين تولى الله إجماعهم على الهداية، وضمن لرسوله r تفضيلا لهم وتشريفا لهم أن لا يجتمعوا على ضلالة. وقد قال علي لما قيل له: ألا تستخلف علينا؟ فقال: لا أستخلف عليكم بل أكِلُكم إلى الله عز وجل، فإن يرد بكم خيرا جمعكم بعد نبيكم على خيركم، قال إبراهيم النخعي: فلما سلم الحسن بن علي رضي الله عنهما الأمر إلى معاوية سميت سنة الجماعة، وقال له رجل: يا مذل المؤمنين، فقال: بل أنا معز المؤمنين، سمعت أبي عليه السلام يقول: لا تكرهوا إمارة معاوية فإنه سيلي هذا الأمر بعدي، وإن فقدتموه رأيتم السيوف تبدر عن كواهلها كأنها الحنظل.
فليعتقد بقلبه من رضي الصحابة وأجمعوا بإمامته على خلافته، واتفق الأئمة من أهل الشورى على تقدمته على حديث ابن عمر في التفضيل قال: كنا نقول على عهد رسول الله r: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان، فيبلغ ذلك رسول الله r فلا ينكر، وعلى حديث سفينة مولى رسول الله r قال: قال رسول الله r: .» الخلافة بعدي ثلاثون سنة، ثم تكون ملكا «
فهؤلاء الأربعة خلفاء النبوة، وهم أئمة الأئمة من العشرة، وعيون أهل الهجرة والنصرة، وخيار الخيار من الأصحاب. كما روينا عن النبي r: » إن الله عز وجل اختار أصحابي على العالمين، واختار من أصحابي أربعة فجعلهم خير أصحابي، وفي كل أصحابي خير، واختار أمتي على الأمم، واختار من أمتي أربعة قرون « فكل قرن سبعون سنة، فإنا نحن قوم متبعون نقفو الأثر غير مبتعدين بالرأي والمعقول نرد به الخير، إذ لا مدخل للقياس والرأي في التفضيل، كما لا مدخل لهما في الصفات وأصول العبادات، وإنما يؤخذ التفضيل توقيفا وتسليما، ومن طريق الإجماع والاتباع خشية الشذوذ والابتداع، لقول الرسول r: » عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، ومن شذ ففي النار « وقال تعالى في تصديق ذلك: ) وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ ( (1).
وإنما جاء الترتيب في التفضيل والخلافة مخالفا للقياس والمعقول، توكيدا للنبوة وتأييدا للرسالة، لئلا تلتبس النبوة بالملك، ولا ينحو النبي r في الخلافة نحو الأكاسرة والأقاصرة في المملكة. كما كانت النبوة مخالفة للملك، جاءت الخلافة على غير سيرة الملوك من استخلاف أبنائهم وأهل بيتهم، ولو كان للمعقول والقياس مدخل في التفضيل، لكان أفضل الناس بعد رسول الله r الحسن ابنه لأن فيه النبوة، والعباس عمه إذ فيه الأبوة، وقد أجمعوا على خلاف ذلك، وأيضا فلما سبق في علم الله تعالى يجعل هؤلاء الأربعة خلفاء النبوة بما قدر الله من أعمارهم، فلم يكن يتم ذلك إلا بترتيبهم على ما رتبوا في الخلافة، فكان آخرهم استخلافا هو آخرهم موتا، فدبَّر خلافتهم على ما علم من آجالهم، ووفى لهم بما وعدهم من استخلافهم في الأرض، كلما استخلف الذين من قبلهم من خلائف أنبيائهم السوالف، ومكَّن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وبدلهم أمنا من بعد خوفهم، كما قال الصادق فيما عهد: ) وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ((2) فذلك تأويل قوله عز وجل: ) وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ((3) الآية .
5- أن يعتقد أن الإمامة في قريش خاصة دون سائر العرب كافة إلى يوم القيامة، وأن لا يخرج على الأئمة بالسيف، ويصبر على جورهم إن كان منهم، ويشكر على المعروف والعدل، ويطيع إذا أمر بالتقوى والبر، حتى تأتيه يد خاطئة أو منية قاضية، كذلك السنة.
قال أبو محمد سهل رحمه الله تعالى: هذه الأمة ثلاث وسبعون فرقة، اثنتان وسبعون هالكة، كلهم يبغضون السلطان، والناجية هذه الواحدة التي مع السلطان، وسئل: أي الناس خير؟ فقال: السلطان. قيل: كنا نرى أن شر الناس السلطان. فقال: مهلا، إن لله تعالى في كل يوم نظرتين نظرة إلى سلامة أموال المسلمين ودمائهم، ونظرة إلى سلامة أفكارهم، فيطالع في صحيفته فيغفر له ذنوبه. وقال أبو محمد: الخليفة إذا كان غير صالح فهو من الأبدال، وإذا كان صالحا فهو القطب الذي تدور عليه الدنيا، قوله: من الأبدال، يعني أبدال الملك، كما حدثنا عن جعفر بن محمد الصادق أنه قال: أبدال الدنيا سبعة على مقاديرهم يكون الناس في كل زمان من العباد والعلماء والتجار والخليفة والوزير وأمير الجيش وصاحب الشرطة والقاضي وشهوده.
روينا في الخير: عدل ساعة من إمام عادل، خير من عبادة ستين سنة. ويقال: إن الإمام العادل يوضع في ميزانه جميع أعمال رعيته. وكان عمرو بن العاص يقول: إمام غشوم خير من فتنة تدوم.
وقال النبي r: » يكون عليكم أمراء يفسدون، وما يصلح الله تعالى بهم أكثر، فإن أحسنوا فلهم الأجر وعليكم الشكر، وإن أساءوا فعليهم الوزر وعليكم الصبر « وفي الخبر الآخر: » يليكم أمراء يقولون ما لا يعرفون، ويفعلون ما ينكرون، وفي لفظ: يفعلون ما لم يؤمروا، قلنا: أفلا نقاتلهم؟ قال: لا، ما صلوا « وفي الحديث الآخر: » ما أقاموا الصلاة « وكان سهل رحمه الله تعالى يقول: من أنكر إمامة السلطان فهو زنديق، ومن دعاه السلطان فلم يجب فهو مبتدع، ومن أتاه من غير دعوة فهو جاهل، وكان يقول: الخشيبات السود المعلقة على أبوابهم أنفع للمسلمين من سبعين قاضيا يقضون في المسجد، وقد كان أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى يقول: إذا كان السلطان صالحا فهو خير من صالحي الأمة، وإذا كان فاسقا فصالحوا الأمة خير منه، وهذا قول عدل.
6- ولا يكفر أحداً من أهل القبلة – وإن عظم ذنبه – ولا ينزله جنة ولا نارا بل يرجو له ويخاف عليه، وإن من مات مصرا على الكبائر عن غير توبة منها، في مشيئة الله تعالى إن أثبت وعيده عليه كان عدلا، وإن عفا وسمح له بحقه كان ذلك منه فضلا .
7- ولا نحكم ولا نقطع على الله تعالى بشيء، ولا نوجب لنا عليه شيئا، إنما نحن بين عدله وفضله، وبمشيئته واختياره، إن حقق علينا وعيده فنحن أهل ذلك، وإن غفر لنا فهو أهل التقوى وأهل المغفرة، كيف وقد روينا عن رسول الله r أنه قال: » من وعده الله تعالى على عمل ثوابا فهو منجزه له، ومن أوعده على عمل عقابا فهو فيه بالخيار « والحديث الآخر أن النبي r سئل عن قوله تعالى: ) وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا ((1)، فقال: » جزاؤه جهنم إن جازاه « ففي كل قضاء الله تعالى حكمة بالغة وعدل وحكم صادق وحق.
8- وأن يصدق بجميع أقدار الله تعالى، وأن خيرها وشرها من الله تعالى، وأنها سابقة في علمه جارية في خلقه بحكمه، وأنهم لا حول لهم عن معصيته إلا بعصمته، ولا قوة لهم على طاعته إلا برحمته، وإنهم لا يطيقون ما حملهم إلا به، ولا يستطيعون لأنفسهم نفعا ولا ضرا إلا بمشيئته.
ونؤمن بقدر الله وآياته في ملكه وغيب ملكوته مما ذكر في الأخبار من كراماته لأوليائه، وإجاباته لأحبائه، وإظهار القدرة للصديقين والصالحين، مزيدا لإيمانهم، وتثبيتا ليقينهم، وتكرمة وتشريفا لهم، وأنه ليس في ذلك إبطال لنبوة الأنبياء، ولا إدحاض حججهم، من قبل أن هناك غير مثبتين ولا مخالفين للأنبياء، ولا ادعوا ما ظهر بحولهم وقوتهم، ولا أظهروا دعوة إلى أنفسهم، ولا تظاهروا به، ولا اجتلابا للدنيا، ولا طلبا للرياسة على أهلها، وإنما هو شيء كشفه الله تعالى لهم من سر ملكوته كيف شاء، وأظهرهم عليه من غيب قدرته أين شاء كما شاء، تخصيصا لهم وتعريفا. وهم للأنبياء متبعون، وعلى آثارهم مقتفون، ولسنتهم مقتدون، فأتاهم الله تعالى ذلك ببركة الأنبياء، وبحسن اتباعهم لهم، ولأنهم إخوانهم أبدالا لا أشكالا لهم، وعنهم أمثالا قد تواترت الأخبار عن الصحابة والتابعين الأخيار بما ذكرناه، فغنينا بالتواتر عن التناظر.
ثانياً: الخصال التي هي في الآخرة:
1- أن يعتقد العبد مسألة منكر ونكير، يقعدان العبد في قبره سويا ذا روح وجسد فيسألانه عن التوحيد وعن الرسالة، وهي آخر فتنة تعرض على المؤمن، وهما فتانا القبر. كذلك روينا عن رسول الله r وهو معنى قول الله عز وجل: ) يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ (، قيل: عند مسألة منكر ونكير: ) وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ((1).
2- وعذاب القبر حق وحكمة وعدل على الجسم والروح والنفس، يشتركون في ذلك حسب اشتراكهم في المعصية، وإن كان نعيما كان ذلك على الجسم والروح والنفس، يشتركون في النعيم كما اشتركوا في الطاعة، وهذا من أحكام الآخرة يكون بمجاري القدرة ليس على ترتيب المعقول، ولا عرف العقول، يوصل الله العذاب والنعيم إلى الأرواح والأجسام وهي متفرقة، فيتصل ذلك بهما كأنهما متفقان، وليس في القدرة مسافة ولا ترتيب ولا بعد ولا توقيت.
3- ويؤمن بالميزان ذي الكفتين واللسان أنه حق وعدل وحكمة وفضل، كما جاء وصفه في العظم من أن طبقات السموات والأرض توزن فيه والأعمال بقدرة الله تعالى والصنج يومئذ مثاقيل الذر والخردل بحقيقة العدل، ) وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا ((2) فتكون الحسنات في صورة حسنة تطرح في كفة النور فتثقل بها الميزان برحمة الله تعالى، وتكون السيئات في صورة سيئة تطرح في كفة الظلمة فيخف بها الميزان بعدل الله تعالى.
4- ويعتقد أن الصراط حق على ما جاء وصفه في الآثار كدقة الشعرة وحد السيف، وهو طريق الفريقين إلى الجنة أو النار، يثبت عليه أقدام المؤمنين بقدرة الله عز وجل فيحملهم إلى الجنة بفضل الله تعالى، وتزل عنه أقدام المنافقين فتهوى بهم في النار بحكم الله عز وجل، وهو على متن جهنم بإذن الله تعالى، من قطعه نجا منها برحمة الله، ومن زل عنه وقع فيها بحكمة الله تعالى.
5- ويؤمن بوقوع الحساب وتفاوت الخلق فيه، فمنهم من يحاسب حساباً يسيرا، ومنهم من يدخل النار بغير حساب، وهم الكافرون، وكان إمامنا محمد سهل رحمه الله تعالى يقول: يسأل الأنبياء عن تبليغ الرسالة، ويسأل الكفار عن تكذيب المرسلين،
ويسأل المبتدعة عن السنة، ويسأل المسلمون عن الأعمال، فقولنا لقوله تبع .
6- ويؤمن بالنظر إلى الله عز وجل جلاله عيانا بالأبصار كفاحا مواجهة تكشف الحجب والأستار، بقدرة الله ومشيئته ونوره ورحمته كيف شاء، وهو معنى قول الله تعالى: ) لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ((1)، فالحسنى: الجنة، والزيادة: النظر إلى الله تبارك وتعالى، وكذلك فسره رسول الله r .
7- ويعتقد إخراج الموحدين من النار بعد الانتقام، حتى لا يبقى في جهنم موحد بفضل الله .
8- ويعتقد بشفاعة الشافعين من النبيين والصديقين، وأن لكل مؤمن شفاعة بإذن الله، فيشفع النبيون والصديقون والعلماء والشهداء وسائر المؤمنين كل واحد وسع جاهه وقدر منزلته، أجمعت الرواة بذلك عن رسول الله r في إثبات الشفاعة، وفي إخراج الموحدين من النار، وهم الجهنميون من أهل الطبقة العليا من النار، وهو معنى قول الله تعالى: ) رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ ( (2). قال أهل التفسير: ذلك عند إخراج الموحدين من النار، ويبقى الباقي لرحمة أرحم الراحمين فيخرج من النار بمشيئته وسعة رحمته وفضل فضله، من لم يشفع لهم الشافعون، ولم يقدم في الشفاعة لهم المرسلون، هكذا روينا معناه عن رسول الله r .
فهذه عقود السنة الهادية، وطريقة الأمة الراضية، وقد أجمع السلف من المؤمنين على ما ذكرناه من قبل أنه لم ينقل عن أحد منهم خلافه، ولا روي عن رسول الله r ضده، بل قد روي في كل ما ذكرناه أخبار توجب إيجابه، ومعان تشهد لإثباته، وتولى الله تعالى إجماعهم على سنة رسول الله r، كما تولى إظهار دينه على الدين كله .