آخر الأخبار
موضوعات

الثلاثاء، 9 أكتوبر 2018

- الصحة النفسية في الأسرة

عدد المشاهدات:
{ بحث بعنوان الصحة النفسية في الأسرة }

المقدمة
إن نشأة علم الصحة النفسية وتطوره يعدان من الموضوعات القديمة قدم الإنسان فالقرآن الكريم اخبرنا أن ادم عليه السلام نشأ في صحة جسمية ونفسية طيبة , كما في قوله تعالى (( لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ))             ( سورة التين / آية 4 ) .
   وقد أشارت الدراسات في الحضارات القديمة في وادي الرافدين ووادي النيل إلى الاهتمام بالصحة النفسية وعلاج المصابين بالاضطرابات العقلية وألف العلماء والفقهاء خاصة في البلاد الإسلامية العديد من الكتب التي تهتم بالصحة والمرض في الجانب النفسي والعقلي  , وعدوا المصاب بالإمراض النفسية شخصا بحاجة إلى العلاج  ومن هذا المنطلق غيروا النظرة التي كانت سائدة آنذاك والتي تعد المريض العقلي تحت تأثير الأرواح الشريرة وقاموا بتشخيص الأمراض  وتصنيفها وابتكار طرق في علاجها , ولقد أنشئت أول مستشفى للطب النفسي في بغداد سنة 793 م  ثم تبعتها مستشفيات أخرى في دمشق والقاهرة والأندلس .
    ومن أهم العلماء البارزين في ذلك الوقت العالم ابن سينا الذي وصف في كتابه ( القانون في الطب  حالات الهستريا والهوس والاكتئاب وكانت له طريقته الخاصة في العلاج) .
الأسرة هي الخلية والوحدة الاجتماعية التي يقوم عليها سلامة بنيان المجتمع.. ومن هذا المنطلق، حظيت باهتمام المفكرين من جميع الثقافات، فطالما كانت الأسرة على قدر كبير من الاستقامة والتماسك، صلحت شؤون المجتمع واستقامت أموره.. وما انحلال الحياة الاجتماعية في كثير من الدول إلا نتيجة لانحلال الروابط الأسرية وضعفها.. وهذا الانحلال والتفكك الأسري، كنا نراه في الماضي محصورًا في الدول الغربية وغير الإسلامية، إلا أنه في الآونة الأخيرة أصبح يطال بعض مجتمعاتنا العربية والإسلامية، وأصبح ضعف الروابط الأسرية هو السمة السائدة.. فلا يمكننا على هذا النحو أن نقضي على مشاكل المجتمع ما لم نعمل أولاً على حل مشاكل الأسرة وحمايتها من التشرذم والتفكك، إذ لا صلاح للمجتمع الكبير إلا بإصلاح المجتمع الصغير، وهو الأسرة.



تعريف الصحة النفسية
  أ‌-   إنها قابلية الفرد على التوافق الشخصي والاجتماعي , والتوافق يعني الانسجام والمؤازرة والمشاركة , أما التوافق الاجتماعي عبارة عن عملية تتوحد من خلالها وجهات النظر والآراء والأفكار بين الإفراد تساعد على تحقيق حد من التفاهم المتبادل المشترك بين المشترك فيما يتعلق بالأوضاع الاجتماعية المتغيرة والجديدة والتي بدورها تكون السلوك الملائم لهذا التغيير .
  ب‌-  حالة نسبية تتميز بخلو الفرد من العلامات والأعراض المرضية وحالة ايجابية موضوعية يلاحظها الآخرون , وذاتية يشعر بها الفرد نفسه فالمفهوم الايجابي للصحة النفسية يعني التوائم مع النفس والتكيف لمتطلبات الحياة ضمن إطار المجتمع الذي يضمن حصول الفرد على اكبر قدر من النجاح والشعور بالسعادة وتحقيق الفائدة بما تسمح به قدراته وإمكاناته .
علامات الصحة النفسية
يتميز الفرد السوي الذي يتمتع بالصحة النفسية بعلامات يمكن ملاحظتها وتحديدها بالرغم من تفاوت درجاتها بين فرد وآخر ومن هذه العلامات : ـ
1)    المعرفة الواقعية عن الذات و احترام وتقبل الذات بما فيها من نقاط قوة وضعف
2)    الاهتمام بالآخرين وحبهم ومساعدتهم واحترامهم .
3)   انسجام أفعال الفرد مع القيم والمعايير الاجتماعية .
4)    القابلية على عقد العلاقات الاجتماعية مع الآخرين يرضى عنها الفرد نفسه والآخرون .
5)    القابلية والقدرة على مجابهة المشكلات والأزمات وحلها حلا سلميا .
6)    الابتعاد عن السلوك الانفعالي الطفو لي والقدرة على ضبط النفس .
7)    الشعور بالاطمئنان والسعادة .
8)     القابلية على الإنتاج والعمل في حدود ما يمتلكه من قدرات ذهنية واستعداد ونشاط وتفادي المؤثرات .
9)    القابلية على اتخاذ القرار في الموقف والظرف المناسبين .
10)   العمل على توفير وإشباع الحاجات الأساسية والضرورية لحياته اليومية .
العوامل التي تؤثر على الصحة النفسية 
إن تحقيق الصحة النفسية يعتمد على عدة عوامل لا يمكن إغفالها وتؤثر بصورة متفاوتة في صحة الأفراد
1)  العوامل الوراثية :
ويسهم هذا العامل بنسبة 16 % من الإصابة بمرض الفصام إذا كان احد الوالدين مصابا بهذا المرض  .
2)   العوامل الجسمية
 إن إصابة الفرد بالإرهاق وقلة النوم والجوع تؤثر سلبا في الصحة النفسية.
3)  العوامل الاجتماعية :
وتشمل الأسرة والمدرسة والمجتمع الذي يعيش فيه الفرد فعند توافر مقومات الجو الصحي للبيت الذي تسوده السعادة والحرية والتجانس في العلاقات الأسرية وكذلك المدرسة التي تعمل على احترام الطالب وتزويده بالمعلومات والمهارة بما يلائم قابلياته وقدراته ويطورها وبالنسبة لجو العمل وما يوفره من تكافؤ الفرص مع توافر النظام , كلها عوامل تؤثر في توافق الفرد في هذه البيئات .
4)  تطمين وإشباع الحاجات الأساسية للفرد :
وتشمل الحاجات الجسمية الضرورية لمعيشة الفرد كحاجه الجوع والعطش والنوم والبرد والحر وغيرها , أما الحاجات النفسية فتشمل إشباع حاجات الأنا من الطمأنينة والحب والانتماء مع الآخرين والاستقلالية وغيرها .


الاحتياجات النفسية للفرد
إن الاحتياجات الأساسية النفسية للفرد تعتمد على : ـ
1)    تحقيق الصحة والسلامة الجسمية.
2)    إقامة العلاقات الأسرية السعيدة .
3)    سلامة البيئة بما فيها جو المدرسة والعمل .
4)    إشباع الحاجات الأساسية الجسمية والنفسية للفرد وخاصة في مرحلة الطفولة .
وهناك حاجتان أساسيتان يجب توافرهما وهما: ـ
 أ‌-   الحاجة إلى الشعور بالطمأنينة : ويمكن توافرها من خلال الحب والألفة بين الفرد وذويه من خلال العلاقات الأسرية المبنية على أساس الثقة والتعاون والتفاهم والعلاقات الصحية السعيدة في مرحلة الطفولة والتي تعد الأساس الذي تبنى عليه العلاقات الاجتماعية عند الكبر .
  ب‌-  الحاجة إلى الأهمية والانتماء :ـ وإشباع هذه الحاجة يؤدي إلى الكفاية وتماسك الذات خاصة في مرحلة الطفولة ويكون للوالدين دور أساسي ومهم في تعزيز هذا الجانب من خلال إظهار الاهتمام والعناية وتقديم الدعم والتشجيع ومكافأته للأعمال الجيدة التي يقوم بها ,وهذا يساعد على تعزيز السلوك الجيد وتحسين قابلياته على التكيف والتوافق لمواجهة مختلف المواقف عند الكبر, وهذه الحاجات ذكرها العالم              ( ماسلو , Maslow    ) في ترتيب هرمي كما موضح في الشكل التالي .
*حاجة
* تحقيق الذات
 * حاجات التقدير 
  *حاجات الانتماء والحب            * حاجات الأمن
*لحاجات الفسيولوجية                   *  مدرج الحاجات عند العالم ماسلو

الوقاية من الأمراض النفسية
  إن الوقاية من الأمراض النفسية تعتمد على تجنب الأسباب التي افترضت كعوامل محدثة للمرض , فمثلا الذين يعدون المرض النفسي نتيجة لتعلم عادات سيئة ,يعدون الوقاية هي التركيز على تربية الطفل على عادات صحيحة وسليمة , وبصورة عامة فأن مفهوم الوقاية يعني الحفاظ على الصحة النفسية  ومراعاة النمو السليم .
وهناك ثلاث مستويات للوقاية في مجال الصحة النفسية وهي:ـ
      أ‌-   الوقاية الأولية: ـ وتهدف إلى تقليل احتمال حدوث المرض النفسي والعقلي.
    ب‌-  الوقاية الثانوية:ـ ويهدف هذا النوع من الوقاية إلى علاج الاضطرابات والأمراض النفسية من خلال توفير الخدمات والعلاج النفسي في المستشفيات  والعيادات الخارجية والمصحات النفسية الخاصة
   ت‌-  الوقاية الثلاثية : ـ  يهدف هذا النوع إلى تقليل تدهور الحالات المرضية إلى اقل حد ممكن والعمل على تنمية ما لدى المرضى من قدرات وإمكانيات والعودة بهم إلى حالة التوافق والصحة النفسية الممكنة وذلك عن طريق التأهيل وإعادة التعلم وإعادة التطبع الاجتماعي التي يبدأ العمل بها منذ اليوم الأول لتشخيص المرض النفسي .


الأسرة الصالحة:
قبل أن نتعرف على عوامل التوتر والتفكك الأسري، لا بد من الحديث قليلاً عن الأسرة الصالحة والسعيدة.
فهي عبارة عن وحدة حية مكونة من مجموعة أفراد «الزوج والزوجة والأطفال»، تتفاعل مشاعرهم، وتتحد أمزجتهم، وتنصهر اتجاهاتهم، وتتفق مواقفهم، وتتكامل وظائفهم، وتتوحد غاياتهم، وتكون المودة والسكينة والرحمة هي المظلة التي يستظل بها الجميع، خاصة الزوجين: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون} (الروم:21).

ومقومات الأسرة الصالحة تتلخص فيما يأتي:
1- التكيف والتوافق الاجتماعي والوجداني والنفسي.
2- توفر المستوى المعيشي المناسب وأسباب الاستقرار العائلي، وذلك من حيث المأوى، وموارد الدخل، ونظام الأمن العام.
3- اكتمال هيئة الأسرة، من حيث وجود الأب والأم والأولاد، لأن انعدام أي عنصر من هذه العناصر يضر بوحدة الأسرة، ويقضي على الوظائف الطبيعية والاجتماعية التي كانت تؤديها.
وفي حالة العقم وعدم الإنجاب، يمكن للأزواج التكيف والتوافق بدون وجود ذرية، ولا شك أن العمق الإيماني يعتبر المحك الرئيس الذي يحدد هذا الجانب.
4- تكامل الأسرة، من حيث توحد الاتـجاهات والـمواقـف بيـن عناصرها، ومن حيث التماسـك والتضامن في الوظـائف والعـمـل الـمشترك، والاتـجاه نحو غايات وأهداف واحدة، ومن حـيث التـكتل والتـحفز لـدرء أي خطر خارجـي يـهدد كيان الأسرة أو ينال من عناصرها.
5- التمسك بمقاصد الشرع الإسلامي الحنيف، وأن تكون العلاقة بين أفراد الأسرة وتربية الأولاد قائمة على الأسس الإسلامية الصحيحة، مع ضرورة احترام القانون العام وآداب السلوك وقواعد العرف والتقاليد الحميدة ومستويات الذوق العام، ومن حيث إرساء العلاقات المتبادلة بين عناصر الأسرة على قواعد الاحترام والإخلاص والمحبة والإخاء.
6- تجنب حدوث التحالفات والتكتلات الداخلية في الأسرة، مع إتاحة الفرصة لكل فرد كي يضطلع بأداء دوره الأسري بصورة إيجابية تصب في مصلحة النسيج والخلية الأسرية كوحدة واحدة.
7- مواجهة وتيرة التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وطفراتها بالحذر والحكمة المطلوبة، ومحاصرة صراع الأجيال، الذي أصبحنا نرى بوادره خاصة في منطقة الخليج، ولابد أن تكون المرجعية الإسلامية هي الأساس في هذه المواجهة.

مظاهر التفكك الأسري
تؤكد الكثير من الدراسات والإحصاءات أن التوتر والتفكك الأسري أصبح ظاهرة لا يمكن تجاهلها وغض الطرف عنها.. ويظهر هذا التفكك والتوتر والخلخة والفوضى الأسرية في المظاهر التالية:
1- ارتفاع منسوب ومعدلات الطلاق.. فمن بين كل ثلاثة زيجات تنتهي واحدة بالطلاق.. وكذلك يلاحظ ارتفاع نسب العنوسة، وميل سن الزواج إلى الارتفاع مقارنة بالماضي.
2- تفكك وتفسخ العلاقات العائلية، وتباعد أعضائها، بعضهم عن بعض.
3- تراجع مكانة الثقافة الإسلامية والعربية، مع اشتداد حدة الجدل والاضطراب والتأثر بالخارج، وذلك نتيجة تحلل القديم وعدم تبلور الجديد.
4- انتشار مظاهر البذخ والترف والخمول، وشيوع قيم الاستهلاك على حساب قيم العمل والإنتاج والاعتماد على الذات والادخار والتقشف والبسـاطـة فـي العيـش، وعـدم مـعرفــة الأسبقـيات والأوليات.
5- التأثر بالثقافات الأجنبية الوافدة، من دون أخذ ما هو صالح وترك ما هو طالح، عملاً بأن «... الحكمة ضالة المؤمن فحيث وجدها فهو أحق بها.
6- اضطراب الصحة النفسية لدى الكثيرين، وظهور الأمراض النفسية والانحرافات، خاصة بين الأطفال والأحداث والشباب، وكذلك انتشار ظاهرة تعاطي المخدرات والمسكرات والسلوك الإجرامي.
ولا شك أن تفسخ الأسرة واهتزاز القيم وازدواجية الهوية، هي المسبب الأساس لكل ذلك.
7- انحسار دور الأسرة الممتدة، وتعاظم دور الأسرة الصغيرة، وعدم الاهتمام بكبار السن وإيفائهم حقهم وبرهم.
8- تخلي المرأة عن دورها المنزلي بدرجة كبيرة، مما نتج عنه قصور واضح في رعاية أعضاء الأسرة وشؤون التربية والتنشئة، علمًا بأن دور المرأة في المجتمع لا يتعارض مع صحيح الدين.
أسباب التفكك الأسري
بعد أن تعرفنا على بعض مظاهر التفكك الأسري، لا بد من الخوض في أسباب هذا التفكك، حيث إن الأسرة تمثل أحد المحددات المهمة في الصحة النفسية وهو المحدد الثقافي، وذلك نظرًا للأثر البالغ الذي تتركه الأسرة على شخصية أبنائها، سواء على النحو الصحي، أو على النحو المرضي.
فالأسرة هي وحدة المجتمع الأولى، وهي الواسطة أو حلقة الوصل بين الفرد والمجتمع، أي الرابط بين الثقافة والشخصية.. والأسرة هي الوسط الإنساني «الأولي»، الذي ينشأ فيه الطفل، ويكتسب في نطاقه أول أساليبه السلوكية التي تمكنه من التوافق مع المجتمع.
والأسرة قد تبدأ مفككة قبل أن تتكون أصلاً، ويتمثل هذا في التفكير في الزواج دون الاستعداد النفسي والاجتماعي له، ولا أرى أن الاستعداد المالي ذو أهمية، وإن كان مما يؤسف له أن المكون المالي والإمكانات المالية، أصبحت تمثل عائقًا أساسًا أمام الزواج في كثير من مجتمعاتنا الإسلامية والعربية.. والاستعداد النفسي الصحيح هو اللبنة الأولى إلى عملية الاختيار الزواجي، والتي هي حجر الزواية، فإن كان الاختيار صحيحًا كان الخير والسعادة كلها، وإن كان اختيار الزوجة قائمًا على مفاهيم سطحية ومادية وعاطفية فقط كان التوتر والتفكك قبل أن تتكون الأسرة أصلاً.. ولم أجد مرجعًا أو مقياسًا يمكن الرجوع إليه في اختيار الزوجة أفضل من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك.
ضعف ووهن الرابطة الزوجية:
ويأتي هذا الضعف والوهن كنتيجة لكون كلٍ من الرجل والمرأة مستقلاً عن بعضه، خاصة من الناحية الاقتصادية، وهذا لا يعني بالضرورة أن تكون المرأة عاملة، فالمرأة غير العاملة أيضًا ربما تحاول وتسـعى للاستـقلال الاقتــصادي، وذلك بتوجـيـه جزء كبـير من دخـل الأسرة لمنصرفاتها الخاصة، واهتمامها بقضايا انصرافية، خاصة فيما يخص لباسها وزينتها وعلاقاتها الاجتماعية.. وقد رأينا كثيرًا من النساء يرغبن في القيام بأداء أدوار اجتماعية مميزة لإثبات الذات والشخصية، في حين أنهن يفتقدن المقومات الأساس لذلك.
ولا شك أن مثل هذه التصرفات والمواقف من جانب المرأة، تكون على حساب البيت والأطفال، وقد يساهم الزوج بصورة شعورية أو لا شعورية في تمادي زوجته، حتى وإن كان قد أحسن الاختيار، وذلك باتباع أسلوب التهاون والمهادنة والنكران والهروب، الأمر الذي يؤدي إلى اضطراب المقومات الأساس لمعيشة الأسرة، خاصة من ناحية الاستقرار وأداء الأدوار.
الفوارق الشاسعة بين الزوجين:
تدل الكثير من الدراسات الاجتماعية والنفسية على أن الفارق السِّني (العمري) الكبير بين الزوجين، وكذلك الفوارق التعليمية أو الفوارق المادية والاجتماعية، ربما تمثل عاملاً مهمًا في التوتر الأسري والتفكك والتمزق في كيان الأسرة لدى بعض الأسر.
والفوارق التعليمية ظاهرة معروفة، وكانت في السابق وسيلة لترابط الأسرة، حيث يكون الرجل أكثر تعليمًا، ويكون حظ الزوجة في التعليم أقل، وهذا يساعد كثيرًا في أمر تثبيت وتدعيم قوامة الرجل، وعليه تقل التوترات داخل الكيان الأسري.
- غياب رب الأسرة خارج البيت لساعات طويلة:

تعتمد ديناميكية المؤسسة الأسرية على روابط الشراكة القائمة بين مؤسسيها (الزوجين).. ويكتمل دور هذه المؤسسة بدخول المساهمين الآخرين وأهمهم الأطفال.. ورب الأسرة هو المحور الأساس الذي ترتكز عليه بقية المحاور.. والرجل الذي يتفانى ويسخِّر كل طـاقاته العـاطـفية والوجدانية والتربوية والاقتصادية من أجل أسرته، لا شك أنه بذلك يؤدي الدور الأساس في تماسك الأسرة، وتوازن أبعادها الاجتماعية والتربوية.
وبالمقابل، فإن غياب رب الأسرة خارج البيت لساعات طويلة، ينتج عنه نتائج سلبية وأضرار بالغة على استقرار الأسرة.. وغياب الرجل خارج البيت أصبح ظاهرة تهدد كيان بعض الأسر.. فهذا الغياب ربما يكون بحجة ساعات العمل الطويلة، أو إدارة الأعمال الخاصة، وأسوأ من ذلك هو الغياب في مجالسة الأصدقاء، أو بقصد اللهو، أو ما شابه ذلك.
وربما يكون غياب الأب من البيت بقصد الهرب من المسؤوليات الأسرية.. فمثل هذا الأب ليس له حضور فعلي في المواقف المهمة التي تؤثر على تنشئة الطفل، كما أن غياب الزوج من البيت لساعات طويلة، خاصة إذا لم يكن لهذا الغياب ما يبرره، سوف يؤدي إلى تأجج الانفعالات من جانب الزوجة، وسوف تسيطر عليها الغــيرة، وتــلجأ لمـحاسبة الـرجـل عـلـى تصـرفاتـه داخـل وخـارج نطـاق الأســرة، بكثير من الـدقة، والـخوف الشديد عـليه مـن اختــلاطــه أو مجالسته «للغير»، وملاحقة حركاته وسكناته، وتأويل اتجاهاته.. كل هذه الأمور وما شابهها، يسيئ إلى العلاقات الزوجية، ويجعل كلاً من الزوجين يضيق ذرعًا بالآخر، ويرميه بعدم الاهتمام والوفاء، ويكون هذا سببًا مباشرًا في نشأة حالة «التوتر» وزيادة شدتها.
هناك نوع من الغياب تفرضه ظروف شرعية ومنطقية، مثل الرجل الذي لديه أكثر من زوجة، فهنا يكون العدل والإنصاف هو السبيل الوحيد لإيفاء الزوجات والأولاد حقوقهم، وقضاء وقت أطول معهم.. إلا أنه وبكل أسف، قد استُغل أمر مقاصد الشريعة الإسلامية من إباحة التعدد بطريقة سيئة من بعض الرجال.. فها هو المطلاق المزواج، وكذلك الباحث عن المنافع الدنيوية والاقتصادية فقط، وغير ذلك، تجد في عصمته أكثر من زوجة، والعديد من الذرية، لكن تجده غير عادل، ولا يقضي وقته مع أولاده بصورة منصفة بقدر المستطاع، وربما يقضي الكثير من الوقت خارج البيت فيما لا يفيد.
ومن الظواهر غير المحمودة، وتضر بالأسرة، وربما تؤدي إلى تفككها، أن بعض الآباء يستخدمون المال كبديل عن العاطفة الفعلية، فمثلاً هنالك الأب الذي يعطي أي مبلغ من المال حين يطلبه أبناؤه، لكن ليس لديه الاستعداد أن يجلس مع هذا الابن لنصف ساعة فقط، يسأله عن شؤونه ويفيض عليه بعاطفة الأبوة.
وسائل الإعلام الحديثة:
كثر الحديث، كما كثرت البحوث والدراسات التي تجرى حول دور وسائل الإعلام الحديثة، وأثرها على مرافق الحياة المختلفة، خاصة وأن الأسرة هي صاحبة النصيب الأكبر من التأثيرات التي تنتج عن هذه الوسائل.. ولا أحد يستطيع أن ينكر الأدوار الإيجابية لهذه المرافق في بعض مناحي الحياة، إلا أن التأثير السلبي أصبح أكثر وضوحًا، خاصة بعد استحالة التحكم فيما تحمله الفضائيات والإنترنت من ثقافات أخرى أضرت بالكثير من القيم التي تتمتع بها الأسرة الإسلامية العربية.
وقد أثرت وسائل الإعلام الحديثة، خاصة غير المنضبطة منها، على قيم التضامن العائلي، وقيم الاحترام المتبادل، وأخلت بمعايير الحلال والحرام، والطبيعي والشاذ، والمقبول وغير المقبول.. وتوجد الآن دراسات تؤكد أن الجلوس أمام أجهزة «الكمبيوتر» والدخول إلى شبكة الإنترنت لأوقات طويلة، خاصة بالنسبة للأطفال والشباب، يولد فيهم روح السلبية والقصور، وينشط لديهم صفات الشخصية الانطوائية والاعتمادية، التي تفتقد الهمة وروح الجد والمثابرة.
إلى جانب ذلك، فإن الجلوس لساعات أمام هذه الوسائل الإعلامية يحرم أفراد الأسرة من التفاعل مع بعض، وربما يفرض أحد أفراد الأسرة على بقية أعضاء الأسرة برامج خاصة تبثها إحدى محطات التلفزة، وبهذا يلحق الضرر بهؤلاء الأفراد، خاصة إذا كان هذا الفرد يمثل التيار القوي في داخل الأسرة.. وكثيرًا ما تؤدي مثل هذه المواقف إلى صراع القيم، خاصة بين الأطفال، مما يضر مستقبلاً بقضية الهوية والانتماء لدى هؤلاء الأطفال.
الخدم داخل البيوت وغياب الأمومة تربويًا ولغويًا:
أكدت الدراسات العربية والإسلامية، وخاصة الخليجية منها، وضوح ظاهرة الخادمات والمربيات الأجنبيات في البيت الخليجي، حيث أصبح وجود الخادمة أو المربية أمرًا ضروريًا إلى حد بعيد، يصعب الاستغناء عنها في ظل الظروف الراهنة.. ولا نستطيع القول بمحدودية تأثيرهن على الطفل في البيت الخليجي، نظرًا لاتساع مجال التفاعل من ناحية، والدور الحيوي الذي تضطلع به هذه الفئة في تربية الطفل وتنشئته ورعايته من ناحية أخرى.
وقد أشارت الكثير من الدراسات التي أجريت في منطقة الخليج إلى مساوئ المربيات والخادمات، وإن كانت بعض الدراسات، خاصة من الكويت، قد أشارت إلى إيجابياتهن، فقالت بأنه لا توجد آثار سلبية على الأبناء من وجود المربيات الأجنبيات، خاصة في مظاهر النمو بالطفولة المبكرة واتجاهات الوالدين.. ومهما ذهبت هذه الأبحاث إلى القول بمحدودية التأثير أو ضعفه، فإن هذا لا يمكن الأخذ به وإطلاقه على المجتمع الكويتي بأسره، ولا أدل على ذلك من الأبحاث الأخرى التي أجريت في الكويت نفسها، والتي أكدت على وجود الكثير من السلبيات المرتبطة بوجود الخادمات داخل البيوت.

من سمات الأسرة المسلمة:
وفيما يلي محاولة لتلمس بعض الملامح والسمات التي تتصف بها الأسرة الإسلامية والعربية في كثير من الأحيان:
1- إننا كثيرًا لا نعترف بالمرض النفسي، أو ننكر على أي إنسان الحق في أن يتألم نفسيًا.
2- مشكلتنا أننا لا نهتم إذا عبر أحد أعزائنا عن معاناته النفسية، ولكننا ربما نعطي اهتمامًا سخيًا إذا اشتكى عضويًا.
3- مشكلتنا أن سخـاءنا مادي، واهتمامنا محدود بالمعنويات، معاناة وعطاء.
4- مشكلتنا في كثير من الأحيان أننا نرفض أن نعرف، بل ونقاوم بشدة من يحاول أن يأخذ بأيدينا لنعرف، ونظل متشبثين ببعض الأمور القديمة البالية.
5- مشكلتنا الكبرى هي اختفاء الحوار في البيت الإسلامي العربي.. وبالتالي كلامنا النافع الذي يلبي الحاجات النفسية لأفراد الأسرة قليل، ولذا فإن تعبيرنا عن متاعبنا معدوم.
6- قليلون جدًا الذين يعرفون شيئًا عن الطب والصحة النفسية.. وما يعرفونه قليل جدًا، وهو مأخوذ عن أجهزة الإعلام، وكثـيرًا ما تنقصه الدقة.
7- من مشاكلنا أن مفهوم العلاج الديني اختلط لدى الكثيرين، وتم استغلاله لمنافع دنيوية من آخرين، وقد حمّلنا العين والسحر والمس فوق طاقتها، وهذا أنسانا الرُّقى' الشرعية والمعلوم من الدين بالضرورة.
8- من مشاكلنا أننا نرتكب أخطاءً تربوية كبيرة، خاصة حين نعامل أطفالنا كشريحة واحدة، ويفوت علينا أن لكل طفل كيانه ووجدانه ودرجة استعداده الخاصة به، فهناك من يفيد معه التشجيع، وآخر لابد أن يكون أسلوب الترهيب هو الأنفع معه، وثالث بين هذا وذاك، وهكذا.

موقف البيت العربي من الطب النفسي:
ومن خلال التجارب والخبرة في التعامل مع المريض العربي بصفة عامة، يمكن أن نلخص موقف البيت العربي من الطب النفسي على النحو التالي:

1- مازالت زيارة الطبيب النفسي من الأشياء المفزعة، التي تهز الأسرة، وترفضها بشدة في البداية.. فإذا اشتكى عضو في الأسرة من مشكلة نفسية وتجرأ وطلب زيارة الطبيب النفسي، فإن رد الفعل الأول والتلقائي من الأسرة هو الرفض بشدة، ومحاولة تهوين الأمر بأن الحالة لا تستحق استشارة طبيب.
2- بعض الناس الذين يتألمون نفسيًا يترددون كثيرًا في زيارة الطبيب النفسي، خشية افتضاح أمرهم.. فهذه الزيارة تعني أنهم مصابون بالجنون.. فلدى بعض الناس تصور خاطئ، وهو أن كل من يزور الطبيب النفسي مختل عقليًا.
3- والذي يزور العيادة النفسية من المرضى النفسيين يجـيئ بعـد تردد طــويل، وبعد معانـاة أطـول، استهلكت وقته وصحته وأمنه وسعادته.
4- وإذا عاد المريض بدواء قرره له الطبيب النفسي، فإن الأسرة تفزع مرة ثانية.. وبناء على معلومات خاطئة، يتصورون أن هذه الأدوية تسبب الإدمان، ويتبارون في نصح المريض بعدم تعاطيها، ويشككون فيها، وبذلك يزيدون من حيرته ومعاناته.. بعضهم يتصور أنها تؤذي المخ أو الكبد وأنها نوع من المخدرات التي ربما تفتك به.
5- وفي الحالات التي تقتنع فيها الأسرة بأهمية العلاج، وخاصة في حالة الـمريض العقلي، فإن الأسرة تنصح أو تأمر مريضها بالتوقف عن العلاج بعد فترة معينة، إذ يكون المريض قد أظهر تحسنًا، ولا يدرون ضرورة في استمراره على العلاج.. والنتيجة طبعًا هو تدهور حالة المريض مرة أخرى.
6-مـع ظهور أي أعـراض جـانـبـية فـي بـدايـة العـلاج، حـتى ولـو كانت بسيطة، فإن الأسرة تمنع مريضها من الاستمرار في العلاج، أو قد يتوقف المريض ذاته عن استعماله، وقد لا يعاود الاتصال بالطبيب أو زيارته مرة أخرى، وقد يذهبون به إلى طبيب ثان وثالث.
7- زيارة الطبيب النفسي قد تكون بداية لمشاكل جديدة في حياة الأسرة.. فالزوجة يضايقها أن يذهب زوجها إلى طبيب يحكي له مشاكله، وقد تكون هذه المشاكل مرتبطة بحياته الزوجية.. والزوج يزعجه أن تفضي زوجته للطبيب بأسرارها. ولذا يحاول الطرف السليم أن يفت في عزم شريك حياته المريض ويثنيه عن الذهاب إلى الطبيب، أو إنهاء العلاج قبل أن يتم، وإذا وجد معارضة، فإنه يبدي تذمره وعدم ارتياحه، وذلك مما يخلق صراعات جديدة.






الأسرة المنتجة للمرض النفسي:
الأسرة المنتجة للمرض، فرض يطرحه بعض علماء النفس والأطباء النفسيون معًا، وذلك بعد أن اكتشفوا من خلال الدراسة والعلاج الدور الكبير الذي تلعبه الأسرة في اضطراب الفرد، وهم بذلك يعطون لبنية الأسرة وظروفها الاقتصادية والاجتماعية بصفة عامة ثقلاً خاصًا في توفير الصحة أو نشأة المرض.
وفرض «الأسرة المنتجة للمرض»، يقوم على أساس أن هناك بعض الأسر -بحكم بنيتها- أسر غير سوية.. ويفصح عامل اللاسواء في الأسرة عن نفسه من خلال أحد الأبناء.. وعادة ما يكون هذا الابن أكثر الأبناء تهيأً للإصابة بالمرض، وقد يكون أساس هذا التهيؤ وراثته لقدر أكبر من الاستعداد للمرض.
وطبقًا لهذا الفرض، فإن مرض الفرد في هذه الحالة مرض أسرة بكاملها، أفصح عن نفسه من خلال أضعف الحلقات في الأسرة، وهو الطفل الأكثر تهيأ للاضطرابات.
ويلاحظ أن معظم الدراسات والبحوث التي تمت في إطار فرض «الأسرة المنتجة للمرض» تمت على مرضى «الفصام»، وهو مرض عقلي رئيس.. وقد ركز «هندرسون» في أبحاثه، على العوامل البيئية، وفي مقدمتها الأسرة، واعتبر أن «باثولوجية» العصاب هي أساس «باثولوجية» العلاقات البيئية الشخصية.. وخصت معظم هذه الدراسات الأم بقدر أكبر من عامل اللاسواء، وبالتالي النصيب الأوفى من مسؤولية اضطراب الطفل.

الخاتمة
تعديل العوامل البيئية داخل المنزل وخارجه ، وشغل وقت الفرغ والترفية المناسب والرياضة والنشاط الاجتماعي . وتوفير الرعاية الاجتماعية للحدث الجانح في الأسرة والمدرسة أو المؤسسة ، واستخدام كافة امكانيات الخدمة الاجتماعية المتيسرة في المجتمع . والايداع في المؤسسات للتأهيل النفسي والتربوي والمهني ، وإعادة التطبيع الاجتماعي وتعديل الدوافع والاتجاهات في ضوء دراسات وخطط علاجية مدروسة والعمل مع الجانحين على أساس من الفهم والرعاية بهدف الاصلاح والتقويم وليس العقاب
كما وتؤثر العلاقات بين الاخوة على الصحة النفسية حيث العلاقات المنسجمة بين الاخوة الخالية من تفضيل طفل على طفل او جنس على جنس المشبعة بالتعاون الخالية من التنافس تؤدي الى النمو النفسي السليم للطفل .والعلاقات بين الاسرة والمدرسة مهمة للغاية وخاصة علاقات التعاون لتبادل المعلومات والتوجيهات فيما يتعلق بنموالطفل. وتقوم مجالس الاباء والمعلمين بدوركبير في هذا الصدد.كما انها تؤثر على النمو النفسي (السوي وغيرالسوي) للطفل في تكوين شخصيتة اضافة الى ان الاسرة السعيدة تعتبر بيئة نفسية صحية للنمو وتؤدي الى سعادة الطفل اما الاسرة المضطربة تعتبر بيئة نفسية سيئة للنمو .فهي تكون بمثابة مرتع خصب للانحرافات السلوكية والاضطرابات النفسية والاجتماعية وبالتالي يؤدي ذالك الى عدم انتظام شخصية الطفل وتدهورها التدريجي لذا تعتبر الاسرة واحدة من المقومات الاساسية الهامة في عملية تكوين الشخصية المتكاملة واعداد انسان صحيح نفسيا قادر على تحمل المسؤلية الاجتماعية.وأخيراً مع حبي وتقديري بمناسبة اليوم العالمي للطفل .

التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:




شارك فى نشر الخير