عدد المشاهدات:
حقيقة الاستقامة على الطاعة المداومة على القيام بحقِّها من غير إخلالٍ بها ، فلا يكون في سلوك نهج الوِفاقِ انحرافٌ عنه،والاستقامة طريق المعرفة.
المعرفة هي:
قال يحيى بن معاذ: المعرفةُ قربُ القلب إلى القريب ، ومراقبة الروح للحبيب ، والانفراد عن الكل بالملك المجيب .
وقال ذو النون: هي تخلية السر عن كل إرادة ، وترك ما عليه العادة ، وسكون القلب إلى الله بلا علاقة.
وقال بعضهم: هيئتها جنون ، وصورتها جهل ، ومعناها حَيْرة ؛ فإن العارف يشغله علم الله تعالى عن جميع الأسباب ، فإذا نظر إليه الخَلْق استجهلوه ، ويكون أبداً في ميدان العظمة ولِهاً بين الخَلْق ، فإذا رأوه استجنُّوه ، ويكون بكلّيته فانياً بحب جلال عظمته تعالى ، مشغولاً عن مَن سواه ، فإذا أبصروه استدهشوه ، ولا يقدر أحد أن يُخبِر عن المعرفة بالله تعالى ، فإنها منه بَدت وإليه تعود .
فالعارف فانٍ تحت اطِّلاع الحق تعالى ، باقٍ على بساط الحق بلا نفس ولا سبب ، فهو ميّتٌ حي ، وحيٌّ ميّت ، ومحجوبٌ مكشوف ، ومكشوفٌ محجوب ، تراه والهاً على باب أمره ، هائماً في ميدان برّه، مدْلالاً تحت جميل ستره ، فانياً تحت سلطان حكمه ، باقياً على بساط لُطفه .
العارفون صارت أنفسهم فانية تحت بقائه وسلطانه عن كل حول وقوة ، تراهم باقين بحوله وقوته ، متلاشين عن كونهم وأسبابهم تحت جلال ألوهيته ، ملوكاً به دون مملكته ، فقرهم به وغناهم به ، وعزّهم به وذلّهم به.
يُروَى أن الله تعالى أوحى إلى داود عليه السلام : يا داود اعرفني واعرف نفسك. فتفكّر داود فقال: إلهي عرفتك بالفردانية والقدرة والبقاء ، وعرفت نفسي بالعجز والفناء. فقال : الآن عرفتني. وروي في الخبر: لو عرفتم الله تعالى حق معرفته لعلمتم العلم الذي ليس بعده جهل ، ولزالت الجبال بدعائكم مع أنه لا ينتهي أحد ولا يبلغ منتهى معرفته أن الله تعالى أعظمُ من أن ينتهي أحد إلى منتهى معرفته.
وقال الإمام جعفر الصادق عليه الرضوان والسلام: لا يعرف الله حق معرفته من التفت منه إلى غيره ، المعرفة هي طيران القلب في سرادق الأُنس والألفة ، جوّالاً في حُجُبِ الجلال والقُدرة ، وهذه حالة من صُمَّت أذناه عن البطالات ، وعميت عيناه عن النظر إلى الشهوات ، وخرس لسانه عن التكلم بالتُّرُّهات.
سُئل محمد بن واسع : هل عرفت ربك ؟ فسكت ساعةً ثم قال : من عرف الله تعالى قلَّ كلامُهُ ، ودام تحيُّره ، وفني عن صور الأعمال ، وتحيّر مع الاتصال ، مُتقرِّباً في جميع الأحوال ، منقطعاً عن الحال إلى وليّ الحال ، فإن الأمور بحقائقها لا بالحسِّ وصورها.
قال أبو يزيد رحمه الله تعالى: ليس على تحقيق بالمعرفة ، من رضي بالحال دون ولي الحال . فإن من عرف الله كَلَّ لسانُه ، ودهش عقله . العارف إن تكلم بحالِه هَلَكْ، وإن سكت احترق .
قال أبو بكر الواسطي: المعرفة على وجهين: معرفة الإيقان ، ومعرفة الإيمان ، فمعرفة الإيمان شهادةُ اللسان بتوحيد المَلِك الديّان ، والإقرارُ بصدق ما في القرآن ، وأما معرفة الإيقان فهي دوام مشاهدة الفرد الديّان بالجَنان.
وقال بعضهم : هي على ضربين :
الأول: هو أن يعرف أن النعمة من الله تعالى ، قال الله تعالى : (وما بكم من نعمةٍ فمن الله) فيقوم بشكره ، فيستزيد به النعمة من الله بدليل قوله تعالى : (لئن شكرتم لأزيدنكم).
الثاني: رؤية المُنعِم من غير أن يلتفت إلى النعمة فيزيد شوقه إلى المُنعِم ، ويقوم بحق معرفته ومحبته ، وذلك قوله تعالى: (يا أيها النبي حسبك الله) ، (فإن تولّوا فقل حسبي الله)
وقال ذو النون المصري: هي على ثلاثة أوجه :
أولها: معرفة التوحيد ، وهي لعامة المؤمنين :
والثاني: معرفة الحُجّةِ والبيان ، وهي للعلماء والبلغاء والحكماء
والثالث: معرفة صفات الفردانية ، وهي لأهل ولاية الله تعالى وأصفيائه الذين أظهر الله لهم ما لم يُظهر لمن دونهم ، وأعطاهم من الكرامات ما لم يجز أن يوصف ذلك بين يَدَيْ مَن لا يكون أهلاً له ؛ خصّهم الله من بين الخلائق واصطفاهم لنفسه واختارهم له ، فحياتهم رحمة ومماتهم غبطة ، طوبى لهم .
وقال غيره: هي على وجهين :
معرفة التوحيد ، وهو إثبات وحدانية الواحد القهّار
ومعرفة المزيد ، وهي التي لا سبيل لأحد إليها .
حكي عن عبدالباري قال: خرجت مع أخي ذي النون فإذا نحن بصبيان يرمون واحداً بالحجارة ، فقال لهم أخي: ما تريدون منه ؟ قالوا: هذا رجلٌ مجنون ، ومع ذلك يزعم أنه يرى الله تعالى ، قال: فدنونا منه ، فإذا هو شابٌ وسيم ، ظهر عليه سيما العارفين ، فسلَّمنا عليه ، وقلنا: إنهم يزعمون أنك تدَّعي رؤية الله تعالى ، فقال: إليك عني يا بطّال، لو فقدته أقل من طرفةِ عينٍ لَمُتُّ من ساعتي ، وأنشأ يقول:
طَلَبُ الحبيبِ مــن الحبيبِ رضاهُ
ومُنى الحبيبِ من الحبيبِ لقاهُ
أبـــــداً يلاحِظُـــــه بعَيني قلبــــــهِ
والقـلبُ يعـرفُ ربَّهُ ويــــراهُ
يرضَى الحبيبُ من الحبيبِ بقربه
دونَ العبادِ ، فما يريدُ سِــواهُ
فقلت له: أمجنون أنت ؟ فقال: أمّا عند أهل الأرض فنعم ، وأما عند أهل السماء فلا ، قلتُ: فكيف حالك مع المولى ؟ فقال : منذ عرفته ما جفوته ، فقلت منذ كم عرفته ؟ قال: منذ جعل اسمي في المجانين.
المعرفة هي:
قال يحيى بن معاذ: المعرفةُ قربُ القلب إلى القريب ، ومراقبة الروح للحبيب ، والانفراد عن الكل بالملك المجيب .
وقال ذو النون: هي تخلية السر عن كل إرادة ، وترك ما عليه العادة ، وسكون القلب إلى الله بلا علاقة.
وقال بعضهم: هيئتها جنون ، وصورتها جهل ، ومعناها حَيْرة ؛ فإن العارف يشغله علم الله تعالى عن جميع الأسباب ، فإذا نظر إليه الخَلْق استجهلوه ، ويكون أبداً في ميدان العظمة ولِهاً بين الخَلْق ، فإذا رأوه استجنُّوه ، ويكون بكلّيته فانياً بحب جلال عظمته تعالى ، مشغولاً عن مَن سواه ، فإذا أبصروه استدهشوه ، ولا يقدر أحد أن يُخبِر عن المعرفة بالله تعالى ، فإنها منه بَدت وإليه تعود .
فالعارف فانٍ تحت اطِّلاع الحق تعالى ، باقٍ على بساط الحق بلا نفس ولا سبب ، فهو ميّتٌ حي ، وحيٌّ ميّت ، ومحجوبٌ مكشوف ، ومكشوفٌ محجوب ، تراه والهاً على باب أمره ، هائماً في ميدان برّه، مدْلالاً تحت جميل ستره ، فانياً تحت سلطان حكمه ، باقياً على بساط لُطفه .
العارفون صارت أنفسهم فانية تحت بقائه وسلطانه عن كل حول وقوة ، تراهم باقين بحوله وقوته ، متلاشين عن كونهم وأسبابهم تحت جلال ألوهيته ، ملوكاً به دون مملكته ، فقرهم به وغناهم به ، وعزّهم به وذلّهم به.
يُروَى أن الله تعالى أوحى إلى داود عليه السلام : يا داود اعرفني واعرف نفسك. فتفكّر داود فقال: إلهي عرفتك بالفردانية والقدرة والبقاء ، وعرفت نفسي بالعجز والفناء. فقال : الآن عرفتني. وروي في الخبر: لو عرفتم الله تعالى حق معرفته لعلمتم العلم الذي ليس بعده جهل ، ولزالت الجبال بدعائكم مع أنه لا ينتهي أحد ولا يبلغ منتهى معرفته أن الله تعالى أعظمُ من أن ينتهي أحد إلى منتهى معرفته.
وقال الإمام جعفر الصادق عليه الرضوان والسلام: لا يعرف الله حق معرفته من التفت منه إلى غيره ، المعرفة هي طيران القلب في سرادق الأُنس والألفة ، جوّالاً في حُجُبِ الجلال والقُدرة ، وهذه حالة من صُمَّت أذناه عن البطالات ، وعميت عيناه عن النظر إلى الشهوات ، وخرس لسانه عن التكلم بالتُّرُّهات.
سُئل محمد بن واسع : هل عرفت ربك ؟ فسكت ساعةً ثم قال : من عرف الله تعالى قلَّ كلامُهُ ، ودام تحيُّره ، وفني عن صور الأعمال ، وتحيّر مع الاتصال ، مُتقرِّباً في جميع الأحوال ، منقطعاً عن الحال إلى وليّ الحال ، فإن الأمور بحقائقها لا بالحسِّ وصورها.
قال أبو يزيد رحمه الله تعالى: ليس على تحقيق بالمعرفة ، من رضي بالحال دون ولي الحال . فإن من عرف الله كَلَّ لسانُه ، ودهش عقله . العارف إن تكلم بحالِه هَلَكْ، وإن سكت احترق .
قال أبو بكر الواسطي: المعرفة على وجهين: معرفة الإيقان ، ومعرفة الإيمان ، فمعرفة الإيمان شهادةُ اللسان بتوحيد المَلِك الديّان ، والإقرارُ بصدق ما في القرآن ، وأما معرفة الإيقان فهي دوام مشاهدة الفرد الديّان بالجَنان.
وقال بعضهم : هي على ضربين :
الأول: هو أن يعرف أن النعمة من الله تعالى ، قال الله تعالى : (وما بكم من نعمةٍ فمن الله) فيقوم بشكره ، فيستزيد به النعمة من الله بدليل قوله تعالى : (لئن شكرتم لأزيدنكم).
الثاني: رؤية المُنعِم من غير أن يلتفت إلى النعمة فيزيد شوقه إلى المُنعِم ، ويقوم بحق معرفته ومحبته ، وذلك قوله تعالى: (يا أيها النبي حسبك الله) ، (فإن تولّوا فقل حسبي الله)
وقال ذو النون المصري: هي على ثلاثة أوجه :
أولها: معرفة التوحيد ، وهي لعامة المؤمنين :
والثاني: معرفة الحُجّةِ والبيان ، وهي للعلماء والبلغاء والحكماء
والثالث: معرفة صفات الفردانية ، وهي لأهل ولاية الله تعالى وأصفيائه الذين أظهر الله لهم ما لم يُظهر لمن دونهم ، وأعطاهم من الكرامات ما لم يجز أن يوصف ذلك بين يَدَيْ مَن لا يكون أهلاً له ؛ خصّهم الله من بين الخلائق واصطفاهم لنفسه واختارهم له ، فحياتهم رحمة ومماتهم غبطة ، طوبى لهم .
وقال غيره: هي على وجهين :
معرفة التوحيد ، وهو إثبات وحدانية الواحد القهّار
ومعرفة المزيد ، وهي التي لا سبيل لأحد إليها .
حكي عن عبدالباري قال: خرجت مع أخي ذي النون فإذا نحن بصبيان يرمون واحداً بالحجارة ، فقال لهم أخي: ما تريدون منه ؟ قالوا: هذا رجلٌ مجنون ، ومع ذلك يزعم أنه يرى الله تعالى ، قال: فدنونا منه ، فإذا هو شابٌ وسيم ، ظهر عليه سيما العارفين ، فسلَّمنا عليه ، وقلنا: إنهم يزعمون أنك تدَّعي رؤية الله تعالى ، فقال: إليك عني يا بطّال، لو فقدته أقل من طرفةِ عينٍ لَمُتُّ من ساعتي ، وأنشأ يقول:
طَلَبُ الحبيبِ مــن الحبيبِ رضاهُ
ومُنى الحبيبِ من الحبيبِ لقاهُ
أبـــــداً يلاحِظُـــــه بعَيني قلبــــــهِ
والقـلبُ يعـرفُ ربَّهُ ويــــراهُ
يرضَى الحبيبُ من الحبيبِ بقربه
دونَ العبادِ ، فما يريدُ سِــواهُ
فقلت له: أمجنون أنت ؟ فقال: أمّا عند أهل الأرض فنعم ، وأما عند أهل السماء فلا ، قلتُ: فكيف حالك مع المولى ؟ فقال : منذ عرفته ما جفوته ، فقلت منذ كم عرفته ؟ قال: منذ جعل اسمي في المجانين.