عدد المشاهدات:
" إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ مَعَالِيَ الأُمُورِ وَأَشْرَافَهَا وَيَكْرَهُ سَفْسَافَهَا " .حديث.
أَن الله يحب معالى الْأُمُور وَيكرهُ سفسافها أَي دنيئها، فالمعالى والمسفساف كلمتان جامعتان لأسباب السَّعَادَة والشقاوة وَمن يكون عَارِفًا بربه أَي بِمَا يعرف بِهِ منصِفَاته (تصور ابتعاده) لعَبْدِهِ باضلاله وَإِرَادَة الشَّرّ بِهِ(من قوبه) لَهُ بهدايته وتوفيقه فخاف عِقَابه وارتجى ثَوَابه وَكَانَ صاغيا بِهِ لما يكون آمرا بِهِ وناهيا عَنهُ فَكل مَا أمره بِهِ يرتكب وَمَا نهى عَن فعله يجْتَنب فَصَارَ محبوبا لخالق الْبشر والمخلوقات بأسرها (لَهُ بِهِ سمع وبطش وبصر) فتترتب على محبَّة الله صِيَانة جوارحه وحواسه فَلَا يسمع إِلَّا لله وَلَا يبصر إِلَّا لَهُ وَلَا يبطش إِلَّا لأَجله كَمَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أحب لله وَأبْغض لله وَأعْطى لله وَمنع لله فقد اسْتكْمل الايمان وكما كَانَت حَالَته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه مَا انتقم لنَفسِهِ فِي شئ يوتى إِلَيْهِ إِلَّا أَن تنتهك حرمات الله فَيكون هُوَ المنتقم لله (وَكَانَ لله وليا) إِن طلب مِنْهُ أعطَاهُ وَإِن استعاذ بِهِ أَعَاذَهُ ثمَّ زَاده مِمَّا أحب.
قَالَ بَعضهم الْعَارِف عِنْد أهل التصوف من عرف الْحق بأسمائه وَصِفَاته ثمَّ صدق الله تَعَالَى فِي جَمِيع معاملاته ثمَّ تنفى عَن أخلاقه المذمومة وآفاته ثمَّ طَال بِالْبَابِ وُقُوفه ودام بِالْقَلْبِ عكوفه فحظى من الله بِجَمِيعِ آماله وَصدق الله تَعَالَى فِي جَمِيع أَعماله وأحواله وانقطعت عَنهُ هواجس نَفسه وَلم يصغ بِقَلْبِه إِلَى خاطر يَدعُوهُ إِلَى غَيره (وقاصر الهمة) أَي دنيئها بِأَن جنح إِلَى سفساف الْأُمُور وَعدل عَن معامليها فَلَا يرفع نَفسه بالمجاهدة لِأَنَّهُ أسرته الشَّهْوَة وميل النَّفس إِلَى الرَّاحَة فَصَارَلَا يبالى هَل قربه الله أَو أبعده فَلَا يتَعَلَّم أمره وَلَا نَهْيه وَلَا يعْمل بِمُقْتَضى وَاحِد مِنْهُمَا لَو علمه وَلَا يبالى بِمَا أكتسبه من المَال هَل هُوَ من حَلَال أَو حرَام وَلَا مَا عمله من الْأَعْمَال هَل يُوَافق الشَّرْع أَولا وَلَا يبالى فِي أَفعاله هَل تسخط الرب أَو ترضيه وَقد أعرض عَن اخراه وانهمك فِي دُنْيَاهُ، وَقد قَالَ الْعلمَاء رَضِي الله عَنْهُم الخسيس من بَاعَ دينه بدنياه وأخس الأخساء من بَاعَ دينه بدنيا غَيره وَهُوَ متكل بجهله وغروره على عَفْو الله وَكَرمه بِلَا خوف وَلَا عمل وَحِينَئِذٍ (يجهل فَوق الْجَهْل كالجهال) فالجهل أول دَاء النَّفس ثمَّ حب الْأَشْيَاء ثمَّ قلَّة المبالاة ثمَّ الجرأة ثمَّ قلَّة الْحيَاء ثمَّ المنى بفوز الْآخِرَة وَهَذَا حَال من ركبته النَّفس الأمارة بالسوء.
وَأول منزل من منَازِل السالك ذبح نَفسه بسكين الرياضة (فدونك) أَيهَا الْمُخَاطب بعد أَن عرفت عالى الهمة ودنيئها وَعلمت أَن الله مطلع على أقوالك وأعمالك وَمَا فِي قَلْبك ومجازيك على سَائِر أعمالك من ثَوَاب أَو عِقَاب فَخذ لنَفسك وَانْظُر أَيهمَا ترضاه لنَفسك الصّلاح الْمُوجب للفوز بالنعيم الْمُقِيم أَو فَسَادًا تسْتَحقّ بِهِ الْعَذَاب الْأَلِيم فِي نَار الْجَحِيم أَو سَعَادَة من الله أَو شقاوة ونعيما مِنْهُ أَو جحيما.
الكتاب : شرح كتاب غاية البيان شرح ابن رسلان
أَن الله يحب معالى الْأُمُور وَيكرهُ سفسافها أَي دنيئها، فالمعالى والمسفساف كلمتان جامعتان لأسباب السَّعَادَة والشقاوة وَمن يكون عَارِفًا بربه أَي بِمَا يعرف بِهِ منصِفَاته (تصور ابتعاده) لعَبْدِهِ باضلاله وَإِرَادَة الشَّرّ بِهِ(من قوبه) لَهُ بهدايته وتوفيقه فخاف عِقَابه وارتجى ثَوَابه وَكَانَ صاغيا بِهِ لما يكون آمرا بِهِ وناهيا عَنهُ فَكل مَا أمره بِهِ يرتكب وَمَا نهى عَن فعله يجْتَنب فَصَارَ محبوبا لخالق الْبشر والمخلوقات بأسرها (لَهُ بِهِ سمع وبطش وبصر) فتترتب على محبَّة الله صِيَانة جوارحه وحواسه فَلَا يسمع إِلَّا لله وَلَا يبصر إِلَّا لَهُ وَلَا يبطش إِلَّا لأَجله كَمَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أحب لله وَأبْغض لله وَأعْطى لله وَمنع لله فقد اسْتكْمل الايمان وكما كَانَت حَالَته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه مَا انتقم لنَفسِهِ فِي شئ يوتى إِلَيْهِ إِلَّا أَن تنتهك حرمات الله فَيكون هُوَ المنتقم لله (وَكَانَ لله وليا) إِن طلب مِنْهُ أعطَاهُ وَإِن استعاذ بِهِ أَعَاذَهُ ثمَّ زَاده مِمَّا أحب.
قَالَ بَعضهم الْعَارِف عِنْد أهل التصوف من عرف الْحق بأسمائه وَصِفَاته ثمَّ صدق الله تَعَالَى فِي جَمِيع معاملاته ثمَّ تنفى عَن أخلاقه المذمومة وآفاته ثمَّ طَال بِالْبَابِ وُقُوفه ودام بِالْقَلْبِ عكوفه فحظى من الله بِجَمِيعِ آماله وَصدق الله تَعَالَى فِي جَمِيع أَعماله وأحواله وانقطعت عَنهُ هواجس نَفسه وَلم يصغ بِقَلْبِه إِلَى خاطر يَدعُوهُ إِلَى غَيره (وقاصر الهمة) أَي دنيئها بِأَن جنح إِلَى سفساف الْأُمُور وَعدل عَن معامليها فَلَا يرفع نَفسه بالمجاهدة لِأَنَّهُ أسرته الشَّهْوَة وميل النَّفس إِلَى الرَّاحَة فَصَارَلَا يبالى هَل قربه الله أَو أبعده فَلَا يتَعَلَّم أمره وَلَا نَهْيه وَلَا يعْمل بِمُقْتَضى وَاحِد مِنْهُمَا لَو علمه وَلَا يبالى بِمَا أكتسبه من المَال هَل هُوَ من حَلَال أَو حرَام وَلَا مَا عمله من الْأَعْمَال هَل يُوَافق الشَّرْع أَولا وَلَا يبالى فِي أَفعاله هَل تسخط الرب أَو ترضيه وَقد أعرض عَن اخراه وانهمك فِي دُنْيَاهُ، وَقد قَالَ الْعلمَاء رَضِي الله عَنْهُم الخسيس من بَاعَ دينه بدنياه وأخس الأخساء من بَاعَ دينه بدنيا غَيره وَهُوَ متكل بجهله وغروره على عَفْو الله وَكَرمه بِلَا خوف وَلَا عمل وَحِينَئِذٍ (يجهل فَوق الْجَهْل كالجهال) فالجهل أول دَاء النَّفس ثمَّ حب الْأَشْيَاء ثمَّ قلَّة المبالاة ثمَّ الجرأة ثمَّ قلَّة الْحيَاء ثمَّ المنى بفوز الْآخِرَة وَهَذَا حَال من ركبته النَّفس الأمارة بالسوء.
وَأول منزل من منَازِل السالك ذبح نَفسه بسكين الرياضة (فدونك) أَيهَا الْمُخَاطب بعد أَن عرفت عالى الهمة ودنيئها وَعلمت أَن الله مطلع على أقوالك وأعمالك وَمَا فِي قَلْبك ومجازيك على سَائِر أعمالك من ثَوَاب أَو عِقَاب فَخذ لنَفسك وَانْظُر أَيهمَا ترضاه لنَفسك الصّلاح الْمُوجب للفوز بالنعيم الْمُقِيم أَو فَسَادًا تسْتَحقّ بِهِ الْعَذَاب الْأَلِيم فِي نَار الْجَحِيم أَو سَعَادَة من الله أَو شقاوة ونعيما مِنْهُ أَو جحيما.
الكتاب : شرح كتاب غاية البيان شرح ابن رسلان