آخر الأخبار
موضوعات

الأربعاء، 5 أبريل 2017

- مُعْـجِزَةُ الإِسْـرَاء

عدد المشاهدات:
مُعْـجِزَةُ الإِسْـرَاء
عَجَائِبُ الإِسْــرَاء
سِرُّ تَعَدُّدِ رِوَايَاتِ الإِسْرَاء
حِكْمِـةُ الْمِعْــــرَاج
عَرْضُ الإِسْرَاء عَلَىَ أَهْلِ مَكَّةَ
بَيَـــانُ الْمِعْرَاجِ للْمُؤْمِنِين
الإِسْـــرَاءُ وَالعَصْرُ الْحَدِيث
الرَّبْـطُ بَيْنَ الدِّيـنِ وَحَقَائِقِ الْعِلْم
ضَوَابِطُ الْرَّبْـطِ بَيْنَ الْدِّيـنِ وَالْعِلْم
تَنْقِيَّـةُ الْقَصَصِ الْدِّيِنِي مَنْ الْخُرَافَات
إِعْجَازُ الْقُرْآنِ الْعِلْمِى
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الوهَّاب العليم، يفتح على عباده المؤمنين من علومه العليَّة، وأسراره الوهبية، ما لا يخطر على البال، ولا يَمُرُّ بعقلٍ ولا خيال، وإنما هي مِنَحٌ من فضل ووهب الواحد المتعال عزَّ وجلَّ.
والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد بن عَبْدِ الله، الذي جعله الله عزَّ وجلَّ نوراً ساطعاً لكل روح آمنت بالله في مُلك الله أو ملكوته، فهو صلى الله عليه وسلم في كل حركة من حركاته، أو سكنة من سكناته، أو طرفة من طرفاته، كنوز من العلوم والأسرار، لا يَدْرِى بها إلا الأخيار. فصلوات الله وسلامه عليه، صلاة نقع بها جميعاً على كنزِ الكنوز، وسرِّ الأسرار، سيدنا ومولانا محمد وآله الأخيار، وأصحابه الأبرار، وكل من تبعهم إلي يوم القرار، أمين .
إخواني وأحبابي: كل عام وأنتم بخير جميعاً. رحلة الإسراء انفردت بصفات ونعوت غريبة وعجيبة، فهي معجزة، والمعجزة هي الأمر الخارق للعادة الذي يأتي على غير السُّنن المرعية، والقوانين الإلهية التي تنظم الحياة الكونية.
والمعجزات تفضل الله عزَّ وجلَّ بها على كلِّ الأنبياء والمرسلين، فما مِنْ نَبِيٍّ أو رسول إلا وأيدَّه الله بمعجزات من عنده. وحكمة المعجزة كأن الله يقول للمُشَاهِدِ لها، و المُبَلَّغين بها: (هذا عبدي ورسولي، وصدق فيما بلغكم عني، فاتبعوه). أي أنها دليل على صـدقه، وتأييد من الذي أرسله عزَّ وجلَّ.
لكن لو نظرنا إلي معجزات السابقين، نجد أن المعجزة لمن هم حاضرون وقتها، يعني حتى الناس المعاصرون لهذا الزمن - ولكن في مكان آخر - لا يرونها. أما معجزة الإسراء فنجدها تختلف عن كل المعجزات، فهي معجزة للسابقين، ومعجزة للاحقين، وفي كل زمان يظهر إعجازها لأهل هذا الزمان، مع أن الزمن الذي حدثت فيه انتهى، لكن في كل زمان تنكشف أسرار من هذه المعجزة الباقيـة، وليس هذا فقط، بل أنها معجزة للبشر جميعاً!!
فهي معجزة للمؤمنين كما أنها معجزة للكافرين، ومعجزة للإنس والجن وللملائكة على كافة أصنافهم وأنواعهم وأشكالهم، وكل واحـد منهم له نصيب معلوم وقدر صرفه له الحيُّ القيوم في هذه المعجزة الباقية الخالدة، وتظل بعد ذلك تلك المعجزة على هيئتها وعلى حالتها، وكلٌّ يبيِّن على قدره، ولكن قدر هذه المعجزة لا يعلمه إلا الذي قال في شأنها: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ﴾ [1الإسراء].
وكلمة ﴿سُبْحَانَ﴾: تعني التنزيه الكامل لله عزَّ وجلَّ، فكل الأفكار التي وردت في عقول العلماء، وكل الأسرار التي أذاعها الحكماء عن رحلة الإسراء والمعراج، لم تصل إلي الغاية أو إلي القَدْرِ الذي شاهده رسول الله صلى الله عليه وسلم. فكل من رأى، أو بيّن، أو خطر على باله، أو أُلهِمَ من الله عزَّ وجلَّ بشيء في شأنها، عليه أن يعتقد في نفسه وفي قلبه، أنه ما أوتى من العلم في هذه المعجزة إلا أقل القليل من الله عزَّ وجلَّ.
وهذا حتى لا يأتي أحد ويقول: الذي عرفته في شأن هذه المعجزة لا يوجد غيره!! أو يأتي أحد ويقول: تفسير فلان لهذه المعجزة لا يوجد غيره!! أو الحِكَم التي اكتشفها ووضحها الشيخ فلان لا يوجد غيرها!! لأن فيها كنوز ليس لها حدٌّ، وأسرار ليس لها عدٌّ، وإمداد من الله عزَّ وجلَّ، والله عزَّ وجلَّ لا نفاذ لقدرته، ولا نهاية لكلماته عزَّ وجلَّ.
عَجَائِبُ الإِسْــرَاء
ومن العجب أن الإسراء المعجزة الخالدة تكشَّف بعض منها في هذا العصر، وما زالت البقية تأتي، لأننا نعتقد أن هذا العصر هو عصر القرآن؛ أي عصر بيان القرآن: ﴿ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ﴾ [19القيامة]. أي نحن نبيِّنه، فأنت تقوله وتردده، ونحن نبيِّنه!! كيف نبيِّنه؟ كل زمان على حسب علماء الزمان، وأحوال الزمان، وعقول أهل هذا الزمان! فيبين الله عزَّ وجلَّ إلهاماً على لسان العلماء في هذا الزمان شيئاً من أسرار هذه المعجزة الكريمة.
ولذلك فأنا أهمس في أذن إخواني من العلماء بارك الله فيهم؛ أننا يجب أن نمشي على روح هذا العصر. فالعلماء السابقون لم يكن عندهم سوى الروايات التي سمعوها، وهذه الروايات - لأن العصر كان عصر قصص وحكايات وروايات - دخل فيها كثير من الإسرائيليات، وكثير من الخيالات، مثل قصة الإسراء والمعراج التي ينسبونها لعبد الله بن عباس رضي الله عنه وهو منها برئ. ولذا فعلينا أن نمحص هذه الروايات، ونتحقق من هدفها، وخاصة أننا نجد القصة الصحيحة مذكورة في البخاري ومسلم وكتب السنن، وقد جمع الإمام السيوطي رضي الله عنه وأرضاه معظم هذه الروايات (67رواية) للإسراء والمعراج عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
سِرُّ تَعَدُّدِ رِوَايَاتِ الإِسْرَاء
لماذا تعددت الروايات؟ لأن القصة لما وقعت لم يكن القوم يستطيعون تَحَمُّلَهَا، والعقول ليست متشابهة في درجة الذكاء والإدراك، وكذلك القلوب تتفاوت في التسليم والإيمان. ولذا فرسول الله صلى الله عليه وسلم عندما رجع من رحلته، تحدث عن الإسراء فقط في مكة، أما المعراج فلم يَرْوِ منه شيئاً في مكة، لكن لما ذهب إلي المدينة، وجلس مع المؤمنين في المدينة، كان يحدِّثُهُم عن المعراج، فكلما يجالس قوماً يحدثهم على قدرهم، وعلى قدر ما تستوعبه عقولهم، وعلى قدر ما تتحمله قلوبهم. فهذا سمع رواية، وهذا سمع رواية أخرى، وهذا سمع رواية ثالثة، والكل نقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبقى في صدره صلى الله عليه وسلم أكثر من هذا، وإليه الإشارة بقول الله: ﴿فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى﴾ [10النجم].
إذاً تعدد الروايات كان لتعدد الحظوظ العقلية، وحظوظ السامعين في الفهم والإدراك، وهذه كانت بلاغة الرسول صلى الله عليه وسلم: {أُمِرْنَا أَنْ نْكَلمَ النَّاسَ عَلَى قَدَرِ عُقُولِهِمْ}[1]
فلا يأتي في جلسة عامة ويتكلم عن المشاهد الخاصة في الإسراء والمعراج؛ لأن هذا لا يجوز، ولا يأتي في جلسة خاصة ويتكلم عن نصيب العـوام في الإسراء والمعراج، بل يؤتي كل روح حقها ونصيبها من رحلة الإسراء والمعراج الشاملة للجميع، والتي فيها معاني وأسرار للسابقين واللاحقين.
فالذي دار بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين الأنبياء والمرسلين، ذكر عنه صلى الله عليه وسلم لمحات قليلة جداً!!، والذي دار بينه وبين أهل كل سماء في الروايات هو: {مَنْ ؟ جبريل، ومَنْ معك؟ محمد، مرحباً به فَلَنِعْمَ المجيء جاء}، وكل أهل سماء كانوا مستعدين لهذا اللقاء، وهذا اللقاء كان فيه أسئلة واستفسارات، وفيه علوم وفيه حقائق!! أين هي؟ لم يذعها رسول الله! وكان يحفظها كل أهل سماء لأنهم مؤمنون، وأمروا أن يتَّبعوا سيَّد الأولين و الآخرين.

حِكْمِـةُ الْمِعْـرَاج
وكان الهدف الأسمى من الرحلة أن يعطى صلى الله عليه وسلم لكل طائفة نصيبها، وقد قال في ذلك الإمام أبو العزائم رضي الله عنه:
وَحِكْمَةُ إِسْرَاءِ الحَبِيبِ إِغَاثَةٌ           لِعَالَمِهِ الأَعْلَى وَرَحْمَةُ حَنَّانِ

وَلَمْ يَكُ رَبُّ العَرْشِ فَوْقَ سَمَائه         تَنَزَّهَ عَنْ كَيْفٍ وَعَنْ بُرْهَانِ
وَلَكِنْ لإِظْهَــــــــــارِ الجَمَالِ لأَهْلِهِ       مِنْ العَالمِ الأَعْلَى وَنَيْلِ أَمَانِ
فكانت الرحلة لكي يعطى لكل طائفة نصيبها من رحمة الله عزَّ وجلَّ؛ لأنه رحمة الله للخلائق أجمعين، وما نصيب هؤلاء؟ لم يبح بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن حوله، لأنهم لا يستطيعون تحمُّله، ماذا دار بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين ملائكة الجنَّة حين زارهم؟. لم يذكره لأننا لا نستطيع تحمله!.
فكلُّ رُوحَانيّ من عوالم الله عزَّ وجلَّ، كان له نصيب في تلك الليلة من رحلة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكل زمان له نصيب، فالذين كانوا مع الرسول في زمانه لا يعرفون إلاَّ بيت المقدس، فلا يعرفون السماء؟ ولا النجوم؟ ولا الكواكب؟.

عَرْضُ الإِسْرَاء عَلَىَ أَهْلِ مَكَّةَ
ولذلك فقد حدَّث الذين في مكة عن بيت المقدس!! فطلبوا الدليل عليه بأن يذكر لهم الأبواب والنوافذ، فذكرها ووصفها وبيَّنها لهم صلى الله عليه وسلم، فطلبوا دليلاً مادياً على سيره من مكة إلي بيت المقدس،  فأخبرهم عن قافلتهم التي تاه منها جمل فدَلَّهم عليه، وقد عرفوه بصوته، وأخبرهم عن القافلة الأخرى التي نزل عليها وكشف سقاءها وشرب من مائها،  وهذا دليل مادي للذين يقولون أن الإسراء بالروح!! وهل الروح تشرب؟!! فأعطاهم دليلاً مادياً.
حتى أن أبا سفيان عندما ذهب عند هرقل وسأله عن رسول الله، فأحبَّ أن يضع شيئاً عليه صلى الله عليه وسلم يفقدهم الثقة فيه، فقال: إنه يزعم ويدَّعى أنه جاء عندكم وزار بيت المقدس ورجع، وكان بالمجلس أحد الرهبان الذين يعملون في بيت المقدس، فقال أنا أعرف هذه الليلة!! هو يريد أن يضعها - أي أبو سفيان – وشاية، فجعلها الله عزَّ وجلَّ دليلاً!!!!- قال الراهب: أليست ليلة كذا؟ قال: نعم، قال: وكيف عرفت؟ قال: أنا كلَّ ليلة لا أنام إلا عندما يطمأن الخدم على غلق أبواب المسجد، وفي هذه الليلة كان هناك بابٌ لم يستطيعوا إغلاقه، فأحضرت النجار، وحاول غلقه فلم يستطع!! فقلت له: اتركه حتى الصباح، فبات هذا الباب مفتوحاً - وهو الباب الذي دخل منه رسول الله صلى الله عليه وسلم - فلما جاء الصباح! لم يحتج الباب إلي نجار!!! فكان هذا الحديث على قدر عقول أهل مكة!!!

بَيَـــانُ الْمِعْرَاجِ للْمُؤْمِنِين
وعندما جاء إلي المؤمنين بالمدينة - وهم يعرفون الجنَّة، والنَّار، وسدرة المنتهى، والعرش، والكرسي، والملائكة - فأخبرهم عن هذه الأشياء، ليبيِّن الدلائل للذين يريدون أن يعرجوا بعده بأرواحهم إلى الله عزَّ وجلَّ.
فقال لهم: تعالوَا أعطِي لكم العلامات التي وضعها المرور النبوي على الطريق!! حتى يأخذوا بالهم من المطبات، والعثرات، والأماكن التي تمنعهم من الوصول إلى الله عزَّ وجلَّ!! فيبيَّن لهم العلامات الخاصة بهم، فالعلامة الأولى هي الدنيا، وهكذا وهذا للجماعة الثابتين الذين يريدون السير إلى الله عزَّ وجلَّ.
أما الواصلون؛ فقد وصف لهم كيفية اجتماعه بالأنبياء في بيت المقدس، ثم مشاهدتهم له في السماوات العلا، وعندما يذهب إلى النبيِّ، والنبيُّ يسأل سيدنا جبريل من؟ فيقول: جبريل. ومن معك؟ فيقول: محمد. فيقول: أو قد بعث؟!! فالذي يسأل آدم، وعيسى، ويحي، وهارون، ويوسف، وكل واحد منهم يسأل بالكيفية التي أوردناها، وقد صَلُّوا وراءه صلى الله عليه وسلم!! بل أن سيدنا موسى سلَّم عليه في القبر، ورجع صلَّى وراءه، ثم قابله في السماء السادسة!! إذن فهو هنا يعلِّمهم الأحوال العليَّة، والهيئات النورانيَّة التي تتشكل فيها العوالم الروحانيَّة.
وهذه علوم خاصة، وأسرار خاصة، لا تتكشف إلاَّ لخاصة الخاصة. فكلُّ جماعة لهم عِلْم، ولهم حَال، ولهم أسرارٌ في رسالة الإسراء والمعراج.

الإِسْـــرَاءُ وَالعَصْرُ الْحَدِيث
الذي أريد أن أقوله لإخواني أننا الآن لسنا في عصر الرواية، فعصر الرواية قد انتهى، وعصر القصص والروايات قد انتهى، وماذا يلائم عصرنا من حديث الإسراء؟!!
أن نبيَّن الحِكَمَ والأسرار التي أظهرها العصر، وأظهرتها علوم العصر في كتاب الله، وفي سنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن الله وَعَدَ بهذا حيث قال: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ﴾ [53 فصلت]. ولم يقل: سنريكم، لأنكم آمنتم - والحمد لله - وسلمتم، بل قال: ﴿سَنُرِيهِمْ﴾، أي: الكافرين والمشركين والجاحدين، ولم يقل: "نريهم"، بل قال: ﴿سَنُرِيهِمْ﴾، يعني في المستقبل!! فالسِّينُ للمستقبل، سنريهم آياتنا في الآفاق، وفي الأنفس، لماذا؟!! حتى يتبين لهم أنَّهُ الحقّ، أي حتى يعرفوا أن هذا الكلام هو الحقّ، وأن الله هو الملك الحقّ، وأن سيدنا محمد هو النبيُّ الحقّ صلى الله عليه وسلم. فكيف بيَّنهــا لهم؟ هم يرونها الآن!! ولكني أريد أنا وأنت أن نربطها لهم بالآيات القرآنية، والأحاديث المحمديَّة، لأنه لا يعرف آيات القرآن، ولكن من أين يعرفها؟ منك أنت!!
فالرجل العالم الكندي "كينيث مور" الذي أَلَّفَ أكبر مرجع في علم الأجنَّة (سبع مجلدات) - وهذا هو المرجع المعتمد في كلِّ كليات الطب في العالم - عندما تقابل مع عالم مسلم في يوم من الأيام، ودار بينهما حوار، وقال (العالم المسلم) له: هذا الكلام الذي قلته يوجد عندنا في آية واحدة!! فقال له: أين؟!! فتلى عليه قول الله عزَّ وجلَّ: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ. ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ. ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾ [12-14 المؤمنون].
ترجم له معانيها بالإنجليزية - مع أن كلمات القرآن مستحيل أن تُترجم، لكن الله يمنُّ على الناس الصادقين، ويضع في الترجمة (ما دام فيها صدق) شيئاً من إشراقات أنوار اليقين - وأول ما قرأ الآية، قال الرجل: هذا الكلام هو الذي أفنيتُ عمري أدرس فيه!! وقد ذكر كل هذه الحقائق بالتفصيل.

الرَّبْـطُ بَيْنَ الدِّيـنِ وَحَقَائِقِ الْعِلْم
فهؤلاء الناس يريدون منَّا أن نتابعهم، ونوجِّهَهم، ونربط بين الآيات القرآنية والأحاديث المحمدية وبين الأشياء العلمية. هذا هو البيان الملائم للعصر!! لا يحتاج مني أن أحكي القصة - لأن الناس حفظتها - ولكن استلهم العبر من الأشياء التي في القصة.
مثل: لماذا بدأ الله الآية بــ (سبحان)، ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ﴾ [1الإسراء]؟ لأن هذا شيء فوق طاقة البشر، فالسابقون سمعوها هكذا وسلَّموا، لكن نحن الآن وبهذه المعجزة نزيد إيمان ويقين البشر!! فالبشر الآن لما أراد الله عزَّ وجلَّ أن يبيَّن كتابه؛ ألهمهم صنع التليسكوبات الفلكية الهائلة، وألهمهم صنع مركبات الفضاء، وألهمهم صنع أنواع الوقود التي لا عدَّ لها ولا حصر لها - ومنها الوقود النووي - لينطلقوا في الأكوان!!! لماذا؟ ﴿قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ [101يونس]، لينظروا قدرة الله، فيخروا ساجدين لكلام الله عزَّ وجلَّ.
ولذلك أنتم جميعاً تذكرون أن أول رائد فضاء أمريكي أسلم في القاهرة عندما سمع الآذان!! وقال: ما هذا؟!! قالوا له: هذا آذان المسلمين. فقال: هذا الذي سمعته على القمر!!- مع أن العلم يقول: أنه على سطح القمر لا يوجد هواء ينقل الصوت، ولا يوجد شيء يشير إلى الحياة، كماء أو زرع - إذن الله أرسله إلى القمر، ليؤمن هنا في القاهرة، فكان هذا سبب الهداية!! فالحمد لله؛ العلم هو الذي هداه للإيمان.
إذا كنا الآن في العالم الذي نعرفه - حتى الآن - نرى قدرات مذهلة لله عزَّ وجلَّ، ولأنها فوق طاقات البشر، فلابد أن تكون هناك قوى عظمى لله عزَّ وجلَّ أوجدت هذه الطاقات، فعندما يأتي الإنسان الآن ويرى بالأجهزة الحديثة الكلام الذي قاله القرآن - وكان قد نَزَلَ على رَجُلٍ أُمِّيّ، لم يكن عنده أجهزة ولا بحوث علمية ولا قوانين كونية - فإن ذلك يعطي مؤشراً أن هذا الكلام من الله!! وأن هذا الرجل جاء به من عند الله!! وأن هذا الدين هو الدين الحقّ!! هذه يا إخواني الأشياء التي يجب أن نلتفت إليها، ونبيُّنها لإخواننا المسلمين، لأن الملحدين يشككون في هذه الأشياء.
فمثلاً قصة الإسراء والمعراج، كلُّ المستشرقين في الفترة السابقة كانوا يشككون فيها، ولما جاء عصرنا .. أصبح العصر نفسه شاهداً على إسراء ومعراج الرسول صلى الله عليه وسلم!! لأن العصر نفسه اكتشف أن هناك سرعة اسمها: (سرعة الضوء)، وهي ثلاثمائة ألف كيلومتراً في الثانية، وعندما حسبها العلماء وجدوها السرعة المذكورة في كتاب الله عزَّ وجلَّ : ﴿وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ ﴾ [47الحج].

ضَوَابِطُ الْرَّبْـطِ بَيْنَ الْدِّيـنِ وَالْعِلْم
فالحقائق العلمية تشرح وتوضِّح الآيات القرآنية، وعصرنا الآن هو عصر العلم، قال صلى الله عليه وسلم لأصحابه: {إِنَّكمْ قَدْ أَصبَحْتُمْ في زمانٍ، كثيرٌ فقهاؤُهُ، قليلٌ خُطَباؤُهُ، كثيرٌ مُعْطُوهُ، قليلٌ سُؤَّالُهُ، العَملُ فيهِ خيرٌ مِنَ العِلْمِ، وسيأتي زمانٌ- وهو الذي نحن في الآن -  قليلٌ فقهاؤُهُ، كثيرٌ خطباؤُهُ، وكثيرٌ سُؤَّالُهُ، قليلٌ مُعطوهُ، العلمُ فيهِ خَيرٌ مِنَ العَملِ}[2]. العلم فيه خيرٌ من العمل: لأنني عندما أردُّ مسلماً عن شكوكه التي في عقله نحو مسألة من مسائل الدين أو العقيدة، هل هذا أفضل للمسلمين أم صلاة النافلة التي قد أشعر فيها بنفسي فامتلأ غروراً وتكبراً؟!! عندما أردُّ هذا المسلم إلى الحقّ، وأبيِّن له الطريق المستقيم؛ فهذا عمل أفضل، لأن نفعه تعدَّاني إلى غيري، وهذا العمل داخل في قول الله عزَّ وجلَّ: ﴿ رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ﴾ [8آل عمران].
فمن الذي يردُّ الناس من الزيغ؟ العلماء العاملون والصالحون الذين كُلُّ همِّهم تثبيت اليقين في قلوب المؤمنين، وزيادة الإيمان في قلوب الموحدين، ونمو الإحسان في قلوب المحسنين، وصفاء القلوب لصفاء المشاهدة في أرواح المؤمنين.
فالجهاد الأعظم يا إخواني في هذا العصر، هو: جهاد العلم!! ولكن هناك ضابطان: الضابط الأول: ألا أحضر شيئاً علمياً، ثم أضعه على كتاب الله أو سُنَّة رسوله، أي أحضر نظرية لعالم افترضها ولم تثبت علمياً بعد، وألوى الآيات القرآنية أو الأحاديث النبوية لتأكيدها. وإنما القوانين العلمية التي أصبحت ثابتة ويقينية؛ هي التي لا تتعارض إطلاقاً مع الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، وهذا ما يجعل كل يوم علماء - لا حصر لهم ولا عدَّ لهم - من دول الشرق والغرب يدخلون في دين الله.
لأنه بعد أن يصل إلى العلم اليقيني؛ يذكر له شخص مسلم آية قرآنية واحدة يكون هو قد وصل إلى نتائجها بعد التجارب العلمية والأبحاث والاكتشافات والمجاهدات، وقد ذكرها الله في القرآن في آية بسيطة! أو في كلمة واحدة! وهذه الكلمة لا يستطيع أن يغيِّرها، أو يبدلها، أو يجئ بكلمة أخرى تحل محلها!
من أين هذا الكلام؟ يعرف عندئذ أن هذا الكلام من عند الله عزَّ وجلَّ، وأنه تنزيل من الحميد المجيد، وأن هذا هو الصدق الذي جاء به النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وهكذا .. فالقوانين العلمية اليقينية هي التي قد نؤيد بها حقائقنا الدينية.
فلا يجوز الآن في عصرنا أن نركِّز في حديثنا لشخص تارك للصلاة على عذاب القبر الذي يتعرض له فقط! ونعتقد أن هذا وحده هو الذي يجعله يلتزم بالصلاة، لكن لابد أن أوضح له: ماذا تفيد الصلاة بالنسبة للمخ والجوارح؟، وكيف تفيده نفسه؟ لأنه يريد أن يعرف هذه الأشياء التي تفيده؟ والقرآن بيان لهذه الأشياء في هذا الزمان. وهذا لا يعني أننا نلغي كلام السابقين، ولكن لكل زمان دولةٌ ورجال.
وهذا هو النهج الصحيح للعلماء الذين سبقونا، والذين كانوا على نهج الرسول صلى الله عليه وسلم. فالإمام الشافعي في بغداد عمل مذهباً فقهياً، ولمَّا جاء إلى مصر وجد أن أهل مصر لهم أحوال وأعراف تختلف عن أهل بغداد، فترك مذهبه السابق - وهو فِقْهٌ مُقَنَّن ومقيد - وعمل مذهباً جديداً يتلاءم ويتواكب مع أهل مصر.
 وغنى عن التعريف ما حدث له مع ابنة سيدي أحمد بن حنبل، عندما تركوا له الماء ووجدوا في الصباح الماء كما هو، وسألها أبوها: ما رأيك في الشافعي؟!! فقالت له: فيه ثلاث خصال ليست في الصالحين!! لم يقم الليل، وصلى الفجر بدون وضوء، وملأ بطنه من الطعام!! قال لها والدها: إذا عُرف السبب بطل العجب، وعلينا أن نسأل الإمام الشافعي في ذلك، فقال لهم عندما سألوه:
في هذه الليلة أكرمني الله عزَّ وجلَّ وحللت مائة مسألة كلَّها تَهُمُّ المسلمين! فهل حل المائة مسألة أفضل، أم صلاة ألف ركعة؟!! قال: والفجر صليته بدون وضوء!! لأني منذ صليت العشاء وأنا متوضأ ولم أنم، فقيامه: أن يجلس بين يدي المتفضل يطلب العلم والفضل من الله، ويستمطر كنوز المعرفة من الله؛ هذا قيامه!!!
وهذا كان نظام الأئمة الأعلام رضي الله عنهم وأرضاهم ولكل زمان دولته ورجاله. فالثوب واحد، ولكن حُلَّة هذه السَّنة وموديلها غير السَّنة السابقة أو اللاحقة، وإن كان هو نفس القماش!! ولكن على العَالِم أن يفصِّل القماش على قدر الزمان!! ولا يصحُّ لعالِم من أهل اليقين أن يقف على المنبر ويفصِّل للناس جلباباً كان موجوداً في القرن الثاني أو الثالث!!

تَنْقِيَّـةُ الْقَصَصِ الْدِّيِنِي مَنْ الْخُرَافَات
 في عصور الجهل انتشرت الخرافات، وعلينا الآن أن نُنقِّي تراثنا من هذه الخرافات، ومن ذلك الكتاب الذي سمُّوه " وفاة النبيِّ"، لكي يكثر توزيعه بين أصحاب المكتبات، وكتبوا عليه:"وفاة النبيِّ لمعاذ بن جبل رضي الله عنه وأرضاه"، وسيدنا معاذ لا يعرف الكتاب ولم يؤلفه!!، ولكنهم يريدون المكاسب الباهظة من أي وجه، وكتاب وفاة النبيِّ نجد فيه أشياءَ لا يقبلها الإنسان العادي - وليس الإنسان المتعلم - عن الموت وشدته وضربات السيف، ولكن العلم الحديث لم يقل هذا الكلام، ولا النبيُّ صلى الله عليه وسلم ولا القرآن. فعندما يأتي شخص ويحكي هذا الكلام للناس، هل ينشر الإسلام بذلك أم يحاربه؟!! عندما تكلَّم النبيُّ عن الموت قال: {لَتَمُوتُنَّ كَمَا تَنَامُونَ، وَلتُبْعثُنَّ كَمَا تَسْتَيْقِظُونَ}[3]. هذا كل شيء، والمؤمنون عندما يموتون يقول فيهم الله عزَّ وجلَّ : ﴿الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [32النحل]. لم يضربوهم، بل حيُّوهم وقالوا لهم: (سلامٌ عليكم).
 فالذي جاء من المطار إذا كان مجرماً أو مطلوباً يلقون القبض عليه، إذا كان معه ما يستلزم دفع جمارك أو غرامات يخرج من الخط الأحمر، وإذا كان رجلاً عادياً يخرج من الخط الأخضر، وإذا كان من الوجهاء والأعيان يستقبله الحرس الجمهوري ويخرج من قاعة كبار الزوار.
ونفس الشيء يحدث في الآخرة، فأنا من هنا طالع على مطار الآخرة؛ فإذا كنت من وجهاء المؤمنين؛ فالاستقبال رائع حرس من الجنة، وحرس في كل سماء من السماوات السبع، كما قال الحديث: {يُشَيِّعَهُ مِنْ كُلِّ سَمَاءٍ مُقَرِّبُوهَا}[4]. أين الضرب؟!! لأناس آخرين، قال الله فيهم: ﴿الْمَلآئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ﴾ [50الأنفال]، إذن هذا ليس للمؤمنين، وإنما للكافرين والجاحدين لعنة الله عليهم أجمعين، وعلى هذا فأنا محتاج أن أظهر البيان القرآني الصحيح، وأنقي منه هذه الأشياء الغريبة.
 بعض الأخوة الأفاضل يقول الناس تحبُّ القصص، فنقول له: هذا شيء جميل، قصص القرآن موجود، وفيه الكفاية!! وقصص النبوة أيضاً فيها الكفاية!! لكن لا ينبغي أن أردِّد الروايات التي وضعها اليهود ليظهروا الدعوة الإسلامية بصورة لا تليق.
إِعْجَازُ الْقُـرْآنِ الْعِلْمِي
 وهناك بند آخر هو الآيات الكونية الموجودة في القرآن، فمعجزة القرآن التي كانت موجودة في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت ملائمة للعصر، فلأن العرب كانوا أناساً في قمة البلاغة والفصاحة، أظهر لهم الله عزَّ وجلَّ قمة البلاغة والفصاحة في الكلمات القرآنية والآيات الإلهية. أما الآن فلم يعد مجال الإعجاز القرآني في الفصاحة والبلاغة فقط، بل هناك الإعجاز العلمي في الآيات الكونية التي في القرآن.
 فلو تحدث أحد من العلماء عن تفسير الزلزال للقرطبي عندما فسَّر ظاهرة الزلزال وقال: إن الأرض يحملها ثور على قرن واحد، فإذا تعب الثور نقلها على القرن الآخر فيحدث الزلزال؛ فمثل هذا لا يجوز!! وإنما يجب أن أدرس ظاهرة الزلزال وكيفية حدوثها، وأطبقها على كلام الله، وَسَأَجِدُ أن كلام الله هو القول الفصل، كما قال صلى الله عليه وسلم: {هُوَ الْفَصْلُ لَيْسَ بِالْهَزْلِ}[5].
وكذلك قول الله عزَّ وجلَّ في كتابه الكريم: ﴿وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفًا مَّحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ﴾ [32 الأنبياء]. فالنجوم والكواكب، والشمس والقمر، وهذه الأجرام كلها، لها سقف غير سقف الأرض التي بها ماء وهواء، فلماذا لا تنزل؟!! لأن لها جاذبية عملها الله! وهي من سقفها في حدود مائتي كيلو متر تحفظها، لأنه لو كان هناك ثقب صغير لتسرب الهواء!!
وكذلك الطبقة التي تمنع الأشعة الشديدة من السقوط على الثلج الذي خزنه الله، لأنه مخزن الماء لنا. فالماء جزء منه في الهواء!! وجزء منه في البحر!! وجزء منه في المناطق القطبية جمَّده الله عزَّ وجلَّ، وعندما تنزل هذه المياه على هيئة ثلوج مجمَّدة، تطفو ولا تهبط إلى القاع (لأن الحقيقة العلمية الثابتة أن المواد تنكمش بالتبريد فتزيد كثافتها وكذلك الماء، حتى يصل إلى أربعة درجات مئوية وهى أقل درجة يمكن أن تعيش فيها الأسماك وتستمر الحياة البحرية، وعندها - وهذه خاصية علمية عجيبة أعطاها الله للماء فقط - يبدأ في التمدد وليس الانكماش فيخف وزنه ويطفو إلى أعلى، وبزيادة البرودة يتجمد ويطفو ويصبح هناك طبقة تحت الثلوج الكثيفة بها ماء يجرى، درجة حرارته لا تقل عن أربعة درجات مئوية تحفظ الحياة!!
وسبحان الله، حتى لا تجف البحار ويموت السمك من البرودة الشديدة، ولكن تسير على وجه الماء لكي تذوب وتحفظ درجة حرارة الماء في المناطق السفلى، كي يعيش السمك والحيوانات، فلو ذاب الثلج كله؛ لصار طوفاناً مثل طوفان نوح عليه السلام. فالسقف المحفوظ شيء آخر غير المعلومات التي عرفناها من قبل، إذن لابد أن نجدِّد معلوماتنا، ونعرِّفُها للناس في هذا الزمان؛ لنبين لهم جمال القرآن، وتبيان القرآن الذي يقول فيه الله عزَّ وجلَّ: ﴿ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ﴾ [19القيامة].
وطبعاً لا يوجد رجل واحد يستطيع أن يبينه كله، ولكن كل عالم في تخصصه: فالمهندس يحاول أن يبين هندسته في كتاب الله عزَّ وجلَّ، وعالم الطبيعة يبين الظواهر الموجودة في كتاب الله عزَّ وجلَّ ، والمحامي يبحث في القوانين الإلهية ويقارنها بالقوانين الوضعية. لأن العالم كله في القريب العاجل راجع لكتاب الله، فالعالم كله يتخبَّط؛ وفي النهاية سيجد الاقتصاديون أنه لا ينفع إلا القوانين الاقتصادية التي في كتاب الله، وسيجد المشرّعون أنه لن ينفع أبداً إلا قوانين وأحكام القرآن وهكذا.
فنحن نريد أن يوضح كل شخص من إخواننا الجمال الذي في القرآن الذي يتناسب مع العصر الذي نحن فيه، ويطبق معاني القرآن الصالح لكل زمان ومكان على العصر الذي نحن فيه، وقد قال صلى الله عليه وسلم: {كُونُوا كَالْطَّبِيبِ الْرَّفِيقِ يَضَعُ الدَّوَاءَ فِي مَوْضِعِ الْدَّاءِ}[6]. وكذلك يراعي الإنسان مستوى السامعين: فعندما يقول بعض العلماء: من لا يخرج الزكاة يجئ له الشجاع الأقرع في قبره ... إلى أخره، أقول أنا له شيئاً آخر يلائمه: (عندما تخرج الزكاة تكون قد وقَّعْتَ تأميناً مع الشركة الإلهية، وبمقتضى هذا العقد تُخرج أنت العشر أو نصف العشر، وهم يتولون حفظك، وحفظ أولادك، ويعطوك بركة في أرزاقك، ويعطوك بركة في عقول الأولاد). وهكذا عندما توضح له هذه النواحي العلمية سيقبل على كتاب الله وعلى رسوله. وليس معنى ذلك أن نترك تراثنا الماضي، ولكن هذا ما أمرنا به الله عزَّ وجلَّ عن القرآن: ﴿ بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ [49 العنكبوت].
ولذلك فأجدادنا السابقون الذين أخذت أوربا عنهم العلم، كانوا يربطون بين العلم والدين، فمثلاً: ابن سينا طِبُّهُ مربوط ربطاً وثيقاً بآيات الله وأحاديث رسول الله، والرازي، وكذلك البيروني في علم الفلك، والخوارزمي كذلك، كلهم كانوا يربطون بين العلوم وبين القرآن. وعندما ذهبت هذه الكتب إلى أوربا: وكان رجال الكنيسة يفرقون بين الدين والعلم، طبقوا ذلك على اتصال الدين بالقرآن.
أما نحن فعلينا أن نرجعها إلى عهدها السابق، وإلى ما كانت عليه في البداية، فنربط آيات الله عزَّ وجلَّ بالعلوم الحديثة التي ثبتت مصداقيتها، وأصبحت علوماً ثابتة، وهذا هو الجهاد الأعظم في زماننا الآن، ومن فضل الله عزَّ وجلَّ علينا أنه هيَّأ كثيراً من المسلمين وغيرهم لإثبات هذه الحقائق، وعليك أنت أن تزيح الستار عمَّا في هذه الكتب، وتبيِّن جمالها لإخوانك المسلمين، وهذا جهاد العلماء في هذا الزمان.
نسأل الله عزَّ وجلَّ أن يرزقنا العلم النافع، والقلب الخاشع، والعمل الرافع، وأن يجعلنا قرآنيين في أخلاقنا، وفي تذكيرنا، وفي علمنا، وفي سلوكنا، إنه ربُّ الخير على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير.
وصلى الله على سيِّدنا محمَّد وعلى آله وصحبه وسلم.

*************
 1    كانت هذه الإشراقات في احتفال الإسراء والمعراج الخميس 21 رجب 1413هـ ، 14 يناير 1993م
[1] رواه الديلمى عن ابن عباس رضي الله عنهم، وفى رواية أبى نعيم ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهم في مسند الأحاديث والمراسيل: (لاَ تُحَدثُوا أُمَّتِي مِنْ أَحَادِيثِي إلاَّ من بِمَا تَحْمِلُهُ عُقُولُهُمْ)، وفى رواية أخرى لإتمام بيان المعنى المراد: عن ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهم قَالَ: "قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا نَسْمَعُ مِنْكَ نُحَدثُ بِهِ كُلَّه؟ فَقَالَ: نَعَمْ، إِلاَّ أَنْ تُحَدَّثَ قَوْماً حَدِيثاً لاَ تَضْبِطُهُ عُقُولُهُمْ فَيَكُونَ عَلٰى بَعْضِهِمْ فِتْنَةً"، فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما يُكِنُّ أَشْيَاءَ يُفْشِيهَا إِلى قَوْمٍ.
[2]  عن حِزام بن حيكمٍ بن حِزام عن أَبيهِ في مجمع الزوائد ، وفى ومسند الشاميين عن عبد الله بن سعد ، كما رواه جلال الدين السيوطي في جامع المسانيد و المراسيل عن عبد الله بن سعيد الأنصاري.
[3] ورد في السيرة الحلبية لعبد الله الخفاجي، وفى نور اليقين لمحمد الخضرى.
[4] رواه أبو داود وأجمد وفى مشكاة المصابيح عن البراء بن عازب، كما رواه صاحب الترغيب والترهيب وهو حديث طويل نذكر منه : (إِنَّ الْعَبْدَ المُؤْمِنَ إِذَا كَانَ في انْقِطَاعٍ مَنَ الدُّنْيَا وإِقْبَالٍ مِنَ الآخِرَةِ نَزَلَ إِلْيهِ مَلاَئِكَةٌ مِنَ السَّمَاءِ بِيضُ الْوُجُوهِ، كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الشَّمْسُ مَعَهُمْ كَفَنٌ مِنْ أَكْفَانِ الْجَنَّةِ، وَحَنُوطٌ مِنْ حَنُوطِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَجْلِسُوا مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ، وَيَجِيءُ مَلَكُ المَوْتِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَيَقُولُ: أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ اخْرُجِي إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ قالَ: فَتَخْرُجُ فَتَسِيلُ كَمَا تَسِيلُ الْقَطْرَةُ مِنْ فِي السِّقَاءِ فَيَأَخُذُهَا فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا في يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى يَأْخُذُوهَا فَيَجْعَلُوهَا في ذلِكَ الْكَفَنِ، وَفِي ذلِكَ الْحَنُوطِ، وَيَخْرُجُ مِنْهُ كَأَطْيَبِ نَفْحَةِ مِسْكٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الأرْضِ، قالَ: فَيَصْعَدُونَ بِهَا فَلاَ يَمُرُّونَ عَلَى مَلاءٍ مِنَ المَلاَئِكَةِ إِلاَّ قالُوا: مَا هذَا الرُّوحُ الطَّيِّبُ؟ فَيَقُولاَنِ: فُلاَنُ ابْنُ فُلاَنٍ بِأَحْسَنِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كانَ يُسَمَّى بِهَا في الدُّنْيَا حَتَّى يَنْتَهُوا بِهَا إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَسْتَفْتِحُونَ لَهُ فَيُفْتَحُ لَهُ فَيُشَيِّعَهُ مِنْ كُلِّ سَمَاءٍ مُقَرِّبُوهَا إِلَى السَّمَاءِ الَّتِي تَلِيهَا ، حَتَّى يُنْتَهَى بِهَا إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ فَيَقُولُ اللّهُ عَزَّ وَجَلَّ: اكْتُبُوا كِتَابَ عَبْدِي في عِلِّيِّينَ)، وللحديث بقية طويلة لمن أراد أن يستزيد.
[5] في الحديث المشهور الذي رواه الإمام على بن أبى طالب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في معرض بيانه عن كتاب الله.
[6] حكاية عن قول عيسى عليه السلام كما في الإحياء للغزالي وقوت القلوب لأبى طالب المكِّي.
الموقع الرسمى لفضيلة الشيخ فوزى محمد أبوزيد
التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:




شارك فى نشر الخير