عدد المشاهدات:
لا نزال نتعرض للسؤال الأشهر على ألسنة الناس، لماذا ينتصر العصاة والمذنبون والأشرار وأهل الفساد، ولماذا يتقدمون، ولماذا يتصدرون القوائم التكنولوجية، والقوى العالمية، في حين يتراجع المؤمنون، وتصيبهم الهزيمة على كل الأصعدة؟
وهذا السؤال على شهرته وكثرة تداوله من المهم التصدي له والجواب عليه، بما يناسب، فقد يلقي في قلوب بعض الناس أثرًا سلبيًا..
الحقيقة أننا لا بد أن نبين ابتداءً، أن الحقيقة لها عدة وجوه ومناظير لتكمل صورتها، وأن المنظور الأوحد من جانب قاصر لا يكفي في بيان الأمور ولا توصيفها.
فلا بد لنا قبل أن نحكم على الأشياء بهذا المنظور القاصر، أن نعطي لأنفسنا الفرصة الكاملة للرؤية الفوقية المتمتعة بالبصيرة، ورؤية حقائق الأشياء.
فالحياة والآخرة في المنظور الصحيح طريق واحد، ففي الدنيا الاختبار والامتحان، وفي الآخرة الحساب والثواب أو العقاب، فمن نظر للأشياء باعتبار أن الدنيا والآخرة منفصلين فقد نظر من منظور ناقص مغلوط.
ومن ثم، فالناجح ههنا وهو خاسر في الآخرة، لايمكن أن نعده ناجحًا ولا فائزًا، والغني في الدنيا لسنين قليلة زائلة ثم هو في العذاب الأليم خالدًا فيها لايمكن أن نعده من الأغنياء الفائزين، بل من الخاسرين بكل معنى للكلمة، وكذلك المنتصر ههنا لسنوات تمر مرور السحاب، ثم هو مرتكس في الآخرة ذليل مقهور لايمكن أن نعده منتصرًا.
وقس على ذلك أيضًًا ما يتعلق بالاستمتاع، فالمستمتع بالخمر والزنا ههنا في أيام قلائل زائلة، ثم هو مغموس في العذاب، لايمكننا أن نساويه بمن عف نفسه ومنعها عن المحرمات لفترة بسيطة، ففاز برضوان الله سبحانه في الحياة، ثم هو في النعيم الخالد بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
فكيف إذن يقال على من ثبت على منهجه، وصدق وعد ربه، وامتثل مكارم الأخلاق التي اتفق عليها عقلاء العالم، وسعى في الأرض بالخير والصلاح، وبذل للآخرين وأعطى، فصار ينشر الخير والهدى، ويبث المكارم والفضائل، ويعلم الناس القيم والمعالي، ويتقرب إلى ربه بالعبودية مخلصًا صادقًا، حاملًا بين جنبيه قلبًا سليمًا كريمًا، ثم هو لضعفه، ولعدم استجابة الناس لدعوته الكريمة، وانصرافهم عنه، ثم بظلمهم له، وإيذائهم للناس، وتقديمهم المنافع على المبادىء، كيف يقال على من هذا حاله أنه خاسر؟!
الحقيقة أنه بمقياس الحق والخير هو فالح مصلح، منتصر، تارك لآثار الفضل حيثما كان وحيثما حل، بل إن شانئه وخصمه وعدوه هو الخاسر رغم ما ظهر من انتصاراته الزائفة القائمة على الظلم والزور والخديعة والبهتان، والاستمساك بسبيل غير سبيل الله الرحمن.
كذلك على الجانب الآخر، يجب أن نصف الأمور بوصفها الدقيق، فالمؤمنون قد أمرهم ربهم بمنهج عظيم كريم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ووعدهم بالانتصار إن هم طبقوه واستقاموا عليه {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ . وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ ۖ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ} [الزخرف:43-44].
فإن هم نصروه حق نصره حق فيهم وعده سبحانه وهو لايخلف الميعاد، لكنهم إن لم ينصروا ربهم ولم يرفعوا راية دينهم، ولم يفضلوا ما عنده سبحانه على ما يرغبون فيه من هوى أنفسهم، وإن هم غفلوا ولهو واستحبوا الحياة الدنيا، فستتأخر عنهم المكرمات، وستتراجع عنهم الفضائل والبركات، وسيتأخر عليهم النصر.
كذلك فإن الله سبحانه قد جعل للكون قوانين ونواميس لا يحيد عنها، وجعل أسباباً لكل نتيجة.
فقد ساوى في شأن المادة والأسباب بين جميع الناس، فمن أخذ بالأسباب فقد طبق القانون الكوني، ومن أهملها فقد أهمل الشرط.
لكنه سبحانه وعد المؤمنين بالتوفيق والسداد والرعاية إن هم أطاعوه واتقوه {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} [الطلاق من الآية:4].
إذن فالمؤمن الذي يأخذ بأسباب النجاح الحياتي يتفق فيه أمران، القانون الكوني والتوفيق الإلهي، فيكون عمله مباركاً، ويثاب عليه إن هو أخلص فيه لربه.
وأما غير المؤمنين، فيجازون بحسب جهدهم وعملهم، فالله يعطي الدنيا للمؤمن وغيره إذا هم سعوا إليها، لكنه لا يعطي الآخرة إلا لمن يحب من المؤمنين.
على جانب آخر فبعض الناس يريد الحياة نقية بلا شائبة، صافية بلا كدر، فإن أصابه بلاء انزعج وطار عقله باحثاً عما يمكن أن يفرغ فيه طاقته المكبوتة من أمور الدنيا، ويبحث جاهداً عن زيادة المتاع، ويزداد تعلقه بزخرف الحياة ناسيًا التعلق بالله ربه، وقد ذكر الله مثاله ووصف وصفه بدقة القرآن الكريم في آيات تدعو للتدبر، يقول الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ ۖ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ ۖ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ . يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنفَعُهُ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ . يَدْعُو لَمَن ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ ۚ لَبِئْسَ الْمَوْلَىٰ وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ . إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ . مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ} [الحج:11-15].
والبعض الآخر -من جانب آخر- يظن أنه كلما تقرب إلى الله سبحانه أقبلت عليه الدنيا، وذهبت عنه الآلام بالكلية، وصفت له الحياة فلا مصيبة ولا مشكلة، ويتوقع أن تكون الدنيا مفتوحة له، والأمور سهلة عليه، ولا إزعاج له في شأن من الشئون، وكلاهما فهم خاطئ.
فقد جعل الله سبحانه من سننه في خلقه أن الحياة لا تصفو من كدر، كما شاء سبحانه أن يبتلي المؤمنين بأنواع الابتلاءات والاختبارات، وكلما كان العبد في إيمانه أقوى وأعلى كلما كان ابتلاؤه أشد واختباره أصعب.
وليس هناك أرقى ولا أعظم مقامًا من مقام النبي صلى الله عليه وسلم بين الناس، وليس هناك أكرم على الله منه، ومع ذلك فقد ابتُلي صلى الله عليه وسلم وأوذي أشد أنواع الابتلاء والإيذاء.
فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من يرد الله به خيرًا يصب منه» (صحيح البخاري [5645])"، وعن أنس رضي الله عنه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد الله بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة» (صحيح الترمذي [2396])"، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله وما عليه خطيئة» (سنن الترمذي [2399])".
فهذه الأحاديث وغيرها تبين لنا أن الله سبحانه يبتلي أهل الإيمان، ليختبرهم ويعلم الصادق من الكاذب، وكذلك ليطهرهم وينقيهم من ذنوبهم حتى يلقوه وما عليهم ذنب.
فعلينا أن نُري الله منا خيرًا، وأن نصبر في ابتلاءاته واختباراته سبحانه، وأن نعلم أن فيها خيرًا كبيرًا لنا وحكمة عظيمة لا ندركها، فنرضى بكل ما أصابنا الله به ولنسلم به ولنصبر عليه وليلهج لساننا بحمده عز وجل في كل حال.
قال سبحانه: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ . وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت:2-3].
وهذا السؤال على شهرته وكثرة تداوله من المهم التصدي له والجواب عليه، بما يناسب، فقد يلقي في قلوب بعض الناس أثرًا سلبيًا..
الحقيقة أننا لا بد أن نبين ابتداءً، أن الحقيقة لها عدة وجوه ومناظير لتكمل صورتها، وأن المنظور الأوحد من جانب قاصر لا يكفي في بيان الأمور ولا توصيفها.
فلا بد لنا قبل أن نحكم على الأشياء بهذا المنظور القاصر، أن نعطي لأنفسنا الفرصة الكاملة للرؤية الفوقية المتمتعة بالبصيرة، ورؤية حقائق الأشياء.
فالحياة والآخرة في المنظور الصحيح طريق واحد، ففي الدنيا الاختبار والامتحان، وفي الآخرة الحساب والثواب أو العقاب، فمن نظر للأشياء باعتبار أن الدنيا والآخرة منفصلين فقد نظر من منظور ناقص مغلوط.
ومن ثم، فالناجح ههنا وهو خاسر في الآخرة، لايمكن أن نعده ناجحًا ولا فائزًا، والغني في الدنيا لسنين قليلة زائلة ثم هو في العذاب الأليم خالدًا فيها لايمكن أن نعده من الأغنياء الفائزين، بل من الخاسرين بكل معنى للكلمة، وكذلك المنتصر ههنا لسنوات تمر مرور السحاب، ثم هو مرتكس في الآخرة ذليل مقهور لايمكن أن نعده منتصرًا.
وقس على ذلك أيضًًا ما يتعلق بالاستمتاع، فالمستمتع بالخمر والزنا ههنا في أيام قلائل زائلة، ثم هو مغموس في العذاب، لايمكننا أن نساويه بمن عف نفسه ومنعها عن المحرمات لفترة بسيطة، ففاز برضوان الله سبحانه في الحياة، ثم هو في النعيم الخالد بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
فكيف إذن يقال على من ثبت على منهجه، وصدق وعد ربه، وامتثل مكارم الأخلاق التي اتفق عليها عقلاء العالم، وسعى في الأرض بالخير والصلاح، وبذل للآخرين وأعطى، فصار ينشر الخير والهدى، ويبث المكارم والفضائل، ويعلم الناس القيم والمعالي، ويتقرب إلى ربه بالعبودية مخلصًا صادقًا، حاملًا بين جنبيه قلبًا سليمًا كريمًا، ثم هو لضعفه، ولعدم استجابة الناس لدعوته الكريمة، وانصرافهم عنه، ثم بظلمهم له، وإيذائهم للناس، وتقديمهم المنافع على المبادىء، كيف يقال على من هذا حاله أنه خاسر؟!
الحقيقة أنه بمقياس الحق والخير هو فالح مصلح، منتصر، تارك لآثار الفضل حيثما كان وحيثما حل، بل إن شانئه وخصمه وعدوه هو الخاسر رغم ما ظهر من انتصاراته الزائفة القائمة على الظلم والزور والخديعة والبهتان، والاستمساك بسبيل غير سبيل الله الرحمن.
كذلك على الجانب الآخر، يجب أن نصف الأمور بوصفها الدقيق، فالمؤمنون قد أمرهم ربهم بمنهج عظيم كريم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ووعدهم بالانتصار إن هم طبقوه واستقاموا عليه {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ . وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ ۖ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ} [الزخرف:43-44].
فإن هم نصروه حق نصره حق فيهم وعده سبحانه وهو لايخلف الميعاد، لكنهم إن لم ينصروا ربهم ولم يرفعوا راية دينهم، ولم يفضلوا ما عنده سبحانه على ما يرغبون فيه من هوى أنفسهم، وإن هم غفلوا ولهو واستحبوا الحياة الدنيا، فستتأخر عنهم المكرمات، وستتراجع عنهم الفضائل والبركات، وسيتأخر عليهم النصر.
كذلك فإن الله سبحانه قد جعل للكون قوانين ونواميس لا يحيد عنها، وجعل أسباباً لكل نتيجة.
فقد ساوى في شأن المادة والأسباب بين جميع الناس، فمن أخذ بالأسباب فقد طبق القانون الكوني، ومن أهملها فقد أهمل الشرط.
لكنه سبحانه وعد المؤمنين بالتوفيق والسداد والرعاية إن هم أطاعوه واتقوه {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} [الطلاق من الآية:4].
إذن فالمؤمن الذي يأخذ بأسباب النجاح الحياتي يتفق فيه أمران، القانون الكوني والتوفيق الإلهي، فيكون عمله مباركاً، ويثاب عليه إن هو أخلص فيه لربه.
وأما غير المؤمنين، فيجازون بحسب جهدهم وعملهم، فالله يعطي الدنيا للمؤمن وغيره إذا هم سعوا إليها، لكنه لا يعطي الآخرة إلا لمن يحب من المؤمنين.
على جانب آخر فبعض الناس يريد الحياة نقية بلا شائبة، صافية بلا كدر، فإن أصابه بلاء انزعج وطار عقله باحثاً عما يمكن أن يفرغ فيه طاقته المكبوتة من أمور الدنيا، ويبحث جاهداً عن زيادة المتاع، ويزداد تعلقه بزخرف الحياة ناسيًا التعلق بالله ربه، وقد ذكر الله مثاله ووصف وصفه بدقة القرآن الكريم في آيات تدعو للتدبر، يقول الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ ۖ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ ۖ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ . يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنفَعُهُ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ . يَدْعُو لَمَن ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ ۚ لَبِئْسَ الْمَوْلَىٰ وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ . إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ . مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ} [الحج:11-15].
والبعض الآخر -من جانب آخر- يظن أنه كلما تقرب إلى الله سبحانه أقبلت عليه الدنيا، وذهبت عنه الآلام بالكلية، وصفت له الحياة فلا مصيبة ولا مشكلة، ويتوقع أن تكون الدنيا مفتوحة له، والأمور سهلة عليه، ولا إزعاج له في شأن من الشئون، وكلاهما فهم خاطئ.
فقد جعل الله سبحانه من سننه في خلقه أن الحياة لا تصفو من كدر، كما شاء سبحانه أن يبتلي المؤمنين بأنواع الابتلاءات والاختبارات، وكلما كان العبد في إيمانه أقوى وأعلى كلما كان ابتلاؤه أشد واختباره أصعب.
وليس هناك أرقى ولا أعظم مقامًا من مقام النبي صلى الله عليه وسلم بين الناس، وليس هناك أكرم على الله منه، ومع ذلك فقد ابتُلي صلى الله عليه وسلم وأوذي أشد أنواع الابتلاء والإيذاء.
فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من يرد الله به خيرًا يصب منه» (صحيح البخاري [5645])"، وعن أنس رضي الله عنه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد الله بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة» (صحيح الترمذي [2396])"، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله وما عليه خطيئة» (سنن الترمذي [2399])".
فهذه الأحاديث وغيرها تبين لنا أن الله سبحانه يبتلي أهل الإيمان، ليختبرهم ويعلم الصادق من الكاذب، وكذلك ليطهرهم وينقيهم من ذنوبهم حتى يلقوه وما عليهم ذنب.
فعلينا أن نُري الله منا خيرًا، وأن نصبر في ابتلاءاته واختباراته سبحانه، وأن نعلم أن فيها خيرًا كبيرًا لنا وحكمة عظيمة لا ندركها، فنرضى بكل ما أصابنا الله به ولنسلم به ولنصبر عليه وليلهج لساننا بحمده عز وجل في كل حال.
قال سبحانه: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ . وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت:2-3].